رواية جديدة بحر ثائر جـ2 لآية العربي - الفصل 14 - الثلاثاء 24/6/2025
قراءة رواية بحر ثائر الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
الجزء الثاني
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الرابع عشر
تم النشر الثلاثاء
24/6/2025
غريبة هي الحياة
حين تحتضنك...
وغريبة أكثر...
حين تصفعك....
قاسية هي الحياة....
إذ ترفعك لسابع سماء...
وفجأة...
تخسف بك لسابع أرض...
مرعبة هي الحياة....
حين تسرق منك الحياة...
مؤلمة هي الحياة...
حين لا تخبرك....
أن فنجان القهوة ذاك مع أحبابك
كان الفنجان الأخير....
جميلة.... لطيفة هي الحياة...
حين تبقي بداخلنا الأمل....
بعد أن سقتنا الأمل...
وبعد أن ضننا أنه الفنجان الأخير...
وبعد أن ضننا أن الأمل قد رحل....
وبعد أن ضننا أن الشروق لن يأتي
بعد أن غاب طويلا وأفل...
( بقلم فيروزة)
❈-❈-❈
سنشد عضدك بأخيك، وهنا تكمن البداية أو النهاية ، هذه العلاقة التي إن صلحت فقد ملكت القوة ، والمهابة، والحماية، تشعر بها أنك الوحيد الذي تسير تحت مطرٍ غزيز وفوقك مظلة صلبة،تنظر حولك للجميع بتباهٍ .
وإن فسدت أصبح ظهرك عاريًا، ووجهك منكبًا ، لا قبة تحصنك ولا كهفًا يؤمنك.
أخ، تلك الكلمة التي إن تألمت تخرج من جوفك دون إرادة، كأنك تناديه ويا الحظ إن أتى إليك مهرولًا، وياحسرةً إن أدار وجهه مبتعدًا عنك .
إنه نعمة الله لك على هذه البسيطة، كالوتد، السند، الفخر، لن يأكلك ذئبًا ما دمت تسير مع أخيك ولن يصطادك مؤذٍ مادام هو يؤمنك.
الأخوة نعمة عظيمة أحيانًا يفتقدها الكثير من الأشقاء وأكثر من يشعر بها هو وحيد والديه ولكن تزداد عظمتها حينما تنبت من رحمٍ واحد، تصبح كصرحٍ عظيم لا يهدمه زلزال ولا يفنيه طوفان ولا يسحقه جيشًا مهما كان .( بقلم آية العربي)
وقف يطالعهما بلا حول ولا قوة ، عاجزًا عن اتخاذ أي قرار ، وتراقبه بسمة بحزنٍ شديد.
ولم تكن حالة صالح أفضل منه، يقف هو أيضًا لا يعلم أيواسيه أم يواسي نفسه ، حبيبته وخطيبته التي تمناها تبخرت بشكلٍ مفاجيء يقذف الرعب والخوف في قلوبهم .
عاد داغر يردف بألمٍ تمكن منه وأصاب حنجرته بغصة صلدة :
- راحت فين؟ راحت فــــــــــــين حد يقولي .
نطق صالح بضيق وانفعال :
- بلكي هالصيني عم يكذب؟ مش منشان هو هان بشركته يعني خلص ما إله إيد؟ بلكي حدا تبعه يللي اتعرضلها ؟
كلمات صالح لم تزده إلا عجزًا لتسعفه بسمة قائلة :
- طب خلينا نرجع ع الشركة تاني يا داغر ونحاول نتابع كل الكاميرات يمكن نوصل لحاجة ؟ خلينا ندور تاني في الشركة ؟
لا يعلم صالح هل يؤيدها أم يعود إلى لوتشو وينقض عليه أم يتوجه إلى الشرطة ويلجأ إليها ولكن كل ما يعلمه أن هناك شعورٌ سيء يغتاله .
وشعورٌ مماثل يغتال صديقه أيضًا ، ضغط على جانبي رأسه بكفيه ، يحاول كتم أصوات عقله التي تخبره أنه تم خطفها ، فلم تحتمل بسمة ما يتعرض له لذا مدت يدها تحيط كفيه وتردف بمساندة واهنة :
- داغر لو سمحت اهدى وهنلاقيها، أنا متأكدة، تعالى نرجع الشركة وهنوصل لطرف خيط صدقني .
أبعد يدها عنه واعتدل يحدجها بنظرات لومٍ ثم تساءل بتخبط :
- جه امتى الزفت ده وشافها إزاي وقالها إيه ؟
ازدردت ريقها ونظرت إلى صالح نظرة سريعة ثم عادت إليه تجيبه بخزي :
- جه مع جوز اخته في أول يوم دينا نزلت فيه الشركة، بس صدقني يا داغر أنا ماكنش عندي علم أبدًا إنه جاي، ولما عرفت طلبت من دينا ماتحضرش الاجتماع وماحضرتش وطلبت مني ماقولكش، بس هو قبل يا يمشي راح لها وشافها ، تقريبًا كان عارف إنها موجودة .
تفاقم غضبه وظل يحدق في مقلتيها مباشرةً، يردد كلماتها، إذا جاء منذ اليوم الأول، وأخفت عنه؟ ذلك اليوم الذي ذهبت إليه وأحضرت له الطعام وتمدد يغفو على ساقيها مطمئنًا وواثقًا بها ؟ إذا خدعته ؟
وجد نفسه يندفع عائدًا نحو شركة لوتشو مرةً أخرى ، كان لوتشو يغادر الشركة ويتجه نحو سيارته فلمحه داغر فركض ينقض عليه دون سابق إنذار، أسرع الحرس نحوه ليبعدونه عنه ولكنه تشبث به يقبض عليه بقوة وخلفه صالح يلتصق بظهره ويصد عنه الحرس وبسمة تتابع بصدمة وعدم اتزان، ليصيح داغر بجنون :
- اختي فيــــــــــن ؟ وديتها فيــــــــن ؟
حاول لوتشو التحرر منه وسط أجواء مشحونة لينجح الأمن بصعوبة في فصلهما عنه وكادوا أن يتبادلوا الضرب ولكن الأول رفع يده يشير إليهم بالتوقف ثم نظر لداغر وأردف بمغزى :
- أنا أتفهم حالتك، وإلا أقسم كنت لتحاسب على ما فعلته أنت وصديقك ، ولكن أنا لا علاقة لي باختفاء دينا، ولا أنكر أن الخبر مؤسف بالنسبة لي أيضًا، وأعدك سأفعل ما بوسعي لأجدها .
اندفع صالح نحوه متجردًا من حكمته ونطق باندفاع وغضب :
- ما خصكش فيها يا * ، ولو إلك إيد باللي صار وقتها رح تتحاسب وبتشوف .
عادا يغادران خاليان الوفاض لتتجه بسمة نحوهما وتردف :
- لو سمحت يا داغر اركبوا وهنطلع ع الشركة ندور تاني ، صدقني أنا حاسة إن هنلاقي طرف خيط .
تجاهل النظر إليها ولكنه اتجه يستقل السيارة بالفعل وتبعه صالح لذا أسرعت تتولى القيادة وتقود عائدة إلى الشركة، بينما استقل لوتشو سيارته وتناول هاتفه يجري اتصالًا بالرجل الخاص به والذي كلفه لمراقبة دينا ، فتح الخط فأردف لوتشو بملامح متجهمة :
- لما لا تجيب على اتصالي ؟
أردف الرجل بتوتر حيث علم باختفاء دينا المفاجئ :
- أنا آسف يا فندم ، بس الآنسة دينا اختفت فجأة ومش لاقيينها.
قبض لوتشو على يده يجاهد ليتحكم في انفعاله الذي لا يريده أن ينفلت ونطق بتوعد سافر :
- اعرف مكانها ومن فعلها وإلا ستندم ، أنا لم أكلفك بهذه المهمة كي تخبرني بكل أسف أنها اختفت ، جد لي الفاعل قبل الغد .
أغلق الهاتف وشرد يفكر قليلًا ويحاول استنتاج من فعلها وهل حقًا تم اختطافها أم أنها حاولت الهرب ؟ ربما ذلك الأخ يجبرها على شيء لا تريده !
❈-❈-❈
عادت إلى الفيلا متباهية بما فعلته ، تظن أنها ستتسبب في تشويه سمعة ثائر بعد الذي نشرته .
دلفت ترتد على الأريكة أمام والدها الذي يجلس يتصفح هاتفه، نظرت له بترقب وتحدثت بتفاخر :
- ماذا تتابع أيها العجوز ؟
تتعمد استفزازه دومًا ولكنه تلك المرة ابتسم بتهكم يطالعها ويردف ساخرًا :
- كنت أتابع منشور ابنتي البلهاء ، ما هذا الهراء الذي فعلتيه ؟ هل تظني أن هذه الكلمات ستؤثر في ثائر ذو الفقار ؟ أصبحتِ مثيرة للشفقة مارتينا .
جلست تتآكل بعدما كانت منتصرة، أغرقتها كلماته في الوحل لذا تجهمت ونطقت بغضب :
- سترى من هو المثير للشفقة حينما يعود ثائر لي نادمًا، وأنت ستجلس وتشاهد كالعادة .
عاد يستهزئ بضحكة أثارت غضبها ووضع هاتفه جانبًا يردف بخبث :
- وهل سيحدث هذا بمنشوركِ عنه في المجلة التي يعمل بها منذ سنوات ؟ هل تظنين حقًا أن هذا سيحدث ؟ لقد جلبتي بلاءً فوق رؤوسنا ، وليس من السهل وقوعه، ما تفعلينه مجرد هراء وبسهولة سيتم حذفه أو تشويشه .
تلوت في مقعدها،حينما تفكر تدرك أنه محق ، ثائر الذي تعرفه يمكنه بسهولة حذف أو تشويش هذا المنشور ، هل أصيبت بالتخبط ؟
نظرت إليه تسأله عن حلٍ دون أن تنطق، يمنعها غرورها عن سؤاله مباشرةً ولكنه يدرك نظرتها لذا تساءل هو :
- تريدين إذلاله وطلب العفو منكِ .
- نعم أريد .
نطقتها بكل غلٍ ليبتسم ويشرد قليلًا ثم أردف بما يجول في عقله الداهية :
- حسنًا اسمعي جيدًا، هناك أمرٌ ما سيحقق لنا ما نريده ولكنه مرهق قليلًا بالنسبة لكِ .
ضحكت وتساءلت بتشفي وهي تضع ساقًا فوق الأخرى :
- ماذا سيد إرتوا؟ ألم ينفذ توماس ما أمرته به ؟
نطق ببرود متعمد :
- دعك من توماس الآن ، استمعي إلي جيدًا وأعدك أنك ستنتصرين .
تأهبت مترقبة تردف :
- قل ما لديك .
زفر بأريحية وجلس يشرح :
- كل ما عليكِ فعله هو جمع أرشيف منشوراته ، من المؤكد جميعها موجودة، ستذهبين إلى المجلة وتبدأين بجمع نسخ عن منشوراته ضد بلده على مدار سنوات ، بعدها ستعودين إلى مصر وتقدمين هذه المستندات في بلاغ إلى جهاز أمن الدولة المصري من طرف مجهول، إياكِ أن تظهري هويتكِ .
قطبت جبينها متعجبة ثم فكرت قليلًا بهذه الخطة لتتساءل بترقب :
- ألم تكن تظنه عميلًا ؟
أومأ مبتسمًا يوضح :
- نعم بالفعل ، وهذا سيؤكد لنا إن كان عميلًا أم لا .
شردت لبرهة ثم بدأت تجمع الخيوط لتردف مستفسرة :
- إن كان عميلًا فلن يهتموا بالبلاغ ، وإن لم يكن ؟
ابتسم بخبث وأكمل :
- سيتم استجوابه ، على الأرجح سيُعتقل لعدة أيام تستطعين فيها استعادة معاذ والعودة.
- وثائر؟
سألته بتأهب وتجهم واضح ليبتسم ويردف مطمئنًا وشاردًا :
- لا تقلقي سيخرج، إن لم يكن عميلًا فأنا بحاجته .
على الفور راقت لها الخطة كثيرًا لذا هدأت وجلست تفكر بكل أركانها لتبتسم فجأة حينما طرأت على عقلها فكرة التخلص من ديما، اعتقاله سيسهل عليها الأمر، يجب ألا تبقي عائقًا بينهما، ستتخلص من ديما ومن توماس وسيعود ثائر إليها مجبرًا ،فهو لن يقبل بخسارة ابنه ، إذا ستفعل .
❈-❈-❈
وصلوا إلى الشركة ودلف داغر وصالح إلى جهة المخازن يبحثان عن دينا أو عن وجود أي دليل بينما توجهت بسمة إلى غرفة المراقبة مجددًا تحاول اكتشاف أي ثغرة .
خطا داغر في اتجاه وصالح في اتجاه آخر ، يبحثان ويناديان عليها في الممرات الخالية من العمال ، ينظر داغر في كل ركنِ، يفتح أي بابٍ يقابله ، حتى الارض لم يتركها.
يتمنى لو يجد أي شيءٍ يرشده إليها ، وحين استمع إلى رنين هاتفه ظنها هي لذا أسرع يستله من جيبه ولكنها كانت منال .
توقف يطالع اسم والدته ولا يعلم بماذا يجيب ؟ وماذا سيخبرها؟
عاد صالح إليه يطالعه بأسفٍ وحينما وجده يقف عاجزًا أمام اتصال والدته قال :
- لا تخبّرها يا داغر ، إن شاء الله بنلاقيها قبل المسا .
بيأسٍ بلغ حنجرته ولوى أحشاؤه أومأ ولم يجِب بل أعاد الهاتف إلى جيبه ثم قرر الخروج من المكان والعودة إلى غرفة المراقبة .
أعادت منال اتصالها مجددًا فما كان له بُدًا إلا أن يجيب لذا التقط نفسًا حادًا ثم اتخذ جانبًا وفتح الخط يردف بنبرة واهنة:
- أيوة يا ماما ؟
زاد قلقها الذي شعرت به حينما استمعت إلى نبرته لذا تساءلت بتوترٍ بالغ :
- فيه إيه يا داغر ؟
حاول جاهدًا ألا يظهر أي شيء لذا نطق وهو يستند برأسه على الحائط ويتمنى لو يتحقق كلامه :
- مافيش يا ماما، بسمة وصالح عملوا خطة كدة علشان يصالحوني أنا ودينا ، إحنا مع بعض أهو بنتكلم، ماتقلقيش كلنا تمام، بس بقولك ، يمكن اخدهم واطلع على اسكندرية نسهر هناك ونرجع بكرة ، هشوف ظروفنا إيه وهبلغك .
توغلتها سعادة أسفرت عن تبخر قلقها ونطقت بحماسٍ آلمه :
- ماشي يا حبيبي ومالو ، المهم انكوا اتصالحتوا ، ربنا يفرحكوا يابني ولا يشمت فيكوا عدو ولا يوقع بينكم أبدًا، خد بالك منهم وابقى طمني .
بصعوبة حاول التقاط نفسًا يردف به :
- إن شاء الله ، مع السلامة .
أغلق مع والدته واتجه عائدًا إلى بسمة التي تتابع هي وصالح الذي قفز إلى عقله ماجد الراوي لذا أسرع نحو داغر يطالعه بشكٍ ويردف :
- ليكون هداك ماجد الراوي يللي عملها ياخو ؟
لم يرد أن يفكر في هذا الحقير ، واجه كل السيناريوهات إلا هذا الأمر حاول الهرب منه ولكن جاء حديث صالح ورطمه ليطالعه بعينين حادتين ويردف متوعدًا :
- هيبقى آخر يوم في عمره .
وقفت بسمة تطالعه على بعد خطوات وتخبره بعينيها بأسفها عما يواجهه ولكنه لم يستطع أن يبادلها أو يتقبل أسفها لذا أبعد نظراته عنها وأعاد الاتصال على شقيقته مجددًا علها تحدث معجزة وتجيبه .
❈-❈-❈
لم تعد تقاوم ، لم تعد تصرخ ، لم تعد تتلوى .
باءت كل محاولاتها بالفشل الذريع واستحوذ عليها رعبًا بالغًا جعل ضعفها يطفو على ملامحها .
عيناها تذرف دموع الحسرة، تعترف بينها وبين نفسها بالخطأ الفادح الذي ارتكبته حينما ظنت أنها قوية، محصنة ضد المخاطر وليست بحاجة إلى حماية شقيقها لها .
تبكي بحرقة على وضعها الآن، تفكر فيه وأين هو وهل سيستطيع تحريرها أم أن مصيرها بات معلومًا على يد ذلك الماجد الذي يسعى للانتقام منه .
هي بسمة، هي من تسببت بتلك الفوضى، منذ دخولها إلى حياتهم وانقلبت الموازين رأسًا على عقب .
ليتحدث صوت ضميرها نافيًا هذا التفكير، بسمة أيضًا ضحية، لقد أحبها داغر بصدق، لم ترَ منها سوءًا قط، ولكن على من تلقي اللوم وهي في هذه الحالة ؟
على والدها ، نعم هنا اجتمع صوت ضميرها مع صوت عقلها مع مشاعرها السلبية، هو السبب ، لم يكن لهم درعًا حاميًا ذات يوم ، تركهم في مهب رياحٍ عاتية اقتلعت ثباتهم خاصةً هي ، هي التي تسلحت بدرعٍ واهن مخادعٍ من قوة وشموخ واستقلال زائفين، هي التي تخبطت لتثبت أي شيء فخسرت كل شيء .
هل ستعود ؟ هل سينقذوها ؟ من المؤكد أن صالح أخبر داغر والآن يبحثون عنها ، نعم لن يتركها لا داغر ولا صالح .
هجمت على عقلها فكرة مرعبة لا تقل رعبًا عما تعيشه، ماذا إن حاول الاعتداء عليها ؟ حينها سيكون الموت أهون بكثير ، لن تسمح بذلك ، ولكن كيف وهي لا حول لها ولا قوة ؟
عادت تصدر حشرجة لا إرادية، تبكي بقوة وصل صوتها إلى ماجد الذي يجلس في الخارج يجري اتصاله عبر حاسوبه بعدما أغلق هواتفهما .
استأجر هذه الشقة خصيصًا في منطقة نائية غير مأهولة بالسكان بعد، ساعده بعض المعارف ومازال ينتظر المساعدة من أخرين .
دلف يطالعها بلا مبالاة، لم تؤثر فيه حالتها قط، دموعها، ذبولها، خوفها الواضح، كل هذا يثيره بطريقة مَرَضية .
رأته فظلت تتلوى رغم خوفها لذا تساءل وهو يضع كفيه في جيبيه ويقف بجوارها :
- إيه؟ جبتي أخرك ولا إيه ؟ حاولي تهدي لإن لسة قدامنا مع بعض وقت طويل، مش هتمشي من هنا غير لما أخوكي يتذل ويتهان ويطلق بسمة.
هزت رأسها مرارًا كرفضٍ وعينيها تطالعه بكرهٍ فزفر ورفع يده ينظر إلى الوقت ليجدها التاسعة لذا ابتسم وأردف :
- كفاية عليه كدة ، مع إني كنت عايز اطول عن كدة بس بصراحة مش فاضي وورايا سفر أنا وبنت عمي ، خليني أكلمه ، ولا تحبي تكلميه إنتِ ؟
أومأت بترجٍ فضحك بشرٍ ثم دس يده في جيبه يخرج هاتفها ويلوحه أمامها ثم أعاد تشغيله وقرر أن يهاتفه .
كان قد خرج أمام الشركة بعدما فشل في العثور على طرف خيطٍ يوصله، يفكر هل يذهب إلى الشرطة ؟ هل سيجدوها له سريعًا ؟
في زحام أفكاره رن هاتفه لذا أسرع يلتقطه ليجحظ حينما وجده رقمها لذا أسرع يجيب بلهفة انتفض على أثرها صالح :
- ديـــــــــنا !
ركضت بسمة نحوه حيث كانت تتحدث مع الأمن ، ووقف مشدوهًا ينتظر ردها فسمع صوت همهمة لذا عاد يردف بقلبٍ مفطور :
- دينا ردي عليا ؟ سمعاني ؟ انتِ فين ؟
تهاوى قلب صالح عند قدميه وأراد أن ينزع الهاتف من داغر ويتحدث إليها ولكنه يقدر حالته لذا وقف ينتظر والانتظار الآن عدوًا شرسًا يهدد أمن واستقرار قلبه .
أردفت بسمة بنبرة متلهفة :
- داغر افتح المايك .
نفذ طلبها وهو مذعور من عدم ردها لتصفعهم الصدمة حينما صدح صوت ماجد يردف بتشفٍ :
- إيه يا باش مهندس ؟ بتدور على اختك ولا إيه ؟
سقطت على مشاعره صاعقة جعلته يرى فيها كل سنواته مع شقيقته ، مرت من أمامه كمرور سحبٍ غائمة ليردف بانكسار حقيقي بعد وقتٍ لم يحسبه :
- رجع دينا يا ماجد وهعملك اللي إنت عايزه .
رفع صالح يده ينزع خصلاته بعدما فقد عقله السيطرة عليه ، وتجمدت بسمة بعجزٍ وذهول، ووقف داغر مهدودًا ينتظر رده ليقهقه ماجد منتصرًا ويردف بتشفٍ وهو يجلس أمام سرير دينا يضع ساقًا فوق الأخرى ويطالعها :
- هترجع لو سمعت الكلام ونفذته ، واسمع كويس، أنا لعبت اللعبة دي وحطيت حياتي قصادها، يعني ماتحاولش تتذاكى وإلا هيبقى عليا وعلى أعدائي، اختك قدام عيني أهي، فكر بس تعمل حركة كدة ولا كدة ساعتها هتعرف مين هو ماجد الراوي، ويقدر يعمل إيه .
أغمض داغر عينيه ، ليعم الظلام عالمه، يقف على حافة جبلية، من خلفه عدوًا ، ومن أمامه هاوية لا نهاية لها، وعن يمينه صالح، وعن يساره بسمة، وثلاثتهم تحت تهديد سلاح لا رصاصة فيه بل حياة شقيقته .
ابتلع الغصة المريرة ونطق باستسلام :
- تمام، كل اللي إنت عايزة هعمله .
تنفس بارتياح وأردف وهو ينهض :
- حلو،استنى مني مكالمة تانية،واياك تفكر تبلغ .
أغلق وتركهم في حالتهم التي لا يتمناها أي عدو ، لا إراديًا استحوذ على بسمة شعورَا بالذنب وكأنها الفاعلة ، بينما وقف داغر لا يفكر سوى في حالة أخته ومشاعرها الآن، أما صالح فيشعر أن أنفاسه تتلاشى، ذلك الحقير خطف خطيبته ويستحوذ عليها الآن، خطفها وهو على بعد خطوات منها.
نطق بفوضوية وتخبط :
- رح نضل هيك ياخو ؟ خلينا نعمل إشي، تعال نبلغ.
دارت الدنيا من حوله وهز رأسه رافضًا ينطق بوهن وحزنٍ طاغٍ :
- مش هنبلغ يا صالح، مش هأذي اختي بإيدي .
❈-❈-❈
تنصت رجله على تلك المكالمة، وعلم هوية الخاطف ولم ينتظر إلى أن يبتعد عن محيط شركة الراوي بل أسرع يستقل سيارته ويهاتفه ليجيب لوتشو بترقب متسائلًا :
- هل لديك أخبار ؟
أردف الرجل بتحفز :
- اللي خطفها يبقى ماجد الراوي، هو تواصل مع أخوها دلوقتي وهدده وقال إنه هيكلمه تاني ومنعه إنه يبلغ البوليس وإلا هيأذيها .
برزت عروق لوتشو وتجهمت ملامحه بغضبٍ سافر ليردف بعدها بنبرة صلدة :
- احضر لي رقم هاتفه على الفور ، وجميع المعلومات عنه .
❈-❈-❈
جلسا يتناولان الطعام .
تطالعه بسعادة ويطالعها بابتسامة ماكرة، حقق ما يريده، تسير خطته على أكمل وجه ، لم يتبقَ إلا أن يتعرف على صديقة ديما الصابر ليتسنى له معرفتها أكثر .
تناول مشروبه أسفل نظراتها المنزعجة ولكنها لم تستطع الاعتراض ، تظن أنها مع الوقت ستقنعه بالتوقف.
وضع كأسه ونظر للصغير الذي يجلس في مقعده يصدر أصواتًا طفولية جعلته يرنو منه ويقبله بعمق ثم ابتعد يطالعها ويردف :
- لم لا تهاتفين الجيران وتدعيهم إلى الطعام ؟
تنفست ونظرت في ساعتها ثم عادت إليه توضح :
- في الحقيقة أنا متوترة قليلًا ، ربما من السهل إقناع دياب ولكن أنا وزوجته لا نتفق كثيرًا .
حدق بها بعمق وتساءل بمغزى :
- ولماذا؟ هل غارت مثلًا على زوجها منكِ أيتها الجميلة ؟
توترت وابتسمت تدعي الخجل ونطقت بمراوغة لا تسمن ولا تغنى من جوع :
- ولماذا ستغار ؟ أنا كنت أتعامل معهما بكل حذرٍ ، أنا أحبك وحدك توماس، دياب كنت أعتبره صديقًا وساعدني كثيرًا ولكن ربما زوجته فهمت ذلك بشكلٍ مختلف .
ابتسم يوميء كأنه اقتنع وأردف بهيمنة :
- ولهذا يجب أن نصلح هذا الخطأ ونؤكد لهما أنكِ كنتِ تريدين صداقتهما فحسب، وبما أنهما ساعداكي أنتِ وصغيري فيجب أن أشكرهما بنفسي .
ازدردت ريقها وأومأت له ثم تنفست بقوة وتناولت هاتفها لتطلب رقم يسرا .
كانا في هذه الأثناء يدلفان منزلهما بعد عودتهما من فحص الحمل الروتيني ، دلفت يسرا واتجهت تجلس على الأريكة واتجه دياب إلى المطبخ يحضر لهما كوبين من العصير .
رن هاتفها فالتقطته من حقيبتها تطالعه بتعجب ليصدر صوت دياب متسائلًا بعلو :
- برتُقان ولا موز باللبن ياحبيبي ؟
لم تركز مع سؤاله بل أردفت بعجالة :
- دياب تعالى كدة .
تحرك عائدًا لها متعجبًا فأدارت الهاتف له ليرى اسم المتصل لذا جلس يجاورها ويردف :
- هتردي ؟
- مش عارفة .
قالتها بحيرة وما زال الهاتف يصدح رنينه فأردف بهدوء :
- ردي يا يسرا ، شوفي عايزة إيه ؟
أومأت بالقليل من الضيق ولكنها فتحت المكالمة قبل أن تنتهي وأردفت بترقب :
- ألو ؟
ظنت رحمة أنها لن تجيب لذا حينما أجابت نطقت بحماسٍ :
- أزيك يا يسرا، عاملة ايه ؟
- كويسة الحمدلله .
تحمحمت تتابع وعينيها على توماس المهتم :
- كنت حابة اعزمكوا على العشا أنا وتوماس بكرة بليل ، هو حابب يتعرف عليكم ويشكركم على وقوفكم معايا .
سمعها دياب فأشار معترضًا ليسرا كي ترفض لذا شعرت بالحرج ولكنها أردفت بهدوء :
- مافيش شكر ولا حاجة يا رحمة إحنا ماعملناش أي حاجة، وشكرًا ع الدعوة، بس معلش مش هنقدر نيجي علشان ظروفي .
حاولت إقناعها فاسترسلت :
- ليه بس يا يسرا ؟ العشا هيكون عندنا هنا مش هتنزلي ولا هتتعبي خالص ، لو سمحتِ ياريت ماترفضوش، أنا نفسي جدًا ترجع علاقتنا زي الأول ، يعني قصي مش وحشك؟
حاولت يسرا التملق بعدما زاد ضيقها ونظرت لدياب الذي زفر بانزعاج ولكن على الجهة الأخرى أشار توماس لرحمة لتناوله الهاتف ففعلت متعجبة ليميل عليها ويتساءل :
- هل يتحدثان الفرنسية ؟
هزت رأسها بلا تعلم وسط تعجبها وهي تجده يرفع الهاتف إلى أذنه ويتحدث :
- Bonne soirée
ذُهلت يسرا وأسرعت تناول الهاتف إلى دياب الذي تحدث بنبرة رصينة :
- مساء النور .
ابتسم توماس يردف بالمصرية الثقيلة :
- أزيك أستاذ دياب ، رهمة هكيتلي أَنكم كتير وكنت هابب اتأرف أليكم ، وبأدين أنا دخلت الإسلام جديد ونفسي نكون اصهاب .
جحظت رحمة وفرغ فاهها لا تصدق أنه يتحدث المصرية بينما تعجب دياب على الجهة المقابلة ونظر إلى يسرا التي هزت كتفيها باستغراب مما يحدث ، وكعادته لا يفضل إحراج أحدٍ أو صده لذا زفر وأردف بضيق :
- أهلٕا وسهلًا يا مستر توماس ، ومُبارك طبعًا ، ويشرفني نكون اصحاب، بس مافيش داعي لموضوع العشا ده .
أصر توماس وعاد يُلح قائلًا :
- إيش ومله زي ما بتقولوا ، قلت إيه ؟
زفر دياب ونظر ليسرا بقلة حيلة ثم أردف مجبرًا :
- تمام ، ربنا يسهل إن شاء الله .
أغلق معه بعدما ودعه لتدرك يسرا حالته لذا مدت يدها تربت على كفه قائلة :
- ماتضايقش نفسك، واضح إنه لحوح شبه رحمة.
أومأ مؤكدًا وشرد يوضح :
- ماعرفش يا يسرا بس مارتحتلهوش، بعيدًا عن كلام رحمة اللي قالته عنه قبل كدة لكن شكله مش مريح .
- انت شوفته ؟
سألته باهتمام ليوميء مؤكدًا ويستطرد :
- أيوة شوفتهم من كام يوم وهما خارجين سوا بس هما ماشفونيش الحمد لله ، أحسن حاجة إنهم اتجوزوا .
أومأت له وعادت تتساءل :
- طيب هنروح فعلًا ولا هنعمل إيه ؟
نهض يطالعها ثم أردف بانزعاج وهو يتحرك نحو المطبخ :
- هنشوف يا يسرا، الله يسامحهم قفلوني .
❈-❈-❈
على الجهة الأخرى كانت رحمة تعاتبه وتستجوبه عن لهجته المصرية فقالت :
- إزاي بتتكلم مصري وماتعرفنيش يا توماس ؟
ابتسم وعاد للغته الأم يوضح :
- ألا تعلمين أنني عشت في مصر 5 سنوات ؟ هل نسيتِ ؟
نعم أخبرها بذلك منذ زواجهما الأول ولكنه لم يتحدث أمامها بالمصرية قط لذا أردفت :
- عارفة بس إنت ماقولتش إنك بتتكلم مصري ، ليه يا توماس؟
نطق بلا مبالاة وهو يفرد ظهره على المقعد :
- لإنني لا أفضل التحدث بها، أحب لغتي، ولكنني كنت مضطرًا الآن، هل تعتقدين أنهما سيأتيان ؟
هزت منكبيها ومطت شفتيها بشكٍ ثم بدأت تطعم صغيرها وعقلها يفكر في توماس وغموضه وقد بدأت تشعر بالقلق حياله خوفًا من خداعها كما حدث مسبقًا، ولكن لماذا يفعل هذا ؟ أم أنها تبالغ ؟
أسرع يتساءل ليشوش على أفكارها :
- هل هذه الغرفة عائدة لوالدكِ؟
قالها يشير على إحدى الغرف فأومأت تجيبه :
- نعم ، كانت غرفة المكتب الخاص به ، ولكنها مغلقة منذ زمن .
ابتسم واستند بوجهه على ساعديه يردف بشرود :
- أوه، تبدو جيدة للتأمل، هل أخبرتكِ من قبل أنني أريد أن استثمر هنا بمشروعٍ صغير ، ربما مثلًا إنشاء مدرسة فرنسية، ما رأيك؟
تفاجأت ولكنها تحمست تجيبه بعدما رطمت شكوكها به عرض الحائط :
- ستكون فكرة ممتازة، وسأتولى إدارتها بنفسي .
أومأ مؤكدًا يردف بخبث :
- بالطبع ، وأيضًا لي صديقة فرنسية ستكون هنا قريبًا، يمكنها مساعدتنا، والدها عقيد في الجيش الفرنسي وله معارف يمكنهم تسريع الإجراءات لنا .
- هذا جيد جدًا توماس، أنا أؤيد هذا كثيرًا، ولكن من هذه الصديقة ؟
تساءلت بها بترقب ليجيبها :
- سأعرفكِ عليها، تتذكرين ذلك الكاتب ثائر ذو الفقار ؟
أومأت له فاسترسل بخبث :
- إنها زوجته الأولى، وأم ابنه .
- ماذا ؟
سألت بصدمة ليوميء ويسترسل بهيمنة :
- دعك منهما، الآن سنفكر في مشروعنا سويًا، ما رأيك أن استغل غرفة المكتب هذه؟
لم تمانع بل رحبت كثيرًا تردف :
- بالطبع حبيبي اعتبرها لك .
ابتسم ومد يده يلتقط كفها ويلثمه ثم أردف بسطوٍ مسلحٍ على عقلها :
- أحبك ، دعينا أولًا نجهز لرحلتنا وحينما نعود سنرتب جميع أمورنا .
❈-❈-❈
يقود ثائر سيارته متجهًا إلى وجهته وتجاوره ديما شاردة تفكر وهو كذلك ولكن....
لم يمنعه شروده من ملاحظتها لذا التفت يطالعها وعاد يتطلع على الطريق ويتساءل بهدوء :
- بتفكري في إيه ؟
تنفست بعمق وأجابته توضح ما يؤرقها :
- بما إننا قابلنا توماس في المطعم ، وهنقابلوا في الجونة فأنا شايفة إن مافيش داعي ندخل يسرا ودياب في الأمر ده ، يعني دياب شخص مسالم جدًا ومش بتاع مشاكل ويسرا دلوقتي حامل ، مافيش داعي ندخلهم حتى لو مش هيعرفوا .
تفهم قلقها لذا أجابها بتروٍ موضحًا :
- صدقيني بحاول اعمل كدة، بس لازم تعرفي إن سفر الجونة ومقابلة المطعم وكل اللي بنعمله ده علشان ننجز مهمة واحدة من التلاتة اللي توماس جاي مصر ينفذهم ، لو قدرنا نحدد الشخصية المهمة المستهدفة وده هيحصل إن شاء الله وخطته هتفشل وهيرجع من الجونة يضرب أخماس في أسداس علشان كدة هنتأهل للمرحلة التانية .
زفر بقوة وتوغله شعورًا مزعجًا يحمل على متنه الغيرة والضيق وهو يستطرد :
- هنضطر نزور دياب ويسرا ونقرب منهم ، توماس قرب من رحمة ورجع لها علشان بيتها صعب دخوله ومراقبته من جوة، ده غير إنها شخصية سهل يتلاعب بيها ويخليها تعمل أي حاجة هو عايزها ، بعد فشل خطة الجونة هيبقى في قمة غضبه وهيبقى عايز ينتقم مني بأي وسيلة حتى لو ماعندوش دليل إن أنا اللي وراه، بس أوعدك أنهم هيبقوا في أمان ، هما بس وسيلة هنستعملها علشان نوصل للهدف، وتوماس مش هيكون ليه أي هدف معاهم ، ماتقلقيش خالص.
وهل لها ألا تقلق بعد هذا الحديث ؟ باتت هي والقلق رفيقان، ليدركه ثائر لذا استرسل بمرحٍ تغلفه الغيرة :
- يعني قولتي على دياب مسالم ومش بتاع مشاكل ، ويسرا يعني هي اللي بلطجية ؟
ابتسمت تلقائيًا تجيبه بمرحٍ نقله إليها :
- أه لو سمعتك بتقول عنها كدة.
تنهدت تسترسل :
- يسرا طيبة جدًا بس مش بتحب حد يدوس لها على طرف، ليها حق بتعرف تاخده كويس جدًا ومش بتتكسف من اللي قدامها طالما يستاهل، إنما دياب طيب ومش بيحب يكسف حد.
- خديلك ساتر ياديما، عديتهالك أول مرة.
نطقها بغيرة صريحة لتعاود الضحك وهي تميل عليه وتملس على كتفه بحبٍ قائلة :
- بوضحلك يا حبيبي، وبعدين دي حقايق وانت علمتني إن لازم شغلنا يبقى نزيه وعلى ميه بيضة.
أومأ وأراد أن يرد لها الصاع فاسترسل بصدق يتوغله الخبث :
- شاطرة، بس أنا كثائر شايف إن شخصية يسرا صح عن دياب، التعامل بحزم هو أسلم تعامل مع الناس ، يعني بالنسبالي يسرا تكسب .
أومأت مؤيدة بعدما فهمت مغزاه ونطقت توضح :
- صح، معاك حق، أنا ياما عانيت بسبب إني باجي على نفسي علشان خاطر اللي قدامي واللي للأسف مكانش يستاهل أبدًا .
مد يده إليها يطلبها فاتجهت إليه فعانقها بيدٍ وقبل رأسها وظل آسرها ينطق وعينيه على الطريق :
- طب مش أنا عوضتك؟
كانت هائمة بفعلته واحتوائه ولم تجبه سريعًا لذا عاد يتساءل وهو يشدد من احتضانه ويطالعها هذا المرة :
- عوضتك ولا ماعوضتكيش يا باش كاتبة ؟ هتاكلي وتنكري ولا إيه؟
قهقهت عليه وزحفت يدها تعانق خصره لتردف وهي تستكين معه :
- ده أحلى عوض ، وبعدين أنا مش باكل وبنكر ولا عمري عملتها .
ابتسم يوميء ثم نطق بمغزى جريء وهو يعاود النظر إليها :
- هنشوف الكلام ده لما نوصل .
رفعت يدها تلف وجهه للأمام وتردف بحدة زائفة :
- طب بص قدامك يا ابن ذو الفقار علشان نوصل سالمين ووقتها هنشوف مين اللي زي القطط .
ضحك وتابع طريقه يسرع قليلًا كي يصل متلهفًا إلى موقع المعركة التي ستقام بين القطة والفهد..
❈-❈-❈
بات منتصف الليل واضطرا داغر وبسمة للجلوس على استراحة أمام النيل في مكان هادئ بعض الشيء .
وقف صالح على بعد خطواتٍ منهما، يفكر والأفكار تأكل رأسه، يرفع رأسه عاليًا ويناجي ربه، هل يختبره مجددًا ؟ وفي الفتاة الوحيدة الذي نبض قلبه لها بعد ويلاتٍ من الحـ.رب والفقد ؟ هل يضعه في اختبار جديد ؟ وهل يستطيع عليه صبرًا ؟
يفكر ماذا إن آذاها؟ إن تعرض لها؟ لقد بدأ يخطط لمستقبله معها ؟ خلال الأيام الماضية اقترب منها ودرس شخصيتها الطفولية العنيدة وبدأ يضع الخطط التي سيستعملها معها كي تلين معه وله .
ازداد منسوب حبها في قلبه،برغم أخطائها ،برغم اختلافهما ،برغم اندفاعها ،إلا أنها تناسبه ،يريدها بكل ما أوتي من أحزان ،يشعر أن الله أعطاها مفاتيح راحته وسعادته.
أغمض عينيه وردد داخله بصوتٍ يكاد يسمع :
- يارب، ردها لي يارب .
عاد يفتح عينيه وينظر للنيل ويتعهد إن عادت سالمة سيكتب كتابه عليها على الفور ولن يتركها مرةً أخرى ، يشعر أن عليه فعل شيء ولكن عقله متجمد ولا يعلم ما هو،وما أصعب شعور العجز لدى الرجال .
كانت عين داغر عليه ، يلاحظ حالته ولكنه لأول مرة لا يستطيع مواساته ، تجاوره بسمة حزينة وآسفة ، في حالة يرثى لها.
تنهدت بعمق وتعب ليلتفت لها يطالعها بطرف عينيه ثم أردف بنبرة منكسرة :
- قومي يا بسمة نامي في العربية، مالوش لزوم قعادك هنا .
وكأنها كانت تنتظر حديثه معها لتعلن عن انهيارها، احتضنت ذراعه ووضعت رأسها على كتفه تنطق معتذرة بعدما أكلها الذنب :
- أنا أسفة يا داغر ، أنا حاسة إني السبب في كل اللي بيحصل ده، أنا موجوعة أوي على دينا ونفسي أعمل أي حاجة علشانها بس مش عارفة اعمل إيه، حاسة إني عاجزة ومقيدة وأنا شيفاك كدة، سامحني بجد .
أطلق زفرة حارة ورفع وجهه عاليًا يواري حزنه البالغ إلى أحشائه يعتصرها وإلى صدره يلكمه ويقبض عليه وإلى حنجرته يؤلمها.
ومع هذه الحالة لم يبخل عليها بالمؤازرة لذا مد يده يربت على ذراعها وأردف بتعب يلقي باللوّم عليه :
- إنتِ مالكيش أي ذنب ، لو هنلوم على حد يبقى عليا أنا، أنا اللي فتحت صدري ووقفت قدامهم بقلب جامد وماعملتش حساب إنهم ممكن يردوهالي في اختي، بس معلش، ترجع بس دينا ويبقى يحلها اللي مابينام .
لفت وجهها تقبل كتفه ثم اعتدلت تطالعه وتردف بتأكيد :
- هترجع بإذن الله، حتى لو طلب ثروتي كلها هتنازل عنها، صدقني هعمل أي حاجة علشان ترجع .
أُجبر على التبسم في وجهها والتقط رأسها يقبل مقدمته ثم ربت عليها وابتعد يردف بشرود :
- هنشوف يا بسمة، هنشوف.
❈-❈-❈
في الثانية صباحًا.
وصل ثائر وديما إلى وجهتهما، اصطحبهما أحد عمال المنتجع إلى الكامب الخاص بهما ، كوخًا خشبيًا، يطل على البحر مباشرةً.
الأجواء معتمة بعض الشيء، ولكن رائحة البحر وهدير المياه ونسمات الهواء أنعشت حواسهما، تملكتها طاقة طفولية وتمنت لو تقفز الآن ، ولكنها تحلت بالثبات خاصة حينما تذكرت ألم ظهرها المفاجيء ، لذا التفتت تطالعه بعدما رحل العامل لتجده يفتح باب الكوخ ويدخل الحقيبة ثم التفت لها يردف بترقب :
- تعالي يالا .
أومأت مبتسمة وتحركت نحو الداخل تتطلع على الغرفة ، من يراه من الخارج لا يظن أنه بهذا الجمال مطلقًا ، هو عبارة عن كوخٍ خشبي مهندم ولكنه يعطي طابعًا بدائيًا ، ما يميزه أنه يلقي بنفسه داخل أحضان الشاطيء .
ولكنه من الداخل يشبه غرفة في قصر، الغرفة محاطة بالستائر البيضاء التي تعطي طابعًا من الراحة والسلام ، والسرير مهندم بأغطية نظيفة وناصعة تتناثر عليها بعض الورود الحمراء ، واثنان من الكومود يتأبطان السرير، خزانة صغيرة ومرتبة كما المقعدان المجاوران للنافذة، وإضاءة راقية، ومطبخ صغير مجهز ببعض اللوازم البسيطة وبالطبع حمام بجدار زجاجي عازل ولكن ما أدهشها هو حوض الاستحمام الذي يحتل جانب الغرفة .
انتهت من فحص المكان الرائع والتفتت تطالعه بسعادة ثم اتجهت تتعلق برقبته وتردف بدلالٍ يليق باللحظة :
- حلو أوي يا ثائر ، المكان تحفة بجد .
لف ذراعيه حول خصرها وشدها إليه يتأملها حتى استقر عند شفتيها فأردف :
- يمكن علشان دخلتيه؟
ابتسمت ورفعت نفسها قليلًا تقبله، فعلتها ببساطة وتنوي الابتعاد ولكنها نسيت أنها بين أحضان فهدٍ متربص لذا شدد من قبضته يمنعها من الابتعاد بل أسرع يلتهم شفتيها متوليًا زمام القُبل وكم هو فارسٌ مميز.
وباتت يديه تسافر معه في رحلةٍ عبر تفاصيلها ولكنه وصل إلى نقطةٍ ما ودون عمدٍ استعمل قوته فتأوهت وتصلب جسدها أسفل لمساته فابتعد إنشات يطالعها ليجدها تحاول إخفاء ملامحها المتألمة عنه لذا رفع وجهها يفحصه وتساءل بقلق :
- في حاجة بتوجعك ؟
حاولت الابتعاد عنه فحررها فاتجهت تجلس على الفراش حينما استهدف ظهرها لكمة تقلصية تزورها أحيانًا وحاولت أن تتحلى بالثبات وتجيبه بخجلٍ وأسف :
- يعني وجع بسيط في ظهري، بييجي لما بقعد لفترة طويلة، أكيد علشان السفر، بسيطة هيروح فورًا .
شعر بخجلها منه لذا نزع مشاعره جانبًا وارتدى ثوب العاطفة ليردف بمرحٍ :
- أمم ، ضهرك بيوجعك يبقى محتاجة حجامة وانا هعملهالك حالًا .
نطقها بنشاطٍ واتجه نحوها فتعجبت وقوست ما بين حاجبيها تتساءل وهي تستند على الفراش:
-انت بتعرف ؟ وبعدين هتعملهالي ازاي؟
جلس أمامها وحدق بها بنظرة تحمل خبثًا تحبه منه ثم رفع سبابته يشير نحو شفتيه المزمومتان لتكونا هما الأدوات المستخدمة في حجامته لذا تورد وجهها وقهقهت عليه بخفة ثم طالعته بمقلتيها اللامعتين بوميض الحب وتزين ثغرها بابتسامة رائعة وهي تردف بمرح :
- شفايفك مقوية قلبك .
ابتسم عليها واطمأن أنها نزعت خجلها منه لذا نهض مجددًا يتجه نحو الحقيبة ومال يفتح جرابها الأمامي ويخرج منه كريمًا مسكنًا ثم عاد إليها يردف بحب :
- خليني ادهنلك من ده وهترتاحي جدًا ، أنا بستعمله لما بيحصل معايا شد عضلي .
أومأت له وحاولت رفع بلوزتها ولكنها تفاجأت به يمددها كليًا ليصبح ظهرها في مواجهته فقضمت شفتيها بخجلٍ ولكنه لم يمهلها وقتًا بل رفع بلوزتها والتقط حفنة من العبوة وبدأ يدلك لها ظهرها بهدوء ونعومة لتشعر بارتياح وكأن التقلصات هي أيضًا تخشاه وتفر هاربةً من أمامه، تنهدت وأغلقت عينيها على أثر لمساته لتتفاجأ به ينحني ويقبل موضع الألم بعدما انتهى، ثم اعتدل يعيد ثوبها كما هو ومال يضع العبوة على الكومود ليعود ويتمدد جوارها ويأخذها إليه لتنام بين أحضانه على الفور .
تعشق هذا الجزء من شخصيته، الحنون، المراعي، المتفهم،وها هو يصبح طبيب جراحها أيضًا .
❈-❈-❈
فجرًا
جلس صالح على إحدى الاستراحات يتكتف وعقله يحثه على النهوض واقتحام منزل الراوي الآن فلم يعد يحتمل ، حتى لو لم يجد ماجد ولكن ليصب غضبه على أي أحدٍ هناك ، ولكنه ليس معتدي لذا يجلس يتلوى هو وقلبه وعقله بين أنياب الظنون .
غفت بسمة على كتف داغر الذي لم ينم أيضًا بل يحاول الاتصال على دينا دون جدوى ، يحاول على ذلك الماجد ولكنه مغلق أيضًا .
تعب ويأس وعجز وحزن سقطوا على ملامحه دفعةً واحدةً ولم يعد يعلم ماذا يفعل .
رفع رأسه يدعو ربه مجددًا ليصدح هاتفه عن مكالمة مرئية عبر تطبيق سكاي فأسرع يجيب وحينما فتح الخط وجد أمامه دينا تتمدد على فراشٍ وتتلوى وتنظر له باكيةً لا حول لها، ليصرخ باسمها :
- دينا .
انتفضت بسمة وصالح على أثر صوته والتصقا به يشاهدانها كما يفعل هو ، تتلوى وتبكي وتهمهم تطالبه بإنقاذها ليردف بتأكيد ويوميء مرارًا بعيون غائمة:
- ماتخافيش يا دينا ، اهدي واطمني مش هسيبك، هرجعك حتى لو آخر يوم في عمري .
انهارت في البكاء فجن جنون صالح ولكنه حاول بث الطمأنينة فيها فنطق :
- لا تخافي دينا، مش هنتركك مهما صار، بوعدك بهالشي .
ازداد بكاءها وتوسلاتها بنظراتها فلم يتحمل رؤيتها هكذا، قلبه يتلوى.
بينما تطلعت بسمة على هيأتها وقيودها ولعنت ابن عمها ، لتهمس من بين أسنانها بغضبٍ :
- حيوان .
لف حاسوبه النقال عن دينا ليظهر وجهه مبتسمًا بتشفٍ ليجد نظرات داغر له قاتلة، لو أنه أمامه لقتله بكل تأكيد لذا تعمد استفزازهم فضحك يردف :
- نفسك تقتلني مش كدة ؟ اطمن، هرجعهالك، بس لو نفذت اللي هطلبه .
أدرك أن الثمن غالٍ وتأكدت ظنونه حينما استرسل ماجد ببرودٍ :
- هتروح كدة زي الشاطر للمأذون اللي كتب كتابكوا وهتطلق بسمة، لو النهار طلع وماطلقتوش هبعتلك فيديو بلس 18، ماشي يــــــــا ، باش مهندس ؟
يتبع...