-->

رواية جديدة تعويذة العشق الأبدي لسمر إبراهيم - الفصل 22 - 2 - الإثنين 14/7/2025

 

قراءة رواية تعويذة العشق الأبدي كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية تعويذة العشق الأبدي

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة سمر إبراهيم 


الفصل الثاني والعشرون

2

تم النشر يوم الإثنين

14/7/2025


في اليوم التالي


طرقات على باب الغرفة ليسمح بدخول من بالخارج فانفتج الباب ودخل هشام وعلى وجهه ابتسامة انتصار لينظر إليه أدهم مضيقًا عيناه بعدم فهم فرآه يضع أمامه ملف ما وقد اتسعت ابتسامته ليأخذه منه بحاجبين معقودين وبدأ يتصفحه وهو يستمع إلى صوته:


- اتفضل يا سيدي كل حاجة عن البنت اللي ظهرت في الكاميرا اسمها هدى عبد الحميد مطلقة من قبل الجريمة بيوم واحد بس كانت بتربطها علاقة غير شرعية بالمتهم من حوالي سنة ودا واضح من سجل مكالماتهم والرسايل اللي بينهم.


نظر إليه وسأله بجدية:

- وهي فين دلوقتي؟

أشار بإبهامه للخارج وهو يجيبه بزهو:

- واقفة برا.

ابتسم بغموض زهو يعقب:

- طب دخلهالي وهات محمود يفتح المحضر.

وبالفعل ما هي سوى لحظات ودخلت المرأة بتوتر تقدم قدم وتؤخر أخرى وهي تتلفت حولها لتستمع إلى صوت صارم جعلها تنظر أمامها بخوف:

- اتفضلي يا مدام.

تقدمت بخطى بطيئة ووقفت أمام المكتب متحدثة بتلعثم:

- هـ هو أنا هنا ليه حضرتك؟

ضيق عيناه وأجابها بخبث:

- يعني انتي مش عارفة انتي هنا ليه؟

تسببت عرقًا وأجابته بحروف متقطعة:

- و وأنا هعرف منين؟

ابتسم لها ابتسامة لم تلامس عيناه وحدثها باقتضاب:

- هتعرفي دلوقتي.

أنهى حديثه وهو ينظر نحو الشرطي الجالس بجواره محدثًا إياه بعملية

- افتح التحقيق يبني.

استجاب له على الفور فنظر أدهم نحوها ليبدأ التحقيق معاها:

- اسمك وسنك وعنوانك 

أجابت بتلعثم:

- هـ هدى عبد الحميد لطفي، ٢٦ سنة ساكنة ف ....

باغتها بما جمد الدماء بعروقها:

- إيه علاقتك بالمدعو أحمد النويشي.

شعرت بدوار يجتاح جسدها حتى كادت ان تسقط مغشيًا عليها فوقف هشام وساعدها على الجلوس محضرًا لها بعض المياه لتشعر وكأن عينان ذلك المحقق تخترق روحها فلقد كان لا يحيد بنظره عنها يقرأ كافة تعابير وجهها ولغة الجسد الخاصة بها منتظرًا لبضع لحظات حتى استعادت اتزانها وحدثها بجدية:

- أظن بقيتي أحسن دلوقتي ياريت تجاوبي عالسؤال.

حمحمت وقامت بارتشاف القليل من الماء وهي تجيبه دون أن تنظر نحوه:

- مـ عرفش حد بالاسم ده.

ابتسم بتهكم وهو يعقب على حديثها:

وكان هيغمى عليكي ليه لما سمعتي اسمه طالما متعرفيهوش.

نفت برأسها وهي تجيب:

- لـ لا، لا مش عشان سمعت اسمه ولا حاجة أنا بس اتوترت من الموقف أصلي أصلي أول مرة ادخل قسم.


عقب على حديثها بثبات وكأنه لم يستمع إلى ما قالته الآن:


- هعيد عليكي السؤال تاني وجاوبي من غير لف ودوران إيه علاقة بالمدعو أحمد النويشي وعشان أريحك احنا عارفين ان كان فيه علاقة بينكم قولي كل حاجة أحسنلك ومن غير كذب.


طالعته بعينات مغرورقتان بالدموع وكأنها تتوسل إليه أن يتركها غير قادرة على النطق وكأن الكلمات تقف في حلقها تأبى الخروج وعندما وجدت التصميم الواضح على ملامحه بدأت في الحديث بتقطع مطأطأة الرأس وهي تزيل خصلات شعرها لتضعها خلف أذنيها:

- أ أ أنا أعرف أحمد من حوالي سنة اتعرفنا من على النت كنت حاسة بالوحدة والفراغ بسبب سفر جوزي ومعاملته الجافة ليا طول ما هو مسافر، كنت بضيع وقتي عالفيسبوك علشان محسش بملل وفي يوم كتبت تعليق على بوست وهو دخل رد عليا كان معجب بردي وأشاد بحسن تفكيري بعدها دخلي عالخاص وبدأنا نتكلم كنا في الأول بنتكلم كلام عادي كأصدقاء هو بيكلمني عن حياته بعد الطلاق وقد إيه وحيد وانا بشتكيله من هجر جوزي ليا شوية شوية بدأت الصداقة تتحول لإعجاب كنا بنتكلم كتير جدًا ملا الفراغ اللي كنت حاسة بيه لدرجة إني مبقتش افكر في جوزي نهائي وكأنه مش موجود في حياتي حتى لما كان بيتصل كنت بخلي الولاد هما اللي يردوا عليه، أحمد كان فيه كل المواصفات اللي كنت بحلم تكون في جوزي حسسني بالحب والاحتواء وبقى بالنسبالي كل شيء لحد لحد.

صمتت قليلا فحثها أدهم أن تكمل حديثها معقبا باقتتضاب:

- لحد إيه؟

ارتشفت بعض المياه مرة أخرى لتكمل وهي تشعر بغصة لا تصدق أنها قامت بذلك بالفعل متمنية لو يعود بها الزمن مرة أخرى لتتراجع عن كل ما فعلته:

- لحد ما اتقابلنا وحصل اللي حصل في الأول كنت حاسة بالذنب وقرفانة من نفسي لأني ست خاينة بس هو قدر بطريقته يشيل كل ذرة ندم جوايا واتكررت اللقاءات وفي كل مرة احساس الذنب يقل لحد ما راح خالص وبقيت أنا اللي أطلب منه نتقابل حبيته جدًا وحسيت اني مقدرش أعيش من غيره.


ضيق عيناه وهو يسألها بحزم:

- وبعدين؟


تلعثمت وارتعشت يديها وهي تجيبه:

- وبعدين إيه؟ مفيش دا كل اللي حصل.

ابتسامة ماكرة ارتسمت على وجهه وهو يسألها  

- أومال روحتيله البيت يوم الجريمة ليه؟

باغتها بسؤاله ليشحب وجهها وأحست وكأن روحها تنسحب من جسدها لا تقوى على الحديث لتجده يردف بثبات:

- قتلتيه ليه؟

كلمتان نزلتا على مسامعها كالصاعقة، تصلب جسدها ونظرت إليه بدموع لتجيبه وهي تحرك رأسها يمينًا ويسارًا بسرعة شديدة:

- مقتلتوش صدقني مقتلتوش أحمد دا كان روحي حد يقتل روحه.

لأول مرة منذ بدء التحقيق في هذه الجريمة يصبح عنده يقين بأن من تقف أمامه الآن هي القاتلة نعم فلديه من الخبرة الكافية التي تؤهله لمعرفة القاتل من النظرة الأولى له فعقب بتأكيد:

- لا قتلتيه أحسنلك تعترفي وتحسني موقفك في القضية لأننا كدا كدا هنقدر نثبت التهمة عليكي ولا نسيتي بصماتك على السكينة اللي قتلتيه بيها.


زاغت عيناها وتهدلت أكتافها وكأنها انفصلت عن العالم كانت تنظر للفراغ أمامها وهي تتحدث بتيه:


- بس أنا مكونتش أقصد أنا أنا كنت بحبه أكتر من نفسي وضحيت علشانه بكل حاجة بيتي وعيالي وجوزي، سيبت كل حاجة علشان أبقى معاه وأهم حاجة ضحيت بيها هي شرفي أنا عملت عشانه حاجات لا يمكن كنت اتخيل إني ممكن أعملها في حياتي أنا كنت لما بسمع عن واحدة خانت جوزها بتنزل من نظري ولا يمكن أعرفها أو اتعامل معاها أنا من سنة واحدة بس لو كان حد قالي إني هخون جوزي مكونتش عمري هصدقه بس بس أنا حبيت أحمد بجد وعلشانه اتنازلت عن كل حاجة وفي المقابل خدت إيه؟ ولا حاجة.


قالت جملتها الأخيرة وانهارت من البكاء وهي تضع وجهها بين كفيها جسدها يرتجف بشدة لا تصدق أن يصل بها الحال إلى هذه الدرجة علاقة عابرة تصل بها إلى حبل المشنقة.


زفرة ساخطة خرجت منه وهو يبدل نظره بينها تارة وبين هشام تارة أخرى ليجده هو الآخر ينظر إليها بتعاطف إلى حالتها وبادر بالحديث وهو يمد يده إليها ممسكًا بكوب المياه محاولا تهدئتها:


- اهدي يا مدام واتفضلي اشربي حاولي تقولي كل اللي حصل يمكن موقفك في القضية يتحسن.


توقفت عن البكاء قليلًا ورفعت وجهها المغطى بالدموع وأخذت منه الكوب وارتشفت بضع قطرات محاولة التخفيف من نشيجها وتحدثت بحروف متقطعة من أثر البكاء:


- أنا واحمد كانت علاقتنا كويسة جدا لحد ما جوزي رجع من السفر من إسبوعين ساعتها أنا ماكونتش طايقة أعيش معاه أو أخليه يقربلي علشان كدا اتصلت بيه وقولتله إني بفكر أطلق بس هو بدل ما يشجعني علشان نبقى مع بعض لقيته بيقولي متسرعش ومبقاش يرد على تليفوناتي بس أنا قولت يمكن خايف يعملي مشاكل وبدأت أختلق مشاكل مع جوزي لحد ما صممت عالطلاق واطلقت فعلا ساعتها الدنيا مكانتش سعياني من الفرحة وجريت عليه علشان أقوله إني خلاص بقيت حرة ونقدر نتجوز بس لما فتحلي كان شكله مبهدل ومضروب ومتعور في وشه وجسمه زي ما يكون كان في خناقة والشقة كمان كانت مبهدلة أنا اتخضيت عليه جدا وجريت حضنته وسألته إيه اللي حصل وأنا بشوف الكدمات اللي في وشه بس هو كلمني بطريقة وحشة وقالي ايه اللي جابك دلوقتي وطلب مني أمشي علشان جوزي ولما قولتله خبر طلاقي كلمني بطريقة زي الزفت وطردني وقالي مكلموش تاني أنا مكونتش مصدقة اللي بيعمله ولما فكرته بوعوده ليا وإننا لازم نتجوز قالي أنا مضربتكيش على إديكي علشان تعملي علاقة معايا وإن كل اللي بينا وقت حلو بنقضيه في السرير وبس ومحلمش بحاجة أكتر من كدا وإنه لا يمكن يآمن على اسمه وشرفه مع واحدة خانت جوزها معاه وان اللي تعمل كدا مرة تعملها ألف مرة ساعتها حسيت إن الدنيا ضلمت في عنيا وظهر وشه الحقيقي حسيت إني ضيعت نفسي علشان واحد حقير عمره ما حبني محستش بنفسي ولقيتني من غير ما حس بمسك السكينة اللي كانت محطوطة على طبق الفاكهة وبضربه بيها كان مديني ضهره ولما التفت بعد ما ضربته حاول يقاوم بس أنا رغبة الانتقام جوايا كانت عمياني وقعدت أضرب فيه من غير وعي مفوقتش غير وانا ماسكة السكينة وبدبحه بإيدي وقتها بس حسيت إني خدت حقي وحق كل ست ضحك عليها وغدر بيها أنا، أنا مش ندمانة إني عملت كدا ولو رجع بيا الزمن هقتله تاني أنا بس صعبان عليا عيالي اللي هيعيشوا بعاري طول عمرهم.


أنهت حديثها وأجهشت في البكاء ليأمر أدهم باصطحابها إلى غرفة الحجزحتى يتم عرضها على النيابة وبداخله العديد من المشاعر المتضاربة لا يعلم هل يتعاطف معها ويلتمس لها العذر أم يشمئز من فعلتها التي ستدفع ثمنها عائلتها بأكلها وأولهم أطفهالها.


❈-❈-❈


بعد مرور يومين


ابتسمت براحة وهي تريح رأرسها على صدره العاري لا تصدق أنه معها الآن وانقشعت الغمة إلى غير رجعة، انتبهت على حركة يده التي تعبث بشعرها لتسمعه يحدثها بنبرة حنونة:


- سرحانة في إيه؟


أسندت ذقنها على صدره وهي تنظر له بحب غير مصدقة تحول شعورها نحوة كأنه جاء حينما ضاقت بها السُّبل، وتملك اليأس منها، حين ظنتُ أن لا أحد سيطرق باب قلبها إلا ليغادره. كانت تخفي انكسارها خلف ابتسامة هادئة، وتقنع نفسها بأنها بخير حتى التقت به.


لم يكن مجرّد شخص عابر، كان الطمأنينة التي لطالما تمنتها، والسند الذي تهيّبت الحلم به. تنظر إليه، لترى به دعواتها القديمة وقد تحوّلت إلى ملامح، إلى صوتٍ يعرف كيف يربّت على قلبها بكلمة، إلى قلبٍ لا يُشبه إلا الرحمة.


لمساته الرقيقة لوجهها أخرجتها من شرودها فابتسمت له برقة وهي تنظر إليه بعينين تفيضان بالحب لا تعلم متى تسلل إلى قلبها ليبتسم هو الآخر تلقائيًا وحدثها بحنان وهو يتلمس وجهها:

- إيه هتفضلي تبصيلي وانتي ساكتة كدا كتير؟

اتسعت ابتسامتها وحادت بعينيها خجلًا فحرك وجهها ليجعلها تنظر إليه مرة أخرى وأردف بمرح:

- لا بقولك إيه هتفضلي تتكسفي كدا كتير هفضل أعيد اللي عملناه دلوقتي لحد ما تبطلي كسوف خالص انتي حرة بقى.

احمر وجهها خجلًا وفقدت القدرة على الحديث خاصة فور سماعها لصوت ضحكاته الصاخبة وجحظت عيناها عندما وجدته يقترب منها وهو يتحدث بخبث:

- لا دا انتي شكلك كدا عايزاني أثبتلك عملي.

كادت أن تغادر الفراش لتجد يده تحيط بخصرها يمنعها من التحرك مقربًا وجهه منها ليتحدث وهو ينظر إلى شفتيها برغبة شديدة:

- رايحة فين دا لسة فيه كلام كتير عايز أقولهولك.

لم تكد تفتح فمها لتهم بالرد عليه حتى وجدته يلتهم شفتيها بقبلة محمومة تحمل شوقه الجارف لها فلقد أيقن بأنه يعشقها بالفعل رغم قصر مدة معرفته بها ولكنه أدرك ذلك عندما ابتعد عنها الأيام السابقة فليذهب العالم للجحيم لا يبالي بذلك ما دامت هي معه وبين أحضانه.


❈-❈-❈


كأنّ الليل طال عليه أكثر مما ينبغي، وكأنّ الوقت يسخر منه كلما نظر إلى هاتفه المنتظر لرجفةٍ من اسمها.

غضبه ليس صخبًا، بل هو وجعٌ مكتوم، كبركان لا يجد من يحتوي حرارته.

لقد أخطأ، نعم، واعترف، وطرق باب قلبها بكل الطرق، لكنّ صمتها أشد من الإعراض، وأقسى من الجفاء.

يتقلب بين لوم نفسه وعتابها، يتساءل بينه وبين نفسه:

- أما آن لقلبها أن يلين؟ أما سئمت الصمت الذي يفتك به أكثر مما فعلت كلماته؟

كأنها تعاقبه بالصمت، وهو لا يملك سوى الندم، والغضب، والاشتياق الذي ينهشه كل لحظة.

يريد أن يصرخ: "ردّي عليّ، حتى لو بالرفض، لا تتركيني معلّقًا بين الغضب والرجاء!"

لكن صوته لا يسمعه سوا قلبه، وذكرياته معها...


هاتفها مرارًا وتكرارًا ولكنها تأبى أن تجيب ألا يكفيها اعتزاره لها أكثر من مرة حتى أنه ذهب إلى منزلها فرفضت أن تقابله يكاد عقله أن يجن من ردة فعلها المبالغ فيها هذه، نعم هو أخطأ ولكنها كان لا بد وأن تلتمس له العذر فحياة صديقه الوحيد كانت على المحك وشقيقتها السبب فماذا كان عساه أن يفعل؟

زفر بسخط فور انتهاء رنين الهاتف للمرة التي لا يعلم عددها فتملكه الغضب وكاد أن يقذف به نحو الحائط الذي أمامه ولكنه تراجع في اللحظة الأخيرة عندما وجد شاشته تنير باسم أحد موظفيه في فندق الأقصر لينحي غضبه جانبًا وأجابه ليعرف مجريات العمل بالفندق طوال مدة غيابه.


❈-❈-❈


كانت تُحبه كما يُحب الطفلُ أمانَ حضنٍ لا يخونه.

رأت فيه ملاذها، اعتقدت أنه الثبات في عالمٍ يتقلب، لكنها ما كانت تدري أن الطعنة الأعمق تأتي دومًا ممن نظنهم الأمان.


لم يكن الخذلان مفاجئًا، لكنه جاء بصمتٍ موجع.

لم يصرخ قلبها حينها، بل انكمش كزهرةٍ جففها الندم.


الخذلان منه لم يكن لحظة، بل سلسلة من الانكسارات،

كل كلمة قالها في لحظة غضبه، بقيت محفورة في ذاكرتها، هكذا هو الخذلان حين يأتي من الأحبة، لا يُعلَن، لا يُرفَع فيه صوت، لكنه يهدم الداخل حجراً بعد حجر،

حتى لا يبقى منها سوى ظلّ أنثى، كانت يومًا تُحب... ثم انطفأت.

كعادتها دائما تنسحب بصمت دون أن تترك لها أثرًا وكأنها لم تكن موجودة من الأساس، قد يظنها البعض مبالغة في ردة فعلها كما نعتتها رهف عندها قصت عليها ما حدث ولكنها هذه هي ولن تتغير مهما حاولت ذلك فإن كان يرى بأنها هي وشقيقتها سببًا لما حل به هو وصديقه من مشكلات فستنسحب من حياته دون عودة وتجنبه ما يلحق به من مشكلات بسببها.

لقد هاتفها للمرة التي لا تعلم عددها لم تجيب وأتى لمنزلها وأبت أن تقابله وستظل ثابتة عل موقفها هذا مهما حاول.

اليوم هو يومها الأخير في القاهرة ومن الغد ستعود للأقصر مرة أخرى نعم تخشى رؤيته هناك ولكنها عزمت على عدم الرجوع في قرارها بغلق تلك الصفحة من حياتها للأبد.

خرجت من مقر عملها ومعها زملائها يتحدثون سويًا عن موعد تجمعهم بالمطار ولكنها تجمدت مكانها فور سماعها لصوته مناديًا باسمها نظرت أمامها فوجدته واقفًا ينظر إليها بلوم فازدردت بتوتر وكادت أن تتجاهله وتستمر في سيرها ولكنه أبى ذلك ممسكًا بيدها ومال برأسه نحوها متحدثًا برجاء:

- ممكن تيجي معايا نتكلم في أي مكان.

تلفتت حولها لتجد نظرات جميع زملائها منصبة نحوها فلم تستطع التحدث أمامهم وذهبت معه على مضض عازمة على تركه فور الابتعاد عنهم ولكنه لم يتيح لها تلك الفرصة وأصر على جعلها تركب معه في سيارته لينطلق بها.

نظرت إليه وهي تصيح بغضب من تصرفاته الصبيانية:

- وقف العربية يا يونس ونزلني.

لم يلتفلت لها وعقب بمشاكسة وهو ينظر للطريق أمامه:

- مش هوقف ومش هتنزلي إلا لما تسمعيني.

أنهى جملته وهو ينظر إليها وحدثها بجدية:

- أظن أنا ليا رصيد عندك يخليكي تسمعيني الأول وبعدين تقدري تعملي اللي انتي عايزاه ومش هناقشك.


لم تعقب واكتفت بالصمت وهي تنظر للطريق أمامها لترتسم ابتسامة خفيفة على وجهه فلقد قطع نصف المسافة بجعلها توافق على للاستماع له ما عليه الآن سوى الاستماتة لجعلها تسامحه نعم لقد تيقن بالأيام السابقة بأنه يحبها بالفعل ولا يستطيع العيش بدونها.


بضع دقائق مرت عليهما في صمت لتجد السيارة تقف أمام إحدى الأندية الشهيرة فالتفتت إليه دون أن تنطق عاقدة حاجبيعا بعدم فهم فعقب بابتسامة هادئة:

- هنقعد جوة علشان نعرف نتكلم براحتنا.


زفرت بضيق وخرجت من السيارة على مضض لتسير بجانبه وهي تتلفت حولها فهذا المكان لم تكن تحلم بالمرور من أمامه فنظرت إليه بشك وهي مضيقة عيناها هل يحاول إبهارها لتسامحه؟ ولكن هيهات فإن كان ذلك هو هدفه فهو لا يعرفها جيدًا.


سحب لها المقعد ليجلسها وهو يبتسم بحب فحاولت كتم ابتسامتها ورسم الجمود على وجهها لتجلس بتذمر مصطنع جعل ابتسامته تتسع فهي جميلة حتى في خصامها له.

حمحم وهو ينظر إلى وجهها العابث والمحبب إلى قلبه وحدثها بصوت يملؤه الندم:


- أنا عارف إني غلطان وإنك ليكي حق تزعلي بس حطي نفسك مكاني لو رهف هي اللي مكان مروان كان رد فعلك هيكون إزاي؟


كادت أن تجيبه ولكنه قاطعها مستأنفًا حديثه:


- أنا مش بقولك كدا علشان أبرر موقفي تنا بس عايز أوضحلك أسبابي ودا كله ميمنعش أني أعتذرلك، عهد أنا آسف وأوعدك إنها مش هتتكرر تاني.


لا تنكر أن اعتذاره لها والصدق الذي تقرأه في عيناه أزالا الكثير من غضبها منه ولكنها أبدًا لن تتصالح بتلك السهولة حتى تضمن أنه لن يكررها مرة أخرى فجاهدت نفسها حتى تستطيع رسم الجمود على وجهها وعقبت باقتضاب:

- والمطلوب.


استشاط غضبًا من برودها معه كان عنادها كـ جدارًا منيعًا، تصطدم به رسائل اعتذاره كما تصطدم الأمواج بالصخور؛ تنكسر وتعود، ولا شيء يتغيّر رغم كل محاولاته فزفر بضيق وعقب بغضب طفيف:


- هتفضلي زعلانة ومركبة الوش الخشب كدا كتير؟ مكونتش اعرف إن زعلك وحش أوي للدرجادي.


ابتسامة طفيفة ارتسمت على وجهها رغمًا عنها فالتفتت حتى لا يراها ولكن هيهات لتجد يده تلامس ذقنها ليدير وجهها نحوه وغمز لها وهو يتحدث بمشاكسة:


- ضحكت يعني قلبها مال، خلاص طالما ضحكتي يبقى صالحتيني مش كدا؟


دون إرادة منها وجدت نفسها تحرك رأسها لأعلى ولأسفل بموافقة ولكنها تجمدت مكانها فور سماعها لتلك الكلمة التي خرجه من فمه دون سابق إنذار:

- تتجوزيني.


صدمة حلت عليها ألجمت لسانها فكانت تنظر إليه بعيون جاحظة تحاول استيعاب ما سمعته منه حتى أنها اعتقدت أنها تحلم أو أن ذلك صوت شخصًًا آخر آت من إحدى الطاولات المحيطة بهما لدرجة انها أخذت تتلفت يمينًا ويسارًا لتعرف من أين مصدر ذلك الصوت لتجده يضحك بصخب مما جعلها تشرد في ضحكاته التي خطفت قلبها وجعلتها تذوب به عشقًا متمنية أن يتوقف الزمن من حولهما حتى تظل تنظر إلى ضحكاته حتى آخر العمر.


- انتي بتتلفتي حواليكي كدا ليه؟


كان ذلك صوته الذي أخرجها من شرودها لتنظر إليه ببلاهة فاغرة فمها وهمهمت بتيه:

- ها.

ابتسم وهو ينظر إليها بحب ليعيد إلى مسامعها كلماته السابقة بتأكيد:

- بقولك تتجوزيني.


احمر وجهها خجلا وطأطأت رأسها دون أن تنبس ببنت شفه ليصل إليها صوته بكلماته المشاكسة:

- أعتبر السكوت علامت الرضا؟


لم تجيبه فأردف يحاول ممازحتها حتى يحثها على الحديث:


- لا بس انا مش واخد عليكي ساكتة كدا فين لسانك اللي طوله مترين.


رفعت رأسها تنظر إليه شزرًا فقهقه بصوت مرتفع وحدثها وهو يضع كفيه أمامها كـ علامة استسلام:


- لا أنا مش قد البصة دي أنا مش حمل لعنة الفراعنة.


اتسعت ابتسامها لجده يردف وهو يغمز لها بإحدى عيناه:


- يعني اعتبر دي موافقة؟


أومأت له بموافقة وقبل أن تنطق استمعت إلى صوت أنثوي آتٍ من خلفها:

- هاي، إيه الصدفة الحلوة دي.

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سمر إبراهيم، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة