رواية جديدة مرايا الروح لفاطمة الألفي - الفصل 21 - الإثنين 4/8/2025
قراءة رواية مرايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية مرايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة فاطمة الألفي
الفصل الواحد والعشرون
تم النشر يوم الإثنين
4/8/2025
التفتت هديل بخضة، وعيونها متسعة كأنها كُشفت وهي تحاول الهرب من ظلّ ماضٍ طالما حاولت نسيانه. لم تنطق، لكن بؤبؤي عينيها كانا يبوحان بارتباك عارم، وصوت أنفاسها أسرع من قدرتها على تهدئته.
بينما اقترب منها "نادر" خطوة، نبرته هادئة لكنها حاسمة
-مين اللي بعتلك الرسالة دي؟
لو في حد بيضايقك أو بيهددك، عرفيني وأنا هتصرف.
هزّت رأسها نافية، مرتبكة، ثم قالت بصوت بالكاد يسمع:
-مش ابتزاز… بس… هو عاوز يشوفني، و…
قاطعها نادر بلطف:
-هو مين؟ قوليلي، عشان أقدر أساعدك، لو خايفة، أنا موجود، هاتي رقمه وماتشغليش بالك باللي هيحصل بعد كده.
سكتت، ثم نظرت للأرض، كأنها تبحث عن شجاعة ضاعت منها في مكان ما من الطفولة، ثم رفعت عينيها نحوه، ولأول مرة، صوتها يحمل مزيجًا من الألم والغفران:
-ده… بابا .
ليست مجرد كلمة وحسب، بل قهر ووجع بالنسبة إليها، لم تذق يوما سعادة تلك الكلمة ولم تعرف الشعور بها.
قالت بغضب جامح لم تقدر على اخفاءه:
-سابني وأنا طفلة، من وقت انفصاله عن ماما، وما بقاش له وجود في حياتنا، ودلوقتي بيطلب يشوفني قبل… قبل ما يموت.
سكن المكان فجأة، حتى نَفَس نادر انكتم للحظة.
دقف النظر بوجهها الشاحب من مجرد رسالة صوتيه أتتها من والدها ، فكيف لها أن تلتقي به، يبدو أن وجوده يسبب لها خوفا وقلق لا يحتمل. ثم قال بهدوء:
-القرار دلوقتي ليكي، تشوفيه… أو تختاري تكمّلي من غير ما تفتحي جرح الماضي ، ثم اقترب خطوة أخيرة، ونبرة صوته تحمل احترامًا للخوف الذي يسكنها:
-وأيًا كان قرارك، أنا موجود لو محتاجة ده.
ثم ألقى نظرة على وجود ضي وقال كلماته الأخيرة:
-عشان تطمني تقدري تستشيري ضي ازاي تاخدي الخطوة دي.
أيماءة خفيفة صدرت عنها وهمست بصوت رقيق:
-شكرًا
ضحك نادر ووضع كفيه داخل جيب البنطال وهو يقول بمرح:
-من وقت ما شوفتك يا هديل وأنتِ ما بتقوليش غير كلمة واحدة بس "شكرًا".
توردت وجنتيها بحمرة الخجل، فكفًا نادر عن الضحك وسألها بدفء:
-عاملة أيه دلوقتي؟ لسه حاسة بتعب؟
هزت رأسها نافية
زفر بضيق وقال بجدية:
-صوتك يا هديل خرجيه يا بنتي مش كده، ودماغك هتتعبك من كتر الهز ده ثم عاد يضحك ثانيا بصوت عالٍ.
انكمشت هي على نفسها، وازداد خجلها ولمعت عينيها ببريق يهدد بسقوط عاصفة من البكاء، فهي لا زالت لم تعرف كيف تتعامل مع المحيطين بها؟ انسحبت من جانبه بحزن لتسير وحدها على الرمال، باحثة عن "راما"
لم يقصد حزنها ولا أزعاجها، فقد كان عفويا معها، يحاول تقليص المسافات بينهما، لكي تحرر جسدها من القيود وتتحدث بأريحية وتدفن خوفها في تلك الرمال التي تدعس عليها الأن ...
❈-❈-❈
جلس نادر بجانب ماجد مقترحًا حفل شواء في المساء ليودعون المكان بذكرى دافئة، وقرر مساعدة في أعداد كل شيء خاص بالمساءً..
عندما مالت الشمس نحو المغيب، انسابت خطوطًا ذهبية على صفحة البحر، كأنها تودّعهم بلطف.
بينما "نادر "و"ماجد" أنهوا تجهيز المكان على الرمل، طاولة خشبية بسيطة ، ملتف حولها المقاعد، تم تزينهما بشموع تُزرع في قوارير زجاجية، ورائحة الفحم بدأت تتسلّل مع نغمات موسيقى هادئة تنبعث بالأجواء.
أتت الفتيات منبهرين بهذه الأمسية التي يودعون بها المكان ،
لمعت عين"هديل"وهي تتابع لهب الشمع وهو يتراقص، كأنها ترى فيه مرآة لأيامها التي بدأت تنضج بهدوء.
و "راما" تداعب كف الصغير وهو جالسا على الطاولة أمامها وتحكي له قصص خاصة بعالم المغامرات.
بينما الأخيرة تنظر إلى البحر بنظرة عميقة، كأنه يخبرها عن الغياب، غياب شخصًا اختار الرحيل ..
وقف "ماجد" يقلب قطع اللحم على الشواية، أما نادر فقد كان يوزع أكواب العصائر على الطاولة.
ثم جلس نادر بهدوء وأخرج ورقة صغيرة كانت مطوية داخل جيب بنطالة، وكتب داخلها كلمات يودع بها المكان والبحر، ضحكوا جميعًا على ما يفعله "نادر" لكنه لم يمرح هو قاصدًا كل كلمة يقولها ، وخطى بيده وهو يقول بصوت عالٍ مغلف بالدفء:
_إلى الرمال التي أخفت أسرارنا، إلى البحر الذي سمع ما لم يُقال من داخل أعماقنا...شكرًا لأنك كنت حضنًا حين لم نجد كتفًا نتسند عليه.... شكرًا إلى الهدوء الذي تسلل إلى أرواحنا_
ثم ترك الرسالة تطير في الهواء، حتى وقعت على صفحة الماء واختفت، وهو يتبعها بمقلتيه والإبتسامة تعلو ثغره..
أخرج هاتفه وقرر التقاط صور يوثق بها تلك اللحظة ، الاضواء الخافتة المتناثرة من الشموع، صوت البحر الذي يتناغم مع الموسيقى على رائحة الشواء وضحكات خفيفة تولد من القلب، رسمت على وجوههم بألوان الحنين، وألقَت ظلالًا حالمة على الرمل، في مشهد بديع..
جلسوا جميعا يتناولون الطعام ، يتهامسون عن كل لحظة عاشوها في تلك الايام، متمنين العودة ثانيًا، وحين انتهت الموسيقى، وقف "نادر"وقال بصوت يحمل محبة صافية:
-لكل لحظة جمعتنا هنا…لكل كلمة انقالت، ولكل كلمة مااتقالتش…شكرًا إننا قدرنا نكون سَكَن لبعض، شكرا للصداقة إللى جمعتنا... شكرا لدكتورة ضي إللى جمعتنا كلنا هنا ..
ثم رفع كأسه، وتبعه الباقون، ورفعت ضي نظرها للسماء… ثم قالت:
-الليل مش دايم، بس الذكرى بتفضل…ويمكن لما نرجع نفتح مرايا الروح، نفتكر إننا كنا هنا في يوم … ومستعدين لبدء حياة جديدة منتظرانا ، مش نحبس نفسنا جوة الضلمة، لازم نخرج للنور، للحياة..
عندئذ أنتهت الأمسية وعادوا إلى غرفهم، ينعمون بالهدوء والراحة، فالسفر في انتظارهم فجرًا..
❈-❈-❈
منذ أن عاد دياب من الساحل، وهو يعيش في عزلة طوعية، يحبس نفسه بين جدران شقته، مستغرقًا في تأمل صامت لحياته التي باتت متشابكة كخيوط رقيقة تتقاذفها الرياح. لم يعد إلى عمله بعد، ولم يفتح هاتفه؛ فقد تعمّد إغلاقه ليتجنّب أي تواصل، لا سيما من ماجد، الذي يعرف كم هو مُلحّ حين يشعر بالقلق.
داخل سكون الشقة، قرر دياب أن يستعيد شيئًا من النظام. شرع في تنظيف الفوضى التي تراكمت بفعل الإهمال، يعيد ترتيب الأثاث، ينفض الغبار عن الرفوف، ويجمع الأوراق المتناثرة كأنما يعيد ترتيب ذاته، لا البيت فحسب. كان ذلك الفعل، على بساطته، محاولة حقيقية لاستعادة السيطرة على حياته.
وفي خضم هذا الهدوء الظاهري، كانت روح دياب تتألم بصمت. هناك حنين لم يغادره يومًا… حنين إلى والدته. إلى صوتها، إلى طيبتها التي كانت تُشبه حضنًا دافئًا يأوي إليه مهما اشتدت الدنيا. شعر بحاجة ماسة لأن يبوح لها بما يعتل في قلبه، يستمد من ذكراها قوة تعينه على المواصلة.
ارتدى قميصه الأبيض الذي كانت تحبه، لا يريد أن يزورها بملابسه السوداء التي كانت تبغضها، استقل سيارته، وانطلق نحو المقابر. الطريق بدا خاليًا إلا من أفكاره، أما قلبه، فقد كان ممتلئًا بكلمات لم تُقال لها من قبل.
وحين وصل جلس أمام قبرها، متربعًا كطفل عاد لأحضان أمه، وقال بصوت متهدّج:
-وحشتيني قوي يا أمي… أنا تايه، وكل ما أحاول أرجع، ألاقي الدنيا واخداني بعيد... بس جيتلك، عشان أنا مش لاقي غيرك تسمعيني وتفهميني من غير ما أتكلم.
حكى لها عن مشاعره، عن حبه المدفون، عن حياته الضائعة ، المشتتة منذ يوم الحادث، إلى أن هدأ قلبه ومرت نسمه رقيقة تلفح وجهه كأنها أتت من والدته التي تشعر بوجوده حتى وأن كانت بعالم أخر غير عالمه، لكنها تراه وتشعر به وتتألم لألمه، مهما رحلت أو غابت عن عينه إلى أن روحها كأنها تحلق حوله، يشتم رائحتها، يحس بدفء أحضانها، أغتسلت روحه وقلبه بتلك الجلسة أمام قبرها، وعاد إلى منزله بنقاء روح ، أسترخى بجسده على الفراش ليذهب في نوم هادئ قد جفاه لأيام، الان ينام قرير العينين...
❈-❈-❈
مع أول خيوط الفجر، انطلقت السيارتان تشقّان طريق العودة نحو القاهرة. كانت ضي تقبض على المقود بخفة وهدوء، بينما جلست هديل إلى جوارها، وفي الخلف جلست راما تضم جسد الصغير النائم ، يلفّه غطاء خفيف كأنه يحمل معه أنفاس الليل الباردة، وفي السيارة الأخرى، كان نادر يقود بصمت، بجانبه ماجد، وقد خيم عليهما السكون، لا صوت إلا أزيز الإطارات على الأسفلت.
مرّت ثلاث ساعات في صمتٍ مشوبٍ بالحذر، إلى أن وصلت السيارتان القاهرة. توقفت ضي بهدوء أمام منزل هديل، وترجلت الفتيات وهن يودعون ضي والطفل ، ثم ولجوا لداخل البناية وهن يحملون حقائبهما .
ترك ماجد سيارة نادر و استقل بسيارة شقيقته، حاملاً الصغير بين ذراعيه متوجهين إلى منزلهم.
أما نادر، فقد شقّ طريقه وحده، يقوده قلبه المثقل نحو الفيلا. وما إن اقترب حتى لفحه الدخان، لا يزال عالقًا في الهواء كأنه يرفض الرحيل. ترجّل من السيارة بفزع، عيونه تبحث عن الحقيقة وسط الرماد، حتى وقعت على المرسم، كان المشهد مؤلمًا، الجدران السوداء، الرماد المتناثر، رائحة الخشب المتفحم، كأن الحريق لم يلتهم مجرد مكان... بل التهم ذكرى وجزءًامن روحه.
تجمد نادر مكانه، لا يتكلّم، كأنّ الزمن توقّف. في صمته كان وجعه واضحًا، وفي عينيه لهفة طفل أضاع لعبته الأثيرة... لكنه أيضًا كان واقفًا، متماسكًا، كأن داخله نذر بالانهيار.
_المرسم... تفحّم_
الجدران سوداء كالحزن الذي غلّف صدره، لوحاته التي رسمها عبر سنوات، كل لون حمل شعورًا، كل خط فيه وجع، ولهفة، وشوق… كلها الآن أكوام من رماد.
اقترب بخطوات مترددة، كأن كل خطوة تغرس سكينًا في قلبه. مدّ يده المرتجفة إلى بقايا إحدى اللوحات، انهارت بين أصابعه كأنها ذكرياته تُنسى قسرًا.
جلس على الأرض، لا دموع تنزل، فقط عينان زجاجيتان تتأملان الركام، خرج صوته أخيرًا، لكن لم يكن صرخة، بل همسًا ممزوجًا بالخذلان:
-ليه كده ؟ حصل أزاي ده؟!
عندما شعرت الخادمة بعودة سيارته، توجهت إليه قائلة بنبرة حزينة:
-مدام تيا، هي اللي ولّعت فيه، بس الحمد لله، ما حصلهاش حاجة غير اختناق.
وكأن الخبر سقط عليه كالصاعقة، رغم أن النار أطفِئت، إلا أن ألسنتها ما زالت تحرق داخله.
كأنها غرزت أخر مسمارًا في نعش علاقتهما، قلبه لم يصرخ، لم يلعن، لكنه انطفأ.
وقف لدقائق بلا حراك، عيونه زائغة، كأنّه لا يرى سوى صور متداخلة—تيا تبتسم له يوم الزفاف، وهي تبكي في المشفى، ثم… وهي تحرق مرسمه.
تمتم بصوت مبحوح:
-خذلتني مرتين...مرة لمّا كذبت عليَّ وخدعتني، ومرة لمّا ولّعت بإيدها كل اللي بنيته بروحي...
سار بخطوات متخاذلة واتجه نحو الفيلا، ثم صعد إلى غرفته كأن كل درجة في السلم تثقل كاهله، فتح خزانته بهدوء قاتل، جمع ملابسه، ما تبقّى له من ذاته. نظر حوله في الغرفة، لا شيء يشبهه بعد الآن، ولا شيء يربطه بهذا المكان.
غادر وهو يغلق الباب خلفه للمرة الأخيرة، لا بغضب، بل بندبة صامتة، ثم أستقل سيارته، وانطلق نحو شقته القديمة…
الشقة التي تركها منذ زواجه ب تيا عندما أختارت أن تسكن بفيلا تليق بها، أهداها أياها والدها..
الأن فقط عاد إلى ذاته، إلى حياته الهادئه قبل دخول تيا..
عاد إلى حيث ينتمي ، كأنما يعود إلى مرآة صادقة… لا تُجامل ولا تُزيّف. وقف عند الباب لحظة، لامس المقبض بيده، وشعر كأنه يطرق على ذاكرة نائمة.
تمتم لنفسه، بصوت يشبه الهمس، كأنه يخاطب ظلّه:
-كم مرّة نركض بعيدًا بحثًا عن الأمان، ثم نكتشف أن الأمان كان دائمًا فينا… ضائع بين ثنايا القلب؟
كم من وجوه عانقناها، وظننا أن فيها الخلاص، لكننا نسينا ملامحنا الحقيقية؟
ها أنا أعود الآن لا لأسترجع ما فات، بل لأجمع ما تبقّى مني…
هنا في هذه الجدران القديمة، كنت أنا… قبل أن أُشتّت بحثًا عن ذاتي الضائعة.
سكون الشقة لم يكن وحشة… بل صدق.
تنفس بعمق، وأغلق الباب خلفه، لا هربًا… بل عودة.
❈-❈-❈
في لحظة لم يكن يتوقعها أحد، وقف سادن أمام مدخل العمارة، يحمل بين يديه باقة ورد الياسمين، وعلى ملامحه ارتسم توتر شابّه رجاء صامت، خفق قلبه بشدة عندما أقترب من باب الشقة، يتمنّى فقط أن تراها عينه، أن تُمهله فرصة واحدة ليبرر، ليعتذر، ليعلم سبب عدم حضورها.
وقف يسترد خفقات قلبه قبل أن يرفع كفه ويرن جرس الباب، بعد هنيهة ظهرت هديل، تفتح الباب ليخرج صوته هادئًا:
-أزيك يا هديل..
أتت راما لتقف بجانب هديل عندما لمحتها تنظر لما أمام الباب بصدمة وعيناها تتسع بذهول ، وعندما وجدت الشاب هتفت متساءلة:
-اهلين، مين أنت ؟ وشو بدك؟
أجابها وعيناه معلقة برؤية هديل:
-أنا سادن... زميل هديل في الجامعة.
زاغت عينا هديل فيه، ما بين الذهول والاستفهام، وأطلقت بصوت حائر مشوب بالانفعال:
-إنت إيه اللي جابك هنا؟! وعرفت عنواني منين؟!
هتفت راما وهي تنظر إليه:
-شو بدك؟
أراد سادن أن يتكلم، أن يقول الكثير دفعة واحدة، لكن الكلمات خذلته للحظة. نظر إليها بنظرة ندم خالص، ومدّ باقة الورد كمن يقدّم قلبه بين يديه.
-أنا آسف يا هديل... أنا كان لازم أشوفك، أشرح، أعتذر عن الموقف اللي حصل ، أنتِ فهمتي غلط... بس ما كنتش عارف اقدر أوصلك إزاي، وإنتِ مش بتردّي، فـ... اضطريت آخد عنوانك من الجامعة. سامحيني على الطريقة دي.
صمتت هديل، وبداخلها ضجيج من المشاعر المتضاربة.
المفاجأة، الغضب، دهشة .
بكل هدوء، مدّ سادن يده بالباقة نحو هديل، لكن قبل أن تصل إليها، تقدّمت راما بخفة، أخذت الزهور منه وابتسمت بلطف:
-شكرًا... قالتها بنبرة مهذبة وهي تنظر إليه بعينين متسائلتين.أما هديل، فقد كانت كأنها خرجت تواً من حلمٍ مفاجئ. عيناها معلّقتان به، الذهول يكسو ملامحها
تقدّم سادن خطوة للأمام، صوته يحمل قلقًا حقيقيًا:
-هديل… ليه بطّلتي تيجي الجامعة؟ أنا... قلقت عليكي.
لم تستطع هديل الرد. ظلت واقفة، تحاول لملمة أفكارها.
هنا تدخّلت راما، بابتسامة خفيفة تحمل من الحنكة أكثر مما توحي به ملامحها الهادئة. نظرت إليه وقالت:
-راح تيجي بكرا... هلا، بدك تمشي من هون؟
لهجتها كانت حازمة، واعقبت قائلة:
-هلا أمشي ما في حدا هون .
ابتسم سادن بهدوء، نظرة امتنان تشعّ من عينيه وهو يومئ لها برأسه. التفت لهديل مرّة أخرى، أطال النظر كأنّه يحمّل النظرة ما عجز لسانه عن قوله. ثم انسحب بخطوات واثقة، دون أن يُلحّ، دون أن يترك سوء تفاهم أخر ينشب بينهما.
غادر البناية واستقلّ سيارته، جلس خلف المقود وهو يبتسم لرؤيتها أخيرا بعد فترة انقطاعها عن الجامعة..
أما راما أغلقت الباب وهي تقترب منها وترسل لها غمزة مشاكسة قالت بمرح وهي تضع باقة الزهور بين راحتها:
-مين ها الحلو؟ وأي قصته، هلا بدي أعرف مين هو سادن؟
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة فاطمة الألفي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية