-->

رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 27 - الأحد 20/7/2025

 

قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية غصات الحب والقدر 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة علا السعدني


الفصل السابع والعشرون 

تم النشر الأحد 

20/7/2025



مرّت عدّة أيامٍ ...

  لم يكن (حازم) يريد فتح الحديث معها لكى يتركها تتخذ قرارها بمفردها دون أى ضغوطات، ولم تكن (رؤى) قادرة على اتخاذ أى قرار بعد كلاهما يراقب الآخر من بعيد دون فتح أى موضوع للنقاش تغيّر كل شيء في تعامله معها؛ لم يعُد يُحادثها كالسابق، حتى عبر الهاتف لا يحدثها، فقد رمى الكرة بملعبها وينتظر ردها الأخير على ارتباطهما سوا اكتفى بالحديث عن المرضى وعملها بالعيادة فقط ..

حتى شعرت هى بتجاهله التام لها، مما جعلها تشعر بالضيق كانت مترددة فى أن تبدء معه الحديث فهى تريد الحديث معه ولكن فى نفس الوقت تعلم جيدًا أنه ينتظر ردها فى أمر الزواج منها، لذا قررت أن تمسك هاتفها كى تتصل به فهى تعلم أنها هى التى يجب عليها المبادرة لا هو ..

على الجهة الأخرى ..

كان (حازم) جالسًا في غرفته يقرأ كتاب ما، حتى أضاء هاتفه باسمها ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة، تحمل شوقًا خفيًا وحنينًا، فقد كان ينتظر اتصالها بلهفة كبيرة وعلى الرغم أن الأيام الماضية كان يشعر بالوحدة حتى وهو يراها يوميًّا بالعيادة ولكن لا يوجد بينهم مادة للحديث يقال فيها شئ، وكان يعلم أنه قد فعل ما يمكن فعله كى يربطهم علاقة رسمية لكنه أرادها ان تفكر فى امرها دون أن يضغط عليها بشئ ..

ردّ بنبرة هادئة، محاولًا كتم فرحته

- إزيك يا (رؤى)؟

أغمضت عينيها لثوانٍ، ثم أخذت نفسًا عميقًا، وصوتها كان يخرج مترددًا ولكنها أرادت قول ما تشعر به دفعة واحدة 

- أنا عارفة إنك زعلان منّي .. وغصب عنّي .. خطوة الجواز دي مش سهلة بالنسبالي وعارفة إنك عايز علاقتنا تبقى في إطار رسمي .. بس أنا .. أنا مش عارفة بجد مش عارفة المفروض أعمل إيه ؟!

ساد صمتٌ قصير، قطعته كلماته بلطف

- الموضوع بسيط يا (رؤى) مفيش أي ضغط وعلى فكرة .. أنا ماكنتش سايبك كعقاب أنا كنت سايبك تفكّري براحتك وتشوفي إنتي عايزة إيه .. صدّقيني أنا مش عبيط فاهم النقطة اللي مخوفاكي علشان كده شايف إن من الأفضل تروحي لدكتور نفسي وأنا هبقى معاكي خطوة بخطوة .. بس مش هقدر أبقى معاكي فى حاجة زى دى من غير أي صفة .. فاهمة قصدي؟

انكمشت نظرتها، وانقبض قلبها، شعرت بالخجل فقد عرف ما يكمن بداخلها، لم تتوقّع أنه سيفهم ما تشعر به من تخبطات وخوف من تلك العلاقة فهى لم تُفصح عن شيء له لذا قالت وهى مصدومة أنه علم ما تفكر به

- بس أنا .. أنا ماقلتش حاجة .. إزاي عرفت؟

- مش لازم تقولي أنا مش صغير وفاهمك كويس جداً وبوعدك حتى الدبلة اللي مفروض أحطها في إيدك مش هحطها حطيها إنتي .. ومش هلمسك بأى شكل من غير رضاك واستعدادك النفسي

تنهّدت بارتباك، وظلت تفكر تعلم جيدًا أن (حازم) ليس مخادع هى تثق به، ولكنها لا تثق بالزواج تشعر بالخوف من أى شئ سيذكرها بتجربتها المريرة لذا قالت بصوت منخفض

- طيب .. ماشي .. أنا موافقة

اتسعت ابتسامته، وامتلأ صوته بفرحٍ 

- تمام، أنا هجهّز كل حاجة .. وماتخافيش، طول ما انتي معايا مش هتتأذي ولا هتبقى لوحدك أبدًا

صمتت لبعض الوقت تشعر بتوتر خفى بتوتر غريب، لذا قالت دون أن تفكر

- ماشي .. بس .. الدراسة هتبدأ كمان أسبوعين وأنا هبقى مشغولة ومش فاضية صح ؟! مش هينفع دلوقتى

ابتسم (حازم) وهو يهزّ رأسه بأسى فذلك الخوف الذى تشعر به لن يذهب عنها دون مجهود جبار لذا قال

- ماتخافيش يا (رؤى) أنا وعدتك .. وبعدين كتير بيتجوزوا وهما بيدرسوا يعني مش معضلة

عضّت شفتيها بغيظ خفيف، تبحث عن حجّة أخرى ولم تجد، ثم تمتمت

- طيب 

ضحك قليلًا، ثم قال ممازحًا

- داهية ليكون شايفنى كبير عليكى زى (أشرف) هو صحيح أنا أكبر منك بكتير بس مش عجوز يعنى ولا إيه؟ تكوني شايفاني عجزت وأنا مش واخد بالي؟

ابتسمت بخجل، وقالت بهدوء

- لا أنا ماقولتش كده .. أنا بس .. مش حابة وخايفة .. مش أكتر

- سيبيها على الله .. وبعدين أنا هوديكي لدكتور شاطر جدًا تتكلمي معاه براحتك .. في كل اللي خايفة منه

صمتت قليلًا، ثم قالت بصوتٍ أهدأ

- تمام ..

❈-❈-❈

بعد مرور أيام كان قد قام بتجهيز كل شئ يخصهما من أجل عقد قرانه الذى انتظره منذ أن قام بأعترافه بحبه لها ..

تزيّنت القاعة بأنوارها الكريستالية التي انعكست على الجدران المزخرفة، كما زُيّنت الطاولات بمفارش بيضاء ناعمة، وتوسّطتها باقات ورود وردية وذهبية ..

وقفت (رؤى) في منتصف القاعة، ترتدي فستانًا أبيض ناعمًا، تطرّزت أطرافه بخيوط فضية، رُفع شعرها بتسريحة بسيطة، لكنها أصيبت ببعض من التوتر ولكن وجوده بجانبها كان يخفف من وطاءة التوتر شعرت بمشاعر لم تشعر بها من قبل بالفعل تلك ستكون زيجتها الأولى حقًّا أما ما مضى كان إكراهًا لم يكن قط زواجًا ..

وقف (حازم) إلى جوارها، في بدلة سوداء أنيقة، تأمل وجهها بسعادة، لا يصدق أنها ستصبح زوجته بعد قليل كانت نظرته تحمل امتنانًا وفرحة، وعيناه لا تُفارقان وجهها لحظة ..

في الصفوف الأمامية، جلست خالتها بجوار زوجها الذي سيكون اليوم ولي أمرها، ووقف (سيف) بين الحضور، تأملها من بعيد لم يكن الحزن ظاهرًا عليه، بل بدا وجهه ساكنًا على غير عادته يشعر بمرارة بألم فى قلبه، لكنه هذه المرة لن يهرب وقف يشهد رحيلها عنه، يعلم أن تلك المرة وذلك الزواج بأراداتها ربما فى الزيجة الأولى لم يحضر لأنه كان يعلم جيداً أنها كانت مغصوبة وهو عاجزًا عن مساعدتها، انما تلك المرة يريد أن يخبر نفسه وقلبه انها لم ولن تكون مَلِكًا له فى يوم من الأيام ..

اقتربت منه (جود) وهي تحتضن (نوح) بذارعيها، وما إن رأت ملامحه حتى ابتسمت بخفوت وهى تقول

- أنا عارفة إنك بتحبها

نظر إليها (سيف) دون أن يجيب، فتابعت هي بنبرة خافتة

- معرفش بتحبها من امتى بس أعتقد من زمان أنا كنت صغيرة لما (رؤى) اتجوزت أول مرة بس فاكرة إنك مجتش وقتها

ابتسم (سيف) بخفوت وهو يهمس

- فعلاً

أخذت (جود) نفسا عميقًا، أرادت أن تهون عليه ما يشعر به لذا قالت 

- أنا مش عارفة المفروض أقولك كده ولا لأ بس أنا اتكلمت مع (رؤى) قبل كده وقالتلي إنها عمرها ما شافتك غير أخ وإنك تستاهل واحدة تبدأ معاها من الأول خطوة بخطوة المفروض مكنتش أقولك حاجة بس قولت يمكن لما تعرف تقدر تفتح قلبك من جديد وتتخطى الجرح اللى فى قلبك 

ابتسم (سيف) بهدوء وقال

- أوعدك .. مع أنى مقدرتش أعمل كده من خمس سنين بس ممكن أقدر دلوقتي

- ربنا يوفقك وتلاقي حد يحبك بجد وتستاهلها .. وتفضل أخ لينا دايمًا

شعر بسعادة فحقيقة أن القرابة التى بينهم لن تنتهى ولن يمحيها الزمن أبدًا لذا قال

- أكيد .. حد بس يقرب منكم وأنا أكله بسنانى حتى جوز (رؤى) مش هرحمه!

ضحكت (جود) بصوت دافئ، وقد شعرت بأن أصبح لهم شقيق وقام الله بتعوضيهم عن ما مروا به فى الفترة الماضية ..

وفي ركن آخر من القاعة، وقف (حمدي) يشعر بسعادة لأجل (حازم) فقد كان يعلم كل ما عانه (حازم) فى زيجته الأولى من صديقه قبل أن يتوفى، لكنه تتطلع إلى الأمام ليجد تلك المرأة التي يعرفها منذ زمن، زوجة (حسن) هو يعرفها جيداً ..

كانت (تقى) تجيب عن مباركات الجميع بسعادة، وهى تشعر بالفرحة من أجل شقيقها الذى عوضه الله بزوجه صالحة عن ما مر بحياته، ولكنها لاحظت نظرات (حمدي) المتكررة نحو (رغد) شعرت بغرابة من نظراته لها ولكنها لم تهتم كثيرًا، ثم أغمضت عينيها محاولة تجاهل الأمر، حتى جاءت (فاطمة)، صديقتها، وقالت لها بسعادة

- أنا مبسوطة بيكي أوي إنك قدرتي تتخطي (ممتاز) لاقيتلك شغل معايا، هتبدأي الأسبوع الجاي!

شعرت (تقى) بسعادة بالغة فهى كانت بحاجة كبيرة إلى ذلك العمل حقًّا، لكن نظرها عاد إلى (حمدي) الذى وجدته مازال ينظر إلى (رغد)، شعرت بريبة فى الأمر، هل من كثرة حبه فى (حسن) سيحب زوجته أيضاً ، ولكنها نفضت تلك الفكرة السخيفة من رأسها فما هذا الذى تفكر فيه حتى لمحت (حمدي) يقترب منها، فقال لها بلطف

- إزيك يا (تقى)؟

- الحمد لله

- مبروك .. عقبالك

- ميرسي

شعر بتوتر بالغ ولكنه ابتلع ريقه وقال

- أنا ممكن أطلب منك حاجة؟

اتسعت عيناها قليلاً

- اتفضل

نظر إلى (رغد) ثم قال

- أنا نفسي أشوف ابن (حسن) عمرى ما شوفته ومحرج أطلب من (رغد) فمش عارف أعمل إيه؟!

انفجرت (تقى) ضاحكة وهى تضع يدها على فمها ولا تصدق ما كانت تفكر به للتو، فعقد هو حاجبيه بدون فهم وهو يسألها

- أنا قلت حاجة غلط؟!

فهزت كتفها بلا مبالاة وهى تقول 

- أنا كنت فاكرة إنك معجب بيها!

اتسعت عيناه بعدم تصديق ثم شعر بالخجل وهو يقول

- هو ازاي تفكري كده؟

- سوري .. أنا هروح أجبلك (عمر)

ذهبت إليه بعد دقائق حاملة الطفل، ومدّت يدها نحوه

- كان ممكن تقول من بدري، مفيش إحراج ولا حاجة أنا ساعات بتمنى يكون في حياتي واحد زيك بجد

أخذ منها الطفل وما أن استمع جملتها الأخيرة، حتى شعر بغصة فى حلقه واحمر وجهه خجلاً، أما عن (تقى) فوضعت يدها على فمها وهى لا تعلم ما الذى يحدث معها وما تفوهت به للتو، لذا قالت كى تحاول أن تنقذ نفسها من ذلك الأحراج

- مش قصدى اللى فهمته .. قصدي يعني .. يكون في حياتي صديق يحبني زي ما كنت بتحب (حسن) .. رغم إنه مش من قرايبك بس مش قادر تنساه

- (حسن) كان أكتر من أخ ..

ابتسمت ابتسامة دافئة ثم قالت

- أنا هسيبك مع (عمر) شوية لو عيط أو تعبت منه قولي وأنا آجي .. رايحة أشوف صاحبتي

أومأ برأسه، بينما اتجهت (تقى) نحو (فاطمة) التي همست بدهشة

- مين ده يا بنتي؟! لحقتي ولا إيه؟!

- ده (حمدي) .. اللي حكتلك عليه

رمقته (فاطمة) بنظرة فاحصة ثم تمتمت

- بس أمور .. ووشه حلو وشيك وظابط! لو إنتي مش عاوزاه، أنا مستعدة آخده والله!

ضحكت (تقى) ، وهزّت رأسها ضاربةً كتف صديقتها بخفة فما هذا الذى تتفوه به تلك الحمقاء ..

بعد انتهاء عقد القران ..

عندما أنهى الشيخ كلمات عقد القران الأخيرة، وارتفعت أصوات المهنئين من حولهم، نظر (حازم) في عيني (رؤى) مطولًا، وكأنه يحاول أن يحتفظ بتلك اللحظة في ذاكرته، شعرت بنظراته فتفادت عينيه سريعًا، تتنقلت بنظرها بين الوجوه من حولها، تُخفي خجلًا لا تستطيع السيطرة عليه ابتسم (حازم)، ثم مال نحوها هامسًا

- تصدقى؟ لحد دلوقتى مسمعتش منك كلمة بحبك!

فتحت عينيها بصدمة، ونظرت إليه سريعًا

- ما أنا اتجوزتك! أعمل إيه تانى؟

هزّ رأسه بأسى، وصوته امتلأ بعِتاب

- يعنى أنا مستاهلش أسمعها؟ بعد كل اللى عدينا بيه؟ .. دى كلمة بريئة، وهتقوليها .. وأنا جوزك يا ستى

سكتت لبرهة، ثم نظرت إلى يده بخفة وابتسمت وقالت لتغير مجرى الحديث

- ما جبتليش ورد ليه؟ مش المفروض إن انا عروسة وليا ورد؟

رمقها بنظرة طويلة، ورفع حاجبيه

- آه ورد؟ بتحبيه أوى حضرتك!

اتسعت ابتسامتها ومالت برأسها قليلًا بأسى وعلمت جيداً أنه يرمى بحديثه على (زين) مالك متجر الورود الذى كانت تتردد عليه

- جتلك عقدة من الورد ولا إيه؟

نظر إليها بثبات

- أنتى بتتهربى على فكرة من كلمة بحبك!

نظرت من حولها بتوتر، ثم تمتمت بصوت خافت

- إنت عارف كويس إن لولاك، كان ممكن يجرالى حاجة .. أنا و(نوح) .. إنت وقفت جنبى وساعدتنى وجبتلى حقى مع إنك مكنتش لازم ..

قاطعها بنبرة محتدة قليلاً

- (رؤى)! إنتى بتحاسبينى على حبى ليكى؟ وعلى وقوفى جنبك؟ ولا اتجوزتينى رد جميل؟ إيه الكلام ده؟

تلعثمت، وبدت مرتبكة

- أصل .. أنت حبتنى من أول نظرة يعنى .. إنت وقفت جنبى من قبل ما تحبنى و ..

رفع حاجبيه بدهشة

- آه! فكان طبيعى بقى تتجوزينى مش كده؟

ازدادت اضطرابًا، ثم نظرت له مباشرة

- لا .. أنا بحبك يا (حازم) بس معرفش حصل إزاى .. ولا ليه بس بحبك وأكيد مش هرد جميلك بالجواز منك .. ازاى تفكر كده؟

ابتسم فجأة، بعينين تلمعان وكأن اذناه توقفت فقط على اعترافها العبثى بحبه

- قلتى إيه؟ قوليها تانى بقى!

شعرت أنها انزلقت في فخه، عقدت حاجبيها بضيق، ثم وهي تجلس بجانبه، ضغطت بكعب حذائها على قدمه بقوة

- إنت قليل الأدب .. خلتنى أقول كلام مش عاوزة أقوله!

تألم فى قدمه قليلًا، ثم ضحك بخفة

- بس برده على قلبى زى العسل .. وسمعتها منك!

زفرت بضيق، وأشاحت بوجهها عنه، بينما استمرت ابتسامته تزين ملامحه ..

أما عن (تقى) التى كانت عيناها تبحث عن الطفل (عُمر) مع (حمدى) وما إن رأتهم حتى اقتربت، وقالت

- أكيد (عُمر) تعبك مش كده؟

نظر إليها (حمدي) بهدوء، وهز رأسه

- بالعكس، كان هادى جدًا .. وساكت .. وأنا كنت مبسوط أوى معاه

ابتسمت، وأخذت الطفل بين ذراعيها، لكن ما إن ابتعد عنه حتى بدأ بالبكاء نظرت إليه مستنكرة

- يا سلام يا (عُمر)! بتعيط عشان تبقى مع (حمدى) كمان؟ للدرجة دى مش طايقنى؟

ضحك (حمدي) ثم قال

- شبه (حسن) أوى!

نظرت له بدهشة

- تقصد إيه؟ إن (حسن) مكنش بيحبنى هو كمان؟!

ضحك مجددًا

- أنا مقلتش كده يا بنتى .. إنتى على طول متسرعة كده؟!

رفعت حاجبيها بضيق

- أنا مش متسرعة على فكرة! بس مستغربة إنه كان هادى معاك وأول ما مسكته أنا يعيط!

ربت على رأس الطفل بلطف وهي تهدهده، ثم قال (حمدي) بابتسامة

- عموماً، أنا هستأذن والدتى تعبانة شوية ولازم أكون جنبها

قالت بنبرة دافئة

- ألف سلامة عليها

- تسلمي .. عن إذنك

- اتفضل

وقفت (رغد) بعيدًا، تحدق في (حازم) بعينيها فقد أدركت أن مشاعرها نحوه لم تكن سوى وهم، محاولة يائسة لملء الفراغ الذى تركه (حسن) لم تكن تريد (حازم)، بل كانت تريد فقط أن تشعر بظل (حسن) فى وجوده ..

لكن الحقيقة المؤلمة كانت أن لا أحد سيملأ مكانه ..

سقطت دمعة حارقة على وجنتيها، مسحتها سريعًا قبل أن يراها أحد، وأغمضت عينيها، تسترجع ملامح زوجها السابق وهو يبتسم لها ..

تمنت لو عاد بها الزمن .. ما كانت لتتشاجر معه يومًا فلا أحد يعلم أن لحظة بجوار من يحب هى أثمن من كنوز العالم حقًّا ..

فقد كانت تحتاجه .. تحتاج وجوده بشدة ..

ولكن، ما الذي يمكنها فعله الآن؟

❈-❈-❈

في صباح اليوم التالي ..

استيقظت (رغد) من نومها على غير عادتها فى الصباح الباكر، لم تُفكر أن تقوم بزيارته من قبل، أو لعلها كانت تُجاهد كيلا تزوره… حتى لا تتجدد ندوب قلبها ..

ارتدت ملابسها في صمت، واختارت حجاباً بسيطاً بلونٍ هادئ، خرجت بعد أن تركت طفلها لوالدتها ..

وصلت هناك، وسارت ببطء بين الشواهد، حتى توقفت أمام شاهدٍ ، يحمل اسم لن يُمحى من قلبها يوماً ..

(حسن الريس) ..

جلست على الأرض بهدوء، لم تكن دموعها حارقة كما في الليالي الماضية، بل كانت رقراقة، رقيقة، كأنها تغسل ما تبقى بداخلها من ألم ..

وفجأة .. نسيم عليل مرّ بها، يحمل عبقاً طاهراً، رائحة مسكٍ نقية، كأنها تخرج من قلب التراب نفسه ..من قلب قبره ..

رفعت عينيها نحو السماء، وابتسمت من قلبها، لأول مرة منذ رحيله، تشعر بسعادة وفخر أن تلك الرائحة الطيبة تنبعث من قبر زوجها فأن لم تكن منه فمن من تكون فهو كان أوفى زوج وأبر ابن واحن شقيق لاشقائه، فهذه حسن خاتمته وجزاء صنيعه فى الدنيا ..

امتدت يدها تمسح دمعة انزلقت بلا استئذان على خدها، ثم فتحت المصحف، وبدأت تقرأ من القرآن آيات على روحه ..

وحين انتهت، أغلقت المصحف ببطء، وأخذت نفساً عميقاً، كأنها تسحب من الهواء طمأنينة كانت تفتقدها منذ زمن

نظرت إلى شاهد القبر وكأنها تراه أمامها، همست

- أنا عارفة إن دى أول مرة آجى هنا .. بس متفتكرش إن الموضوع كان سهل أنا مكنتش مصدقة ولا حتى كنت عاوزة أصدق ..

صمتت لحظة، ثم أكملت وهي تُربت على موضع قلبها

- كنت بدور عليك فى كل حتة… وأنا مش عارفة إنك هنا، وإن ده مكانك، وأنى كنت بدور فى المكان الغلط وإنى لو عايزة أحس بيك يبقى هنا .. مش فى بيتنا، ولا فى حاجتنا، ولا حتى فى صورك .. أنت هنا

نزلت دموع جديدة من عينيها، لكنها مسحتها برفق وقالت بنبرة دافئة

- متتخيلش أنا مبسوطة قد إيه ..حاسة إنك شايفنى وسامعنى .. مش عارفة إذا كنت بتوصلك أخبارى ولا لأ بس أكيد حاسس بيا وأنا قاعدة هنا زى مانا حاسة بيك حواليا

أغمضت عينيها ببطء، وشعرت براحةٍ عظيمة، راحة لم تذقها يوماً، لا حين كانت في بيته، ولا حين احتضنت ملابسه، ولا حين بحثت عن بديلٍ لوجوده ..

كل العذاب الذي عانته، كل ليالي البكاء، والصراخ الصامت .. ذاب الآن، تلاشى بين لحظة وآخرى ..

هنا فقط، شعرت (رغد) أنها لم تعد تائهة

هنا، وجدت نفسها ..

هنا .. وجدت (حسن) ..

يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة علا السعدني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة