-->

رواية جديدة بحر ثائر جـ2 لآية العربي - الفصل 12 - الأربعاء 18/6/2025

 

قراءة رواية بحر ثائر الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية بحر ثائر

الجزء الثاني 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل الثاني عشر 


تم النشر الأربعاء 

18/6/2025



على أمل... 


ونعيش على أمل... 


أن يكون الغد بلا ألم... 


على أمل 


أن الغد أجمل... 


على أمل.. 


أن كل ألم 


معك لا بأس به 


كل عاصفة.. 


معك لا بأس بها


كل موت معك


يامرحبا به... 


على أمل.. 


أن نحيا معا 


كل الأحلام 


كل الأيام 


على أمل.. 


أن مانعيشه الآن من صعبٍ وألم


من عواصف و برد وسقمْ


هو ثمن للغد الأجمل 


ثمن لنعيش أحلامنا 


ثمن... لنصنع أجمل ذكرياتنا... 


ثمن ليفخر بنا أطفالنا... 


ثمن لينتصر حبنا..... 


على أمل... أن نبقى دوما على أمل..


( بقلم فيروزة  ) 


❈-❈-❈


ليلًا  .


تركها ونهض يجهز الطعام لكليهما بعد أن أغرقها حبًا  .


جلست على الفراش تعيد خصلاتها للوراء وتنتظره وعقلها ينسج أفعاله معها  ، توغلتها سعادة تفشت على ملامحها جعلتها تبتسم وتتململ بدلال  .


نهضت بخفة وترجلت تتجه نحو النافذة وتنظر منها  ، تطل على الجزء الخلفي من الفيلا والذي يظهر فيه أرجوحة ومسبح وركنٍ مخصص لجلسة استرخاء .


التقطت نفسًا عميقًا ثم رفعت رأسها تتأمل السماء والليل والقمر المختنق بعض الشيء .


عادت تفكر ، كلماته كانت كدرسٍ في الحياة ،  حتى أفعاله وتصرفاته جميعها تصب في التعلم وهي تتميز بالذكاء وتلتقط منه سريعًا لذا تفكر، وفي حزم أفكارها تريد إسعاده كما يفعل معها  . 


كيف تهبه مفاجأة تسره وتزيح قليلًا من على عاتقه  ؟ 


تفاجأت به يعانقها لذا أغمضت عينيها بسلام وأراحت رأسها للخلف ترتكز على صدره فمال يقبل وجنتها ثم اعتدل يردف بترقب  : 


- ماجوعتيش ولا إيه  ؟ 


ابتسمت وتمسكت بكفيه المحيطان لخصرها ثم التفتت تطالعه بمقلتين هائمتين وتجيبه بهمس  : 


- تؤ  ،  أفعالك مشبعاني  ،  أنا كنت بدور عليك بقالي سنين يا ثائر  ،  كنت استسلمت ويأست إني ألاقيك  ،  علشان كدة وجودك في حياتي كان حلم  ،  إنت جيت سحبتني للحلم ده وأنا دلوقتي عايشاه ومش عايزة أفوق منه أبدًا مهما حصل  . 


مال يقطف من شفتيها قبلة ثم عاد يطالعها مسحورًا بكلماتها يردد على مسامعها  : 


- لاء  ،  الصح إنك كنتِ جوة كابوس سيء وطلعتي منه  ، طلعتي منه لما قررتي تفوقي لنفسك وتمارسي هوايتك وتتحدي الظلم اللي كنتِ ساكتة عنه  ، وجودي في حياتك جزء من الواقع اللي تستحقي تعيشيه  ،  وانا اللي لازم أقولك شكرًا لإنك ظهرتي وغيرتي موازين حياتي  ،  أنا اللي كنت محتاج لك أوي يا ديما  ،  كنت حاسس إني إنسان بلا مشاعر  ،  كإنهم جمدوا قلبي  ،  إنتِ ظهرتي ودوبتي الجليد وانعشتي القلب البارد  . 


رفعت كفها تضعه على قلبه وتملسه بحبٍ كبير ثم اقتربت بوجهها تقبل موضع قلبه وتستريح بوجهها عليه تستشعر نبضاته الدافئة لتبتسم وتتنفس بارتياح  . 


لمح بعض حبات المطر تتساقط في الخارج فنبهها يردف لأنه يعلم كم تحبه  : 


- بتمطر  . 


ابتعدت تلتفت للنافذة مرةً أخرى تنظر للمطر باشتياق  ،  تعشق المطر  ،  عادت تلتفت له وتساءلت بهيام   : 


- فاكر لقاءنا الأول  ؟  


أومأ مبتسمًا فأشارت له بمغزى فأومأ لذا تمسكت بكفه وسحبته معها تتحرك نحو الباب المطل على الحديقة ولكنها توقفت فجأة تتساءل  : 


- فيه حد من الحراسة ممكن ييجي هنا  ؟ 


هز رأسه يجيبها  : 


- لاء هما قدام البوابة وبرا السور  . 


أومأت وفتحت الباب الزجاجي وخطت على العشب الأخضر حتى وقفت أمامه وأسفل حبات المطر وبدأت تفرد ذراعيها استقبالًا لهم  . 


وقف يتكتف ويطالعها مبتسمًا فطالعته تتساءل بمغزى  : 


- هو انت ليه خرجت ورايا يومها  ؟ مش معقول علشان خايف عليا من المطر فعلًا  ! 


أجابها بثباتٍ وثقة  : 


- لإن من اللحظة دي إنتِ بقيتي تخصي ثائر ذو الفقار  ،  لقيت الناس بتشاور عليكي وبتتفرج على البنت الجميلة أم شعر بني اللي بتلف تحت المطر، وقتها ماتحملتش حاجة زي دي ولقيت نفسي جايلك وعايز اخبيكي منهم  . 


ضحكت بسعادة وعادت تدور حول نفسها ووقف يشاهدها  ،  لم يكن مطرًا غزيرًا بل حبات هادئة مسالمة كحال قلبيهما الآن  . 


هيأتها تعبر له عن حريتها  ،  طاقتها  ،  عفويتها  ،  وسعادتها التي ترقص حولها لذا تنفس وحرر يديه يقترب منها وينقض عليها مقيدًا حركتها يردف باهتمام : 


- كفاية كدة  ،  هتبردي  . 


لم يمهلها وقتًا واستلم شفتيها يكافئ نفسه بقلبة جديدة لم يعد يحصيها عددًا  ،  تتصرف أمامه بعفويتها ولكن حتى عفويتها تثيره  ،  يالها من امرأة جمعت قوانين الأنوثة في قبضتها وكلما تحركت نثرت منها ما يجعله مختلفًا كليًا معها، مجردًا بشكلٍ تام من بروده  .


❈-❈-❈


صباحًا 


استيقظ سريعًا حينما رن هاتفه ليلتقطه وينهض مبتعدًا عن ديما النائمة  .


تحرك نحو المكتب يجيب بترقب  : 


- سامعك يا رشدي بيه  . 


تلقى الأوامر والتعليمات لذا أغلق وزفر بقوة ثم مسح على وجهه وعاد إليها ليجدها تتململ على وشك الاستيقاظ  . 


اتجه إليها ومال يقبل وجنتها فابتسمت وأبصرت له تردف بتحشرج  : 


- صباح الخير  . 


- صباح الحب  . 


أجابها يعتدل ويسترسل بنبرة جادة  : 


- هنتغدى النهاردة برا  . 


تعجبت قليلًا من نبرته لذا نهضت والتفتت له تتساءل بشكٍ   : 


- حصل حاجة  ؟ 


لم يعد بإمكانه إخفاء أي شيءٍ عنها  ،  يخشى توترها وقلقها ولكنه بات مجبرًا على إخبارها بكل شيء لذا تنهد يجيب  : 


- توماس ورحمة هيتواجدوا النهاردة في مطعم ****  ،  لازم أنا وانتِ نبقى هناك قبلهم كإنها صدفة  ،  وبداية شرارة  . 


ازدردت ريقها تطالعه بثقب ثم حاولت التحلى بالشجاعة فنطقت تدعمه وهي تتمسك بكفه : 


- تمام  ،  أنا معاك  ، عرفني هنعمل إيه وانا معاك  . 


ظل يحدق بها ثم أومأ ورفع كفها يلثمه ثم تركها وتحرك نحو الحمام يخفي شعوره عنها ولكنها تدركه  ،  تعلم أنه لا يريدها أن تشارك برغم حديثهما سويًا ولكن قضي الأمر وعليها أن تفعل مابوسعها لتنجح خطتهما  . 


❈-❈-❈


جلسوا حول مائدة الطعام  . 


يتحدث داغر مع منال وبسمة والصغيران متجنبًا حديثه مع هذه الدينا التي عم الغيظ تقاسيم وجهها  . 


للمرةِ الأولى يتجاهلها ويخاصمها هكذا  ،  وهي أيضًا فعلت ولكنها ليست مخطأة وإلا كانت اعتذرت  ،  ولكن شيئًا ما داخلها يأبى هذا الموقف منه لذا كسرت الصمت بينهما وقالت ببعض الثبات الزائف  : 


- على فكرة أنا عارفة إنك بتعمل كدة معايا علشان تضايقني  ،  للأسف أنت اتغيرت أوي الفترة دي يا داغر علشان كدة ماتستغربش لما تلاقيني أنا كمان اتغيرت  . 


انتظتره أن يوبخها  ،  يعنفها  ،  يستعيد سطوته الأخوية عليها لتشعر بالطمأنينة والراحة ولكنه صدمها حينما طالعها بهدوء مميت ونطق بنبرة باردة بخيبة أمل  : 


- صح يا دينا  ،  احنا اتغيرنا وأنا مش مستغرب من تغييرك بالعكس  ،  لما فكرت لقيت إن دي حاجة كويسة وهتخف المسؤولية من عليا شوية  ،  أنا شايف إنك كبرتي وبقيتي تاخدي قرارات لمصلحتك  ، علشان كدة من هنا ورايح مش هسألك بتعملي إيه ولا همنعك عن تحقيق حلمك  ،  اعملي اللي إنتِ عايزاه ، إنتِ صح  . 


نهض بعدها ليودعهن وينطلق إلى عمله وتركها تجلس مشدوهة ومصدومة مما سمعته  ،  هل فقدت اهتمامه  ؟  حمايته  ؟  خوفه عليها  ؟  


هل فقدت كل تلك المميزات التي كان يغرقها بها  ؟  وهل السبب هو ذلك الخلاف بينهما أم أن علاقته ببسمة وقربه منها هما ما أبعداه عنها  ؟ 


نهضت بسمة هي الأخرى تطالعها بترقب وتردف بهدوء  : 


- يالا يا دينا هنتأخر  ،  الأسبوع ده لازم ننزل يوميًا علشان كله اجتماعات  . 


التفتت تنظر إلى منال وتستطرد  : 


- خالتو منال احتمال نتأخر شوية ماتقلقيش بس النهاردة اليوم مزحوم جدًا  . 


أومأت منال بتفهم وأردفت بهدوء وحزنٍ طفيف نتج عن توتر علاقة ولديها  : 


- تمام يا بسمة ربنا يسهل عليكوا يا بنتي  . 


قررت ألا تخاطب ابنتها وتتركها لنفسها فهي تعلم أنها الآن تفكر وربما ستهتدي إلى طريقة تصلح بها علاقتها مع شقيقها  . 


❈-❈-❈


منذ أن أخبرها أنهما سيذهبان لتناول الطعام سويًا وهي في حالة فوضى  . 


غرفتها باتت عبارة عن سوقٍ شعبي للملابس  ، تبحث عن ثوبٍ يناسب الحدث وبرغم وجود الكثير إلا أنها زفرت بملل وإحباط  ، ليتها تستطيع شراء ثوبٍ جديد ولكنها لا تمتلك الكثير من النقود خاصةً بعدما علم شقيقها بعودة توماس وقرر أن يقطع عنها المصروف  . 


تنتظر اللحظة التي سيعقدا فيها قرانهما حتى تحصل على امتيازات عدة أولهما شراء ما تريده فهي تدرك حجم ثروة توماس أو لا تدركها ولكنها تعلم أنه ثري ويمتلك الكثير  . 


دوي صوت بكاء صغيرها من خلفها فالتفتت تطالعه وعادت تزفر بملل واقتربت منه تطالعه وتتحدث إليه مستنكرة  : 


- مالك بس يا قصي  ؟  بتعيط ليه دلوقتي اصبر لما اخلص وهلبسك  . 


تنهدت تفكر  ،  ليتها تتركه في عهدة شخصٍ ما  ،  مثلًا يسرا  ؟  ولكنها لن تقبل لذا عاد الضيق يلتهمها لتتأفأف وتحمله كي يهدأ قليلًا  . 


❈-❈-❈


في فيلا نبيل  . 


وقف ماجد يهندم نفسه أمام المرآة  ،  عينيه تحملان نظرة مبهمة  ،  ملامحه متفتحة كدليل على إحراز هدفًا قريبًا  . 


اقتحمت والدته غرفته فجأة فالتفت يردف بانزعاج  : 


- فيه حاجة اسمها نخبط الأول  . 


تجاهلت حديثه واقتربت منه تتساءل بترقب  : 


- ها عملت إيه  ؟  أنا ماصدقت باباك مشي  ،  قولي فيه جديد  ؟  هنعرف نوصل للي إحنا عايزينه  ؟ 


نظر لها نظرة خاطفة وعاد يتطلع على هيأته في المرأة ويهندم ربطة عنقه قائلًا بنبرة متعالية  : 


- طبعًا هنعرف وكل اللي عايزينه هنعمله  ،  وبسمة هترجع وتعيش معانا هنا والكلب اللي اسمه داغر ده هيعرف مقامه كويس أوي  ،  اطمني يا إلهام هانم ابنك لما بيحط حاجة في دماغه لازم ينفذها  . 


ربتت على كتفه كتشجيع تردف بتباهٍ  :


- عارفة، برافو عليك يا ماجد  ،  باباك شكله خاف وتراجع وقال يكتفي بالفتاتيت اللي الهانم  هترميهم له ونسي إن كل ده من حقنا احنا، من ساعة ما أهلها ماتوا وانا فتحت لها بيتي ورعيتها وكل ده مش ببلاش علشان في الأخر تروح تتجوز واحد مايسواش يلهف كل ده، نفذ اللي خططله وأنا معاك،أنا واثقة فيك  . 


تباهى ونفش نفسه يبتسم ويجيبها بتحفز  : 


- قريب جدًا يا ماما بسمة هترجع وهتبعد عن حتة العيل الكحيان ده وهتشوفي  . 


أومأت تشجعه على ما يفكر فيه ويخطط له  ،  يعلم ويراقب تلك الشقيقة ويدرك أنها باتت قريبة جدًا من مرماه  ،  باتت تعمل في الشركة الذي يعرف كل ركنٍ بها  ،  بقى فقط خطوة واحدة للوصول لمبتغاه ، وسيخطوها   . 


❈-❈-❈


رضخ بعد أيام من زنها للسفر إلى تركيا  ،  لذا أخبرها أن يبدآ في تنفيذ الإجراءات وتصفية المعرض الخاص به  . 


لم يعد يطيق المكوث في هذه البلد وعليه أن يرحل، استسلم لفكرة زواج ديما من رجلٍ آخر، ربما استسلامه هذا مؤقتًا ولكن كل ما يؤرقه الآن هو الابتعاد لتنظيم حساباته التي بعثرها ذلك الرجل . 


جلست مع والدتها التي علمت بخبر هجرتهما للتو وصُدمت  ،  حتى أنها بكت تردف باستعطاف وحزنٍ  : 


- يعني إيه هتهاجري  ؟  وهتسبيني هنا لمين يا زينة  ؟  طب خديني معاكي  . 


زفرت بضيق تردف متأفأفة  : 


- يــــــوه بقى يا ماما هتعيطي ليه دلوقتي  ؟  هو يعني الموبايل خلى حد يبعد  ؟  وبعدين أخدك معايا إزاي بس واحنا لسة رايحين ياعالم هنلاقي إيه مقابلنا  ،  اصبري علينا لما نستقر وهبعتلك  . 


نظرت للصغير النائم الذي تحمله بين ذراعيها ودنت تقبله بعاطفةٍ ثم عادت تنطق بقلبٍ ملتاع  :


- وهتاخدي الواد؟ هتحرميني منه؟


باغتتها بنظرة تهكمية وصاحت بقسوة وحقد :


- فيه إيه يا ماما أومال هسيب لك ابني  ؟ مفكراني هعمل زي اللي اسمها ديما واسافر وانبسط وابني بعيد عني  ؟  


جاء كمال على صوتها وجلس مجاورًا لها يتساءل بتجهم حينما سمع اسم ديما  : 


- فيه إيه  ؟ 


طالعته تشرح بتباهٍ واستغلال  : 


- أمي زعلانة إني مسافرة  ، وعايزاني اسيب لها ابني  ،  أنا مستحيل ابعد عن ضنايا واحرمه من حضني  . 


أومأ مؤيدًا لقرارها واعتدل يهندم نفسه ويردف بنبرة متفاخرة  : 


- مهو ده الصح طبعًا  ،  وبعدين يا حاجّة بنتك في عصمة راجل وماتزعليش مني يعني هي قالت تيجي تعيشي معانا هنا وتتونسي بينا بس مش معنى كدة إنك هتقيدينا  . 


اغتاظت من تدخله مع والدتها لذا نطقت بتهكم  : 


- براحة على نفسك شوية يا كمال  ، امي قعدت معانا هنا علشان أنا محتجاها ولما وضعنا يستقر في تركيا هبعت أخدها بردو  . 


تملكه الغضب وتجلى ذلك في جلسته بينما هي التفتت تنظر لوالدتها وتوضح بنبرة حادة متجاهلة غضبه  : 


- وانتِ ياماما يا إما ترجعي البيت أو تروحي تقعدي عن خالي محمود لحد مانضبط أمورنا  ،  وماتزعليش أنا مش هسيبك أصلًا  . 


نظرت السيدة لها تارةً ولكمال تارةً أخرى وأومأت بهدوء وحزنٍ وداخلها تدرك أن ابنتها لا تبحث سوى عن مصلحتها أولًا وأخيرًا، وهي السبب الأول والأخير فيما وصلت إليه زينة لذا زفرت بقوة وأردفت داعية لها بصدق  :


- ربنا يسترها عليكي يابنتي  ، ربنا يسترها عليكي  .


دعوتها كانت تحمل شيئًا من الخوف  ، تخشى عليها من طموحها الزائد وحماسها المضاعف لأجل الوصول لأحلام ليست لها  ، ولكنها فقدت السيطرة عليها منذ زمن والآن تجني ثمار زرعتها  .


❈-❈-❈


عادت ديما إلى منزل أمجد بعد تلك الليلة التي لن تنساها والتي قضتها مع حبيب قلبها في منزلهما  . 


عادت متجددة، متوردة، سعيدة، يلاحظ سعادتها كل من يراها برغم شرودها في أمر المهمة، ولكن كل هذا لا يؤثر عن كونها مطمئنة المشاعر  . 


أخبرها أنه سيقضي أمرًا ما ثم سيعود لاصطحابها إلى المطعم المنشود  . 


دلفت تختار لباسٍ أنيق ومحتشم في آنٍ  ،  سمعت طرقات على الباب  فسمحت للطارق وكانت علياء التي فتحت الباب تطل بابتسامة رائعة ودلفت تحمل هاتفها وتردف بنبرة مرحة حينما لمحت ديما تنتقي فستان كريمي اللون  : 


- إيه يا دمدوم  ،  الواد ثائر ده هيأثر عليكي بكلامه ولا إيه  ؟  إن جيتي للحق هو أثر عليا أنا كمان  ،  بس فرحت أوي لما قرأت إعلان جوازكم  . 


لم تكن تعلم بعد، لذا تجلت الدهشة على ملامحها ونطقت بحماسٍ  : 


- هو ثائر نزّل إعلان  ؟ 


تعجبت علياء وعبثت بهاتفها تردف وهي تعرضه عليها  : 


- أيوة ده من امبارح الصبح  ،  إزاي مش شوفتيه ده عامل لك Mention  . 


بالطبع لن توضح أن نهار أمس كان ملغم بالتدريبات وليلة أمس كانت ملغمة بالمشاعر لذا فهي لم تعبث بهاتفها مطلقًا سوى حينما هاتفت صغيريها فقط  ،  التقطت منها الهاتف وجلست على مؤخرة الفراش تقرأ ما كتبه ثائر  .


تجلت الغيوم في مقلتيها من فرط العشق لهذا الرجل وكلماته وتفاصيله واعترافه أمام جمهوره حول العالم أنها ملكة قلبه  ،  تحرك إصبعها طواعيةً تتحسس ملامحه من خلال الهاتف ونظرته ويده التي تحتويها  ،  أصدرت تنهيدة رضا وسعادة ورفعت أنظارها إلى علياء تردف بنبرة متحشرجة على وشك البكاء  : 


- شكرًا بجد  ،  شكرًا أنك ربيتي راجل زي ثائر  ، بالنسبالي عمري ما هلاقي زيه  ،  وهفضل ادعي ربنا يحفظه ويصونه وينصره  . 


وهل تتمنى علياء أكثر من زوجة لابنها تدعو له وتحبه وتعينه وتآزره على الحياة  ؟  لذا ابتسمت وربتت على كتف ديما تردف بمحبة  : 


- يارب ياحبيبتي  ،  وربنا يجمعه بأخوه ويصلح ما بينهم  ،  حاولي يا ديما تهديه من ناحية أحمد  ،  يمكن تقدري تعملي اللي أنا فشلت فيه  ،  نفسي أشوفهم مع بعض زي الأول وإيد واحدة ومافيش حاجة تفرق بينهم  ،  منها لله سها بنت أخويا  ،  منها لله  . 


نطقتها وارتدت تجلس مجاورةً لديما وكادت أن تبكي حزنًا على كبيرها الذي ابتعد عنهما كثيرًا ، ولكنها تمالكت ووالتقطت ديما كفها تتمسك به وتردف بثقة ويقين  : 


- هيحصل وهيتجمعوا سوا  ،  مين قالك إنهم مش واحشين بعض ونفسهم يرجعوا تاني  ؟  على فكرة أنا شوفت أحمد  . 


انتعش قلب علياء وطالعتها بذهول لتوميء ديما مسترسلة  : 


- شوفته لما كنا في دبي أنا وثائر  ،  وشوفت هو أد إيه كان نفسه يكسر الحواجز بينه وبين ثائر،  مش عايزاكي تشيلي هم لان حقيقي إحساسي بيقولي انهم قريب جدًا هيتجمعوا  . 


أسرعت علياء تعانقها بحبٍ صادق وتردد بدموع أزرفت  : 


- يارب يا ديما يارب  . 


❈-❈-❈


تجلس في مكتبها تباشر أعمالها 


أعرب هاتفها عن مكالمة من حبيبها لذا تناولته وأجابت بحبٍ  : 


- حبيبي  ؟ 


ابتسم وتنهد يردف وهو يرفع رأسه عاليًا  : 


- انزلي يالا  ،  هاخدك ونتغدى في مكان حلو  . 


ابتسمت ونهضت تتجه نحو النافذة وتطل منها عليه فرأته يلوح لها لذا أردفت بسعادة  : 


- هنزلك حالًا  ،  بس اقول لدينا  ؟ 


سألته بترقب ليجيبها بجدية ظاهرة  : 


- تقولي لدينا ليه  ؟  خليها في شغلها وانزلي يالا  . 


أومأت بتفهم وأغلقت معه واتجهت تلتقط حقيبتها وهاتفها ثم تحركت خارج المكتب ووقفت أمام مديرة أعمالها قائلة  : 


- نيرة أنا هنزل ساعة وراجعة تاني  ،  لو حد سأل عني ابقي بلغيني  . 


أومأت لها فانطلقت تتجه نحو المصعد ولكن ما إن فُتح حتى ظهرت منه دينا تحمل ملفًا ما  ،  خطت ووقفت أمامها وتساءلت  : 


- إنتِ ماشية ولا إيه  ؟ 


برغم شخصية بسمة الواثقة والحكيمة إلا أنها توترت قليلًا ولكنها أجابت بتريث  : 


- رايحة أتغدى مع داغر وهنتكلم شوية  . 


استهدفت الحسرة قلبها ونطقت مستفسرة  : 


- ماسألش عني  ؟ 


رفعت بسمة كفها تملس على ذراع الأخرى وأجابتها بتروٍ  : 


- دينا حاولي تتكلمي مع داغر وتحلوا الخلاف اللي بينكوا ده  ،  هو زعلان ونفسه إنك تراضيه  ،  ياستي تعالي على نفسك شوية واتكلمي معاه وافهمي موقفه  ،  ده داغر بردو مش أي حد يعني يستاهل إنك تحاولي علشانه  . 


شيئًا ما بداخلها يثور لا تعلم مصدره ولكنها لا تريد لأحدٍ أن يصَدر لها مميزات شقيقها  ،  هي تعرفها عن كثب، لذا قالت بنوعٍ من الحمائية: 


- أنا أكتر واحدة عارفة داغر كويس،  علشان كدة بقولك إن هو اتغير معايا فعلًا  ،  ع العموم روحي إنتِ علشان ماتتأخريش وأنا هبقى أروح لوحدي أو هكلم صالح . 


أومأ لها توضح  : 


- طيب أنا هنزل دلوقتي وماتمشيش ،  أصلًا ساعة وهرجع  ،  وانتِ انزلي الكافيتريا علشان تتغدي  . 


أومأت بتهكم بينما انطلقت بسمة تستقل المصعد لتصل إلى حبيبها ووقفت دينا تحاول ابتلاع هذا الشعور ولكنه يقف في حلقها كالغصة  . 


❈-❈-❈


تجاوره في السيارة متجهان نحو المطعم  . 


يقود بملامح باردة ولكنها تدرك ما به لذا مدت يدها تضعها على كفه كدعمٍ منها فالتفت يطالعها فابتسمت له فتنفس يوميء لها ثم تحدث موضحًا بجدية مطلقة  : 


- افتحي التابلون يا ديما  . 


فعلت ليتابع وعينيه على الطريق  : 


- خدي الشنطة دي وافتحيها  ،  جواها سماعات البسي واحدة تحت الحجاب وسيبي التانية ليا  ،  وعندك 3 صور لشخصيات مشتبه فيهم بصيلهم كويس جدًا واحفظي ملامحهم وأرقامهم علشان لو شوفتي أي حد منهم في المطعم تبلغيني ،وخصوصًا في الحمام  . 


تتفحص الأغراض والصور وتلتقط ملامحهم في ذاكرتها ولكنها تعجبت فتساءلت  : 


- ابلغك  ؟  مش إنت هتكون معايا  ؟ 


أستطرد مهيمنًا  : 


- أيوة بس لو حبيتي تروحي التواليت لأي سبب أكيد مش هاجي معاكي  ،  فهماني  ؟  مش عايزين نثير أي شكوك من أولها كدة  . 


أومأت بتفهم وعادت تنظر في وجوه هذه الشخصيات ووضعت سماعة في أذنها استعدادًا لما هو قادم وبدأ قلبها يعزف سيمفونية التوتر والقلق ليصل لحنه إلى قلب ثائر لذا استرسل متسائلًا بنبرة لينة : 


- تحبي تتغدي أسماك ولا لحوم  ؟  


أدركت أنه يراوغها وينتشل توترها لذا التقطت نفسًا مطولًا ثم التفتت له وأردفت بنبرة حماسية ذات مغزى :


- مش مهم المهم نخرج شبعانين  . 


أومأ بثقة وقبض على كفها يلثمه لتتابع متسائلة  :


- هو توماس ده بيدور على إيه بالضبط  ؟


زفر وأجابها موضحًا  :


- 3 حاجات وكل حاجة منهم قابض تمنها وعامل من وراها مصلحة ضخمة  ، أول هدف ليه هو اغتـ.يال الشخصية اللي لسة لحد دلوقتي مانعرفش هي مين بالضبط  ، تاني هدف ليه هو التنقيب عن أسرار وتفاصيل الأسـ.لحة اللي مصر بتصنعها بنفسها ومدى قدرتها الحقيقة لان ده خطر على كيانات معينة  ، وتالت هدف وده اللي أرتوا كلفه بيه وهو أنا  ، عايز يتأكد أنا تبع المخابرات ولا لاء  ، هما عندهم شك كبير بس مافيش أي دليل على ده  .


أومأت بتفهم وجال على خاطرها سؤال فسألته  :


- ولو عرفوا تفاصيل وأسرار عن أسـ.لحة مصر ممكن يعملوا إيه  ؟


أجابها يوضح وعينيه على الطريق  : 


- عقوبات كتير  ، تعجيز بكذا طريقة ودي مش أول مرة ، للأسف أكتر فترة رضخوا فيها العرب وقدموا تنازلات مدهشة للولايات المتحدة كانت في التسعينات  ، لما وقّعوا على معاهدة حظـ.ر امتلاك أسـ.لحة نـ.ووية لأجل غير مسمى في الشرق الأوسط برغم إن الكيان المحتل رفض يوقع وبرغم استنفار بعض الدول إلا إن الاغلبية وقعوا  ، سنة 94 مصر اعترضت وقالت مش هنوقع إلا لما الكيان يوقع بس ماقدرتش تصد لوحدها طبعًا ، وفعلًا تمت المعاهدة علشان كدة لو لقيتي أي بلد عربي بتحاول تصنع النوع ده من الأسـ.لحة بيسقطوها .


تنهد بعمقٍ واسترسل بأسف  :


- المسلمين لما حكموا العالم وكان ليهم الكلمة العليا طوروا كل الصناعات إلا صناعة الأسـ.لحة، والغرب لما حكموا العالم أهم صناعة طوروها هي صناعة الأسـ.لحة 

إحنا مش أمة ضعيفة،احنا فاهمين أمور كتير في دينا غلط لإن ربنا عز وجل حب المؤمن القوي، وعلى رأي المثل ( العفي محدش ياكل لقمته  )  .


أومأت مؤيدة بأسفٍ مماثل لتتنهد وتكرر الصمت بينما هو أسرع قيادته بشرودٍ وداخله يتمنى ألا يحدث مالا يحمد عقباه وأن يمر هذا اللقاء على خير . 


❈-❈-❈


مرت الساعة ولم تأتِ بسمة بعد  ،  يبدو أنهما اندمجا سويًا أو ربما اصطحبها لمكانٍ آخر  . 


شيئًا ما يتحدث داخلها بأن ما يحدث طبيعي  ،  هي زوجته ومن حقهما أن يسعدا معًا، وشيئًا آخر يعانده ويخبرها بأن داغر أهملها ولم يهتم لحزنها بسبب بسمة  . 


وهذان الصوتان جعلاها لا تمارس عملها بشكلٍ سليم وهذا يزيد من إنزعاجها لذا زفرت بضيق والتقطت هاتفها تهاتف صالح الذي أجابها يردف  : 


- سلام عليكم  ،  كيفك يا دينا  ؟ 


أجابته بنبرة متعطشة للاهتمام  : 


- الحمدلله كويسة  ،  صالح إنت فاضي  ؟ 


تساءل صالح بترقب  : 


- إيه فاضي اتفضلي سامعك  . 


فكرت قليلًا ثم تساءلت بتوتر وخجل  : 


- يعني حسيت إني محتاجة آخد بريك وقلت اسألك لو تيجي نتغدا سوا ونتكلم شوية  ؟ 


بطبيعته الأخلاقية أجابها  : 


- تمام  ،  هكلم داغر ابلغه وبكون عندك  . 


اغتاظت فجأة دون سببٍ يذكر وهدرت  : 


- وتكلم داغر ليه يا صالح  ؟  هو مش إحنا مخطوبين  ؟ 


شعر بالضيق وأجابها موضحًا بنبرة هادئة تحمل على متنها الحزم  : 


- لا ما بيصير هالحكي دينا هاي هي الأصول  ،  أنا طلبت إيدك منه وهو المسؤول عنك ولازم نستأذنه  ،  يالا أنا هلا بحكي معه  . 


امتثلت لأوامره لأنه محق لذا لم تعترض بل تركته يهاتفه وجلست تنتظر  ،  عقلها يدور وتفكر كيف يمكنها استعادة اهتمام داغر وحمايته لها دون أن تظهر ذلك أو تتنازل  ؟ 


رن هاتفها بعد دقائق فالتقطته تجيب بترقب  : 


- قالك إيه يا صالح  ؟ 


برغم أنها تود رؤية صالح الآن إلا أن جزءًا منها تمنى لو رفض داغر لذا حينما أردف صالح بنبرة فرحة سعيدة نظرًا لرؤيتها : 


- جهزي حالك يا صبية  ،  لما اوصل لعندك هدقلك تنزلي  ،  يالا سلام  . 


شعرت بتناقض بين راحة وحزن ولكنها ستحاول سحب الراحة إليها أكثر لذا أردفت بهدوء  : 


- تمام يا صالح هستناك  .


أغلقت وشرد قليلًا، ربما ملأ صالح هذا الفراغ ؟ هو بالفعل يشبه داغر في أفعاله ولكنه يبدو حازمًا بعض الشيء،فهل تستطيع التغلب على حزمه وإثارة عاطفته نحوها ليغرقها اهتمام؟

يبدو أنها ستحاول  


❈-❈-❈


دلف ثائر إلى المطعم يتأبط ديما واتجها حيث دلهم العامل نحو الطاولة التي تم حجزها  . 


أزاح ثائر مقعد ديما بطريقة منمقة فجلست تشكره فأومأ واتجه يجلس قبالتها وأحضر لهم النادل قائمة الطعام وتركهما ليقررا  . 


تمسكت بإحداهما تقرأ القائمة وفعل مثلها لثوانٍ قبل أن ينظرا لبعضهما ويردفا في آنٍ  : 


- سوشي! 


ابتسما وأومآ ثم أردف ثائر يشير على إحدى الوصفات  : 


هوت بانكو رول  ، عبارة عن أوما ماكي رول مقلي ومحشي شريمب تمورا وجبنة بيضاء وهليون، وعليهم كافيار وشوية مايونيز بالليمون  ،  حلو ده نجربه ومانقولش لعلياء هانم عليه  . 


ضحكت وأومأت مؤيدة توضح  : 


- طبعًا مش هنقول وإلا هتحرمك من المحشي والفتة والملوخية  . 


هز رأسه معترضًا يردف بمرح جزئي  : 


- لا ماقدرش  . 


نظرت له بحبٍ واستطردت  : 


- لو أقامت عليك الحد هعملهم لك أنا  .


بادلها نظرة الحب وتنهد ثم أشار للنادل ليأتي ويأخذ طلبهما  . 


جلسا يتحدثان بشكلٍ طبيعي لا يثير أي شكوك  ،  حتى عندما دلف توماس ومعه رحمة وصغيرهما في عربته التي تدفعها رحمة  ، وصل الخبر لثائر عبر السماعة قبل أن يدلف ولكنه لم يحرك ساكنًا بل ظل يتحدث مع ديما بعفوية  .


لمحه توماس فصعقته الصدمة وتوقف يحدق به للحظات ويفكر سريعًا بدهاء ، هل هذه صدفة أم خطة مدبرة بالفعل  ؟ 


ولكن تبخرت أفكاره حينما لمح ديما تبتسم وتشاركه الحديث  ، أيديهما مشبكتان في بعضيهما  ، بشكلٍ يبدو كدليل واضح وصريح على مدى ترابطهما وحبهما حتى بات شبه متأكدًا من أنها صدفة ولكنه لم يحِد أنظاره من عليها ولاحظت رحمة ذلك لذا تساءلت بتجهم  :


- ماذا هناك  ؟ لما تنظر إليهما  ؟


التفت لها ثم أظهر ابتسامته وتحدث بخبث  :


- إنه صديقٌ لي  ، ألا تعرفينه  ؟ هو كاتب مصري مشهور كان يعيش في فرنسا  ، أنا أعرفه معرفة شخصية  ، تعالي لنرحب به  .


أومأت بتفهم واتجهت معه نحو ثائر وديما التي توترت ولكن نظرة ثائر الحادة منعتها من إظهار ذلك فقد لمحه يقترب  .


وبالفعل وقف أمامهما ينظر نحو ديما ثم التفت ينظر إلى ثائر ويردف مبتسمًا يواري شكه  :


- ثائر  ؟ كيف الحال  ؟ لم أتوقع أن أراك هنا  ؟


رفع ثائر نظره له يطالعه بنظرة لا مبالية ثم التفت ينظر إلى رحمة وصغيرها ثم عاد إليه يردف بثبات متعمدًا إظهار بعض الضيق  :


- عدتُ لبلدي  ، الشيء الغير متوقع هو رؤيتك أنت هنا  ؟ ماذا تفعل في مصر  ؟


شعرت رحمة أن الأجواء بينهما متوترة بينما تساءلت ديما بمراوغة ونبرة مصرية متعمدة  :


- مين ده يا ثائر  ؟


التفت ثائر يطالعها ويبتسم لها مجيبًا  :


- صديق فرنسي  .


تحدث توماس إليها يوضح أكثر  :


- نعم سيدة ديما نحن أصدقاء  ، ظننت أنكِ تعرفينني فقد رأيتك مسبقًا معه حينما كنتِ تشجعينه في إحدى جولات الملاكمة  ، سررت بلقائك  .


قطبت جبينها للحظات ثم أجابته بنبرة جادة وملامح مماثلة  :


- عفوًا لم أتذكرك  ، على أيةِ حال أهلًا بك في مصر  .


نظرته لها كانت مختلفة ومعبأة بنوعٍ من الرغبة لذا أحادت نظرها عنه تملأ عينيها بحبيبها ليسترسل توماس بفظاظة  :


- شكرًا لكِ  ، دعاني أعرفكما على زوجتي رحمة وابني قصي  ، هي أيضًا مصرية  .


قالها وهو يشير إلى رحمة التي ابتسمت ومدت يدها تسلم على ديما بينما اكتفى ثائر بهز رأسه بتحية مقتضبة لتردف ديما مرحبة بها  :


- أهلًا وسهلًا يا رحمة اتشرفت بمعرفتك  .


ابتسمت تجيبها بنبرة فضولية  :


- شكرًا الشرف ليا يا أستاذة ديما  ، أنا عرفتك على فكرة  ، وكنت تابعت موضوع الكتاب بتاعك ع السوشيال ميديا  ، بس أنا ماليش في القراءة أوي  .


أومأت ديما بتفهم وابتسامة هادئة ليردف توماس بهدوء  :


- هيا حبيبتي لنجلس هنا، فرصة سعيدة لكما  ، دعني أراك مجددًا ثائر  .


تحرك يجلس على طاولة قريبة منهما وجلست رحمة تضع جوارها عربة صغيرها النائم وتطالع توماس متسائلة  :


- هل حقًا هذا صديق  ؟ أرى أنه انزعج من رؤيتك  .


ضحك توماس يجيبها وهو يرنو منها قليلًا  :


- لا حبيبتي هو صديق ولكن هناك سوء تفاهم بيننا  ، لا تقلقي  ، دعينا نطلب الطعام كي أريكِ مفاجأتي  .


تحمست وتناست أمر الصديق وزوجته وابتسمت تطالعه بهيام،  حتى أنها لم تنتبه للنادل الذي جاء وناوله القائمة وباتت تفكر في هوية المفاجأة . 


❈-❈-❈


في متجر لبيع الأثاث المنزلي 


وقف كلٍ من داغر وبسمة يختاران أثاث منزلهما بسعادة،كان يفكر في شقيقته وهل ذهب إليها صالح؟ 


يقلق بشأنها ولكن طريقته الجديدة معها كان لابد من اتباعها فهو يراها باتت على شفا خطوة من الأنانية وهذا يحزنه  .


أشارت بسمة على أحد المطابخ وقالت  :


- ده حلو أوي يا حبيبي خلينا ناخده  .


نظر لما تشير واتجه نحوه يطرق عليه كتجربة ثم سأل العامل باهتمام  :


- كويس ده  ؟ متين يعني يتحمل؟


أومأ العامل يؤكد بعملية  :


- أيوة يا فندم طبعًا  ، ده خشمونيوم بيجمع بين الكلاسيكي والعصري  . 


أومأ بتفهم وأردف وهو يتفحص رخامته  : 


- تمام يبقى على بركة الله  . 


أومأ العامل ودوّن اسمه يضيفه إلى قائمة اختياراتهما بينما اتجه داغر يتأبط بسمة ويتحرك معها ثم مال يهمس بخفوت ومكرٍ  : 


- لازم اتأكد إن كل حاجة متينة وتعيش علشان أنا ناوي يبقالي في المطابخ علامات. 


ضحكت ولكزته في يده تردف بهمس: 


- اتلم الراجل ورانا  . 


أومأ مطيعًا يردف وهو يتقدم معها لركن الأجهزة: 


- حاضر هتلم  ،  تعالي لما نشوف غسالة الأطباق  . 


❈-❈-❈


اندمجا ثائر وديما في تناول طعامهما أو هكذا يدعان،  وكذلك ادعى توماس تأقلمه مع رحمة التي قبل أن تتناول طعامها سألته بتلهف  : 


- متى ستخبرني بالمفاجأة ؟ 


شرع في تناول طبقه وأردف ببرود  : 


- هي في جيبي  ،  ولكن لتناول طعامنا أولًا  . 


أومأت تبتسم وظنت أنه أشترى لها خاتم الزواج لذا فُتحت شهيتها على الطعام وبدأت تأكل وتستعد للحظة الرومانسية القادمة  .


لم يمر دقيقة كان قد نظر إلى ساعته دون ملاحظتها لذا ابتسم لها وأردف بهدوء وهو ينهض  : 


- عذرًا حبيبتي، سأذهب إلى الحمام وأعود سريعًا  . 


أومأت له فنهض يتجه نحو الحمام تحت مراقبة عيني ثائر الذي نظر إلى ديما نظرة لم تفهمها ولكنه همس لها  : 


- محتاجة تروحي الحمام  ؟ 


توترت وحدقت به ثم أومأت ونهضت تحمل حقيبتها وتتجه نحو الحمام وجلس ينتظرها على صفيحٍ ساخن  ،  لو تتبع هو توماس بنفسه هكذا سيعرض المهمة للخطر ولكن ذهابها أمام عينيه جعلوه يحترق قولًا وفعلًا ويتمنى لو كان يمتلك القدرة على منعها عن هذا الأمر . 


التفتت رحمة تنظر إليه وإلى هيأته ووسامته وهندمة ثيابه ، برغم أنها ليست قارئة إلا أنها عرفته للتو، لقد رأت صورته مسبقًا تتصدر إحدى الصحف الفرنسية  ،  أنه شخصية مشهورة ، هيأته مهيبة تصرخ بالأناقة . 


تنهدت تبتسم له حينما وقعت عينيه عليها فوجدته يحيد نظره عنها بانزعاج فشعرت بالحرج وادعت انشغالها مع الصغير الذي استسقظ لتوهِ  . 


أمام الحمام الخاص بالنساء، كادت ديما أن تدلف ولكنها لمحت رجلٍ من هؤلاء الثلاثة التي رأت صورهم  ، تملكها الذعر ولكن لحسن الحظ أنه دلف من الباب المخصص لحمام الرجال دون أن يلاحظها لذا أسرعت تدلف حمامها  . 


وقفت مشدوهة تنظر لهيأتها في المرآة  ، قلبها يطرق بعنف ولكن ليس وقته، عليها أن تهدأ وتفعل شيء  ،  يجب أن تزيح هذا التوتر، نعم هو نفس الشخص في الصورة الثانية  . 


انتفضت حينما تحمحم ثائر ووصل إليها صوته عبر السماعة ولكنها شعرت بالأمان لذا التفتت تنظر حولها وحينما لم تجد امرأة هنا تحدثت بنبرة مرتعشة  : 


- الصورة رقم اتنين  ،  شفته داخل الحمام وراه  . 


لم يتحدث بل عبث بهاتفه يطلب رقم خالد ويتحدث معه بخفوت وملامح متربصة  : 


- المشتبه به التاني موجود ، حاوطوا المطعم ،  عايزه متغمي  . 


أغلق وانتظرها تأتي وبالفعل خرجت بعد ثوانٍ من الحمام وكادت تخطو ولكنها تصنمت حينما وجدت توماس يتوقف أمامها  ،  يحدق بها ونسبةً لصدمتها لم تستطع إبعاد نظرها عنه لثوانٍ ليكسر الصمت ويتساءل مدعيًا الاهتمام   : 


- هل أنتِ بخير  ؟ 


بسرعة بديهة حاولت أن تتعامل معه لذا ابتسمت برتابة وأجابته  : 


- نعم، شكرًا لك. 


تحركت خطوة تبتعد من أمامه ولكنه أوقفها مأخوذًا بها وبثقلها لذا استرسل بإعجاب : 


- هل لي أن أبدي إعجابي بـــــــــــ  كتاباتك  ؟ لقد قرأت الكثير منكِ   ،  أنا قارئ مميز وبإمكانك سؤال ثائر عني  . 


قالها وهو يقترب منها مجددًا لذا صدرت له الوجه المتخشب ونطقت بشموخ أنثى تعتز بنفسها دون زيْف أو ادعاء  : 


- لمَ سأسأله عنك  ؟  لست وحدك من تقرأ لي، ويفضل الا تعترض طريقي مرة ثانية. 


قالتها وخطت نحو الخارج واتجهت إلى ثائر الذي سلط عينيه عليها فابتسمت له وجلست تضع حقيبتها جانبًا وعادت تنشغل في الطعام متجنبة الغضب المتفشي على ملامحه لتدرك أنه استمع إلى حوار توماس معها  . 


جلس توماس أمام رحمة التي تخبطت ونظرت له تارةً ولديما تارةً أخرى لذا تساءلت بانزعاج  : 


- هل هناك خطبٍ ما  ؟ 


حان وقت مفاجأته لذا دس يده في جيبه يخرج ورقةً ما ثم ناولها إياها يردف بابتسامة باردة  : 


- هذه هي  ،  شهادة إعلان إسلامي  ،  سنتزوج غدًا  . 


فرغ فاهها وهي تلتقطها منه وتقرأها ثم طالعته مسحورة والتمعت عينيها وهي تردف  : 


- لا أصدق  ،  هذه أجمل مفاجأة  ،  كنت اظن أنك اشتريت لي خاتم الزواج ولكن حقًا هذه أجمل  ،  إذًا غدًا موعدنا  ؟ ظننت أننا سننتظر كثيرًا . 


أومأ وأخرج من جيبه علبة مخملية بها خاتم الزواج بالفعل وفتحها يعرضه عليها ويردف بسطوة سحرٍ جعلتها تحلق عاليًا  : 


- بالطبع لا يمكن الزواج بدون خاتم  ، هذا هو،  دعيني ألبسكِ إياه  . 


مدت له يدها بحماسٍ مفرط جعلها تهتز في جلستها وبدأ يلبسها إياه ثم قرب كفها من فمه يلثمه ثم طالعها يسترسل  : 


- أحبكِ رحمة،  أحبك كثيرًا  . 


- وأنا أيضًا أحبك كثيرًا  . 


لم يمر الكثير من الوقت حتى نظر ثائر إلى ديما وأردف بهدوء ظاهري  : 


- هيا لنغادر  . 


أومأت لها فأشار للنادل ليحضر الحساب وبالفعل تم الدفع عن طريق الفيزة ونهضا سويًا يغادران تحت أنظار توماس ورحمة التي تعجبت وتساءلت  : 


- هل هذا مجرد سوء تفاهم ؟ أرى أنه يكرهك توماس  . 


- ربما ! هذا شعور فردي . 


قالها وشرد قليلًا يفكر في لعبته الجديدة  ،  راقت له كثيرًا خاصةً طريقة صدها له، هذا أكثر ما جذبه بها لذا لن يكف عنها أبدًا  . 


❈-❈-❈


قاد ثائر سيارته بملامح غاضبة، لم يتحدث، ربما تدرك ما به ولكن الحقيقة أكثر مضاعفة مما تظن، هو يتلوى بين فكي المهمة والغيرة  . 


سألته بتوتر  : 


- إحنا رايحين فين يا ثائر ده مش طريق البيت؟ 


لم يجبها بل أكمل قيادته السريعة حتى وصل إلى مكانٍ ما في منطقة تعد مهجورة  .


زاد توترها ولكنها ترجلت حينما وجدته يترجل بتحفز ويتجه نحو حاوية معدنية  ،  دلف ليجد خالد وصقر في انتظاره يقيدان ذلك الرجل ويضعان على عينيه عصبة تقيد رؤيته بشكلٍ تام ولكنه يستمع  . 


انقض عليه يسدد له لكمة دون سابق إنذار ولولا صد خالد للمقعد لكان قد وقع ولكنه لم يمهله الاستيعاب وعاد يلكمه في وجهه مباشرةً دون شفقة كأنه يخرج فيه غضبه وكبته من توماس ونظراته وحديثه مع ديما التي وقفت على باب الحاوية تطالع الوجه الآخر لزوجها بتوتر وخوف  . 


سدد له عدة لكمات والآخر يتلقاها دون توقف حتى بات وجهه عبارة لوحة مدمية فزفر وابتعد يمرن يده وسحب مقعد مجاور وجلس أمامه يتساءل بنبرة متوعدة  : 


- يالا قول كل اللي تعرفه  . 


بصعوبة بالغة تحدث الرجل مرتعشًا ومتألمًا : 


- ماعرفش أي حاجة  . 


قبض بكفيه على ساقي الرجل يغرز أظافره في جلده دون شفقة وعاد يكرر سؤاله بنبرة أكثر وحشية  : 


- لاء تعرف  ،  وهتقول  ،  يالا سمعني  . 


شعر الرجل أنه أمام شخصية وحشية لا تعرف الرحمة لذا نطق بخوفٍ وتوتر  : 


- أنا بس وصلت رسالة ، حتى ماعرفش جواها إيه، هما قالولي أوصلها للشخص اللي هيقابلني في المطعم ونفذت وبس على كدة  . 


اعتدل ثائر يتكتف ويتسطرد بممارسة   : 


- وبعدين  ! هتقابله تاني امتى  ؟ 


أدرك الرجل أن من أمامه شخصية مخابراتية لذا ازداد خوفه وتباطأت أنفاسه ولم تكفيه قيود يديه ورجليه بل أصبح مقيدًا بلسانه حتى شعر بالاختناق فنهض ثائر يخطو نحو خالد ومد يده ينزع سلاحه المعلق في خصره ثم شد أجزاؤه ليصدر صوتًا أفزع الرجل وجعله ينطق منتفضًا تخرج الكلمات منه مبعثرة  : 


- هقول يا باشا، هقول كل حاجة، المفروض هقابله تاني في الجونة بعد أسبوع بس ماعنديش أي معلومات تانية  . 


- مين اللي مشغلك  ؟ 


سألها ثائر تحت أنظار خالد وصقر اللذان تركا له الساحة نسبةً لهيمنته على الموقف، بينما تقف ديما متصنمة تتابع ما يحدث بذهول كأنها تشاهد فلم أكشن وليس زوجها  . 


نطق الرجل باستفاضة  : 


- الضابط رامي طلعت  . 


نظر ثائر إلى صقر وأردف  : 


- سلموه وسلموا اعترافه معاه  . 


أومأ صقر فالتفت ثائر يغادر وتسلطت نظراته على ديما التي كلما اقترب منها توترت ولكن قدميها متخشبة لذا وصل اليها وتأبطها ولفها ليغادرا المكان بعدما ارتسمت على ملامحه ابتسامة نصرٍ وتحدث إليها بوجهه الذي تعرفه عن كسب  : 


- إيه رأيك يا دومتي لو نروح نقضي كام يوم في الجونة  ؟

يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة آية العربي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة