-->

رواية جديدة مرايا الروح لفاطمة الألفي - الفصل 26 - الأربعاء 13/8/2025

 

  قراءة رواية مرايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية مرايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة فاطمة الألفي


الفصل السادس والعشرون 


تم النشر يوم الأربعاء 

13/8/2025


في حضرة تلك اللحظة الثقيلة، كان الحزن لا يُروى، يتسرّب في الأنفاس، ويتشبث بالأنظار، ويُثقل حركة الأرواح.

حدق بوجهها الشاحب، وعيناها تلمعان بالدمع المكظوم، واقفة أمامه كأنها على حافة الانهيار، انفرجت شفتيها تنطق بصوت صغير يخترق السكون كرجاءٍ مكتوم:

-عاوزة ماما.

لم يكن هذا رجاء فتاة ناضجة، بل همسة طفلة تيهت عن حضنها الأول، تبحث عن صدرٍ يحتوي هشاشتها.

 كان متسمرًا، عاجزًا عن فهم ذلك الألم الغائر، لكنه شعر أن الأمر أكبر من كل شيء يُقال، فقط تمتم قائلاً:

-تعالي أوصلك.

كأنه يقدم لها ما يستطيع من دفء، ولو عبر مقود سيارة.

فتح لها باب السيارة لتستقل بالمقعد المجاور له، وجلس هو مكانه قبل أن يدور محركة السيارة ، نظر إليها فلا يسمع منها إلا صوت أنفاسها المتقطّعة، ودموعها التي تسيل في صمت قاتل.

سألها بلطف:

-إيه اللي حصل؟

وكأن صوته كان سلّمًا خافتًا نحو الحقيقة المؤلمة.

-بابا بيموت... في المستشفى.

قالتها كأنها لا تصدق ذاتها، وكأنها تجرّ الكلمة من بين أنقاض مشاعرها.

عاد يسألها عن عنوان منزلها، لتجيبه بهمس خافت، حاول أن يطمئنها أنه سيظل جوارها ، وعليها أخبار والدتها وسوف ينتظرهما لكي يقلهن إلى المشفى، يعلم أنه لا يمكنه المغادرة، أن الأمر تخطّى واجب الأخلاق أو الصدفة.

وعندما وصلا إلى حيث منزلها، انتظرها بالسيارة ريثما تعود برفقة والدتها، شعر بالتيه التي تجتاحها ، تنهد بعمق وظل يطالع مدخل البناية بترقب، إلى أن طلت عليه مرة أخرى برفقة والدتها التي تشبهها بشدة.

شكرته مريم بامتنان على عدم ترك ابنتها بتلك الحالة، ثم جلست جانبه وجلست هديل بالمقعد الخلفي تتطالع الطريق بشرود مطبق، ومقلتيها لا زالت تنساب دموعها كأنها حبيسة منذ زمن والآن تتحرر.


وصلا إلى المشفى في غضون دقائق معدودة كأنه يسابق الزمن من أجلها، وعند وصولهم صعدوا جميعا إلى حيث الرعاية المركزة، ليخرج الطبيب المعالج ، بوجه مشفق ونظرة أسى قال بروتنية:

-البقاء لله.

كأن الزمن تجمد بها، لم تبكِ فورًا. بل همست كمن يخاطب حلمًا كاد أن يصحو:

-مات؟

كأنها تسأل الزمان نفسه: هل انتهى حقًا؟ هل غادرني بلا وداع، كما عاش بعيدًا بلا حضور؟

احتضنتها والدتها بقوة، تردد:

-سامحيه يا حبيبتي... وادخلي ودّعيه.

لكن هديل لم تكن تبكيه وحده، بل تبكي طفولتها المنسية، تبكي ليالي الانتظار، تبكي عمرًا لم يُحتوَ، تبكي البعد، تبكي الألم والمرارة التي عاشتها.


أما نادر كأنه تائهًا، لا يعلم ماذا عليه أن يفعل الأن،فقد كان عاجزًا، يراقبها بقلب مكلوم، حزينا على ما تمر به، ويتسأل داخله، لما والدتها تطلب منها أن تسامح والدها؟ هل كان بينهما قطيعة طويلة بسبب غيابه عنها؟ لم يكن لها الاب المسئوول.

حينذاك كان وجع هديل أعمق من الفقد، إنه وجع "الفرصة التي لم تُمنح، والكلمة التي لم تُقل، والاحتواء الذي لم يحدث أبدًا."


فطن نادر بحجم الانكسار والوجع الذي يراه بعينين هديل، حس إن وجوده لم يكن كافيا، لابد من وجود شخصا أخر يحتوي هديل وتثق به، لم يجد إلا "ضي" هي الوحيدة التي تعلم كيف تخفف عنها ما تشعر به، قرر الاتصال بها ، لم تستغرق المكالمة سوا بضع دقائق ، شرح الموقف في عجالة، وأخبرته بأنها ستأتي على الفور..


في ذلك الوقت سارت هديل بخطوات متخبطة ،كأدت أن تسقط على وجهها وكفيها يرتجف وهي تدلف لغرفة والدها لكي تودعه الوداع الأخير..

وقفت أمام فراشه ترفع عينيها وترى جسده الساكن، ملامحه

هادئة، لأول مرة تراه بدون قسوة، دنت منه، خرج صوتها يرتجف ثم نطقت بكلمات كانت حبيسة قلبها:

-أنا... أنا مسمحاك يا بابا.

ثم طبعت القبلة الأخيرة على جبينه، تودعه وداع، غفران مشروط بالألم.

سحبت الغطاء على جسده، تواري وجهه، ثم ابتعدت ثانيا في خطوات بطيئة ، التقفتها والدتها بين ذراعيها ،تضمها بحنان دافئ.


❈-❈-❈ 

لم تكن ضي وحدها داخل العيادة عندما هاتفها نادر وأخبرها بما يحدث مع هديل، كان دياب جالسا امامها، وعندما علم قرر أن يرافقها ويكون بجانب صديقه نادر .


عندما وصلا إلى هناك، ظل دياب واقفا بجانب نادر الذي يقص عليه ما حدث، أما ضي تقدمت من هديل التي كانت متكوره داخل ذراعي والدتها ، جلست جنبها، تربت على ظهرها برفق، وهمست بصوت حنون:

-خرّجي اللي جواكي يا هديل، لو عاوزة تصرخي صرخي، قولي أي حاجة، بس ما تسكتيش.

لكن هديل، كانت تحترق بصمت، دموعها تنهطل وكأنها فقدت جزء في كيانها.


همس دياب باذن صديقه قائلا بحسم:

-بينا أحنا نخلص الإجراءات المطلوبة عشان الدفن.

تقدما بخطواتهم الثابته وقفا أمام مريم معزين في نبرة أسفة، وأخبروها بأنهم سيذهون لإنهاء إجراءات المشفى وتصريح الدفن.


❈-❈-❈ 


وفي مساء ملبّد بالوجع، حملت السماء صمتًا ثقيلاً كأنها تشارك العيون بكاءها، وتشيّع “مدحت” إلى مثواه الأخير بين دعواتٍ مرتعشة، وقلوب متكسّرة بصمت.


كانت هديل واقفة بجوار والدتها، متكئة عليها، كأنها تحاول ألا تنهار أكثر. عيناها تطوفان في الجموع، لكن نظراتها لا ترى شيئًا، كأنها مشوّشة. 

أصوات الدعاء كانت تنساب من حولها، كأنها تأتي من عالم آخر. لم تكن تستمع للكلمات، بل للماضي. كانت تتمنى أن يكون لها ذكرى تودّع بها قلبها، لكنها الآن تدفن ما لم تعشه معه.


كان يقف نادر على بُعد مسافة، عينيه لا تفارقها، يشعر بثقل الحزن اللامرئي الذي يلفها كعباءة بلون الغياب، وضي التي كانت تتابع هديل عن كثب، تقرأ مشاعرها بصمت المختص وبقلب الإنسان.


حين سُويّ التراب، شعرت هديل وكأن دفنًا آخر حدث داخلها، وكأن زمنًا كاملاً أغلق صفحته نهائيًا.

ورغم كل شيء، لم تخرج صرخة... فقط دموع تلمع في عينين أنهكهما الانتظار، انسلت دمعة أخيرة تحمل كل ما لم يُقال.

واقفة متجمدة كلوح ثلج أمام قبره، تحاوطها من كل جانب، راما وضي، وعندما أنهى الشيخ من قراءة القرآن والدعاء له، بدأت الخطوات تبتعد، مودعين ذاك المكان الموحش، الذي يعبث الرهبة في القلوب، بينما تسمرت هديل مكانها رافضة قدميها أن تبتعد الأن ، همست لهم مريم بأن تضل هي لدقائق ،أما عنهم فاكملوا خطواتهم مغادرين المقابر.

أخرجت تنهيدة حارقة وحدثته بصوت واهن:

-بابا...

الكلمة بقولها لآخر مرة ، ماحسش بيها قبل كده، ياما مرت عليا لحظات كان نفسي أقولها كتير واحس بيها، كنت محتاجة لك، مش دلوقتي… من زمان. محتاجة إيدك تسندني وأنا بتخبط في الدنيا وبقع، والنهاردة… أنا جاية أودّعك، وأنا اللي دايمًا كنت بودّعك في خيالي.

جاية أقوللك "أنا مسمحاك" ، وأنا مش عارفة إذا فعلاً قلبي سامح، ولا بس محتاج يرتاح من الحرب اللي دايرة جوايا بقالها سنين.

سكتت قليلا ثم رفعت كفها على باب قبره واكملت :

-يمكن سامحتك علشان أنقذ نفسي… مش علشانك، سامحتك علشان أعيش، مش علشان أموت كل مرة بفتكرك.

 دلوقتي انتهى الخوف جوايا للابد ،أنا ماشية من هنا، بس موتك ساب في قلبي فجوة.

ابتعدت بخطواتها وهي تنظر خلفها حيث يوجد، كأدت ان تتعثر ، لحق بها نادر وأمسك بساعدها ، سارت بجانبه دون أن تنبث بشفة كلمة...


❈-❈-❈ 

استيقظت هديل من نوم متقطع، عيناها مثقلتان، ووجهها شاحب كأنما لم تنم بل تاهت في فراغ لا لون له، وارتدت ملابس الجامعة كأنها تقوم بطقسٍ آلي اعتادت عليه، وكأن الحياة يجب أن تستمر حتى ولو كان الموت قد مرّ على روحها، غادرت غرفتها في صمتٍ، تجاوزت نظرات والدتها المندهشة، وراما أيضا.


ذهبت إلى الجامعة وكأن شيئًا لم يكن، ولكن حين رآها "نادر"في الممر، ارتبك وهتف باسمها:

-هديل؟!

وجهها لم يكن ذلك الوجه الذي تركه بالأمس. كان يشبهها... لكنه يحمل نظرات غريبة، باردة، وكأن الحياة تنكّرت له.

اقترب منها، وقال بهدوء يشوبه قلق واضح:

-تعالي معايا المكتب دقيقة.

لم تعارض، سارت خلفه بخطى متزنة لكنها خاوية.

داخل المكتب، جلس أمامها، ونظراته تمعن في ملامحها:

-ليه جيتي الجامعة؟ المفروض تبقي في البيت، ترتاحي، مش تيجي المحاضرات وكأن مافيش حاجة حصلت. 

نظرت إليه، بعينين فيها تحدٍّ مشوّه وقالت:

-يعني مالي؟ أنا كويسة.

هنا أحس نادر أن أمامه حاجزًا اسمنتيًا، لكنه لم يتراجع.

-لا مش كويسة، أنتي مش أنتي. امبارح كنتي في صدمة، انهاردة مصممة تعيشي طبيعي، مش طبيعي يا هديل... ده اسمه إنكار،لا ما تضحكيش على نفسك.

تنهدت بضجر وهمت بالنهوض قائلة:

-أنا عندي محاضرة.

لكنه وقف فجأة، أمامها يمنعها المغادرة، ورد بتصميم:

-لا، مافيش محاضرات. هوصلك البيت دلوقتي، و لازم تروحي لضي، تتكلمي، تخرجي اللي جواكي، قبل ما يكبر ويتحول لحاجة تئذيك أكتر.

شعرت أنه تجاوز الحدود، لكنها لم تصرخ، فقط نظرت له شاردة ثم قالت:

-تمام.

وسارت معه بهدوء، كأنها استسلمت… أو فقدت القدرة على المقاومة، وفي طريق الخروج، توقفهما صوت مألوف ينادي باسمها:

-هديل، ممكن نتكلم دقيقة؟

رمقه نادر نظرة حادة، وكأن شرارة اشتعلت في عينيه، لكنه تراجع بضيق حين قالت هديل:

-بعد إذنك يا دكتور.

وتركت نادر واقفًا، تقتد أعصابه، كأن سادن انتزع منه حقًا كان يتمنى الحفاظ عليه.

 وقف سادن أمامها، عينيه قلقتان، وصوته مبحوح:

-مالك يا حبيبتي؟ من امبارح بحاول أكلمك ما بترديش.

 "حبيبتي" كلمة لم تسمعها من قبل، أول مرة تُقال لها من رجل، جعلتها تتجمد مكانها، لكنها تجاهلتها و همست بثقل: 

-بابا مات.


عيناها لم تتكلم، لكن قلبها صرخ، وسادن خفض نظره، شعر بثقل اللحظة التي لا تُحتمل... في تلك اللحظة، امتدّت فيها يد سادن نحوها يريد تطويقها بذراعيه بحنو ظاهر وصوت هادئ قائلاً

-ما تقلقيش يا حبيبتي... أنا جنبك.


كانت كلماته كأنها مطر خفيف على أرضٍ مشتعلة، لكنها لم تطفئ شيئًا، بل أشعلت بداخلها إنذارًا داخليًا مباغتًا

نظرت إليه فجأة، بعينين مشتعلتين، وابتعدت خطوة للخلف، كأنها تخلّصت من موجة خفية أحاطت بها.

قالت بنبرة متوترة، فيها شحنة غضب وانغلاق:

-ما تلمسنيش.

صوتها لم يكن عالياً، لكنه قاطع، حاد كالسيف. نظرتها لم تكن مرتبكة، بل واضحة: هناك شيء ما فيه أربكها، أنذرها، جعلها تشعر بالخطر لا بالاحتواء.

صُدم سادن، رفع يده كمن انسحب إلى خط أمان، وارتبك وهو يتمتم:

-أنا... آسف، ما كنتش أقصد أزعلك.


  قد رأى نادر كل شيء أم عينه، تحولت ملامحه من قلق إلى غضب صامت، كأن شيئًا بداخله اشتعل.

هو إيه اللي جابه؟ وإزاي بيتكلم معاها كده؟

لم يتمالك نفسه، وتقدّم بخطوات سريعة، نظراته ثابتة على سادن، لا يخفي احتقانه.


بصوت منخفض لكنه مشدود كوترٍ على وشك أن ينقطع، قال:

-هي مش محتاجة لمسة... محتاجة احترام مساحتها في الحزن.


نظرت هديل بين الاثنين، أحسّت أن تصدّعًا جديدًا بدأ يتكوّن، لكنها هذه المرة كانت مستعدة لحمايته، استدارت نحو نادر، بنظرة امتنان صامتة، ثم سارت بهدوء، تاركة خلفها سادن لا زال واقفا مذهولا من ابتعادها مع استاذها،ومن المفترض أن يكون هو مكانه الآن...



❈-❈-❈

جلست بجانب نادر في السيارة، رأسها مائل قليلًا نحو النافذة، وعيناها غارقتان في المجهول. الهواء بداخلها أثقل من أن يُتنفس.

بينما السيارة تنعطف في شارع جانبي، غير مألوفًا، رمشت مرتين، ثم التفتت ناحيته، خرج صوتها بنبرة هادئة لكنها مندهشة:

-دا مش طريق البيت.

ابتسم نادر، لكنه لم ينظر إليها، ظل عينه على الطريق وهو يقول بنعومة ممزوجة بعزم:

-أيوه... أنا خاطفك.

ثم ضحك يحاول أن يخفف وطأة اللحظة، قبل أن يكمل:

-هنروح لعيادة "ضي"

ثم رفع أنظاره إليها قائلا بجدية:

هديل أنتِ محتاجة تتكلمي معاها، حتى لو شايفة إنك قوية، وجعك كبير أوي ومينفعش تفضلي ساكته، لازم يتداوى.

لم ترد. فقط عادت تنظر إلى الطريق، بصمت. لم تعارض... وهذا وحده كان إشارة لتخبطها، تارة تتصنع الجمود والقوة، وتارة أخرى تستلم رغم محاولتها بأن تظل صامدة.



بعد مرور نصف ساعة ، كان يدالف بها داخله العيادة، ولجت هديل لغرفة الكشف أما عنه فجلس ينتظرها، ريثما تنهي ليتها.

داخل الغرفة التي شهدت على صراعاتها، باتت اليوم أكثر دفئًا، قابلتها ضي بابتسامتها الهادئة، وقالت بنبرة حاسمة:

-أنا هنا، مش علشان أداوي، لكن علشان أسمعك... قوليلي، أي حاجة، حتى لو مش مترتبة، بس خرّجيها من جواكي.

نظرت إليها، وشفتاها ترتجفان، حكت عن لحظة الوداع، عن لحظة الغفران وكلمتها المغلفة بالمسامحة، التي خرجت من اعماق ركام قلبها النازف، ولكن داخلها شعور بالخوف من محاولات الطبطبة، المواساة، صدها سادن ذاك التقرب الذي هدد أمانها.

استمعت لها ضي وحدثتها بدفء:

-مش لازم تبقي فاهمة كل اللي بتحسيه دلوقتي... الصدمة بتاخد وقتها، بس انتي دلوقتي في امان ومابقتش ضعيفة، وأكبر دليل على كده لما قولتي لسادن ، ماتلمسنيش، دي مساحتك اللي رفضتي التجاوز فيها وانا مبسوطة جدا بالخطوة دي يا هديل.

ارتجف صوتها وقالت بحزن:

ـأنا ساعات بحس إني فاضية… كأني ورق كان مرسوم عليها واتمسح.

تنهدت ضي قبل أن ترد:

-الورق اللي اتمسح… ممكن نعيد نرسمه تاني، بس المرة دي، إنتي تختاري ازاي ترسمي الخطوط، وتختاري الألوان اللي تناسب ذوقك.

نظرت إلى الفراغ، وقالت:

-أنا بحاول أصدّق إني ممكن أتحرر من الخوف…بس فيه حاجات بتحصل في جسمي من غير ما أتحكّم فيها… لما حد يقرب…كأني بتجمّد.

أومأت ضي بتفهّم عميق:

-دي ردود فعل جسدية طبيعية، حصلت بسبب إن جهازك العصبي عاش تهديد لفترة طويلة، دماغك فهمت من بدري إن أي قُرب يمثل خطر… دلوقتي محتاجين نعلّمه من جديد، إن القرب ممكن يكون أمان.

هزت رأسها برفق كأنها تؤكد حديثها.

في هذه الجلسة بدأ الجليد يذوب... وكل شيء كان مكبوت بدأ يتسرّب من بين شفتيها..


بينما هو جالس يترقب قدومها، ينظر للباب من حين لآخر. عقله مشغول، ليس بمحاضراته، ولا بأي شيء سواها، هل باحت ما كتمته دااخل قلبها؟ هل هدأ وجعها أم لا؟ ماذا عن صدمة الفقد؟

كان يهز قدمة بهدوء على الأرض، يحاول أن يلف نفسه بالصبر وهو غير قادر على ذلك.

وبعد برهة ينفتح الباب، وتخرج هديل، عيناها مبللتان... لكن طريقة مشيتها خفيفة، كأن كل ما تحمله من هموم، أُزيح عن صدرها.

ابتسم لها نادر، عندما رأها، وسار جانبها نحو السيارة.. دون أن ينطق بكلمة، لكنه أحس أنه أقرب منها من أي وقت مضى..



يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة فاطمة الألفي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة