رواية جديدة مرايا الروح لفاطمة الألفي - الفصل 23 - السبت 9/8/2025
قراءة رواية مرايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية مرايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة فاطمة الألفي
الفصل الثالث والعشرون
تم النشر يوم السبت
9/8/2025
غادرت هديل العيادة، تعرف خطواتها القادمة، التي قررت أن تخطيها في أول طريق للتعافي.. سارت بخطى مترددة نحو ذلك الباب الذي ظلّ يطارد ذاكرتها منذ الطفولة، يدها تتعرق، وصوت قلبها يقرع كطبول معركة داخل صدرها، قد شجّعتها ضي؛ لكن المواجهة الآن صارت واقعية… لا مجال للهروب.
وقفت أمام الباب، لحظة سكون…تستجمع شتاتها، ثم طرقته.
مرت لحظات كأنها دهرًا إلى أن فُتح الباب وطل من خلفه
تجمّدت هديل للحظة، ونظرت إليه دون كلمة، كأنها تحاول أن تتأكّد، هل هو فعلًا هذا الذي كسر طفولتها؟
قال بصوته الغليظ، المتفاجئ:
-أنتِ... هديل؟!
ردّت بهدوء يسبق العاصفة:
-أيوه… أنا.
أفسح لها الطريق لتدلف من خلفه بعدما دعاها لدخول، دلفت وكأنها تدخل ساحة معركتها الخاصة،ونظرت له مباشرة:
-عارف ليه جيت؟
علشان أقولك إني مش ضعيفة زي ما كنت زمان…
إني شايلة وجعي سنين، وكل ما حاولت أكون طبيعية، الجرح ده بيشدّني لورا.بس النهاردة… أنا جاية أقفل الدفتر.
ظلّ والدها صامتًا، ملامحه متيبسة بين الذهول والندم الذي لا يعرف كيف يُعبر عنه.
في تلك اللحظة، لم تكن هديل مجرد فتاة واجهت ماضيها…
بل كانت امرأة، خلعت عباءة الخوف، وارتدت نورها.
عندما وقفت هديل أمامه، لم تكن تواجه رجلاً فحسب… بل كانت تواجه الوحش الذي استقر في ذاكرتها منذ نعومة أظفارها.
وقفت وهي ترتجف، عيناها غارقتان في وجعٍ تراكم عبر السنين، وظهرها المنتصب بالكاد صمد… لا عن شجاعة، بل عن انكسارٍ مصلوب على عتبة الكبرياء.
ثم قالت بصوت يخرج من عمق جرح:
-كنت نفسي أقول عنك بابا… واجري عليك أول ما أخاف، اتحامي فيك، بس… أنت كنت الخوف نفسه.
كنت بتاذي بنتك عارف يعني أيه بنتك، يعني جزء منك
كنت بتطفّي النور وتكسر لي قلبي في كل مرة تقرب مني وتمثل الأمان.بقيت أخاف من ضلّي، أخاف من قرب الناس حواليا، من اللمسة، من الكلمة…
خلّيتني أكبر ودايمًا حاسة إنّي مكسورة، مش طبيعية،
وكل لما حد يقرب، أبعد، لإنك علّمتني إن القرب = أذى.
أنسابت دموعها تغرق صفيحة وجهها، ونبرة صوتها مرتعشة، بأنفاس متلاحقة همست بمرارة:
-ليه؟ كنت طفلة… طفلة لسه بتفتح عينيها على الدنيا، ليه كسرت كل فرحة جوايا ؟
كنت محتاجة أب يحمي، مش شيطان يختبّي ورا كلمة (بابا)…
قضيت على طفولتي، على ثقتي، على قلبي الصغير اللي كنت بحضنه عشان ما ينهارش.
كنت بعيّط لوحدي وبقول يمكن هو مش قصده…
لكني كبرت، وفهمت… كنت عارف كويس جدًا أنت بتعمل إيه.
سكتت، ونظرت له بألم وقالت:
-أنا جاية النهاردة مش علشان أسامحك، ولا أتصالح…
أنا جاية أصرخ باسم الطفلة اللي جوايا، اللي فضلت ساكتة سنين، جايه أقولك: انتَ اللي ضعيف، مش أنا.
أنا قويّة لأني لسه واقفة، رغم كل اللي عملته.
نهضت من مكانها، نظرت حولها للحظة، ثم تنفّست بعمق… كأنها تخلّت عن حملٍ ثقيل كان على ظهرها منذ سنوات.
التفتت، تغادر المنزل وهي تبكي… ولكن دموعها كانت محرّرة، لا مقيدة بالخوف.
أول انهيار حقيقي… وأول خطوة في الشفاء، كان صوت الباب ما زال عالقًا وهو يُغلق خلفها ، لكنها لم تمشِ بعيدًا…
وقفت للحظة، تدفع داخلها كل الغضب والوجع الذي تراكم لسنوات. وما إن بدأت تخطو مبتعدة، حتى سمعته ينادي بصوت مكسور:
-هديل… استني…!
استدارت ببطء، وعيونها تلمع الدموع، كأنها نيران تتوهج.
وقف والدها عند عتبة الباب، وجهه منكسر، باكي، لأول مرة تسقط هيبته الكاذبة ويظهر ندمه الحقيقي.
خرج صوته مهزوم، محشرج، وعيناه تغليان بتعب السنوات الماضية:
-أنا آسف… سامحيني يا بنتي… كنت شيطان، كنت وحش، ماستهلّش أكون حتى أبوك…كل يوم بفكر فيك، وبدعي ربنا يسامحني، بس عارف… مش كفاية، عمره ما هيكون كفاية.
ركع امامها طالبا المغفرة، وهو يحاول أن يلملم جراحها بإيدين مرتجفة:
-أنا عارف إن اللي جوّاك كسر، بس أرجوكي… سامحيني، علشان أقدر أموت وأنا شايف نور بعينك.
لكنها لم تكن تبكي، بل كانت دموعها تحرقها من الداخل ،و
نظرت له بثبات، لا شفقة، ولا حنق… فقط قوة لم تعرّفها من قبل:
-الغفران مش للجريمة اللي زي دي…أنا مش ملاك علشان أسامح اللي قتلني وأنا طفلة، أنا مش هسامحك… مش علشان قلبي حجر، بس علشان لازم تفهم إنك ماينفعش تمشي كأنك ما عملتش حاجة.
صمتت لحظة، ثم قالت بصوت واضح رغم رجفته، لكنه خرج من أعماق قلبها :
-أنا مش ببص ورايا ، أنا خرجت من العتمة… ومش مستعدة أمد إيدي للنار تاني.احتفظ بندمك… ده مش حقي، ده جزء من العدالة.
استدارت، وسارت… خطواتها ثابتة، ولأول مرة في حياتها تشعر إن الأرض التي تسير عليها تحملها دون خوف..
❈-❈-❈
جلس وحده… رجل انطفأ كل ما فيه، إلا الندم.
كانت أنفاسه ثقيلة، ورجفان يديه يفضح ما تبقّى من جسد يتآكله المرض دون رحمة، نظر حوله… لا أحد. لم يتبقَّ له من الأبوة سوى اسم فقد هيبته ، ومن الحياة سوى نَفَس يتحاشى المرآة خوفًا من صورته.
انحنى برأسه، ودفن وجهه في كفّيه المرتجفتين، وانفجر بالبكاءً…لم يكن بكاء عاديا ، رجل نادما تذكّر متأخرًا أنه قتل الطفلة الوحيدة التي كان يجب أن يحميها.
تمتم بصوت مبحوح يحدث نفسه:
-كنت أبوها… وكنت لازم أكون حضنها…بس بقيت خوفها،
كنت لازم أكون درعها…بس طلعت سلاحها اللي كانت تهرب منه.
أدار رأسه نحو الصور القديمة، حيث كانت هديل طفلة تبتسم…
ومرّت كل لحظة على ذهنه، وهو يهمس:
-كنت بشرب علشان أنسى، وسكرت علشان أهرب،
ودوّرت على الموت تحت إبرة وعلبة…بس نسيت إن اللي لازم أهرب منه… هو نفسي.
تنفس بصعوبة، وضع يده على بطنه حيث يسكنه المرض، وقال:
-جسدي بينهش فيه المرض…بس قلبي اللي تعفن قبله.
يمكن دا عقابك يا رب… يمكن تستجيب دعوات الطفلة اللي كل ليلة نامت بخوف،وإنتَ كنت شايف.
ابتسم بمرارة، وهو يتمتم:
-بنتي قالت لي مش هتسامحني…وأنا كمان مش قادر أسامح نفسي على اللي عملته.
ثم جلس في سكون، لا صوت سوى بكاؤه، ولا ظلّ في الغرفة إلا ذكرى هديل…ذكرى ضياع كان هو سببه الوحيد.
❈-❈-❈
عادت إلى حضنها الدافئ ، رغم أنهيارها إلا أنها تشعر بالارتياح ، فتحت باب منزلها ، وكان الليل قد أسدل ستاره، لكنها كانت تحمِل بداخلها شمسًا من المواجهة وشروخًا من الوجع.
لم تنطق بكلمة… فقط خطت بخطوات مرتجفة نحو والدتها، ووقفت أمامها، وعينيها ممتلئتان بالدموع المتحجرة منذ الطفولة.
نظرت مريم إليها بقلق، وقالت بلطف:
-مالك يا بنتي؟
لم ترد، فقط ألقت بنفسها في أحضانها، وانهارت بالبكاء.
كان البكاء صادقًا، ممزوجًا بحشرجة الحلق والتنهيدات الحارقة، كأنها أخيرًا وجدت مكانًا تبكي فيه بلا خجل.
وبصوت مكسور، قالت:
-أنا… كنت عند مدحت… شُفته… وواجهته.
تشبثت والدتها بها أكثر، قلبها يخفق وهي لا تملك إلا أن تحتضن ابنتها وتنتظر ما لا يُقال.
أكملت من بين دموعها:
-قولت له … كل اللي مكبوت جوايا… وصرخت بوجعي اللي عمره ما خرج. بس مهما بكيت، مهما وجّهته، مستحيل… مستحيل أسامحه، قتل أماني، دفن طفولتي بإيده… مش هسامحه.
همست والدتها وهي تمسح دموعها:
-حبيبتي… أخيرًا خرجتيها من جواك.
تنفست بحرقة، ثم همست وهي تنظر في عيني والدتها:
-كنت محتاجة أحس بنفسي، محتاجه أتحرر من ضعفي وخوفي .
عانقتها والدتها بقوة وهي تشاركها البكاء أيضا، ليس حزنا وأنما فرحة بالتعافي، سعادة بأستراد ابنتها جزء من حقها، جزء من ماضيها الضائع .كانت تلك اللحظة بداية شفاء…
ليست النهاية، لكن أول خطوة حقيقية في طريق هديل الجديدة، التي استردت صوتها، ووجد أمانها في الوقت التي هي بحاجته منذ زمن ..
في تلك الليلة، جلست "هديل" وحدها داخل غرفتها، النور الخافت ينساب من المصباح الجانبي، والهواء يحمل سكونًا ناعمًا.
وضعت دفترها في حجرها، وأمسكت بقلم رصاص وكأنّه امتداد لأنفاسها…
بدأت ترسم طفلة صغيرة، شعرها منطلق كضحكتها، تدور في حقل مفتوح، ذراعاها مفرودتان كجناحي طائر خرج لتوّه من قفصه، تطير… لا تخشى السقوط.
ثم أسفل الرسم، كتبت بخط يدها المرتعش لكنه واثق:
_إلى هديل…أنا فخورة بيكِ.
كنتي ضعيفة، بس عمرك ما كنتِ مُهانة.
كنتي مكسورة، بس جواكِ نور عمره ما انطفى.
قابلتي الخوف وجهًا لوجه، وما نهرتيش،
واجهتيه، وخرجتي من ناره أنضج، وأنقى.
الطفلة اللي جواك رجعت تجري…
بعيون بتلمع، وبقلب بيعرف دلوقتي يِقول (أنا أستحق)
ثم أغلقت الدفتر، وابتسمت بهدوء…
كانت الطفلة التي تسكنها أخيرًا نالت حريتها،
وأهدتها بداية جديدة… فيها أمل، وفيها حياة تنتظر أن تُعاش..
هناك لحظات في الحياة لا تُشبه غيرها…لحظات لا تأتي بصخب، ولا تُعلن عن نفسها، لكنها تغيّر كل شيء.
اليوم، أدركت أنني لم أكن سجينة الماضي، بل كنتُ سجينة خوفي منه.كنتُ أهرب، وأختبئ، وأرتجف كلما اقتربت منه، كأنّه ظلٌّ يطاردني بلا نهاية.لكنني اليوم… وقفت أمامه، نظرت في عينيه، وقلت له "لا."
لا للضعف، لا للانكسار، لا للصمت الذي كان يقتلني ببطء.
اليوم، أنا أتحرر.أكسر القيد الذي ظننتُ أنه أبدي، وأفتح نافذتي لأتنفس هواءً جديدًا.
الطفلة التي كانت تخاف، اليوم تركض.
العصفور الذي كان محبوسًا، اليوم يُحلّق.
والقلب الذي كان يرتجف، اليوم ينبض بثقة.
هذه ليست النهاية… هذه البداية.
بداية هديل الجديدة، التي لا تخشى الحياة، بل تحتضنها بكل ما فيها.بداية فتاة قررت أن تكون _حرة… أخيرًا_
❈-❈-❈
داخل كافيه هادي في شارع جانبي بالقرب من منزل دياب، حيث اعتدا هو ونادر التواجد به يومياً.
كانت الأضاءة خافتة، موسيقى جاز ناعمة تنبعث في الأجواء ،ورائحة البن تملا الجو.
بينما "دياب" جالسًا في ركن بعيدًا، ينتظر قدوم نادر ويحتسى قهوته .
دلف نادر في ذلك الوقت، بحثا بعينيه عن مكان وجود دياب ، ليلوح له الاخير ، اتجه إليه وهو يبتسم بهدوء ويقترب منه إلى أن وقف يصافحه ثم جلس بالمقعد المجاور له ، ثم أشار النادل ليحضر مشروبه الليمون بالنعناع.
بدأ الحديث بينهما وكل منهما يفتح قلبه للاخر، على ماضيه والجراح التي لم تلتئم، حيث حكي دياب عن كل ما مر به من ألم سكن روحه قبل جسده، عن لحظات المحاربة والانكسار ، عن الوجع والتيه، عن الفقد والوحدة التي أصبحت تتملكه.
أنصت له نادر بأهتمام، أحتواه بنظراته قبل أن ينبث لسانه بشفة كلمة، خفق قلبه لألمه ، لكنه لم يظهر شفقته بما جرى إليه من حادث أليم فقد على أثره قدمه، بل يشفق حقا على ضياعه وفقدان نفسه وسط جراحه التي لا تزال تقطر دما.
ثم أنهى دياب حكايته وهو يقول بنبرة عميقة كأنه خرجت من بئر الذكريات:
-عارف، يمكن لما حد تاني يلمس حكايتك، حتى من غير ما يحاول يصلّحها… بتحس إنها أخف، ولو شوية.
ابتسم له بود وقال:
-ويمكن ده اللي إحنا محتاجينه… حد يقولك ،أنا سامعك، فاهمك وهفضل جنبك...
ثم تنحنح قبل أن يعقب على ما حكاه دياب:
-عارف أكتر حاجة شدتني فيك؟ مش قصتك… ولا إنك كنت ضابط… أكتر حاجة شدتني… إنك لسه قاعد قدامي. لسه بتتنفّس، رغم كل اللي كتم نفسك. لسه بتحاول، حتى لو بالفضفضة، دي مش صورة حد مكسور، يا "دياب"… دي صورة راجل فضل واقف بعد الزلزال، والناس اللي بيوقعها الحزن، دي بشر طبيعية…
بس اللي بيقوموا بعده؟ دول أبطال، حتى لو ما وقفوش على رجلين، متشوفش نفسك كعاجز… شوفك كناجي.
والناجي عنده مهمة يعيش… مش بس علشانه، بل علشان اللي لسه جواه، ولسه مستني يشوف النور.
صمت دياب ولكنه همس بصوت خافت :
-تفتكر لسه فيّي حاجة تستاهل أكمّل واعيش عشانها
أوما برأسه وهتف بتشجيع:
-لسه نفسك يا دياب، حياتك بتبدء ،بلاش تهنيها من وقت الحادثة، حبك لضي الصامت خلاص أتحرر وشاف النور، اتغير عشانك الاول وثق تماما أن ضي هتشوفك شخص كامل مش عاجز ، بس لازم ده يخرج من جواك، وأنت خلاص بدأت بالفعل عاوز ترجع نفسك دياب بتاع زمان، أنا مش هسيبك ومعاك خطوة بخطوة، بس انت مش تفضل قاعد مكانك .
لأول مرة منذ زمن، شعر دياب أن كتفيه لم يعودا منحنيين بثقل الذكرى، بل انتصبا قليلًا... لا بقوة، بل بخفة الرجاء.
و داخله نبض خافت يتشكل. ليس فرحًا، ولكن _أمل_ أمل نبته من بين شقوق الحزن، كزهرة عنيدة قررت أن تنبت في صخر قاحل.
ثم التفت ببطء إلى "نادر" وعيناه تحويان خليطًا من الدهشة والامتنان، وقال بصوت متهدّج فيه صدق أول خطوة نحو شفاء:
-أنا مش عارف بكره في أيه؟ ولا اللي منتظرني، لكن عاوز أوصل ... نفسي أوصل .
لم يتكلم نادر فقط ابتسم، وفي عينيه لمعة رجل شهد ميلاد صديقٍ جديد من بين رماد الألم.وفي داخله، ترددت عبارة واحدة:
-هذا ليس مجرد اعتراف... هذا انتصار صامت.
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي ، كانت الراحة مرسومة على ملامحها، لم يعد يطاردها ذاك الكابوس، استيقظت هديل بنشاط ، استعدت ليوم جديد دون خوف أو قيود .
ودعت والدتها وتركت راما نائمه بجوار الصغير الذي تعلق بها كوالدته التي فقدها تحت الركام، و بخطى سريعة غادرت منزلها متجهة إلى الجامعة..
سارت وسط الطلبة، حاولت تتجاهل نظرات "سادن" التي كانت تخترقها اثناء المحاضرة، لكنها المرّة دي تحديدًا شعرت بشئ غامض في نظراته، لم تفهمه بعد.
يراقبها بخفة، كأنه حاميها، لكن حضوره يشعرها بأنها محاصرة ، قرر أن يقترب يصارحها بمشاعره لكي يتخذا موقفًا وأبعاد "معتز" وتطفله عنهما.
اقترب منها وقاطع خروجها وهو يبتسم لها بابتسامة هادئة:
-هديل .. ممكن نتكلم؟
تنهد بهدوء لم تخاف هذه المرة ، لم تشعر بالرجفة ولكن تخجل من نظراته الفاحصة ملامحها ،مما جعلها تتطلع أرضاا ويبدو عليها التوتر ، تحاول أن ترد بلباقة و خرج صوتها هامسا برقة:
-اتفضل أتكلم.
دار حوله بدهشة وهتف:
-هنتكلم هنا وسط الجامعة؟! ممكن نقعد في الكافية ؟
في تلك اللحظة، كان"نادر"يغادر الجامعة بخطوات حثيثة ، لمح هديل تقف يبدو عليها التوتر وذاك الشاب يقف أمامها كأنه يحاصرها، اتجه نادر إليها سريعا وقف خلفها قائلا بصوت غليظ:
-الشاب ده بيدايقك؟
تفاجئت هديل بحضوره ، نظرت له بعدم تصديق وقالت:
-ها؟… لأ، هو سادن زميلي…
ردّ نادر بغيظ، بينما عينيه تشتعل بالغيرة :
-أصل ملاحظ إنك دايمًا بتتوترِ لما تتقابلوا… وحسيت إنك محتاجة حد جنبك. بس لو إنتِ مرتاحة، خلاص.
لحظة سكون خفيفة بينهم، نطق "سادن" وهو ينظر لنادر بثبات:
-مافيش حاجة يا دكتور، كنت محتاج اتكلم مع زميلتي فيها حاجة ولا ايه ؟
هز نادر رأسه ورمق هديل نظرة أخيرة ثم قال بنبرة حاول التحكم بها لكي لا يظهر غضبه من ذاك الاحمق:
-تمام.
وسار مبتعدا عنهما، لحقته نظراتها التي شعرت بوخزة داخل صدرها لا تعرف مصدرها، غصة بحلقها عندما رمقها بنظرة تبدو عتاب، تنهدة بعمق وانتابها الحزن فجأة ثم نظرت إلى سادن معتذرة وأن عليها الذهاب إلى منزلها.
ثم استدارت راحله، لكنه أستوقفها بكلماته الصادقة، فقد ضاق ذرعه ولم يعد يريد الكتمان أكثر من ذلك:
-هديل .. أنا بحبك..
تجمدت مكانها دون حراك، عاد يقترب بخطوة ويقول :
-أنا مش بعرف ألف وأدور…أنا بحبك يا هديل.
بحبك من زمان، بس كنت ساكت علشان خايف أقرّب منك تصديني، بس دلوقتي… بقيت جاهز للخطوة دي وأسلمك قلبي
تشعر بالتشتت ما بين نظرات نادر الغامضة وصدمة اعتراف سادن، كأنها واقفة محاصرة بينهما وليست تملك القدرة على فهم الأمور،. لا زالت تحاول أسترداد كل ما فقدته منذ طفولتها إلى لحظتها تلك....
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة فاطمة الألفي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية