-->

رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل الأخير - الثلاثاء 20د2/7/2025

 

قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية غصات الحب والقدر 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة علا السعدني


الفصل الأخير

تم النشر الثلاثاء 

22/7/2025


دون تردد أخذها إلى طبيب نفسي علّه يجد طريقًا أعمق لفهم وجعها المختبئ الذى لا تستطيع البوح به أمامه، جلست (رؤى) أمام الطبيب، بينما بقي (حازم) في الخارج كى تتحدث بصراحة تامة مع طبيبها ..

 بدأت (رؤى) تسرد كيف كان زواجها الأول، ذلك السجن الذي سُجنت فيه مشاعرها، والوحش الذي لبس قناع الزوج فمارس عليها كل صنوف العنف تحت مسمى الواجبات الزوجية حكت عن القسوة التى كانت تتعامل بها ..

اخبرت للطبيب إنها تحب (حازم)، بل لا تتخيل حياتها بدونه، ومع ذلك .. تشعر بأن فكرة العيش معه كزوجة تُثقل صدرها ولا تتحمل تلك الفكرة ..

شرحت خوفها من تكرار التجربة، تعلم أن زوجها الحالى ليس مثل السابق لا يشبهه فى أى شئ ولكنها لا تستطيع العيش معه هناك شئ بداخلها يمنعها من أن تعطيه تلك الواجبات ..

استمع الطبيب إليها ثم بدأ يوجهها بنصائح بأن تمنح نفسها وقتًا، ألا تجلد ذاتها لشعورها بالخوف، وأن تعلم أن الحب الحقيقي لا يُقاس بالعلاقة الزوجية فقط، بل بالطمأنينة والأمان، نصحها أن تصارح زوجها بحقيقتها حين تكون مستعدة، وألا تحمل فوق قلبها عبء التظاهر بالقوة، فالشفاء لا يولد من الإنكار بل من الاعتراف ..

بعد انتهاء جلسته معها، طلب الطبيب أن يجلس مع (حازم) وحده وأخبره بلطفٍ حذرٍ أن زوجته مرت بصدمة نفسية عميقة خلال زواجها الأول، وأنها لا تزال تحمل بين طيات روحها جراحًا لم تلتئم و أن استعجال الأمور لن يولد إلا مزيدًا من الألم، وأن الاقتراب منها قبل أن تكون مستعدة لن يؤدي إلا إلى اتساع الفجوة بينهما، نصحه أن يمنحها وقتها، أن يكون لها مأوى آمنًا لا مصدرًا جديدًا للخوف، أن يحميها من ذكرياتها قبل أن يحاول أن يكون شريكها في الحاضر،

خرج (حازم) من الغرفة وهو يشعر بالحزن على حال زوجته، تتنازع داخله مشاعر متضاربة بين حزنه على ما عانته، ورغبته العميقة في تخليصها من كل ألم كان يدرك، للمرة الأولى يود احتضانها وأن يهون عنها كل تلك الصعوبات التى مرت بها ولكنه يعلم جيدًا أن ذلك سيجعل الفجوة بينهم اكثر اتساعًا، لذا فكر كيف يجب أن يعاملها الأيام القادمة وأن يكون مصدر الآمان لها ..

مرت الأيام سريعًا، وكان (حازم) حريصًا على أن يحتوي (رؤى) بكل ما أوتي من حنان، محاولًا أن يخفف عنها الألم الذى تشعر به كان متفهمًا مخاوفها، صابرًا على ترددها، فلم يكن يطلب منها سوى أن تشعر بالأمان بجواره ..

وفى أول يوم للدراسة حين انتهت من محاضراتها، كانت تودع زملائها بابتسامتها، ولمحت من بعيد ظل سيارة يقف أمام باب الجامعة حدقت قليلاً لتتأكد، فإذا به يترجل من السيارة، يتأملها بعينين امتلأتا بالضيق حين لاحظ وجود شاب يقف معها هى وزميلاتها ..

اقتربت منه بدهشة وقالت بخفوت

- إيه ده؟! انت إيه اللى جابك؟!

- يعنى حبيت أبقى معاكى أول يوم .. وأوصلك كمان

تلفتت (رؤى) حولها بارتباك، تراقب وجوه من تعرفت عليهم حديثًا، ثم همست على عجل

- بس بس .. محدش يعرف هنا العلاقة اللى بينا .. أرجوك امشى .. همشى لوحدى!

رفع (حازم) حاجبيه بدهشة وهو يتأملها غير مصدق العبث الذي تتفوه به، ثم قال بلهجة غاضبة بعض الشئ

- أنا جوزك يا (رؤى)! خايفة من مين أصلًا يشوفك معايا؟!

ارتبكت (رؤى) بشدة، وتوجهت نحو السيارة، ثم استقلت المقعد الأمامي صامتة، تحاول أن تخفي ارتباكها أغلق (حازم) عينيه للحظة، محاولًا تهدئة نفسه قبل أن ينضم إليها ويجلس بجانبها نظر إليها مطولًا قبل أن يقول بنبرة هادئة وهو يشغل المحرك

- شايفك اتعرفتى على ناس كتير، مش كده؟

ابتسمت (رؤى) بمرح طفولي وقالت

- آه، (ولاء) و(لما) و (سارة) .. جمال أوي، حبيتهم جداً

تجهم وجهه فجأة وحدق فيها لوهلة فقد كان يوجد شاب لم تذكر اسمه، ثم قال بسخرية

- بس كان فى ولد واقف معاكوا .. مش كده؟!

هزت رأسها مؤكدة

- اه كان بيكلمنا كلنا بيسأل على الجدول عشان جاه متأخر وكده 

زفر (حازم) بضيق وقال وهو يكتم غيرته

- يعنى كلمك الولد ده ؟!

هزت كتفيها بلا مبالاة، وقالت ببساطة

- كلمنا كلنا مش انا لوحدى

ثم نظرت إليه ببراءة وأردفت بلهجة مازحة

- أوعى تكون غيران يا (حازم)! 

كان (حازم) يحاول السيطرة على أعصابه خفض صوته قليلًا، وقال بلطف يخشى أن يرعبها

- أنا عارف .. عارف إن جوزك الأولانى كان مانعك من الاختلاط بالجنس الآخر .. بس والله ما قصدى كده أنا بغير عليكى يا (رؤى) بحبك مش متخيل حد يشوف ضحكتك .. أو يسمع صوتك غيري فاهمة قصدى؟

نظرت إليه برقة، وهزت رأسها موافقة، وقالت هامسة

- حاضر .. مش هضايقك تانى

ابتسم لها، ثم انطلق بالسيارة يقودها بهدوء بعد قليل، قالت بتردد

- هاجيلك العيادة .. مش كده؟ بليل هنروح سوا

توقف بالسيارة إلى جانب الرصيف، نظر إليها نظرة جادة وقال

- بصى يا (رؤى) .. الموضوع ده أنا مش حابه أنتى دلوقتى مراتى ومسئولة منى مش ضد الشغل إطلاقًا .. بس ضد إنك تحطى على نفسك مسئوليات فوق طاقتك عندك ابنك، وعندك المذاكرة .. اتفرغى ليهم ده هيسعدنى أكتر

ارتبكت قليلاً، ثم همست بخفوت

- بس .. أنا عاوزة أشتغل عشان (جود) .. هى ملهاش حد غيرى و..

قاطعها (حازم) بنبرة قاطعة

- عيب عليكى يا (رؤى) إنك تتكلمى فى الموضوع ده أصلاً! أختك دى أختى .. ومش عاوز نقاش في ده خالص بجد هزعل .. وانتى عمرِك ما جربتِ زعلى .. وأى كلمة زيادة هتبقى بتشتمنى!

صمتت (رؤى) على الفور، خافضة رأسها ثم رفعت رأسها بحذر وقالت

- طب .. فى موضوع تانى

قال بحنان وهو يحاول أن يخفف من توترها

- خير؟

قالت مترددة

- أنا ببقى فى الجامعة الصبح .. و(جود) كمان .. ومامتك هى اللى بتعتنى ب(نوح) .. ومش عاوزة أتقل عليها، خصوصًا إنه ابنى مش حفيدها فكرت أوديه حضانة فترة الصبح و ..

رمقها (حازم) بنظرة طويلة، ثم قال برجاء

- أرجوكى .. أرجوكى بطلى الكلام ده يا (رؤى)!

صمتت (رؤى) تمامًا، تخشى أن تضايقه أكثر أكمل (حازم) بعد لحظة

- انتى مش عاوزانى أكون أب ل (نوح) خالص؟ مش يمكن ربنا بعته ليا عشان يعوضنى عن اللى أنا فيه؟! ولا الأب بس اللى بيخلف بس؟

أطرقت رأسها فى خجل من نفسها، ثم قالت بصوت منخفض

- أنا آسفة يا (حازم) .. بس .. بس مامتك مالهاش ذنب برضه و ..

صمت (حازم) قليلاً، ثم قال بإصرار

- أنا لو حسيت إن ماما مضايقة منه .. أنا اللى هاعتنى بيه متخافيش من النقطة دى خالص وانتى عارفة كويس إن أمى من قبل ما تعرف بحبى ليكى .. وهى بتحبك قد إيه

هزت (رؤى) رأسها بامتنان، وقالت

- خلاص .. أنا آسفة متزعلش منى عشان خاطرى أنا بحبك أوى يا (حازم)

ابتسم لها بحرارة، وعاد إلى القيادة بعد لحظات، قال وهو يرمق الطريق أمامه

- بتعرفى تصالحينى هوا .. ولا كأن فى حاجة حصلت 

خجلت (رؤى) منه، وأخفضت وجهها، ثم أدارت رأسها نحو النافذة، تراقب المارة لمحها (حازم) بطرف عينه فهو يعشق خجلها ذات، فابتسم ابتسامة صغيرة، ثم مد يده بهدوء ليربت على يدها الموضوعة بجانبه ولكنها لم تعلق لم تسحب يدها فشعر بسعادة بالغة ..

❈-❈-❈

مرّت الأيام سريعا وكانت (رؤى) تتابع علاجها مع طبيبها ولكن كان ينهشها الفضول والقلق معًا، فكرة وجود فتاة أخرى تلازم (حازم) في العيادة تكبر بداخلها ككرة ثلج تتدحرج بلا توقف ورغم أنها كانت دومًا تتقبل طبيعة عمله وانه دومًا مع النساء، إلا أن كون فتاة محددة بجانبه طوال اليوم مثلما كانت هى، قد أثار داخلها غيرة لم تعهدها في نفسها من قبل ..

في المساء ارتدت (رؤى) ملابسها بعجلة ثم استقلت سيارة آجرى نحو العيادة، وهى تعلم أن ذلك الموعد هو موعد انتهاء (حازم) من عمله بالعيادة..

ما إن وطأت قدماها العيادة حتى لاحظت أن آخر مريضة ما تزال داخل غرفة الكشف، عيناها التفتت تلقائيًا نحو الفتاة الجالسة خلف المكتب .. وكانت الصدمة ..

كانت الفتاة شابة صغيرة، فائقة الجمال، ترتدي ملابس أنيقة تبرز أناقتها، شعرها بني قصير، وعيناها واسعتان وجميلتان، فيبدو وجهها وكأنه لوحة ناعمة التفاصيل ..

لم تستطع (رؤى) منع نفسها من التحديق فيها مطولًا، فانتبهت الفتاة لنظراتها وقالت بأدب

- آسفة يا مدام، بس آخر كشف عند الدكتور جوه ومفيش كشوفات تاني النهاردة

عضّت (رؤى) شفتها السفلى بقهر، حاولت أن تتماسك، فردّت بسماجة

- أنا مرات الدكتور

ارتبكت الفتاة وقامت من مكانها سريعًا، وقالت معتذرة

- آسفة أنا معرفش حضرتك أصلًا .. بس حضرتك تشرفي طبعًا

أومأت (رؤى) برأسها ببرود، وقالت بنبرة مغتاظة

- تقدري تمشي، أنا هستنى (حازم)

غادرت الفتاة مسرعة، بينما بقيت (رؤى) وحدها مع مشاعرها المتلاطمة وما إن انتهى الكشف، حتى خرجت المريضة من غرفة الفحص ودلفت هى إلى داخل غرفة الكشف فتفاجأ برؤيتها، وابتسم بدهشة

- إيه ده يا حبيبتي؟! إيه اللي جابك دلوقتي؟! ومقولتيش حتى إنك جاية!

تقدمت نحوه فقد حاولت عبثًا إخفاء غيرتها التى ليس لها أى مبرر، وقالت بهدوء

- البنت اللي شغالة معاك .. تعرفها منين؟

ضاق (حازم) عينيه قليلًا، ثم ابتسم بمرونة وقال

- دي أخت ممرضة معايا في المستشفى ولما عرفت إني محتاج مساعدة في العيادة عرضت عليا تيجي تشتغل

عضت (رؤى) شفاها السفلية، وكأن الإجابة لم تشفِ غليلها، فقالت بنبرة ممتعضة

- بس هى أمورة .. أمورة أوي كمان

ابتسم (حازم) بهدوء، وهز رأسه مؤكدًا

- أه .. جميلة فعلًا

اتسعت عينا (رؤى) بدهشة حقيقية، لم تكن تتوقع صراحته .. صراحة!! انها لوقاحة، حدقت فيه بذهول قبل أن تتقدم تجاه المكتب، تتذكر فجأة صورة زوجته السابقة التى كان يحتفظ بها في درج مكتبه فتحت الدرج بعفوية كنوع من الهروب من الحديث معه .. وإذ بها تجد ذاك الأيطار ..

حدقت فيه طويلًا ثم التفتت إليه قائلة بحدة مكتومة

- إيه ده؟! لسه محتفظ بصورة مراتك الأولى؟!

ابتسم (حازم) ابتسامة خفيفة ولم يرد، مما أشعل غيرتها أكثر وقالت

- فهمنى ايه ده .. ده طبيعى يعنى!!

- ممكن بس تاخدى ثانية من وقتك وتبصى على الصورة

أمسكت ايطار الصورة، ونظرت داخله .. لتجد صورتها هي، يوم عقد قرانهم ..

تجمدت مكانها، وشعرت بالحرج يتسلل إلى أعماقها خفضت رأسها إلى الأرض، شاعرة بالخجل، ولم تكن تعلم ماذا عليها ان تقول لذا قررت أن تنهى ذلك الخجل بقولها

- بس مكنش ينفع لما أقولك البنت اللي بتساعدك شكلها حلو ترد وتقولي أيوه حلوة!

ضحك (حازم) بخفة، ونظر لها بانبهار وهى مصرة كزوجة أصيلة مصرة على الشجار

- إنتي عمالة تقلبي عليا التربية كل شوية .. حتى وإنتي غلطانة!

اقترب منها خطوة، صوته يلين وهو يقول

- (رؤى) .. إنتي عاوزة تطلعيني خاين وخلاص؟! البنت حلوة أو وحشة دي حاجة تخصها هي .. أنا مالي!

حدقت فيه بعيون ملأها العتاب، وقالت بحدة طفولية

- بالظبط! إنت مالك .. إنت بتبص عليها ليه أصلًا؟!

ابتسم وهو يمرر يده فوق رأسه بنفاد صبر وقال

- عموما لو غيرانة أنا مبسوط جدًا إنما لو مش واثقة فيا أو في نفسك أنا بجد هزعل

نظرت حولها بحرج، وقلبها يخفق بشدة، ثم تمتمت

- بطل تتكلم بالطريقة دي .. بطل تاخد الأمور ببساطة كده .. بطل تربكني

ابتسم بخبث طفولي وقال وهو يقترب منها أكثر

- أنا أساساً مجتش جنبك عشان أربكك، أعمل إيه بس؟!

قالت له برجاء

- طيب خلى واحد يساعدك في العيادة بدل بنت!

حدق فيها طويلاً قبل أن يرد بنبرة قاطعة

- طبيعي المساعدة بتاعتي تبقى بنت .. خصوصًا إني دكتور نسا

صمتت (رؤى)، تحاول لملمة مشاعرها المبعثرة، قبل أن تهمس بخوف حقيقي

- (حازم) .. هو إنت ممكن تفكر في حد غيري؟ خصوصًا .. يعني .. إحنا رغم إننا متجوزين .. بس كأننا أغراب ممكن تدي لنفسك مبرر تعرف واحدة تانية .. مش كده؟!

هدأ (حازم) تمامًا رمقها بنظرة عميقة، وملأ صوته الحنان والصدق وهو يقول

- اللي بتفكري فيه مش صح يا (رؤى) مش صح خالص أنا مش حيوان عشان أفكر بالطريقة دي .. أنا إنسان وليا قلب .. ومفيش حد يقدر يدخل قلبي بعدك شيلي الأفكار دي من دماغك

أومأت برأسها بخجل، تمسح دمعة خفيفة قبل أن تنطق

- تمام .. أنا آسفة .. آسفة إني شكيت فيك بالطريقة دي .. بس...

قاطَعها وهو يبتسم ويقترح بهدوء

- ممكن نتعشى برة سوا؟ ومنفكرش في أي حاجة تانية خالص

ابتسمت له بهدوء، وهزت رأسها بالإيجاب اقترب منها أكثر وقال وهو يغمز لها بمودة

- على فكرة .. كنتي زي القمر وإنتي غيرانة

احمر وجهها خجلًا، وضحكت ضحكة صغيرة خافتة وقالت وهي تبتعد ناحيه الباب

- أنا هسبقك تحت .. يلا

راقبها (حازم) وهي تبتعد، وقلبه يغمره حب وسعادة لم يشعر بهما منذ زمن طويل .. كلما شعر بأن قلبها يحبه حقًّا، كلما شعر وكأنه امتلك العالم بآسره، فأحيانا ترواده شكوك انها لن تستطيع أن تكمل حياتها معه كما فعلت زوجته الأولى، ولكن حبها وإهتمامها وغيرتها يعادان إليه الثقة بنفسه وفى علاقتهم من جديد ..

❈-❈-❈

 مرّت الشهور وكانت (رؤى) خلال تلك الفترة تواصل التزامها الكامل بمتابعة حالتها مع الطبيب، متوازنةً بين دراستها الجامعية وحياتها الجديدة، حتى إنها كانت تشعر بسعادة لم تعهدها من قبل، سعادة تنبع من حب (حازم) بكل اهتمامه وصبره اللامتناهي دون شروط أو قيود، حتى انتهت سنتها الدراسية الأولى حينها، أخبر الطبيب (حازم) بأن (رؤى) قد اجتازت المرحلة الأصعب، وأصبح بإمكانهما العيش معًا تحت سقفٍ واحد ..

عرض عليها (حازم) أن يقيم لها حفل زفاف كبير يليق بها وبحبهما، إلا أنها رفضت معللة أنه أقام حفل كبير خلال عقد قرانهم وأنها يمكنها تنتقل للعيش دون أى شئ لكنه أصر على إقامة حفل زفاف لها لأن من حقها أن تسعد وأن تبدء حياتها من جديد وتستمتع بكل خطوة فيها ..

وبالفعل فى يوم الزفاف، كانت (رؤى) في فستانها الأبيض، تخطف الأنظار بنقائها وجمالها، بينما كان (حازم) تغمره السعادة، ليس فقط لجمالها الأخاذ، بل لأنه رأى في عينيها أنها تجاوزت أخيرًا كل عقدها، وتستعد أن تبدأ حياة جديدة دون خوف ..

وسط أجواء الفرح، اقترب (سيف) منها، عاقد العزم أن يبارك لها بعد أن تخطى الألم الذى ظلّ لسنوات يعصر قلبه، وقف أمامها، ناظرًا في عينيها بصدق ثم قال بنبرة دافئة

- مبرووك يا (رؤى) .. بتمنى من قلبى بجد تكونى سعيدة فى حياتك اللى جاية

ابتسمت (رؤى) ابتسامة عريضة، سعيدة بوجوده قربها، فهي لطالما اعتبرته هو وخالتها عائلتها الوحيدة في هذا العالم، كانت تشعر أن لا أحد لها سواهما، وكانت حزينة الفترة الماضية لأن (سيف) بعد عودته إلى حياتها، بدأ يتجنبها بسبب زواجها، فنظرت إليه بعينين دامعتين من الفرح وقالت

- أوعى تبعد عنى تانى يا (سيف) .. انت أخويا اللى مليش غيره

ابتسم (سيف) ثم أجابها بنبرة حانية

- طبعًا يا (رؤى) .. عمرى ما هبعد عنك

مدّت يدها إليه بعفوية، تقول له بنبرة طفولية

- وعد؟! وعد يا (سيف)!!

كان (حازم) جالساً بينهم، يراقب المشهد ممتلئًا بالحنق تجاهها وتجاه تصرفاتها المائعة، ولكنه مد يده ليمسك بيد (رؤى) الممدودة ل (سيف) قائلاً ضاحكًا

- وعد يا ستى .. أنا بوعدك بالنيابة عنه

انفجر (سيف) ضاحكًا وأشار بيده قائلاً بمزاح

- أنا ماعملتش حاجة! أنا بسلم من بعيد اهو يا دكتور

ضحك (حازم) وهو يجزّ على أسنانه مصطنعًا الغضب وقال

- معلش مراتى هى اللى هبلة

ضحك الجميع، ثم مدّ (سيف) يده ل (حازم) وهو يقول بمزاح 

- مبرووك يا دكتور .. بس خد بالك لو زعلتها فى يوم أنا اللى هقفلك! هى وراها رجالة برده

ابتسمت (رؤى) بسعادة ونظرت إليهما قائلة

- ربنا يخليك ليا يا (سيف) .. انت وخالتو وعمو (أحمد)

أدار (حازم) نظره نحوها، وقال وهو يطالع عينيها بوله

- اطمن يا (سيف) .. (رؤى) دى فى عينا وقلبى

ابتسمت له (رؤى) بخجل، ثم ودعهم (سيف) ورحل

لاحظ (حازم) أن عيني (رؤى) لا تزالان تلاحقانه وهو يبتعد، فابتسم بحنو وقال ممازحًا

- خلاص بقى .. بعد ما كنت أنا كل عيلتك بقى فى ناس بيشاركونى قلبك

ضحكت (رؤى) برقة وقالت

- بس انت اللى شاركت (سيف) فى قلبى مش العكس .. أنا عرفت (سيف) الأول وحبيته الأول بس كأخ يعنى

حدّق بها (حازم) قليلًا ثم أخذ نفسًا عميقًا، يحاول كتم غيرته وقال مبتسمًا

- بصى .. أنا النهاردة لو قطعتيّنى حتت مش هتخانق معاكى يعنى متحاوليش بأساليبك دى تخلى فيه خناقة .. مش هيحصل يا (رؤى)

ضحكت (رؤى) وضربته بخفة على كتفه قائلة

- انت مجنون يا (حازم)

وفي هذه اللحظة كان (حمدى) يقترب من (تقى)، التي كانت تقف وسط مجموعة من أصدقائها استأذنها بلطف أن يتحدث معها، فابتسمت فور أن رأته، وابتعدت عن أصدقائها قائلة بمزاح

- ايه يا (حمدى) عاوز (عمر) تانى؟!

ابتسم (حمدى) ونفى

- لأ المرة دى عاوز أكلمك انتى

نظرت إليه باهتمام وسألته

- خير؟

تنهد (حمدى) بعمق وقال

- انتى طبعًا عارفة عنى كل حاجة .. وبصراحة أنا الفترة اللى فاتت كنت بفكر انى اتجوز .. كنت خايف أربط حياتى بحد عشان طبيعة شغلى وخوفى أموت واسيب اللى معايا خصوصا بعد موت (حسن) زى اللى حصل ل (رغد) وابنها كده و ...

قاطعت (تقى) حديثه مستنكرة تلك الأفكار

- يا (حمدى) أى حد معرض للموت فى أى لحظة مش الظباط بس على فكرة

ابتسم (حمدى) وهو سعيد برزانة عقلها ثم قال

- عارف ان معاكى حق .. بس كنت برده خايف اظلم أى واحدة

ضحكت (تقى) وقالت بمزاح

- تمام يا حضرة الظابط .. ومين بقى اللى هتظلمها معاك دى؟! ولا عاوزنى أعرفك على بنات ولا ايه؟! قول سرك فى بير

ارتبك (حمدى) قليلًا وقال وهو يبتلع ريقه

- لأ يا ستى .. مش عاوز أعرف بنات ولا حاجة .. فى بنت معينة يعنى .. كنت عاوز أخد رأيها قبل ما أتكلم مع أهلها

ضحكت (تقى) وقالت ببراءة

- مين الحمارة دى اللى ترفضك يا (حمدى)؟! ده انت أمور وابن ناس وظابط وكله تمام .. طيب قول تعرفها منين؟! تحب اكلمهالك؟!

تنحنح (حمدى) وقال

- اخت صاحبى .. كنت متابع الأكونت بتاعها .. وتخيلى اتعلقت بيها من صورها فجأة كده

قهقهت (تقى) وقالت ممازحة

- أوعى تكون بتراسلها باسم مجهول .. الجو ده اتلغى من زمان يا (حمدى)

ضحك (حمدى) وقال

- لأ يا ستى .. واقف قدامها اهو عينى فى عينها

فتحت (تقى) عينيها بدهشة وهى لا تصدق ما سمعته توا ثم قالت

- ايه؟!

قال لها وهو يبتسم بخجل

- يعنى .. بنت أعرفها .. اخت صاحبى .. واقف قدامها .. مبيفكركيش بحاجة مثلاً يا (تقى)؟!

ارتبكت (تقى) بشدة وسألته بتوتر

- مين دى؟!

قال لها بحرج

- طيب يعنى افهم من كده إنك بترفضينى؟!

نظرت إليه (تقى) مطولًا، ثم تمتمت

- (حمدى) .. انت بتكلم عليا بجد؟!

أومأ برأسه مؤكداً، فقالت له مرتبكة

- بس .. بس انت مستحيل .. أنا وانت مستحيل يا (حمدى)!

صمت (حمدى) لحظة ثم قال

- تمام .. عالأقل كنت عاوز أخد رأيك الأول قبل ما أكلم (حازم) .. عشان ميبقاش فى حساسية بينى وبينه

ثم سألها بهدوء

- فيه حد تانى فى حياتك؟!

هزت (تقى) رأسها نافية بسرعة وقالت

- مفيش .. مفيش .. وهي دى المشكلة

حدق فيها (حمدى) مستفسرًا، فقالت له

- انت كنت شايف انى مش محترمة عشان كنت بكلم واحد من ورا اخويا .. ومش هينفع .. انت ممكن تستغل النقطة دى

قال (حمدى) وقد اتسعت عيناه بدهشة

- أنا؟! عمرى ما شفتك مش محترمة .. ولا ده جه فى بالى أصلا!

ثم نظر إليها بشك ظنًّا منه أنها لازالت تشعر بالحب نحو ذلك المجرم وقال

- هى مش القصة دى انتهت ولا ايه؟!

أومأت (تقى) رأسها بحسم

- انتهت .. طبعاً انتهت

قال مبتسمًا بمزاح

- لو مكنتش انتهت كنت هوصيلك ليه على حبس انفرادى

ابتسمت (تقى) بمرارة وهزت رأسها بآسى، فقال (حمدى) مكملاً

- الماضى يخصك .. وبعدين يعنى مانا كان ممكن اتقدم لبنت تانية وكانت مخطوبة قبل كده .. ده مايعيبهاش اصلا ازاى بتفكرى كده

قالت (تقى) بهدوء

- بس دى مكنتش خطوبة .. وانت عارف

قاطعه (حمدى) قائلاً بنبرة حانية

- يا ستى لعب عيال .. حاجة راحت لحالها خلاص .. المهم اتكلم مع (حازم) ولا هتخلى شكلى وحش؟!

سألته (تقى) ممازحة

- طب لو رفضتك هتدور على واحدة تانية ولا هتصمم عليا؟!

قال (حمدى) مبتسمًا

- أنا براقب الأكونت بتاعك واتعلقت بيكى .. وجاى النهاردة عشان كان نفسى اكلمك واشوفك .. أقول ايه تانى طيب؟

ضحكت (تقى) وقالت

- طيب كلم (حازم) .. وهبقى أقول ل (حازم) رأيى

ابتسم (حمدى) بسعادة غامرة، وشعر أن الدنيا اتسعت له أكثر مما كان يتصور ..

❈-❈-❈

مرّت السنوات سريعًا وكأنها لم تكن، غير أن أثرها العميق كان واضحًا على قلب (رؤى)، باتت تشعر بسعادة لم تعهدها يومًا، سعادة منحها لها الله حين أرسل لها (حازم) عوضًا عن كل ألم ذاقته ..

كان (حازم) نعمة حقيقية .. فكان أحياناً يعاملها كزوجٌ وتارة كصديق وأحياناً آخرى أخ وأب وتارة تشعر بأنه ابنها وهى والدته لم يخذلها يومًا، ولم يرفع صوته عليها أبدًا، كان سندها فى كل تفاصيل الحياة، شريكها فى تربية (نوح)، يشاركها أدق اللحظات ولم يفرض عليها شئ دون رغبتها ..

لم يكن يعامل (نوح) إلا كابنه، كان يحيطه بحب وخوف أبوي صادق، ولم ينسَ كذلك (عمر)، ابن أخيه الذى ظل قريبًا إلى قلبه، حتى شعر أن الله عوضه بطفلين بدلًا من واحد ..

كان (نوح) و(عمر) كتوأمين، لا يفترقان لحظة معًا فى كل خطوة يخطوها أى منهما ..

وحين آتت اللحظة الذى كان سيذهب بها (نوح) للمدرسة للمرة الأولى كان (حازم) جالسًا على طرف السرير، يساعد (نوح) فى ارتداء زيه المدرسى الذى كان يبدو عليه الضجر

- لاااا .. مش عاوز أروح المدرسة يا بابا!

قالها (نوح) بطفولة غاضبة فابتسم له (حازم) وربت على رأسه بحنان

- انت عارف أن (عمر) هيكون معاك

زم (نوح) شفتيه بتأفف وقال بتحدٍ

- هروح بس بشرط!

رفع (حازم) حاجبيه بدهشة وسأله

- خير يا (نوح)؟!

تجهم وجه (نوح) وهو يقول بجدية 

- تقعد معايا هناك!

لم تستطع (رؤى) تمالك نفسها التى كانت تشاهد حديثهم معا، فانفجرت ضاحكة وهى تقترب منهما موجهة حديثها إلى ابنها

- يعنى انت متعلق بباباك ومش متعلق بأمك يا ولد! بطل دلع بقى ويلا بدل الباص ما يفوتك!

ضحك (حازم) وهو يهز رأسه وقال بنبرة لينة

- فى سن معين لازم نتعلم فيه ازاى نتعامل مع الناس لأنه مش هينفع طول حياتك تبقى لازق فى بابا وماما لازم تبقى ..

قاطعت (رؤى) حديثه بنظرة حادة ونبرة مرحة ساخرة

- أيوه طبعًا دلعك ده هو اللى عامل فى الولد كده! ناقص تقعد تحكيله حدوتة قبل المدرسة!

رفع (حازم) حاجبيه بمزاح وقال وهو يضحك

- انتى مالك؟ أنا حر أنا و(نوح)!

سارع (نوح) بتأييد أبيه بحماس

- أيوه يا ماما ملكيش دعوة بينا!

وضعت (رؤى) يديها على خصرها تغالب الغيظ والضحك معًا، قبل أن تهتف

- يلا بقى باص المدرسة وصل! و(رغد) كلمتنى بتقول (عمر) مش راضى ينزل غير معاك يا بلطجى صغير انت!

قفز (نوح) عن السرير بخفة، وحمل حقيبته الصغيرة، ثم ركض نحو الباب ..

راقبه (حازم) وهو يهز رأسه بآسى، قبل أن يلتفت إلى (رؤى) حين خلا بهما المكان، وقال مبتسمًا

- بطلى بقى تبقى شديدة كده على الولد!

ابتسمت (رؤى) وهى تسير أمامه نحو المطبخ

- لازم أشد أنا طالما انت قلبك مش بيطاوعك تزعلوا!

اقترب منها (حازم) ببطء وهمس وهو يغمز بعينيه

- غيرانة ولا إيه؟ غيرانة عليا ولا عليه؟

ضحكت (رؤى) بصدق وأشاحت بوجهها

- أنا كنت بتمنى .. بتمنى لو كنت انت أبوه الحقيقى .. بتمنى كنت تبقى أول واحد فى حياتى ..

وضع (حازم) إصبعه برفق على شفتيها مانعاً إياها من إكمال الحديث، وقال بحنان

- هششش .. مش عاوز أسمع حاجة من الكلام ده .. (نوح) عارف انه والده متوفى ومع ذلك بيقولى بابا ليه انتى مش عاوزة تفهمى انه ابنى بجد

ابتسمت وهى تقول

- اصلا ابوه عمره ما كان هيكون احن منك عليه وانا عمرى ما حسيت غير أننا مع بعض بنكمل بعض

ابتسم (حازم) بسعادة فتابعت (رؤى) حديثها وهى تحضر طبق ما

- على فكرة .. فى محامى كبير عرض عليا أتمرن عنده فى المكتب .. إوعى تعترض! نفسى اوى اشتغل

رفع (حازم) حاجبيه بتسليم وقال وهو يبتسم

- تمام .. وأنا عمرى رفضت لكى طلب؟

ابتسمت له برقة، ثم توجهت نحو الخارج وهى تحمل بيدها طبق راقبها (حازم) وهى تخرج، ورفع صوته مازحًا

- رايحة فين؟!

توقفت عند العتبة والتفتت نحوه قائلة

- حضرتك نسيت (رعد) خالص وأنا قلت أطلع له الأكل مانت قاعد لازق فى (نوح) من الصبح كأنه مهاجر مش رايح المدرسة

ضحك (حازم) ثم تأملها بحب

- ربنا يخليكى ليا فعلاً نسيت .. قلقان على (نوح) فى أول يوم مدرسة وكده

ثم اقترب منها وقبّل رأسها قبلة خفيفة، ثم انصرف إلى عمله بعد أن ألقى عليها نظرة طويلة حانية ..

صعدت (رؤى) إلى سطح المنزل حيث كان (رعد) ينتظرها

وضعت له الطعام، وجثت على ركبتيها تملس على فروه بمحبة، تتذكر الأيام التى كانت ترتعد فيها خوفًا منه ومن كل شيء .. حتى من الحياة نفسها ..

نظرت إلى السماء الواسعة وأخذت نفسًا عميقًا، مسترجعة شريط حياتها، كيف لو كانت قامت على الأقدام على الأنتحار كانت ستخسر تلك الحياة السعيدة التى تعيشها الآن ناهيك عن جزائها فى الآخرة ..

اقتربت من السور الحديدى، وأسندت ذراعيها عليه، تطل على الشارع المزدحم بالحياة ..

ابتسمت لنفسها وهى تستشعر لأول مرة أن الحياة، رغم قسوتها، تستحق أن تُعاش بحلوها ومرها

يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة علا السعدني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة