-->

رواية جديدة مرايا الروح لفاطمة الألفي - الفصل 24 - الإثنين 11/8/2025

 

  قراءة رواية مرايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية مرايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة فاطمة الألفي


الفصل الرابع والعشرون 


تم النشر يوم الإثنين 

11/8/2025


مضى أسبوع كاملا، وهديل لم تذهب إلى جامعتها، حائرة بمشاعرها اتجاه "سادن" منذ أن صرح بحُبه لها.داخلها متشتت ، تحاول أن تفكّك العقدة الكبيرة التي انعقدت داخلها منذ اعترافه وتراكم المشاعر الغامضة التي لم تشعر بها يوما، فهي لم تجرب الحب من قبل ولا تعرف عنه شيئًا.

ظلت في غرفتها، تنام قليلًا وتصحو كثيرًا. تحدّق في سقفها، ثم في دفتر ملاحظاتها، ثم في وجهها في المرآة… كأنّها تحاول أن تعثر على ملامح قرار، أو حتى تلميح لإحساس واضح.

كل لحظة مرّت، كانت تغلّفها بسؤال جديد:

-هل هي خائفة من الحب؟

-أم خائفة من أن يُرفض قلبها إذا ما خفق؟

-ما هو ذاك الحب؟ وكيف تنتبه إليه وهو يتسلل إلى قلبها؟

-وأين هي من كلّ هذا؟ أين هديل التي تحاول أن تتعلّم كيف تنتمي لصوتها؟

كل مساء، كانت تقترب أكثر من حقيقتها… لا من خلال إجابة حاسمة، بل من خلال اعترافات صغيرة.

اعترفت أنها مترددة، وأن التردد ليس ضعفًا.

اعترفت أن الصمت الذي تلوذ به، ما عاد مريحًا كما كان… بل أصبح سجنًا شفافًا.

 جلست داخل الشرفة، تمسك دفترها ثم قررت أن تكتب:

-لم أكن يومًا ضدّ الحب، كنت فقط أحتاج أن يُحبّني أحد دون أن يُربكني… وربما، أنا أحتاج أن أسمح له أن يصل إلى قلبي.

ثم أغلقت الدفتر ، تسارعت أنفاسها، لا لأن قلبها رفرف بالفرح، بل لأن الذكرى القديمة لرهابها عاد يربض فوق صدرها.

كانت تخشى الحوارات المباشرة، تخشى العيون التي تترقّب ردّ فعلها، تخشى أن تصبح مركزًا لأي حدث.

استحوذ على تفكيرها كل ما مرت به وحدثت نفسها بخفوت:

-أأنا مسؤولة دلوقتي عن قلبه؟ عن أمله؟

استشعرت أنها بين الحرج والذنب، بين الارتباك والحيرة…

وبين كل هذا، لم تدرك مشاعرها نحو سادن ، فهي خجولة، لا تزال تتلمس طريقها.

جلست على الأرض، أسندت ظهرها إلى الحائط، وسحبت قدميها إلى صدرها.

هي لا ترفض الحب… لكن تخشاه.

ولا ترفض القرب… بل تستصعبه.

ما تحتاجه ليس قرارًا، بل هدنة.

 لتفهم ذاتها، لتعبّر عن صوتها دون ارتباك، لتسمح لنفسها أن تُخطئ، دون أحساس بالذنب، لا تريد كسر شخصًا أحبها.

❈-❈-❈


في زاوية الكافيه المعتادة، حيث تتكرر الطقوس الصامتة بين "نادر" و "دياب"قهوة سادة، وليمون بالنعناع.

تلك المرة أراد نادر أن يفتح قلبه ل دياب عن مشاعره المتخبطة، لا يعلم هل حقا داخله مشاعر حقيقة أم أنها مجرد وسيلة لنسيان علاقته السابقة.

لاحظ دياب صمته، وعيونه الحائرة، ربت على كتفه وقال بهدوء:

-مالك يا فنان اشجيني.

ابتسم له بخفه وقال :

-أيه رايك ارسمك؟

ضحك دياب وهتف بجدية : 

-يا عم قولي فيك أيه الاول وبعدين نفكر في الرسم .

مرت لحظة، ثم تنهد وقال:

-جوايا أحساس ملغبط حالي، مش عارف أتعامل مع الإحساس ده…طول عمري بشوف الحب من أسمى وأطهر المشاعر، شعور راقٍ، نقي، ما فيهوش تنافس. بس لما بشوفها بتتكلم مع حد تاني، حتى بابتسامة عادية، جوايا حاجة بتتشقلب.

نبرة صوته اصبحت مترددة وأكمل قائلاً :

-أنا مش بغير لمجرد الغيرة، أنا بخاف عليها… بخاف حد يقرّب منها، ويستغل عفويتها، طيبتها، رقتها، أو يخوّفها.

 أنا شفت في عينيها لحظات خفتها…وشفت الزهرة اللي بدأت تفتّح جواها. وما أقدرش أستحمل إن في حد يقطفها قبل ما تكمل تفتح.

صمت، وحاول يضحك كأنه يهوّن على نفسه، لكنه فشل:

-بقالي فترة ماشوفتهاش هتجنن قلقان عليها، خايف تكون تعبانة، خايف من مشاعري أصلا تكون مجرد وقت وأكون انا سبب حزنها في يوم. 

ابتسم له دياب وقال بنبرة هادئة، لكن وراها يقين:

-عارف يا نادر، الغيرة دي مش ضعف… بس إحساس بيقول"أنا مهتم" بس المهم ما تخليش خوفك يخنقها.

 خليك أنت المساحة الآمنة اللي ترجع لها، مش السياج اللي تحاوطها. مش تكرر مأساتك اللي عدت مع طليقته، كمان لو شايف انك مستعد تواجهها بمشاعرك يبقي اتاكد من حبك الاول وبعدين صارحها قبل فوات الاوان.

نظر له، عيناه فيها بصيص من الخجل ، وارتسمت ضحكة صغيرة خرجت رغمًا عنه:

-أنت لسه ما تعرفش هي مين ؟ طيب أنا متسرع في مشاعري دي ولا أيه ده ملغبطني يا دياب فاهمني.

ابتسم"دياب" ابتسامة عميقة، كانوا مرآتين، كلٌّ يرى في الآخر رجلاً يتعلّم كيف يحب، بلا تملك، بلا قيد، إنما بحرص وصدق.

ثم أجابه برزانة:

-الحب مش محتاج غير مشاعر صادقة، وتبادل المشاعر بين الطرفين، مش حب من طرف واحد وتخيب خبتي في الصمت.

بتر كلمته الأخيرة بضحكة عفوية وشاركه نادر الضحك ، ثم تبدلت جلستهما من المصارحة إلى المرح والمزاح..


❈-❈-❈


 في ركنٍ هادئ من العيادة، حيث الضوء يتسلّل خافتًا ، جلست "هديل"قبالة "ضي"لم تكن زيارتهما الأولى، لكن هذه المرّة… عيناها كانت مختلفة، كأنها جاءت تطرق بابًا لا تعرف إن كان يُفتح على راحةٍ أم على مزيد من الأسئلة.

جلست بصمت، تحرّك أناملها على حافة المقعد في قلق. سمحت ضي للصمت أن يفرغ الزحام، ظلت تتابعه فقط إلى أن قالت بصوت متردد:

-قابلته…بابا

بعد كل السنين دي شوفته للمرة الأولى بعد غياب 13 سنه

ما كنتش عارفة أقول إيه… ولا حتى أبص لملامحه كويس.

بس لما شفته، حسّيت إن سنين جوايا اتكومت فجأة…

وإن الخوف اللي كنت شايلاه جوايا بدأ يتسرسب، لما بدأت أحكي عن وجعي ورفضت أسامحه.


نظرت ضي إلى هديل نظرة مختلفة هذه المرة،نظرة من ترى في ملامحها شيئًا قد تبدّل، حتى لو لم تُدركه "هديل" نفسها

و قالت، بصوت هادئ يشبه نسمة دافئة بعد عاصفة طويلة:

-أنا شايفة، البنت الصغيرة اللي جواكي…البنت اللي فضلت سنين مستخبية، خايفة، بتدور على حضن، على إجابة، على أمان. لما واجهتي أبوكِ، ما كنتيش بس بتقابليه…

 كنتي بتفتحي الباب لطفلة كانت محبوسة جوا ذكرياتها،

 كنتي بتقولي لها: "أنا هنا… وبِكرا مش هيبقى زي امبارح. "


تنفست"هديل'" ببطء، كأن الكلمات تُذيب شيئًا متيبسًا عالقًا بصدرها.

 تابعت ضي حديثها ، بنبرة أكثر عمقًا:

-التعافي مش لحظة سحرية…هو سلسلة لحظات صغيرة، يمكن تبان عادية، زي إنك تفتحي عينك الصبح وما تخافيش من اليوم، أو إنك تسمحي لقلبك يسمع نغمة حلوة من غير ما يقفل الباب عليها. انتي ما زلتي في الطريق، بس أهم خطوة خدتِها، إنك بَصّيتي جوّاكِ، وقررّتي تواجهي بدل ما تهربي.

 والبنت الصغيرة اللي جواكِ؟ أنا حاسة بيها بتتنفس لأول مرة برا الخوف. ولسّه، قدامها حكايات كتير تستحق إنها تعيشها… من غير ما تعتذر عن ماضيها.

أغروقت عيناها بدموع خفيفة… لا ألمًا، بل اعترافًا بأنها بدأت تتحرر فعلًا، بصمت، وبصدق، ثم سحبت شهقيا قويا وزفرته على مهل وقصت عليها ما حدث بينها وبين سادن وعن اعترافه الصريح بالحُب.

علت نبرة ارتباكها قائلة:

-أنا حتى مش قادرة أفرّق… هل أنا خايفة؟ ولا مش بحبه؟

ولا يمكن… مش مستعدة أحب أصلًا؟ أنا لسه بتعلم أتكلم في وسط الناس، لسه بجرب أخرج من شرنقة الخوف. ازاي أكون جاهزة لحب؟

ابتسمت _ضي_ برفق، نظراتها فيها ضوء لا ينطفئ، وقالت:

-مش لازم الحب ييجي مع ضجيج يا هديل.ومش لازم أول خطوة تكون ثقة كاملة… كفاية تكون نية صافية. اللي زيّك،بيحس زيادة عن اللزوم… وده مش عيب، يمكن خوفك مش من الحب… بل من فقد السيطرة.

لكن خليني أسألك:

-لما بتشوفي سادن مش بتحسي إن قلبك بيهدى؟

في أمان؟ ساعات، الأمان ده أول خيط يوصلنا للحب.


سادت لحظة سكون، وفيها تنفست _هديل_ كأنها سمعت نفسها لأول مرة.

أكملت ضي حديثها بصوت فيه دفء الأرض:

-الحب مش لازم يكون عاصفة، ممكن يكون نبع هادئ…

وانتِ مش مجبرة تختاري،بس اسمحي لقلبك يحس،

حتى لو خطوة خطوة. ما تكسريش الزهرة عشانك خايفة ما تكبرش.يمكن تكبر... وتفتحلك باب ما كنتيش تعرفي إنه لسة جوّاك.

أغمضت عينيها للحظة… كأن كلمات "ضي" لمست وترًا نائمًا.

ربما لم تتخذ قرارها بعد، لكن للمرة الأولى…

أدركت أن الشعور لا يستأذن، وأنها ليست مطالبة بأن تكون كاملة كي تستحق الحب.


صمتت، ثم أكملت بصوت حاسم:

-يا هديل ، إحنا مش بنُخلق جاهزين للحب،الحب هو اللي بيساعدنا نكتشف اللي كنا فاكرينه مكسور. مش لازم تكوني كاملة، مش لازم تكوني جريئة، بس خليكِ صادقة.

ادي لنفسك فرصة تحسي، حتى لو بخوف، ادي لنفسك فرصة تُحبي، وتتحبي…

مش عشان تنسي ماضيكِ لكن عشان اختارتي تفتحي قلبك رغم كل اللي عدّى.وساعات، المعجزة مش إننا ننجو…

 المعجزة الحقيقية إننا نسمح لحد يطبطب على المكان اللي كان بينزف… من غير ما نخاف يوجعنا...


❈-❈-❈

في المساء استعد نادر للذهاب إلى حفلة عيد مولد "فارس" ومقابلة صديقه مؤنس، ارتدى قميصا أبيض ترك اول زرين مفتوحين، وبنطال بيج وانتعل الحذاء البني ثم ارتدى ساعته ومشط شعره وانهى لمساته وهو ينثر عطره المفضل.

التقط مفاتيح سيارته وغادر شقته متجهًا إلى حيث فيلا صديقة في العاصمة الجديدة..

قاد سيارته على طريق شبه خالٍ، أنوار الشوارع تلمع على زجاجها، وتنعكس على وجهه الهادئ. كان يفكر في صديقه الذي لم يقابله منذ مدة، وصل إلى الفيلا، الأصوات تتصاعد من الداخل، ضحكات، موسيقى، وأحاديث تختلط بروائح الحلوى والمشروبات.

دخل بخطاه الواثقة، وابتسامته التي لا تُفارق ملامحه حين يكون مرتاحًا، التفت إليه "مؤنس"من بعيد، وفتح ذراعيه:

-واحشني يا بن اللذينة… 

ضحك "نادر" وعانقه بحرارة:

-حمدلله على سلامتك ومبروك رجوعك يا نمس.

ابتسم له بخفة ثم سأله عن زوجته:

-فين مراتك؟ لميس قالتلي أنها قابلتها قبل كده.

أجابه باقتضاب: 

-بعدين نتكلم في الموضوع ده, فين هديل وفارس ، نفسي اشوفه. 

تطلع "مونس" حوله يتفقد زوجته وطفله الذي يبلغ من عمره عاما واحد، وسط الزحام، وبين أصوات الموسيقى العالية وضحكات الضيوف، فلم تلتقطهما عيناه، قدم لصديقه المشروب المُسكر، لكن نادر لم يحتسى الخمر فرفض تناولها وحمل كأس من العصير وحاول أن يتأقلم مع الأجواء، الجو مرح، لكنه لم يشعر بأنه ينتمي لهذا الحفل تمامًا، فهو متحفظًا بعض الشيء، ولم يتقبل هذا الانفتاح، يبدو أن صديقه تبدل بعد سفره إلى ألمانيا.

جال بعينيه المكان الصاخب، وقع بصره على وجه مألوف، يعرفه جيدًا، همس مرددًا_سادن_.

لكنه لم يكن "سادن" الهادئ المتواجد داخل أسوار الجامعة،

بل وجد شابًا يتمايل وسط الموسيقى بصحبة فتاة بثوب لامع، يضحك بصوت عالٍ، وكأس خمر شبه فارغ في يده.

عيناه نصف مغلقتين من تأثير الشرب، ويده تستقر على

خصر الفتاة بجرأة لا تخفى.

 وقف صامتًا، ذهول غريب يغمره.لم يكن الأمر غيرة، بل اشمئزاز من التناقض:

هذا هو "سادن" الذي من المفترض أنه زميل هديل وبدء له الأمر أكثر من ذلك، هو أمام عينيه مجرد شاب طائش، لا يعرف من الرجولة إلا المظهر.

اقترب منه مونس بعدما لاحظ عينان نادر المصوبة أتجاه الشاب ، وضع يده على كتفه وهو يقول:

-ده يبقى سادن، أخو لميس… هي تصرفاته كده الشرب بيبهدله.

سحبّ نفسًا عميقًا، ثم نظر إلى ساعته، كأنه يحاول السيطرة على اندفاع داخله، ثم ودع صديقه متحججًا بأنه على موعد هام، ترك هدية الصغير وغادر الحفل دون أن يتطلع لما يحدث داخلها ، جلس خلف عجلة القيادة عقله منشغلا بشيء واحد فقط، هو "هديل" يعرف هشاشتها، محاولتها الصادقة لإعادة تعريف نفسها، والخيوط الكثيفة التي لا تزال تحيطها من الماضي." هي تستحق شخصًا يحتضن نورها، لا يلوّثه.

قرر، دون تردد أن يحدّثها… لا بلهجة الاتهام، بل هو خائفًا من قربها بهذا الشاب، سيحذّرها من هذا الوجه الآخر لـ _سادن_ ،لأنها لو رأت ما رآه، ستعيد التفكير في علاقتها به كونها صداقة ام لا...

❈-❈-❈

في هدوء الليل، يعلو أنين الطفل "يزن"، وحرارته المرتفعة تبعث القلق في قلب" رامـا"، فتتصل على الفور بماجد، لا تعرف كيف تتصرف، كلماتها متقطعة وقلقة. ماجد، بهدوئه المعتاد، يطمئنها أنه في الطريق.


عندما أت ماجد وفحص وجه الطفل المتوهج من الحمى، ثم جلس إلى جانبه، يضع يده على جبينه، ويهمس لراما بابتسامة خفيفة:

 - برد خفيف ما تقلقيش ، الاطفال في العمر ده مناعتهم ضعيفة، هنزل أجيب ليه الأدوية اللازمة.

ظلت راما محتضنه برأس الصغير وتقبل خصلاته الشقراء كأنه تطمئن قلبها أنه بخير .

عاد ماجد يحمل الأدوية وطلب منها أن تطهى له الحساء ، وجلس هو بقرب الطفل يراقب حرارته تنخفض تدريجيًا، 

أما راما ذهبت لتعد الحساء ودلفت "مريم" الغرفة تطمئن على الصغير طمئنها ماجد تنفست الصعداء مع كل لحظة يتحسن فيها حال الصغير.


تمر الساعات ببطء، والليل يلفهما بسكونه. الطفل ينام أخيرًا،

نظر لها ماجد بشفقه على حالتها تلك، فهي لا زالت صغيرة وتتحمل مسئوولية طفل ذى ثلاثة أعوام ، تنهد بعمق وقرر داخله أن يتعرف عليها عن قرب، أن يعلم بما تفكر ، وما هويتها، بما تتمنى:

-تعرفي أن ما عرفش بتدرسي أية؟

ابتسمت برقة ثم أجابته بهدوء:

-أنا بدرس سياحة وفنادق، ها سنه التخرج

يتوالى الحديث، وكأن الليل فتح لهم نافذة ليكتشفا بعضهما البعض حيث اخبرها بانه يحب فيروز ، وكل صباح يبدأ يومه بأغنية لها.

وهي ايضا تعشق فيروز و لديها حب القراءة، تغرق في الروايات وتبحر في كتب التاريخ.

وكل ما تتمناه هو حلمها بتحرير الأرض ، العودة إلى وطنها، شاركها هو أيضا ذاك الحلم وتلك الأمنية لعلها تتحقق يوما ما.


كل كلمة كانت تقرب بينهما خطوة، كل نظرة تبني جسرًا من الود والتفاهم. الليل طال، لكن الحديث بينهما جعله يمر سريعًا كحلم خفيف، يلوّن وجدانهم بلون الألفة والطمأنينة.


❈-❈-❈

في صباح اليوم التالي قررت العودة إلى جامعتها ، مشت بخطى سريعة نحو بوابة الجامعة. الهواء يحمل برودة خفيفة، وكأن الصمت الداخلي الذي تعيشه انعكس على الطقس، حقيبتها تتأرجح إلى جانبها، وعيناها شاردة في الأرض، وكأنها تحاول تخطي نفسها قبل أن تتخطى يومًا دراسيًا جديدًا.


من الجانب الآخر، توقفت سيارة سوداء بهدوء، ترجل نادر مرتديًا معطفًا رماديًا خفيفًا، وعيناه تبحثان عنها كمن قرر ألّا يسكت أكثر.

حين رآها، قد عادت انتفض قلبه وكاد أن يخرج من بين ضلوعه، فقد طال غيابها والان يقر عينيه برؤيتها أمامه كالزهرة المُتفتحة ويتطاير شذاها ، كأنه نسى الدنيا من حوله، وجدها تبتعد ، تردّد لثانية، ثم نادَاها بنبرة خافتة لكن واضحة:

-هديل…

توقّفت، رفعت وجهها ببطء، تفاجأت برؤيته واقفًا بجانب سيارته، يُغلق الباب خلفه ويتقدّم نحوها.

اقترب خطوتين وهمس بتسأل وهو ينظر في عينيها مباشرة:

-أنتِ كويسة؟ بقالك فترة ماجتيش الجامعة:

هزت رأسها برفق، وردت باقتضاب:

-كويسة.

-ينفع أسألك حاجة؟ بس بصراحة…

عادت تهزّ رأسها بالإيجاب، خرجت الكلمات من فاه كأنها كانت محبوسة طويلا ولكن بنبرة تحمل مزيج من الخوف والحرص :

-في حاجة بينك وبين سادن؟ أقصد، أنتو… مرتبطين؟

اتسعت عيناها، ثم خفضتهما سريعًا. لم تتكلم، بل وضعت خصلة من شعرها خلف أذنها بتوتر، وارتبكت شفتيها كأنّها تبحث عن صيغة لا تُدين أحدًا ولا تُنكر مشاعرها.

ثم همست أخيرا:

-لا… مش مرتبطين.

 لم يبتسم، لكن ملامحه هدأت، ثم قال:

أنا مش بس بسأل من باب الفضول، أنا خايف عليكِ…

ثم أضاف بنبرة ثابتة:

-أنا هنا لو احتجتِ تحكي، لو حد حاول يدايقك ، عرفيني وأنا أتصرف، وخلي بالك من نفسك .

قالها بصدق فهو يحاول أن يحميها حتى من نفسه، ثم تركها تدلف من بوابة الجامعة:

-أتفضلي عندك محاضرة .

سارت بخطوات بطيئة ، يغمرها التردد فهي لم تخبره بأن سادن يريد الارتباط بها حقا، صارحها بمشاعره وينتظر ردها، وهي قررت أن تعطي نفسها تلك الفرصة..

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة فاطمة الألفي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة