رواية جديدة مرايا الروح لفاطمة الألفي - الفصل 3 - الخميس 10/7/2025
قراءة رواية مرايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية مرايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة فاطمة الألفي
الفصل الثالث
تم النشر يوم الخميس
10/7/2025
الليل يلف العالم بعباءته المخملية، في الظلام هناك بقايا أحلام لم تكتمل، صوت أزيز الريح وهمسات الليل الخفيّة بينما القمر يتوسط السماء، كالحارس على النجوم التي تختال حوله، يراقب الأرض بصمت رصين، ترسمه الغيوم حينًا، ويكشف وجهه حينًا آخر، يرسل ضوءه كقطرات ندى فضية تستقر على الأفق.
أما الليل في القلوب ليس فقط وقتًا للراحة، بل لحظة مواجهة مع الذات، وقت يتعرى فيه الإنسان أمام أفكاره، يُراجع أحلامه، ويُصارع ذكرياته في صمت، وتكون المشاعر أكثر وضوحًا، والأرواح أكثر شفافية..
بينما الفتيات يجلسن داخل الشرفة، يطالعون الافق البعيد والسماء الغائمة، والسحب التي تطوف بالفضاء الشاسع ، تنهدت "راما" بعمق ثم همست بما يثقل صدرها وهديل بجوارها، تنصت، تحاول أن تحتوي الكلمات، لكن ما كانت تسمعه لم يكن مجرد حديث، كان نزيفًا صامتًا، كان جرحًا يُفتح أمامها دون أن تملك القدرة على تضميده.
بصوت مهزوز، ونظرات ضائعة لكنها موصبة إلى وجه صديقتها:
-تعرفي هديل..؟ قديش بخاف أرد على أي اتصال، كل مرة بسمع فيها دق الجوال، بخاف أسمع أني فقدت أبوي.
كان صوتها مليء بالوجع، كأنه يخرج من عمق قلبها،خوف نشأ معها، إلى أن صار جزء من يومها، جزء من روحها
، تواجهه كل لحظة، محاصرة به، حتى وهي بعيدة عن حدود بلادها، فهو يعيش داخلها.
شعرت بالعجز، كيف ممكن أن تواسيها؟ أن تخفف عنها؟ لم تجد كلمات تستطيع أن تمحي خوفها، لكن رغم عجزها عن المواساة وصمتها، أقتربت منها احتضنتها، ضمتها إليها، كأنها تحاول أن تمنحها مساحة صغيرة من الأمان وسط هذا العالم القاسي.
عانقتها بقوة وخرج صوتها متهدج:
-قديش بحلم بلحظة ينتهي فيها هالكابوس... تتحرر فلسطين، يصير فيها أمان واستقرار، نعيش بدون صوت القذائف والصواريخ، بدون ريحة الموت اللي تفوح من أرض الزيتون.
أنسابت دموعهما سويا ،كأنهار جارية وهي تهمس بصوت ضعيف يحمل جرحا لا زال يقطر دمًا:
-إمي وأخوي ماتوا، وأنا كنت بالبيت... إمي أخدته وراحت السوق، بعدها صار قصف، ما رجعوا، أبوي شافهم جثث بالمشفى، ما ودعتهم .
صمتت قليلا ثم عادت تهمس بألم يمزق الفؤاد:
-عشان هيك أبوي قرر يبعدني، خلاني أجي مصر أدرس، بس هو... هو ظل هناك، يعمل واجبه اتجاه وطنه.
أدركت هديل حينها أن الكلمات لن تكفي، لن تكون قادرة على أن تقول شيئًا يغير هذا الواقع، لكن ما كان بيدها هو أن تكون جانبها، أن تصغى لها، أن تكون لها وطنًا صغيرًا يمدها بالأمان..
بعد لحظات الحزن ابتسمت "راما" وابتعدت عن احضان صديقتها وهي تقول بمرح:
-قديش احنا بؤساء وعم نحب الدراما.
بادلتها الابتسامة وهي تقول:
-أنتِ في مصر أم النكد ... قصدي أم الدنيا يا بنتي.
علت ضحكاتهن معا ولكن توقفت ضحكة هديل عندما ساءلتها راما عن والدها:
-ليش ما بتزوري بَيك، ولا بتحكي عنه، ليش ما بتقضي معه الويك إند؟
-جف حلقها وهربت بحدقتيها تنظر بعيدا ، يوجد شيء يسكنها لم تبوح به، تخفية في سراديب عقلها، تغلق عليه أبواب قلبها، لا تريد فتح بابًا أوصدته منذ زمن بعيد، عندما كانت طفلة صغيرة.
حين طال الصمت ولم تجد "راما" أي رد لسؤالها، علمت بوجود سر خفي بقلب صديقتها ولم تقدر على البوح به، فجذبتها من يدها ودلفًا سويا للغرفة ثم أغلقت زجاج الشرفة وقالت بهدوء:
-فينا ننام هلا، تعبت كتير اليوم بالمطعم.
طبعت قبلة ناعمة على وجنته "هديل" ولا زالت تحتفظ ببسمتها الهادئة:
-تصبحين على خير ديلوا.
-وأنتِ من أهل الخير يا قلبي.
دثروا بأجسادهن داخل الفراش ولكن كل منهما شاردة بما يورق قلبها ويجعل النوم يجافي أجفانها..
شعرت "هديل" أن ما تحمله في صدرها لا يُقارن، لا يساوي حجم الفقد والألم الذي ينسكب من "راما"بكل قسوة ومعاناة، والجراح التي تحملها صديقتها ولم تشفى منها، فهي لم تقدر على مواساتها أو مواساة نفسها..
❈-❈-❈
"داخل فيلا نادر عز الدين"
زوجته أرادت أن يكون هذا المساء مختلفًا، قررت أن تحتفل بهذه البداية الجديدة، بهذا الرباط الذي ازداد قوة بحملها، أرادت أن تسحب "نادر" إلى عالمها، أن تُغرقه في أجواء اختارتها بعناية لتجعل منه شريكًا متحمسًا لهذه المرحلة.
حيث الاضواء الخافتة تتراقص مع وهج الشموع التي ملأت الأجواء، وصوت الموسيقى الساحرة تُنساب بلحنه المفضل،بنغماتها العذبة التي تتغلغل في الهواء، تلامس الارواح، تُحرر الأحاسيس العالقة بينهما.
ارتدت"تيا" ثوبًا أحمر قاني، جريء كالنيران، مُنساب على جسدها كأنه لوحة رسمتها لتتناسب مع هذه الليلة.
خصلاتها الذهبية تنسدل بحرية على ظهرها، وكأنها امتدادٌ لهذه الأجواء الحالمة، تحركت نحوه بخطوات بطيئة، تمشي بدلال الأنثى التي تعرف جيدًا أنها تُجذبه إليها دون مقاومة.
مدت يدها له، عيناه استقرتا عليها، وعلى الرغم من شروده الذي يسكنه منذ سماعه خبر الحمل، وجد نفسه مُنجذبًا لهذه اللحظة، لهذه الحورية التي رغم كل شيء، لا تزال تُحاول أن تبقى مركز عالمه.
تمايلت بين ذراعيه، جسدها مُلتحم به، رائحتها ممزوجة برائحته، بانسيابية الموسيقى، وهو رغم كل مقاومته، استسلم لعالمها الساحر.
قضوا ليلة حالمة، مليئة بالحب والرومانسية، ليلة ظن فيها أن الحمل ربما يكون نقطة تحول، ربما يُبدل زوجته، يُزيل عصبيتها، يُخفف من حدة غيرتها التي كانت تخنقه، يُحرره من تلك السيطرة التي لم يفهم سببها أبدًا.
لكن ينخر عقله سؤال يتردد داخله؛
هل كانت هذه الليلة بداية جديدة حقًا... أم مجرد هدنة أخرى في حرب الاستحواذ والتملك؟
❈-❈-❈
عاد "دياب" إلى شقته، خطواته كانت ثابتة لكنها تحمل إرهاقًا دفينًا. قبل أن يصل، جاءه اتصال، أخرج هاتفه وأجاب بصوت رزين، تبادل الحديث مع صديقه لدقائق، لكنها لم تكن محادثة عابرة، كانت جزءًا من مساره اليومي، شيء يربطه بالواقع وسط دوامة تفكيره.
بمجرد أن أنهى المكالمة، دلف إلى الشقة، وأغلق الباب خلفه وكأنه يغلق على نفسه مساحة خاصة، مساحة لا يدخلها أحد إلا حين يسمح بذلك.
وضع متعلقاته عند خزينة الأحذية الموضوعة خلف الباب، حركة تلقائية، معتادة، ثم تابع سيره نحو غرفته، يُبدل ملابسه باخرى مريحة.
غادر غرفته و خطى نحو المطبخ ، يلب نداء معدته التي تصرخ بالجوع.
فتح البراد، تجول بعينيه داخل رفوفه، يبحث عن شيء سريع، شيء لا يحتاج الكثير من الجهد، لكنه يرضي جوعه،
وجد طبقًا من "السجق"المُجمد ، ابتسم لنفسه، ثم أخرجه، وبدأ في تحضير ما يحتاج إليه— بصل، فلفل ملون، بندورة طازجة، كلها امتزجت أمامه لتشكّل وصفة سهلة وبسيطة.
أخرج إناءً، سكب بعض الزيت، انتظر حتى بدأ يسخن قبل أن يضع البصل أولًا، يتحول ببطء إلى اللون الذهبي المكرمل، يطلق رائحته اللذيذة في المكان.ثم أضاف الفلفل، ظل يقلبه بالملعقة، يتأمل كيف يتغير لونه تحت الحرارة، كيف يمتزج بالبصل كأنهما يخلقان نغمة خاصة بهما.
حين شعر أنه نضج، أضاف البندورة، ثم السجق، نثر الملح والبهارات، ترك كل شيء على النار، غطى الإناء، وسحب نفسه للخارج للحظات.
شرد بذهنه بعيدًا، كان يسترجع لقاءه مع ضي، كان يشعر بالهدوء وهو يتذكر الطريقة التي نظرت بها إليه، ارتسمت الابتسامة على محياه دون أن يُدركها، ثم تنهد بعمق، مرت عشر دقائق، عاد للمطبخ ، أغلق الموقد، سكب الطعام في الطبق، وضع بعض الخبز المحمص بجانبه، ثم جلس يتناول طعامه... بتلذذ..
بعدما أنهى طعامه، نهض بخطوات هادئة، لا استعجال في حركته، لكن في داخله كان يصارع أفكار متشابكة لا تهدأ.
توجه إلى "غرفة مكتبه" ، فتح الباب ودخل دون أن يشعل الأضواء، ثم جلس خلف مكتبه، أراح كفيه فوق سطحه للحظة قبل أن يتحرك ببطء، يفتح أحد أدراجه، وعيناه ثابتتان على شيء واحد.
_المسدس_
أخرجه بحذر، كأنه يحمل شيئًا أكثر من مجرد معدن بارد، كأنه يمسك بأحجية من ماضيه، بشيء لم يكن يجب أن يكون جزءًا من حياته لكنه أصبح كذلك.
فتح خزينته، حدق بداخلها، تأكد من امتلائها بالطلقات النارية، حركة روتينية لكنه لا يمكن تجاهلها.
نهض ثانية، يسير بخطوات ثابتة، بطيئة، ولا يزال قابضًا بيده على السلاح، كأن أصابعه ترفض التخلي عنه.
دلف غرفته، هدوء المكان كان يُشبه صمته الداخلي، جدرانها شاهدة على ليالٍ طويلة من التفكير، من القلق، من الأفكار التي لا يشاركها مع أحد.
تمدد بجسده أعلى الفراش، خرجت أنفاسه ببطء، ثم وضع المسدس أسفل الوسادة، كأنه جزءٌ منه لا يستطيع أن ينفصل عنه حتى عندما يغمض عينيه.
حدق في السقف، بعيناه السوداويتان اللاتي تحملان مزيجًا من الذكريات والصمت الثقيل، كأنه عالق بين الماضي والمستقبل، بين قرار لم يتخذه وحقيقة لا يمكن الفرار منها.
❈-❈-❈
على جانب آخر عند حدود رفح، في قلب المشفى الميداني، لم يكن الطبيب "ماجد" مجرد معالج لجراح الجسد، بل كان شاهدًا على التاريخ وهو يُكتب بألم، يُرسم بدماء الأبرياء، يُحكى بدموع الصامدين.
داخل الممرات الضيقة، كان الهواء مُثقلًا برائحة المطهرات... وبرائحة الدم، كان الصوت خليطًا بين أنين الجرحى، وبين كلمات المواساة التي يرددها الأطباء رغم أنهم يعلمون أن الألم أعمق من مجرد كلمات تهدئة.
السرائر ممتلئة، المرضى يتكدسون، كل واحد منهم يحمل قصة، يحمل فقدًا، يحمل ذكرى لم تكتمل، يحمل ندبة لن تزول مهما التأم الجسد.
رأى فتاة صغيرة، بالكاد تبلغ العاشرة، تجلس على الفراش، لا تبكي، فقط تنظر إلى الفراغ، ثوبها ملطخٌ
بالتراب والدم، يداها لا تزالان ترتجفان، وعيناها تحكيان مأساة أكبر من سنّها.
اقترب منها"ماجد" جثا على ركبتيه أمامها، تحدث بصوت هادئ، لكنه لم يحصل على إجابة، فقط نظرت إليه بعيون شاردة، تائهة، كأنها لم تعد تفهم اللغة، كأنها لم تعد تعرف كيف تعبر عن الألم.
كان يجب أن تكون تلعب مع أصدقائها الآن، كان يجب أن تكون طفلة، لكن الحرب لا تمنح أمان الطفولة لأحد.
على الجانب الآخر، كان رجلاً مُسن ممددًا على السرير، أنفاسه مُثقلة، عيناه تائهتان، لكنه حين رأى ماجد، رفع يده بصعوبة، أمسكه، ضغط على كفه كما لو كان يريد أن يزرع فيه شيئًا من صموده.
-لا تقلق علينا، نحن شعب لا يُكسر، نحن الصخرة التي لن تتهشم.
كيف يستطيع أن يقول هذا وهو في هذه الحالة؟ كيف لا يزال لديه القوة ليكون صامدًا رغم ما فقده؟ رغم ما رآه؟ رغم الدماء التي سالت أمام عينيه؟
في زاوية المشفى، كانت أصوات القصف لا تزال تُسمع من بعيد، كأنها تذكر الجميع أن الحرب لم تنتهي، أن الخطر لا يزال قائمًا، أن العداد لا يزال يحسب أرواحًا جديدة ستُزهق في أي لحظة.
ولكن بين هذا الخراب، بين هذه الأصوات التي تخترق الجدران، كان هناك شيء آخر، شيء أقوى من الحرب، أقوى من الاحتلال، أقوى من الموت... 'الأمل"
كان شاهدًا على حكايات تستنزف القلب، على آلام لا يصدقها العقل، على وجوه تحمل في نظراتها قوةً رغم الانكسار.
غزة ليست مجرد مدينة، فلسطين ليست مجرد أرض، بل صرخة تُسمع رغم القذائف، رغم الأنقاض، رغم الموت الذي يحاول أن يخنقها... لكنها تأبى أن تموت.
رأى بأم عينه شعبًا لا يُكسر، وجوهًا شامخة رغم المحن، أجسادًا أنهكتها الحرب لكنها لا تزال واقفة، قلوبًا لم تقبل الذل، بل تُقاوم بصمتها، بابتسامتها، بصبرها الذي لا يعرف الاستسلام.
كل يوم، كان يفقد أحدهم جزءًا من حياته، فردًا من عائلته، صديقًا أو جارًا، لكن رغم ذلك، لا أحد يستسلم، لا أحد يُعلق الراية، لا أحد يتخلى عن الحلم الذي يعيشون من أجله. بلد العزة والكرامة، شعب لن ينكسر، شعب سيبقى صامدًا حتى تُحرر أرضه.
كلماتهم كانت تهز القلب، كانت تتردد في ذاكرته، كانت تسكنه كلما نظر في عيونهم، كلما رأى الدم الذي امتزج بتراب أرض الزيتون، كلما شعر بثقل القضية التي لم تنتهِ بعد.
لكن رغم الألم، رغم البكاء الذي يسكنه في الداخل، ظل واقفًا، ظل يُحارب بطريقته، ظل يُداوي جراحهم، رغم علمه أن الجسد يطيب، لكن ما يقتل الروح ليس الإصابة، بل فقدان الأحبة، رحيلهم، صوتهم الذي يُطفأ إلى الأبد.
فلسطين الجميلة، كعروس ترتدي ثوبها الأبيض، والمعتدي الأثيم يريد أن يغتـ صبها، أن يُدنسها، لكن الله قال عنها إنها مهد الحضارات، إنها أرض الميعاد، إنها ستظل حرة.
وسيأتي يوم، سينتهي الظلم، سترحل الغمة، سيرحل الطغاة، وسيُرفع اسمها عاليًا، ستبقى أرضها مقدسة، وتتحرر القضية الفلسطينية، حلم جميع ربوع الوطن العربي..
"ربما يبدو الطريق طويلًا، لكن الشعوب لا تموت، والأحلام لا تُهزم، والمستقبل لن يكون إلا لمن يناضل من أجله"
❈-❈-❈
تجمدت في مكانها، كأن الفراش أصبح لوحًا من الثلج يُقيدها، يُثبتها في قلب العاصفة التي تدور داخل رأسها، وهي وحيدة، محاصرة، كأنها تصارع وحشًا لا تراه، تشعر بخطوات تقترب، أنفاس تلاحقها، تُحيط بها من كل اتجاه، أيادي تمتد لسحبها إلى طريق مظلم، وهي تركض... أقدامها تغوص في أرض رطبة، لا تعرف إلى أين تتجه، ينتابها الذعر والتيهة، لا زال شخصًا خلفها يُطاردها، كوحش مفترس، كلما اقترب منها ، تحاول الصراخ، لكن صوتها لا يخرج،تجاهد من أجل الفرار وترغم عينيها على الاستيقاظ، لكن جسدها ثقيل، مُنهك، كأن شيئًا يُمسكها، يمنعها من التحرر.
قلبها ينبض بجنون، تأني بصوت يكاد مسموع، وفجأة،انتفضت من نومها، شهقت بحدة، أنفاسها متقطعة، صرخة مكتومة في محاولة يأسة للفرار، عيناها مفتوحتان على اتساعهما، لكنها لا تزال تشعر بالبرد، لا تزال تشعر بالخوف الذي لم يتلاش بعد.
شعرت بها"راما" عندما استمعت لشهقت "هديل" وأرتجافة جسدها؛ فتحت عينها وطالعتها بقلق ثم جلست على الفراش تمسد على ظهر "هديل" بخفة ولكن عاد جسدها ينتفض ورأت الدموع تنهمر من مقلتيها الصافيتين
-شو فيكِ هديل؟ ليش عم تبكي؟
تشبث بقوة بعناق صديقتها وظلت تشهق كأنها داخل أعماق بئر سقطت داخله ولم تستطيع النجاة.
أشفقت على حالتها تلك ثم هتفت بصوت عالِ تنادي والدة هديل:
-مريوم ...
كانت بالمطبخ تعد طعام الإفطار وعندما سمعت صوت راما تناديها، تركت ما بيدها وتوجهة إلى غرفتهما بخطوات واسعة ، فتحت الباب بلهفة لتجد ابنتها في حالة صدمة، نظراتها جاحظة تنظر للفراغ ورعشة تسري في جسدها وهي تحاول الانكماش على نفسها ولكن راما لم تترك لها مجالا للابتعاد عنها وتركها بهذه الحالة .
دنت منهما "مريم" ضمتها لصدرها وظلت تمسد على خصلاتها البنية وهي تقرأ ما تيسر من القرأن الكريم لكي تهدئ حالة الفزع التي اجتاحتها بعد رؤيتها لذاك الكابوس الغامض فهي لا تعرف ما الذي بدل حالة ابنتها وقلبتها رأسا على عقب بهذا الشكل المأساوي، ثوانٍ معدودة مرت عليهم كالدهر إلى أن ارتخت أوصالها وهزل جسدها واسبلت جفنيها ببطء حتى غطت في سبات، همت بتركها ولكن لا زالت متشبثة بيد والدتها رافضة تخليها عنها..
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة فاطمة الألفي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية