رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 21 - السبت 5/7/2025
قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية غصات الحب والقدر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة علا السعدني
الفصل الواحد والعشرون
تم النشر السبت
5/7/2025
ساد الصمت بينهما للحظات ..
نظرت إليه منتظرة جوابه بينما (ممتاز) شعر بأن قلبه يخوض صراعاً، فهى وضعته أمام اختيار صعب أختيار لم يكن يتوقعه لكن بالنهاية هى محقة عليه أن يحفظ ماء وجهه أمام شقيقها، فرغم كل شئ زوجة ابيه ستأخذ حق ابنها سواء اعترف ام لم يعترف فالقانون اصبح فى صفها الآن، إذًا ليس عليه المجازفة أكثر من ذلك عليه أن يكسب نقطة أمام (حازم) لذا ابتلع ريقه ونظر فى عينيها وقال
- تمام وأنا موافق يا (تقى) ..
تهللت اساريرها وظهرت ابتسامة عاذبة على شفتيها وسألته وهى لا تصدق
- بجد .. بجد يا (ممتاز) هتعمل ده عشان خاطرى ؟!
هز رأسه إيجابًا ثم قال بهدوء
- ايوة انا ممكن اعمل اى حاجة عشان ابقى معاكى .. انتى ممكن تكلمى اخوكى فى أى وقت وتقوليله انى مستعد اعترف بأبن (رؤى) واديله نصيبه بس برده هو لازم يوافق انى اتجوزك
شعرت هى بسعادة كبيرة ثم قالت له بفرحة كبيرة
- متقلقش هكلمه وهخليه يقابلك قريب
شرد (ممتاز) بعيدًا ولكن هز رأسه متفهما، فهو سينتظر ذلك اللقاء بفارغ الصبر، حاول ان يتخيل رد فعل (حازم) ولكنه لن ينهك عقله بالتفكير فى ذلك سينتظر ويرى ماذا سيحدث؟! ..
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أيام ..
داخل العيادة كانت قد أنهت عملها تقريبًا، وقفت تجمع أغراضها استعدادًا للمغادرة لكن عندما مرت أمام مكتب (حازم) وجدته لا يزال جالسًا هناك، لم تره كثيرًا منذ حديثهما الأخير على السطح، كان يتجنبها بوضوح، فوجودها أصبح يذكره بشيء لا يريد التفكير فيه ..
ترددت وكان قلبها ينبض بقلق .. هل عليها أن تدخل؟ هل تتحدث؟ أم تتركه في عزلته كما أراد منذ الحديث الأخير بينهم؟
لكن قدماها تحركتا قبل أن تفكر وجدت نفسها تطرق الباب، ثم تدلف للداخل ..
رفع (حازم) رأسه فورًا، نظر إليها نظرة ثابتة وباردة لتشعر هى بالتوتر، نظر لها بهدوء جاف وهو يريد منها أن تنهي ما ستقوله سريعًا
- في حاجة يا (رؤى)؟
ابتلعت ريقها وشعرت بجفاف في حلقها حاولت استجماع شجاعتها لكن الكلمات خانتها وأخيراً بتردد رغم عيناها التائهتان قليلاً
- لا .. مفيش خالص أنا بس .. أصل ..
قطعت كلامها هل كان من الخطأ أن تأتي؟ لماذا تشعر انها تريد أن تبقى هذا الحديث مستمرًا؟ ولكن لا تعرف كيف تتحدث ..
مال برأسه قليلاً وكانت نبرته هادئة لكن عيناه تراقبان كل تفصيلة في تعبيراتها
- أصل إيه يا (رؤى)؟
رفرفت برموشها بتوتر ثم حسمت أمرها وقالت بسرعة كأنها تريد التخلص من الأمر قبل أن تتراجع
- التقديمات خلاص على الأبواب وانت كنت قولتلى إنك هتيجي معايا تقدم ورقى لكلية الحقوق .. ولا انت نسيت؟
تغيرت ملامحه للحظة، ثم عقد حاجبيه قليلًا قبل أن يجيب
بهدوء ناظرًا إليها باهتمام
- لا منستش .. تمام أول الأسبوع الجاي كوني مجهزة ورقك ونروح نقدمه سوا
ابتسمت تلقائيًا رغم أن التوتر ما زال يسيطر عليها شعر بأنها لم تنه ما تريد قوله بعد، عينيها تخبره بأنها مازالت تريد الحديث، لذلك استند للخلف وسألها وهو يراقب ملامحها
- في حاجة تانية يا (رؤى)؟
ترددت لوهلة ثم اقتربت من المكتب وجلست على المقعد المقابل له وضعت يديها مستندة على المكتب تفرك أصابعها بتوتر قبل أن ترفع عينيها وتقول بصوت منخفض لكنه واضح
- انت عملت إيه في موضوع (رغد)؟
ارتفع حاجباه قليلًا، لم يتوقع السؤال لكنه لم ينزعج من سؤالها، هز كتفيه بلا مبالاة كأن الأمر لا يعنيه وقال ببساطة
- معملتش حاجة .. وأكيد مش هظلمها بالجوازة دي لا هي ولا غيرها
نظرت إليه للحظة ثم قالت بتلقائية دون أن تفكر كثيرًا في وقع كلماتها
- بس الموضوع بتاعك مش مشكلة خالص على فكرة .. وبعدين هي عندها ابن جربت إحساس الأمومة يعني ممكن متفكرش إنها تخلف تاني أصلاً .. يعني أنت حاطط في دماغك حاجة ملهاش لازمة
نظر إليها بتركيز صمت للحظة، قبل أن يجيب حاول ان يفكر فيما تقصده بحديثها ذلك
- يعني انتي شايفة إن عشان هي بقت أم خلاص أقدر أتجوزها واحرمها من إنها تبقى أم للمرة التانية؟ تقضي حياتها معايا كده وخلاص .. بدون تكوين أسرة بدون حب بدون أي حاجة؟
صمت قليلًا قبل أن يضيف ناظراً إليها بحدة
- ولا تقصدي إن لما أقرر أتجوز لازم أختار واحدة تكون أم عشان توافق على وضعي؟
اتسعت عيناها قليلًا لم تتوقع أن يأخذ حديثها بهذا الاتجاه، رمشت بسرعة وشعرت بأنها تلعثمت للحظة ثم قالت بارتباك واضح
- لا.. لا أنا مقصدش كده خالص .. أنا آسفة أنا .. أنا مش عارفة إيه اللي بقوله ده أصلاً
ثم عضت شفتيها وكأنها أدركت أنها تجاوزت حدودها نهضت بسرعة من مكانها وقالت بصوت مضطرب
- أنا مليش حق إني أتدخل في حياتك .. أنا آسفة إني سألت في حاجة متخصنيش
استدارت لتخرج لكنه ظل ينظر إليها .. شعر برغبة غريبة في أن يوقفها أن يجعلها تبقى وتكمل حديثها لكن كيف؟ لماذا؟ هو نفسه لا يفهم ما يريده منها، صحيح يحبها ولكن لا يريد ان يكن بينهم اى علاقة من اجلها لا من اجله ..
راقبها وهي تغادر، لكنه لم يستطع ايقافها تركها تذهب وحسب ..
حاول أن يركز على ما كان يفعله لكنه لم يستطع ذهنه ظل معلقًا بها .. وبكلماتها ..
هو يعلم جيدًا أن (رؤى) لم تعش الحب من قبل، لم تعش مشاعر زوج حنون، لم تعش حتى إحساس الأمومة بإن تنتظر طفل من زوج يحبها وتحبه إن كان هناك شخص واحد في هذه الدنيا لا يستحق أن يحرمه من تلك الأشياء فهو (رؤى) ..
وتلك الحقيقة وحدها .. كانت كافية لتمزقه من الداخل كيف له أن يحرمها من أن تعيش تجربة حب متكاملة من شخص تحبه ويحبها، يعلم جيدًا ان (سيف) هو الشخص المناسب لها، هو الوحيد القادر ان يعوضها عن سنين زواجها العجاف ولكن حتى الأعتراف بذلك بينه وبين نفسه، يشعل نيران قلبه من الغيرة فهو حتى لا يتخيلها مع رجل غيره لكنه أيضاً ليس كفئ لها ..
❈-❈-❈
كانت تقف أمام باب منزل (رؤى) مترددة، رفعت يدها لتطرق الباب ثم تراجعت، قلبها دق بقوة، فهى تستعد لمواجهة مصيرية أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تحسم أمرها وتطرق الباب بخفة ..
لم تكن تتوقع زيارة من أحد فى هذا الوقت تحديدًا، لكن رغم ذلك نهضت وفتحت الباب لتجد (تقى) أمامها بملامح مضطربة، عقدت حاجبيها باندهاش ولكنها رحبت بها قائلة
- اتفضلى يا (تقى)
ازدردت (تقى) ريقها وهي تطرقع أصابعها بتوتر ثم قالت بصوت منخفض
- ممكن أتكلم معاكى شوية؟
زاد اندهاشها لكنها ابتعدت قليلًا لتفسح لها المجال بالدخول وأشارت لها بالجلوس فى اقرب مقعد، جلست (تقى) على حافة المقعد، تريد الهرب لكنها تعلم أنها عليها أن تتحدث، بينما جلست (رؤى) أمامها تنتظر منها أن تبدء حديثها
- خير؟ أنا سامعاكى
ترددت (تقى)، عضّت شفتها السفلية ثم شبكت أصابعها ببعضها محاولة جمع شجاعتها قبل أن ترفع رأسها وتنظر إلى (رؤى) بعينين تملؤهما الرجاء
- الموضوع مهم جدًا بالنسبالى .. وأنتى الوحيدة اللى تقدرى تساعدينى فيه
زادت ملامح الحيرة على وجه (رؤى)، لكنها حافظت على هدوئها وقالت بصوت هادئ
- موضوع إيه؟
أخذت (تقى) نفسًا مرتجفًا قبل أن تهمس
- (ممتاز)
تغيرت تعابير وجه (رؤى) على الفور، عقدت حاجبيها بقوة ونظرة نفور واضحة ارتسمت فى عينيها ثم قالت باندهاش
- (ممتاز)؟ تقصدى ايه مش فاهمة
ترددت (تقى) للحظة قبل أن تخبرها بكل شئ وعن العلاقة التى جمعتها بابن زوجها دون ان تعرف انه نفس الشخص، حتى اعترف لها بالخصومة التى بينه وبين شقيقها وبينها،
حدقت فيها (رؤى) بصدمة واضحة قبل أن تقول بحدة
- أنتِ بتهزرى صح؟ إزاى؟ إزاى تحبى واحد زيه؟ ده كان هيموتنى قبل كده! حاول يسقطنى ورافض يعترف باخوه .. بعد كل اللى عرفتيه ده لسه بتقولى إنك بتحبيه؟ إزاى حتى تثقى فيه بعد ما عرفتى حقيقته؟
لم تستطع مواجهة نظراتها، خفضت رأسها وشبكت أصابعها في بعضهم البعض قبل أن تهمس بصوت بالكاد يُسمع
- أنا كنت في صراع مع نفسى حاولت أبعد عنه .. حاولت أكرهه بس مقدرتش أنا فعلًا بحبه ومش قادرة أتخيل حياتى من غيره
نظرت لها (رؤى) بعدم تصديق، لكنها التزمت الصمت تنتظر منها تبريرًا أكثر فتابعت (تقى) بصوت مرتجف
- أنا حطيته قدام اختبار .. قولتله لو بيحبنى بجد لازم يثبت ده لازم يرجّع حق ابنك وصدقينى وافق! (ممتاز) مستعد يتغير عشانى مستعد يعمل أي حاجة عشانى!
تنهدت (رؤى) ببطء محاولة استيعاب كلماتها عقلها يرفض تصديق أن ذلك الشخص يمكن أن يتغير لكن فى نفس الوقت هناك جزء صغير منها أراد أن يصدق أن الناس يمكن أن تتغير من أجل من يحبون ..
بعد لحظات صمت قالت (رؤى) بحذر
- وأنا المفروض أعمل إيه؟
رفعت (تقى) نظرها إليها برجاء، وابتلعت ريقها قبل أن تقول بتوسل
- عاوزاكى تكلمى (حازم) وتحكيله كل حاجة .. أنا خايفة أكلمه بنفسى وأنتى عارفة هو بيعزك اد ايه وهيسمع منك قولي له يديه فرصة يشوف بنفسه هو اتغير ولا لأ
زفرت (رؤى) ببطء وتذكرت أن علاقتها الفترة الأخيرة متوترة مع (حازم)، ولا تعلم كيف تقنعه بشئ هى من الأساس ليست مقتنعة به، صمتت لبرهة ثم قالت وهي تنظر مباشرة فى عينيها
- لو (ممتاز) فعلًا ناوى يتغير ولو فعلا مستعد يدى حق ابنى من غير مشاكل .. هكلمه وهقف جنبك
تهللت أسارير (تقى) وظهر الامتنان واضحًا فى عينيها، أمسكت يد (رؤى) بامتنان ثم قالت بصوت مملوء بالفرحة
— شكرًا يا (رؤى) .. شكرًا بجد
لكن (رؤى) لم تبتسم لا تزال الشكوك تملؤها، فهي تعرف أن الكلمات سهلة .. لكن هل يستطيع (ممتاز) حقًا أن يتغير؟ ذلك الشخص المتعجرف الذى تعرفه جيداً وتعرف انها تراه كشيطان من الممكن ان يحب بحق، الم يجد غير (تقى) المسكينة ليحبها شعرت بالخوف من ماهو قادم، ولكنها ستفعل ستفعل أى شئ من اجل (حازم) وشقيقته، فلا يوجد شخص ساندها فى الفترة الأخير اكثر من (حازم)، فهى مدينة له ولعائلته بالكثير ولن تكون شوكة تغرز فى علاقة عائلته بأحدهم ..
❈-❈-❈
في منزل والدة (حازم) حيث اجتمع الجميع حول مائدة الغداء فقد انتقلت (رغد) أخيرًا إلى شقتها التى كانت تعيش بها مع زوجها الراحل، فقررت أن تمضي بعض الأيام بين منزل أهلها ومنزل والدة زوجها الراحل، فى محاولة منها على أن تحافظ على توازن حياتها الجديدة، وقامت (تقى) بدعوة (رؤى) مع شقيقتها الصغيرة (جود) لتناول الغداء معهم، وطلبت منها ان تفاتح شقيقها فى امرها هى و(ممتاز) وقد كانت (رؤى) مترددة للغاية، فلا تتوقع رد فعل شقيقها ولكن عليها ان تنهى ذلك الأمر مهما كانت العواقب ..
بعد انتهاء الغداء نهض (حازم) متجهًا إلى سطح المنزل حيث كلبه، وطلب من شقيقته (تقى) أن تحضر له كوبًا من القهوة السادة التى كانت متوترة للغاية، فهى تعلم ان (رؤى) ستصعد معه إلى الطابق العلوى وستحدثه فى امرها فلن تستطيع تقديم كوب القهوة فى منتصف الحديث لأنها ليست مستعدة بعد لهذه المواجهة، قامت بأعداد له كوب القهوة فى المطبخ ثم قامت بصبه، وحين أمسكت بفنجان القهوة بين يديها شعرت برجفة خفيفة، فنظرت إلى (رغد) وطلبت منها أن تأخذها إلى (حازم) متذرعة بالإرهاق ..
أخذت (رغد) القهوة وصعدت بها إلى السطح حيث كان (حازم) واقفًا يتأمل السماء حين لمحها بدا عليه الارتباك سألها بصوت متحفظ
- (تقى) مطلعتش القهوة ليه؟ تعبتكِ معاها!!
ابتسمت (رغد) بهدوء متجاهلة قلقه الظاهر وقالت بلطف
- مفيش تعب ولا حاجة (تقى) بس مرهقة شوية من تحضير الأكل وأنا معملتش حاجة فى انى اطلعها ليك فقلت أساعدها
تأملها (حازم) للحظة ثم ابتسم، وأخذ منها الفنجان قائلاً
- شكرًا تسلمي
كانت (رغد) تراقبه وهو يأخذ أول رشفة من القهوة ثم علّقت بابتسامة خفيفة
- (حسن) كمان كان بيحب القهوة سادة .. كنت دايمًا بتخانق معاه عشان يحط حتى شوية سكر لكن عمره ما وافق
ارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة، لتذكره لشقيقه الراحل ثم اجابها
- اللي اتعود يشربها من غير سكر عمره ما يعرف يشربها بسكر
أومأت (رغد) برأسها وهي تتأمله للحظة ثم استأذنت للمغادرة، فى حين كانت ترمقهم (رؤى) التى تتابع حديثهما وهى تقف بجوار (حازم)، شعرت بقبضة في قلبها وهي ترى كيف بدأت (رغد) تنظر ل(حازم) وكيف بدا أن حديثهما طبيعي، بما يكفي ليجعلها لا تشعر بالراحة بقيت عيناها معلقة على (رغد) حتى غادرت قبل أن تنتبه لصوت (حازم) وهو يخاطبها بحدة خفيفة
- من ساعة ما طلعتي وإنتِ بتتكلمي في كلام مش مفهوم .. إيه الموضوع المهم اللي عاوزاني فيه؟
ابتلعت ريقها وخفق قلبها بتوتر وهي تحاول أن تجد الكلمات المناسبة وأخيرًا قالت بصوت متردد
- أنا شايفة إن (رغد) بتتكلم معاك كويس ومتقبلة وجودك في حياتها .. حتى إنها بدأت تقارنك ب (حسن) وكمان واحنا تحت وانت شايل ابنها كانت مبسوطة باهتمامك بيه
عقد حاجبيه متعجبًا، لم يفهم المغزى من حديثها وسألها بنبرة جافة
- ده الموضوع اللي عاوزاني فيه؟!
تلعثمت (رؤى) وهي تهز رأسها سريعًا
- لا .. طبعًا في موضوع تاني
تنهد بضيق وهو يرفع كوب القهوة إلى شفتيه ثم قال بهدوء
- ياريت تتكلمي مباشرة .. عاوزة إيه؟
ترددت للحظات ثم قررت أخيرًا أن تواجهه بالحقيقة، أخبرته بكل شيء .. عن علاقة (تقى) ب(ممتاز) عن الحب الذي يجمعهما عن أنه مستعد للتغيير من أجلها للأفضل وعن استعداده ان يعطى لها حقوق طفلها في ميراث أبيه مقابل أن يحظى بفرصة معها ..
في اللحظة التي انتهت فيها من حديثها كان وجه (حازم) قد تجمد بالكامل، لمعت عيناه بصدمة، وكأنه لم يستمع لحديثها، وحين استوعبها مرر يده في شعره بعصبية قبل أن يقول بنبرة منخفضة لكنها محملة بالغضب
- إنتِ بتهزري .. صح؟! (تقى) أختي على علاقة براجل من غير ما أعرف؟ والراجل ده كمان يبقى (ممتاز)؟!
حاولت (رؤى) تهدئته لكنها أدركت أنه على وشك الانفجار، وقف فجأة وعلى وجهه تعبير غاضب لم تره من قبل
ـ لا يمكن أصدق ده .. مش ممكن! (تقى) مش ممكن تعمل كده وبالذات مع الشخص ده!
- اسمعني بس .. (ممتاز) مستعد يعمل أي حاجة عشانها حتى إنه مستعد يعترف بابنى ..
ــ ابن إيه بس؟! ده مستحيل .. (ممتاز) ده واحد مستحيل أثق فيه ولا يمكن أقبله في حياة أختي!
أراد أن يذهب فورًا لمواجهة (تقى) كى تكذب كل ما سمعه من (رؤى)، فليس من العقل ان تكون تلك الحقيقة ابدا لكن (رؤى) أمسكت بيده دون أن تشعر فجأة وقالت برجاء
- أرجوك اتكلم معاها بهدوء .. ما تظلمهاش اسمع منها الأول لولا وجودى فى حياتكوا كان زمانكوا متقبلين وجود (ممتاز) هو شاب كويس سنه مناسب ليها ابن ناس غنى وسيم فى كل المواصفات اللى تحلم بيها اى بنت
نظر إلى يدها التي تمسكه بها، شعر بارتباك غريب للحظة ثم أبعد يده سريعًا، قبل أن يأخذ نفسًا عميقًا ويقول بهدوء وهو متوتر
- بس انا مش قادر اصدق بجد
- انا مدينة ليك يا (حازم) بدين كبير اوووى فى حياتى كلها .. وفعلا حاسة لولا معرفتكوا بالقصة من جانبى انا .. كان (ممتاز) هيبقى شاب كويس لاختك ارجوك فكر بهدوء ودور على مصلحة اختك هى اهم من اى حد تانى
هز رأسه موافقا على حديثها رغم ان عقله لا يستعب ما يجرى حوله الآن، ثم تركها وهبط بالأسفل وقرر مواجهة شقيقته كى يعلم منها الحقيقة كاملة، طرق باب الغرفة حتى استمع إلى صوت اذنها له بالدخول، كان قلبها يخفق بعنف كانت تعلم أنه عرف الحقيقة الآن وتخشى ردة فعله ..
وقف أمامها عيناه متقدتان بالغضب والصدمة لثوانٍ لم يقل شيئًا، فقط كان يحدق بها وكأنه يحاول أن يستوعب ما سمعه وأخيرًا خرج صوته متحشرجًا بالدهشة والخذلان
ــ اللي قالته (رؤى) ده .. صح؟!
حاولت أن تتكلم لكن صوتها لم يخرج فابتلعت دموعها وهزت رأسها بالإيجاب ليردف وهو لا يعى ما يحدث الآن
- إزاي؟! إزاي تعملي كده؟! كنتِ عارفة إنه كان سبب في اللي حصل ل (رؤى) ومع ذلك حبتيه..؟!
تقطعت أنفاسها وهي تجيبه
- والله ما كنت أعرف إنه ابن جوزها هو اللي كان عارف وبعدها بفترة صارحني .. بس .. بس هو مستعد يتغير عشانى أرجوك اديله فرصة
ضحك بسخرية مريرة ثم قال وهو يقترب منها
- مستعد يتغير؟! وإنتِ مصدقة الكلام ده؟! ازاي؟!
أجهشت بالبكاء وهي تقول
- لأنه بيحبني .. ومستعد يضحي بأي حاجة عشاني!
بقي يحدق بها للحظات قبل أن يتنهد بعمق، فلم يتحمل بكائها فهى ليست شقيقته فقط بل هو من قام بتربيتها، فجأة وجد نفسه يمد يده ويسحبها إلى حضنه كان لا يزال غاضبًا، لكنه شعر بضعفها وبشعورها بالذنب والخوف تركها تبكي على صدره ثم قال بصوت هادئ لكنه مثقل بالغضب والألم
- هونت عليكِ تخبي عني كل ده؟ وإنتِ عايشة معايا في نفس البيت؟
هزت رأسها نافية وهي تبكي أكثر لكنه لم يستطع إلا أن يشعر بمدى خوفها وبعد لحظة طويلة من الصمت، أبعدها عنه قليلًا مسح دموعها بيده لتخبره هى
- علاقتى بيه كانت مكالمات تليفونات مكنتش بقابله خالص عشان مكنتش حابة اعمل حاجة من وراك بس اخر مرة لما صارحنى بالحقيقة طلب يشوفنى وعرفت كل حاجة وخيرته ليتغير ويدى (رؤى) وابنها حقهم ليبعد عنى وهو اختارنى قالى موافق يعمل اى حاجة عشانى وهيتغير عشانى ارجوك اديله فرصة
وبدئت تقص عليه كيف بدئت علاقتهم بعد وفاة شقيقهم، لذلك لم تكن هناك فرصة ان تخبره بتلك العلاقة لأن الوقت ليس مناسباً نظر فى عينيها مطولا وهو لا يعلم ما يجب عليه فعله، فهو لا يصدق ان شخصية فاسدة مثل (ممتاز) من الممكن ان تتغير بالأصل، ولكن لا يريد ان يرى شقيقته تتأزم نفسياً بسبب تلك العلاقة فهو اكثر من يعرف عن العلاقات المستحيلة ولا يريد لها ان تنال مثل نصيبه فى الحب فقال بصوت خافت لكنه حاسم
- سبيني أفكر .. الموضوع مش سهل زي ما إنتِ متخيلة
أومأت (تقى) برأسها بخضوع وهي تعلم أن هذه المعركة لم تنتهِ بعد ..
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي ..
وقف (حمدي) في قاعة المحكمة، عيناه لا تفارقان قفص الاتهام الذي وُضع فيه المتهم الأول في قضية الأدوية الفاسدة قلبه كان يضرب بعنف داخل صدره ..
بجواره جلس محامي الضحايا يحمل بين يديه ملفًا ضخمًا به الأدلة والمستندات التي تكشف الوجه القبيح لشركةٍ لم تعرف أى شئ عن الرحمة، بداخل القاعة امتلأت المحكمة بأهالي الضحايا الذين يشعرون بمزيج من الألم والغضب والحزن يكسو ملامح وجهم البعض كان يبكي، والبعض الآخر يهمس بأدعية لعل العدالة تنصفهم اليوم ..
وحين أمر القاضي ببدء الجلسة وقف المحامي أمامه وبدأ بعرض القضية وحينها اخبر القاضى بأن هناك أرواحٌ أُزهقت وعائلاتٌ تكسرت بسبب جشع شركة لم تهتم إلا بالأرباح وغضّت الطرف عن صحة الناس وسلامتهم الشركة المُتهمة طرحت في الأسواق أدويةً تحوي مكونات فاسدة غير مطابقة للمواصفات الطبية مما أدى لوفاة العشرات .. والعدد في ازدياد ..
ثم وضع أمام القاضي مجموعة من التقارير الطبية الرسمية من مستشفيات مختلفة تؤكد أن الضحايا تعرضوا لمضاعفات خطيرة بعد استخدام أدوية تلك الشركة أعقبتها شهادات أطباء أكدوا فيها تكرار حالات الوفاة المرتبطة بنفس الأدوية وتقرير لجنة رقابية بيّن أن إنتاج الشركة لا يطابق المعايير الطبية ..
تزايدت همسات الأهالي وانهارت بعض الأمهات بالبكاء عند سماع التفاصيل القاسية التي كشفت أن أحبّائهم لم يموتوا صدفة بل قُتلوا ببطء .. وبدم بارد ..
ثم تحدث ممثل النيابة مؤكدًا صحة الأدلة وأن التحقيقات أثبتت وجود شبهة جنائية واضحة ..
نظر القاضي طويلًا إلى الأوراق بين يديه ثم ألقى نظرة على المتهم داخل القفص حيث وقف المتهم، يحاول التظاهر بالتماسك لكن وجهه شحب وأطرافه بردت ..
بعد لحظات كثيرة من الصمتٌ فى القاعة .. قبل أن يقول القاضي بحسم
- أمرت المحكمة بتجديد حبس المتهم (سامر أشرف الصاوي) خمسة عشر يومًا على ذمة التحقيقات واستدعاء ممثل الشركة للمساءلة وتحويل ملف القضية إلى النيابة العامة لاستكمال التحقيق في جرائم الغش التجاري والتسبب في وفاة بعض الأشخاص
تبدلت الوجوه داخل القاعة بين بكاء راحة وشعر أهالى المتوفيين ببعض الانتصار، أما (حمدي) فقد أغمض عينيه للحظة وزفر ببطء .. شعر أن أول خطوة في طريق العدالة قد بدأت ..
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة علا السعدني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية