رواية جديدة بحر ثائر جـ2 لآية العربي - الفصل 15 - السبت 28/6/2025
قراءة رواية بحر ثائر الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
الجزء الثاني
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الخامس عشر
تم النشر السبت
28/6/2025
حين لا تعطيك الحياة الخيارات...
اصنع بنفسك أحدها.....
انعقد الرباط بين قلبينا...
عانق الحب كلينا
وأَسْعَد جدا قلبينا...
أردنا بيتا يجمعنا....
أردنا طفلا يكمل حبنا...
فماذا بعد.....
انفك الرباط فجأة...
وبَرُدَ العناق فجأة...
وابتعدنا فجأة...
وصار البيت والأطفال وهما..
وحلما بعيدا جدا فجأة.....
اختفى الحلم.....
فهل من مجال لحلم جديد...
خفت بريق الأمل..
ولم يعد هنالك من خيار...
أيقوى القلب من أجل الحب
على صنع خيار آخر...
أم سيتخلى عن الحب
حتى إشعار آخر.....
( بقلم فيروزة )
❈-❈-❈
لا تحل العُقد بالغضب، ولا تُحل بالعنف، ولا تُحل بالقطع أو العند، تُحل فقط بالتأني والحذر، تتبع الأمور ومسايرة الأوضاع ودراسة الأزمات تؤهلك النصر بأقل الخسائر، وتذكر بأنك صاحب حقٍ وأصحاب الحقوق منتصرين مهما بلغت القلوب الحناجر.(آية العربي)
لف حاسوبه النقال عن دينا ليظهر وجهه يبتسم بتشفٍ ليجد نظرات داغر له قاتلة ، لو أنه أمامه لقتله بكل تأكيد لذا تعمد استفزازهم فضحك يردف :
- نفسك تقتلني مش كدة ؟ اطمن، هرجعهالك، بس لو نفذت اللي هطلبه .
أدرك أن الثمن غالٍ وتأكدت ظنونه حينما استرسل ماجد ببرودٍ :
- هتروح كدة زي الشاطر للمأذون اللي كتب كتابكو وهتطلق بسمة ، لو النهار طلع وماطلقتوش هبعتلك فيديو بلس 18 ، ماشي يــــــــا ، باش مهندس ؟
اندلعت النيران في سائر جسده لينطق بنفاذ صبر متجردًا من تعقله :
- مش هسيبك يا ابن **** يا ***** ، هجيبك وهطلع روحك بإيدي .
سقط الصمت على كلٍ من صالح وبسمة بينما أشار ماجد بسبابته نحو فمه يردف بتهديد واستفزاز جليدي :
- هشششش ، اهدى يا وحش مش كدة ، ماتغلطش علشان هتدفع التمن غالي ، أختك معايا لوحدها ومتقيدة ، ماتخلنيش اعمل حاجة غلط قدامك دلوقتي ، أنا كل اللي طالبه أرجع بنت عمي اللي إنت ضاحك عليها، وانت تاخد أختك سليمة قبل فوات الأوان، وزي ما قولتلك أنا داخل الحكاية دي ومش باقي على حاجة ، أي بلاغ أو تهور منك كدة ولا كدة هيبقى عليا وعلى اعدائي يا داغر .
جعله يتلظى بنيران العجز ، وضعه بين شقي الرحى ، عليه الاختيار بين أمرين حلوهما علقم .
نطق صالح بنفاذ صبر :
- خلصنا ياه، لا تضل تحكي شروي غروي .
حدجه ماجد حينما بغيظ واستطرد باستهانة ومن خلفه دينا تتلوى وتبكي ولم يعِرها أي اهتمام :
- هتروح الصبح تعمل اللي قلت عليه ، والحلو اللي بيتكلم ده هيصوركوا وانتوا بتطلقوا وتبعتلي الفيديو، واهم حاجة تمضوا ع الورق قدام عيني ، واستنى مني مكالمة تانية اقولك هتعمل ايه بعد كدة .
أغلق الخط معهم لينظر صالح لكليهما كأنه يسألهما عما سيفعلاه، وحينما لم تسعفه الكلمات تحرك يبتعد ويتألم في صمت .
تنفست بسمة وأخفت وجهها بين كفيها عاجزة عن تصديق ما يحدث ، لتمر ثوانٍ وهي تفكر، حبيبها يجاورها في أسوء حالاته ، تعلم ما يشعر به الآن، شعورها مماثل ، لا تستوعب أن تبتعد عنه بعدما وجدته ، لا تتخيل يومًا بدونه ، لا تصدق أنهما سينفصلان بعدما كانا على بعد خطوة من زفافهما.
ولكن الأهم الآن هو حياة دينا وإنقاذها من قبضة هذا المجنون بأي ثمن ، لذا أبعدت يديها عن وجهها والتفتت تطالعه لتجده شاردًا يطالع النهر في صمتٍ مريب ، ملامحه غاضبة ومتوعدة لتمد يدها تمسك بكفيه وتردف باستسلام وحزنٍ بلغ منتهاه :
- خلينا ننفذ اللي طلبه يا داغر، مافيش قدامنا وقت .
لف وجهه إليها يطالعها بعدم تصديق ، هل هي من تطلب منه أن يتخلى عنها ؟ هل استطاعت ؟
هزت رأسها بلا كأنها تجيبه ونطقت بعدما خانتها دموعها :
- دي أصعب صدمة بتمر عليا بعد موت ماما وبابا ، بس إحنا دلوقتي رقبتنا تحت إيده ، لازم دينا ترجع قبل ما يأذيها ، صدقني هلاقي حل وهيتحاسب على اللي عمله ده وهنرجع تاني ، بس مافيش وقت نفكر أصلًا .
نكس رأسه وبدأ ينتشل أنفاسه من ثقب إبرة ، تزداد وتيرته قهرًا وغلًا من ذلك الماجد فبات يهز رأسه رفضًا لما يعيشه ، لا يصدق أنه كي يعيد قطعة منه عليه أن يتخلى عن الأخرى .
❈-❈-❈
مع شروق الشمس
تململت في نومها تتقلب على الفراش ، يبدو أنها باتت تشعر بالخلاء حينما يتركها لذا بدأت تستيقظ وتتلمس الجوار علها تجده ولكنه ليس هنا .
فتحت مقلتيها تبحث عنه حولها فوجدته يجلس على المقعد ويتابع بدقة شيئًا ما عبر حاسوبه .
تنفست ونهضت تترجل ثم تحركت نحوه فلمحها لذا مد يده يستقبلها فناولته يدها وجلست جواره فمال يقبل وجنتها وتساءل باهتمام :
- ضهرك أحسن ؟
أومأت له تبتسم ومالت برأسها تستند على كتفه تجيب وعينيها على الحاسوب :
- ولا كإن كان فيه وجع .
رد متباهيًا بمرح :
- من البوسة مش من الكريم .
ابتسمت أكثر واعتدلت ترنو منه وتقبل وجنته ثم عادت لموضعها على كتفه ونطقت بحبٍ :
- تسلملي ، بتعمل ايه ؟ وصحيت امتى؟
تنفس بعمق وأجابها وعينيه منكبة على البيانات المعروضة أمامه :
- صحيت بعد الفجر ، اخدت شاور وصليت وفحصت المكان وامنته كويس ، وحطيت هدومنا في الدولاب ، وقلت أدقق كدة في المعلومات دي وأحاول أعرف مين اللي ناويين يغتالوه هنا من الأربعة دول .
أولته اهتمامها واعتدلت تتساءل بترقب :
- وعرفت ؟
أجابها بهدوء :
- لسة، بحاول أركز كويس في البيانات اللي قدامي .
أومأت بتفهم ونهضت تردف بخفة :
- تمام أنا هقوم أطلب فطار وأغير هدومي وأعملك قهوة علشان تركز .
ابتسم لها بحبٍ وتحركت بالفعل ترفع سماعة الهاتف لتطلب وجبة الفطور من عمال المنتجع .
أغلقت بعدها واتجهت نحو الخزانة تفتحها وتستل منها ملابس مناسبة ثم تحركت نحو الحمام لتغتسل فسمعته يردف بخبث :
- لو هتاخدي شاور تعالي هنا البانيو أهو .
نظرت له بثقب ورفعت سبابتها تهدده قائلة قبل أن تدلف :
- ركز في شغلك ، أنا هنا علشان أضمن تركيزك مش العكس .
ضحك وتابع عمله بإذعان ، أمامه أربع شخصيات هامة ، أحدهم يوناني الجنسية ، أتى ليستثمر في منتجع سياحي هنا ، وثانيهم إيطالي الجنسية ولم يأتِ الجونة بعد ولكنه موجود في مصر لأسباب دوبلوماسية ، وثالثهم أمريكي يعمل في جهة حكومية ولكنه جاء مصر للسياحة العلاجية ، والأخير ألماني ولكن جدته مصرية ، يعمل كخبير تكنولوجي متميز وجاء إلى الجونة مع أسرته للسياحة .
يقرأ بيانات كل واحدٍ منهم بعناية ودقة ، يحاول التقاط أصغر التفاصيل ، هناك واحد منهم فقط هو الهدف ، من ولماذا ؟ يجب أن يحل هذه العقد سريعًا قبل مجيء توماس إلى هنا .
بعد دقائق خرجت من الحمام ترتدي فستان صيفي أبيض اللون ، ترفرف أطرافه مع نسمات الهواء التي تخترق المكان فتجعل رائحتها تنتشر في الغرفة، وداخل أنفه أولًا لذا رفع نظره يحدجها بنظرة متفحصة لتكتمل أركانه بالإعجاب بها للمرة التي لن يحصيها عددًا .
نهض من مقعده واتجه نحوها فابتسمت له ووقفت مكانها تنتظره ، وصل إليها ولف يده حولها يسحبها داخل صدره ويميل على عنقها يستنشق رائحتها الذكية والمنعشة ثم قضمه بخفة متعمدًا إثارتها فمالت عليه وسرت المشاعر في خلايا جسدها مثله لتمتم باسمه .
طرق الباب العامل الذي جاء بالفطور لذا ابتعد عن عنقها يزفر بضيق من انقطاع سيل مشاعره وتساءل :
- مين ؟
- الفطار يا فندم .
عاد يقترب من أذنها ويهمس بخفة مفعمة بالغيرة والمشاعر :
- ادخلي الحمام تاني .
أومأت وابتعدت تتحرك نحو الحمام واتجه يفتح الباب ليقابله العامل ومعه عربة الفطور ، أدخلها العامل وكاد أن يتحرك أكثر فأوقفه ثائر وشكره فغادر وأغلق الباب وتولى هو تحريكها نحو مكان جلوسه .
خرجت ديما لتجده يلتقط إحدى حبات العنب الأسود ويتذوقها بتلذذ فابتسمت تردف وهي تتحرك نحو ماكينة القهوة :
- أكيد جعان ، افطر يالا وانا هعمل القهوة ع السريع .
جلس مجددًا وانتظرها لتأتي حيث عاد يتابع ويدقق في حاسوبه ، جاءت إليه تحمل قدحي القهوة وناولته خاصته ثم جلست تجاوره وبدآ يتناولان فطورهما الذي لم يخلُ من خبث ثائر وقبلاته لهذه المنتعشة والمتوردة التي تبسط له الأمور وتهون عليه أمورًا كثيرة كان في السابق يتعامل معها بوحدة وجمود .
❈-❈-❈
جلس لوتشو في منزله يقلب هاتفه بين إصبعيه ويفكر .
لم يصل إليه عبر الهاتف ولكنه جمع كل المعلومات اللازمة عنه ، وكلف رجاله بالبحث عن مكانه وتتبعه من آخر نقطة تواجد فيها ، كما كلف بعض الهكر الصينيين الذين لديهم علاقات معه داخل مصر باختراق كاميرات الطريق الذي سلكه وقريبًا سيعلم أين هو .
لن يتوقف حتى ينقذها من براثن هذا الحقير وليلعب خطته على صفحة بيضاء ليحصل عليها .
يجب أن يلعب على نقطة اختطافها وعدم حماية داغر لها كما ظن ، هي حقٌ له من البداية وسيعمل بجدٍ لإعادتها وهذه المرة ستحبه وتتعلق به خاصةً بعدما يظهر أنه منقذها .
ابتسم ونهض يتجه نحو خزانته ليرتدي ثيابه ويذهب إلى الشركة وليرى ماذا سيفعل ..
❈-❈-❈
أنهيا وجبتهما ولكنه يشتهي وجبة من نوعٍ آخر ، حقًا سُلب منه ليلة أمس وهو لم يعتد التنازل عن حقوقه .
لذا حينما نهضت تنوي سحب العربة للبعيد ولتتركه يركز أسرع يقبض على رسغها فالتفتت تطالعه وتتساءل وكأنها لا تعلم ولكن هذا المكر لا يصلح معه ، لذا أُجبر على معاقبتها فجذبها بقوة مبطنة بالمشاعر لتسقط على المقعد جواره ، حاولت التذمر والتدلل وكادت أن تعترض رشقاته ولكن دفاعاتها معه واهنة لذا ما إن انقض يهاجم شفتيها بنهم وتعطش أعلنت استسلامها له على الفور ، وبالفعل ما هي إلا ثوانٍ وتمكن من استعادة وفرض هيمنته على وطنه الآمن ، لترحب به قافلة عظيمة من مشاعرها وتستقبله بترحابٍ عزيز حتى جعلته أمينًا عليها .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ وبعد تجربة مزدوجة وممتازة لحوض الاستحمام ، عاد يجلس بانتعاش يتابع ويركز باهتمام في حاسوبه ، ووقفت ديما تتطلع على البحر من النافذة وتتحدث مع صغيريها عبر الهاتف..
أغلقت معهما وتنهدت بعمق حيث أخبرها أنهما سيغلقان هواتفهما اليوم لذا أعلمت مالك بذلك بحجة أن الإرسال ضعيفٌ في هذا المكان .
بالفعل أغلقت الهاتف بشكلٍ تام وتحركت نحوه حتى وقفت خلفه ثم مالت تعانق رقبته وتتساءل بهدوء يخفي فضولها :
- وصلت لحاجة ؟
أجابها وهو في كامل تركيزه وبدأ يحرك عضلات ظهره وكتفيه المتصلبة :
- كل واحد فيهم ليه اهتماماته ، بس اللي لفت نظري إن الألماني ده ليه كذا بوست بيشيد وبيعبر فيهم عن إعجابه بمصر وحكمتها في اتخاذ كذا قرار وباللي بيحصل فيها الفترة دي ، ودي حاجة نادرًا ماتحصل خصوصًا من حد ألماني ، بس يمكن علشان جدته مصرية .
اعتدلت وبدأت تدلك كتفيه بأصابعها وشردت تفكر ثم أردفت :
- طب وده ليه علاقة بالسياسة أو غيرها ؟
أحب لمساتها وارتاحت على أثرها عضلاته ليجيبها بترقب وهو مستمر في التنقيب عن منشوراته :
- خبير تكنولوجي .
أومأت بتفهم والتفتت تجاوره وتدقق معه في القراءة والتمعن لتمر دقائق حتى وجدا منشورًا له منذ ثلاث سنوات عبارة عن مقطع فيديو يشجع به السياحة إلى مصر .
من خلال بحثه عن الأربعة اكتشف أن الشخصيات الثلاثة الأخرى مجرد شخصيات تأتي لتدير مصالحها فقط ، أما الألماني فهو مختلف لذا نظرت له ديما وتساءلت بتوتر :
- تفتكر ممكن يكون هو ده ؟
أومأ بنظرة شبه متأكدة و أردف :
- بنسبة 90 % هو .
مسحت بكفها على وجهها بحزنٍ ثم عادت إليه وتساءلت :
- إيه كل الأعداء دي ؟ بيكرهوها أوي ليه كدة ؟ عايزين يغتالوه هنا لمجرد إنه بيمدح البلد؟
التفت قليلًا يقابلها ثم أمسك كفيها وابتسم يردف مطمئنًا :
- مافيش ضعيف بيحب قوي ، ولا فاشل بيحب ناجح ، ودي قاعدة ثابتة ومعروفة من زمان أوي ، وهما أغبية لإن كل مرة بيوظفوا حد يشوهها ويسيء ليها ويعملوا بروباجندا عليها ويستغلوا عقول مغيبة بأدلة وهمية ، بس فيه حاجة غريبة بتحصل، حاجة محدش فاهمها ولا هما قادرين يستوعبوها ، ربنا بيزرع حب البلد دي في قلوب واعية ، بيزرع حبها في عقول عندها توازن وبصيرة وتلاقي إن كل ما بيحاولوا يشوهوها الزرعة دي بتكبر وبتزيد حب وثقة في البلد ، كل ما بيقللوا منها مقابل شوية فلوس بيظهر اللي يدافع عنها من غير مقابل ، ومش مصريين بس ، عرب وأجانب زي ما شوفتي كدة ، هما بيشتروا ناس تزيف الحقايق وربنا بيسخر ناس تحبها وتدافع عنها أكتر وأكتر .
زفر بانتماء شديد ثم تابع يحدق بعينيها اللامعتين :
- كان فيه جملة قرأتها في رواية جديدة اسمها ( لحن الخطيئة) بتقول إن آسر العقول شيطان وآسر القلوب طبيب ، ودي مقولة صح بالنسبالي لإن ربنا رب قلوب ، والقلب بصيرة وله تفكيره المستقل، والإحساس اللي بنحسه دايمًا صادق..
رفع سبابته يستطرد بنصحٍ :
- بس خدي بالك كويس ، فيه فرق بين الإحساس والشك ، ربنا سبحانه وتعالى بيقول ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)
ابتسمت تجيبه بفخرٍ كبير :
- صدق الله العظيم ، دايمًا وفي كل مكان وزمان بفتخر إن ربنا اختارني أكون مصرية ، البلد الوحيدة اللي ذكرت بالسلام والأمن في القرآن ، والبلد الوحيدة اللي ربنا عز وجل تجلى نوره على جزء من أرضها ، حقيقي مافيش أعظم من شرف الانتساب لمصر .
سحبها إليه يقبل رأسها واطمأن أنه كان سببًا ليمدها بالطاقة والراحة لذا استقرت قابعة على صدره فتابع يردد دعاء والده منذ صغره :
- رددي ورايا، اللهم احفظ مصر من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم اكشف الهم والغم عن مصر وشعبها والطف بمصر وأهلها ، اللهم من أراد بنا خيرًا فوفقه لكل خير وأعنا على إكرامه ومن أراد بنا سوءًا فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا يا سميع الدعاء، اللهم كن لنا ناصرًا ومعينًا اللهم ارزقنا الأمن والأمان والسلامة والإيمان واحفظ مصر وشعبها وجيشها . وأهلها من كل سوء ومكروه ياخير الحافظين وسائر بلاد المسلمين .
أمنت خلفه بقلبٍ خاشع فعاد يتابع مؤكدًا :
- لازم نزرع ده في أولادنا يا ديما، لازم نعرفهم كل حاجة وناخدهم على أرض الواقع يشوفوا بنفسهم ويعقلوا الأمور كويس، البلد دي عايش عليها 110 مليون مصري ، مسؤولية صعبة جدًا بس عايشين بياكلوا وبيشربوا مع فرق الطبقات ، عايش على أرضها 10 مليون ضيف وبردو بياكلوا وبيشربوا وبنعاملهم أحسن معاملة ، السنة اللي فاتت بس وصل أرضها أكبر عدد سياح ، 15 ونص مليون سائح وأكلوا وشربوا الحمد لله ودلوقتي بقى عندنا اكتفاء ذاتي من جزء كبير جدًا من الأغذية الزراعية وبنصدر كمان ل163 دولة من أصل 193 دولة في العالم كله ، الدولة ماشية في طريق صح وده ماجاش بالساهل كدة ،ده جاي بمعاناة جيل كامل وأنا قبل ما أسافر فرنسا كنت بتمنى أشوف ده بيتحقق ، وبما انه بيحصل لازم نعترف ، وكل ده لازم أولادنا يعرفوه ، علشان إحنا هنموت وأذرع الشر بردو هيموتوا وهييجي جيل تاني منهم يحارب بلدنا بدالهم فلازم ومهم يبقوا ولادنا واعيين هما كمان للي بيحصل ويتصدوا لهم ويحافظوا على البلد دي .
أومأت تطالعه بفخرٍ دائم وتردف :
- صح وده اللي هنعمله أنا وانت بإذن الله .
❈-❈-❈
في طريقهما إلى المأذون ، تقود بسمة إلى مصير مجهول ينتظرها ولكن ليس أمامها بديلًا .
أما داغر فيجاورها باستسلام ، كأنهم يصطحبوه لمنصة الإعدام ، سيضحي بها؟ يمكنه ألا يفعل ولكن ماذا عن أخته ؟
أما صالح فيجلس في الخلف شاردًا في عالمه ، لأول مرة طوال حياته يصبح أنانيًا ، لم يعترض على انفصالهما وكل ما يفكر فيه هو استعادة دينا ، شعورٌ موحش كأنهم يتعرضون لغزوٍ ظالم يجبرهم على الرضوخ .
توقفت أمام مكتب المأذون وترجلوا سويًا يتحركون صوبه ، سينفصلان قبل أن يجتمعان وسيوثق صالح هذه اللحظات المؤلمة بالتصوير كي يتم إرسال المقطع إلى ذلك الماجد .
❈-❈-❈
نامت أو فقدت الوعي لا تعلم ،ولكنها أرادت أن تغيب عن الواقع وعما تعيشه من خوفٍ وحزنٍ وندم وتعبٍ شديد .
لم تتناول شيئًا منذ الأمس ولم تفكر في طعام ولكن جسدها يطالب به، تحتاج إلى المياه على أقل تقدير ولهذا اضطر ذلك الماجد أن يأخذ لها زجاجة مياه وشطيرة ظنًا منه أنه يكرمها ، مشكلته ليست معها ولكن مع شقيقها .
اقتحم الغرفة يحدق بها ليجدها نائمة وعلامات التكبيل على معصميها وساقيها ، اللاصق على فمها، وخصلاتها مبعثرة حولها ووجهها شاحبًا بشدة .
تحرك ووقف فوق رأسها و ناداها بحدة :
- اصحي يالا .
لم تستيقظ ،كأنها لم تعد تريد الاستقياظ أبدًا ،لأول مرة تشتهي الموت لتهرب مما تعيشه ، لأول مرة يأكلها الندم على عدم سماعها لتنبيهات شقيقها ، كان يدرك المخاطر التي لم تحسب لها حسابًا .
مد يده نحوها يصفع وجنتها ويعاود النداء ولكنها لم تستيقظ لذا أصيب بالتوتر وأسرع يفتح زجاجة المياة
و سكب منها القليل على يده و نثره على وجهها فوجدها تستيقظ شاهقة لذا زفر بارتياح ووقف ينتظرها لتستعيد .
نظرت حولها بنصف عين وكل إنشٍ بجسدها يؤلمها حتى حلقها لذا انحنى قليلًا يردف بقسوة :
- هشيل اللاصق علشان تشربي وتاكلي بس اوعي تتذاكي ، ماتخلنيش أتصرف معاكي بطريقة تانية .
لم تعطِ أي ردة فعل ، لم تقدر من الأساس لذا اعتدل يزفر ثم مد يده ينزع عن فمها اللاصق فتألمت وأصدرت صوتًا خافتًا وبكت ولم تنطق ، كانت في حالة بائسة بشكلٍ تام لذا جلس مجاورًا لها فبدأت تتلوى وتئن وتحاول الابتعاد فزفر بضيق ثم مد يده بالزجاجة يردف آمرًا :
- اشربي.
كان قد وضعها على فمها يحاول قصرًا إرغامها على الشرب ففعلت بنفاذ طاقة وحاولت أن تبتلع قطرات المياه بعدما جف حلقها تمامًا .
أبعد الزجاجة عنها ومد يده بالشطيرة يناولها إياها ويردف بملل :
- كُلي .
هزت رأسها بصعوبة ترفض تناول الطعام لتجده يزمجر بغضب ويصيح بقسوة :
- مش بمزاجك ، كُلي علشان إنتِ مش هتمشي من هنا غير لما أخوكي ينفذ لي طلباتي ووقتها مش هيبقالي أي مصلحة إنك تموتي .
كلماته لم تشجعها على تناول أي طعام بل صممت ألا تأكل ، بأي نفسٍ تفعلها ؟
زفر بضيق منها ونزع نفسه يقف ويردف قبل أن يغادر ويترك الشطيرة مجاورةً لها :
- شالله عنك ما كلتي .
نفض يديه وتحرك يغادر للخارج ليحاول معرفة هل ينفذ داغر ما أمره به أم يماطل وحينها لن يتردد في أذيتها بالفعل .
❈-❈-❈
عاد أحمد من شركته ودلف على الفور إلى مكتبه ، منذ أن أخبرهم برغبته في العودة إلى بلده وهو يتعمد تجنبهم وهم لم يحاولوا التودد بأي شكلٍ كان .
لقد اعتادوا أن يرضخ لاعتصامهم ضده ولكنه بدأ بالفعل يسلك مسارًا جديدًا وها هو يظهر جزءًا من الحزم الذي افتقده على مدار سنوات ، لذا وبعد أن وضعا خطة مع والدتهما قررا أن يتحدثا معه .
طرقت ابنته باب المكتب فسمح لها فدلفت وتبعها شقيقها ، يطالعانه بترقب لتردف الأولى :
- ممكن نتكلم معاك ؟
باغتهما بثقب ثم أشار لهما نحو المقاعد فاتجها يجلسان وانتظر ابنه حديث أخته التي هي أشد منه جرأة حيث قالت :
- ممكن نعرف إيه هو السبب الحقيقي في قرارك إنك ترجع مصر ؟ وليه دلوقتي وفجأة كدة ؟
شبك كفيه واتخذها مناظرة فبدأ يوضح برتابة متجردًا من أمر أسما بشكلٍ تام :
- وإيه اللي مايخلنيش افكر ارجع ؟
هزت كتفيها وتحدثت بتعالٍ كوالدتها :
- حاجات كتير جدًا أهمهم إحنا ، دراستنا ، أصحابنا ، حياتنا كلها ، ليه تخلينا نبدأ من الصفر في مكان مش حبينه ؟
تعمق في مقلتيها ليرى بهما سها صغيرة تخرج للنور ، ابنته باتت تتسلح بذات الطموح الذي تسلحت به سها منذ سنوات ،نفس الأفكار التي تضعها في إيطار منمق ليتسنى لها إقناع من أمامها بما تريد ولهذا لم تقنعه كلمات ابنته بل آلمته وجعلته يندم ويبوح بصدق :
- لإني كنت غلطان ، وهييجي يوم تعرفوا إن قراري ده كان صح ، هتكبروا أغراب في بلد مش ليكو ، هناك أساسكو وعيلتكم وأهلكم ، هناك عزوتكم ، هنا أصحابكم اللي معظمهم إن ماكنش كلهم حواليكو رفاهية مش أكتر ، دي مش صحوبية ، لازم تعرفوا المعنى الحقيقي للصحوبية والجدعنة وكل المفاهيم اللي مفكرين إنها صح .
اغتاظت ابنته فصاحت وتخلت عن ثباتها الذي نصحتها والدتها به :
- وليه ماتقولش إن إنت اللي فاهم غلط؟ وإن احنا الجيل الواعي اللي فاهم كل حاجة صح وعارف مصلحته كويس ؟
نقلت الغضب إلى شقيقها الذي صاح بعدها :
- بالضبط ، إحنا جيل فاهم وعارف كل حاجة بتحصل حواليه بعيدًا بقى عن التخلف والتعصب اللي عندكو ده ، إنت لازم كأب تحترم قرارتنا وإلا هنلجأ للقانون .
نظر لهما بخيبة وحزن ولكنه لم يظهر خيبته ، اتخذ سبيلًا وسيسلكه للنهاية لذا تكتف وأراح ظهره على مقعده يردف بهدوء شديد :
- تمام ، يبقى نتفق اتفاق وسطي ، أنا هنقل مقر عملي الرئيسي في مصر ، وهنزل استقر هناك ، وانتوا هتنزلو معايا لفترة صغيرة كأجازة تزورو فيها أهلكم وترجعو تاني على دبي مع مامتكم وتديرو بنفسكم الفرع اللي هنا ، ووروني شطارتكم بما إنكم الجيل الواعي اللي فاهم كل حاجة صح .
نظرا لبعضهما بتوتر ، يدركان جيدًا أنهما لا يصلحان لإدارة شؤون متجر غذائي فكيف إن كانت شركة ولكن العند والكبر المتوارث من سها جعلهما يؤكدان غير ذلك فنطقت ابنته بتحدٍ :
- تمام، لو كدة أنا موافقة ، بس المدة هتكون شهر بس وبعدها هنرجع على هنا .
ليتبعها شقيقها مردفًا بضيق :
- ومتحاولش تجبرنا على حاجة هناك على أساس في بلدك ، لإن وقتها فعلًا هنعمل اللي في دماغنا .
أومأ يبرم صفقته معهما ويردف بهدوء :
- تمام ، موافق .
قالها ليزفرا بتهكم ولكنهما لم يستطيعا إلا أن يقبلا لذا نهضا سويًا يتحركان للخارج ليخبران والدتهما عما حدث .
❈-❈-❈
في الرابعة عصرًا وبعدما أرهقه البحث والتنقيب بدقة وخبرة متناهية قرر أن يرفه عنهما قليلًا لذا مرن عضلاته ونظر لها حيث كانت تجاوره وتقرأ كتابه ، مندمجة فيه فظل يتفحصها بعينيه ويدرك أنها تسبح في بحره الآن لذا ابتسم وأردف بترقب :
- عايزين ندلع نفسنا شوية يا دومتي ، من وقت ما جينا واحنا قاعدين ع الكنبة دي زي الاتنين المهكعين..
أخرجها من يمه الممتع لتنتبه له وتتساءل بملامح منفرجة من أثر القراءة :
- بتقول إيه يا حبيبي؟
التصق بها أكتر ونطق بخبث :
- بقول ندلع نفسنا ، حاسس إن العضمة كبرت ومحتاجة تمارين .
ضحكت عليه ومدت يديها تقبض على عضلات كتفه ومنكبيه وتتفحصهما بترقب ثم أردفت باستفزاز :
- أيوة فعلًا محتاج تمارين ، قوم نخرج يالا ، أنا هتسوق شوية وإنت تشوفلك جيم تمرن العضلة اللي كبرت دي .
يدرك أنها تستفزه ولا ينكر أنها فعلت لذا نهض يجلس على ركبتيه ويحيطها بجسده متكئًا على كفيه ، ينظر لها بخبثٍ ويردف :
- يعني إنتِ شايفة إن العضلة كبرت ؟
- مش إنت اللي قولت ؟
قالتها بجُبن وهي تنكمش ويتضاءل حجمها في الأريكة حتى كاد أن يخفيها وحينما اقترب من افتراسها خدعته وتسللت من أسفل ذراعه تركض مبتعدة لتقف على بعد خطوات تطالعه وتردف بمشاكسة :
- هروبي دليل على كلامي ، يالا قوم نخرج ونتمشى شوية ونرجع علشان من أول بكرة لازم تكون مركز ،ماتنساش إن توماس جاي .
ارتد على الأريكة يزفر بإحباط من هروبها ونطق بنبرة محذرة يغلفها المرح :
- لعلمك كدة مش هبقى مركز ، بس أوكي يالا روحي البسي علشان ننزل .
نطقها بحبٍ لأنه يتفهم رغبتها في التنزه قليلًا ، ولكنه أمامها يصبح أنانيًا ومتملكًا ومتسلطًا .
أومأت له ترسل له قبلة في الهواء وتحركت تقتني ثوبًا مناسبًا ولكنها علمت أن سبيله للحصول على التركيز والسلام في عمله يمر عبر نهرها .
يحبها للدرجة التي تجعله مشتتًا إن لم ينهل شربة مشاعر منها ، تلك المشاعر التي تتجدد دومًا في كل لقاءٍ لهما لتشبه النهر الجاري الذي يعبر من خلاله لبر الراحة .
إن أرادت أن تساعده وتهيء له جوًا صحيًا يجب ألا تبخل عليه قط لذا تنهدت بعمق وقررت أن تفعل من أجله شيئًا مميزًا هذه الليلة قبل أن يأتي توماس صباحًا .
❈-❈-❈
تم الانفصال ، وتم توثيق ذلك عبر فيديو مصور .
حاول داغر الاتصال به مرارًا ليخبره ولكنه لم يجِبه فأرسل له المقطع وانتظر اتصاله ، ذلك الحقير يتعمد إذلاله وإيلامه .
اتصالات كثيرة من منال لم يجِب عنها لا هو ولا بسمة ولا حتى صالح لذا قرروا العودة للحارة وإخبار منال بالحقيقة المؤلمة.
تحرك صالح معهما إلى المنزل ولكنه توقف أسفله يردف بحزن :
- اطلعوا إنتوا ياخو وأنا حضل هان شوي .
أومآ له بعدم اعتراض وتحرك داغر يصعد الدرج ويقبض على كفها ، لا يتقبل فكرة الانفصال عنها، لا يتقبل كل ما يعيشه ولكنه مجبر على التحمل والصبر .
وقف أمام باب منزله يطالعها بقهرٍ شديد لتحاول طمأنته فقالت :
- أنا معاك، ودينا هترجع .
التقط نفسًا قويًا ثم طرق الباب لتمر لحظات فقط حتى فتحت منال تطالعهما بذعرٍ وصرخت في وجهيهما :
- مابتردوش عليا لــــــــــــيه ؟
لم يجيبا لذا دب الرعب قلبها وأبعدتهما تبحث عن ابنتها فلم تجدها لذا صاحت بجحوظ تسأله :
- ديــــنا فيــــــن ؟ أختـــــــــك فيـــــــــن ؟
- خالتو اهدي لو سمحتِ .
قالتها بسمة في محاولة بائسة للسيطرة على حالتها ولكنها لم تفلح بل جعلتها تصرخ أكثر :
- اهدى إيـــــــــــه ؟ فين بنتي ؟
نطق داغر بأسفٍ و عيون تبكي :
- دينا اتخطفت .
دون إرادة منها صفعت وجنتيها وصرخت لتنهار وتسقط أرضًا بعدما خارت قواها فأسرع داغر إليها يحاول إسنادها ولكنه لم يفلح ، كأن الأرض أقسمت ألا تتركها ، هو أيضًا قوته شبه معدومة لذا وقفت بسمة تبكي بقهر وجاء الصغيران من الداخل لا يفهمان شيئًا ولكنهما يبكيان ويعانقان جدتهما التي ظلت تصرخ باسم ابنتها .
جلس مجاورًا لها على باب المنزل يردف متعهدًا ببكاء :
- هترجع يا ماما صدقيني، أنا عملت اللي هو عايزه وهترجع .
نظرت له بملامح جنونية وتساءلت :
- هو مين ؟ ميـــــــــــــــــن ده وعايز ايه انطق؟
ابتلع لعابه ونطق بخزٍ لا يليق به :
- ماجد الراوي .
شهقت بفزع وازداد نحيبها ورددت بألمٍ بالغ :
- ملعون أبو اليوم اللي عرفناه فيه ، ملعون أبوهم كلهم، هاتولي بنتي، هاتولي ديــــــــنا .
عاد يردد بوعد :
- هرجعها بس قومي علشان خاطري ندخل ، هو هيتكلم دلوقتي وهيقولي أروح اخدها منه وهرجعها .
نظرت لعينيه الباكية تتعلق بقشة كلماته فظل يوميء لها لذا هزت رأسها بيأسٍ وهجمت عليها كل السلبيات تتساءل :
- أومال خاطفها ليـــــــــــه ؟ هيئذيها ، خاطفها علشان يئذيها مش كدة؟
هز رأسه بلا وأردف بضعفٍ :
- لاء، طلب مني أطلق بسمة وطلقتها دلوقتي .
حينما سمعت ما قالته رفعت نظرها تحدق ببسمة الباكية وفتحت ذراعيها للصغيران الباكيان وسكنت تمامًا، استسلمت للأمر ولم تعلق بل باتت في حالٍ يعجز عن تفسيره أي قول .
مرت دقائق استطاعوا إدخالها وصعد صالح وجلسوا على الأريكة ينتظرون اتصاله ، لا الجلوس جلوس، ولا الراحة راحة، ولا الانتظار انتظار، كل شيءٍ أمامهم ضبابيًا .
رن هاتفه بمكالمة مرئية فأسرع يجيب واجتمعتا منال وبسمة حوله ووقف صالح يتأهب السمع بقلبٍ متهاوٍ حزين، ليضحك ماجد باستفزاز من خلال حاسوبه ويردف :
- اتأخرت عليكوا ولا إيه ؟ معلش كنت باخد شاور .
باغته داغر بنظرة تحمل عداءً مرعبًا ولكنه تحامل يردف :
- أنا عملت اللي إنت عايزه، اقابلك فين واخد اختي .
ضحك ماجد وأردف بقسوة أمامهم ولم يتأثر بدموع منال أو بسمة :
- لا يا باش مهندس عيب عليك، معقول بعد كل ده الموضوع يخلص بالسهولة دي وتاخد أختك مني وتروح ترجع بسمة تاني ، ركز معايا كويس واسمع علشان ماكررش كلامي وازهق وانا لو زهقت هتزعل .
نطقت منال بحشرجة وترجٍ :
- أبوس رجلك رجعلي بنتي وهعملك اللي إنت عايزه، أبوس ايدك ماتحرقش قلبي عليها ولا تئذيها .
نظر لها نظرة خاطفة ثم بدأ يتحدث إلى بسمة آمرًا :
- اسمعي يا بسمة، هتنزلي دلوقتي ترجعي ع الفيلا، وهتقعدي هناك زي الشاطرة كدة لحد ما شهادة الطلاق تطلع وبعدها هتيجي معايا نكتب كتابنا ووقتها أوعدكوا بنتكوا هترجع صاغ سليم .
ارتعشت بسمة كليًا وجن جنون داغر يسبه بهستيرية مضاعفة :
- يا ***** يا *****، أطولك بس وانت هتشوف هعمل فيك إيه .
أسرعت بسمة تنطق خوفًا على دينا لتشغله حينما لمحت الشر في عينيه :
- مش هينفع يا ماجد، فيه شهور عدة .
ثلاثتهم يعلمون أن الأمر ليس كذلك ولكنها خدعته لترى ملامحه تتجهم ويعتليه الغضب الذي أعطى لداغر فرصة ليتجرد من جنونه ، وجعل صالح يدعو أن يقتنع بهذه الخطة ، عادت بسمة تتابع بترقب :
- اسمعني يا ماجد، صدقني المرة دي أنا هعملك اللي إنت عايزه، لو عايز حالًا تنازل مني عن الشركة كلها أنا ماعنديش أي مانع، بس رجع دينا، رجعها وهنتفاهم .
هز رأسه بلا وتجلى الجنون على ملامحه ونطق :
- لاء يا بسمة انتِ كدابة، عمك وأمي هما اللي عايزين الفلوس إنما أنا عايزك إنتِ، بس إنتِ فضلتي البتاع ده عليا أنا ، مع إن عمره ما هيحبك أدي .
قبض داغر على كفيه بقوة وملامحه تعبر عن مدى تحمله لأجل شقيقته ، ومنال تبكي بحرقة وتستمع إلى هذا المجنون ولكنها تتمنى لو تستطيع بسمة إقناعه حيث تابعت بترقب :
- خلاص أنا وهو انفصلنا زي ما ظهرلك في الفيديو ، وبما إن الفلوس مش هي همك زي عمي ومراته يبقى خلاص ، أنا كدة ماعنديش أي مشكلة معاك، بس دلوقتي قولنا على مكان دينا وخلينا نيجي ناخدها .
ظل يتأملها ليعود لبروده بانفصام ثم ابتسم وهز رأسه يردف :
- مش هقع في الفخ ده تاني ، لازم أضمن إنك معايا .
أشارت له بكفيها أن يهدأ وأومأت تستطرد :
- تمام ، إيه رأيك لو نسافر سوا كمان يومين في شغل ؟ أنا كنت رايحة الصين اعقد صفقة هناك ، تعالى نسافر سوا واعتبر السفر ده دليل على صدق كلامي ، قلت إيه ؟
راق له اقتراحها ليفكر لدقيقتين مرتا عليهم كدهرٍ ثم ابتسم بخبث وأردف :
- حلو ،مناسب جدًا ، بس من دلوقتي لحد السفر مش هتقعدي عندك ، هقولك على مكان تقابليني فيه كمان ساعتين، هاخدك وهتقعدي هنا مع بنتهم لحد ما نسافر وهبعتهالهم ، واوعوا تتذاكوا وتبلغوا لإن أي خطر هيحصلي فيه واحد مكاني هيخلص عليها .
- تمام، تمام، هعمل اللي إنت عايزه، بس خليهم يكلموا دينا ويشفوها .
كانت تحاول السيطرة عليه بنظراتها التي تحرق داغر وتشعل النيران في روحه، ولكنها نجحت في الحصول على موافقته لذا نهض يتجه نحو الغرفة يحمل حاسوبه ويوثق وهو يقترب منها وينزع عنها اللاصق ويعرضها عليهم .
صرخت منال بنشيج تناديها بقلبٍ منفطر :
- بنتي، ياعمري، ماتخافيش يا دينا، مش هنسيبك أبدًا .
بكت دينا حينما سمعت صوتها وحاولت أن تلتفت لتراها وبالفعل لفت وجهها وبنظرة واهنة رأتهم جميعًا أمامها ولكنها نظرت إلى داغر دونًا عن غيره ونطقت بانكسار وألم :
- أنا أسفة يا داغر ، سامحني.
أبعد ماجد الحاسوب عنها ونظر لهم يردف قبل أن يغلق :
- هبعتلك العنوان يا بسمة، ساعتين وتقابليني لوحدك، ده لو عايزين بنتكوا ترجع .
أغلق المكالمة ونظرت بسمة إلى داغر تحاول إقناعه مؤكدة :
- داغر إحنا لازم نسايره ، أنا هروح أقابله وصدقني أنا هعرف اتعامل معاه .
هز رأسه ولم يجِبها وتوقف عقله عن العمل بشكلٍ تام ليقترب منه صالح ويردف بمؤازرة حزينة وبعض الراحة بعد حديث بسمة :
- الله كريم ياخو، بيصير خير إن شاء الله.
لم تمر ثوانٍ حتى أعلن هاتف داغر عن اتصال من لوتشو ولم يكن في حال يسمح له بالرد عليه لذا التقطت بسمة الهاتف منه وفتحت الخط ومكبر الصوت تجيب:
- ألو؟ معاك بسمة الراوي، اتفضل.
جلس لوتشو خلف مكتبه يبتسم ويردف بتباهٍ :
- أهلًا سيدة بسمة ، لدي أخبار سارة ، أبلغي داغر أنني علمت مكان ماجد ودينا ، وخلال وقتٍ قليل سوف أحضرها .
تفشى الأمل داخلهم وانتفضت منال تتلهف وألقى صالح بغيرته عرض الحائط لتعود له حبيبته أولًا بينما انتشل داغر الهاتف من يد بسمة يتساءل باهتمام سافر :
- عرفته إزاي ؟ إنت متأكد؟
أجابه لوتشو بثقة :
- نعم ، وسترى بنفسك بعد ساعة سأذهب واحضرها وآتي بها إليكم .
نطق بألم وتحذير :
- لا لا لا استنى، أوعى تحاول تواجهه، هيئذيها لو حس إننا عرفنا مكانه .
ترقب لوتشو وتساءل بترقب ليبدي له ليونته في التعامل :
- حسنًا ماذا سنفعل ؟
نظر داغر إلى بسمة بأملٍ وأردف بشرود :
- اقفل دلوقتي وأنا جايلك، قدامنا ساعتين بالضبط لازم نعرف نتصرف فيهم كويس من غير ما يفكر يئذي دينا .
❈-❈-❈
في شارع سياحي للتسوق، تأبطت ذراعه يتحركان بين السياح وينظران إلى المعروضات اليدوية وغيرها من الأثريات .
تشعر بالسعادة، تخطو معه كطفلةٍ صغيرة وهي كذلك ، تعيش معه طفولة متأخرة لم تعشها قط .
توقفا أمام إحدى محلات بيع القهوة والسجائر فأردف يشير :
- تعالي لما اشتري قهوة وسجاير .
أردفت بهدوء يحوي مكرًا نجحت في إخفائه عليه :
- طيب روح إنت وأنا هدخل المحل ده اتفرج على الحاجات اللي جوة .
أومأ لها فتركته واتجهت تدلف المحل تحت أنظاره ليتحرك بعدها متجهًا لشراء قهوته وسجائره .
أما هي دلفت تتفحص المكان والمعروضات ، وجدت عيناها ما كانت تبحث عنه ، عباءة بيضاء بخطوط طولية حمراء بأذرع مفتوحة على طول الذراع وجانبين مفتوحين إلى ما فوق الركبة وفتحة صدرٍ واسعة وفتحة أخرى دائرية على منطقة البطن ، وعلى جميع أطرافها عُلقت عملات معدنية مصنعة، مرفق معها إيشارب مثلث الشكل ويحمل نفس الصفات، وكذلك عصا مزينة برأسٍ ملتوية، وصاجات وخلخال وقرطين، لباسًا متكاملًا لليلة دلالٍ مميزة مع زوجها الغالي في مدينة ساحرة وعلى شطٍ لم تستمتع به بعد .
شردت في هذه العباءة المعروضة للبيع لتنتبه لصوت البائعة من خلفها تسألها :
- تحبي تشوفي ألوان تانية؟
التفتت لها تبتسم وأسرعت تردف قبل أن يأتي ثائر :
- لا اللون ده حلو جدًا ، هشتريها.
أومأت لها واتجهت تستل واحدة مغلفة ووضعتها في علبة ورقية وناولتها إياها لتدفع ديما ثمنها وتغادر للخارج ولحسن حظها كان ثائر في طريقه إليها .
نظر لها بحبٍ ولمح الكيس في يدها فتساءل بترقب :
- اشتريتي إيه ؟
- هدوم هبقى انزل بيها البحر .
ابتسم وتمسك بكفها يحثها على التحرك متعجبًا منها، ليت عطلتهما ترفيهية حقًا ولكن غدًا سيأتي توماس وعليهما أن يستعدا وهو لا يريد أن يخيب آمالها .
❈-❈-❈
وضعت الخطة في مكتب لوتشو وكانت كالآتي
سيتحرك صالح مع لوتشو لاستعادة دينا من مكان اختطافها ولكن بعد تأكدهما من مغادرته كي يحضر بسمة التي تحرك داغر خلفها إلى المكان المتفق عليه ومعه رجلان من رجال لوتشو .
لم يقم داغر بإبلاغ الشرطة خوفًا من فشل الخطة ولكن لوتشو أخبره أنه سيبلغ الشرطة بعدما يضمن استعادة دينا بسلام .
في طريقها إليه،تقود بتوتر وقلق،تخشى مواجهته مع داغر وتتمنى أن يمر الأمر مرور الكرام،تعلم أنه يستحق السجن ولكنها تخاف على حبيبها .
حبيبها الذي يتبعها،يتواصل مع صالح عبر الهاتف ليكون معه لحظة بلحظة،يثق به ويدرك معاناته لذا أرسله مع لوتشو ليطمئن قلبه المتألم .
أما هو فلديه حسابات أخرى يجب أن ينهيها مع ذلك الحقير،يقسم أنه سيلقنه درسًا قاسيًا على كل ما جعلهم يعيشونه منذ ليلة أمس
❈-❈-❈
بعد ساعة
عاد ثائر وديما بعد تناولهما وجبة لذيذة في إحدى مطاعم الأسماك ، دلفا وأغلق ثائر الباب وحل وثاقه من حولها فتذمرت بضيق وابتعدت تطالعه بتهكم ونطقت بتأفأف متعمد :
- طبعًا هنتحبس هنا من دلوقتي ومش هننزل البحر ، مش عارفة إيه الزهق ده .
قالتها تلوح بيدها واندفعت نحو الحمام تغلق خلفها ليقف يطالع أثرها بعدم فهم ، هل تمزح معه ؟ أولم تكن تضحك معه في الخارج منذ ثوانٍ؟
زفر وتحرك يصنع كوبان من القهوة التي ابتاعها وينتظرها لتخرج ويتحدث معها.
مرت دقائق وانتهى من تحضير القهوة واتجه يستريح على الأريكة ويتناول قدحه ويدخن لفافة تبغه .
طال انتظاره لها ونسبةً لاستيقاظه فجرًا شعر بحاجته للنوم فرفع رأسه يسنده على ظهر الأريكة وتكتف وغفا لثوانٍ فقط قبل أن يخترق أذنه صوت رنة خلخال يقترب خطوة بخطوة .
ظن أن المصدر يأتي من الخارج لذا فتح عيناه يتطلع حوله ليذهل متصنمًا مما يراه أمامه ، حوريته ترتدي عباءة تتناسق وتلتصق مع تمايلاتها بإبداع ، وقيدت شعرها بإيشارب هربت منه خصلتان على ضفتي جبينها ، في عينيها كحل فرعوني أسود فحمي ، وعلى شفتيها حمرة تشبه لون دمه ، نزل بنظره ليتفحص فتحة الصدر بدقة ، ثم فتحة البطن بتمعن ، ثم يدها التي تتمسك بعصا ملتوية، ثم ساقيها الظاهرتين وفي نهاية إحداهما يلتف خلخالًا ، إذًا هذا هو مصدر الصوت .
عاد لعينيها مندهشًا ، واشتعل جسده مطالبًا بسماع الرنة مرةً أخرى حتى يستوعب ما يحدث،حزمة مشاهر هجمت عليه تجبره على التحرك نحوها تحاربها حزمة شغفٍ وتجبره على البقاء ليرى ماذا لديها ، لتبتسم على هيئته وصمته وذهوله وكل تعابير وجهه التي تخبرها كم هو متيمٌ بها لذا تأبطت العصا ورفعت كفيها أمامه وحركت أصابعها السبابة والإبهام لتصدر صوتًا بالصاجات متسائلة بابتسامة واسعة لا تصدق أنها فعلتها ونطقت بنبرة أكملت عليه كليًا :
- إيه رأيك ؟
يتبع...