-->

رواية جديدة بحر ثائر جـ2 لآية العربي - الفصل 16 - الأربعاء 2/7/2025

 

قراءة رواية بحر ثائر الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية بحر ثائر

الجزء الثاني 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل السادس عشر 


تم النشر الأربعاء 

2/7/2025


لحظة..كل مايحتاجه القلب هو لحظة... 


وجع الحياة... 


وجع الحب... 


وجع الفقد... 


كلها اجتمعت بالقلب... 


وبعد لحظة..... 


كل الوجع الذي كان... 


صار و كأنه ماكان... 


كل شيئ في لحظة اختلف... 


حين الراء قررت


الانسحاب من الحرب... 


حين الحب أخيرا انتصر.... 


لحظة... 


كل مايلزم التغيير هو لحظة...


(بقلم فيروزة) 


❈-❈-❈


يقال أن المرأة عندما تحبُك فهي تستطيع أن تأتيك من "باريس" لتلبي دعوتك على فنجان شاي في الشام .

وحين تنصرفُ بقلبها عنك، فهي أكثرُ كسلًا من أن تناولك "علبة السُكّر" عن الطاولة، تلك التي تبعدُ عن أصابعها سبعة سنتيمترات .. فقط .



توقفت بسمة بسيارتها في المكان المنشود ، الليل خيم على الأجواء ، والقلق يداهم السكون من حولها ، وقلبها كقلب هرٍ صغير يحاولون اصطياده .


تنظر حولها باحثةً عنه ، تعلم أن داغر معها يختبئ في مكانٍ قريب ، ينتظر مجيئه ، تتمنى ألا يصيبه مكروهًا وأن يرحلا من هنا بسلام  . 


مرت الدقائق ولم يأتِ ، يبدو أنه يراقب المكان جيدًا ، وحينما تأكد أنها بمفردها قرر أن يظهر . 


ظهرت سيارته تسير نحوها ببطءٍ شديد ، ليزداد توترها وهي تراه يقترب حتى توقف أمامها ، تبادلا النظرات ، هي تطالعه بخوفٍ لم تستطع حجبه ، وهو يطالعها بانتصار وابتسامة تشفي ، كأنه انتقم وحطم كبريائها وهدم شهامة داغر في عينيها . 


لم تترجل وهذا بناءً على الخطة الموضوعة ، حتى بعدما أشار لها برأسه أن تفعل لذا ادعت عدم الفهم ، ليصاب بالغضب لذا انتشل هاتفه وطلب رقمها فأجابت وعينيها عليه لتجده يصيح  : 


- انزلي من العربية وتعالي اركبي معايا ، يالا  . 


نطقت بثبات ظاهري وهي تطالعه  : 


- لازم نتكلم الأول يا ماجد قبل ما اروح معاك أي حتة. 


تجهمت ملامحه ونطق من بين أسنانه  : 


- بســـــــــمة، ماتحاوليش تتزاكي عليا ، التحوير بتاعك ده لو عرفت إن وراه حاجة هتندمي . 


تنفست بقوة وأجابته بانكسار تعلن استسلامًا مزيفًا  : 


- أنا مش بحور يا ماجد ، أنا خايفة منك جدًا ، أنت خطفت بنت ملهاش أي ذنب لمجرد إن ليك حساب مع أخوها ، أومال أنا بقى ممكن تعمل معايا إيه ؟ وليه مايبقاش كل ده تمثيلية ؟ إيه اللي يضمن لي إنك فعلًا بتحبني وهتحميني من عمي ؟  إيه اللي يضمن إنك هتقف في وش أي حد يزعلني ؟ 


تلاعبت على أوتار حبه السام ليخمد غضبه ويزفر بقوة وهو يحاول أن يهدأ، ربما حقًا تريد الاطمئنان ، لذا قرر أن يترجل ليراها  . 


وفي مخبإٍ قريب رآه داغر وهو يترجل ويجاهد ليكظم غيظه إلى أن يتأكد من تحرير شقيقته التي إلى الآن لم يصل اتصالًا من صالح يطمئنه به  . 


❈-❈-❈


كانا يصعدان الدرج بحذر، أتيا بمفردهما حتى لا يلاحظهما أحد وتتعقد الأمور ، صعد لوتشو أولًا وخلفه صالح إلى الشقة المنشودة  . 


ينظر صالح حوله بحذر ، ليس أمامه الآن سوى الوثوق بهذا الصيني ، المكان هنا مازال تحت الإنشاء ، ومعظم الشقق السكنية خالية من السكان ، خاصةً هذه العمارة التي لم يسكنها أحدٌ بعد . 


وصل أمام الشقة المنشودة والتي تم تحديدها نتيجة لاختراق حاسوب ماجد ، نظر لوتشو إلى صالح يردف بخفوت  : 


- سنطرق الباب وحينما يفتح لنا سننقض عليه  . 


زفر صالح واضطر للقبول برغم خشيته مما يمكن حدوثه ولكن ليس أمامهما خيار آخر  ،  طرق لوتشو الباب ورفع يده يحجم كاميرا المراقبة ، بينما تأهب صالح في وضع الاستعداد للضرب في حالة فتح الباب، ولكن الباب لم يفتح  . 


حاولا مرة أخرى ولكن بدا لهما كأنه لا يوجد أي شخصٍ في الداخل ، نظرا لبعضهما ليتساءل صالح بنفاذ صبرٍ  : 


- متأكد إنو هاي هي الشقة ؟ 


استل هاتفه يتفحصه مجددًا ليوميء مجيبًا  : 


- نعم هي  . 


حاولا مجددًا قبل أن يستمعا إلى صوت أنين وهمهمات قادمة من الداخل ، ليثور صالح وينتفض مرددًا  : 


- هاي دينا ، افتح الباب هياها جوا  . 


ظل يطرق بعبثية تحت أنظار لوتشو الذي بات يفعل مثله وهما يحاولان دفع الباب بقوتهما ،  مرة تلو الأخرى تلو الأخرى إلى أن فُتح الباب بصعوبة بالغة آلمتهما ولكن صالح لم يبالِ بأي ألم بل اقتحم المكان ينادي باسمها ويتطلع حوله باحثًا عن أحدٍ يصب به غضبه فلم يجد ، ليتأكد أن ماجد قد خدعهم . 


أما لوتشو فقد توقف ليدلك كتفه الذي تصلب لثوانٍ ثم ركض خلف صالح خوفًا من إيجادها قبله  . 


يسمعان صوت صراخها المكتوم لذا ركض الاثنان نحو الغرفة الرئيسية ليجداها مكبلة على السرير تصرخ وتبكي بنحيب ، تجمد لوتشو مما رآه ، هيأتها مذرية بشكلٍ تام ، ليست هي دينا نفسها ، ليست تلك الجميلة والشامخة العنيدة ، حتى في أوقات ضعفها أمامه لم تكن هكذا . 


بينما صالح ركض نحوها يحاول فك قيودها أولًا ، لم يهتم بتشعث شعرها ، ولا ملامحها الباهتة والمذعورة ، ولا بجسدها المسجى ، كل ما يهمه هو تحريرها والفرار بها من هنا  . 


نجح في فك قيد ساقيها وأسرع نحو يديها ينزع اللاصق عنهما وقد استعمل ألة حادة قد جلبها معه لينجح في تحرير يديها.. 


مد يده لينزع اللاصق عن فمها ولكنه تجمد حينما وجدها تنهض بنصف جسدها وتلتصق فيه وتبكي بقهرٍ وخوفٍ شديد ، تتعلق به كأنه آخر أملٍ لها ، لم تتفوه ببنت شفه بل تبكي فقط  . 


لا يعلم ماذا عليه أن يفعل ، ولكنه يقدر خوفها المضاعف لذا طلب العون ليطمئنها ، لتلتف يديه حولها ويهدهدها قائلًا بنبرة رخيمة تحت أنظار لوتشو الذي تجمد واشتعلت نظراته : 


- خلص دينا اهدي أنا هان معك ، ماعاد حدا يقربلك أبدًا ،لا تخافي حبيبتي .


انتزع لوتشو نفسه من مكانه واتجه يحاول سحبها لتصاب بحالة فزع جعلتها تصرخ وتتعلق بصالح أكثر لذا جحظ يبتعد ويتطلع على صالح الذي يباغته بنظرات حادة متوعدة لذا نطق يبصق غضبه  :


- لا داعي للخوف دينا ، أنا من أنقذك وعرفت مكانكِ ،أنا من يجب أن تشكريه .


لو أنهما في مكانٍ وزمانٍ آخر لكان صالح لقنه درسًا في عزة النفس ولكنه زفر بضيق وحاول أن يبعد دينا عنه ليغادروا فقال مهدئًا  :


- خلص حبيبتي اهدي ، يالا خلينا نطلع من هان.


أومأت وهي تلتصق به بقلة حيلة ووعي وطاقة ،حاول إبعادها ليوقفها ومد لوتشو يده ليسندها ولكن ما إن لامست قدماها الأرض وجدت نفسها لا تشعر بهما وقبل أن تخر أرضًا كان اثنينهما يسندانها ولكن صالح تملك منها ونظر إلى لوتشو محذرًا بعيون حارقة :


- إبعد إيدك  .


تحامل لوتشو على نفسه وحاول أن يتظاهر بالتفهم  لذا ابتعد واضطر صالح لحملها وتحرك بها يغادر هذا المكان ولوتشو يتبعه بتوعد  .


يحملها كأمانة وليس كحبيبة، سيرسل إلى داغر رسالة تطمئنه ثم سيذهب بها إلى أقرب مشفى فهي في حالة بائسة وشبه مخدرة. 


ولكن عقلها يتساءل ، أين داغر  ؟  هل تركها؟ ألن يسامحها؟ هل يعقل ألا يكون مع صالح؟ تريد أن تسأل عنه ولكن حالتها لا تسمح بنطق حرف ، ربما أخذتها مشاعرها نحو صالح دون تفكير لأنه الأقرب والأكثر أمانًا عن أي شخص ، وإن لم يكن داغر هنا فيكفيها وجود صالح لتشعر بالأمان . 


❈-❈-❈


وقفت أمامه بهيأتها الفاتنة ، ترى نظراته نحوها ، ترى عيناه اللتان تأكلانها ، ازداد توترها وهي تنتظر رأيه وباتت تفكر،  هل بالغت؟


لا تعلم كيف فعلتها وكيف تحلت بالجرأة لترتدي مثل هذا اللباس وتتفاعل مع هذه الصاجات ولكن هو السبب في ذلك ، هو الزوج الذي استخرج منها معادن ثمينة وجعلها تتربع على عرش الدلال ، هو الذي منحها الثقة والثبات وزودها بالدعم النفسي والمعنوي لذا أرادت أن تهبه شغفًا تعلم أنه لم يجربه قط ، تعلم أنه يحب بلده وينتمي لها لذا أحبت أن تكافئه بهدية معنوية تحمل تراثًا أصيلًا افتقده في غربته ، هل أخطأت ؟ ولم هي الآن تشعر بالخجل ؟ 


ازدرد ريقه وتنفس بقوة حينما أدرك أنه لم يتنفس منذ أن ظهرت أمامه ، عقله يحاول ترجمة ما تفعله هذه المرأة بكيانه وقلبه وحواسه ، إنها تحرك مشاعره بطريقة لم يسبق لها مثيل ، وتسأله عن رأيه ؟هل حقًا فعلت هذا لتعينه على مهمته أم لتأسره وتجعله سجينًا لهواها ؟ 


وحينما لم يجد إجابة على سؤاليه نظر لها نظرة تحذيرية وأردف و هو لم ينهض بعد  :


- إنتِ كدة بتلعبي بالنار  . 


توترت للدرجة التي جعلت العصا تقع منها أرضًا فلم تبالِ ووقفت تتسلح بثباتٍ مزيف وتتساءل بترقب  : 


- يعني مش عجبك؟ 


نهض من مكانه ليزداد توترها وهي تراه يقترب منها فتحركت أصابعها دون إرادة لذا صدر صوتًا من الصاجات فنظرت لها للحظة ثم عادت إليه حينما وجدته أمامها يمد يرده ويرفع كفيها أمام عينيهما ويتساءل باستنكار  : 


- صاجات  ؟  صاجات يا ديما؟ 


شعرت أنها قد بالغت كثيرًا لذا نطقت بدفاع  : 


- ثائر بالله عليك ماتكسفنيش ، أنا أصلًا مش عارفة عملت كدة إزاي . 


طالعها بنظرة متعجبة تخفي مكره وتَتَيّمه بها واتكأ يلتقط العصا ويعرضها أمامها مستطردًا بخبث  : 


- وعصاية ؟ 


ابتسمت بحرجٍ ونطقت توضح بوجنتين متوردتين  : 


- أنا أصلًا مش بعرف ارقص خالص، بس فكرت إن ممكن دي حاجة تبسطك شوية، بما إنك محتاج تركز وكدة  . 


- وكدة أنا المفروض هركز؟ 


نطقها متسائلًا ويده تلتف على خصرها بتملك ويتفحص توترها لتنطق بحيرة أصابتها من ردة فعله  : 


- مش هتركز صح ؟ أنا شكلي فكرت غلط ، بس مش مشكلة خليني أروح أغيرها و أرجعلك . 


انتظرته ليحررها ولكنه ارتدى قناع الرغبة وتمسكت قبضته بخصرها ومال عليها يهمس مغمغمًا بعدما تناول خمر أفعالها وهيأتها التي أثملته عشقًا  : 


- بعد إيه ؟ لو دخلتي دلوقتي وغيرتيها فيه احتمال كبير المهمة تفشل ، وحياتي تتعرض للخطر، واللوا رشدي يستقيل، وسمعة مصر تضرر، والألماني يتقتل، عرفتي ليه قلتلك إنتِ بتلعبي بالنار  ؟ 


شعرت أنها ارتكتب ذنبًا لا يغتفر وبرغم ذلك هي مستمتعة بكلماته التي تؤكد لها أن المفاجأة راقت له كثيرًا،لذا تساءلت بمكر أنثوي متعطشة لسماع المزيد : 


- يا سلام ؟  ليه كل ده؟


ترك العصا جانبًا وتحركت يده الأخرى تسير على فتحات العباءة وهو يؤكد وجهة نظره الخبيثة والخبيرة في آنٍ  :


- اسألي نفسك، ليه تشغلي عقلي بالطريقة دي؟ ليه تستعملي أوبشن زي ده دلوقتي؟ إنتِ عارفة ومتأكدة إن اللي قدامك ده اتحرم سنين عمره كلها من الدلع ، ماحدش فكر يميزني بحاجة ليا لوحدي زي كدة ، محدش فكر في راحتي وسعادتي زيك كدة ،ماحدش حس بيا قدك  . 


التقطت نفسًا قويًا يهدئ به روحه واسترسل بهيامٍ وخبث : 


- خليكي جنبي يا ديما ،شوفي كنتِ ناوية تعملي إيه وكملي مهمتك.


مال يقبل عنقها ثم أبعد يديه عنها وتركها تقف تواجه حزمة مشاعرها ، انحنى يلتقط العصا وناولها إياها يردف مشاكسًا  : 


- اتفضلي يا معلمة  . 


لكزته بتذمر ونطقت تستفيض حينما وجدته يقهقه  : 


- ثائر أنت كسفتني كدة ، أنا أصلًا ماكنتش هرقص، أنا قلت البسها وخلاص. 


ابتسم عليها وحمل العصا وتحرك نحو حاسوبه يعبث به ويبحث عن أغنية تناسب الأجواء مقررًا أن يبادر هو كما فعلت ، ثوانٍ حتى صدحت الموسيقى فوجدته يعتدل ويضع العصا على كتفه متمسكًا بها وعاد إليها يغمز لها وبدأ يتحرك بطريقة صعيدية مُرتبة مع اللحن ويحرك العصا بهيمنة تحت أنظارها التي يشع منها الإعجاب به وبدأ يتمتم ذات الكلمات التي صدحت  : 


- كعب الغزال يا متحني بدم الغزال، كعب الغزال يا متحني بدم الغزال، أنا شايف الأرض بتتمرجح تحت الخلخال، ماتبطل تمشي بحنية ماتبطل تمشي بحنية ليقوم زلزااااال  . 


بدأت تضحك عليه وتطالعه بنظرة حبٍ، لتخرج من صومعة خجلها وتتمايل عليه بأسلوبٍ غير مبتذل يليق بها بينما هو اندمج في تحريك العصا بطريقة مسيطرة ودار حولها يسترسل متمتمًا الكلمات التي كأنها كُتبت لها  : 


- أنا كنت مسافر في الصحرا ومشواري طويــــــــل  ، إيه اللي غصبني اروح عندك وابيع مواويل، اتاريك مكــــــــار روحت شاغلهم أويه ومناديل، ونسيت مواويلي بقيت انت لوحدك موااااال، ماتبطل تمشي بحنيه ماتبطل تمشي بحنية .. ليقوم زلزااااال  . 


اقترنا سويًا وسرقا أوقاتًا ستخلد في ذاكرتهما مدى الحياة ، كلٍ منهما يؤكد للآخر أنه كان طوق نجاته، النور الذي سطع ليهتدي الآخر من خلاله بعدما سجنا مع شخصين سامين أرهقاهما على مدار سنوات، كلٍ منهما يعيش فرحةً وسعادةً لم يتذوقاها من قبل، هو يسعى ليدربها على التوغل داخله أكثر، ودون قيودٍ أو خجل، وهي تسعى لتقطف له ثمار المتعة والراحة والحب، كلاهما كانا خير عوضٍ لبعضهما  . 


انتهت كلمات الأغنية ولم تنتهِ ابتسامتهما ولا نظراتهما، احتواها وعانقها بحبٍ كبير، يعبر لها عن مدى امتنانه بما جعلته يعيشه خلال هذه الدقائق القليلة، تبادله بسعادة كبيرة وهي تراه يتجرد من مهامه ومسؤولياته ليطمئنها. 


ابتعد عنها قليلًا ثم تعمق فيها واحتضن وجنتيها بكفيه يردف بصدق وتأكيد  : 


- أنا بحبك أوي، بحبك بطريقة مخوفاني، عايز أنجز كل الدوشة دي واعيش معاكي ومع أولادنا بعيد عن أي توتر أو قلق، عايز اطمنكو واهتم بأولادنا واديكو وقتي وطاقتي وكل ما أملك، أنا بحبك لدرجة إني أول مرة أخاف يحصلي حاجة من غير ما أمنكو وأأمن مستقبل أولادنا، عايز أعيش وسطكو أوي يا ديما، مش عايز ابعد عنك ثانية واحدة، مابقتش اقدر  . 


لم يكن ضعيفًا يومًا ولم تكن كلماته هادمة أو بائسة ولكنه أفصح عن مخاوفه لها، كلما عاش معها سعادةً ازداد خوفه لذا أراد أن يفصح عما يشعر به ، وحينما وجد القلق على وشك أن يتسرب إليها وتحاول أن تعترض على حديثه أسرع يقبلها بكامل مشاعره ، بخوفه وحبه وشغفه ، بتسلطه وهيمنته وحنيته ، لينجح في امتصاص خوفها ويسكرها بخبرته حتى باتت لينة تمامًا بين يديه فتحرك بها نحو ركن سعادتهما ليعيشان معًا حالةً متجددةً من العشق والوعود  .


❈-❈-❈


وقف ماجد أمام بسمة التي ترجلت تطالعه وتفكر قليلًا ،عليها أن تسحبه إلى جدال لا يلفت انتباهه ، يجب أن يتأكدا أن دينا قد تحررت  .


نطق بنفاذ صبر خشيةً من فشل خطته  : 


- خلصي يا بسمة ويالا معايا ، أنا لحد دلوقتي بتعامل معاكي بتحضر . 


حاولت أن تخفي توترها لذا نطقت تسأله  : 


- طب قولي هنروح فين  ؟ 


ابتسم بتهكم ومد يده يردف بأمرٍ  : 


- هاتي موبايلك واركبي ، مافيش قدامك بديل غير إنك تثقي فيا ، أنا لو شخص سيء كنت اعتديت على البنت اللي معايا دي ،  بس أنا ماعملتش ده لإني بحبك ، مع إن كان نفسي أكسر أخوها وأخليه مايقومش تاني بعد اللي عمله، يالا اتحركي  . 


نطقها بضجر، كل هذا يحدث تحت أنظار داغر الذي ترجل من السيارة يختبيء خلف بعض الصخور المرتصة ،  لم ينتظر وصول الرسالة فقد طفح الكيل ، لن يجلس ينتظر وهذا الحقير يقف أمامها يهددها ويعترف لها بحبه. 


وقف على بعد خطوات منهما يتمنى لو ينقض عليه ولكنه يحاول أن يتحلى بأدنى درجات الثبات ليطمئن على شقيقته.


صدح صوت هاتفه معلنًا عن الرسالة التي ينتظرها ولكن سمع الصوت كلًا من بسمة وماجد الذي لمحه يركض نحوه فأسرع يلتفت نحو سيارته ويفتح بابها ليسحب مسدسه من أسفل المقعد ، بالفعل قبض عليه ولكن داغر وصل إليه وسحبه فسقط المسدس أرضًا ونجح في إبعاده عنه وهو يزحفه على الأسفلت ثم انقض عليه يسدد له اللكمات بعنفٍ وانتقام، ووقفت بسمة جاحظة تتنفس رعبًا مما تراه وتعانق نفسها بصدمة ، لم يرحمه داغر ولو للحظة ليلتقط فيها أنفاسه ، لكمة تلو الأخرى بوتيرة سريعة جعلت وجه ماجد مدمي بشكلٍ كامل. 


ليتحرك الرجلان أخيرًا من مكانهما بناءً على تعليمات لوتشو لهما ، اتجها يحاولان إبعاد داغر عنه ويردد أحدهم  : 


- سيبهولنا واحنا هنتصرف معاه ، احنا بلغنا البوليس والأنسة دينا مع لوتشو بيه ورايحين المستشفى  ،  اتفضل إنت خد الأنسة بسمة وامشوا  . 


لم يثق بهما داغر لذا ظل مقيدًا ماجد بجسده يمنعه من الحركة ورفع نظره يطالعهما بغضبٍ عاصف ثم التفت ينظر إلى بسمة المذعورة والتي تترجاه أن ينهض ليغادرا ، تنفس بعمق وعاد ينظر لهذا الذي بدأ يفقد وعيه ، بصق عليه بحدة ونهض عنه ليمسك به الرجلان ويقبضان عليه إلى أن تأتي الشرطة . 


تحرك داغر نحو بسمة يعانقها ويفكر في شقيقته وحالتها لذا أردف بحزنٍ وتعب  : 


- يالا نمشي، خلينا نروح نشوف دينا. 


أومأت له وتحركا معًا نحو السيارة ولكنهما انتبها لصوت ماجد وهو ينفض نفسه بشكلٍ مفاجيء من بين أيدي الرجلين على حين غفلة وانحنى يلتقط مسدسه من الأرض والتفت قاصدًا ومستهدفًا قلب داغر الذي تجمد، ليحاول الرجلين منعه حيث كان في موضع ضعفٍ نسبةً لإصابته ولكن أثناء اعتراضهما له ومحاولاتهما نزع السلاح من يده خرجت الطلقة من فوهة المسدس مصوبة إلى ذراع بسمة الأيسر تحت أنظار داغر الذي صاح بذهول حتى سُلخت حنجرته  : 


- بسمـــــــــــــــــــــــة  . 


ارتدت عليه فحملها بين يديه يصرخ وحينما وجد ذراعها مصابًا توغلته بعض الطمأنينة وأسرع يدخلها السيارة وقد لمح الرجلان يقيدان ماجد وأحدهم نزع منه السلاح، لولاها لتحرك يأخذ هذا السلاح ويفرغه في رأسه ولكنه اتجه على الفور يستقل الجهة الأخرى ويقود مسرعًا إلى أقرب مشفى  . 


ليتولى الرجلان أمر ماجد بعدما نجحا في تقييده إثر صدمته بإصابة بسمة ، استسلم لهما بعدما تيقن أن خطته في استعادتها قد فشلت ويبدو أن القادم لونه أسود عليه وعلى والديه  . 


❈-❈-❈


حول طاولة معدة بعناية


جلس كلًا من رحمة وتوماس ودياب ويسرا بعدما اضطرا لتلبية الدعوة ، يتناولون الطعام التي ابتاعته رحمة من أحد المطاعم الفاخرة كما أوصاها توماس . 


توماس الذي بدا اجتماعيًا كثيرًا ، يتحدث مع دياب بلهجته المصرية الثقيلة ، يبادله دياب الحوار بثقل ورتابة ، تعرفا على بعضهما ظاهريًا ولكنه لم ينجح في استدراج المزيد من دياب حول وظيفته ، كان دياب ذكيًا ولماحًا فلم يخبره سوى معلومات عامة  . 


كانت يسرا تستمع ولم تتحدث كثيرًا، ورحمة التي لمحت رغبتها في الصمت فتقبلت ذلك وباتت تستمع إلى الحديث الدائر بين توماس ودياب والأول يردف بحروفٍ مُكسرة  : 


- انتوا مجوزين بألكم كتير  ؟ 


نظر دياب إلى يسرا بحبٍ وعاد يجيبه برصانة  : 


- بقالنا 6 سنين و3 شهور. 


أومأ توماس وهو يلتقط قطعة اللحم بشوكته ويقضمها ثم أردف بخبثٍ ملغم بالغموض  : 


- ممتاز، واضه جدًا أنكوا بتهبوا بأض كتير ، فيه مألومة بتقول إن الجواز من مصرية أهسن من الفرنسية ألى فكرة ، وليا أصدقاء كتير أكدوا ألى المألومة دي ، منهم كاتب مصري كان آيش في فرنسا ومتجوز صديقة ليا ، بس هو قريب اتجوز مصرية وأبّر من خلال صفهته إنه بيهبها كتير، وده لفت نظري، يمكن بسببه أنا رجئت وقررت أفته صفهة جديدة مآ رهمة وأألن إسلامي ، أنا ظلمتها كتير  . 


قالها وهو يلتفت إلى رحمة ويتناول كفها يقبله تحت أنظارهما، أومأ دياب مبتسمًا ولكن حديثه أثار انتباه يسرا لتتساءل بشكٍ  : 


- اسمه إيه الكاتب ده ؟ 


ابتسم والتمع في عينيه هدف الوصول وهو يجيبها بترقب  : 


- ثائر ذو الفقار  . 


تجلت الدهشة على وجهها ووجه دياب الذي طالعها مردفَا  : 


- صدفة عجيبة.. 


أومأت له وتذكرت صديقتها التي اشتاقت لرؤيتها وأردفت بحنين وتباهٍ وابتسامة هادئة  : 


- المصرية دي تبقى صحبتي المقربة ، الكاتبة ديما الصابر  . 


ادعى توماس الذهول ونطق بالفرنسية بملامح معبرة  : 


- أوه ، لا يعقل؟ 


أومأت يسرا مؤكدة تسترسل بتروٍ وتأكيد غير واعية لما يلتقطه هذا الخبيث  : 


- ديما إنسانة جميلة جدًا وثائر محظوظ بيها ، هي تستاهل حبه ليها فعلًا  . 


أومأ وازدادت داخله رغبته في التقرب منها ولكنه أردف بهدوء مبهم  : 


- بما إنهم أصدقاء مشتركين بينا ، هلونا نتجمأ سوا في مكان هلو، إيه رأيكوا . 


انزعج دياب من حديثه الموجه ليسرا لذا نطق بجدية  : 


- إحنا بنشكرك جدًا يا مستر توماس على الدعوة دي ، بس للأسف مش هنقدر نكررها، أنا الفترة الجاية عندي شغل كتير ويسرا تعبانة شوية ، المرة دي جينا لانكوا أصريتوا وكمان علشان نباركلك على إعلان إسلامك، وبعدين إحنا جيران وهنشوف بعض كتير من غير مقابلات  . 


أبدى توماس الانزعاج يوضح بملامح حزينة  : 


- مافيش مشكلة أستاذ دياب ، بس أنا يمكن أهتاج مسأدتك في أمور كتير بما إني جديد في الإسلام ، أتمنى ده شيء مش يزئجك  . 


تلاعب توماس على وتر أخلاقه ليومئ دياب ويردف بتأكيد يواري ضيقه  : 


- ماعنديش أي مانع طبعًا  . 


نطقت رحمة بعفوية تنتشلهما من هذا الحوار بعدما أنهت طعامها : 


- سيبهم على راحتهم يا توماس ، يسرا ودياب بيحبوا الخصوصية أكتر ، وبعدين صاحبك الكاتب ده بصراحة مش مريح وحسيت إن بينك وبينه تاتش ، يمكن بسبب مراته الفرنسية ! 


لعنها تحت أنفاسه وتمنى لو قبض على عنقها بيده في هذه اللحظة ولكنه بدلًا عن ذلك ابتسم يطالعها بنظرات أخافتها ونطق  : 


- يمكن ألشان أنا صديق مشترك ليهم ، واهتمال مش آيز يزأل مدام ديما  . 


تساءلت يسرا بترقب وفضول راق له  : 


- هي زوجته الأولى لسة على زمته  ؟ 


أومأ يضيف وقد ترك طعامه كما فعل البقية  : 


- أمم  ، يمكن ألشان ابنه مآذ  . 


أومأت بتفهم وشردت تفكر في حال صديقتها التي فرقتهما هذه الأيام ولم يتسنى لها معرفة أدق التفاصيل عن حياتها الجديدة  ،  هاتفتها مرة واحدة منذ عودتها من فرنسا وأخبرتها بظاهر الأمور، كما رأت منشور ثائر وإعلانه عن زواجهما ، ولكنها ظنت أنه انفصل عن زوجته الأولى ، فكيف تقبل ديما أن تتزوجه وهو متزوج بأخرى ؟ يجب أن تهاتفها في أقرب وقتٍ لتطمئن عليها وتسأل عن أحوالها ، أو ربما تذهب إلى منال لترى الصغار فقد اشتاقت لهما  . 


بعد دقائق نهض دياب يودعهما وتبعته يسرا وتحركا عائدان إلى شقتهما بعدما قررا ألا يكررا هذه الدعوة مرةً أخرى  . 


بينما وقف توماس أمام رحمة خلف باب شقتهما يطالعها بتمعن ويردف وهو يعانقها منقضًا عليها بشكلٍ مفاجيء  : 


- لنستمتع قبل أن ننطلق إلى رحلتنا  . 


❈-❈-❈


وصل لوتشو أمام المشفى وأسرع صالح يترجل ويلتف يفتح الباب الخلفي ويحاول مساندة دينا التي لا تعي شيئًا مما يحدث حولها برغم أنها لم تفقد الوعي  . 


لا تمتلك أي تحكم أو سلطة على جسدها لذا أسرع ينادي المسعفون الذي جاؤوا مهرولين ومعهم مقعدًا متحركًا ، ساعدوها لتجلس عليه وتحركوا بها نحو الداخل وتبعهم صالح ولوتشو  . 


أدخلوها إلى الطواريء بشكلٍ فوري وجاء الطبيب مسرعًا يفحصها ويتساءل بذهول حينما وجدها بهذه الحالة  : 


- مين عامل فيها كدة؟ وتقرب لكوا ايه؟ 


أجابه صالح يراوغ ملتقطًا أنفاسه بصعوبة  : 


- كانت مخطوفة ولحقناها الحمد لله  . 


التفت الطبيب يطالعه بشكٍ وتعجب تارة ويطالع لوتشو تارةً أخرى ليكرر متسائلًا حينما علم أنه عربي والآخر أسيوي  : 


- إنت تبقالها إيه  ؟ 


- خطيبها  . 


أجابه صالح بتوتر ليتمهل الطبيب ويعاود فحصها وهي تئن وتتألم أمامهم ،  توقف بعد دقائق واتجه يقف أمامهما ويردف بنظراتٍ مبهمة نحو صالح  : 


- عايزين حد من أهلها ، ولازم نبلغ ، ونعرضها ع الكشف الطبي ، لإن فيه اشتباه في اغتصاب . 


تهاوى قلبه وحرك رأسه رفضًا يردد بعدم تصديق  : 


- لا لا لا لا يا دكتور الله يباركلك ما صار هالشي ، هداك الحقير كان رابطلا ايدها و إجريها بس ما حدا قرب عليها ، واحنا بلغنا الشرطة وهو هسا معن ، وأنا حالًا بدق لاخوها وبييجي وانتوا اعملوا اللازم وان شاء الله بتقوم بالسلامة  . 


أومأ له الطبيب شبه مقتنعًا بحديثه ثم التفت يحدج لوتشو بنظرة مبالية وتساءل  : 


- وحضرتك مين؟ 


أجابه لوتشو متحمحمًا يعتدل ويهندم نفسه  : 


- أنا مديرها في العمل  . 


أومأ الطبيب وأردف وهو يشير لهما  : 


- طيب اتفضلوا برا  . 


أومأ صالح وتحرك يغادر الغرفة بعدما ألقى عليها نظرة مطمئنة ولكنها لم ترَها بل تركت نفسها للمجهول حينما أدركت أنها الآن في المشفى  . 


اتجها يجلسان سويًا في الاستراحة والتقط صالح هاتفه ليهاتف داغر ويطمئنه عليها  . 


❈-❈-❈


يقود بانفعال وتخبط وحزنٍ وهو يراها تنزف أمامه وتتألم ، كان قد خلع قميصه ولفه بإحكام حول ذراعها ليسيطر على النزيف  . 


ولولا أنه يدرك حالة والدته لما أجاب على اتصالها الآن ولكنه فعل يردف بعجالةٍ وصوتٍ متحشرجٍ مبحوح  : 


- دينا كويسة يا ماما ، صالح جابها واخدها ع المستشفى يطمنوا عليها واحنا رايحين لها دلوقتي  . 


هدأت نبضات قلبها ولكنها تساءلت بترجٍ  : 


- صحيح يا داغر؟ أوعى تكون مخبي عني حاجة  ؟ 


تألم فوق آلامه حينما تذكر قسوتها الغير متعمدة مع بسمة ليردف بنبرة مبطنة بالعتب وهو يقود بلا هدى  : 


- دينا كويسة يا ماما ، بسمة اللي اتصابت ، اخدت طلقة في دراعها ، ادعيلها . 


عاد قلبها يتهاوى مجددًا وصفعت صدرها بعنفٍ تتساءل  : 


- ياحبيبتي يابنتي ، طلقة إيــــــــــــــه ؟  حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا ماجد يا راوي. 


سمعتها بسمة التي بدأت تغفو ونطق داغر وهو على حافة الجنون  : 


- بسمة أوعي تنـــــــــــامي  ،  خلاص وصلنا أهو فتحي عيـــــــونك  . 


بكت منال وهي تسمعه يصرخ واتنفضت تنهض متسائلة  : 


- انتوا فين دلوقتي  ، قول بســــــــــرعة  . 


أغلق الخط فلم يستطع أن يجيبها ومد يده يلكز بسمة ويحاول ألا تغفو ويردد  : 


- بسمة حبيبتي كلميني، سمعاني ؟ فتحي عيونك يالا ، بسمة أنا بحبك أوي ، ماقدرش أتخيل الدنيا من غيرك ، أوعي تغمضي ، بصيلي يا بسمة علشان خاطري . 


فتحت عينيها ببطءٍ تطالعه وتبتسم وتنطق بخفوت  : 


- أنا كمان بحبك أوي ، ومش هسيبك. 


عجز عن تفسير حالته حتى لنفسه ولكنه يصارع الرياح ليصل إلى وجهته ، ليعلن هاتفه عن اتصالٍ من صالح فيجيب ويتساءل  : 


- انتوا في مستشفى إيه يا صالح  ؟ 


أخبره صالح العنوان فأغلق وقاد نحوها مسرعًا ومتلهفًا على حبيبته وشقيقته  . 


❈-❈-❈


جلس ثائر أمام حاسوبه مجددًا، ملامحه منفرجة ، السعادة رسمت لوحتها على تقاسيم وجهه فبدا أصغر سنًا وكأن الشباب نثر وروده عليه ،  أمامه قدح القهوة الذي أعدته له ديمته الغالية التي جلست في الخارج تستمتع بنسيم البحر والليل والقمر وتقرأ كتابها في محاولة منها لتشغل عقلها عن التفكير في صغيريها ولكن عبثًا ،يأخذها الحنين لرؤيتهما ومهاتفتهما فهل تفعل ؟ هل تعيد تشغيل هاتفها وتطمئن عليهما ؟ أم أنها بذلك تجازف بأمن ثائر ؟  


زفرت بقوة وحاولت أن تستعيد كلمات ثائر ، وأمنياته ، لم ينسَ ذكر صغيريها وهذا أسعدها كثيرًا ، بل اتخذ من نفسه أبًا لهما ، هل سيستطيع مالك تجاوز تلك الغصة تجاهه ؟ هل سيحبه ويتخذه والدًا له ؟ ربما أمر رؤية هين لين ، كذلك أمر معاذ ، أما مالك فهو يؤرقها ، تخشى أن علاقتها بثائر تترك في نفسه أثرًا لا يزول مع الوقت  . 


في الداخل كان يدقق في عمله ، معلومات يتلصص عليها بعدما اخترق هاتف ذلك الضابط الخائـ ـن رامي طلعت ، تمت عملية الاختراق بنجاح ولكن تكمن الصعوبة في عدم معرفة الشخص الآخر بهذا الاختراق لذا عليه أن يسرع قبل أن يفتح الآخر هاتفه ويلاحظ  . 


أتاه اتصالًا عبر الموقع السري الخاص بعمله لذا أسرع يغلق كل وسائل التلصص بعدما أخذ ما يريده من بيانات ثم فتح يردف مطمئنًا  : 


- تمام يا خالد تمت بنجاح ، هو بيعمل إيه دلوقتي  ؟ 


زفر خالد بارتياح حيث أنه كان يراقب ذلك الرامي ، وحينما رآه يترجل من سيارته ويلتقط هاتفه أسرع يهاتف ثائر قبل أن يكتشف أمره ، أجابه خالد بعيون حادة تراقب ما يحدث  : 


- هو دلوقتي وقف أند مهطة البنزين وبيتكلم في الموبايل ، أنا وراه ماتقلقش . 


تعجب ثائر وتساءل  : 


- إنت لوحدك ؟ صقر مش معاك ؟ 


أجابه خالد بهدوء وعينيه لا تفارق الضابط : 


- صقر بنته تإبت شوية وماقدرش يسيبها ، أنا وراه وكلها ساءة ونوصل أندك  . 


أومأ ثائر بتفهم ونطق حسب البيانات التي حصل عليها  : 


- هو دلوقتي بيكلم الشخص اللي هيسلمه السلاح علشان يعديه من نقطة التفتيش ، وطبعًا هيعدي عادي وهيوصل الجونة وانت وراه ، والصبح هيتقابل هو وتوماس علشان يسلمه السلاح ، ركز كويس يا خالد ، واهم حاجة لو أنا اختفيت تأمن ديما كويس جدًا لحد ما ارجع . 


أومأ خالد وبدأ يركز جيدًا حينما دلف رامي المتجر واختفى عن أنظاره ليزفر خالد ويردف قبل أن يغلق  :


- تمام ،ماتقلقش ،هنجيبهم كلهم واهد واهد .


أومأ ثائر وأغلق ثم استكمل فحص البيانات التي أمامه ،سيقابل توماس غدًا عصرًا في السوق العام ،سيسلمه السلاح لينفذ توماس خطته مساءً حيث سيتواجد الخبير الألماني في إحدى مطاعم الجونة الراقية هو وأسرته ، سيغتاله هو وأطفاله وزوجته لتكون عملية يتردد صداها في كل وسائل الإعلام العالمية ، والقاتل سيكون أحد التكفيريين الذين سيقبض عليهم الضابط رامي ويحقق معه بنفسه ، وحينها ستتضرر السياحة بشكلٍ سيءٍ للغاية  . 


تحولت نظرته إلى فهدٍ متربصٍ لأعدائه ، يتوعد لهم ، يقسم داخله أنه لن يسمح لهذا أن يحدث قط، سينتقم ممن تسول له نفسه ويقوده إلى العدالة التي ستوقع عليه أقصى عقوبة ليكون عبرةً لغيره  . 


تنفس وقرر أن يكتفي بهذا القدر من العمل ، لذا أُجبر على النهوض ليرى حبيبته فتحرك نحو الباب يفتحه ويتطلع عليها ليجدها تجلس متكتفة أمام البحر وسابحة في أفكارها للدرجة التي جعلتها لم تنتبه له  . 


ناداها بترقب فالتفتت تطالعه وتتساءل فمد لها يده يردف باهتمام  : 


- كفاية كدة ، تعالي يالا الجو برد  . 


ابتسمت وأردف وهي تشير له  : 


- طب تعالى إنت اقعد شوية ، الاسترخاء هنا ممتاز ، جو مناسب جدًا لاستلهام أفكار جديدة . 


لم ترد إخباره أنها كانت تفكر في صغيريها حتى لا ينشغل باله الآن ، وقد تحرك يجلس جوارها ولم يرد إخبارها أن عقله منشغلٌ بما علمه من معلومات حتى لا يوترها الآن ، جلسا سويًا وفتح ذراعه يستقبلها لتميل على كتفه وكلاهما يتطلع إلى الأفق والقمر ويفكران سويًا في فلكٍ بعيد.. 


زفر بقوة ونطق بما أجبره قلبه على قوله : 


- السنة الجاية إن شاء الله هنيجي هنا أنا وانتي والولاد ، بس هناخد شاليه علشان نبقى براحتنا . 


ابتسمت ورسمت هذا الحلم في عقلها وباتت تراه يتجسد أمامها لتجيبه بحبٍ  : 


- وبردو السنة الجاية إن شاء الله تكون إنت وأحمد اتصالحتو ، أنا عندي إحساس إن ده هيحصل قريب. 


أخذته من ساحة قتال أفكاره إلى رحلة عبر أمنياته ، يتمنى لو يتصالح مع شقيقه برغم حزنه الشديد منه ولكنه يبقى أخاه لذا أردف بهدوءٍ مبهم  : 


- تفتكري حتى لو اتصالحنا يا ديما ممكن حد فينا ينسى ؟ أنا هقدر انسى إن اخويا صدق تهمة زي دي عليا؟ أنا بقالي دلوقتي 14 سنة مش قادر أنسى   . 


تعلم أنه محق ، والنسيان هنا شبه مستحيل ، ولكن ربما إن طلب أحمد السماح منه واعترف بذنبه وندم وتقبل ثائر ندمه ، ربما ارتاح قليلًا ، ربما لم تعد تشغل باله تلك التهمة ؟ 


أجابته متأملة بمقولة اقتبستها من جلال الدين الرومي   : 


- ‏هـُروبك مما يؤلمك سيؤلمك أكثر ..  لا تهرب ، تألم حتى تشفى .


ابتسم ونطق محذرًا بغيرة محببة  : 


- مرة تانية ماتقوليش أقوال لحد تاني غيري  . 


ضحكت وارتفعت قليلًا تقبل وجنته ثم عادت تردف وهي تحتضن ذراعه وتنظر للأمام : 


- اتفقنا ، وانت كمان ماتعملهاش ، عملتها امبارح لما ذكرت رواية ( لحن الخطيئة) بتاعة آية العربي بس أنا عديتها بمزاجي  . 


قهقه عليها وهز رأسه باستسلام يردف  : 


- بحبك  . 


التفتت تقابله وتنظر في مقلتيه بعمق وتعترف بصدق  : 


- وأنا بحبك، بحبك لإني حاسة إنك ماسك قلبي بين إيديك وخايف عليه من أي حاجة تمسه ، علشان كدة أنا مستعدة اعمل أي حاجة علشانك . 


حدق بها وأسرته كلماتها لثوانٍ ثم انحنى يقبل رأسها وابتعد ينهض ويمسك بكفها يحثها على النهوض مردفًا  : 


- كفاية كدة عليا النهاردة ، إحنا ندخل نحضن بعض وننام أحسن  . 


ضحكت وتحركت معه نحو الداخل وهي تدرك مقصده، يكفيه صدمة العباءة ، تجردا من ثيابهما الخارجية واتجها يتمددان على الفراش ويعانقان بعضهما ليخلدان إلى النوم  . 


❈-❈-❈


وصل داغر إلى المشفى وترجل يلتفت ليفتح الباب المقابل ويلتقط بسمة بين ذراعيه ويسرع خطاه نحو الداخل متجنبًا الاصطدام بالعابرين من حوله ، ليراه المسعفين فيأتون إليه ليساعدوه ولكنه لم يتركها بل تساءل بإرهاق وحزن ضاعفا عمره  : 


- سيبوها بس قولولي أوديها فين ، فيه رصاصة في دراعها  . 


تحركوا معه على الفور نحو ممر غرفة العمليات ليسعفوها  ،  دلف يمددها على السرير الطبي وجاء الطبيب من خلفه يفحص جرحها ويتساءل عما حدث ووقف داغر يخبره وهو يشعر أنه على وشك السقوط فلم يعد يحتمل  . 


لمحه صالح فهرول إليه ولكنهم منعوه من دخول الغرفة لذا انتظر خارجًا ليطمئن . 


رن هاتفه برقم منال القلقة والتي حاولت معه كثيرًا لذا فتح يجيب بتروٍ  : 


- اطمني يا خالتي ، دينا بخير ، أجينا ع المشفى لحتى نطمن عليها، ما تقلقي. 


كانت تجلس باكية منتحبة ، تشعر أنها مقيدة ولا تعلم أين تذهب وماذا تفعل خاصةً مع وجود الصغيران اللذان ينامان في الداخل لذا تساءلت بتلهف  : 


- طب وبسمة يابني؟ داغر بيقول إن المجرم ده ضربها بالرصاص ، طمني يابني أنا هموت . 


جحظ صالح ولم يصدق ما يسمعه ولكنه أجابها يراوغ بما رآه  : 


- هي كمان بخير ،  داغر معاها بغرفة الفحص ، ما تقلقي بيصير خير إن شالله  . 


تشعر بالحزن الشديد على ما أصاب ولديها وبسمة ، تدرك أنها أيضًا ضحية لا حول لها ولا قوة ، ليت ثلاثتهم يعودون لها آمنين وإلا لن تشعر بالفرح مجددًا إن أصاب أحدهم مكروه  . 


❈-❈-❈


صباحًا 


خرجت مارتينا من مطار القاهرة تدفع حقيبتها مبتسمة بهدوء يحوي الكثير ، حصلت على كل المستندات التي ستدينه وتقدمها لأمن الدولة كما خطط والدها ، في كلتا الحالتين ستخرج منتصرة من هذه الحرب  . 


وستنتظر اعتقاله لتدبر خطة القضاء على تلك المصرية ، وحينما يتحرر لن يجد كتفًا يبكي عليه سواها  .


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة آية العربي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة