-->

رواية جديدة مرايا الروح لفاطمة الألفي - الفصل 2 - الأربعاء 9/7/2025

 

  قراءة رواية مرايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية مرايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة فاطمة الألفي


الفصل الثاني


تم النشر يوم الأربعاء 

9/7/2025


غادرت مبنى الكلية هائمة على وجهها، خطواتها لم تكن ثابتة، متعثرة، كأنها لا زالت طفلة تحاول استكشاف الأرض تحت قدميها، كأنها تتعلم المشي لأول مرة.

تتقازف الذكريات داخل عقلها كالامواج الثائرة التي لم تهدأ، لحظات متشابكة تتكرر، وكأنها عاجزة عن الهروب من الماضي، سيظل يلاحقها مهما ابتعدت.

 وصلت إلى الحافلة، لم تكن تبحث عن مقعد بقدر ما كانت تبحث عن زاوية تختبئ فيها، عن مساحة تقلل من شعورها بأنها مكشوفة أمام العالم

احتضنت دفترها وحقيبتها كأنها تحاول حماية نفسها، كأنهما الشيء الوحيد الذي يمكنه احتواؤها وسط ضجيج أفكارها. 

ألصقت جسدها بالنافذة، عيناها تبحثان في الطرقات عن نهاية لهذا الشعور الذي يطاردها، تعد الدقائق لكي ينتهي ذاك الطريق التي تشعر بطول المسافات ،تريد أن تصل إلى غرفتها، أن تنغلق على نفسها، أن تجد الأمان الذي فقدته خارج جدرانها.


حين وطأت قدماها عتبة المنزل، شعرت وكأنها أخيرًا تسطيع التنفس بهدوء، دست المفتاح في الباب، استمعت لصوت القفل وهو يدور، كأن هذا الصوت وحده علامة على مساحة الأمان التي تنتظرها بين جدران منزلها.

ولجت لداخل، استقبلتها والدتها بابتسامة دافئة:

-حمد لله على السلامة يا نور عيني.

دنت منها تقبل جبينها برقة قائلة:

-الله يسلمك يا ماما.

كان صوتها هادئًا، لكنه حمل شيئًا من الارتياح، من الاستسلام إلى هذا الدفء الذي لا تجده إلا هنا.

هتفت والدتها وهي تتوجه إلى المطبخ:

-يلا غيري هدومك، زمان خالتك جاية وهتتغدى معانا.

أومأت برأسها، ولم تضف شيئًا آخر، فقط توجهت إلى غرفتها، أغلقت الباب خلفها بالمفتاح، كأنها تؤكد أن هذه المساحة الآن ملكها وحدها، أن لا شيء يجب أن يعكر لحظة استردادها لنفسها.

وضعت حقيبتها أعلى الفراش، ثم سارت نحو خزانة ملابسها، تفكر في ما سترتديه، لكن الحقيقة أن عقلها كان بعيدًا، كان يفكر في صدى الرسائل التي استمتعت لها قبل لحظات، كانت تبحث عن لحظة هدوء أكثر من مجرد تبديل الثياب.


أما عن والدتها كانت تقف في المطبخ تنهي تجهيز الطعام، لكن صوت جرس الباب أوقفها عن ما تفعله.

مسحت يديها سريعًا وتوجهت إليه، وما إن فتحته حتى وجدت شقيقتها واقفة أمامها بابتسامة مشتاق،ضمتها بحنان، قبّلتها بحرارة:

-أهلًا يا حبيبتي.

تساءلت "خديجة" عن "هديل"، بينما كانت "مريم" تجهز السفرة.

-هديل جت من الكلية؟

-آه، في أوضتها بتغير هدومها، شوفيها على ما أحضر السفرة.

سارت اتجاه غرفة ابنة شقيقتها دقت الباب بخفة ثم همت بالدلوف ،ولكن استوقفها غلق الباب بالمفتاح، على صوتها مناديا:

-هديل .. انا ديجا أفتحي الباب.

جف حلقها بتوتر وخرج صوتها مضطربًا:

-حاضر يا ديجا ثواني بس.

مرت دقائق وأنهت "هديل" تبديل ثيابها بأخرى خاصة بالمنزل، عقصت شعرها لأعلى وفتحت باب غرفتها 

عانقتها خالتها بحب وهي تهمس بتسأل:

-لية قافلة على نفسك؟

هزت رأسها وهي تقول:

-عادي يعني يا ديجا.

هتفت والدتها مناديا إليهما لكي يتناولون الطعام ، توجها سويا إلى غرفة السفرة وكل منهما أستقلت بمقعدها خلف مائدة الطعام.

وعندما وضعت "هديل" ملعقة الأرز بفمها، هتفت خالتها بسعادة قائلة:

-في عريس زي القمر عاوز يتقدم لهديل.

سعلت بقوة، كادت أن تختنق، أسرعت والدتها تمد يدها بكوب الماء ، التقطته بلهفة وتجرعته مرة واحدة.

نظرت مريم تحدق في شقيقتها قائلة بعتاب:

-بقى كلام زي ده، ينفع واحنا على الاكل ، نتغدا الاول وبعدين نتكلم يا ديجا.

-أنا ماكنتش قادرة أمسك فرحتي وأنا شايفه هدول كبرت وبقت عروسه والخطاب هتتجنن عليها .

لم تتناول طعامها وحدجت خالتها بنظرات غاضبة ثم نهضت عن مقعدها وهي تبتر كلماتها :

-أنا مش عاوزة اتجوز ولا أشوف حد.

عادت إلى وحدتها داخل غرفتها وظلت تدور حول نفسها كأنها أسد جريح يبحث عن مخرج، عن شيء يخفف ألمًا لا يُرى لكنه ينهشها من الداخل.

لم تجد إلا أن تهاتف صديقتها الوحيدة والمقربة لقلبها، جارتها "راما" 


❈-❈-❈

تبادلا النظرات بينهما، ودارت تساؤلاتٌ لم تجد إجابات واضحة، بينما هتفت ديجا بتلقائية:

-أنا قلت إيه غلط؟ وبعدين أنا بقول لسه في عريس متقدم ، انا قولت هتتجوز يعني, أكيد هيكون في تعارف وهي تقرر بنفسها!

لكن رد مريم جاء مختلفًا، كان يحمل شيئًا من الأسى، من العجز أمام حالة هديل التي لم تعد تفهمها، تنهدت، نظرتها شاردة، وكأنها تستحضر المرات التي حاولت فيها الاقتراب من هديل لكنها وجدتها منغلقة على نفسها أكثر مما ينبغي:

-والله ما بقيتش عارفة، هديل طول الوقت في أوضتها، قافلة على نفسها… يمكن ما بتخرجش ولا بسمع صوتها غير لما راما تيجي تقعد معاها، أو هي تروح تبات عندها.


غمزت لها مازحة، وهي تبتسم وتساءلت بفضول:

-قولتلي راما... إلا ما فيش أخبار عن طبيب القلوب؟

زفرت مريم بضيق، وهي تقاوم مشاكسة شقيقتها فهي في مزاج لم يقبل بترهات شقيقتها:

-ديجا… بطّلي أسلوبك ده والنبي!

قالتها وهي تنهض، تحاول إنهاء الحديث قبل أن يتسع أكثر، وأردفت قائلة:

-قومي شوفي هديل، وأنا هقعد على ماكينة الخياطة، عندي فستان لازم أسلمه بعد يومين.

في الحقيقة ما يشغل عقلها الآن، هو ابنتها... والعالم الذي يبدو أنها بنته حول نفسها بجدار من الوحدة والعزلة.

و لكن إلى متى ستظل تلك القيود قائمة؟ وإلى متى ستظل هديل أسيرة عالمها الخاص؟ 

❈-❈-❈

أنهت "راما" عملها وتوجهت إلى منزلها القابع بنفس البناية التي بها هديل ووالدتها، كما أنهما جيران بنفس الطابق الشقة أمام الأخرى، ومنذ أن أتت "راما" ونشأت بينهما علاقة صداقة قوية وكل منهما وجد ملاذه في الاخر، حيث أنها مغتربة وهديل كانت متقوقعة على نفسها داخل وحدتها ، كما أن والد "راما" كان يأتي لزيارتها من حين لآخر وأوصى "مريم" على ابنته ومن يومها وهي تعاملها كابنتها وتهتم بها.

في غضون دقائق كانت تصعد الدرج وقبل أن تولج لشقتها قررت أن تذهب إلى هديل أولا، فبعد أن أجابت على مكالمتها وهي تشعر بأنها ليست على ما يُرام.

دقت الجرس وانتظرت هنيهة، عندئذ فتحت لها "مريم" تستقبلها ببسمة حانية 

-كيفك مريوم؟

-بخير يا قلب مريوم.

قالتها وهي تغلق الباب خلفها، بينما جالت راما بعينيها داخل الشقة وقالت بتسأل:

-وينها هديل؟

-في اوضتها ادخلي ليها وهسخن ليكم الأكل، أصلها ما أكلتش لسه.

سارت بخطوات واسعة وطرقت الباب عدة طرقات كأنها تقرع على الطبل وتدندن بصوتها قائلا :

-ديلوا ... حبيبي ... أفتح الباب ... ديلوا يا قمر مشتاقلك.

كلماتها المرحة جعلت البسمة تنير ملامح هديل وهي تنهض من فراشها تتجه ناحية الباب لفتحه.

دلفت لداخل الغرفة ثم نزعت حذائها واستلقت على الفراش بأرهاق، تقدمت منها هديل تتساءل بقلق:

-راما ..أنتِ كويسة؟

-منيحة، ثم جذبتها هي أيضا لتستقر جوارها على الفراش وطالعتها ببندقيتها قائلة:

-شو في؟ صوتك قلقني عليكِ.

في تلك اللحظة دلفت والدتها وهي تحمل صينية الطعام ، وضعته أعلى المنضدة الصغيرة وقالت هي بعدما استمعت لحديث راما:

-ديجا كانت هنا وكل اللي قالته أن في عريس ل هديل ، ومن وقتها وهي مدايقه كده .

شهقت بفرحة وتهللت أساريرها وهي تصرخ وتنهض عن الفراش :

-هاي خبر كتير منيح، ليش بعدك مدايقة؟

تأفافت بضجر وردت :

-رافضة الموضوع من أساسه فيها حاجة دي؟

تركتهم مريم وغادرت الغرفة دون أن تنبس بكلمة، أما راما ظلت تثرثر معها ، تريد معرفة سبب رفضها دون أن تلتقي بالشاب، لماذا تحكم بالرفض دون أن تقابله، تتحدث معه، تراه، فمن الممكن أن تنجذب له، لكن أبت جميع محاولاتها بالفشل.

❈-❈-❈

صفا "نادر"سيارته داخل حديقة الفيلا، أطفأ المحرك وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يترجل، كأن اللحظات التي قضاها داخل السيارة كانت فرصة أخيرة للاستعداد لدخول المنزل الذي بات يشعر بأنه يضيق عليه أكثر فأكثر.

سار بخطوات ثابتة، واجه الباب، وحين ولج إلى الداخل، كانت زوجته تنتظره كما تفعل دائمًا، بلهفة لا تخلو من استحواذ، بعناق يُشعره بأنه ملكها وحدها، وليس لنفسه أي حقٍ في الاختيار.

-حمد لله على سلامتك حبيبي.

قبلته برقة على وجنته، بينما رد بآلية تكاد تكون مدروسة، ابتسامةٌ تكاد تكون إجبارية أكثر من كونها طبيعية.

-الله يسلمك حبيبتي.

ثم صعد الدرج، متوجهًا إلى غرفته، لم يتوقف، لم يلتفت، فقط سار نحو المرحاض، يريد لحظة من العزلة، فرصةً مؤقتةً كي يستعيد نفسه بعيدًا عن محيطها المُحكم.

رشاش المياه انهمر فوق جسده، ومعه، حاول أن يُزيل ذلك الثقل الذي بدأ يشعر به كأنه امتدادٌ لحياته، كأنه جزءٌ من وجوده الذي لم يعد له فيه حرية القرار.

بعدما ارتدى ثيابه، هبط إلى الطابق السفلي حيث تنتظره زوجته، جالسةً على الطاولة، تروي بفخر عن افتتاح "الجاليري" الخاص بها، عن الحفل الضخم الذي تنوي إقامته، وعن رغبتها في أن يكون بجانبها في ذلك اليوم.

كان يسمعها، لكنه لم يكن يستمع حقًا، عيناه معلقة بطبق الطعام أمامه، يداه تتحركان بميكانيكيةٍ فارغة، ورأسه يردد شيء واحد فقط… يحتاج إلى أن يهرب.

أومأ برأسه، كأنه يوافق، لكنه لم يقل شيئًا، لم يكن هناك مجال للرفض، ليس حين تكون هي من تقرر كل شيء.

 انتهى من تناول الطعام، نظر إليها، قال بصوت هادئ:

-هروح المرسم، عندي لوحة لازم أنهيها.


لكن الحقيقة؟

لم يكن المرسم سوى ملجأ، لم يكن الفرشاة سوى مخرج، لم تكن اللوحة سوى حيلة للهروب… من الحصار الذي لم يعد يُطاقه.


❈-❈-❈


كان المرسم ملحقًا بحديقة الفيلا، كأنه عالم منفصل عن الحياة الصاخبة، ملاذ صنعه بيديه ليكون المساحة الوحيدة التي ينتمي إليها بالكامل.

دلف إليه بخطوات بطيئة، أغلق الباب خلفه كأنه يفصل بينه وبين كل قيود العالم الخارجي.

أضاء الانوار، ليرى أمامه تلك اللوحة التي كانت تمثل أكثر من مجرد ألوان ، فقد كانت صدى لروحه، انعكاسًا لمشاعره التي لم يستطع أن يقولها بالكلمات.

تحرك نحو جهاز الموسيقى، ضغط زر التشغيل، وفي لحظة، ملأ المكان بصوت اللحن الذي يحمله إلى عالم أخرى، يجعله يطفو بعيدًا عن كل ما يثقله.

ثم جلس نصف جلسة، عيناه معلّقتان باللوحة، يتأمل تفاصيلها كأنه يقرأ فيها قصة لم تكتمل بعد، كأنه يستمع لصمتها يبحث عن إجابة.

ثم أمسك الفرشاة، بدأ في مزج الألوان بدقة، بحذر، كأن كل حركة تحمل رسالة، كل ضربة بالفرشاة تحمل نبضًا من داخله، كأن الريشة ليست مجرد أداة، بل امتداد ليده التي تبحث عن التعبير دون قيود.

وحين بدأت أنامله تتحرك على سطح اللوحة، كأنه مايسترو يعزف سيمفونية صامتة، كانت الدندنات الخافتة التي خرجت منه تتماشى مع إيقاع الموسيقى، تتسلل إلى قلبه، ترفع عنه بعضًا مما أثقل روحه.

الفرشاة بين أصابعه تتحرك بتناغم مع الموسيقى، الضربات على اللوحة الخشبية تحمل جزء منه، شيئًا لم يسمح لأي أحد أن يراه أو يفهمه.

لكن تلك العزلة لم تدم طويلًا، فجأة، اقتحمت زوجته ملاذه، الباب بعنف، صوت خطواتها السريعة قطع هدوء المكان ، وفي لحظة، انطلق صوتها، ممتلئًا بالفرح، مشبعًا بالسعادة:

-نادر، أنا حامل!"

كلمتان فقط، لكنهما كانتا كافية لإحداث زلزال داخله.

تجمدت يده في الهواء، الفرشاة توقفت بلا حراك، بينما نظراته كانت مُعلقة بها، لا فهم ولا استيعاب، فقط دهشة عميقة لا يجد لها تفسيرًا.

كيف؟ متى؟ ولماذا الآن؟

ألم تكن هي من قررت الانتظار خمس سنوات؟ ألم تكن هي من قالت إنها ليست مستعدة بعد؟ 

قبل أن يتمكن حتى من استيعاب الفكرة، رأى السعادة تغمر وجهها، رأى بريقًا في عينيها لم يره منذ وقت طويل، قبل أن تهوي بين ذراعيه، قبل أن تضمه بقوة وكأنها تحاول أن تجعله يشاركها هذا الفرح الذي اجتاحها.

-أنا طايرة من السعادة يا حبيبي.. عشان هخلف قطعة منك!

" قطعة منه؟ لكن هل كان يريد ذلك؟ هل كان مستعدًا لهذا الرباط الذي بدا وكأنه قيدٌ جديد يُضاف إلى قيوده؟"

مرّت لحظة صامتة، ثقيلة، بين احتضانها له وشروده العميق.

ثم همس أخيرًا، بصوتٍ متردد، بالكاد خرج من بين شفتيه:

-أزاي ؟ وأنتِ كنتِ مأجله القرار ده وأنا أحترمت رغبتك؟

كان السؤال يحمل داخله كل المشاعر المتخبطة، كل التيه الذي شعر بها فجأة، والخبر الذي هبط عليه دون سابق إنذار.

_نادر أنت مش فرحان أن هيكون عندنا بيبي؟

هز رأسه نافيًا وجاهد في أخراج ابتسامته ثم أمسك برأسها وقبلها : 

-مبروك يا حبيبتي..

لم يكن الأمر مجرد خبر سعيد، كان قرارًا فرض نفسه، كان بابًا جديدًا يُفتح دون أن يكون لديه فرصة ليختار إن كان يريد العبور خلاله أم لا. 

❈-❈-❈

داخل العيادة النفسية"


بعدما غادر "دياب"، كان يجب عليها أن تتابع الحالات الأخرى، أن تركز، أن تكون كما اعتادت دائمًا، لكنها لم تكن كذلك.

عقلها ظل عالقًا مع هذا الشخص، الذي أقتحم عيادتها فجاة، شاردة عند الجلسة الغريبة التي بالكاد بدأت، عند الكلمات القليلة التي قالها ثم قراره السريع بالرحيل، عند وعده بأنه سيعود غدًا لبدء العلاج.

 كيف تُعالج شخص لم يكن واضحًا إن كان يريد العلاج بالفعل؟ كيف ستتعامل مع هذا الأمر وحدها؟

تنهدت بأسى وأسندت ظهرها إلى المقعد، نظرت إلى مكتبها لكنه لم يكن مجرد سطح خشبي أمامها، بل أصبح ساحة معركة تدور في رأسها، بين القلق والتخبط، بين العقل والقلب، بين خوفها مما هو قادم وبين صلابتها التي اعتادت أن تتحلى بها،لكن هذه المرة، كانت بحاجة إلى شيء أكبر من صلابتها.

التفتت إلى زاوية مكتبها، حيث يستقر إطار صورة حاتم، تجمعهما سوياً في لحظة من تلك الأيام التي لم تعد إلا ذكرى، أيامٍ كان فيها بجانبها، كان فيها الدعم والسند، كان فيها الصوت الذي يُهدئ كل ارتباك.

تمنت وجوده الآن، أن يتولى الأمر بدلاً منها، أن يزيل عنها عبء الإرهاق الذهني الذي بدأ يتسلل إليها.

تنفست بعمق، كأنها تحاول أن تُبعد وطأة هذا الشعور عنها، لكن حين خرجت الكلمات من بين شفتيها، خرجت بصوت يشوبه حزن، اشتياق لا يُمكن التخفيف عنه.

-الله يرحمك يا حبيبي... محتاجلك قوي يا حاتم.

"لكنه لم يعد جانبها ، والعبء كله أصبح عليها وحدها، كان شريكها في الحياة والعمل أيضا، ولكن بعد زواجهما بعام لاق حتفه أثر حادث سير مروع، وتوفاه الله قبل ستة أشهر وهي لا زالت لم تتخطى رحيله، الحزن يسكن قلبها ويمزق روحها، تشعر بأن العالم حولها يسوده الظلام، تحاول أرغام عقلها على عدم التفكير وأكمال مسيرتها ومسيرة زوجها الراحل في علاج مرضاهم، فلا ذنب لهما بما تمر به من حزن، عليها خوض المعركة دون كلل أو ملل، المريض النفسي يستحق أن تترك حياتها الخاصة من أجل أن تمسك بيده وتمده بالثقة وتستمع له بأنصات، تشعره بأنه ليس وحده في هذا العالم وأن مهما كبرت فجوته، مُعاناته، لابد وأن يتخطاها لإكمال درب الحياة ...


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة فاطمة الألفي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة