رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 22 - الإثنين 7/7/2025
قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية غصات الحب والقدر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة علا السعدني
الفصل الثاني والعشرون
تم النشر الإثنين
7/7/2025
فى الأيام الماضية كان قد ساعدها فى تقديم الأوراق الخاصة بها بالجامعة لتبدء سنة دراسية جديدة وحياة جديدة، وتستكمل مالم تعيشه بعد ..
فى نهاية اليوم بعد أن انتهى من فحص المرضى لم يبقَ في العيادة سواه هو و (رؤى) التى جلست على أحد المقاعد في غرفة الاستراحة، تفرك جبينها بأصابع مرتجفة من الإرهاق، رفعت نظرها إلى حيث غرفة (حازم) الذي كان يقف أمام النافذة ذراعيه معقودتان عند صدره، ووجهه جامد الملامح شارد مما جعلها تشعر بأنه ليس على ما يرام لذا نهضت عن مكانها ثم دلفت نحو غرفته، وقالت بصوت هادئ
- واضح إن بالك مشغول فى حاجة؟!
لم يجيب بل زاد في شحوبه وشروده وكأنه لم يسمع فتابعت هى
- كنت فاكرة إن الشغل هو اللى مخليك مرهق بس واضح إن في حاجة تانية ..
ترددت قبل أن تتابع حديثها بتوتر
- (رغد)؟ لسه شاغلاك؟ ولا مامتك لسه بتضغط عليك علشانها؟
استدار ببطء والتقت عينيه بعينيها وهو يهز رأسه نافياً، ثم جلس على الأريكة التى كانت تقف بالقرب منها وأشار لها لتجلس هى الآخرى، ثم تنهد طويلًا كأن صدره يحمل الكثير والكثير، رغم انه لم يفهم سر سؤالها عن (رغد) هل تشعر بالغيرة ام أنها فقط تسأل سؤال عابر كفضول ليس إلا وفى النهاية اجابها
- ولا (رغد) ولا أمي ..
صمت قليلًا ثم أضاف
- أنا فعلا محتاج اتكلم
شعرت (رؤى) بأنفاسها تحبس بين ضلوعها فهى قلقة عليها، وانتبهت له بكل حواسها ثم بدء يقص لها كل شئ بداية من القضية التى كان يعمل عليها شقيقه وكيف أن صديقه شك بأن موت (حسن) لم تكن حادثة عابرة بل حادث مدبر وان من فعل ذلك الحادث هو شقيق (ممتاز) الذى تحبه (تقى) وأن كان حقاً (سامر) هو الذى تسبب فى مقتل (حسن) فلا سبيل ل (ممتاز) مع (تقى) بأى طريقة، اتسعت عيناها ولم تنبس بحرف تابع هو وصوته يحمل توترًا حادًا
- مفيش حاجة مؤكدة لسه بس (حمدي) عنده شك .. شك كبير إن موت (حسن) مش قضاء وقدر وإن ليه علاقة بالشركة دي و(سامر) .. احتمال يكون له يد وانا مش عارف اعمل ايه
تحركت (رؤى) في مكانها اقتربت قليلًا وقالت بدهشة
- لو الكلام ده صح .. مستحيل العلاقة دى تكمل
أومأ برأسه بصمت لتتابع هى
- و(تقى) .. تعرف؟
زفر (حازم) وأغمض عينيه كأنه يهرب من الجواب
- معرفش بس مستحيل تكون معرفتش إن (سامر) اتقبض عليه الدنيا كلها بتتكلم بس هى ما جابتش سيرة ولا حتى سألتني عن حاجة و .. أنا مش قادر أواجهها عارف إنها مش شايفة غير (ممتاز) وعارفة طريقتها .. ممكن تقولي إن (سامر) هو الوحش و(ممتاز) مالوش ذنب
ساد صمت للحظات، ثم قالت (رؤى) بصوت خافت لكنه حاسم
- بصراحة .. أختك لازم تشيله من دماغها مش علشان بس أخوه مجرم أو متهم .. لا علشان دى عيلة من الأساس شغلها مشبوه حتى لو (حسن) مات بقضاء وقدر ده ما يغيرش الحقيقة الناس دى مش أمان و(ممتاز) .. (ممتاز) اصلا مش ملاك وانا وانت عارفين ده كويس العيلة دى كلها مش كويسة أصلًا
خفض رأسه فكلامها يوجعه ويخفف عنه في آنٍ واحد
- أنا .. متلغبط يا (رؤى) وخايف أواجهها خايف ألاقيها بتدافع عنه خايف ألاقيها بتتمسك بيه أكتر
نظرت إليه بعطف، وقالت بهدوء
- أنا عارفة الشعور ده بس السكوت مش هينفع لازم تعرف هى ناوية على إيه ولازم تعرف هى ناوية على ايه
هز رأسه موافقًا وصوته بالكاد يُسمع
- معاكي حق .. السكوت مش حل ولازم أواجهها .. حتى لو وجعها الكلام
❈-❈-❈
فى ظهيرة اليوم التالى ..
جلست (تقى) فى ركن هادئ بأحد المطاعم نظراتها شاردة لا تركز على شيء بعينه، ووجهها بدا مرهقًا على نحوٍ مبالغ فيه، فالنوم هجر عينيها منذ أيام وجه شاحب وعيون منتفخة محمرة، أثر دموعها التى ذرفتها بالأيام الماضية، كانت يدها تمسك بكوب من الماء لم تشرب منه فقط تحركه بين أصابعها ..
فى تلك الأثناء دخل (حمدى) المكان بعد دقائق، وحين لمحها على هذا الحال انعقد حاجباه بدهشة وقلق اقترب بخطى مترددة، وجلس أمامها دون أن ينبس ببنت شفة، يراقب ملامحها المتعبة ثم قال بهدوء
- انتى لو فاكرة إنى هقول ل (حازم) على موضوع حبيبك .. أنا لا عملت كده ولا هعمله أنا مستحيل اكسر الثقة اللى بينكم بسبب حاجة زى دى كل اللى قلته كان تهديد لأنى من ساعتها مقولتش ليه اى حاجة .. بس علشان كنت شايفك بتتصرفى غلط
هزّت رأسها نفيًا وابتلعت ريقها بصعوبة قبل أن تقول بصوت خافت
- الموضوع مش كده .. أنا قلت ل (حازم) كل حاجة .. هو عارف إن فى حد فى حياتى
اتسعت عيناه للحظة ثم ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة وقال
- طب ده كويس .. اومال ايه المشكلة دلوقتى؟!
لكنها لم تجيبه ظلت صامتة تبحث عن مدخل للكلام، كانت الكلمات محبوسة داخلها تطرق باب الحلق لكنها لا تخرج تنهدت وأشاحت بوجهها قليلاً فقال لها مشجعًا
- اتكلمى يا (تقى) .. مالك؟ طلبتى تشوفينى ليه؟
رفعت عينيها نحوه ببطء، راقبت ملامحه وهى تشعر بالخوف من إجابته على سؤالها، ثم نطقت أخيرًا
- بص .. هو (سامر) .. (سامر أشرف الصاوى) .. هو فعلاً اللى قتل أخويا؟ مش هو صاحب شركة الأدوية برضه؟
أخذ (حمدى) نفسًا عميقًا، وأسند ظهره إلى المقعد وهو يومئ برأسه ببطء ثم قال
- أنا بالفعل بشتغل على القضية دى .. من يوم ما حصلت حادثة (حسن) وأنا واخد إذن بتفريغ المكالمات بتاعة الدكتور اللى كان آخر حد قابله .. فى يوم الحادثة كان فيه رقم اتصل بيه .. الرقم ده طلع بتاع المحامى بتاع (سامر) .. رُحت للدكتور وحاولت أتكلم معاه بهدوء وقولتله إن القضية هتتفتح من تانى وإنه لو عنده شهادة يقولها أحسنله من إنه يبقى متورط وشريك
تجمّدت نظرتها عليه وبدأت أنفاسها تتسارع، ارتجفت شفتاها وهى تقول
- يعنى إيه؟ يعنى انت متأكد إن (سامر) هو اللى قتل (حسن)؟
أومأ برأسه ببطء وهو يقول بصوت منخفض
- أيوه .. كل الدلائل بتقول كده
فجأة .. تهدّم كل ما تبقى منها، انحنت برأسها واندفعت دموعها دون مقاومة لم تعد تملك شيئًا من الاتزان، بدأت تبكى بصمت موجع وأكتافها ترتجف بوضوح، حينها نظر (حمدى) حوله بتوتر أحرجته نظرات الجالسين بأن الفتاة التى معه تجلس بتلك الطريقة، تبكى بتلك الطريقة الملفتة لكنه ما لبث أن اقترب وسحب المقعد وجلس بجوارها وهمس
- فى إيه يا (تقى)؟ اهدى شوية .. مالك؟ ايه اللى حصل؟
رفعت رأسها بصعوبة ونظرت إليه بعينين دامعتين وقالت
- الشخص اللى فى حياتى .. اسمه (ممتاز) .. (ممتاز أشرف الصاوى) ..
تجمدت ملامحه حيث توقف الزمن للحظة، ظل ينظر إليها وهو لا يصدق ما سمعه أراد أن يجيب عليها لكن الكلمات خانته تحركت شفتاه بلا صوت، ثم عاد ليبلع ريقه بصعوبة فقالت وهى تبكى
- انت فاهم يعنى إيه؟ أخوه قتل أخويا ..!
أخفض رأسه ببطء، ثم تمتم
- البكا والانهيار مش هيغيروا حاجة .. بس لو هو مختلف عن أخوه .. لو فعلاً طيب.د .. ممكن يكون فى أمل... يعنى .. انكوا ..
قاطعته بانكسار
- مفيش أمل يا (حمدى) .. حتى لو أنا سامحته أمى وأخويا عمرهم ما هيغفروا له .. الموضوع انتهى .. خلص خلاص وبطريقة ماكنتش أحبها أبدًا..
نظر إليها نظرة ممتلئة بالشفقة، ثم أخرج من جيبه منديلاً ورقيًا ومدّه إليها بهدوء وهو يقول
- يلا قومى .. أوصلك .. الكلام ده سابق لأوانه أوى .. وأنا هتكلم مع (حازم) متخافيش .. وربنا يقدّر اللى فيه الخير
❈-❈-❈
مرّت أيام ثقيلة على (حازم) لا يعرف فيها طعم الراحة، ازدادت نظراته شرودًا وانطفأت ملامحه، مع كل لحظة تمر والحياة لم يعد لها طعم، قلقه على شقيقته بلغ مداه ولم يعد قادرًا حتى على ممارسة عمله المعتاد حتى باتت فكرة الذهاب إلى العيادة عبئًا عليه ..
جلس على الأريكة مطأطئ الرأس يداه معقودتان أمامه مستسلم لعزلته حتى دوى طرقٌ خفيف على باب الشقة نهض وما إن فتح الباب حتى فوجئ بوجه (رؤى) أمامه قالت بتردد
- أنا آسفة لو جيت فى وقت مش مناسب ..
هز رأسه نفيًا دون أن يتكلم، ثم فتح الباب أكثر وقال بهدوء
- ادخلى
دلفت للداخل وجلست على أقرب مقعد عيناها تراقب تفاصيل تعبه المتراكمة على وجهه ثم قالت
- لما كلمتنى وقلتلى مفيش عيادة النهاردة .. قلت أكيد انت تعبان أنا عارفة إن الضغط النفسى عليك كبير الفترة دى .. بس .. هو انت كلمت (تقى)؟!
أخذ نفسًا عميقًا، ثم قال وهو ينظر للأرض
- لأ .. لسه .. مش عارف أكلمها خصوصًا إنى شايف بعينى حالتها النفسية عاملة إزاى الموضوع كبير مش قليل .. وأنا شايف إنها عارفة إن مستحيل علاقتها ب (ممتاز) تكمل
ومش عارف أهون عليها مش عارف أعمل إيه برده!!
أنا أكتر واحد عارف يعنى إيه تحب حد .. ومستحيل تكمل معاه وتبقى متأذى نفسياً .. ومش عارف تتخطى
نظرت إليه نظرة طويلة، شعرت أن شيئًا بداخلها يخبرها انه يقصدها، فتاهت داخل عينَيه المتعبتين تحاول أن تفهم ما يقصده ..
هل كان ما شعرت به نحوه وهمًا؟
هل حقاً يشعر بالحب نحوه كما شعرت فى الفترة الماضية؟!
أم أن قلبها فقط هو من رسم حكاية لا أساس لها؟
أم أنه يشعر بالحب نحو زوجه شقيقه ويرى أن العلاقة بينهم باتت بينهم مستحيلة وهذا ما يقصده من حديثه، لكنها قطعت صمتها وقالت بصوت خافت
- الهروب عمره ما كان حل .. أنا قولتلك قبل كده إنك لازم تواجهها
رمقها بنظرة سريعة ثم قال بجدية
- أنا مش بهرب يا (رؤى) .. أنا عارف إنها عارفة ..
(حمدى) كلمنى وقالى إنها طلبت تشوفه واتأكدت إن (سامر) هو السبب فى موت (حسن) أى كلام دلوقتى مش هيبقى فى محله هيزود الجروح .. وأنا مش عارف أعمل معاها إيه...
نظرت إليه بحنق، ولكن خرج صوتها حادًا رغم محاولتها للهدوء
- المفروض تبقى مع أختك تحس بيها .. تبقى جنبها فى موقف زى ده لكن كده؟ كده انت شخص سلبى
رفع عينيه نحوها ببطء تجمّد لوهلة من وقع كلماتها، ثم قال وهو يثبت عينيه فى عينيها
- لا .. أنا مش سلبى (رؤى) أنا أكتر واحد حاسس بيها .. وعارف قد إيه هى فى موقف صعب وأى كلمة هيتقال مش هيهون عليها اللى حصل .. هى كبيرة .. وفاهمة .. ومش محتاجانى أنا دلوقتى قد ما هى محتاجة واحدة تكون قريبة منها تحس بمشاعرها كويس وتنصحها تعمل ايه وعشان كده .. أنا كلمت صاحبتها (فاطمة) وهى جاية فى الطريق دلوقتى تتكلم معاها وتفهم هى بتفكر فى إيه
ضاقت عينيها فجأة، وكأن كل ما قيل تبخر ولم تسمع سوى أنه حدث صديقة شقيقته، شعرت بأن قلبها اشتعل بغيرة لم تكن تعلم أنها ستشعر بها يوماً، لتقول بنبرة متوترة
- وانت كلمت (فاطمة) ليه؟ يعنى هو طبيعى إنك تكلم صاحبة أختك طب متكلمتش معايا أنا ليه او حتى كنت كلمت (جود)؟ (جود) قريبة ل (تقى) برضه
نظر إليها بدهشة صامتة قال باستغراب حقيقى
- منطقى إنى أكلم (فاطمة) .. هى أقرب حد ل (تقى) ..
انتى مش قريبة منها للدرجة دى أصلًا و (جود) لسه صغيرة على الكلام ده أصلاً .. (فاطمة) أنسب واحدة
صمتت لبرهة لكنها لم تستطع إخفاء غيرتها كانت مشاعرها مكشوفة ولم يكن بيدها أن تخفيها، فالتفت نحوها لاحظ شرودها .. تعابير وجهها المتصلبة .. ونظرة لم يفهمها بعد
لكن لم يمهله الوقت كثيرًا، إذ دوى طرقٌ جديد على الباب
قام وفتح الباب فوجد (رغد) أمامه تحمل طفلها بين ذراعيها ابتسم لها بحرارة واحتضن ابن أخيه بشوق صادق وهو يأخذه من بينه ذراعيها ليداعبه فقد اشتاق له كثيراً، فى حين ابتسمت (رغد) وهى ترى حنان (حازم) مع طفلها وهى تعلم جيداً انه يعوضه عن حنان أبيه المفقود فشعرت ببعض الراحة والأطمئنان، بينما كانت (رؤى) تتابع ذلك المشهد بصمت، نظرات (رغد) المبتسمة ل (حازم) وشعرت ببرودة خفية فى قلبها وبلا تفكير .. نهضت وتقدمت نحوهم حيث كان (حازم) و(رغد) يقفان وجهًا لوجه يتحدثان، يضحكان والطفل بينهما ..
اقتربت منهم وابعدت (حازم) قليلًا عن طريقها لتعبر بينهم ثم قالت بنبرة مقتضبة
- عن إذنك .. ورايا حاجات مهمة لازم أعملها
ثم نظرت إلى (رغد) نظرة سريعة وقالت بسماجة
- أهلًا ..
وبعدها رحلت دون حتى أن تستمع إلى ردها، تابعت (رغد) خطواتها باندهاش وارجعت تصرفها ذاك بأنها ربما ما زالت تتذكر المقابلة الأولى بينهم فقد كان حديثها معها سخيفا للغاية، أما (حازم) فقد ظل واقفًا مكانه عينيه مشدودتان تجاه الباب الذى خرجت منه (رؤى) وعقله غارق فى تساؤل لا إجابة له هل ما يفكر فيه حقيقى؟
هل حقا تشعر بالغيرة عليه؟
أم أنه فقط يتوهم؟
قطعت (رغد) حبل أفكاره
- ماما فين؟
فانتبه وقال
- جوا فى أوضتها .. نامت بعد الغدا شوية بس قالتلى لما تيجى اصحيها عشان تشوفك
هزّت رأسها وقالت بابتسامة
- لا ملوش لزوم .. خليها نايمة
- بالعكس .. هتفرح أوى لما تشوفك انتى والولد
هزّت رأسها بتفهم ودلفت نحو داخل الشقة وجلست تنتظر والدة زوجها الراحل ..
❈-❈-❈
بعد برهة من الوقت كانت قد وصلت (فاطمة) إلى منزل صديقتها، حينها رحب بها (حازم) وقام بأدخالها نحو الداخل كى تتحدث مع (تقى) دَفَع (حازم) باب غرفة شقيقته بخطوات بطيئة ثم آشار إلى (فاطمة) التى دلفت بخطوات مترددة وهى تفكر جيداً فى ماذا عليها ان تقول لصديقتها، كانت الغرفة هادئة والستائر نصف مغلقة تسمح بدخول ضوء خافت، كانت (تقى) مستلقية على الفراش عيناها مغمضتان لكن أنفاسها المضطربة كانت تكشف أنها مازالت مستيقظة .. أو على الأقل نصف واعية بالعالم من حولها اقتربت (فاطمة) بهدوء وجلست على طرف الفراش ثم همست بصوت دافئ ممزوج بالعِتاب
- يعني .. بصراحة أنا كنت زعلانة منك الفترة اللي فاتت زعلانة أوي إنك مختفتيش بس لا .. كمان مبقتيش تردي عليا بس لما عرفت اللي مريتِ بيه زعلي اتحول لوجع وجع إنك محتاجاني ومكلمتنيش ..
فتحت (تقى) عينيها ببطء كأن الصوت أعادها للحياة مرة اخرى، أخذت لحظة تستوعب أن احدهم معها بالغرفة ثم لمعت عينيها بدموع سريعة عندما رأت صديقتها تجلس على طرف الفراش لم تتحدث بأى كلمة، ولكنها نهضت عن الفراش بخطوات ضعيفة ثم احتضنتها بقوة وهى تجلس بجوارها تتمسك بها كي لا تنهار من جديد ثم بكت بحدة بحرقة بكل ما لم تستطع قوله أو شرحه كانت تبكي كمن وجد أخيرًا أحد يعلم ما فى قلبها دون أن تبوح ..
همست بصوت متهدّج وهي بين أحضانها
- أنا .. أنا كنت محتاجة لحد يفهمني .. مش عارفة كنت خايفة أتكلم خايفة لو فتحت الكلام الوجع يزيد .. وخايفة أكتر من أي حد يقولي أبعد عنه وأنا مش قادرة .. مش قادرة اعمل ده
جذبتها (فاطمة) أكثر لتحضنها وتربت على ظهرها بحنان وهمست بكلمات مطمئنة حتى هدأت شهقات (تقى) قليلًا، ثم أخرجت منديلاً ومسحت دموعها بإيد حنونة ثم قالت بهدوء
- بُصي يا (تقى) .. إنتي مش محتاجة تقولي أي حاجة .. أنا عرفت كل حاجة من (حازم) عرفني إنك اكتشفتي إن أخو (ممتاز) هو اللي اتسبب في موت (حسن) الله يرحمه .. (حازم) أصلًا ميت من القلق عليك بس مش عاوز يضغط عليكى قلبه وجعه عليكي جدًا
رفّت دمعة أخرى من عين (تقى) ثم قالت بصوت منخفض مهزوز
- المشكلة مش بس في كده .. أنا مش قادرة أرد على (ممتاز) بيتصل كتير ومش برد .. قلبي بيقولي إنه ملوش ذنب وإنه مالوش علاقة باللي حصل بس .. بس في نفس الوقت مش قادرة أتخيل إني أتجوز واحد أخوه قتل أخويا .. مش قادرة
وضعت يدها على صدرها وقالت بانكسار
- أنا تايهة يا (فاطمة) مش قادرة أقرر ولا أفكر ولا حتى أتخيّل هقول إيه لماما .. ماما لسه متعرفش الحقيقة لسه فاكرة إن (حسن) مات قضاء وقدر .. تخيلي صدمتها لو عرفت؟ أنا نفسي مش قادرة أستوعب
صمتت (فاطمة) للحظة وهى تنظر في عينيها بتمعّن ثم قالت بهدوء حاسم
- حكايتك إنتي و(ممتاز) فعلاً غريبة .. القدر حاول يفرقكوا أكثر من مرة بس كان بيحصل العكس وأنا عارفة إن (ممتاز) ملوش ذنب بس برضه مش كل حاجة بتتقاس بالعقل .. المجتمع والناس والنفسية… كلهم بيقولوا إن العلاقة دي صعب تكمل بس ..
تنهّدت واردفت بإصرار
- بس قبل أي قرار لازم تتكلمي مع (حازم) لازم تقولي له كل اللي في قلبك وتحكوا مع بعض المفروض تعملوا إيه متسيبيش نفسك لوحدك في الدوامة دي الهروب عمره ما كان حل بالعكس الهروب بيوجع أكتر
هزّت (تقى) رأسها بإعياء وهى تعلم أن كل كلمة تقولها صديقتها صحيحة ثم همست
- أنا .. أنا مش قادرة أكرهه يا (فاطمة) مش قادرة .. بس برضو مش هينفع مش هينفع خالص
ابتسمت (فاطمة) بحنان وأمسكت يدها وربتت عليها قائلة
- اعملي اللي عليكي وطلّعي كل حاجة من قلبك مع (حازم) .. واستخيري ربنا لو العلاقة دي فيها خير ربنا هييسرها .. بس إياكي تهربي عشان الهروب بيوجع القلب اوى
انهمرت دموع (تقى) من جديد لكنها هذه المرة لم تكن دموع الانكسار وحده بل امتزجت بالراحة بشيء من الأمان ..
أسندت رأسها على كتف (فاطمة) وعيناها مغلقتان والدموع تتسلّل في صمت ..
أما (فاطمة) فمرّرت يدها على كتفها برقة كأنها تمسح عن قلبها الحزن الذى تملكه ..
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي ..
استيقظت من نومها وما إن فتحت عينيها حتى اجتاحها شعور ثقيل مما تنتوى فعله ولكن لا يسعها إلا أن تنفذ ما وعدت به شقيقها بالأمس، نهضت ببطء اتجهت إلى خزانتها وأخرجت ملابسها ارتدتها وهى شاردة الذهن ثم اقتربت من المرآة تقاوم الانكسار الذي يسكن ملامحها حدّقت في انعكاسها طويلاً كما لو كانت تستجمع الشجاعة من داخل تلك العينين الذابلتين كى تقوم بفعل ما يجب عليها فعله ..
فقد كانت قد حدّثت (حازم) في الليلة الماضية استأذنته أن تذهب إلى (ممتاز) لتتحدث معه لتضع حدًا لكل شيء لتُنهي العلاقة التي باتت كالسيف المسنون على رقبتها، رغم محاولاته المضنية لثنيها رغم توسلاته أن يتولى هو أمر الحديث معه، ولكنها أصرّت على الذهاب إليه ومواجهته كانت تعلم في قرارة نفسها أنّه لا أحد يستطيع إغلاق هذا الباب سواها لا أحد سواها يستطيع مواجهة (ممتاز) بعينيه بحنينه بقسوته بذنبه الذي لم يقترفه لكنه وجب عليهم الفراق ..
قررت أيضًا أن تترك الشركة التي تعمل بها فوجودها هناك صار عبئًا على قلبها كيف لها أن تستمر في مكان ظلّ (ممتاز) جزءًا منه حاضرًا فيه حتى وإن غاب؟ فمالك الشركة هو صديقه المقرب، كل شيء هناك يذكّرها به وهذا ما لا تطيقه الآن ..
هبطت من منزلها واستقلت سيّارة أجرة نحو الشركة، طوال الطريق كان قلبها يدق بسبب الذكريات والحنين، ولكن لا رجعة الآن، حين وصلت تقدّمت نحو الاستقبال، طلبت مقابلته فبمجرد أن أُبلغ (ممتاز) بوجودها أمر السكرتيرة أن تُدخلها على الفور دون انتظار دون تفكير حتى ..
دفعت الباب بخفة وخطت خطوة ثم تراجعت، تعلم أن تلك النهاية ولكن لا عليها أن تكمل ما بدأته ..
رفع (ممتاز) عينيه نحوها وحين رآها شعر أن الهواء عاد إلى رئتيه بعد اختناق طويل، وقف فجأة كأنما قدماه قادته نحوها دون وعي اقترب منها بخطوات متلهفة ومدّ ذراعيه ثم جذبها إلى احضانه دون أن تنطق أو ينطق وكأنّه يحاول أن يُعيد ترميم كسره بوجودها بين ذراعيه ..
نزلت دموعها على وجنتيها للحظة لم تشعر بما فعلته ولكن عندما عادت لرشدها، سرعان ما دفعته بقوة مفاجئة تراجعت خطوة للخلف وقالت بلهجة صارمة حاسمة
- مـ ..(ممتاز) .. لو سمحت مينفعش اللى بيحصل ده!
تجمّدت ملامحه، لم يفهم أو بالأحرى لم يُرد أن يفهم ظلّ يحدّق فيها يبحث في عينيها عن سبب عن تفسير ..
أخفضت رأسها لم تستطع النظر إليه وكأنّ عينيه هما مرآتها المكسورة ثم قالت بصوت منكسر
- العلاقة اللى بينّا .. لازم تـ... تنتهى ميمفعش تكمل تاني .. مبقاش ينفع يا (ممتاز)
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة علا السعدني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية