-->

رواية جديدة ساحر الليل لبسمة بدران - الفصل 13 - الثلاثاء 17/6/2025


    قراءة روايةساحر الليل كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ساحر الليل

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة بسمة بدران


الفصل الثالث عشر 


تم النشر يوم الثلاثاء

17/6/2025

حيرة


ألقى بالهاتف فوق المنضدة بعدما أغلقت هي في وجهه. قهقه باستمتاع ثم تمتم بسخرية لاذعة:"إحنا لسه في البداية يا غادة استعدي للخطوة الجاية وخلينا نشوف هتقدري تستحملي قد إيه يا قمر."


ولج إلى مكتبه داخل قصره وفتح أحد أدراجه وأخرج صورة متوسطة الحجم لها. تأملها بوله شديد  وكأنها أمامه وراح يخاطبها:"عارفة يا غادة إنتِ أول واحدة أشتـ هيها بالشكل ده أنا مستعد أوقف قدّام العالم كله علشانك! حظك الوحش هو اللي وقعك في طريقي. عنّيكي شبه غابات الزتون شدوني من أول نظرة عارف إنك بتكرهيني بس أنا هخليكي تركعي تحت رجليّ حتى لو غصـ ب عنك المهم آخد اللي أنا عايزه!"


طبع قبـ لة على الصورة ثم أعادها مكانها وأغلق الدرج.  خرج من المكتب وهو يصفر بهدوء.


❈-❈-❈


بحث عنها بعينيه حتى وقعت عيناه عليها كانت واقفة وسط زميلاتها تضحك بصوت عالٍ.

خفق قلبه لرؤيتها ونسي كل شيء وصّاه به والده وظل يتأمل ضحكتها البريئة.

كيف لها أن تمتلك كل هذا النقاء؟ كان على وشك التوجه إليها لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة وقرر تنفيذ خطة والده أولًا ثم الفوز بتلك الحسناء.

هندم مظهره وتقدم بخطوات واسعة ناحيتهم حتى أصبح قريبًا وهتف بصوته الرجولي:"آنسه أروى… أروى!"


فتحت عينيها وأغلقتها عدة مرات عندما رأته يقف بالقرب منهن ويناديها. فهي في كل مرة تبحث عنه والآن هو جاء ليراها إذًا هو أخيرًا شعر بما تشعر به.

استأذنت صديقاتها وركضت باتجاهه حتى أصبحت قبالته تمد له يدها:ـ "أهلاً عامل إيه؟"


التقط يدها وضغط عليها بحمـ يمية شديدة مغمغمًا بنعومة تذيب أي فتاة:ـ "بخير علشان شفتك يا أروى."


ربي من أين يأتي ذلك الشاب بكل ذلك الكلام المعسول وكيف يكون له تأثيرا كبيرا عليها هكذا

سحبت يدها من يده بصعوبة ثم هتفت بمرح لتخفي ارتباكها الذي شعرت به في حضرته:ـ "إيه رأيك نروح نقعد على النيل ونكمل اليوم هناك؟"


أومأ لها موافقًا ثم أمسك بيدها وسار بجانبها نحو سيارته وهي تجتاحها سعادة غريبة لم تختبرها من قبل.


❈-❈-❈


هرولت داخل المشفى باتجاه الغرفة التي يرقد فيها زوجها العزيز بعد أن أرشدتها موظفة الاستقبال.

وقفت أمام الباب تنظم أنفاسها الثائرة تشعر بخوف شديد عليه فهي تعلم يقينًا مدى حقـ ارة ذلك المدعو فاروق الحيني لكن لا بأس لن تفعل ما طلبه منها أبدًا وستكون له بالمرصاد وستواجهه وإن اضطر الأمر ستقـ تله وتريح الجميع منه ومن شروره.

أخذت نفسًا عميقًا وزفرت ببطء ثم طرقت طرقات خافتة على الباب وولجت.

شهقت بقوة عندما أبصرته يجلس في الفـ راش رأسه مضمد بشاش أبيض وإحدى يديه مغطاة بالجبس يبدو أنها قد كُسرت.

اقتربت منه وارتمت بين أحضـ انه تبكي بحرقة تبكي خوفها عليه وتبكي حظها الذي وضعها أمام ذلك المتجبر وتبكي ضعفها وقلة حيلتها.

مسد على حجابها بيده الحرة مغمغمًا بهدوء:ـ "اهدَي يا حبيبتي صدقيني أنا كويس حادثة بسيطة والحمد لله إنّي لحقت أتفادى العربية لو ما كنتش عملت كده كنت دلوقتي تحت التراب."


زادت شهقاتها وراحت تنتحب بقوة مما جعله يشعر بالخوف عليها سألها بلهفة:ـ "مالك؟! قلتلك إني كويس أمال كل الدموع دي ليه؟"


تشبثت به أكثر ولم ترد مما جعله يشعر أن هناك أمرًا ما عليه أن يعرفه وقبل أن يسألها مجددًا استمعا إلى صوت طرقات على الباب تلاها دخول الطبيب المعالج الذي تنحنح بإحراج عندما أبصرهما على هذا الوضع.

ابتعدت غادة عنه بإحراج ثم وقفت بعيدًا تسأل الطبيب عن حالته والذي طمأنها بدوره وأخبرها أنه بخير وسيعود معها إلى المنزل الآن فقد كان حادثًا بسيطًا أسفر عن جرح بسيط في جبهته وكسر في ذراعه الأيمن.

حمدت الله في سرها ثم شكرت الطبيب كثيرًا وهي تدعو الله أن ينتقم من فاروق الحيني ويبعده عن طريقها.


❈-❈-❈


غربت الشمس وألقت بشفقها فوق السحاب وعاد الجميع إلى منازلهم لتنتهي ساعات الشقاء والسعي وتبدأ ساعات الراحة والهدوء.

وقف أمام منزله يخرج مفتاحه من جيب سرواله فأجفل على صوتها المزعج الرفيع:ـ "فااارس!"


زفر بنفاد صبر ثم استدار إليها واضعًا كلتا يديه في جيب بنطاله:ـ "قولي اللي عندك علشان أنا تعبان أوي النهارده."


دنت منه فجأة وانخرطت في موجة بكاء مزيفة تغمغم من بين شهقاتها المصطنعة:ـ "سامحني بالله عليك أنا آسفة جدًا يا فارس عملت كده لأني بحبك وانت مش واخد بالك مني خالص أرجوك سامحني مش هعيدها تاني صدقني."


ألمه قلبه عليها فتكلم مهونًا عليها برفقه المعهود:ـ "خلاص خلاص يا زيزي اهدي أنا أصلاً مش زعلان منك نسيت اللي حصل عارف إنك ساعات بتتهوري."


عاد خطوتين للوراء عندما صاحت بقوة:ـ "بجد مش زعلان؟!"


أومأ لها مؤكدًا بابتسامة بشوشة. فجذبته من يده هاتفة بحماس:ـ "طب تعال نتغدى سوا"


هز رأسه نافيًا وهو يسحب يده من بين يديها:ـ "سامحيني يا زيزي مش هينفع."


عبست متسائلة بحدة:ـ "ليه؟!"


أجابها باختصار:ـ "أخويا رجع من السفر."


ـ "حمداً لله على سلامته طب تعالوا إنت وهو تغدوا معانا! ماما عاملة أكل يجنن وأنا ساعدتها فيه محشي ورق عنب وبط"


سال لعاب فارس فهو يعشق هذه الوجبة التي كانت والدته الراحلة تكافئهم بها عندما ينجح أحدهم في أمر ما فتحدث بهدوء:ـ "حاضر موافق."


قفزت بسعادة عارمة مغمغمة بعدم تصديق:ـ "دقايق ونكون عندكم يلا خش جوه وأنا هاجي وراك."


أومأ باتزان ثم استدار وفتح بابه وأغلقه خلفه وهو ينادي على أخيه فهد الذي استقبله بجلبة غير معتادة:ـ "فااارس! 


" أهلاً وسهلاً بأخويا الكبير عامل إيه؟ عملت إيه النهارده؟"


ولأن فارس لا يحب الثرثرة أجابه وهو يسبح بالاستغفار:ـ "كله تمام يا فهد وسبني بقى أخد دش سريع علشان إحنا معزومين على الغدا."


رفع أحد حاجبيه بدهشة متسائلًا:ـ "ومين اللي..."


قاطعه:ـ "جارتنا الحاجة أمينة وبنتها زيزي هييجوا يتغدوا معانا."


ابتسم باتساع وغمز بإحدى عينيه بشقاوة:ـ "الحاجة أمينة وبنتها... ماشي روح إنت وأنا هفتح لهم لما يوصلوا."


❈-❈-❈


تقف أمام مرآتها تهندم ثيابها دون أن تعطيه أدنى اهتمام فقد رأت انعكاس صورته أمامها في المرآة.

ناداها بصوت هامس: "نادية..."


أمسكت بالفرشاة وراحت تمشط خصلاتها وهي تدندن متجاهلة إياه تمامًا. مما جعله يناديها بصوت أعلى قليلًا: "نادية!"


ألقت الفرشاة فوق طاولة الزينة بعصبية مفرطة واستدارت إليه هاتفة بفظاظة:"نعم؟!"


أخفض بصره أرضًا متحاشيًا النظر إليها ثم هتف بصوت حزين: "آسف أرجوكي سامحيني صدقيني ندمان على كل اللي عملته فيكي وفي ولادنا."


ردت بسخرية لاذعة: "آسف! بجد؟!"


ثم أزاحته جانبًا وانطلقت للخارج لكنه أوقفها برجاء خالص: "نادية اسمعيني أرجوكي."


إلى هنا وكفى. يكفي الذي كتمته بداخلها ولم تبوح به لأحد.

استدارت تلقي كل الغضب الذي اختزنته بداخلها لسنوات في وجهه كالقنـ بلة الموقـ وتة: "اسمعني كويس يا أسامة أنا من سنين عارفة إنك متجوز عليا وسكت وخبيت الموضوع حتى عن أقرب الناس ليا وقلت إنك مفقود! بس خلاص لحد هنا وكفاية عايزني أرجعلك وكأن ما فيش حاجة حصلت!

إنت غلطان أنا هسكت عشان ولادنا بس هسيبهم يعيشوا شوية حلوين معاك بس أنا ما تستناش مني حاجة مش هرجعلك زي زمان أبدًا وقريب جدًا هطلب الطلاق وهانقولهم إننا ما اتفقناش بعد السنين اللي بعدتنا عن بعض."


هز رأسه نافيًا لكنها استرسلت: "كل اللي قولته ده هيحصل يا أسامة فاكرني إيه؟ تسافر وتعمل اللي على مزاجك وترجع تلاقيني مستنياك! شكلك نسيت أنا مين... نسيت إن كرامتي فوق أي حاجة. احمد ربنا إني ما فضـ حتكش قدام ولادك."


قاطعها بعناد: "لأ... مش هطلقك هتفضلي مراتي لحد آخر يوم في عمري."


صاحت هادرة: "لأ ده من رابع المستحيلات فاهم؟"


أمسكت برأسها وشعرت بأن الأرض تميل بها. الضغط الذي تعرضت له منذ البارحة وكثرة التفكير وقلة النوم أثرت بالسلب عليها ولم تشعر بنفسها إلا وهي تتهاوى أرضًا فاقدة الوعي.

ركض سريعًا كي يمسك بها قبل أن يصطدم جسـ دها بالأرض لكنه لم يستطع فأطلق صـ رخة مدوية: "نااادياااااا!"


❈-❈-❈


على فـ راشها الوثير تجلس وتتذكر كل ما حدث معها في الآونة الأخيرة. بدءًا من الحلم الذي لم ترَ وجهه فيه والذي تكرر أكثر من مرة ثم رؤية وجهه وبعدها المعاملة القاسية التي تراها منه في الحقيقة ناهيك عن تجاهله لها طوال الوقت.

انسابت عبراتها في صمت مغمغمة بإصرار: "أنا بعمل في نفسي كده ليه؟ من النهاردة فارس خلاص برّه حياتي هتجاهله زي ما بيتجاهلني مش ههين نفسي تاني."


أجفلت على صوت طرقات خافتة فوق بابها فمسحت دموعها بأصابعها مردفة بصوت باكٍ: "ادخل."


ولجت الخادمة سعاد هاتفة باحترام: "الغدا جاهز يا آنسة لمار."


ردت بنبرة متعبة: "قولي لهم إني مش جعانة عايزة أنام مرهقة جدًا ومش عايزة دوشة."


أومأت لها الخادمة باحترام. كادت أن تسألها ما بها ولكنها تراجعت فليس من شأنها هذا الأمر ودلفت للخارج مغلقة الباب خلفها.

بينما لمار انخرطت في موجة من البكاء مرة أخرى.


❈-❈-❈


يجلسون على طاولة الغداء يأكلون في صمت ما عدا هيا التي كانت تثرثر باستمرار مما جعل فهد ينزعج جدًا فهتف بهمسة في أذن أخيه: "هي البنت دي مين؟ ومين اللي عزمها؟"


رد بهدوء: "أنا؟ دي هي اللي عزمت نفسها!"


أظهر وجهه عن ابتسامة فيبدو أن تلك الثرثارة مغرمة بأخيه لكن من الواضح أن فارس لا يعطيها أدنى اهتمام.

فتساءلت الحاجة أمينة وهي ترمق فهد بتفحص: "قولي يا فهد إنت مش شبه فارس خالص شكلك خواجة! ده ازاي؟"


قاطعتها زيزي: "يبقى في حد أجنبي في العيلة يا ماما جدك من الأتراك يا فارس؟"


هز رأسه نفيًا. فتحدث فهد منهيا الحوار: "أنا شبه جدي والد أمي –الله يرحمه– هو كان لون عنيه وشعره كده وكان من المنصورة. أما فارس فشبه عيلة أبويا."


أومأت له الحاجة أمينة متفهمة بينما هي لم تحِد ببصرها عن فارس ولو لثانية واحدة دون حياء مما جعله ينزعج كثيرًا ويشعر بالندم لأنه وافق على تلك العزومة.


❈-❈-❈


قطع الردهة ذهابًا وإيابًا ينتظر الطبيب الذي ولج منذ قليل. ووالده يجلس واضعًا رأسه بين كفيه. بينما يارا تنتحب في صمت.

انفتح الباب فهرول جميعهم باتجاه الطبيب يتساءلون كيف حالها وما الذي حدث لها؟

عدل الطبيب من وضع نظارته الطبية وأجابهم بعملية: "هو في إيه بس؟ ما تقلقوش هي كويسة الضغط على شوية  ما تعرضوهاش لضغط نفسي أو عصبي."


أومأ الجميع متفهمين فتساءلت يارا وهي تمسح دموعها: "ممكن أشوفها؟"


"طبعًا يا آنسة... بس زي ما قلت ما تضغطوش عليها."


رافقه حازم إلى الباب وهو يتساءل: "هو في حاجة؟ يعني إيه اللي حصل لماما؟"


رد عليه الطبيب: "ممكن تكون اتعرضت لمجهود أو ضغط نفسي."


شكره وهو يناوله بعض المال وحمد الله كثيرًا على سلامتها.

بينما في الداخل أمسكت يارا بيد والدتها وانحنت تقـ بلها مرارًا وتكرارًا وهي ما زالت تبكي: "الحمد لله إنك بخير يا ماما إيه اللي حصلك؟ ما كنتيش تعبانة الصبح!"


أجابتها بصوت خافت: "ولا حاجة زي ما الدكتور قال الضغط بس وعايزة أرتاح شوية."


دخل حازم في تلك اللحظة وقبّـ ل جبينها بعمق ثم استأذن في الذهاب. بينما يارا هزت رأسها نفيًا وألقت بجسـ دها بجوارها فوق الفـ راش مغمغمة بإصرار: "أنا هنام هنا النهاردة وحشتيني يا ماما."


منحتها ابتسامة خفيفة وهي تومئ لها موافقة.

بينما السيد أسامة لم يجرؤ على الدخول للاطمئنان عليها وهو يشعر أنه السبب في كل ما يحدث معها ففضل المكوث في الردهة وينتظر أن يطمئن عليها من ابنه حازم.


❈-❈-❈


بعد أن عاد إلى منزله أتى جميع أصدقائه لرؤيته: ملك والسيد مراد وجوري ابنته.


استقبلتهم غادة بترحاب شديد وعلى الرغم من الخوف الذي يعتريها إلا أنها أخفت ذلك ببراعة وتظاهرت وكأن الأمر مجرد حادث بسيط وأن زوجها بخير الآن.



قضوا وقتًا بين المرح والجدية ثم استأذنوا للرحيل.

ساعدته في تناول دوائه وظلت بجانبه حتى غفيا.

غطته بدثار خفيف ثم قررت الذهاب للاطمئنان على أروى قبل النوم.

لكن وقبل أن تضع يدها على مقبض الباب سمعت صوت أزيز هاتفها.

ركضت لتلتقطه بسرعة قبل أن يوقظه وشعرت بالغضب الشديد حين رأت هوية المتصل. لم يكن سوى ذلك الشخص البغـ يض.


 لوهلة قررت عدم الرد وأغلقت الخط في وجهه ثم انطلقت للخارج. ثوانٍ وسمعت صوت رسالة نصية. فتحتها بيد مرتعشة وقرأت: "ردي على تليفونك يا غادة وإلا هتشوفي حاجات مش هتعجبك."


قبضت على الهاتف بقوة وهي تصك على أسنانها. ثوانٍ وارتفع رنين الهاتف مرة أخرى فأخذته واتجهت إلى شرفة المنزل فتحت الخط فسمعت صوته الجاد: "ايه اطمنتي على جوزك؟ عقلك صور لك إني كنت بهزر؟ لا يا حلوة كل كلمة قلتها هتحصل وإن ما كانتش برضاكي هتبقى غصب عنك."


ارتعشت شفـ تاها وسألته بصوت مهزوز: "إنت تقصد إيه؟"


"اللي حصل لجوزك ممكن يحصل له تاني أو لآدم أو لأروى بنتك... ما تضطرنيش أعمل كده."


انقبض قلبها فصاحت بضراوة: "إنت شيطان لا يمكن تكون بني آدم! اسمعني كويس أنا مش هعمل اللي بتأمرني بيه أبدا وهفضل مع جوزي اللي بحبه وإنت..."


قاطعها بصوت غاضب زلزل أعماقها: "قلت لك مليون مرة ما تعليش صوتك عليّ! وأنا ما بهددش يا غادة أنا بنفّذ وحتشوفي"


فتحت فمها لتسأله لكنه أغلق الهاتف في وجهها وألقاه بعيدًا فهذه المرأة تخرج أسوأ ما فيه. التقط هاتفًا آخر يملكه وبحث عن رقم أحد رجاله المخلصين ثم ضغط اتصال.

ثوانٍ ووصله الرد: "أأمرني يا باشا."


أجابه بحزم: "اسمعني كويس ونفّذ اللي هطلبه منك بكرة الصبح..."


❈-❈-❈


كان يجلس فوق أحد المقاعد في غرفة المعيشة وبجانبه زجاجة خمر وكأس سكب منها وراح يرتشف حتى أنهاها. فمنذ أن اعتذر له فارس عن عزيمة اليوم وهو غاضب جدًا؛ فهو يريد التقرب منه كي يحصل على معلومات أكثر عنه وعن لمار لكن ذلك الغـ بي لا يمنحه فرصة.


هو يعترف أن لمار تعجبه لكنها ليست الأجمل هو فقط غير معتاد أن ترفضه فتاة ولمار رفضته مرارًا. لذا قرر أن ينتقم منها لأنها فضّلت عليه فارس ذلك التافه عديم الشخصية!


أحيانًا يشعر أن فارس يشبه الفتيات: خجول وخلوق بشكل مبالغ فيه! أما هو فشخص فا سد لعوب يبغضه الجميع لسوء سلوكه. لهذا السبب يغار كثيرًا من فارس ذلك الشاب الذي نال احترام الجميع.

نهض من مكانه عازمًا على إحضار زجاجة أخرى لعلّه ينسى غضبه.


❈-❈-❈


أما أروى فكانت في غرفتها تتحدث مع المدعو نور بعد أن تبادلا أرقام الهاتف في الصباح. استطاع ذلك الفتى أن يجذبها بمعاملته الحسنة وكلامه المعسول ناهيك عن وسامته اللافتة ولباقته واسم عائلته المرموق الذي يجعل الفتيات يركضن خلفه.


للأسف أروى كانت بحاجة إلى من يُشعرها بأنها فتاة مدللة فغفلت عن الخدعة التي يُحيكها ذلك الشاب فلو كانت ناضجة لأبصرت الحب الحقيقي المحيط بها منذ سنوات.

أجفلت على صوت طرقات خافتة على الباب فأغلقت الهاتف بسرعة وأخفته تحت الوسادة ثم سمحت للطارق بالدخول.


دخلت والدتها وأغلقت الباب من خلفها. اعتدلت أروى في فـ راشها وسألتها بتلعثم: "ماما بابا عامل إيه دلوقتي؟"


تنهدت الأم بحزن وجلست بجوارها مغمغمة بهدوء: "الحمد لله بقى كويس خد دواه ونام."


تنهدت أروى بارتياح ثم تفحصت وجه والدتها الباكي وسألتها بذعر: "إنتِ بتعيطي يا ماما؟"


هزت الأم رأسها نفيًا: "لأ يا حبيبتي أنا بس مرهقة شوية وكنت عايزة أطمن عليكِ."


أروى ألقت بجـ سدها في حضـ نها وتشبثت بها بقوة: "بحبك اوي يا ماما."


قبـ لت الأم رأسها بقوة: "وأنا كمان يا حبيبتي."


❈-❈-❈


 لمار ما زالت مستيقظة تفكر بلا توقف. أمسكت بهاتفها لتنوي الاتصال بيارا لكنها تذكرت سخريتها الدائمة. يارا لا تفهم الصراع الذي يعتصر قلبها ولا ألم الحب من طرف واحد.


وقفت وراحت تدور حول نفسها في صمت تعلم تمامًا أن صديقتها محقة لا تريد لها الألم لكنها أحبت وانتهى الأمر.

لطالما حذرتها لكن ما حدث كان سريعًا... وقعت في غرامه عندما رأته في الحلم كأنه مغناطيس جذبها. شعرت أن ما تمر به ليس مجرد حلم بل شيء أكبر من ذلك.

ألقت بجـ سدها فوق الفـ راش وهي تتعهد بداخلها بأنها لن تفكر فيه ثانية. 

لكن هل يا ترى ستفعل أم للقدر رأي آخر؟ 


❈-❈-❈


  أمسكت بكتاب المادة التي يدرّسها وفتحت صفحاته حاولت التركيز لكنها كانت ترى وجهه في كل سطر وابتسامته التي يخصها بها.


من يصدق أن ذلك الدكتور المغرور الذي طردها يوم لقائهما الأول تغيّر معها بالكامل في وقت قصير أقنعها بشيء لطالما فكرت فيه... ربما لأنها أحبته ومن يحب يفعل كل شيء ليسعد من يحب.


نعم هي تحبه. الحب ليس عيبًا فقد تربّت على حب والديها لبعضهما لطالما تمنت رجلًا كوالدها ويبدو أن الله استجاب لدعواتها.


أغلقت الكتاب ووضعت رأسها على الوسادة متمنية من الله أن يديم عليها هذه السعادة.


❈-❈-❈


كان يجلس على الكرسي أمام نافذته يتأمل السماء الصافية والجو الهادئ والقمر الذي ينير الأفق. صوت حفيف الأشجار وتغريد الطيور يملأ المكان. هواء الليل رطب والشوارع فارغة. هذا الجو يوحي بالربيع رغم أننا ما زلنا في الصيف.


شعر بالعطش فتوجه إلى المطبخ فتح الثلاجة وأخرج زجاجة عصير مانجو ملأ كوبًا حتى آخره وراح يرتشفه وهو يعود إلى مقعده.


جلس يتأمل الجو الساحر حتى شعر بحركة خفيفة في الغرفة. لوهلة ظن أنها هي لكن خاب أمله حين لم يجد أحدًا.


زفر بغيظ فهي تأخرت كثيرًا. أغمض عينيه متذكرًا وجهها وما إن فتحهما حتى اشتمّ عبيرها.


ابتسم وهو يراها أمامه ترتدي فستانًا أحمر ناريًا تقف صامتة وجهها خالٍ تقريبًا من مساحيق التجميل فغمغم بانبهار: "سبحان اللي خلقك يا حبيبتي..."


ابتسمت ولم ترد فاستطرد: "بحبك اوي يا لمار ومش عارف الحب ده نهايته إيه... بس اللي أنا متأكد منه إني عشقتك."


نظرت له باستفهام فقال: "اللي مضايقني إنك مش بتحبيني زيي حاسس إني بحارب لوحدي."


رفعت كفها تمنعه من الاسترسال قائلة بصوتها الناعم: "مين قال كده؟ أنا بحبك يا فارس... بحبك جدًا ومش عارفة إزاي ولا إمتى بس حبيتك."


اتسعت عيناه بدهشة: "بجد؟ قوليها تاني أرجوكي!"


ابتسمت بشقاوة: "بحبك يا فارس... بحبك كإني عمري ما عرفت يعني إيه حب قبل ما أعرفك."


أغمض عينيه ليستمتع بتلك اللحظة وما إن فتحهما كعادته لم يجدها.


❈-❈-❈


أما هي فنهضت مفزوعة على صوت رنين هاتفها. لعـ نت تحت أنفاسها  وأمسكت الهاتف. غضبت حين رأت رقمًا مجهولًا ضغطت زر الرد وهي تتأفف: "مين؟"


صمتت تستمع فأتاه الصوت من الطرف الآخر: "أنا حسن يا لمار..."


"حسن؟ حسن مين؟"


"حسن فوزي... زميلك في الشغل."


صاحت به: "إنت اتجننت إزاي تكلمني في وقت زي ده؟"


ضحك ضحكة متقطعة وقال بصوت ثمل: "وحشتيني يا حلوة..."


"إنت سكران؟"


ضحك بهستيرية: "أيوه... أيوه أنا سكران!"


أغلقت الهاتف في وجهه وألقته بعنـ ف على المنضدة  ومن ثم نهضت من فـ راشها وجلست  على الأرض تسند رأسها على الحائط والدموع تنهمر.


تساءلت: لماذا كل هذا العـ ذاب؟ ألم تعِد نفسها أن تمحوه من حياتها فلماذا تحلم به مجددًا؟ يبدو أن حبه بات يسري في دمائها لعـ نة سترافقها أينما ذهبت...


لكن... هل سيبقى الحال على ما هو عليه؟ هذا ما سنعرفه في الأجزاء القادمة.


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بسمة بدران، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة