-->

رواية جديدة مرايا الروح لفاطمة الألفي - الفصل 15 - الأحد 27/7/2025

 


  قراءة رواية مرايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية مرايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة فاطمة الألفي


الفصل الخامس عشر 


تم النشر يوم الأحد 

27/7/2025


داخل أروقة المنتجع الفاخر، حيث تتراقص أشعة الشمس على النوافذ الزجاجية وتعطر رائحة البحر الأرجاء، دلفوا إلى غرفهم الواحد تلو الآخر، وقد أثقلهم التعب بعد قيادتهم السيارة لساعات متواصلة.


حيث طلبت منهم "ضي" بنبرة هادئة أن يسترخوا داخل غرفهم لحاجتهم للراحة، حتى يحين موعد الغداء في الساعة الرابعة، وقتئذ سيتقابلون في مطعم الفندق. 


اصطفوا في الممر الهادئ، كل منهم متجه صوب حجرته. الغرف مرصوصة كأنها محطات هدوء على جانبي طريقٍ رمليٍ ناعم؛ غرفة ضي جاءت أولًا، تليها الغرفة التي تشاركها هديل وراما، حيث تملأ أحاديثهن الهمسات الخافتة. خلفهن غرفة نادر، الذي انسحب بصمتٍ إلى زاويته الخاصة، ثم في نهاية الصف غرفة دياب، الذي ألقى نظرة خاطفة على الممر قبل أن يغلق بابه بهدوء.

كان الهدوء سيد اللحظة، لا يُسمع إلا صوت خافت لمكيف الهواء وهمسات الرياح بين النخيل، وكأن المنتجع قد احتضنهم في لحظة من السكينة والهدوء..



تتميز الغرف بتصميمها الفاخر, الذي يجمع بين الأناقة والراحة، عند دخولك الغرفة تستقبل إضاءة دافئة تنبعث من مصابيح جانبية ، يتوسطها فراش كبير مغطى بأغطية ناعمة بلون أبيض تبعث منها رائحة عطرية منعشة ، وطاولة جانبية أنيقة ، أسفلها سجادة عصرية فاخرة، وخلفها أريكه مريحة مع وسائد ملونة بتناغم، وشاشة تلفاز مثبتة على الحائط ، ملحق بالغرفة المرحاض وعلى الجهة الأخرى توجد شرفة مطلة على البحر ،بها مقاعد وثيرة ملتفة حول طاولة صغيرة، تجعلك ترى سحر البحر وجمال الطبيعة الأخاذ..

وضعت ضي حقيبتها بجانب خزانة الملابس ثم دلفت المرحاض أولا لتنعش جسدها من عناء وأرهاق القيادة، ثم ابدلت ثيابها واستلقت داخل الفراش لتغط في نوم عميق..


أما داخل غرفة الفتيات، ارتمت راما داخل الفراش الوثير وهي فاردة ذراعيها كالفراشة، تنظر للسقف وتتنفس بانتظام، سرعان ما أتاها الشعور بالاسترخاء، وأغمضت جفنيها لتذهب في نوم هادئ..


بينما هديل واقفة أمام خزانة الثياب وتضع داخلها أغراضها وكانت تتحدث مع راما، لكن لم تشاركها الأخيرة الحديث، نظرت لها هديل لتجدها نائمة بالفراش ، ابتسمت برقة ثم أكملت هي ترتيب أغراضها وأغراض راما أيضا.

بعدما أنتهت قررت أن تتجه الشرفة فهي لا تريد النوم ؛ بخطوات هادئة، أزاحت الستائر الحريرية، فانسكب ضوء الشمس الذهبي داخل الغرفة، كأنه يعانق الجدران بلطف. دلفت إلى الشرفة، حيث الهواء يحمل معه رائحة البحر المالحة، ممتزجة بنفحات اليود العابقة، وقفت تتأمل زرقة الماء اللامتناهية، حيث تعكس الشمس المتوهجة أطيافها على سطح البحر، كأنها خطوط ذهبية تتراقص مع الأمواج، صوت ارتطام المياه بالصخور ينساب إلى أذنيها كأنغام طبيعية تبعث على الطمأنينة، بينما النسيم يداعب خصلات شعرها بخفة، وكأنه ينقل إليها لمسات ساحرة من الطبيعة ومنظرها الخلاب..


❈-❈-❈

عندما دلف نادر غرفته، تنفس بعمق، ترك حقيبته خلف الباب، وضع هاتفه ومتعلقاته أعلى الطاولة، ثم نزع سترته وألقاها على الأريكة وخطى بخطواته اتجاه الشرفة، رفع الستار وفتح الباب الزجاجي، ولج داخلها واتكئ بمرفقيه على سور الشرفة، وعيناه تجول بعيدًا، كأنه يصوب أنظاره على أخر زرقة لمياه البحر، تلاشت قواه، لم تعد قدماه تتحمله، هوى أرضًا وأعطى ظهرها للبحر، داخله أمواج تتقازف بقلبه، صراعات تنهش عقله، جسدًا يتأجج كالبركان الثائر، يرى نفسه ضئيل حد أنه لم يراها أحد، لعبة في يد من كنت يوما ما كل حياته، جعلت من حُبه أضحوكه، خدعته وكذبتها لم تغتفر، فتت قلبه لاشلاء، ترك لدموعه العنان، لعله يغسل همومه، يزيل الغبار والغشاوة عن عينيه ، فهو لا يستحق منها ذلك، أحبها بصدق، لم يخدعها باسم الحب والعائلة، لم يخونها يوما ولو حتى بفكره، لم يرى فتاة غيرها ولم يعشق يوما سواها.


في ذلك الوقت كانت تتطلع حولها والبسمة تنير ملامحها الرقيقة وتزيد من براءتها، وقعت أنظارها على وجوده، جالسًا بشرفة غرفته يبدو عليه الحزن، لا تعلم ماذا أصاب استاذها الجامعي، الغرفتان ملتصقتان وتراه عن قرب، لكنها لم تقدر على التحدث معه، ليست لديها تلك الشجاعة لكي تقترب منه وتحاول التخفيف عنه، وعندما رأت دموعه المنهمره بلا توقف وهي واقفة عاجزة عن التدخل، تركت الشرفة وعادت للغرفة ، قررت أن تهاتف ضي وتخبرها بما رأته ، أمسكت الهاتف ولكنها ترددت في الأتصال، جلست بضيق تشعر بالحيرة وتتساءل ماذا عليها أن تفعل من أجله ؟ لكن خوفها منعها وفضلت الإبتعاد، رغم أحساسها بالحزن فهو مريض نفسي ويبدو أنه يُعاني أمر ما الأن، لكنها مكبلة الأيدي ، مفتقرة للحديث ولغة الحوار، لم تفيده بشيء، استسلمت لهواجسها وفضلت الصمت ، ولكي تشغل ذهنها ، انتقت ثيابها ودلفت المرحاض الملحق بالغرفة لكي تستحم وتبدل ثيابها استعدادًا لموعد الغداء ...

❈-❈-❈

شعر دياب بثقل, ليس إرهاق الجسد فحسب، بل ذاك الإرهاق الذي يسكن الروح، الذي لا يُطفئه نوم ولا يداويه زمن، ترك سترته السوداء على الفراش، وشمر عن ساعديه، ثم خطى خارج الغرفة، لم يقصد البحر من أجل السباحة، فالموج بات ذكرى مؤلمة، ولا يمكنه ارتداء بنطال قصير يخفي ساقًا لم تعد تشبهه، بل تُشعره بالغربة عن نفسه، يخفيها كأنها عار، رغم أن الحقيقة تقول إنها وسام شجاعة.

سار بخطوات بطيئة فوق الرمال، كل ذرة تحت قدميه تهمس له بشيء، وكل موجة تلامس أصابعه تسحب منه تنهيدة ثقيلة، وقف أخيرًا قبالة البحر، يراقب الأفق، تنهد بعمق وتذكر لمحات من الماضي، ذكريات مع عائلته وهو شابًا بكلية الشرطة يجتاز سباق السباحة وحصل حينها على ميدالية ذهبية..

 تذكر أيضا ضحكة أمه تملأ أرجاء البيت، ثم دموعها الحارقة يوم عَلِمت ببتر ساقه، صرخاتها التي أدمت قلبه أكثر من أي جراحة، وعتابها المرّ لوالده، ذلك الشجار الذي كسر شيئًا في عائلتهم، ولم يلتئم أبدًا.


وبعدها بشهرين جاء والدته زائر الموت، وصمتت الصمت الأبدي الذي سرق الدفء من حياته، صار كل شيء باهتًا، حتى الأيام، محاولاته الحثيثة ليواسي والده، ليقنعه بأن هذا قدره، لم تُجدي نفعًا، فوالده لم يحتمل انعكاس الألم في عينيه، فهرب من نظراته، تركه وسافر إلى ابنته، في فرنسا، وكأنه يُلقي حزنه من على كتفيه.

وبقي هو وحيدًا، يعيش حياة فاترة، جافة، ينتظر مكالمة من والده كل شهر، أحيانًا تأتي، وأحيانًا لا تحمل شيئًا سوى الغياب، وأنساه والده عندما أجهز الزهايمر على ما تبقى من ذاكرته.

 فنسى كل شيء وكأنه لم ينجبه من الأساس، وتتواصل شقيقته معه كلما جاءتها الفرصة ، تهاتفه مرة كل شهرين او ثلاثة لم يعد يتذكر عدد المرات لانها قليلة وعلى فترات متباعدة، ولم يراها حتى في وداع والدتها، لم تأتي فيبدو أن الغربة بدلت من شخصيتها..

ظل متصلبا مكانه أمام البحر، يُطالع الأمواج العاتية وهو يتساءل في نفسه:

هل سيجد نفسه يوما ما؟ أين أختفى ذلك الشاب الذي كان يركض بثقة نحو الغد؟ هل حقًا الحادث أبدلت من شخصيته تماما حتى أصبح أنه لم يعد يعرف من هو؟!.

 تنهد بحرقة، وترك الموج يغمر قدميه أكثر، وكأنه يريد أن يغسل شيئًا قد انكسر داخله. .



❈-❈-❈


كان المطعم هادئًا رغم ازدحامه بالصوت الخافت للأطباق والكلمات المتناثرة من الطاولات المجاورة، لكن الطاولة التي جمعتهم كانت تسبح في صمت كثيف، ضي كانت تراقبهم بعين خبيرة، تنظر إلى وجوههم واحدًا تلو الآخر... ليس لتقرأ ملامحهم، بل لتشعر بما لا يُقال.


هديل كانت تنظر إلى طبقها دون تركيز، شفتيها تضغطان على بعضهما في صمت، وعيناها تهربان من النظرات. راما بدت ساكنة، لكن في سكونها ما يشبه التجاهل الواعي، وكأنها تتحكم في تعابيرها بمهارة خفية. نادر... كان الحزن يشع من عينيه كوميض خافت، يفضح ما يحاول جاهداً أن يخفيه. أما دياب، فقد بدا وجهه متخشبًا بملامح متألمة، كأن كل لقمة تمر بحلقه كجمرة.


تناولوا الطعام دون تبادل للكلمات، وكان صمتهم أشبه باتفاق غير منطوق على أن الوقت لم يحن بعد.


بعد الغداء، اقترحت ضي أن يجلسوا عند الشاطئ، نسيم البحر بدأ يعبث بشعرهم فور اقترابهم، والرمال كانت دافئة تحت الأقدام، افترشت سجادة بسيطة على الرمال، وجلست عليها بثبات وروح حانية. إلى جانبها جلست هديل، تليها راما، أما نادر فاختار الطرف الآخر، ودياب جلس في مواجهتها تمامًا، كأنهم دائرة ملتفون حولها.


تحدثت ضي أولًا، بصوت ناعم وواثق، تنطق كلماتها كمن يعرف تأثيرها جيدًا:

-طبعًا كلكم عارفين أنا مين وبشتغل إيه، وسعيدة أننا مع بعض في رحلة تعافي إن شاء الله.


ثم وجهت حديثها لهديل بابتسامة دافئة. هديل كانت تلتقط أنفاسها بتوتر، تعبث بأطراف أصابعها، صوتها بالكاد خرج:

-هديل، ثانية فنون جميلة، عندي عشرين سنة.

تلَتها راما، بنبرة أكثر ثباتًا لكنها لا تخلو من غربة:

-راما راكان، فلسطينية، بدرس سياحة وفنادق، عمري 22، عايشة هون من أربع سنين.

نادر كان أكثر مباشرة، وكلماته حملت شيئًا لم يُقل فيها:

-نادر عز الدين، معيد في كلية فنون جميلة، 28 سنة... كنت متجوز.

تبادلت ضي معه نظرة قصيرة، مصحوبة بدهشة لم تحاول إخفاءها. ثم جاء دور دياب، ونبرته كانت أقرب إلى الشجن:

-دياب الحديدي، 32 سنة، ظابط شرطة متقاعد، عندي مكتب حراسة.

سألت راما باستفهام بريء: -يعني شو؟

ردّ عليها بهدوء خالي من التفاخر، وكأن الخبرة صنعت منه رجلًا يعرف موضع كلماته:

-يعني رجال أمن لشركات بتطلبهم، وأنا بختار الأنسب لكل مكان.

أعادت ضي الكلام، مؤكدة على أهمية هذه المساحة:

-كده كلنا نعرف بعض، حد عنده سؤال؟

هزّوا رؤوسهم بالنفي، فاستطردت بنبرة دافئة:

-هنبدأ جلسة جماعية، لو حد حابب يفضفض في الجروب ونسمع بعض ونتقرب أكتر، أو يفضل يحكي لوحده... القرار لكم. بس بصراحة، أنا شايفة إن الجلسات الجماعية بتكسر حاجز الخوف، اللي مش مستعد، ما فيش مشكلة المرة دي... لكن هنكمل بنفس الجروب في جلسات تانية.

تدخل دياب بصوته الرزين:

-يبقى ناخد فرصة تانية يا دكتورة. كلنا محتاجين نبدأ لوحدنا الأول.

جاءت الموافقة من الجميع كنسمة مرت بارتياح، كأنهم أخيرًا وجدوا صوتًا يعبر عن حاجتهم المشتركة دون خجل.


كان الهواء منعشًا، يداعب وجوههم برفق، لكن المشاعر التي تسكن صدورهم لم تكن بنفس الهدوء، حيث اقترحت"ضي" الذهاب إلى السونا لتجربة شيء مختلف، لكن دياب اعترض بسرعة، بنبرة حملت شيئًا من الحماية، وربما الغيرة التي لم يعترف بها.

تنحنح دياب ثم قال:

-بصراحة الأماكن دي مش آمنة، فيها كاميرات، ومش مضمون الوضع فيها.


تبادلوا النظرات، وضحكت راما بخفة، بينما ضي اكتفت بابتسامة امتنان، كأنها فهمت ما يقصده:

-معاك حق، خلينا نغير الخطة، بس إحنا محتاجين نعمل حاجة، مش معقول هنفضل على الشاطئ وخلاص.

اقترحت راما السباحة، صوتها كان يحمل بعض الحماس:

-فينا ننزل المي، البحر بهالوقت أكتير هادئ.

لكن هديل ترددت، نظرت إلى الموج بتوتر، ثم تمتمت بصوت خافت:

-أنا... ما بعرفش أعوم.

ابتسمت لها ضي بلطف، لم تضغط عليها، فقط قالت:

-ولا يهمك، اعملي اللي بتحبيه، ممكن ترسمي منظر الطبيعة حواليكِ..

❈-❈-❈


عادت الفتيات إلى غرفهن، لكي يبدلون ثيابهم باخرى خاصة بالسباحة، وقفت ضي أمام المرآة، ترتب حجابها فوق المايوه "البوركيني" بلونه الأسود الممزوج بخيوط صفراء كأشعة الشمس الدافئة، يغطي جسدها بالكامل.


في الغرفة المجاورة، كانت راما تقف أمام حقيبتها، تخرج كاش مايوه باللون الفيروزي، بلون البحر الذي طالما أحبته. ارتدته، ثم نظرت إلى نفسها لحظة—تلك النظرة التي تسبق اعترافًا داخليًا؛ ربما آن الأوان أن أستمتع، ولو للحظات، بما حولي، بدلًا من أن أراقبه من بعيد.


لم يكن الأمر متعلقًا بالسباحة فحسب، بل أن تخلع كل واحدة منهن شيئًا من الخوف، من التردد، من الماضي... وأن تغمس قدميها في الماء كأنها تكتب بداية جديدة..

 دخلتا الماء، ضحكاتهما تلاعبت بنسمات الهواء، كانت هناك خفة في حركاتهما، وكأنهما تحررتا ولو للحظات. 

أما دياب، فقد راقبهما بصمت، عيناه كانت تتابع الموج، لكن عقله كان غارقًا في أفكاره، في الذكرى التي جعلت البحر يبدو بعيدًا عن متناوله الآن..

_قبل عامين_

كان يعمل رائدا في مكافحة المخدرات ، منذ فترة اتته أخبارية عن عملية تهريب ، تولى دياب مراقبة العصابة، عيناه لا تغفلان عن الوكر الذي تتحصن به العصابة، امتدت المراقبة لأيام، تخطيط محكم ومعلومات استخباراتية دقيقة، واللحظة الحاسمة اقتربت، يوم تسليم العصابة الشحنة ،كانت المخدرات ملفوفة بإحكام داخل صناديق فواكه استوائية وتأكدت الشكوك.

أشار بيده لقوة الشرطة أن تقتحم المكان، اندفعوا نحو الموقع مع صرخات حازمة: بوليس ، أرقد على الأرض.

لكن المجرمين لم يستسلموا بهذه السهولة، تبادلا طلقات الرصاص وتعالت الاصوات، وتحول المكان إلى ساحة من نار، في خضم الاشتباك، شعر دياب بألم حاد يمزق ساقه – رصاصة أولى... تلتها ثانية... ثم ثالثة، سقط أرضًا، ضغط على فخذه بكل ما أوتي من قوة لوقف النزيف، لكن الدم تسرب سريعًا، يلطخ الأرض تحته وهو يراقب بعينين مثقلتين الفريق يُكمل المهمة ويقيّد أفراد العصابة واحدًا تلو الآخر.

بينما وعيه يتذبذب، دقائق مرّت عليه كالدهر، وعندما وصلت سيارة الإسعاف، كانت بشرته باهتة، جسده شاحب، وملابسه مشبعة بالدماء.

في غرفة العمليات، قرر الأطباء أنه لا مجال لإنقاذ الساق – الأوتار الحيوية تمزقت، والأنسجة ماتت من شدة النزيف. القرار كان قاسيًا، لكن لا مفر منه"بتر"

استفاق بعد ساعات وهو لا يشعر سوى بالفراغ من تحت ركبته، صمت كثيف خيّم على الغرفة، وكأن العالم توقف لحظة، كأن كل ما كان لم يعد يعني له شيئًا، لم يبكي ، لم يصرخ، فقط نظر إلى السقف مطولًا، وظل صامتا هكذا، يكتم ألمه داخله دون أن يبوح ما يثقل قلبه..


عاد من ذكرياته على ظل نادر الواقف أمامه، وهو يخلع قميصه، واتجه للبحر، كانت حركته سريعة، قوية، كأنما يسابق شيئًا، ضرب الماء بيديه، وسمح لجسده بأن يندفع للأمام، كأنما كان يهرب من كل ما يكبله، لم تكن مجرد سباحة، بل تفريغ، تفجير لشحنة من المشاعر التي ظلّت مكتومة لفترة طويلة.

جلس دياب يراقبه، ونادر لم يتوقف، ظل يسبح بعنف، كأنما يريد للبحر أن يأخذ كل غضبه معه.

حتى لاحظت ضي ذلك، انتبهت للحركة غير الطبيعية، ثم نادت عليه:

-نادر، أنت بخير؟

لكن نادر لم يرد فورًا، فقط توقّف للحظات، أخذ أنفاسًا عميقة، ثم رفع رأسه نحوهم، وهز رأسه نافيا والمياه تتساقط من جسده، عاد إلى الشاطئ بعد دقائق، جلس على الرمال بصمت، بينما كان البحر خلفه تهدأ أمواجه الثائرة، لكن هل هدأ نادر وهدأت أفكاره؟...

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة فاطمة الألفي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة