رواية جديدة مرايا الروح لفاطمة الألفي - الفصل 22 - الثلاثاء 5/8/2025
قراءة رواية مرايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية مرايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة فاطمة الألفي
الفصل الثاني والعشرون
تم النشر يوم الثلاثاء
5/8/2025
"الليلة تحمل مفترق طرق...
أحدهم سيعترف، وأحدهم سيغادر، وأحدهم… قد يوقظ من داخله صوتًا ظلّ يخافه طويلاً"
كانت الليلة ساكنة، لكن الأرواح الهائمة لا تنام... بل تصحو في صمت، تفتّش في الزوايا عن شيء يشبه النجاة.
جلس"نادر" في شرفته القديمة، يتأمل السماء. لا نجوم، لا قمر، فقط عتمة كثيفة تشبه ما بداخله.
حدث نفسه بأسى:
-كل شيء ممكن يتمحي من قلبنا ، لكن الذكريات لا يمكن تتحرق، حتى لو التهمتها النيران، بتفضل عائشة جوانا.
ثم أخرج أنفاسه ببطء ودلف لداخل الشقة، اتجه إلى غرفته التى تحمل بين جدرانها ذكرياته المتبقية من ماضيه، وقف أمام لوحته البيضاء، ممسكًا بالفرشاة، لكن لم يكن يرسم... بل يستحضر.طيف هديل كان واضحًا كأنها واقفة أمامه، بابتسامتها المائلة، وصوتها الرقيق ونظراتها الخجلة.
مرّر الفرشاة بعد أن غمسها بالالوان الممزوجة وبدأ يرسم خطوط ملامحها العالقة بذهنه، أغلق عيناه لحظات يستشعر قربها ويتخيل وجهها أمامه تنظر له بابتسامة مشرقة كشروق الشمس، تنير غسق ليلاه.
❈-❈-❈
وفي تلك اللحظة كانت "هديل" تحكي ل "راما" عن "سادن" وما دار بينهما في المواقف القليلة التي جمعتهما داخل الجامعة، وهي تقلب باقة الورد بين يديها، مندهشة ذاك التصرف.
ضحكت "راما"ضحكة خفيفة، وقالت، وهي تعقد شعرها:
-ها تصرف طبيعي… لأنه مو زميل عادي، ها تصرّف عاشق. بيحبك ومنتظر فرصة يعبر عن مشاعره.
توقفت يد هديل للحظة، نظرت إليها بدهشة، ورددت الكلمة بهمس كأنها أول مرة تسمعها:
-عاشق؟!
رمشت راما بتلقائية، ورفعت حاجبيها قائلة:
آه... مو كل يوم حدا بيحاول يدق بابك بالشكل هادا. ها الشاب يستاهل إنك تسمعيه.
انكمشت ملامحها، ما بين الخوف والارتباك، وكأن الكلمة أخرجت من داخلها شعورًا كانت ترفض الاعتراف به، ثم عادت تنظر إلى الورود من جديد وهي حائرة في أمر هذا ال "سادن"
❈-❈-❈
داخل شقة ضي، حيث الأثاث مرصوص بعناية تعكس طبع ضي الدقيق، ولجوا لداخل هي وشقيقها "ماجد"الذي كان يحمل الطفل بين ذراعيه بحنان.
وفي لحظة مفاجئة، وقبل أن يضع ماجد الطفل على الأريكة، خرج صوت خافت... هشّ لكنه واضح، ارتجفت له القلوب:
-راما...
تجمّد ماجد في مكانه، عيونه اتسعت بدهشة، ثم نظر نحو ضي بفرحة لا توصف:
-قال اسمها! ضي... سمعتي؟! قال راما!
ركضت إليه ضي، جلست أمام الصغير، احتضنته بذراعيها ويدها تمسح على شعره برفق كأنها تخشى أن ينكسر من اللمس:
-حبيبي... إنتَ اتكلمت؟
ثم بهدوء وحنان، كمن تحاور طفلًا أتى من عالم آخر، همست له:
-اسمك إيه؟ فاكر حاجة؟
نظر إليها الصغير بعينين واسعتين فيهما دهشة الطفولة وثقل الذاكرة المحروقة، ثم نطق بصوت خافت:
-يزن.
سقط الاسم كنبض حياة في المكان.لكن في صوته كان هناك انكسار، كأنّ الحروف خرجت من قلبٍ لم يُشفى بعد... من روح لامست الحافة وعادت.
ضحك ماجد وهو يشعر بعينيه تدمع، وقال:
-هو نطق يا ضي… هو بيتكلم!
لكن ضي، رغم فرحتها، كانت تنظر إلى يزن بحنان ممزوج بالحذر.فالنطق عاد، نعم… لكن خلف تلك العيون المرهقة، كانت تسكن روح لا تزال ترتجف في الظل.
عاد الصغير يكرر نطقه ل"راما" فهو تعلق بها ، يريد قربها الآن.التفت ماجد نحوه بعينين اتسعتا بالذهول ثم ابتسم بفرحة صادقة:
-إنت حبتها؟ تعلّقت بيها في اليومين اللي فاتوا، صح؟
مدّ يده يلمس وجنته برقة، ثم أضاف بلطف:
-بس الوقت متأخر دلوقتي… أوعدك، الصبح آخدك عندها. هي هتفرح جدًا لما تسمع صوتك.
بعد قليل، غلبه النعاس… أغمض عينيه ونام في حضن ماجد، كأنّه وجد أخيرًا مأوى آمن.
جلست ضي إلى جانبهم، نظرت إلى الطفل بنظرة أمّ لم تلد، ومرّرت أناملها على شعره برفق. تنهدت ببطء وقالت:
-هو استرد نُطقه، لكن لسه جواه صدمة. لازم نساعده يتخطّاها.
ثم همست وهي تطالعه وهو يغط في نوم هادئ:
-يا حبيبي… حَب راما.
ابتسم ماجد بإعجاب صادق، ورد بنبرة هادئة:
-هي تتحب فعلًا.
نظرت له ضي نظرة فاحصة، فيها لمحة دفء ولمحة تساؤل:
-على فكرة… لاحظت نظراتك دايمًا معاها، هي سنّارة قلبك أخيرًا غمزت؟
ضحك ماجد وهو يحمل الطفل ليدخله غرفته، وقال دون تردد:
-مجرد إعجاب… أنا لسه ما أعرفهاش.
ثم أردف وهو يغلق باب الغرفة:
-تصبحي على خير.
ردت بابتسامة خفيفة:
-وإنت من أهل الخير يا حبيبي.
لكنها لم تتحرك من مكانها… بقيت جالسة في سكون، وعيناها تسرحان بعيدًا، ليس مع ماجد، بل مع دياب.
تنهدت بعمق وخرج صوتها خافتا كأنها تحدث نفسها:
-المشكلة فيه هو، المشكلة إنه مش واثق في نفسه. لو بس يلاقي الجزء اللي اتكسر بعد الحادث… لو بس يرجع يشوف نفسه كامل، لو يرجع يكمل علاجه، هيتعافى ..
❈-❈-❈
في صباح ناعم تخلّله ضوء الشمس بلطف، وقف "ماجد" أمام باب شقة هديل، يحمل الصغير بين ذراعيه، بينما تنبض عيني الطفل بشوقٍ لا يشبه عمره. ضغط على الجرس، وانتظر بصبر...
لحظات وفتح الباب، فظهرت "راما"
اتسعت عيناها بدهشة حقيقية، بين المفاجأة والحنين، تمتمت:
-ماجد؟!
ابتسم باعتذار دافئ وقال:
-عارف إن جيت من غير ميعاد... بس في سبب كبير.
ثم أنزل الطفل ليقف، وما إن رأى وجهها، حتى ركض نحوها وفتح ذراعيه:
-راما… اشتقتلك!
شهقت راما، ثم جثت على ركبتيها وهو يرتمي في أحضانها. كانت لحظة أشبه بالمعجزة، بشيء لم تتخيله.
-يا عمري… أنت بتحكي.
قالتها وهي تدور به وتضحك بسعادة تشبه الدفء الأول بعد بردٍ طويل.
ابتسم ماجد وهو يراقبهما وقال:
-أول كلمة نطقها كانت اسمك."
نظرت إليه ، وداخلها زلزال صغير من الفرح، ثم سألت الصغير بحنان:
-شو اسمك، حبيبي؟
ردّ الطفل بصوتٍ رقيق:
-يزن.
أخذت وجهه بين يديها، وقبّلته على جبينه، ثم همست وهي تبتسم:
-قدّيش اسمك جميل… متلك.
كان الجو في بيت "مريم"ساكنًا إلا من صوت ضحكات "يزن"وهو يجلس بجوار "راما" يلعب بقطع خشبية، يشعر بالارتياح كأنه عاد لمنزله بعد غربة طويلة.
في هذه اللحظة، كانت "هديل" تنظر إليهما من المطبخ، ابتسامة صغيرة تسكن عينيها، وبين يديها كوبان من الشاي.
قدمته لماجد الجالس يراقب راما والصغير وعلى ملامحه ابتسامة هادئة
جلست مريم بجانب ماجد وهي تقول:
-سبحان الله كأن في رابط بينهما
رد ماجد مؤكدا على حديثها:
-فعلا.
اقترحت مريم بأن يظل الصغير في رعايتهم فهو بحاجه إلى احتواء، كم وجوده بجانب راما سوف يجعله يتخطى ما مر به، وافقها ماجد الرأي وهو مطمئنا، لانه سوف يعود إلى عمله بالمشفى وسيبتعد عنه لكن وجود راما ومريم وهديل حوله سوف يوفرون له العائلة التي أفتقدها..
حينها شعرت"راما" بشيء يدق في قلبها… شيء يشبه الأمومة لأول مرة.
ربما لم تخطط له، لكن يزن وجد فيها وطن… وهي لم تكن تعلم كم كانت بحاجة لأن تكون وطنًا لأحد.
❈-❈-❈
استيقظ نادر على ضوء الشمس المتسلل من بين ستائر شقته القديمة، استقام في سريره، شعر لوهلة أن شيئًا مختلفًا ينتظره في هذا اليوم.
تناول هاتفه، ووجد رسالة صوتية من "لميس'، صديقته القديمة:
-صباح الخير يا نادر، كنت حابة أطمنك… مؤنس رجع البيت والحمد لله تصالحنا،. مرينا بفترة صعبة، بس يمكن أحيانًا لازم نختبر الخسارة عشان نتمسّك باللي بيستحق، وبالمناسبة… آخر الأسبوع عيد ميلاد فارس، لازم تحضر و تحتفل معانا.
ابتسم وهو يستمع، بشيء من الامتنان أنه لا تزال هناك علاقات تُرمم رغم كل شيء.
ردّ عليها برسالة قصيرة:
-مبسوط إنكم رجعتوا لبعض… أنا هاجي بإذن الله. ما ينفعش أفوّت عيد ميلاد فارس.
ثم استعد لبدء يومه وقرر أن يهاتف ضي ويذهب إليها العيادة لانه يحتاج إليها ..
❈-❈-❈
داخل عيادة ضي .
كانت تتابع بعض الحالات ولكن عقلها منشغلا بمكان أخر، إلى أن جاء موعد "نادر"
دخل نادر، ورحّبت به، ثم جلس أمامها بهدوء ، أخذ شهيقا ثم زفره وبدأ حديثه قائلا:
-جيت أقولك إنّي هكلم المحامي… النهارده، أخلص كل الإجراءات، وأنا ما بقاش جوايا حاجة أي مشاعر اتمسك بيها تاني في حياتي، لما رجعت من الساحل لاقيتها حرقت المرسم وحرقت معاه ذكريات كتير تخصني.
شهقت بصدمه لم تتوقع جنونها لهذا الحد ولكنها هتفت بصدق:
-أنت قدرت تتحرر من علاقة سامة، أي حاجه مش مهم المهم دلوقتي أنك كسبت نفسك يا نادر
ابتسم براحة وقال:
-فعلا شعور الحرية لا يوصف.
ترددت قليلا ثم قالت بجدية:
-بصراحة... كنت عايزة أكلّمك عن دياب.
ارتفع حاجبيه باستغراب:
-دياب؟ ماله دياب؟!
-دياب محتاج شخص يثق فيه، حد يشيله لما يقع، انك تكون قريب منه وتفهمه ، ماجد هيرجع رفح خلال كم يوم، وأنا مش قادرة اساعده لانه قرر مش يكمل علاجه، دياب بيغرق في صمته.
وأعتقد كمان إنك… محتاج نوع جديد من العلاقات، الصادقة، اللي ما وراهاش مصالح ولا أقنعة، صداقات تقوي.
غادر نادر عيادة ضي وهو متخذا قرار بالتقرب إلى دياب لعله يجد به الصداقة الذي افتقدها في الآونة الأخيرة..
استقل سيارته ثم أخرج هاتفه، وضغط على زر الاتصال...
❈-❈-❈
بينما كان دياب جالس في الشرفة يتأمل المارة ولكن بشرود ، انبعث رنين هاتفه ، نظر لشاشته لثواني ثم أجاب بترقب:
-ألو؟
أتاه على الجهة الأخرى صوت نادر قائلا بهدوء:
-دياب أنا نادر
قال دياب مندهشًا:
-أهلا.
رد نادر بعفوية:
-محتاج اتكلم معاك، ممكن عنوان بيتك؟
تردد لحظات ثم أملى عليه العنوان واغلق الهاتف .
انطلق في طريقة حيث العنوان المنشود ، ليس لأنه فقط يريد أن يكون بجانب دياب…بل لأنه، للمرة الأولى منذ زمن،
يشعر أن الإنقاذ لا يأتي فقط من الهروب… بل من الاقتراب.
في تلك اللحظة، كان "دياب" جالسًا في الشرفة، ينتظر قدوم نادر الغير متوقع .. لم يكن يعرف تمامًا ماذا سيقول، أو حتى لماذا وافق على اللقاء… لكنه شعر بشيء ما يتحرك داخله. ربما لأنه أدرك أن العزلة لم تعد تنقذه، بل تثقله.
في غضون نصف ساعة كان يقف أمام الباب يرنّ الجرس،
نهض ببطء وفتح الباب ليجد "نادر" واقفًا أمامه، بهدوءه المعتاد، ابتسم لرؤيته وقال:
-وحشتني يا راجل.
رد دياب بابتسامة خفيفة، ثم تنحّى جانبًا:
-ادخل… القهوة محضرها.
دلف نادر، ونظر حوله في الشقة المرتبة بدقّة، كأنها تُخفي بداخلها محاولات غير مرئية للبقاء متماسكًا، جلسا سويًا،وبينهما الصمت في البداية، ثم هتف نادر وهو ينظر في فنجانه:
-أنا جيت مش بس عشان أطمن عليك… لكن محتاج أتكلم ، محتاج لصديق ، لراجل زي يسمعني ويفهمني .
وسرد له باختصار عن علاقته بـ "تيا" إلى أن أنهى كلماته بحرق المرسم .
انحنت رأس دياب قليلًا، ثم قال بنبرة هادئة:
-وأنا… حرقت نفسي بالصمت سنين، الفرق إن النار عندك كانت ظاهرة… وأنا كنت بدوّب من جوّا.
ابتسم نادر ابتسامة حزينة، ثم نظر إليه بعينين صادقتين:
-أنا بجد محتاج لصاحب… مش مجرد مُجاملات. حد أفهمه ويفهمني، ونشيل بعض، ونضمد جراح بعض ،نهون على بعض.
مدّ نادر يده وربت على كتف دياب بخفة، وقال:
- لسه الحياة قدامنا مخلصتش ، نقدر نلمّها سوا
ضحك دياب، لأول مرة من زمن، وقال:
بس بشرط… تبطل تقول كلام عميق قبل ما اشرب القهوة!
انفجر الاثنان في ضحكة دافئة، خفّف بها النهار من وطأة الأشهر الماضية، كانت الخطوة هي البداية، أول جسر بين قلبين تألّما بصمت، وحان وقت شفائهما سويًا..
❈-❈-❈
في ممرات الجامعة، كانت خطوات "هديل"ثقيلة، ملامحها شاحبة، وعيونها حذرة، وبين يديها دفترها تمسك به كدرع صغير.
وفجأة، ظهر "معتز"، بنفس النظرة الساخرة، يقترب بخطواته المتغطرسة، يلتف حولها ويتنمّر:
-اتأخرتِ كتير… رجعتي تلعبّي دور الضحية تاني؟ هو ده اللي بيجذب الناس حواليك؟ عرفتي بهبلك ده تلفتي نظر سادن ليكِ، لا وكمان بسببك أنتِ مد أيده عليَّ
أنهى كلماته وهو يشير إليها بسبابته كأنها حشرة، أمامه ويسخر منها.
لم ترد، لكن يدها ارتجفت، تنفّسها تسارع، نبضها يخفق بقوة، عيناها تنظر في كل إتجاه بذعر، كأنها تستعد للانهيار.
ثم فجأة، صوت قوي ، قاطعه بحزم:
-ابعد عنها.
تقدّم بخطوات ثابتة، وقف بينها وبين معتز، ونظر إليه دون أن يرمش:
-لو كررت الموقف ده تاني… هتندم فعلًا يا معتز ومش هبقى على حاجة.
تراجع معتز، وبنظرة متوهجة بالحقد الذي يسكنه :
-جرى ايه يا سادن ، البنت دي مش مستواك ، ولا أنت بتعطف عليها؟
دفعه في صدره بغضب ليبتعد من أمامه، ثم
التفت إلى هديل، كانت متجمدة في مكانها، عيناها متسعتان، وخوفها واضح كأنه دخان يتصاعد من بين ضلوعها.
ابتسم بلطف وحاول أن يخفف عنها:
-تعالي اشربي ليمون، يهدي أعصابك شوية… مش هقولك غير كده.
لكن هديل لم تسمعه تمامًا، جسدها كان موجودًا… لكن روحها كانت تهرب. ارتبكت، استدارت، وسارت مسرعة خارج أسوار الجامعة، لا تعرف إلى اين ستتخذها قدميها..
❈-❈-❈
وجدت نفسها بحاجة إلى الذهاب لضي ، ولجت باكية، عيناها منتفختان من القهر، وجلست على أقرب كرسي وهي ترتجف:
-أنا هفضل ضعيفة لحد إمتى؟! ليه مش قادرة أكون إنسانة طبيعية؟! ليه الجُبن متمكن منيّ؟!
اقتربت منها "ضي" بهدوء، جلست بجوارها، ووضعت يدها على يد هديل بحنان وقالت بدفء:
-لأنك ما واجهتيش جُرحك الحقيقي… لأن الطفلة اللي جواكي لسه بتصرخ من غير صوت، ولسه بتستخبى من اللي خافت منه زمان.
رفعت هديل رأسها، نظرة مكسورة في عينيها، فقالت ضي:
-لازم تقابلي والدك، لازم تشوفيه بعينيك، وتعرفي إنك مش الطفلة دي اللي ما قدرتش تحمي نفسها زمان… إنتِ دلوقتي كبيرة. قادرة تدافعي عن نفسك، وتوقفي مكانك، وتقولي لأ.
سكتت لحظة، ثم تابعت:
-قفلتي على وجعك سنين، وسكّتي… بس سكاتك هو اللي بيقتلك كل يوم. لازم تخرجي كل حاجة جواك. تصرخي. تتحرري. وبعدها… هتشوفي هديل جديدة، رقيقة… لكن قوية، هديل اللي لسه ما عاشتش، لسه ما حبّتش، لسه ما ضحكت من قلبها. البنوته دي لسه جواك… ومستنياكي تفتحي ليها الباب.
بدأت تبكي بصمت، لكن عيونها كانت مختلفة…
كأنّ كلمات ضي فتحت أول شعاع للنور بعد سنوات من الظلام...
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة فاطمة الألفي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية