-->

رواية جديدة بحر ثائر جـ2 لآية العربي - الفصل 18 - الثلاثاء 8/7/2025

 

قراءة رواية بحر ثائر الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية بحر ثائر

الجزء الثاني 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل الثامن عشر 


تم النشر الثلاثاء 

8/7/2025

 


قُرعت طبول الحبِّ


ورَنَّت أجراس القلبِ.... 


فَرَاءُ الحرب قد عادت..... 


وأشباح الفراق من بعيد.. قد لاحت


ترى!!! 


هل تنتصر راء الحربِ؟؟؟ 


وتفترق حروف الحبِّ؟؟؟ 


أم أن الحب أقوى... 


أم أنَّ في هكذا حروبٍ وهكذا معارك.. 


لا غلبة لراءٍ أو أشرارٍ.. 


في هكذا حروبٍ وهكذا معارك.... 


لا غالب إلّا الهوى... 


لا غالب إلا من أحرقته نيران الجوى...


( بقلم فيروزة) 


❈-❈-❈


يحتل البكاء مآقينا ، ولأنه سيء لا يكتفي باحتلالها فقط بل يفيض ليكشف عن ضعفنا لمن يرانا ، ولكن نحن لا نبكي لأننا ضعفاء ، بل لأن مالا نبوح به يفيض دموعًا دون إرادتنا ، نبكي لأننا تعهدنا ألا ننهزم أمام من يسعى لسقوطنا ، نبكي لأننا نخشى انهيار حلمٍ شيدناه لنتحرر ، حينها فقط يصبح البكاء وسيلتنا للأخذ بالثأر .

( بقلم آية العربي) 


في مبنى أمن الدولة 


جلسا سويًا حول طاولة ينتظران مجيء أي طرفٍ يطمئنهما ؟ 

بطبيعتها تتساءل وبطبيعته صامتٌ يفكر ، لا يعرف سبب وجوده هنا ، هل هي خطة من المخابرات؟ أم أن هناك من يتلاعب به ؟ 


تتابع صمته بتوتر ، تزدرد ريقها تارة وتفرك كفيها تارة أخرى ، وتحاول أن تلتزم بالهدوء ولكنها لا تستطيع والخوف يداهمها عادت لتتساءل  : 


- طيب هما هيسبونا كدة ؟ مش لازم نعرف إحنا هنا ليه؟ تفتكر بسبب الحاجـــــــ. 


قاطعها يشير بسبابته أن تلتزم الصمت ، فهو يدرك أن الغرفة مراقبة وعليه أن ينتبه لكل كلمة إلى أن يعلم سبب وجوده لذا زفرت وأومأت ليغزو عقلها صغيريها . 


تخيلت أنها ستعتقل هنا وستحرم من رؤيتهما ، تخيلت أنها ستُتهم باتهامٍ باطل سيلازمهما ، لم تحتمل هذه السيناريوهات لذا هزت رأسها وباتت تستغفر سرًا واحتلت الغيوم مقلتيها لا إراديًا وحاولت أن تتحلى بالإيجابيات ، هناك أمرٌ ما وسيتم حله وسيغادران على الفور  . 


خارج الغرفة كان يقف رشدي يتابع حالتهما ، يعلم أن ما سيحدث صعبًا ولكن يجب حدوثه . 


❈-❈-❈


في منزل علياء 


جلست تتآكل قلقًا، لقد أخبرها ثائر منذ ساعات أنهما على مشارف القاهرة ، أين هما الآن ولم لم يأتيا بعد؟ 


حاولت الوصول إليهما مرارًا وتكرارًا دون جدوى، لذا قررت الاتصال على أمجد الذي ذهب مع حفيده إلى دروسه  . 


رن هاتفه تزامنًا مع دخوله مع معاذ من باب الشقة لذا اتجهت نحوه تتساءل بلهفة  : 


- ثائر وديما لسة ماوصلوش يا أمجد وهما قالوا قدامهم ساعة ودلوقتي عدى حوالي 4 ساعات وموبايلاتهم مقفولة ، أنا قلقت أوي  . 


يجاهد ليخفي نظراته عنها وخلع حذائه يضعه مكانه ثم دخل يرتد على الأريكة ويردف بنزق  : 


- هاتيلي كوباية مية بس يا علياء واهدي ، ماتقلقيش هما بخير  . 


جاوره معاذ يطالع جدته ويردد بالمصرية مترقبًا ردة فعلها  : 


- تيتا أنا جآن  . 


طالعته مبتسمة وانشغل عقلها قليلًا ومدت يدها تملس على وجنته وتردف بحب  : 


- عيون تيتا ، هجهزلك الأكل حالًا  . 


نظرت لزوجها نظرة عابرة ثم تحركت نحو المطبخ تحضر له كوب الماء ثم عادت تناوله له بترقب ، يبدو غريبًا بعض الشيء ، في العادة هو من يحضر لنفسه كل شيء ، ولكن كأنه يخفي أمرًا ما  ! 


لم ترتح لتصرفه لذا عادت تتساءل بتوتر  : 


- يعني إنت كلمتهم  ؟ طمني طيب؟ 


رفع نظره إليها فلمح نظرتها المتفحصة له لذا أردف بانزعاج  : 


- الولد جعان يا علياء ، قلتلك هما كويسين ، ياستي جهزيله ياكل وتعالي نتكلم جوا  . 


زفرت بضيق ثم أومأت وتحركت تحضر له الطعام ، لتعود بعد دقائق حاملة الصينية ووضعتها على الطاولة تردف بتمهل  : 


- يالا يا زيزو  . 


نهض معاذ واتجه نحو الحمام يغسل يداه ويعود لتسرع في الجلوس مجاورةً لزوجها وتتساءل بتوتر  : 


- إنت قلقتني يا أمجد، قولي فيه ايه؟ 


يشعر بالضيق لأنه سيضطر للكذب عليها ولكنه مجبر لذا أردف بنظراتٍ مراوغة : 


- مش هما كانوا هيقعدوا أسبوع في الجونة ؟ ورجعوا فجأة ؟ ديما كانت زعلانة وواضح كدة إن حصل بينهم شوية خلافات وثائر اتكلم معايا ، وانا اقترحت عليه ياخدها ويغيروا جو بعيد عن هنا ، يعني يكملوا الأسبوع اللي قالوا عليه بس في مكان تاني ، ولا إيه رأيك  ؟ 


نظرت له بتمعن وشكٍ خفيف ليستطرد مؤثرًا  : 


- أنا مش بحب اشوف ثائر زعلان مع مراته يا علياء ، ربنا رزقه ببنت حلال طيبة وحنينة زيك بالضبط ووجودهم بينا هنا وهما زعلانين دي حاجة هتضايقنا انا وانتِ وهتأثر على معاذ وكمان على مالك ورؤية . 


شعرت بالانزعاج والغيرة ونطقت : 


- طب واشمعنا يعرفك وانا لاء؟ اخص عليك يا ثائر، يعني أنا اجهز الأكل واتعب فيه واستناهم وفي الآخر يعملوا كدة ؟ 


حاول أمجد امتصاص غضبها فقال بتروٍ : 


- أنا اللي كلمته، لما قال أنه جاي على البيت قلتله لاء، وكان هيكلمك يعرفك قلتله سيب علياء عليا وخد. مراتك وروحوا مكان تاني وماتجيش إلا لما الأسبوع يخلص . 


أقنعها بحديثه لتوميء وتردف بتأكيد بعدما تنهدت بارتياح  : 


- ماشي  ، الحمد لله انهم بخير وربنا يبعد عنهم أي زعل، أنا كمان يهمني انهم يبقوا كويسين حتى علشان ولادهم  . 


أومأ وربت على كفها وشرد يفكر في ما وصله عبر رسالةٍ ما ويتمنى أن تمر هذه الأيام على خير  . 


❈-❈-❈


عاد إلى فيلته بعدما حاول هو ومحاميه الدفاع عن ابنه دون جدوى ، هذه المرة الأمر مختلفًا كليًا ، حتى قضيته السابقة التي تبرأ منها فُتحت على أثر التهم الموجهة إليه . 


النيران تتقافز في عينيه والغضب يعتليه وهو يرى زوجته تأتي إليه وتتساءل بملامح متعالية ومتجهمة  : 


- ها، عملت إيه يا نبيل ؟ ماجد هيخرج إمتى ؟ 


نطق من بين أسنانه  : 


- إنتِ كنتِ عارفة باللي هيعمله ده ؟  إنتِ ساعدتيه ؟ 


نطقت بهياج وانفعال وتلوح بيدها  : 


- مش ده المهم دلوقتي ، ابنك حاول يعمل حاجة نسترد بيها حقوقنا ، ولو هو مقبوض عليه دلوقتي فده بسببك وبسبب سلبيتك مع بنت أخوك ، لو من الأول حطيت لها حدود وأجبرتها توقعلك على نسبتك في الشركة بعد موت أخوك كنا ارتحنا من الحوارات دي ، إنما إنت اتساهلت معاها في كل حاجة  . 


طفح كيله من تكبرها ولم يعد يرى أمامه سوى امرأة سامة متسلطة أضاعت ابنه وأضاعت كل شيء لذا قبض بكفه على عنقها ورطمها في المقعد يعتليها ويصيح بقسوة وهو يحاول خنقها  : 


- مابلاش بقى نُبرم على بعض ، أنا وانتِ عارفين كويس إننا اخدنا نصيبنا في كل حاجة ، بس هي حتة الطمع دي ، وبصراحة بقى انا كنت هاخد أكتر لو كل حاجة مشت زي مانا عايز ، انما إنتِ وابنك الغبي دمرتو كل حاجة وخلتوها تبعد وتروح تتجوز حتة عيل ميسواش وتفضله وتفضل حارته علينا هنا ، إنتِ وابنك طمعتو بغباء ، شوفتي بقى وصلتونا لفين ؟ أهو المحروس مش هيخرج منها زي المرة اللي فاتت ، ومش كدة وبس ، دي وصمة عار بعد ما حاول يقتل بنت عمه وخطف بنت تانية ، عرفتي بقى انكو اغبيا ؟ 


كانت تتلوى وتحاول الفرار من تحت قبضته المهيمنة ولكنها لم تفلح فباتت تنتفض وتحاول الصراخ عل أحدهم يلحق بها ولكنه قرر تركها وابتعد خطوتين فنهضت تسعل وتدلك عنقها وتطالعه بشرٍ وتوعد قائلة  : 


- إنت عايز تموتني يا نبيل؟ بعد كل السنين المقرفة اللي عشتها معاك عايز تقتلني  ؟ ماشي يا نبي أنا هعرفك. 


وجدت في عينيه نظرة مرعبة لذا تملكها الذعر وخشت أن يقتلها بالفعل فاندفعت تغادر نحو الخارج قبل أن يفعلها ، بينما هو تحرك إلى غرفة مكتبه ليجري بعض الاتصالات ويرى ماذا بمقدوره أن يفعل  . 


❈-❈-❈


فتح باب الغرفة وظهرت شرطيتان بملامح باردة لا تعابير فيها 


 اتجهتا نحو ديما وأردفت إحداهما  : 


- اتفضلي معانا  . 


قفز الأدرينالين داخلها ونظرت إلى ثائر مستنجدة ليقول بنبرة حادة  : 


- تيجي معاكوا على فين ؟ 


نطقت الشرطية بصرامة واضحة  : 


- كل واحد هيتم التحقيق معاه بشكل منفصل ، اتفضلي معانا لو سمحتِ . 


توترت ديما توترًا بالغًا ونهضت تنقاد بلا هدى ليمنعها ثائر ويمسك برسغها قائلًا بجمود ظاهري بينما قلبه بات ينتفض خوفًا  : 


- هتحققوا معاها عن إيه ؟ لو فيه أي شكوك عندكو فهي بعيدة عنها ، ملهاش علاقة بأي حاجة ، المفروض أصلًا ماتكونش متواجدة هنا  . 


تمسكت بساعده الذي يتمسك بها ، وحاولت أن تلتزم بالهدوء الذي ليس له وجود لتجد الشرطية تردف  : 


- بلاش تصعب الأمور علينا ، إنت هنا في أمن الدولة ولازم تنفذ اللي بيتقال . 


التفتت ديما تنظر لملامحه التي لا تفسر، يطالع الشرطيتان بوجوم شديد ويده تقبض عليها وقلبها ينتفض خوفًا ولا تعلم سبب وجودهما وحالة عدم استيعاب هجمت عليها ، حاولت أن تتماسك ونطقت خوفًا من غضبه  : 


- ثائر اهدى ، سيبني اروح معاهم ، ماتقلقش . 


تخبره ألا يقلق ؟ كيف يترك يدها ؟ كيف لعينيه أن تقتنع بغيابها ؟ كيف يغيب عن عقله مكانها ؟ كيف يحتمل البقاء بدونها ؟ 

أسئلة تجعله على حافة الجنون ولكنه اعتاد التماسك ، في أصعب الأزمات كان عليه التماسك وتمالك نفسه لذا....  ترك معصمها وأطرق رأسه بيأسٍ يخشى أن ما يشعر به على وشك الحدوث . 


سحبتاها من أمامه كأنهما تسحبان رباطٍ اتصلت به روحه


أُغلق الباب وتحركن خارج الغرفة تحت أنظاره الخائبة وفي هذه اللحظة تمنى ألا يحدث ما يجول بعقله . 


حينما خرجت وأغلقت الغرفة تفاجأت بوجود رشدي أمامها لذا انفرجت أساريرها وأسرعت تذهب إليه وتردف بتلهف  : 


- رشدي بيه حضرتك هنا؟  ياريت تقولهم يطلعو ثائر ، إنت عارف إن مافيش سبب لوجوده هنا  . 


أشار لها بيده أن تهدأ ثم تحدت بنبرة لينة لينقشع توترها  : 


- اهدي وماتقلقيش ، هتروحي معاهم تستنيني في غرفة تانية لحد ما اتكلم مع ثائر ، تمام؟ 


نظرت لمقلتيه وشعرت بالقليل من الراحة ولكن مخاوفها مازالت معلقة في عنقها لذا أومأت وتحركت مع الشرطيتان نحو الغرفة التي ستجلس وتنتظر بها ، بينما تحرك رشدي نحو غرفة التحقيق ليرى ثائر  . 


دلف عليه فوجده يطرق رأسه ولم يبدِ ردة فعل لدخوله ، اتجه يسحب المقعد ويجلس أمامه ثم أردف بثقب  : 


- جايلك شكر ومكافأة من رئيس المخابرات على نجاحك في مهمة الجونة ، عمل عظيم يا ثائر . 


أومأ بشكل متوالي ولم يرفع رأسه بعد وأردف بخفوت  : 


- هو ده الشكر ؟ 


تحدث رشدي بنبرة صلدة متجنبًا عواطفه تجاه ثائر  : 


- لاء ، ده رد الجميل ، اللي بينجز لنا مهمة لازم نرد له الجميل ، ولازم تعرف إن وجودك هنا في الوقت ده هو ضربة معلم هنحافظ بيها على حياتك وهنوقع بيها توماس وهنبعد الشكوك اللي زادت عنك ، عصفورين بحجر واحد ، أو تلاتة . 


رفع نظره يحدق به بنظرات نارية ولم يرتَح لحديثه بل تساءل بترقب  : 


- بتهمة إيه؟ 


تكتف رشدي يردف بثبات  : 


- فيه ملف مستندات وصل أمن الدولة ،كلها بتقول إنك على مدار سنين سفرك كنت بتهاجم الدولة وأنظمتها ، ده غير إنك قبل ما تسافر كان ليك آراء مثيرة للجدل ، كل دي حاجات تفتح العيون اللي اتقفلت عليك تاني ، لازم يجيبوك ويستجوبوك  . 


شرد قليلًا يفكر في كم هذه التهم ومن ذا الذي فعلها به لذا تساءل بشكٍ  : 


- مارتينا! 


أومأ رشدي بتأكيد فهم تأكدوا من أنها المرسلة وأضاف: 


- اخترقت أرشيف صفحاتك ومقالاتك اللي تحت مراقبتنا ، شكينا في الأمر وحبايبنا في المطار حطولها جهاز التجسس أول ما جت مصر وعرفنا إنها راجعة تبلغ عنك وعن ديما وفعلًا قدمت بلاغ من مجهول  ، وبما إن البلاغ لأمن الدولة فكان لازم نجيبك علطول خصوصًا إنها بتتهمك إنك جاسوس لحساب فرنسا وإن التصالح بتاعك مع الدولة دي خطة لنقل المعلومات  .


شعر بالضيق فقد انشغل بمهمته في الجونة ولم ينتبه لتلك الأفعى لذا قرر أن يسأل السؤال الأهم بالنسبة له فاسترسل  : 


- وديما؟ 


ابتسم رشدي ويعلم أنه بابتسامته يستفزه لينطق بترقب  : 


- ماتقلقش ، ديما هتخرج  . 


نطق بملامح جادة وبنبرة آمرة بعدما تلاعبت الأفكار بعلقه : 


- ديما هتخرج معايا . 


لم يحب رشدي هذه النبرة الآمرة لذا نطق بملامح صارمة  : 


- ديما هتخرج وانت هتفضل هنا كام يوم  . 


- مستحيل ، مستحيل تخرج والكلاب دول يتعرضو لها وأنا هنا ، بلاش تختبر صبري يا سيادة اللوا . 


قالها ثائر متجردًا من كل شيء أمامه ليحدجه رشدي بنظرة متفحصة ويدرك ما يشعر به لذا أردف في محاولة بائسة منه ليهدئه  : 


- للأسف يا ثائر مش كل اللي بنعوزه بيحصل ، وماتقلقش على ديما ، إحنا هنأمنها كويس، روق كدة وراجعلك تاني . 


قالها ونهض يسرع خطاه ليغادر ويترك ثائر في مكانه يشعر أن حجرٌ قد سقط على رأسه فأفقده الاتزان والذاكرة والتعقل والهوية فبات لا يفكر بشكلٍ سليم . 


❈-❈-❈


جلست رحمة تتابع بعدم ارتياح الحديث الخبيث بين مارتينا وتوماس . 


لقد وصلا منذ وقتٍ قليل ووجداها تنتظرهما في سيارة أسفل البناية بعدما أعطاها توماس العنوان  . 


تجلس بأريحية على الأريكة وتفرد ذراعيها ، تضع ساقًا فوق الأخرى وتتحدث بتعالٍ ولا مبالاة : 


- يعني أنت لديك طفل ؟ أصبحنا أبادً بدون إرادتنا . 


انزعجت رحمة وتساءلت بغيظ وجرأة : 


- كيف تم الأمر بلا إرادتكما ؟ هل كان لدى توماس بديل ؟


ابتسم توماس وتجاوز انزعاجه بفشل مخططه ليردف بتباهٍ خبيث :


-  لا تنزعجي رحمة ، مارتينا لا تحب الأطفال ، ولكنني لست كذلك ، أنا رجلٌ أبحث عن الاستقرار . 


طالعته رحمة وأومأت ببعض الضيق لتنهض مارتينا قائلة بنبرة ثعبانية : 


- حسنًا دعنا نتحدث بمفردنا توماس ، هناك أمر أود مشاركتك به . 


نهض واتجه ينحني ويقبل رحمة ثم اعتدل يردف بنبرة تتسلح بجدار متساقط من الحب : 


- حبيبتي هلا أحضرتِ لنا قدحين من القهوة ، سأصطحب مارتينا إلى غرفة المكتب لأرى ماذا تريد . 


نظرت له لثوانٍ لتومئ بعدها كأنه ينومها مغناطيسيًا لذا ابتسم وتحرك يشير لمارتينا أن تتقدمه وبالفعل اتجها نحو غرفة المكتب وجلست الأولى منزعجة من ضعفها وعدم قدرتها الرد على تلك الحية .


❈-❈-❈



ما إن دلف غرفة المكتب وأغلق بابه حتى وجدها تلتصق به وتباغته بقبلة تفاجأ بها ، لم يمنعها ولم يستجب بل توقف يطالعها ببرود ونطق باستفزاز  : 


- اشتقت لحقارتك . 


ابتسمت واتجهت تجلس على مقعدٍ ما وتتلفت متفحصة الغرفة ثم استقرت عنده وقالت بترقب  : 


- هذا لأثبت لك أنك أيضًا حقير ، ماذا تفعل هنا ؟ هل ستظل مع تلك البلهاء ؟ 


اتجه يجلس مقابلها ويفرد نفسه ثم أردف بأريحية وهو على يقين أن هذه الغرفة لم تُخترق : 


- ما رأيك؟ لم أنتهِ منها بعد ، هيا أخبريني بشيءٍ جيد  . 


أومأت وأردفت بهمس وهي تقترب منه وتتلوى بإغراء  : 


- تم القبض عليهما ، لنرى ماذا سيحدث  . 


قطب جبينه وتساءل  : 


- هل تقصدين هو وزوجته  ؟ 


- لا تقل زوجته ، أنا فقط هي زوجته  . 


قالتها بغلٍ ليسترسل  : 


- لمَ يتم القبض عليها ؟ ماذا فعلتِ  . 


لم ترتح لسؤاله لذا نطقت بترقب  : 


- ربما هي ساعدته ليعود بلده ويتجسس صالح فرنسا . 


تجهمت ملامحه ونطق بانزعاج غير مبرر  : 


- ولكنكِ تعلمين أن هذا لم يحدث  . 


تلبستها الشياطين وصاحت مندفعة  : 


- ما هذا الاهتمـــــــــــام توماس ؟ لا تقل أنك وقعت في غرامها  ؟ 


ضحك ليثبت لها العكس ونطق بهدوء محذرًا  : 


- صوتك لا يرفع هنا ، ولنرى ما سيحدث معهما أولًا ، والآن غادري  . 


باغتته بغلٍ ونطقت  : 


- لن أغادر ، سأظل هنا معك ولتخبر تلك الغبية أنني ضيفتك ، لن أمكث في الفندق بمفردي ، وإلا لا أحد ولا حتى أنت يمكنه السيطرة على جنوني إن أطلقوا سراح تلك الفرعونية ، أقسم سأقتلها . 


حدق بها لثوانٍ ، معها حق ، كي يسيطر على جنونها يجب أن يبقيها تحت أنظاره ، ولكن ماذا عن رحمة ؟ 


ابتسم حينما مر على عقله هذا السؤال لينهر تفكيره على الفور ويردد داخله ، رحمة بالنسبة له قطعة من الصلصال اللين ، يشكلها كيفما يريد  . 


❈-❈-❈


جلست تنتظر مصيرها وما أصعب الانتظار ، خاصةً وأنهم فصلوها عنوةً عنه ، تستمد منه القوة ، الطاقة ، الأمان ، العزيمة ، والآن هي خائفة . 


طُرق الباب وتبعه دخول رشدي فنهضت بتوتر فأشار لها أن تجلس واتجه يجلس مقابلها ويردف بنبرة جادة ودون مقدمات  :


- اقعدي يا ديما واسمعيني كويس جدًا في اللي هقوله ، لازم تركزي علشان الغلطة ممكن تخسرنا كتير  . 


جلست وحاولت أن تهدأ لتستمع جيدًا والأفكار تطحن رأسها ولكنها تساءلت بخوفٍ نهش جدران قلبها  : 


- ثائر هيخرج  ؟ 


طالعها رشدي وتجلت على ملامحه الإجابة لتشعر بقلبها يتهاوى وعلى الفور شحبت ملامحها واسترسلت  : 


- طب ليه  ؟ 


قرر أن يخبرها فقال  : 


- فيه بلاغ من مجهول اتقدم ضده ، أنه عميل لفرنسا وإنه راجع يجمع معلومات ، وإنك بتساعديه في ده  . 


شردت في ملامحه وكلماته تلوكها في عقلها ثم تساءلت بيقين   : 


- مجهول إزاي،ده أكيد حد من تلاتة يا توماس يا مارتينا يا أبوها 


أُعجب بسرعة بديهتها وأجابها بهدوء  : 


- مارتينا ، بتلعب لعبة خبيثة ، بس إحنا هنلعب معاها بالبيضة والحجر ، علشان كدة ركزي كويس أوي ، واسمعي اللي هقولهولك ، علشان التنفيذ يتم زي ما إحنا مخططين . 


نظرت له ولم تبدِ أي ردة فعل ، بل تفكر كيف ستخرج من هنا بدونه ؟ كيف ستصمد وتواجه هؤلاء بدونه ؟ كيف ستفعلها ؟ كيف ستحتمل غيابه عنها ؟ 


- ديما ؟ 


ناداها لتنتبه له فتفهم ما تمر به لذا أردف مطمئنًا  : 


- مش عايزك تقلقي ، وجود ثائر هنا هيبعد عنه الشكوك ، إنتِ هتخرجي لأن تم استجوابك وتأكدنا انك ملكيش أي علاقة باللي بيتقال ، وماكنتيش تعرفي أي حاجة ، ودي النقطة اللي هتلعبي عليها قدام توماس ومارتينا ، توماس هيتواصل معاكي،احتمال كبير يتواصل بكرة، هتحاولي تقربي منهم ،وتعرفيهم اللي حصل مع ثائر، وان دي حاجة مضيقاكي جدا، مرة في مرة هتقنعيه، ولازم يحاول يطلبك تاني تالت . 


شعرت بتصارع عنيف في عقلها وتساءلت بعدم فهم  : 


- يطلبني ليه ؟ 


أجابها ببعض المراوغة  : 


- لأنه هيحب يساعدك ، وقتها هيبقى مطلوب منك تزرعي الجهازين دول واحد في مكتبه وواحد في بيت رحمة   . 


وجدته يمد يده بجهازين تجسس صغيران للغاية داخل كيس بلاستيكي محكم الغلق لتطالعه بقبضة تسحب أنفاسها فلم تعد قادرة على التنفس لذا رفعت كفيها تمسح وجهها علها تستوعب ما يحدث ثم نظرت له وأردفت بخوفٍ ومقلتين لامعتين  : 


- مش هقدر ، مش هقدر أعمل ده لوحدي ، أنا وافقت ادخل المهمة دي مع ثائر ، أعينه وأساعده وأمهدله الوضع ، إنما اللي حضرتك بتقوله ده مستحيل هعرف اعمله ، هدخل وكرهم إزاي وأمثّل عليهم وكمان هزرع جهاز تجسس عندهم ؟ دي مهمة مستحيلة مش هقدر اعملها . 


- لو إحنا شايفين إنك مش هتقدري مش هقعد قدامك دلوقتي وأعرفك الخطة واضيع وقتي ، أنا عن نفسي عندي ثقة فيكي ، وعارف إنك هتقدرى ، دوافعك تستاهل إنك تنجحي ، بلدك ، جوزك ، أولادك ، كتاباتك . 


وجدها تطالعه بصمت وتشتت فاستطرد   : 


- فكري كويس النهاردة ، هتطلعي من هنا على بيتكو وممنوع تتواصلي مع أهل ثائر ، إحنا حلينا أمرهم ، هتريحي نفسك وتنامي والصبح تتواصلي مع توماس ، لازم تحاولي تطلعي جوزك أو على الأقل تعرفي حقيقته ،وطبعًا مش محتاج أعرفك إن ممنوع مخلوق يعرف بالخطة دي   . 


أغمضت عينيها قليلًا ، تسعى لترتب فوضى عقلها ، عادت تطالعه وتردف بترقب  : 


- عايزة أشوف ثائر  . 


- ممنوع . 


قالها بصرامة فشعرت أنه يصفعها بقوة وازدردت ريقها تسترسل  : 


- ولادي ، وأهلي ، هقولهم إيه ؟ أنا مش هتحمل أي أذى يمسهم . 


أجابها مطمئنًا  : 


- ماتقلقيش ، هنأمنهم كويس جدًا ، بس ممنوع تقولي أي حاجة غير أن جوزك في أمن الدولة  . 


❈-❈-❈


بعد توقيع بإخلاء المسؤولية كُتب لها على الخروج من المشفى 


وقف يساعدها لتنهض ففعلت وهي تتعلق بذراعه وخطا بها نحو الخارج ببطءٍ وتمهل . 


بعد دقائق خرجا من المشفى واتجه داغر نحو السيارة وفتح بابها وساعدها في الصعود بحذر . 


اتجه يستقل مكانه ويقود عائدًا بها إلى المنزل ولكنه لمح الألم على ملامحها ليردف بمرح كي يزيله عنها : 


- تيجي نطلع ع المأذون ونكتب كتابنا تاني قبل ما نروح ؟ 


ابتسمت بخفة وتجاوبت معه بعدما شعرت بالقليل من الراحة فقالت بعفوية وهي تستريح على المقعد : 


- هتعمل بيا إيه وأنا في حالتي دي بس . 


مال عليها قليلًا يردف بغزلٍ ومكر ينبتان عشقًا لذيذًا : 


- يا باشا أنت بس تبصلي كدة بعيونك دي وانا هكتفي بهذا القدر ، مش محتاج تعمل أي حاجة ، أنا اللي هعمل كل حاجة ، عنك انت يا عسل . 


ضحكت على طريقته فاهتزت فتألمت قليلًا لذا نطقت محذرة : 


- داغر اتلم واصبر عليا لما اشد حيلي . 


ابتسم واسترسل بحبٍ ونبرة صادقة : 


- يا بسوم بحبك ، ومش عايز ابعد عنك لحظة ، عايز أفضل جنبك علطول . 


بادلته الحب ونطقت بنبرة حالمة وهي تطالعه : 


- وأنا كمان يا داغر ، انت عوضتني عن كل حاجة مُرّة عشتها ، أنا معاك بنسى إني يتيمة ، إنت عامل لي كوكتيل معاملة ، مرة تعاملني كحبيب ومرة أب ومرة أخ ومرة صديق ، اليومين اللي فاتو دول إنت كنت بتساعدني أدخل الحمام ، وأغير هدومي ، بتسرحلي شعري ، عملت معايا اللي ماما الله يرحمها كانت بتعمله وأنا صغيرة لما بتعب ، إنت هدية ربنا ليا . 


لا يعلم أي ردة فعل يجب أن يفعلها لتناسب هذا الكلام لذا أردف وهو ينظر أمامه بسعادة سكنت خمائل قلبه : 


- طب ماتقوليش كلام حلو تاني من دلوقتي لحد ما نتجوز ، علشان نضمن سلامة دراعك يا غالي . 


ضحكت عليه بخفة وأومأت بهدوء فابتسم وتابع طريقه يتمنى أن يوفقهما الله في حياتهما القادمة وأن يديم الحب بينهما . 



❈-❈-❈ 


انتهت منال من تنظيف المنزل ، وخاصةً غرفة بسمة التي هيأتها لاستقبالها ، وجهزت لها ولداغر الأطعمة التي يحبانها 


تحركت نحو الأريكة تجلس عليها لترتاح قليلًا ونظرت نحو الصغيران اللذان يلعبان حولها ثم ابتسمت ونادت على مالك فأتاها فمالت تقبله على وجنته وقالت : 


- روح نادي على خالتو دينا ، قولها تعالي كلمي تيتا . 


أومأ الصغير بحب وركض لينادي خالته بينما جاءت رؤية من خلفه تردف بانزعاج : 


- وأنا يا تيتا ؟ مش هتبوثيني ؟ 


ابتسمت منال والتقطتها تجلسها على ساقها ثم تمسكت بوجنتها ومالت تطبع عدة قبل ثم عانقتها تردف بحبٍ وسعادة بعدما عادت الأوضاع لطبيعتها : 


- قلب تيتا من جوة ، وانا أقدر بردو ، أبوثك طبعًا يا رؤيتي.  


لفظتها مثلها لتبتسم الصغيرة بسعادة وتعانقها ثم ترجلت وركضت نحو مالك الذي خرج من غرفة خالته واتجها يكملان لعب . 


جاءت دينا تخطو بتهمل وعلى ملامحها الصمت ومعالم الحزن ، جلست تجاور منال وتساءلت بخفوت وتحشرج : 


- نعم يا ماما؟ 


تنفست منال تطالعها للحظات وتدرك أنها تمر بأوقاتٍ عصيبة ، تحاول تجاوز ما حدث ، تحاول نسيانه وعدم التطرق لتلك التفاصيل المؤلمة التي عاشتها ، ولكن كلما حاولت النسيان تذكرت أكثر وأكثر ، رعبها ، صراخها المكتوم ، ذلك الماجد وملامحه المخيفة ، رغبتها في الموت . 


نطقت منال بتروٍ وحنان : 


- خلاص يا دينا، هنفتح صفحة جديدة يا حبيبتي وننسى اللي فات ، ومن هنا ورايح هنشاور بعض في أي حاجة ، وأنا كمان هاجي اخد رأيك في أي حاجة تحصل معايا ، المهم إنتِ تحاولي تنسي اللي حصل وتشليه من دماغك خالص ، واهو ربنا كرمك بصالح اللي بيحبك وعايز يعمل أي حاجة تفرحك ، افرحي يا حبيبتي وانسي . 


شردت تقلب كلمات والدتها في عقلها وتحاول أن تحفظها لتستطرد منال بحذرٍ : 


- بسمة وداغر على وصول ، مش عايزاكي تزعليها بكلمة ، أوعي تقوللها حاجة عن ابن عمها ده ، إنتِ عارفة إن هي كمان ضحية وملهاش ذنب ، اعتبريها زي ديما . 


نظرت لوالدتها وبكت تسرد لها ما تشعر به : 


- طب وداغر يا ماما ؟ داغر اتغير معايا أوي ، وانا عارفة ان بسمة ملهاش ذنب بس مش هننكر حقيقة ان ابن عمها عمل كل ده علشان يرجعها ، فكرك لو انا ماكنتش خرجت ولا اشتغلت مكانش هيعرف ينفذ خطته ؟ كان هيعمل اللي في دماغه يا ماما حتى لو نزلت اشتري حاجة من السوبر ماركت ، هو قال انه خطط للعملية دي كويس أوي ومش هيخسر . 


عاتبتها منال وهي تردف موضحة بتهمل : 


- واهو خسر ، ومرمي دلوقتي في السجن ومش هيطلع ، وربنا نجاكي الحمدلله ، بسمة قالتله انها هتتنازل عن كل أملاكها بس يسيبك ترجعي ، دي واحدة بتحبنا وبتحب اخوكي ، هنلاقي زيها فين ؟ ، لو ليا خاطر عندك صحيح ماتقوللهاش كلمة تزعلها تاني مرة ، وافتحو صفحة جديدة سوا . 


تنهدت بعمق وأومأت تردف بحزن : 


- مش هقول يا ماما ، ومن غير ما توصيني أنا مقررة إني مش هزعل حد مني تاني ، بعد اللي شوفته ده مافيش حاجة تستاهل نزعل بسببها . 


مالت عليها منال ومدت يدها تسحب رأسها وتقبلها بحنان وتربت على ظهرها قائلة : 


- صح يا حبيبتي ربنا يصلح لك الحال ويروق بالك يا دينا يابنتي انتِ وديما وداغر وبسمة اللهم آمين يارب . 


انتبهتا لطرقات على الباب فنهضت منال لتفتح ، فتحت لتجد داغر وبسمة فأفسحت لهما المجال ودلفا يساندها بتهمل تحت أنظار دينا التي نهضت تستقبلها وانتظرت حتى أراحها داغر على الأريكة وأسرعت منال تعدل لها الوسادة وتردد : 


- نورتي بيتك يا حبيبتي . 


- شكرًا يا خالتو . 


قالتها ونظرت إلى دينا التي تطالعها ثم ابتسمت تردف بهدوء : 


- حمدالله على سلامتك يا بسمة ، عاملة ايه دلوقتي؟ 


أومأت لها مبتسمة ونطقت بعيون تتفحصها وتشعر بالذنب تحت أنظار داغر الذي يتطلع خلسة باشتياق على شقيقته :


- الحمد لله يا دينا ، انتِ اللي عاملة ايه ؟ 


أومأت لها تجيب باختصار : 


- تمام . 


❈-❈-❈


غادرت المكان واستقلت سيارته متجهة إلى منزل عائلتها ، خالية الوفاض ، تشعر بالخوف ، والبرد ، والحزن ، كأنها تخطو عارية في غابة وحوش مفترسة . 


لا تتخيل أنها تركته ورحلت بدونه ، لا تتخيل ما سيواجهها في الأيام القادمة وعليها أن تستعد جيدًا . 


تقود بحذرٍ وبطء إلى أن وصلت ودلفت الحارة ، صفت سيارتها أسفل البناية وترجلت تغلقها وتتجه إلى الأعلى على الفور لترى صغيريها وعائلتها وتندمج معهم قليلًا . 


طرقت الباب وانتظرت حيث تسمع صوت طفليها من الداخل ، تلقائيًا ابتسمت باشتياق كبير لهما ، وأرادت أن تلقي بكم همومها جانبًا وتنعم بهما الليلة . 


فتحت لها دينا تطالعها بهدوء فابتسمت ديما وأسرعت تعانقها وتردف بنبرة مرحة تخفي في جعبتها الكثير : 


- وحشتيني يا دودو . 


بادلتها دينا بهدوء وحاولت ألا تحزنها فقد علمت من والدتها أنها لم يكن لديها أي علم لذا ربتت على ظهرها وأردفت : 


- وانتِ كمان يا ديما وحشتيني . 


ابتعدت عنها ونظرت لتجد مالك ورؤية يقفان يطالعانها ولم يركضا نحوها كعادتهما ، التفتت تنظر للجهة اليسرى لتجد بسمة تجلس وتجاورها منال التي نهضت تتجه نحوها تردف بسعادة مضاعفة وهي تشرع في عناقها : 


- حمدالله على السلامة ، ده إيه النور ده . 


بادلتها ديما بحب ولكنها لم تنسَ نظرة طفليها لها لذا حينما ابتعدت منال عادت تنظر إلى مالك الذي يقف يطالعها بعتابٍ استهدف فؤادها وتجمدت لثوانٍ وشُل لسانها ، تطالعهما بابتسامة فقط وتنتظر أن يبديا أي ردة فعل . 


لتنطق منال بترقب : 


- اجروا يا ولاد احضنوا ماما مالكم وقفتوا كدة ليه ؟ 


تحركت رؤية وركضت تعانق والدتها التي أسرعت تلتقطها وتحملها وتقبلها بنهم واشتياق وكادت أن تبكِ أمامهم لذا أسرعت تتركها أرضًا واعتدلت تنظر إلى مالك حيث تحرك نحو داغر الذي خرج لتوه من الحمام يطالعها بتعجب ليجدها تردف بملامح حزينة وعيون لامعة : 


-مالك ؟ انت مش عايز تسلم عليا ولا إيه ؟ 


وقف مجاورًا لخاله ونطق بنبرة منكسرة استهدفت قلبها فجعلته كالنجم المنثور : 


- أنا أصلًا مش وحشتك يا ماما ، إنتِ مابقتيش تحبينا . 


صفعة أخرى تتلقاها من صغيرها جعلتها تتجمد ، صفعة قاسية كانت أقوى مما عاشته على مدار سنوات ، هل جعلت صغيريها يشعران بهذا الإحساس دون قصدٍ منها ؟ هل تسببت في أذيتهما نفسيًا ؟ 


وقف داغر يطالعها بحنين وأدرك حزنها لذا اتجه يعانقها ويسحبها لتدخل ففعلت طواعية كأنها مغيبة ، جلست أمام بسمة تبتسم لها بتيه ،حتى أنها لم تلاحظ جرحها بسبب ما تعيشه من صراعٍ .


 أشار داغر إلى مالك الذي جاء إليه فأردف بهدوء وتروٍ : 


- روح سلم على ماما ، إنت عارف ان هي بتحبك انت واختك جدًا، يالا خليك جدع كدة وماتزعلهاش . 


أردف مالك بحزن وهو على وشك البكاء : 


- لاء هي بتحب أونكل ثائر ومعاذ أكتر مني . 


نطقها وهرول إلى غرفته فتعلقت عينيها عليه تتابعه بحسرة والندم يتآكلها على ما تعيشه ، هي أضعف مما ظنت ، ليست مثله ، لقد أخذ دور البطولة بمفرده، هي لن تتحمل اتهامات وخبايا ووحدة وضغط كما فعل هو على مدار سنوات ، لن تتحمل نظرة عتاب من صغيرها ، هي هشة وكان يجب عليها أن تعرف قدر نفسها وألا تدخل في علاقة ستعطيها الكثير لتسعد نفسها ولكن سعادتها شبه مستحيلة دون سعادة طفليها . 


❈-❈-❈


عاد رشدي مجددًا إلى ثائر 


جلس أمامه يطالعه بانزعاج ويردف  : 


- ماخرجتش معاهم ليه على الأوضة اللي هتقعد فيها ؟ وليه رافض الأكل ؟ بلاش لعب العيال ده يا ثائر  . 


طالعه بملامج مجهدة من مكوثه على هذا الحال ولكنها مشدودة ومتأهبة ليردف  : 


- مش هتحرك من هنا غير لما اشوف ديما ، واعرف طلبت منها إيه بالضبط ؟ اتفاقنا من الأول إن كل حاجة تخصها أبقى على علم بيها. 


زفر رشدي بضيق ، يتفهم موقفه ولكن هذه الغيرة ستفسد كل شيء، حاول ترويضه فقال : 


- هقولك كل حاجة ، بس قوم معايا على الأوضة اللي هتتحجز فيها ، ماينفعش تفضل هنا  . 


ضحك باستهزاء وأردف ساخرًا : 


- ليه ؟ مش أنا هنا بتهمة التجسس لصالح فرنسا ؟ المفروض أكون متعلق دلوقتي  . 


حاول رشدي التعامل بمهنية فأوضح : 


- يا ثائر ركز وخليك زي مانت ، تصرفاتك اللي ظهرت جديد من وقت جوازك من ديما هي السبب في أنك قاعد دلوقتي هنا  ، غلطتك إنك عرفتهم نقطة ضعفك ، حاول تهدى لأنك مش هتخرج من هنا غير لما توماس يقع ، وده لسلامتك على فكرة ، ولو على ديما ماتقلقش ، أنا بنفسي مأمنها كويس  . 


لم تشفع له هذه الكلمات كي يهدأ ، بل كانت كالملح على الجرح ، لن يتحرر إلا حينما يقع توماس ؟  حسنًا السؤال الذي يكاد يفتك بعقله الآن ، ما هي الخطة التي وضعوها للإيقاع بتوماس  ؟ 


انتفض من مكانه وتمسك بالمقعد المعدني ثم رطمه بعنفٍ في الجدار الجانبي وزعق بصوتٍ حاد يخرج جزء من غضبه وإلا ستوقف عقله . 


لم يحتد رشدي عليه بل زفر وتحرك يغادر الغرفة ووقف على بابها الذي أغلق وتحدث إلى الشرطي يردف : 


- دخلوله سرير وأكل وخلوه زي ما هو ، وماحدش ليه دعوة بيها أبدًا . 



❈-❈-❈


دلفت غرفة صغيرها لتجده يتمدد على الفراش ويداري وجهه في الوسادة ويبكي . 


انفطر قلبها وأسرعت تتحرك نحوه وتحاول انتشاله فتشبث في وسادته لذا جلست بجانبه وباتت تدلك خصلاته وتردف بنبرة باكية متحشرجة : 


- طب لو أنا مش بحبك هحب مين ؟ معقول إنت تصدق أني هحب حد تاني أكتر منك ؟ 


لم يبدِ الصغير ردة فعل وكأنه يطالبها بالكثير من الإثباتات لذا انحنت عليه تقبل رأسه وحاولت سحبه لعناقها ونجحت بصعوبة ولكنه أخفى وجهه في صدرها فباتت تردد بحنين مفرط ويديها تزيح دموعه وتملس عليه وقلبها ينبض بصخب  : 


- أنا مش بحب حد في العالم ده كله قدك انت واختك ، حقك عليا ، أنا غلطانة . 


اعتذارها جعله يهدأ ورفع نظره بعد ثوانٍ يطالعها ويردف مستكملًا عتابه  : 


- بس انتِ مشيتي ومش اتكلمتي معانا في الموبايل وحاولت اكلمك احكيلك على اللي حصل هنا لقيته مقفول ، أنا زعلت أوي وقلت أكيد انتِ مابقتيش عايزانا وعايزة تعيشي علطول مع أونكل ثائر ومعاذ  . 


هزت رأسها بلا وأردفت تزامنًا مع مجيء رؤية التي صعدت السرير واتجهت تستقر في حضنها كشقيقها  : 


- أيوة هو كان مقفول علشان المكان اللي كنت فيه كان الإرسال فيه ضعيف ، بس انت معاك حق ، أنا غلطانة جدا، حقكو عليا ، من هنا ورايح مش هبعد عنكو خالص ، سامحوني ، حقكوا عليا . 


قالتها وهي على حافة الانهيار، وكالعادة رق قلب مالك لها ، حتى عتابه معها كان بدافع حبه الشديد لها لذا أومأ يردف بابتسامة سعيدة وهو يعتدل ويرفع سبابته يزيح دموعها  : 


- مسامحك  . 


رددت شقيقته مثله تردف  : 


- مسمحاكي أنا كمان يا مامي . 


قبلتهما بنهم واحتوتهما وشردت تفكر ، لا يمكنها التراجع خطوة واحدة للخلف ، إذًا عليها التقدم للأمام ، يجب أن تنهي ما طُلب منها لتستطيع العيش بسلام مع عائلتها ، هي لم ولن تكون بطلة خارقة كثائر ذو الفقار رجل المهام المستحيلة،نعم أدركت هذا جيدًا ، ولكنها ستحاول أن تتبع خطاه وتتسلح بما تعلمته منه لتصل إلى الهدف وتحاول إنجازه . 


زفرت بقوة وعادت تقبل صغيريها وتتساءل علها تلهو قليلًا وينشغل عقلها بشيءٍ آخر : 


- احكولي بقى إيه حصل وكنتوا عايزين تعرفوني  ؟

يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة آية العربي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة