-->

رواية جديدة مرايا الروح لفاطمة الألفي - الفصل 20 - الأحد 3/8/2025

 


  قراءة رواية مرايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية مرايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة فاطمة الألفي


الفصل العشرون


تم النشر يوم الأحد 

3/8/2025



كان الهدوء يلف الغرفة كما يلف الليل جراحه…

كانت مستلقية على الفراش جسدها خفيف كأن حرارة الحمى اختطفت منه الروح، و ضي جلست على مقربة منها، ترتب على كفها برفق، تنفّست هديل ببطء، ثم همست بنبرة عميقة خارجة من أعماق قلب تعب من الكتمان:

-أنا كنت صغيرة… ما كنتش فاهمة ايه بيحصل،… بس كنت أخاف كل لما يقرب ، كنت بحس برعشة خوف كاني بردانة.

سكتت، ودمعة هطلت بهدوء على خدها،ثم أردفت بنبرة مبحوحة:

- المفروض الشخص اللي كان سبب خوفي ورعبي وأنا في طفولتي " مدحت" عمري ما حسيت أن ده والدي، حتى هو نفسه كان بيطلب مني أقوله مدحت بس .

ذكرى المشهد كأنها تُعاد، تتذكرها بكل تفاصيلها الموجعة.

حيث تسارعت دقات قلبها كقرع طبول في ذروة لحن مجنون وهو يقترب منها رويدًا رويدًا، هبط بمستواها القصير ثم ضمها إليه لتستقر الصغيرة بين أحضانه وأنفاسه الكريهة تلفح بشرتها الرقيقة، رائحة الخمر تسير الغثيان في معدة "هديل" وهو يسير بأطراف أصابعه على طول ظهرها يتحسسه ويطبع قبلات مسروقه على عرقها النابض بعنقها ويهمس بصوت خافت كفحيح الافاعي، إلا تخاف فهي طفلته ولن يؤذيها، ، فقط سيلعب معها لعبة خاصة بهما وأخبرها بعدم معرفة والدتها بما يحدث بينهما ، يقبض على كفها الصغير ويدلف بها غرفته، ويغلق الباب خلفه، ويحمل الصغيرة ويضعها بالفراش يطالع جسدها وكأنه يرى فتاة ناضجة أمامه، يجردها من ثيابها، يلامسها، يحتضنها بقوة.

أنهمرت دموعها كشلال وهي تحكي تلك الذكري اللعينة التي تريد مسحها من ذاكرتها، تتمنى لو فقدت الذاكرة لتنسي كل ما جرى في طفولتها المُعذبة.

رفعت ضي أناملها تمحي دموعها من على وجنتيها، ثم همست بصوت ضعيف منكسر تتساءل:

-فقدتي عذريتك؟

هزت راسها بهسترية وجسدها يرتجف بخوف:

-لا.. لا.. بس كنت مباحة ليه، أذاني كتير .

ربتت عليها بحنو مطمئنه:

-عرفتي والدتك كان بيحصل ايه؟ كنت فاهمة ده غلط ولا كنتي مصدقة أن ده لعب زي ما فهمك؟

تنهد بمرارة وقالت بصوت خافت:

-ماكنتش فاهمة .. بس كنت خايفة وكنت بتألم وبتعب ومش قادرة اتكلم ، بس ديجا هي اللي سألتني لما كنت بقولهم بلاش أروح عنده أنا ما بحبوش.

-مامتك تصرفها ايه لما عرفت باللي حصل؟

-عيطت وصوتت واخدتني لدكتورة تكشف عليا

قالتها بانكسار، ثم قالت بوهن:

-أنا حاسة أن ماما ضيعت حقي، أنا عمري ما هانسى أن قتل جوايا كل معاني للطفولة، ولا هقدر انسى أن ماما سابت حقي، كان لازم يتعاقب ويبعد عن حياتنا .

تنهدت بعمق، وضغطت على يدها برقة… كأنها تحاوط الصغيرة التي سُرقت منها البراءة ذات يوم.

لم تستطيع ضي اضماد جرحها النازف ، لتكمل هديل بقلب منفطر، وعيناها امتلأتا بالأسى، لكن نبرتها أشد وضوحًا:

-ابويا ما كانش بيحميني ، هو اللي ضيع أماني ، المفروض هو سندي في الدنيا ،لكن هو أول من غدر بيا، كنت بتمنى حضنه من غير خوف.

تحشرج صوتها، وكأن الكلمات تُذبح وهي تخرج:

-السكوت والضعف خلى ماما تخاف الفضايح ، الصمت بيقتل جوانا حقنا ، سكوتها كان أكبر ظلم ليا.

كبرت وأنا خايفة من كل صوت عالي، من كل شخص يقرّب،

من أي تجمع … من أي نظرة… من نفسي أحيانًا. بخاف أبص لجسمي أنا كرهته وأنا صغيرة، كرهت نفسي، فقدت الثقة من كل الناس، ومن نفسي حتى.


استدارت نحو ضي، بعينين مليئتين بالخذلان وصوت شهقاتها تمزق نياط القلب:

-أنا مش ضعيفة مش طبيعتي ولا شخصيتي ،أنا بقيت ضعيفة علشان محدش وقف في صفّي وأنا بتهزم كل يوم…

وأنا لوحدي، أمي احتوتني وقدمت ليا حياتها وحبها، بس حضنها ماكنش كفاية ، استسلامها وخوفها وصلني للانهيار دلوقتي.


الهواء صار أثقل من أن يُستنشق، وضي تحدّق في وجه هديل، لا كمتفرجة، بل كطبيبة ترى جرحًا نازفًا خلف نظرة مكسورة، طوقتها بذراعيها وقالت بصوت رخيم دافئ:

-هديل… أنا مش هنا بس كطبيبة، أنا أخت كبيرة وصديقة ليك، وانا بشوف حالات كل يوم، لكن فيكِ وجع مش سهل،

فيكِ جرح ما طابش، لأنك ما لقيتيش حد يقولك: 

-أنا شايفك… سامعك ، هفضل جنبك ، هتوصلي لبر الأمان .

ثم مدّت يدها برفق، وضعتها فوق قلب هديل:

-كل شعور عندك مبرّر: الخوف، الانغلاق، عدم الثقة…

مش رد فعل زائد، ده عقل طفلة لسه مش مصدقة إن فيه أمان حقيقي.

 أغمضت "هديل" عينيها، والدموع تحجّرت عند الأطراف.

تنفّست ضي بعمق وأكملت:

-أنا مش هطلب منك تنسي، ولا هقولك 'قوي نفسك'.

أنا هساعدك تعيدي ذكريات طفولتك… بس المرة دي، على طريقتك، مش هتكوني الضحية… هتكوني الناجية.

رفعت ضي نظرها إليها، ثم همست بصوت ثابت:

- ولدتك حكت ليا كل حاجه ، بس كانت منهارة وحاسة بالتقصير، أنها ما ادركتش وقت طفولتك أن لسه الموضوع سايب أثر جواكِ، فكرتك طفلة وهتنسي، وهي فعلا مخطئة أن ما عرضتكش على طبيب نفسي تعدي صدمة الطفولة.

أنا بوعدك هفضل معاكي خطوة بخطوة…هكون لك السند والضهر ، كمان مرآة توريكي إن اللي جواكي مش ضعف… ده نضوج مجروح مستني يُرمم.

 فتحت عينيها ببطء، نظرتها كانت فيها ذهول خفيف، كأن روحها لأول مرة تُمنح إذنًا بالبكاء على الطفلة التي فقدتها، وهمست بأمل:

-يعني ممكن أتعافى؟

ابتسمت إليها ثم مسحت دمعة تسللت لوجنة هديل:

- لا مش ممكن، ده أكيد يا هديل، بس واحدة واحدة… وأول خطوة إنك قلتي الحقيقة اللي فضلتي دفناها جواكِ ،وده بداية التشافي.

_زرعت الأمل من رحم الألم والمعاناة_

❈-❈-❈

مع اشراقت شمس الصبح، قرر دياب المواجهة، بينه وبين ضي، بعدما واجه نفسه ليلا بما يكنه داخل صدره، يخبئ وجعه بجموده، في محاولة للثبات، لا يريد أن يخون صديقه، ولا اخفاء مشاعره أكثر من ذلك.

استعد للقاء ضي التي شعر بأنها تتهرب من نظراته، لا يستطيع صبرا، ارسل إليها رسالة عبر تطبيق الواتساب يريد التحدث معها وينتظرها عند مطعم الفندق يحتسي معها قهوة الصباح، أجابته بالموافقة..



ارتدى "دياب" ثيابه السوداء المعتادة فهو يضع نفسه وحياته في العتمة منذ يوم الحادث، لم يرتدي إلا الأسود ، لانه لم يجد شعاعا من النور واحدا يضيء ظلمته.

جلس عند طاولة جانبيه تطل على البحر ينتظر قدوم "ضي" كفه يعبث بتوتر على حافة كوب المياه، وصمته كان واضحًا، لحظات وأتت ضي بطلتها الناعمة الرقيقة في ثوبها الزهري وحجابها الابيض، ابتسمت له بهدوء وهي تقترب من الطاولة:

-صباح الخير.

رفع مقلتيه كأنه يحتضن وجهها الملائكي بنظراته الحانية، لاحت ابتسامته الرزينة و رد:

-صباح الجمال والسعادة .

جلست بالمقعد المقابل له، أشار"دياب" إلى النادل إحضار القهوة وفطائر الباتيه، ثم ساد الصمت بينهما إلى أن قال بصوت خافت، ونبرة صادقة:

-عارفة، في حاجات بنفتكر إنها ماتت من جوانا، وبنعيش العمر مطمّنين إنها اتدفنت، بس بتيجي علينا لحظة واحدة… وفجأة تنبض جوانا من تاني، بدون ما نستأذنها.

رفعت عينيها تنظر له، لم تفهم مقصده فقالت متساءلة:

-في إيه يا دياب؟ أنا مش فاهمة حاجة.

أغمض عينيه ثانية، وكأن يجمع شتاته ثم بتر كلماته معترفاً بما دفنه داخله أعوام مضت:

-أول مرة شفتك كنتي بتناقشِ الدكتوراه، وكنت منقول شغل مكان بعيد، كلمت ماجد وقالي لازم أشوفك قبل ما تسافر، وجيت ل صاحبي اللي طول عمره زي أخويا، شوفت من بعيد، بس لما سافرت فجأة طيفك جه في بالي حسيت بدأت أفكر فيكي ، كل لما انزل أجازات أحب اشوفك، وفضلت كده مع نفسي حوالي سنه، لحد ما أتصبت في حادثه واستقلت وحياتي كانت شبه منهية خلاص، خسرتك بعدها لما ماجد عزمني على فرحك، مات كل حاجه جوايا مشاعري اندفت مع رجلي اللي خسرتها ، سكوتي ضيعك مني، حسيت بالعجز تمكن مني، وكنت حابب اشوفك لآخر مرة، اشوف فرحتك وضحكتك أحس انك فعلا سعيدة بأختيارك شريك حياتك ، وجيت رغم الحزن والوجع اللي في قلبي جيت اشوفك عشان أعاهد نفسي ابطل احلم بيكي وافكر فيكي ،انك خلاص بقيتي لشخص تاني ، وحصل ده ، عزلت نفسي عن العالم كله ، جوه بيتي وحدتي ، بين قهري وعجزي، لحد ما ماجد في يوم اتصل بيا وكان حزين وقالي حاتم جوز ضي توفى في حادثة ومش عارف أعمل ورق ازاي وانا قابلته وخلصنا أجراءات الدفن والعزاء وفضلت معاه وكنت شايفك حزينه ومكسورة وكان هاين عليا أخدك في حضني وافضل جنبك وامسح دموعك واهون عليكي وجعك، بس بعد كده حبيت افضل اطمن عليكي ولو من بعيد، لان وقتها ماجد سافر رفح وكان خايف وقلقان عليكي ، وصاني عليكي وأنا وعدته اخلى بالي منك واكون جنبك وحواليكي من بعيد ، وفضلت كده فترة .

نظر ليها بعينين ثابتتين، وابتسم ابتسامة صغيرة ومُنهكة ثم أردف:

-قلت أجيلك كـ مريض… أتعالج… بس يمكن كنت بتعلّق بآخر طريقة تقولك اللي جوايا من غير ما أجرح أو أخون.

أنا مشيت كل ده وقلبي بينزف كل ما بشوفك ومبحكيش.

أخذ نفسًا عميقا، وعيناه متحجرة بالدموع التي تُهدد بالانهيار:

-أنا مش بقول ده علشان أطلب حاجة… أنا حتى مش بفتّش على فرصة، أنا هنا علشان ما أكونش خنت صديق عُمري… ولا خنت إحساسي.

اتكأ للوراء، صوته أصبح أهدى لكنه أكثر وجعًا:

-أنا فاهم… مش الراجل اللي تتمنيه، مش كامل، مش بشبه الماضي، ولا هقدر أكون بدل للي راح، ولو مكنتش دياب زي ما أنا… يبقى أنا ماكنتش موجود خالص، أنا أه بحبك وما حبتش في حياتي غيرك، بس كمان عارف أنك تستحقي الافضل والاحسن مني، راجل كامل مش ناقصة رجل.

وقف ببطء… وعيناه تلمع بالدموع، لكنه واقفًا ثابتًا، بقوة ، نظر إليها نظرة أخيرة وقال بحسم:

-أنا راجع مصر النهاردة، مش عايز أسيب ورايا جملة ناقصة…لو كان لينا نصيب، هنتقابل، ولو ما حصلش…

فأنا شفتك، ودي كانت كفاية لعُمري كله.

-خلي بالك من نفسك يا ضي…أنا شُفتك، بس إنتي عمرك ما شُفتي قلبي.

قالها بهمس ثم استدار بهدوء… وترك خلفه الهواء مثقّل بإعتراف دفين أخفاه لأعوام من الصمت والكتمان الأن أفصح عن مشاعره ، عن كل ما ثقل قلبه، حتى عن وجعه وقهره بذاك الوداع الذي لا يعلم هل سيكون له عودة أم تنتهي قصته على ذلك...


وجدت ضي نفسها وحيدة، تنظر لمكانه الفارغ بشرود، تتذكر نبرة صوته ، طيفه وهو ينظر لها بعيون تكشف عن مكنونها، عن حبها ، وجعها، قهرها، المها ، فراقها ..

تنهّدت… وضعت كفيها على وجهها، وحاولت تترجم ذاك الشعور الذي يتخبط داخلها من كل اتجاه، ثم حدثت نفسها :

-أنا كنت جزء من حكايته وهو ساكت… وأنا كنت عايشة حياتي من غير ما أعرف إن حد شايلني جوه قلبه بكل الحب ده.


قلبها منقسم بين وجعين لا يشبهان بعضهما، لكنهما يعيشان فيها معًا، جزء منها يتلوّى بالألم، إذ استمعت إلى وجعٍ عاري من الزيف، صادر عن رجل خسر شيئًا من جسده، لكن قلبه ظلّ نابضًا بالعطاء، لم يخذل أحدًا يومًا، حتى حين خُذل هو.

 والجزء الآخر… يتمسّك بواقعها كما هو؛ أرملة لم تطوي الصفحة بعد، ما زال قلبها معلقًا بحب راحله، وحياتها تبدو موصدة الأبواب على أي احتمال جديد.

ولكن دياب لم يكن عابر سبيل، واعترافه لم يكن همسة تُنسى مع الليل، كلماته كانت شقوقًا في الجدار الذي ظنّت أنه محكم الإغلاق…

والآن، لم تَعُد متأكدة إن كانت تملك رفاهية تجاهل ما سمعت أم هو دليلا على تجاوز ما هي فيه والتطلع إلى حياتها من وجه آخر ؟!


❈-❈-❈

عاد بتثاقل إلى غرفته، فتح خزانة ملابسه وأخرج ما داخلها القاه على الفراش ، ثم وضع الحقيبة مفتوحة، وبدا يطوي ثيابه بعناية يشوبها الوجع، كل قطعة يضعها، كأنها تشهد على ما مضى وعلى ما لن يعود.

 لم يلتفت خلفه. كأن الرحيل لم يكن اختيارًا، بل خلاصًا مؤلمًا.أغلق الحقيبة بإحكام، ثم أمسك بها وسار بخطوات متثاقلة، مودعًا غرفته، والمكان بأكمله، كل لحظة عابرة مرت عليه هُنا، يتذكر كل تفاصيلها، ود لو أخبر " راما" وودعها بنفسه ولكن داخله حزن عميق، لا يريدها أن تجعله يضل بذاك المكان أكثر من ذلك ..


بينما كان "نادر" ينهي مكالمته ، لمح " دياب" يحمل حقيبته ويسير ببطء ، أقترب منه متساءلا:

-على فين كده يا دياب؟

أجابه باقتضاب:

-راجع القاهرة.

حدق به بدهشة:

-ليه حصل ايه؟ كلنا راجعين بكرة الصبح!

توقف للحظة، ونظر إليه بعينين ساكنتين يخفيان العاصفة:

-لا لازم ارجع دلوقتي.

ثم مضى، دون وداع، خطاه كانت ثابتة، لكنها مثقلة بالمتاعب والهموم التي يحملها كالجبال على كاهله..



❈-❈-❈

_وقت الظهيرة_

،جلس الجميع على الشاطئ، الطاولة الخشبية عامرة بأطباق السمك الطازج، ونسيم البحر يعبث بخصلات الشعر، ولكنّ غياب شخصا ما لم يكن حاضرًا بينهم.

تلفت ماجد حوله يبحث عن صديقه ثم نظر إليهما بتساءل:

-أمال فين دياب؟ معقول لسه نايم لدلوقتي؟! 

أجابه نادر دون أن يرفع نظره:

-رجع القاهرة انهاردة الصبح.

شهقت "راما" بدهشة، لم تتوقع أن يغادر دون أن يخبرها، شعرت بغصة مريرة داخل حلقها، ولم تكمل طعامها، إخرجت هاتفها وأستاذنت منهما أنها ستجري اتصالا هاتفيا ، ابتعدت قليلا وحاولت الاتصال به، لكن يبدو أنه أغلق هاتفه، زفرت بضيق وظلت تنظر إلى البحر وتتنهد بعمق ..

أستغرب ماجد تصرف صديقه ولما لم يخبره؟ كما أنهم جميعا سيعودون إلى القاهرة في صباح الغد..

ساد صمت خفيف، لا يُكسره إلا تلاطم الموج،

لكن أحدًا منهم لم يجرؤ على النظر في اتجاه المقعد الخالي…وحدها ضي كانت تعرف أن هذا الغياب لم يكن عابرًا،وأن قلبًا ما كان قد غادر، تاركًا صداه خلفه..


أستردت هديل عافيتها بعد ما ازاحته من هم يجتاح قلبها، في محاولة منها بالتعايش مع الطفلة التي بداخلها ، تود لو تعود بطفولتها المفقودة، تركض وتلهو وتلعب ، تصادق، تفعل كل أفعال الطفولة الهوجاء، وعند مراهقتها تعجب وتحب وتهجر ، تفعل كل ما فاتها، كأنها ولدت من جديد وتريد بدء الحياة باولى خطواتها، تعلم بأن الطريق لا زال طويلا أمامها ومحفي بالمخاطر.

لكن أتتها رسالة أبدلت لها بسمتها وعاد الحزن يسكن محياها، انتفضت بذعر وعاد الخوف يرتسم ويتشكل أمامها كحوش يحاول التهامها، ركضت بعيدًا ثم وضعت الهاتف أعلى أذنها لتستمع لصوته النافر يُصر وبإلحاح على مقابلتها، يترجاها بأن يراها قبل أن يرقد لمثواه الأخير .

هتف نادر من خلفها وهو يربت بانامله على كتفها بخفة:

-مين ده ؟!..


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة فاطمة الألفي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة