رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 23 - الخميس 10/7/2025
قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية غصات الحب والقدر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة علا السعدني
الفصل الثالث والعشرون
تم النشر الخميس
10/7/2025
تجمّد (ممتاز) في مكانه، عند تلك الكلمات التي خرجت من فمها كطلقات نارية لم يكن يتخيّل لحظة واحدة أن تكون نهاية كل شيء بهذه البساطة أن تنهار القلعة التي بنوها معًا بكلمة ..
نظر إليها مذهولًا وصوته خرج مُتقطعًا وهو يقول بكلماتٍ متقطعة كأن وعيه لم يُدرك بعد ما يقول والصدمة تشلّ قدرته على التعبير
- أنتى بتقولى إيه؟! أنا مش فاهم ولا كلمة من اللى بتقوليه ده! أنتى .. أنتى نسيتى كل حاجة؟ نسيتى أنا وإنتى كنّا إيه؟! أنا كنت محتاجك جدًا الفترة اللى فاتت وكنت لوحدى وانتى بعدتى من غير حتى ما تشرحيلى .. أو يمكن عشان أخويا؟! عشان اتسجن؟!
لم يستطع السيطرة على ارتجاف صوته في آخر كلماته كانت نظراته كطفل فقد دميته، وقلبه يتهاوى من الألم لكن (تقى) لم تُجبه فقط نظرت إليه نظرة محمّلة بكل الذكريات والحنين وكل الوجع المكبوت في قلبها ثم قالت بصوت متهدّج
- انت عارف كويس إن أخويا (حسن) كان بيحقق فى قضية شركة الأدوية دى .. وقولتلك قبل كده إن (حمدي) قال احتمال كبير صاحب الشركة يكون السبب فى موت أخويا
ترددت وعيناها انخفضتا نحو الأرض ثم أكملت بصوت بالكاد خرج
- أنا قابلت (حمدي) وقالى إن الموضوع حقيقي وإنه لقى سجل مكالمات بين المحامى بتاع أخوك والدكتور اللى شافه (حسن) قبل الحادث على طول
ضاقت عيناه واشتعل الغضب فيه فجأة اقترب منها بسرعة، وامسك بمعصمها بقوة وهو يضغط بأسنانه
- انتى برده قابلتى (حمدى)؟! انا مش قايلك متشوفيهوش تانى؟! أنا منبّه عليكى ما تتكلميش معاه ولا تشوفيه!
توسّعت عيناها بدهشة ممزوجة بالخذلان لم تكن تتخيّل أن كل ما قالته الآن لم يصل إلى قلبه أن ما شغله فقط هو أنها قابلت (حمدي)
- انت مجنون! انت بتتكلم فى إيه؟! أنا لسه قايلة إن أخوك قتل أخويا .. وانت كل همّك إنى قابلت (حمدى)؟!
أفلت يدها أخيرًا وقد ارتبك لكن صوته خرج أعلى
- وأنا مالى؟! أنا عملتلك إيه؟! أنا بحبك! عملت كل حاجة عشانك وضحيت بكتير عشانك .. وانتى دلوقتى جاية تقولى ننهى اللى بينا؟!
- انت أكيد مجنون .. أنا لو حتى فرضت إنى قادرة أعيش معاك .. ساعتها هخسر أخويا وأمى ودى حاجة مش هقدر أعملها! أنا مش مستعدة أخسرهم .. ومش مستعدة أخسر نفسى أكتر من كده .. فـ بالله عليك ما تصعّبهاش أكتر ما هى صعبة
ظل يحدّق بها وجهه كان مشدود، عينيه مضطربتين ثم ابتسم تلك الابتسامة المكسورة التي لا تحمل سوى السخرية من الألم
- أنتى فاكرة إنّى هخرج من حياتك كده؟! أنتى بتتكلمى بجد؟! تفتكرى إنى هسيب الإنسانة الوحيدة اللى حبيتها؟ يبقى بتحلمى يا (تقى)!
أغلقت عينيها بألم وهزّت رأسها وهى تحاول أن تتخلّص من ثقل المشاعر التى تكنها له ثم قالت بهدوء قاتل
- عن إذنك يا أستاذ (ممتاز) .. اللى جيت عشانه قولته .. ومفيش بينّا كلام تانى
استدارت بخطوات متعثّرة وغادرت المكتب،ط بينما كان هو يراقبها تخرج من حياته كما دخلت دون أن يستطيع إيقافها ثم فجأة مدّ يده إلى أقرب شيء على المكتب الذى كان كوب زجاجي وألقاه بقوة ليسقط متحطمًا على الأرض تلاه ملف تقارير طارت في الهواء بعنف ..
أما هى، فخرجت من الشركة والدموع تغمر وجهها كانت خطواتها بطيئة وجسدها يكاد يسقط لكنها تماسكت استقلت سيارة الأجرة ووضعت رأسها على الزجاج تبكي فهى فقدت شيئًا لن يُعوّض حب حياتها .. تعلم أن ما فعلته هو القرار الصحيح حتى لو كل ذرة فيها صرخت بالعكس ..
❈-❈-❈
كان المكتب غارقًا فى سكون وكان (حمدي) يجلس على مكتبه وهو يتأمل الأوراق المتناثرة أمامه بعينين مرهقتين، كل التفاصيل بدأت تترابط في رأسه لكنه كان بحاجة إلى دليل إلى كلمة واحدة تؤكد له أنه ليس مجرّد واهم، وأن (حسن) ثم قتله ..
وفجأة انفتح باب المكتب بهدوء، ظهر الطبيب (عادل) واقفًا على العتبة، رفع (حمدي) عينيه إليه تجمد للحظة رمقه بنظرة طويلة ثم نهض واقفًا ..
رمق (عادل) الفضول البادي على وجه (حمدي) فبادر سريعًا بصوت متوتر
- أنا .. أنا جيت أقول كل حاجة .. صدقني ماكنتش أعرف إنهم هيقتلوا (حسن)! لو كنت أعرف ماكنتش وافقت ولا اتورطت فى حاجة زى دى أبدًا
ظل (حمدي) صامتًا للحظة يحدّق فى ملامحه المرتبكة، حاول أن يعرف هل هو صادق ام كاذب خلف ارتعاشة ونبرة صوته ثم تنهد ومد يده مشيرًا إلى المقعد المقابل
- اقعد اقعد .. وفهمني بالظبط إيه اللى حصل
جلس (عادل) وقد بدأ العرق يتصبب عند جبينه يداه ترتعش وصوته خرج خافتًا وهو يحكي
- قبل وفاة (حسن) بيوم كلّمنى محامى (سامر) وقالى إنه عاوزنى أقابل (حسن) وأبلغه إن فى حالة جديدة ماتت فى المستشفى بسبب أدوية الشركة دى أنا وقتها استغربت .. سألت نفسى هو ليه بيطلب منى كده؟ .. بس اللى حصل إنه هددنى .. تهديد صريح قالى لو معملتش اللى بطلبه منك مراتك وابنك هيتأذوا .. وأنا كنت خايف خايف عليهم
تشنّج وجه (حمدي) وانحنى قليلًا للأمام، ثم ضيق عينيه وهو يتابع بانتباه شديد أما (عادل) فتابع بانكسار
- قالى إن لولا إنى فتحت عين (حسن) على الشركة دى كان زمانى دلوقتى ميت .. وإن اللى هعمله ده هيتحسبلى خدمة ليه وأنا كنت شايف إن (حسن) مش قادر يوصّل لحاجة .. فـ وافقت وخليت مراتى وابنى يروحوا عند أهلها يومين كده وخليت (حسن) ييجى كنت بنفذ اللى اتقالى عليه وخلاص
ابتلع (حمدي) ريقه ببطء، شعر أن قلبه انقبض مع كل كلمة مع كل تفصيلة تكشف عن تلك الجريمة التى كانت أمامه طيلة الوقت دون أن يتمكن من إثباتها والمجنى عليه فيها صديق عمره
- أنا مكنتش أعرف إنهم عاوزينه يجبوه عندى عشان يبوظوا حاجة فى عربيته .. بس لما سمعت تانى يوم باللى حصل وربطت التفاصيل فهمت بيتى فى منطقة هادية وفيه جراج .. عرفوا يدخلوا ويشتغلوا من غير ما حد ياخد باله ولما سألتهم انهم فعلا السبب فى الحادثة اللى حصلت ل (حسن) هددونى تانى .. وقالولى لو فتحت بوقك هتدفع التمن غالى سكت .. بس من ساعتها وأنا مش عارف أنام مش مرتاح حاسس إنى بنهار من جوه إنى شريك فى حاجة بشعة وان لولا انى جبت (حسن) بيتى مكنوش عرفوا يلعبوا فى العربية بتاعته
ظل (حمدي) صامتًا للحظة ثم نهض من مكانه وسار ببطء نحو النافذة فتحها قليلًا، أراد أن يشتم الهواء ليساعده على ترتيب أفكاره المتشابكة ثم التفت مجددًا نحو (عادل) وعيناه تقدحان بالغيظ
- كويس إنك قررت تتكلم دلوقتى أكدتلى كل اللى كنت شاكك فيه .. (سامر) خلاص اتقبض عليه واللى جاى مش فى صالحه خالص أنا هاعتبرك شاهد رئيسى .. بس لازم تكون جاهز تتحمل مسئولية شهادتك دى
رفع (عادل) عينيه إليه بخوف لكنه شعر بالأمان لوجود (حمدي) معه، فأومأ برأسه بصمت وعيناه تدمعان لكن للمرة الأولى يشعر أن ضميره قد وجد راحته أخيرًا ..
❈-❈-❈
فى عصر اليوم التالى ..
كان (حازم) جالسًا على مقعده الخشبى فى شرفة منزله، يحتسى قهوته حين قطع صوت الجرس الصمت الجالس به، نهض بتكاسل متجهًا إلى الباب ..
فتح الباب .. وتوقف لحظة ..
فقد كان يقف أمامه شابٌ فى منتصف العشرينات يحمل باقة ورد بسيطة وملامحه هادئة ..
تأمل (حازم) وجهه قليلًا كان يعرفه شكلاً .. نعم، إنه الشاب صاحب محل الورد القريب من العمارة التى يقطن بها لكن ما الذى جاء به الآن؟
ابتسم الشاب بخجل ومدّ يده نحوه قائلًا
- أنا آسف إن جيت من غير معاد بس بصراحة معرفش رقم تليفونك ومبشوفكش كتير فقلت أجى بنفسى
رسم (حازم) على وجهه ابتسامة دبلوماسية رغم احساسه بالنفور منه، فتح له الباب وهو يومئ برأسه قائلاً
- اتفضل ادخل
دلفا إلى الداخل سويا ثم جلس الاثنان وظل الشاب ممسكًا بباقة الورود للحظات قبل أن يضعه جانبًا ثم تنحنح وقال بصوت مرتجف قليلًا
- أنا اسمى (زين محمد الشيبى) عندى ٢٦ سنة خريج تجارة .. يمكن حضرتك تعرف محل الورد اللى فى أول الشارع ده بتاعى
أومأ (حازم) برأسه بجمود
- أيوة عارفك
تزايد ارتباك (زين)، نظر للحظة إلى الأرضية كأنه يقوم بجمع شجاعته وقال
- الحقيقة .. أستاذة (رؤى) بتيجى عندى كتير تشترى ورد .. ولما سألتها لو فى حد من أهلها قريب ليها هنا قالتلى إن حضرتك قريبها .. فـ... يعنى..
تردد للحظة ثم نطقها دفعة واحدة
- أنا كنت حابب أتشرف واتقدملها .. وهى كانت قالت ليا انها كانت متجوزة قبل كده .. فأنا عارف ظروفها كويس هى أصلا زبونتى
كأن سُحبًا من الغضب تسللت إلى صدر (حازم) فجأة
شدّ على قبضة يده دون أن يدرى شعر أن الدم صعد إلى وجهه، أنفاسه بدأت تضيق فقد ضربت الغيرة مشاعره فجاءة لتسيطر عليها كليا، اكمل (زين) الذى لاحظ تغير ملامح (حازم)
- حضرتك بس ممكن تاخد رأيها وترد عليا وقت ما تحب .. أنا مستني ولو فى أى رفض من غير حتى سبب هتفهم ده طبعًا وهحترمه جداً
ظل (حازم) صامتًا للحظات عيناه لا تفارق (زين) ثم نهض دون أن يرد واكتفى بإيماءة خفيفة ويدٍه امتدت للمصافحة
- تمام..
حينها شعر (زين) ببعض الأحراج، لكنه غادر على الفور ..
دخل (حازم) إلى داخل غرفته كمن يحمل عبء على كتفيه أغلق الباب ببطء ثم بدأ يتحرك فى الغرفة ذهابا وإيابا وهو يتحدث داخل نفسه كيف له أن يقوم بالتقدم لها دون أن يكون واثقا انها ستوافق عليه يبدو أن هناك علاقة تربطهم بالتأكيد ..
جلس ثم نهض ثم مشى بضع خطوات وعاد أدراجه وهو لا يستطيع تخيل أن (رؤى) ستتزوج من شخص آخر، مجرد أن تلك الفكرة تخطر على باله تجعل عقله وقلبه ينفجران من الغضب ..
رفع يده ليمسك رأسه فالأفكاره تتصارع داخله بعنف خرج خارج الغرفة ثم نظر إلى باقة الورد من بعيد الموضوعة على الأريكة نظر غاضبة، ثم قرر فجأة أن يواجهها ويتحدث معاها فلم يعد يستطيع كتمان مشاعره أكثر من ذلك لن يستطيع رؤيتها مع غيره ابدا ..
فى ذلك الوقت كانت (رؤى) قد انتهت لتوّها من ترتيب الصالة وألقت نظرة سريعة على الصغيرة (جود) النائمة بعمق داخل غرفتها حين دوّى صوت طرقات عنيفة على الباب كأن من خلفه يحاول اقتلاع الخشب من مفاصله ..
تجمدت لحظة، ثم اندفعت نحو الباب وفتحته بفزع
حتى وجدت (حازم) يقف أمامها وجهه يشتعل وملامحه مشدودة بشراسة ..
قالت بدهشة وهي تتراجع نصف خطوة للوراء
- إيه ده يا (حازم)؟ بتخبط جامد كده ليه؟ (جود) نايمة هتصحيها كده!
نظر إليها مباشرة عيناه تومضان بأسئلة كثيرة ولم يعر كلماتها اهتمامًا بل نطق بانفعال مكتوم
- إيه اللى بينك وبين صاحب محل الورد اللى اسمه (زين)؟!
صمتت لوهلة ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة خبيثة كأنها فهمت ما حدث شعرت فى تلك اللحظة أن توقّعها كان صائبًا .. (زين) قد تحدّث إليه ..
لقد كانت تعلم أن (زين) يراقبها منذ فترة يبتسم كلما دخلت محله يحاول الحديث معها وفى آخر مرة سألها عن الشخص المسئول عنها فأخبرته أنه (حازم) بدافع لحظى من الضيق بتصرفاته وتجاهله المستمر كما انها كانت تريد أن تعلم هل يفكر حقا بالزواج بزوجة شقيقه الراحل ولم يكن يكن لها أى مشاعر كما فهمت سابقا ..
أفاقت من شرودها ثم نظرت له بعينين متسعتين وقالت ببراءة مستفزة
- يعنى إيه؟ إيه السؤال ده؟!
زمّ (حازم) شفتيه ورفع حاجبيه وهو يرد بانفعال حاول كبحه
- ماتعصبنيش يا (رؤى)! أنا عايز أفهم .. علاقتك بيه شكلها إيه؟! انتى عمرك ما جبتى سيرته أصلاً! وانك بتتكلمى معاه لا ومعرفته شئونك الخاصة
رفعت حاجبيها باستغراب وعقدت ذراعيها عند صدرها قائلة بسخرية خفيفة
- أنا بحب أشتري ورد .. وبحط ورد وبرزع ورد فى البلكونة فدايما باخد منه ورود يعنى اعرفه معرفة سطحية! برد على اسئلته عشان محدش ياخد عنى فكرة مش صح وآخر مرة شُفته فيها قعد يقولّى كلام كده مفهمتهوش .. مين المسئول عنك وغريب انك ساكنة فى عمارة دكتور (حازم) عشان ده بيت عيلة؟ .. فقولتله إنك قريبى كنت هقوله إيه مثلاً؟ أحرجت
قالت عبارتها الأخيرة بنبرة طفولية مصطنعة محاولة جسّ نبضه لكن ملامحه كانت مشتعلة وعيناه لم تهدآ
- الأستاذ جاى يطلب إيدك منى و .. وبعدين هو مش مناسب ليكى أصلًا! مش كويس! ده طول الوقت بشوفه مع بنات ..
وإنتى لو كنتى قولتى ليا إنك بتروحى المحل ده أنا كنت كسرت عضمك!
شعرت (رؤى) بغيظ شديد وفتحت عينيها بدهشة مصحوبة بانفعال
- إنت مالك أصلاً؟ بتتدخل ليه فى اللى ملكش فيه؟!
اقترب منها بخطوة ورفع سبابته فى وجهها محذرًا وعيناه تلمعان بغضب مشوب بالغيرة
- (رؤى) متضايقنيش ولا تعصبينى .. ولو عايزة تعرفى .. أيوه! أيوه بحبك! يا (رؤى) بطّلى استفزاز بقى! انا فاهمك كويس
تجمد الهواء للحظة ..
كان صوته عالٍ والكلمات خرجت من فمه وكأنها كانت محبوسة فى صدره منذ زمن، فى اللحظة نفسها انفتح باب الشقة العلوية وظهرت والدته التى كانت سمعته بسبب صوته المرتفع وعلت ملامحها دهشة واستغراب ..
كما انفتح باب شقة أخرى فى الجهة المقابلة وكانت (رغد) تطلّ من خلفه عيناها التقتا بعينى (حازم) ثم انتقلتا ل (رؤى) ..
تجمدت (رغد) مكانها قلبها انقبض لا لكونها تحب (حازم) ولكن لأنها مؤخرًا بدأت ترى فيه شبه كبيرا ب (حسن) شعرت بأنه يعطيها ويعطى ابنها ما كانت تنتظره من زوجها الراحل لو كان حيا .. إحساسها اختلط وهى لا تفهم هى متأكدة انها لا تكن مشاعر ل (حازم) ولكنها ترى فى (حسن) فقط ..
أما (رؤى) .. فقد توقفت عن التنفس لحظة وارتسمت على شفتيها ابتسامة، كأنها لا تصدق ما سمعته وأخيرًا سمعتها منه صريحة واضحة ..
نظر (حازم) حوله ورأى العيون المتفاجئة من كل اتجاه فأدار وجهه بحدة ومشى بخطوات سريعة نحو السلم متجها نحو الأعلى ليصعد شقته ..
وصعد الدرجات كمن يهرب من الفضيحة .. أو من نفسه ثم مرّ بجوار والدته دون كلمة ..
بقيت (رؤى) واقفة مكانها لا تزال تمسك بالباب المفتوح تنظر إلى السلالم التى اختفى فيها (حازم) ثم أغلقت الباب ببطء وأسندت ظهرها إليه ..
وأغمضت عينيها والابتسامة لم تفارق وجهها فقد كان قلبها يشعر بفرحة للمرة الأولى بحياتها ..
❈-❈-❈
فى صباح اليوم التالى ..
توقفت سيارة فارهة حيث المكان الذى يوجد به شقيقه قبل عرضه على النيابة العامة ترجل منها (ممتاز) وبملامح متجهمة دخل حيث مكتب الزيارة لا يُلقي بالًا بشئ ..
جلس على المقعد المعدني الصلب متكئًا بظهره للخلف متصنعًا الهدوء عكس البراكين التى تثور داخله وكانت أنامله كانت تنقر ببطء فوق الطاولة .. فى محاولة منه لتهدئة روحه الثائرة ..
ثوانٍ مرت قبل أن يظهر (سامر) كانت ملامحه منهكة عيونه غائرة يجر خطواته جَرًّا فلم يعتاد المكوث فى أماكن مثل تلك، ما إن لمح (ممتاز) حتى تجمد مكانه للحظة ثم اقترب بتردد وجلس أمامه بصمت ..
نظر إليه (ممتاز) نظرة ممتلئة بالأحتقار، ثم بصوت خافت لكنه حاد كالسيف قال
- شفت القرف بتاعك وصلنا لإيه؟ .. انت لا عارف تدير حياتك ولا حتى عارف تدير حتة شركة أدوية اللى أنا مسكتهالك على الجاهز .. وانا نصحتك وقولتلك اشتغل احسن فى السليم عشان فى كذا حد بينخرب وراك بس انت تافه وفاشل ومفيش منك فايدة ابدا
طأطأ (سامر) رأسه لم ينطق بكلمة، ينظر بعيناه إلى الأرض، يحاول أن يختبئ من قسوة أخيه ..
فتابع (ممتاز) بسخرية مريرة ناظرًا إليه من تحت حاجبيه
- مش بس كده دلوقتى الظابط اللى بيحقق معاك بيدور عشان يشوف مين اللى قتل الظابط التانى اللى انت قتلته
ثم هز كتفاه بلا مبالاة وأردف متابعا
- وأنا مش هعرف أخرجك المرة دى
عند تلك الجملة رفع (سامر) رأسه ببطء واشتعل الغضب فى عينيه كجمرة تحت الرماد ضغط على شفتيه وقال بصوت منخفض لكنه مشحون بالألم الذى يشعر به فى داخله
- مش دى كانت شورتك؟ مش انت اللى ضغطت عليا اقتله؟ .. أنا مكنتش ناوى أعملها .. انت اللى قلتلى لو مقتلتوش هيفضحك
لم يتحمل (ممتاز) كلماته، مدّ يده ومسح وجهه بعنف ثم مال للأمام يقترب منه وهو يُحدق فى عينيه
- ماهو برده ما اتعاظش لما اتفصل من شغله كان لازم يلم نفسه لكن لأ .. فضل ينخرب وراك مكنش قدمنا حل تانى
ثم ابتسم بسخرية وتابع حديثه بضيق قائلا
- بس المشكلة مش فى كده .. المشكلة إن دون عن كل خلق الله يطلع يبقى أخو (تقى)
ارتبك (سامر ) لأنه يعلم أن شقيقه كان ينتوى الزواج من تلك الفتاة فتابع (ممتاز) قائلا
- أنا مكنتش أعرف .. مكنتش اعرف انها اخته
ثم رفع سبابته محذرا إياه ليتابع حديثه بنبرة فحوها التهديد
- وحذارى يا (سامر) .. حسك عينك تجيب سيرتى فى التحقيقات فاهم؟ ولا أقول تانى؟!
قال كلماته الأخيرة بإصرار وعيناه تقدحان شررًا ليتابع قائلا بمرارة
- خليها على الأقل فاكرة ان اخويا هو السبب فى موت اخوها
حينها ابتلع (سامر) ريقه بصعوبة، ثم أومأ برأسه إيجابًا وكأن الكلمة قد جمدت فى حلقه فرغم كل ماهو به الآن شقيقه لا يفكر سوا بنفسه وبالفتاة التى يحبها أما هو فلا يكترث له ابدا وليس له قيمة تُذكر ..
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة علا السعدني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية