-->

رواية جديدة بحر ثائر جـ2 لآية العربي - الفصل 17 - السبت 5/7/2025

 

قراءة رواية بحر ثائر الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية بحر ثائر

الجزء الثاني 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل السابع عشر 


تم النشر السبت 

5/7/2025



وهل يخفى القمر.... 


وهل يخفى الخطر... 


بين المطرقة والسنديان


بين السيئ والأسوأ... 


بين قدر يخيرك.. 


وآخر يسيرك... 


من سينتصر 


ومن سينكسر 


أحاديث الليل طويلة


احاديث الحب دوما قصيرة... 


أحاديث الحرب


 بلا نهاية.. لما لا نهاية... 


أحببتَ أو ما أحببتَ 


شئتَ أو ما شئتَ... 


كي تتجاوز الخطر.... 


كن في قلب الخطر... 


وكي تنال القمر.... 


أَحِبَّ الليل جدا... 


وتحمل طول السَّهر...


(خاطرة بقلم فيروزة) 


❈-❈-❈


لم يزُره النوم إلا بعدما اطمأن عليها ، وأخذوها إلى غرفة مجاورة لغرفة دينا . 


ينام جالسًا ورأسه متدلي على ظهر المقعد ، يجاوره صالح يغفو مثله بعدما غادر لوتشو خاليَ الوفاض . 


للمرة العاشرة على التوالي يرن هاتفه برقم منال ، تجلس تتقلب على صفيحٍ ساخن ، لا تستطيع ترك الصغيران بمفردهما وتذهب إليهم ، ومنعها داغر من اصطحابهما إلى هنا ، لذا أجبرت على المكوث في المنزل بغير راحة ، تريد رؤية ابنتها وتريد الاطمئنان على بسمة بنفسها ، غير أن داغر يؤكد لها أنهما بخير .( بقلم آية العربي) 


فتح عيناه بتعبٍ يشعر أن جسده تم تكسيره ، منهك للدرجة التي تجعله  لا يستطيع إمساك الهاتف جيدًا ، التقطه يجيب بصوتٍ واهن  : 


- أيوة يا ماما . 


نظرت للصغيرين اللذان يتناولان فطورهما على مقربةٍ منها ونطقت بتلهف  : 


- طمني أختك وبسمة عاملين إيه دلوقتي؟  شوفتهم؟ 


أجابها ورأسه مازالت ترتاح على المقعد : 


- يا ماما كويسين جدًا وشوية وهيكتبوا لدينا على خروج وهتكون عندك كمان ساعتين ، ماتقلقيش بقى ونامي شوية . 


- طب وبسمة مش هتخرج؟ 


سألته باهتمام ليجيبها بهدوء مبهم: 


- لسة شوية ، محتاجينها تحت الملاحظة . 


ازدردت ريقها ومسحت على وجهها تستغفر وتدعو ثم تساءلت : 


- طب إنت شوفت اختك؟ كلمتها؟ 


رفع نظره يطالع غرفة شقيقته التي لم يرَها بعد ثم زفر يجيب مراوغًا : 


- لسة ، أنا هقوم اغسل وشي لإن حاسس إني مش مظبط، أنا وصالح تعبنا أوي إمبارح ولحد دلوقتي ماحدش فينا أكل ولا نام كويس ، يالا سلام. 


أغلق معها ونهض يقف ليجد نفسه يترنح ولكنه صلب طوله لثوانٍ ثم تحرك نحو الحمام ليغسل وجهه ويحاول التركيز قليلًا  . 


عاد بعد دقائق ينظر إلى صالح الغافي ثم اتجه إلى غرفة بسمة يفتحها بهدوء ودلف يطالعها ، ترتاح على الفراش وتنام بسلام، المحلول يغذيها عبر الوريد الأيمن ، وذراعها الأيسر المصاب معلق في رقبتها باستخدام حزام طبي، شعرها محررًا خلفها وملامحها تناديه في كل مرةٍ ينظر لها  . 


تحرك نحوها حتى وقف قبالتها ، اتكأ على ذراعيه وانحنى قليلًا يقبل رأسها فلم تشعر حيث تغط في نومٍ عميق، سحب مقعده وجلس ثم مد يده يملس على كفها الأيمن والتقطه يقبله بالقرب من الكانولا وأعاده بهدوء وعاد يشرد فيها لتهجم عليه فكرةً سلبية . 


ماذا لو أصابتها الطلقة في مقتل؟ ماذا لو حدث لها مكروهًا ؟ كيف كان سيسامح نفسه؟ وكيف يسامح شقيقته ؟ وكيف يسامح والدته ؟ 


لو أنها رأت من تلك العائلة خيرًا لما طلبت حمايته ، جاء بها إلى عائلته ليحتووها ، ليعاملوها كابنة ، ليعوضوها عن فقدها ، ولكن رأى بعينيه ما لم يتوقعه . 


هي اختارته هو عن حياة الرفاهية وعن الأموال، وكادت تضحي بصرح والدها العظيم لأجل شقيقته، فكيف يعوضها؟ كيف يهبها الحب والاحتواء والدعم؟ وكيف سيقابل شقيقته وينظر في عينيها؟ حزين منها وعليها في آنٍ ولكن عنادها وتمردها هما من أوصلاهم إلى هذه النقطة. 


تنفس بقوة وثقلت رأسه ومالت عند يدها ليقرر أن يغفو هنا ، مجاورًا لها . 


❈-❈-❈


على الجهة المقابلة استيقظت دينا منتفضة تنظر حولها بذعرٍ، يبدو أنها عالقة بذاكرتها في ذلك المنزل، ولكنها حينما نظرت حولها تذكرت ما حدث، تذكرت إنقاذها من قبل صالح، ولكن أين داغر؟  إلى الآن لم ترَه؟ 


نظرت للمحلول الموصول بيدها لتجده قد شارف على الانتهاء لذا قامت بفصله وإغلاقه حتى يتسنى لها النهوض ، وبالفعل ترجلت ونهضت لتتحرك ولكنها شعرت بالدوار لذا عادت تجلس على السرير وتئن وتكونت الغيوم في مقلتيها لتستعيد ما مرت به ويزداد بكاءها. 


تنفست وحاولت النهوض مجددًا بعدما رحل الدوار، نجحت في الوقوف وبدأت تتحرك ببطء ، جسدها يئن وقدميها تنبضان بالألم ، ولكنها تريد رؤية داغر والاعتذار منه . 


وصلت إلى الباب وفتحته ثم تحركت خارجه لتجد صالح ينام أمام غرفتها ، بحالة مبعثرة ولكنها حينما رأته اطمئأت وتنفس قلبها محبةً له ، هو منقذها ، هو بطلها الجديد ، هو من ألقى على قلبها السلام وانتشلها من براثن ذلك الماجد وذلك اللوتشو أيضًا الذي لا تعلم إلى الآن كيف تواجد معه آنذاك  . 


تحركت نحوه وجلست تجاوره وتناديه بضعفٍ : 


- صالح  . 


استيقظ على الفور ينظر نحوها فابتسمت له فولاها اهتمامه واعتدل يتساءل بلهفة : 


- إنتِ منيحة ؟ في شي عم يِجعك  ؟ 


هزت رأسها بلا ونظرت له بإعجاب تخفيه غيومها المعلقة تردف  :


- أنا كويسة ،هو داغر ماجاش؟


نظر جانبه وتحدث بعفوية :


- لاء هو كان نايم حدي هان  . 


تنفس قلبها بارتياح ونظرت حولها تبحث عنه وتقول  : 


- هو فين  ؟ أنا عايزة اشوفه؟ 


التفت حوله ثم عاد يجيبها  : 


- بيكون  بالحمام ، أو فات لعند بسمة. 


لم تفهم عليه لذا تساءلت مستفسرة  : 


- هي بسمة هنا  ؟ 


زفر يومئ ويجيبها بحزن ويشير بإصبعه  : 


- آه بهاي الغرفة ، بسمة اتصاوبت برصاصة في دراعها من هداك الحقير ، كان بدو يقتل داغر قام أجت ببسمة ، بس الحمد لله حالتها مستقرة . 


شهقت لا تستوعب ما سمعته ووضعت كفها على فمها ليومئ صالح ويستطرد بمغزى : 


- بسمة وداغر اتطلقوا ، وهداك الكلب طلب ياخد بسمة لحتى يرجعك وهي وافقت ، حتى وافقت تتنازله عن كل مصاريها ، وكانت رايحة لعنده عن جد بس هداك لوتشو اتدخل وعرف مكانك وعملنا خطة لحتى نكمش هالواطي ، أنا أجيت لعندك وداغر راح مع بسمة ، وهني بيتقاتلو ضرب عليهن نار واتصاوبت بسمة  . 


استمعت إليه بتركيز ،نعم سمعت حديث بسمة مع ذلك الماجد آنذاك ،وسمعت كيف تحاول مجاراته وإبرام صفقة معه كي تنقذها ،ولكنها لم تكن في حالة تسمح لها بالاستيعاب أو التفكير ، زفرت وسألته ببكاء وندم : 


- وهي كويسة ؟ 


أومأ لها مطمئنًا ثم أردف بتروٍ  : 


- لو بتقدري تشوفيها هسا روحي ، بعتقد داغر عندها  . 


أومأت ونهضت تتحرك نحو الغرفة ، بالفعل تريد رؤيتها والاطمئنان عليها ولكنها تشتاق بقدرٍ أكبر لرؤية شقيقها  . 


طرقت باب الغرفة وانتظرت فلم يأتِها صوت لذا فتحت بترقب ودلفت لتقع عينيها عليه وهو يجلس وينام عند ذراع بسمة ، كادت أن تتراجع ولكن أخذتها قدماها نحوهما ، اشتاقت له لذا ظلت تنظر عليه . 


للحظة هجمت عليها فكرة خبيثة ، هو هنا مع بسمة ، ولم يكلف خاطره لرؤيتها والاطمئنان عليها بعد ما تعرضت له ومحاولة احتواءها حتى ، ولكنها حاولت أن تنفض تلك الفكرة المزعجة وقررت ألا تنجرف وراء هذه الأفكار التي بسببها قادها العناد لاتخاذ قرارات خاطئة ، هو يحب ، شقيقها وقع في الحب وللحب سطوة مهيمنة كما حدث مع صالح وأنقذها واحتواها ، هي بحاجة صالح وبسمة بحاجة داغر كما داغر بحاجتها .(بحر ثائر 2 بقلم آية العربي حصري لمدونة رواية وحكاية) 


نظرت لها ولذراعها المصاب بحزنٍ ثم عادت تنظر لملامح شقيقها المجهدة وقررت ألا تزعجهما وتغادر الغرفة. 


عادت تخطو نحو الخارج ولكن داغر شعر بها لذا فتح عيناه يعتدل ورآها تغادر فنادى  : 


- دينا  ! 


تصنمت مكانها للحظات قبل أن تلتفت وتحدق به وعلى الفور سبقتها دموعها ونظرات الأسف تقطر منها أمامه. 


نهض يتجه نحوها بعدما ألقى بكل قراراته عرض الحائط، لم يستطع رؤيتها أمامه دون أن يعانقها ويحمد الله أنها بخير  . 


ارتمت في حضنه تبكي واحتواها يردد بنبرة هادئة وهو يدعي التظاهر بالجدية : 


- حمدالله ع السلامة، ماتعيطيش بقى إنتِ معانا أهو. 


دفنت وجهها في صدره ورددت بنشيج  : 


- أنا أسفة يا داغر ، حقك عليا ، صدقني عمري ما هعاندك تاني وهسمع كلامك علطول،سامحني علشان خاطري. 


ربت على ظهرها وزفر ولم بصمت، تركها تعترف وتعتذر وترك عنه التفريط في الاحتواء، ليحاول بقدر المستطاع ترويضها قليلًا . 


استيقظت بسمة على صوت بكائها ونظرت لهما بترقب وأنين خافت بينما مازالت الأخرى متمسكة بشقيقها تعتذر وهو يقف يعانقها، يحمد الله أنها بين يديه ولم تصَب بمكروه ، يحمد الله أن صمامي قلبه بخير ، ولكن دون أن يعبر لها عن ذلك . 


❈-❈-❈



وصل توماس ورحمة ومعهما الصغير إلى مطار الغردقة واتجها على الفور إلى الجونة . 


تقفز فرحًا وسعادةً ظنًا منها أنهما أتيا للترفيه وقضاء أوقات سعيدة ومميزة ، ويخطو توماس بخبثه وابتسامته الباردة لأنه سيحقق أولى إنجازاته هذه الليلة وليتفرغ لذلك الثائر وديما الصابر  . 


بعد وقتٍ صعدا غرفتهما في الفندق الذي تم الحجز فيه ، دلف توماس يقبل صغيره واتجه يضعه في عربته قم جلس على الأريكة ووقفت رحمة تتطلع على المكان من حولها ثم اتجهت نحو الشرفة لترى الإطلالة الساحلية الرائعة  . 


عادت للداخل تشاغل صغيرها الذي يتحرك بمرح كأنه يستشعر الأجواء ، بينما نهض توماس يردف بترقب  : 


- هيا حبيبتي استرخي أنتِ والصغير وأنا سأذهب لشراء بعض الأغراض لنا وسأعود . 


تعجبت وتساءلت وهي تقترب منه  : 


- أي أغراض توماس؟ هل ستتسوق بدوني؟ 


لف يده حول خصرها ومال يقبلها ثم اعتدل يردف بخفوت يسحرها  : 


- بالطبع لا، ولكن هناك مفاجأة أعدها لكِ ، وإياكِ أن تسألي ، هيا سأغيب لساعة وأعود . 


أومأت باستسلام فابتسم لها وتحرك يغادر الغرفة وعلى ملامحه أشباح الانتصار تهتف له  . 


❈-❈-❈


يستعد ليذهب إلى عمله 


منذ لقاء أمس وهو يفكر ، يتذكر نظرات ذلك التوماس ، أسألته ، طريقة حديثه ، لم يرتَح له قط ، خاصة حينما بدأ يتحدث عن ديما وزوجها . 


يشعر أن وراءه شيئًا مريبًا ، لذا يشعر بالقلق والأرق . 


وقف يهندم هيأته أمام المرآة ، جاءت من خلفه يسرا تتطلع عليه بإعجابٍ وحب وتنطق مبتسمة  : 


- القميص الأزرق مع البدلة البيضة طالعين تحفة عليك ، بس طبعًا حبيبي هو اللي محليهم . 


التفت يقابلها مبتسمًا وحاوط خصرها يردف بحب : 


- إنتِ بس اللي شيفاني حلو ، أنا على قدي خالص يا سو . 


عاتبته بنظرتها ونطقت مدافعة : 


- مين ده اللي قالك كدة؟ دانت بتحلي أي حاجة تلبسها  . 


ابتسم وانتعش حيث استطاعت بكلماتها ونظراتها أن تخفف عنه لذا نطق يناظرها بهيام : 


- عيون المحب ، ربنا يخليكي ليا وميحرمنيش منك أبدًا . 


مالت ترتاح على صدره وتردد : 


- ويخليك ليا يارب . 


قبل رأسها فابتعدت قليلًا لذا سمح لنفسه أن يردف مترقبًا دون إثارة شكوك  : 


- فيه موضوع كدة عايز اكلمك فيه لما ارجع من الشغل ، حاجة بفكر فيها بقالي فترة  . 


انشغل عقلها وتساءلت على الفور  : 


- حاجة إيه يا دياب ؟ اتكلم دلوقتي . 


كان يعلم أنها لن تنتظر وهذا ما يريده لذا زفر وأشار لها نحو الأريكة يردف : 


- طب تعالي نقعد  . 


بالفعل جلسا فأمسك بكفيها وبدأ يسترسل بتروٍ ومغزى مبهم  : 


- أصل ليا كذا زميل كانوا بيتكلموا عن كومباوند جديد أسعاره حلوة جدًا ، المكان قريب من شغلي ومُأمن كويس والوحدات عبارة عن فلل منفصلة عن بعضها ، فكرت لو نشتري فيلا صغيرة على قدنا كدة وعلشان كمان البيبي اللي جاي ، إيه رأيك؟ 


دققت النظر في عينيه ، تعلمه جيدًا ، لو كان يفكر في هذا الأمر منذ زمن لأخبرها لذا تساءلت بشكٍ  : 


- فيه حاجة حصلت ، إيه القرار المفاجيء ده ؟ فهمني يا دياب ؟ 


زفر باستسلام وأسبل جفنيه ثم عاد يطالعها وقرر مصارحتها فقال  : 


- صدقيني أنا فعلًا كنت بفكر في الموضوع ده وقلت لما تولدي بالسلامة هنتكلم علشان النقل وكدة ، بس بعد مقابلة امبارح مع الراجل اللي اسمه توماس ده وأنا قلقت ، الإنسان ده مش مريح أبدًا ، ده غير مراته هي كمان شبهه ، حاسس إنهم ممكن يعملولنا وجع دماغ إحنا في غنى عنه ، وأنا مش هقدر انزل شغلي واسيبك هنا لوحدك وعقلي يفضل يودي ويجيب . 


الآن تفهمت موقفه ، وهي منذ زمن لم ترتَح لتلك الرحمة ، وزوجها يبدو أنه بشبهها ، ولكن هل سيتركان منزلهما بسببهما ؟ هل هذا مقبول؟ 


هزت كتفيها تجيبه بتوتر داهمها  : 


- بس احنا في حالنا يا دياب ، وأنا ماليش علاقة بيهم ، وموضوع العشا ده مش هيتكرر تاني خالص ، إنما هنعزل من بيتنا بسرعة كدة بسببهم ؟ معقــــــــول ؟ 


زفر بضيق لتتعجب وتستطرد بترقب : 


- تحب اسأل ديما عنهم  ؟ 


 فكر لثوانٍ ثم أردف بترقب  : 


- مش محتاجين نسأل ، بلاش نحسس حد بحاجة ، فكري بس في الموضوع اللي قلتلك عليه ده ولو حابة تشوفي المكان بنفسك أنا ممكن اخدك بعد مارجع من الشغل تتفرجي ،مافيش أي مشكلة ، بس فكري يا يسرا لإن أنا مش مرتاح لتصرفاتهم أبدًا . 


أومأت له بتفهم فنهض يودعها ويتحرك مغادرًا وجلست تفكر في كلامه ولا تعلم هل تهاتف صديقتها وتتحدث معها؟ أم لا  ؟


❈-❈-❈


تحرك ثائر وديما إلى وجهتهما ، يسيران بين عددٍ لا بأس به من السياح الذين أتوا إلى هذا المنتجع المميز ، يرتدي بنطالًا واسعًا وتي شيرت شبابي وحذاء رجالي ويلف حول رأسه الكوفية الفلسطينية ، يتأبط ديما التي ترتدي فستانًا فضفاضًا وحجابًا متناسقًا و حذاءً رياضيًا مريحًا .(بقلم آية العربي) 


هذا هو نفسه السوق الذي جاءا إليه أمس ، ولكنهما في منطقة مختلفة ، هذه المرة هما بالقرب من متاجر معدات الغطس حيث الشاطيء والأكواخ، هنا سيقابل توماس الضابط رامي . 


على بعدٍ مناسب يتخفى خالد ويخطو مع الزوار دون أن ينتبه له أحد ، عيناه على ديما كما أوصاه ثائر الذي بدأ يبتعد عنها كما خططا . 


تركها تدعي الانشغال بمشاهدة المعروضات واتجه نحو وجهته ، عليه أن يهجم على الضابط قبل رؤية توماس له حيث سيلتقيا في أحد الأكواخ القريبة من السوق والذي تعبر من خلاله كي تصل إليها . 


لم يمر الكثير حتى وصل ثائر إلى الكوخ ، توقف خلفه ورفع يده يلتقط طرف وشاحه ويخفي به وجهه ، بشكلٍ محكم فعلها وتحرك نحو الواجهة التي تطل على البحر ، صعد الدرجات القليلة وتأهب ثم طرق الباب وانتظر . 


لحظات وجاء صوت رامي يسأل بترقب  : 


- مين  ؟ 


تجهمت ملامحه أسفل الوشاح وتحولت نظرته إلى الغضب ولكنه ردد كلمة السر المتفق عليها بالفرنسية يردف  :


- من عاشر الأفاعي لا يموت ملدوغًا  . 


كان رامي يشهر سلاحه ويستعد، ولكن حينما سمع لغته والجملة المتفق عليها أنزل السلاح وفتح الباب ظنًا منه أنه توماس ، ليقتحم ثائر المكان فجأة وقبل أن يستوعب رامي ويعيد رفع سلاحه دفعه ثائر بقدمه فسقط السلاح فأسرع يقبض عليه ويسدد له اللكمات والآخر يحاول مواجهته بمهارة قتالية يتقنها . 


كان ثائر يعلم أنه سيواجهه لذا حاول أن يستعمل نقاط ضعفٍ تدرب عليها لسنوات ، وكان الآخر ذكيًا بما يكفي ليتفاداها . 


ولكن الغضب هنا كان من نصيب ثائر ، يكره الخونة كرهًا أعمى ، يشتهي الانتقام منهم ، يتمنى لو باستطاعته القضاء على كل خائن بنفسه ، فهم سرطان البلاد . 


اشتد عراكهما وظل رامي يحاول تجنب ضربات ثائر مما أدى إلى تصاعد غضب الثاني لذا أسرع يجد حيلة تعلمها من توماس نفسه وقرر استعمالها الآن . 


اتكأ على ركبيته أرضًا بشكلٍ مفاجئ وركل قدما رامي بضربة قوية فتألم وسقط فأسرع ثائر ينقض عليه كالفهد وتمكن منه وكلما حاول الآخر رفع يده ليزيح الوشاح تغلب عليه ثائر بلكماتٍ عنيفة بوتيرة سريعة في وجهه وخاصةً عينيه حتى استسلم رامي عد دقائق من الضرب المتواصل، وخرت قواه ولم يعد يعي شيئًا بل أصبح كالجثة الهامدة وبرغم هذا لم يتوقف ثائر عن ضربه إلا حينما شعر أنه سيفارق الحياة ، المطلوب منه أن يسلمه حيًا لذا زفر ومد يده يتحسس نبضه البطيء . 


نهض من فوقه وأسرع نحو سلاحه يستله ويضعه خلف ظهره وأسفل قميصه واتجه يبحث عن السلاح المهرب . 


وجده في حقيبة سوداء ، فتحها يطالع محتوياتها ورصاصاته من نوع rest in peace وهي الأخطر على الإطلاق حيث لا يحتاج الهدف سوى واحدة للقضاء على حياته  . 


أغلق الحقيبة سريعًا ودس يده في جيبه يستل حبلاً بلاستيكيًا مخصص للقبض، ثم اتجه يقيد به رامي ويكبل يديه وكفيه ثم نهض يغادر من حيث أتى وأسرع خطاه نحو الكامب الخاص به ليخفي السلاح فيه ، رفع هاتفه يطلب خالد ويخبره بأن يذهب وينظف المكان ويصطحب رامي معه قبل أن يذهب توماس لرؤيته  . 


في هذه الأثناء ظهر توماس في السوق وكاد أن يتخطاه ليتجه نحو الشاطيء ولكنه توقف حينما نادته ديما تردف بتعجب  : 


- مسيو توماس ؟ 


التفت على أثر الصوت وحينما وجدها تصنم مكانه يطالعها بتعجب ، وجد نفسه يتحرك نحوها حتى توقف أمامها وابتسم يتساءل  : 


- مدام ديما ؟ ماذا تفعلين هنا ؟ 


لم تجِبه بل سألته ببعض التعجب  : 


- بل ماذا تفعل أنت هنا ؟


وجدها تبدِ اهتمامًا راق له فأجاب وهو يستبيح ملامحها بنظرات متفحصة ويعتدل في وقفته : 


- لا شيء ، نزهة عائلية  . 


قالها وطرأ على عقله ثائر بعدما انشغل برؤيتها ، لينتبه سريعًا لمسألته ويتذكر علامات الاستفهام حول ثائر لذا دار حوله يبحث عنه وتجهمت ملامحه لتسرع في طرح سؤالًا تشتت به انتباهه  : 


- حسنًا بما أننا التقينا هنا هل لي أن اسألك سؤالًا  ؟


عاد إليها وقد بدأ يتعجب من نبرتها التي ضاعفت الشك داخله ولكنه انتظرها لتسأل فقالت تخفي توترها في أعماقها  : 


- هل أنت من أرسلت لي مجموعة من الكتب منذ عدة أيام ؟ 


لأول مرة يصاب بالحيرة ، خاصةً وأن عيناها لا تفصح عما يجول في خاطرها ، ثابتة ، ملامحها هادئة ، تنتظر إجابته ولكنه سألها وعيناه تبحثان من حولها  : 


- هل أنتِ هنا بمفردكِ ؟ 


تمنى لو أجابته بنعم ولكنه وجدها تجيبه بتنهيدة تعني له الكثير  : 


- لا ، أتيت أنا وثائر . 


يبدو أن هناك أمرًا ما بينهما ، ولكن أين هو  ؟ ولِم جاء بها إلى هنا وفي هذا الوقت تحديدًا ؟ يبدو أنها لا تعي شيئًا ، هل بينهما خطبٌ ما ؟ 


تذكر أمر رامي ولعن نفسه لأنه انشغل بها ، هذه نقطة ضعفه التي يكرهها لذا ابتسم يردف مودعًا  : 


- حسنًا ديما لدي عملًا هامًا سأنجزه وسأراكِ قريباً ، عن إذنك . 


تحرك مجبرًا من أمامها لتشعر بالقلق والخوف على ثائر لذا أسرعت تلتفت وتردف  : 


- ولكنك لم تجِبني بعد ، هل أنت من أرسلت لي الكتب ؟ 


توقف يلتفت لها ولا يعلم هل يؤكد لها أم ينكر وحينما كاد أن يجاوبها سمع صوت ثائر يصيح بحدة  : 


- ديــمـــــــــــــا  . 


التفتا  على أثر صوته ليجداه يأتي من جهة محل بيع المثلجات ويحمل في يديه قرطاسان من الأيس كريم ويتجه إليها يناولها إياهما ثم اقترب من توماس بنظرات مشتعلة تحرقه وتساءل وهو شبه ملتصق به  : 


- ماذا تفعل هنا  ؟ هل تتعقبنا أيها الحقير  ؟ 


باغته توماس بنظرة مشككة ثم ابتسم يردف ببرود مستفز  : 


- أخشى أن يكون الأمر معكوسًا ، لا أريد أن أصدق أنك تعترض طريقي . 


هجم عليه ثائر يقبض على تلابيبه ويصيح بعنف لم يستطع حجبه خاصةً بعدما رآه يتحدث مع ديما  : 


- أخرس  ،  أنا أعرفك جيدًا توماس ، أعرف ألاعيبك القذرة ، ابتعد عن زوجتي وإلا أقسم لن أرحمك  . 


باغته توماس بنظرة استهانة ونطق محذرًا ببرود مخيف  : 


- ابعد يدك وإلا ستندم  . 


لم تهتز شعرة بثائر بل كشر عن أنيابه يصيح  : 


- خذ أمتعتك وعد من حيث أتيت ، إن رأيتك هنا مجددًا سأقتلك . 


أسرعت ديما نحوه تحاول منعه عنه وتردف بنبرة متذمرة حادة  : 


- ثائر كفاية بقى كدة الناس بتتفرج علينا ، سيبه يمشي ويالا نرجع ، أنا مش هكمل المشوار بالأسلوب بتاعك ده . 


التفت لها يحدجها بنظرة مرعبة وهو مازال قابضًا عليه ليعطي لخالد أكبر قدر كافٍ من الوقت  : 


- اسكتي إنت ، حسابنا بعدين مش هنا  . 


حينها صدق توماس حيلتهما وشعر أن بينهما شيء رفع يده ينزع يدي ثائر من عليه ويردف بكرهٍ يقطر منه  : 


- وحسابنا كذلك ليس الآن أيها الكاتب ، لن تمر فعلتك هذه على خير ، سترى ماذا لدي  . 


انسحب بعدها توماس وتركهما ينظران لبعضهما بينما هو تحرك إلى وجهته ليرى رامي الذي تأخر عليه ولكن عقله بات منشغلًا بديما وكيفية الإيقاع بها خاصة بعدما لاحظ التوتر القائم بينهما 



❈-❈-❈


توقفت سيارة أجرة أمام منزل منال 

ترجل منها كلًا من صالح ودينا التي بدأت تسير بتهمل ويتعقبها صالح بتركيز . 


دخلا المنزل وساعدها في صعود الدرج ووقفا أمام البيت تحاول التقاط أنفاسها بصعوبة . 


طرق الباب فأسرعت منال تفتح وحينما وجدت ابنتها أمامها أسرعت تنتشلها وتعانقها بقوة وبكاء والأخرى تبادلها ببكاءٍ مماثل  . 


ظلتا هكذا لثوانٍ ثم ابتعدت منال قليلًا تحدق بها وتساءلت باهتمام وعينيها تفحصها  : 


- حاسة بحاجة ؟ فيه حاجة بتوجعك ؟ طمني قلبي يا دينا . 


هزت رأسها بلا ونطق صالح بترقب  : 


- ما تقلقي يا خالتي هي كتير منيحة ، يالا خلينا نفوت  . 


أفسحت له المجال وأمسكت بابنتها تساندها وتتجه بها نحو الأريكة ، أراحتها ونادت على الصغيرين تردف بنبرة حماسية  : 


- يا ولاد ، تعالوا خالتو دينا رجعت  . 


فتح مالك الباب وأسرع يركض نحو دينا التي عانقته بقوة اشتياق وتبعته رؤية تعانقها ويعبران عن اشتياقهما لها وكذلك هي حيث اتخدت من عناقهما مواساة لروحها المتألمة . 


جلست منال تجاورها وتمسك بكفيها وتملسهما بحبٍ وحنين ثم مالت عليها تتساءل بلهفة  : 


- جعانة؟ أنا عملالك كل الأكل اللي إنتِ بتحبيه ، لما داغر قال إنك هتخرجي قومت عملتلك كل اللي نفسك فيه . 


ابتسمت بتعب فالتفتت منال تنظر إلى صالح وتربت على كتفه قائلة بامتنان شديد  : 


- عمري في حياتي ما هنسى اللي عملته مع بنتي يا صالح، هفضل مديونة ليك يا ابني طول عمري ، عقبال ما ربنا يطمنا على بسمة هي كمان وترجع بيتها بالسلامة . 


أردف صالح بترقب  : 


- أنا ما عملت شيء يا خالتي، الله كان معنا والحمدلله انهم بخير ، بس من بعد اذنك جهزيلي أكل عشان أخده لداغر ، ما أكل إشي لا هو ولا بسمة بس بسمة  . 


نهضت مسرعة تردف بقلبٍ منفطر على ابنها وزوجته : 


- حاضر ، هجهزلكوا تاكلوا الأول على ما اجهزلهم الأكل ، ربنا يزيح الغمة يارب  . 


❈-❈-❈


وصل إلى الكوخ المقصود وظل يطرق الباب ولكن ما من مجيب لذا توغله الشك واقتحم المكان يبحث عن رامي فلم يجد له أثرًا ، استل هاتفه وحاول مهاتفته على موقعهما السري ولكن ما من مجيب . (بقلم آية العربي) 


وقف يفكر ويربط الخيوط ببعضها وبات شبه متأكدًا أن لثائر يدًا فيما حدث ، ولكن السؤال الذي راوده ، هل ديما تعلم وتخدعه أم لا تعلم ؟ 


وسؤالًا آخر ، ماذا سيفعل في مهمته المطلوبة ؟ وكيف سينجزها الآن  ؟ 


حينما شعر أنه على أعتاب الفشل أخذ يصيح في المكان بغضبٍ عاصف واندفع يغادر من حيث أتى ليرى ماذا سيفعل   . 


❈-❈-❈


جلس يطعمها طعام المشفى ويطالعها بحبٍ وحنان ، أجبرته على تناول شطيرة وكوب شاي من كافتيريا المشفى  . 


أشارت له بيدها اليمنى تردف بإرهاق  : 


- كفاية يا داغر شبعت . 


أردف وهو يحاول إطعامها : 


- علشان خاطري ، آخر واحدة . 


استسلمت وتناولتها منه ليتنهد ويضع الصينية جواره ثم عاد يطالعها بصمتٍ فابتسمت له وتساءلت وهي تحاول أن تعتدل ولكنها وجدت صعوبة لذا تأوهت فنهض يعدل وضعيتها ويتساءل بحنانٍ  : 


- أحسن شوية؟ 


أومأت مبتسمة ومدت يدها السليمة تحتضن صدغه ثم أردفت  : 


- طول ما انت جنبي أنا بخير ، بس طمني، هما قبضوا عليه خلاص ؟ 


تنهد بضيق حينما جاءت سيرته وأومأ يؤكد  : 


- أيوة، والمرة دي مش هيطلع منها ، خطف وحيازة سلاح بدون ترخيص ومحاولة قتل ، يبقى يوريني بقى نبيل بيه هيخرجه إزاي بكل الأدلة دي  . 


تنفست بارتياح ونظرت أمامها تفكر وتكونت غيمة في مقلتيها كادت أن تنسكب وهي تبوح  : 


- كنت مفكرة إن ممكن ييجي وقت على عمي ويعترف فيه بغلطته ، يمكن كنت مستنية إنه ييجي ويقولي حقك عليا ، أو يعترف إنه ظلمني ، كنت هسامحه يا داغر ، بس للأسف أنا دلوقتي فعلًا اتأكدت إني يتيمة . 


- طب وأنا ؟ 


نطقها بلهفة حقيقية وحزنٍ وهو يراقب ملامحها فالتفتت تطالعه بعيون عاشقة وتردف بصدق  : 


- إنت هدية ربنا ليا ، المكافأة اللي بعتهالي علشان يجبر خاطري بيها ، إنت نور عيني يا داغر . 


انهال نهر عسلٍ صافٍ من مقلتيه بعدما انتعشت نظراته وملامحه بسعادة كبيرة، أزاحت تعبه وحزنه عنه ، وأردف بمحبة كبيرة  : 


- وأنا أوعدك إني هعمل كل اللي اقدر عليه علشان اسعدك ، مش هسمح لأي حد يزعلك أو يجرحك بكلمة ، حتى لو كانوا أهلي . 


نظرت له بترقب و تساءلت بشك  : 


- ليه بتقول كدة ؟ 


يخشى أن يكون في خاطرها شيء لذا تساءل  : 


- إنتِ زعلانة من أمي ؟  أو من دينا  ؟ 


تعمقت فيه ولم ترد أن تخبره بما تشعر به بل ابتسمت تخفي عنه قائلة بتروٍ : 


- لا طبعًا ، هزعل منهم ليه؟ 


دقق النظر في مقلتيها ولمح مراوغتها لذا زفر بضيق واسترسل  : 


- حسيت كدة ، بس اللي أنا متأكد منه إنهم بيحبوكي جدًا ، اليومين اللي فاتوا بس كانوا صعبين ومش عايزك تاخدي على أي كلام اتقال وقتها  . 


ابتسمت توميء بتفهم وتساءلت تغير دفة الحوار  : 


- داغر هو احنا كدا اطلقنا فعلًا ؟ 


هز رأسه يردف بتأكيد وإصرار  : 


- لاء طبعًا ، ده طلاق بالإكراه ومايقعش . 


مطت شفتيها تجيبه  : 


- بس قانونًا هو وقع ، ولازم نكتب كتابنا تاني  . 


أومأ بإصرار ونبرة مرحة : 


- ومالو ، نكتب تاني وتالت وعاشر ، ونتجوز 500 مرة ايه المشكلة يعني ، هو أنا ليا بركة إلا بسوم ، تقومي إنتِ بس بالسلامة ونكتب الكتاب تاني ونعمل فرح ونفرح بقى . 


ابتسمت له وشعرت برغبتها في النوم فقالت وعينيها تغفو  : 


- ماشي ، هنفرح . 


لاحظ حركتها التي أتت على أثر المسكنات فربت على كفها ونهض يعدل وضعيتها لتنام بارتياح  . 


❈-❈-❈


ليلًا 


جن جنون توماس حينما تأكد أن عملية الاغتيال قد فشلت ، فقد غادر الألماني البلاد على متن طائرة خاصة بشكلٍ مفاجيء ، عائدًا إلى ألمانيا مع عائلته بسلام . 


لم يرد العودة للفندق ورؤية رحمة الآن وإلا يجزم أنه سيقتلها ،  خاصةً بعد رنينها المتواصل عليه ،  كذلك تلقى اتصالات من مارتينا ولم يجب إلا بعدما تلقى أوامر جديدة بمعرفة من خلف فشل المهمة وإلا سيتم قتله هو ، لذا كان عليه أن يلجأ لمارتينا وإرتوا ليساعداه . 


جلس ثائر يتابع الأخبار عن بعد ، غادر خالد الجونة مصطحبًا ذلك الخائن ليسلمه إلى رشدي . 


ملامحه متجهمة ، الغضب داخله كالبركان الثائر ، تعلم أنه غاضب وتحاول ألا تقترب منه الآن ، برغم أنه يجب أن يسعد بنجاح مهمته ، إلا أنها تعلم سر غضبه ، ولكن الأمر قد طال لذا اتجهت تحضر فنجان قهوة وتناولته وتحركت نحوه بتوتر . 


جلست تضع الفنجان على الطاولة والتفتت تطالعه لتجده كما هو ، مدت يدها تملس على كفه الذي يعبث بالحاسوب وتحدثت بترقب  : 


- هتفضل مدايق كدة؟ مش المفروض تفرح بفشل خطتهم ونجاحك بتسليم الخاين ؟ 


لم يستطع تذوق طعم النجاح هذه المرة، لم تزُل من عقله هيئة توماس ولا حديثه ولا نظراته نحو ديما ، نيران تتلظى داخله وحممًا تفتك به دون رحمة،هذه الغيرة سيئة للغاية  . 


لم عليها أن تتعمق في الحوار معه بهذا الشكل ؟ لم يتفقا على هذا ، يجب أن يبعدها تمامًا عن مرماه ، من المؤكد أنه بعد فشله في عملية الاغتيال سيسعى جاهدًا للانتقام ، ولكن كيف يبعدها عنه ؟ 


حينما طال صمته ولم يجِب عليها عادت تكرر بانزعاج  : 


- ثائر إنت بتبالغ على فكرة ، الموضوع أبسط من كدة بكتير  . 


حدجها بنظرة غضبٍ ، هي لم تدرك بعد ما في حوزة توماس  ،  لم تصل بأفكارها إلى أفكاره الخبيثة ، هي مسالمة للدرجة التي تجعلها تظن أن الأمور بسيطة لذا نطق ببرود قاسٍ  : 


- إحنا هنرجع بكرة الصبح على القاهرة ، وهناك هتقعدي في البيت ومش هتخرجي غير لما اخلص من ال**** ده. 


قطبت جبينها باستفهام ونطقت مستفسرة  : 


- يعني إيه ؟ وإزاي هتعمل كدة ؟ وبعدين اللوا رشدي قالي إني هــــــــــــــ. 


قاطعها يردف بنبرة صارمة لا تقبل النقاش  : 


- اللي أنا قولته هو اللي هيتعمل يا ديما ، اللوا رشدي أنا هعرف أقنعه ، وزي ما خلصت مهمة الجونة لوحدي هعرف اوقعه لوحدي ، دخولك أصلًا كان غلطة من البداية . 


نهضت تتكتف وتطالعه بضيق فهو يخطئ وغيرته تعميه لذا نطقت بتأهب  : 


- هو إنت خلصت مهمة الجونة لوحدك ؟ 


رفع نظره يطالعها ليجد في عينيها نظرة تحدٍ لا يتقبلها الآن لذا أشار بسبابته ينطق محذرًا  : 


- بلاش الأسلوب ده ، اللي قلته هيتنفذ وهتبعدي تمامًا عن سكة توماس ، هتقعدي في البيت تاخدي بالك من الأولاد وتهتمي بكتاباتك وبس   . 


شعرت بالدماء تفور في رأسها لذا حاولت أن تتحلى بالهدوء وألا تحتد أمامه ، عليه أن يدرك أنها بالفعل شاءا أم أبيا قد سلكت طريق توماس منذ أن تزوجته ، كيف سيواجهه وحده والآخر يريد أذيته ؟ كيف ستجلس تراعي الصغار وتتعامل بهدوء بعد كل ما عاشاه سويًا ؟ 


التقطت أنفاسها ثم أومأت تجيبه بنبرة منزعجة  : 


- تمام ، بس خليني اتكلم مع اللوا رشدي الأول . 


نطق بقسوة دون النظر إليها بعدما تمكنت من مشاعره نيران الغيرة  : 


- لاء ، من هنا ورايح إنتِ برا الليلة دي كلها  . 


وقفت تقضم شفتيها بغيظ وظلت تطالعه عله يلين ولكنه كان صارمًا وجليديًا لم يحرك ساكنًا لذا التفتت تجلس على الفراش وتفكر في كلماته الآمرة . 



❈-❈-❈


صباحًا 


استعدا للرحيل ، لم يزُل انزعاجه ، بل لازمه حتى بعدما حاولت التودد له و إقناعه ولكنه بات متمسكًا بقراره بصلابة  . 


ربما هي استعملت حيلة هدية توماس من نفسها ولكن فعلتها لتعطله عنه ، كان يجب عليها أن تجد حديثًا مقنعًا وتستغل ذلك ، وهذا ما يزعجه منها . 


عليه أن يتحكم في غيرته كما يتحكم في انفعالاته جميعها ، عليه أن يتركها تساعده ، ولكن كيف تقنعه ؟ 


في سيارتهما يقود عائدًا إلى القاهرة، تركا توماس في الجونة يجمع أمتعته هو كذلك ليعود بائسًا خاليًا الوفاض بعدما أقنع رحمة بمجيء مارتينا المفاجيء وعليهما استقبالها  . 


التفتت تنظر له نظرة متفحصة لتجده لم يهتز ، من يراه لا يصدق قط أن هذا نفسه الشخص الذي كان يدندن ويرقص بالعصا قبل أمس ، الجمود يليق به كما يليق به الحنان ، الصمت يليق به كما يليق به الكلام ، إنه مختلفٌ ومميزٌ في كل شيءٍ يشغلها  . 


حاولت كسر هذا الصمت فنطقت بترقب ونبرة خبيثة ترتدي قناع التوتر  : 


- ثائر استنى إحنا نسينا حاجة  . 


تعجب والتفت يطالعها ويتساءل  : 


- حاجة إيه  ؟ 


بادلته بنظرة ذات مغزى ونطقت بملامح جادة ومقلتين ماكرتين  : 


- الصاجات والعصاية  . 


ظل يحدق بها لبرهة منتظرًا أن تضحك أو تبعد أنظارها خجلًا ولكنها لم تفعل بل كانت ثابتة لدرجة جعلته يحيد بصره ويتطلع على الطريق قائلًا بنبرة جادة تخفي توتره  : 


- موجودين في الشنطة  . 


وارت ابتسامتها عنه وتأكدت أن هذا القناع ما هو إلا غيرة خام ستحاول تخفيفها حينما يصلا،نعم لمحته يضعهما في حقيبتهما، لذا أردفت وهي تعدل وضعية المقعد لتنام  : 


- طمنتني  . 


❈-❈-❈


وصلت أمام غرفتها تستعد لتراها والحنين يتآكلها ، طرقت الباب وتنهد وفتحت تنظر بترقب . 


وجدت داغر يتمدد على أريكة جانبية ويغط في نومٍ عميق ، تأملته وابتسمت ، يحبها حبًا جمًا للدرجة التي تجعله يرفض العودة للمنزل بدونها ، لفّت نظرها تطالعها وهي نائمة بسلام ، تميل برأسها على الوسادة وخصلاتها تنفرد بسلاسة ، يبدو أن أحدهم يهتم بها اهتمامًا مضاعفًا . 


تحركت نحوها ونظرت لذراعها المصاب لتتجهم ملامحها بانزعاج وحزن، وتهز رأسها بقلة حيلة حتى وصلت إليها ثم مدت يدها تملس بنعومة على رأسها وانحنت تقبل جبينها . 


استيقظت على أثرها بسمة وطالعتها بتعجب فنظرت لها منال بعاطفة وأسف تخفيه خلف نظرة وابتسامة ونطقت بخفوت  : 


- حمدالله على السلامة يا بنتي. 


في السابق كانت تنشرح بهجةً حينما تسمع كلمة ابنتها منها ولكن كلمتها الآن جعلتها تفكر قبل أن تقرر، جعلتها تشك في صدقها وهذا الشعور أزعجها لذا حاولت أن تبتسم وأجابتها وهي تعتدل وتئن  : 


- الله يسلمك يا خالتو  ،  اتفضلي . 


جلست منال على المقعد ووضعت الكيس الذي جاءت به على الكومود ثم أردفت بتلهف صوتي : 


- أول ماعرفت اللي حصل كان نفسي اجي جري على المستشفى واطمن عليكو بنفسي ، بس ماعرفتش اسيب الأولاد واخرج ، ما صدقت النهاردة دينا فاقت شوية قلت لازم اجي اطمن عليكي  ، واجبلك أكل انتِ وداغر، أكيد أكل المستشفى ده مش زي أكل خالتو منال ، ولا إيه ؟ 


عادت تبتسم وحاولت أن تندمج معها فأوضحت بتأنٍ  : 


- فعلًا يا خالتو الأكل هنا مش زي أكلك طبعًا ، وكمان داغر تعب أوي معايا ودي حاجة مضيقاني ، ياريت لو تقنعيه يروح ياخد شاور ويرتاح شوية . 


نطقت منال وهي تطالع ابنها بحنين وثقة  : 


- مش هيقبل ،  مش هيروح غير وانتِ معاه ، علشان كدة شدي حيلك يالا وارجعو ، وموضوع الطلاق ده ولا كإنه حصل ، هنفتح صفحة جديدة وننسى اللي فات ونفرح بقى ، ماشي يا حبيبتي  ؟ 


أومأت لها بارتياح وقررت ألا تشغل عقلها بأحداث وأقوال صدرت في وقتٍ عصيب لذا التفتت لتنادي داغر فقالت بنبرة متحشرجة يخرج منها الأنين  : 


- داغر  . 


لم يستيقظ لذا نهضت منال تتجه نحوه وتوقظه بهدوء فاستيقظ يطالعها بتعجب ثم اعتدل يجلس ويتساءل  : 


- جيتي إزاي يا ماما  ؟ 


تحركت نحو الطعام تجهزه وأجابته بنبرة مشاكسة تليّن بها صلابة الأجواء  : 


- جيت بالتاكسي يا داغر أومال هاجي طيران  ؟ قوم يالا علشان تاكل إنت وبسمة وتروح تسأل الدكتور لو ينفع تخرج النهاردة ونعملها اللازم في البيت ، ياريت يقبل وأنا هعمل كل اللي يقول عليه بس تبقو جنبي أحسن من قعدة المستشفيات دي  . 


توغلت رائحة الطعام إلى أنفه فنهض يتجه نحو الطاولة التي وضعته عليها وتعجب متسائلًا  بعدما سال لعابه  : 


- هما دخلوكي إزاي بالأكل ده يا حاجة ؟ 


ضحكت ونطقت بثقة وتباهٍ  : 


- ماتقلقش عليا أنا بعرف اتصرف ، البت منى اللي في الحارة شغالة هنا ممرضة وساعدتني ، يالا بقى قبل ما حد يمر ويشوفه  . 


أومأ ونظر إلى بسمة يغمز لها بحب فابتسمت واتجه نحو الحمام ليغسل ويعود وداخله عمت الراحة لمجيء والدته ومحاولتها إصلاح ما كُسر دون عمد  . 


❈-❈-❈


شارفا على الوصول إلى القاهرة  ،  لفّ نظره نحوها وتأملها بحبٍ وتعهد لنفسه ألا يكرر نفس الخطأ ، لقد كاد أن يصاب بالجنون حينما لمح نظرات توماس مصوبة نحوها ، يثق بها ثقة كبيرة ولكنه يعلم كيف يدور عقل ذلك الخبيث لذا لن يحتمل هذا  . 


زفر بقوة وأردف وهو يقود نحو نقطة تفتيش معينة  : 


- ديما ، اصحي يالا وصلنا القاهرة  . 


تململت وفتحت عينيها تنظر حولها ليسترسل بنظرات مصوبة أمامه وقد أبلغ رشدي بما في حوزته ليمر دون تفتيش لذا هو شبه مطمئن حيث قال  : 


- داخلين على نقطة تفتيش ، خدي بالك . 


أومأت واعتدلت وحاولت أن تهدأ حيث توترت قليلًا وبالفعل توقف أمام أحد الضباط الذي تعمق فيه ثم نظر إلى ديما نظرة متفحصة وعاد لثائر يردف  : 


- جايين منين؟ 


- الغردقة 


قالها ثائر بثبات ليوميء الضباط ويستطرد  : 


- الرخصة  . 


التقط ثائر الرخصة من شماسة السيارة وناولها إياها فدقق بها الضابط ثم رفع نظره إليه يردف  : 


- اركن على جنب  . 


تعجب ثائر ولكنه تساءل بهدوء  : 


- فيه حاجة ولا إيه؟ 


- هنشوف  . 


نطقها الضابط بنظرات مشككة ثم تحرك نحو جهاز الفحص وعبث به قليلًا وبدأ يتحدث مع زميلان له تحت أنظار ثائر المتبلد على عكس ديما التي توغلها التوتر ونطقت  : 


- فيه إيه يا ثائر  ؟ 


مط شفتيه دون إجابة وعينيه لا تفارق الضابط الذي عاد إليه حتى توقف أمامه يردف بنبرة صلدة  : 


- انتوا هتيجوا معانا  . 


- نيجي معاكوا فين؟ 


تساءل بها ثائر فأجابه الضابط بابتسامة تشفي لا سبب لها  : 


- أمن الدولة  .



يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة آية العربي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة