رواية جديدة مرايا الروح لفاطمة الألفي - الفصل 27 - الجمعة 15/8/2025
قراءة رواية مرايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية مرايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة فاطمة الألفي
الفصل السابع والعشرون
تم النشر يوم الجمعة
15/8/2025
– بعد أيام قليلة من العزاء_
بعد جلستها مع ضي التي خففت عنها ثقلًا كانت تحمله بصمت وجدت نفسها لا تريد العودة مباشرة إلى زحام الجامعة أو ضجيج المحاضرات. كأن روحها تبحث عن شيء آخر... عن دفء، عن ضحكة لم تكتمل يومًا في صغرها.
فتحت قلبها لرعاية "يزن"مع "راما"، لم يكن مجرد طفل، بل صار مرآةً صغيرة تعكس وجعًا قديمًا، وأملًا جديدًا.
وفي لحظة تلقائية، قررًا سويا أن يصطحبوا الصغير في رحلة إلى الملاهي، لم يكن مجرد خروج ترفيهي، بل كان أشبه برحلة إنقاذ، بحثًا عن شظايا الطفولة المختبئة خلف ستائر الحزن.
ضحكات "هديل"كانت عالية، حقيقية، كأنها أول مرة تسمح لنفسها أن تعيش طفولتها المؤجلة، استسلمت هديل وهي تدور وتعلو داخل الارجوحة، تطلق صرخة نقية في لعبة،ليست صرخة خوف… بل تحرّر. لم يكن هناك ماضٍ يثقل قلبها، فقط لحظة نقية مليئة بالهواء والضوء.
وحين رأت لعبة التصويب، أخذت نفسًا عميقًا، ثم سارت اتجهاها، تحاول الفوز بدبدوب ليزن. كانت تضحك على محاولاتها الفاشلة، حتى أبهجها صوت الطفل يصفق لها رغم الخسارة، وكأنها بطلة في عينيه.
وشاركت سباق البالونات ومع راما، وكأنهما شقيقتان طفلتان نسيتا الزمن، ركضتا بمرح، تعثرتا، ثم انفجرتا بالضحك، ضحكة حرّة… كأن الحياة تسمح لهما لأول مرة أن تعيشا دون قيد.
وبين الركض واللعب واللهو، جلجلت ضحكة الصغير، وهو مغمور بمشاعر الحب، الاهتمام، مطوقان بالأمان.
أما "هديل" ، فقد نسيت للحظات كونها فتاة ناضجة، بل سمحت لنفسها، أخيرًا، أن تكون "طفلة صغيرة" تهرب من ثقل الدنيا إلى حضن لعبة، وتختبئ من الحزن خلف ضحكة.
شهد اليوم لوحة حبّ معلّقة بين ثلاث أرواح… تعلّمت أن الشفاء أحيانًا يشبه البالون، يرتفع كلما خفّ حمل القلب.
أحيانًا من قلب الألم، تولد أجمل اللحظات التي تربطهما، وتكون ترميمًا ناعمًا لأرواح كسرتها الخسارة، وجمّعتها يد الحياة برحمة.
❈-❈-❈
داخل منزل مريم وأثناء أنشغالها بمحادثة شقيقتها، انبعث رنين جرس الباب، أغلقت الهاتف مع شقيقتها ثم توجهت لفتحه، لتجد شابا واقفًا، يحمل ملامح وقورة، يبدو واثقًا، حاسمًا، صافحها باحترام، اخبرها عن هويته وأنه صديق ابنتها في الجامعة، وقدم لها التعازي بلطف.
دعته مريم للدخول، جلس "سادن" بغرفة الصالون ،تركته لتحضّر له كوبًا من القهوة، ثم بعد دقائق أتت تحمل صينية يعلوها كوبًا من الماء المثلجة وفنجان القهوة، وضعتها على المنضدة وجلست في المقعد المقابل له تنظر له، باهتمام، ثم رحبت به:
-اتفضل اشرب القهوة يا بني.
التقط الفنجان وبدأ في ارتشاف رشفة خفيفة ثم هتف بحسم:
-ممكن أطمن على هديل لو تسمحي ليا؟
أجابته مريم برفق:
-هديل مش موجودة خرجت.
قال بصوت هادئ لكنه عميق:
-أنا جيت النهاردة مش بس أطمن على هديل... أنا من وقت ما عرفتها وأنا شايف فيها حاجة مختلفة. هدوءها، رقتها، شغفها بالرسم… أنا فعلاً معجب بيها. و... لو الظروف تسمح بعد فترة الحزن، أنا مستعد أجيب أهلي، ونتقابل. نفسي نرتبط بخطوبة، وأكمل معاها الجامعة... أكون دايمًا قريب منها، جنبها.
اندهشت مريم من حديث ذلك الشاب لكنها صمتت لحظات تأمل وشرود.
"تراه شابًا صادقًا، جادًا، كلماته لا تحمل تهورًا ولا ادعاء... فقط صدق ناضج. قلبها، رغم حزنه، يشعر أن هذه اللحظة قد تكون بداية دفء جديد لهديل. لكن كأم، تخاف... ليس من سادن، بل من فكرة الحب نفسه. فابنتها لم تذق مرار التجربة، ولم تعرف خيبات القلب"
ردت بصوت ناعم ومتفهم:
-أنا شايفة فيك نية طيبة، ويمكن تكون أنت العوض اللي هديل محتاجاه. هي عمرها ما جربت الحب، ولسه قلبها نقي... وخوفي الوحيد إنها تتوجع. بس... لازم أسيبها تتعلم، تجرب، وأنا هكون دايمًا جنبها، ما أسيبهاش لحالها.
نظر لها سادن بأمتنان وكأن والدتها فتحت له الباب لقلب هديل، فقال بثبات:
-اوعد حضرتك أحافظ على قلبها النقي ومش هكون سبب لوجعها أبدا.
تنهدت مريم أملا في مستقبل أفضل لابنتها، بداية لأول طريق الفرح في بيت تملكه الحزن، الآن بدأ يُطل خيط من نور لطي صفحات الظلام...
❈-❈-❈
في الصباح هادئ ومُشرق، اقتربت "هديل" بخطوات مترددة، تطرق الباب بأصابع مرتعشة، ثم وقفت عند عتبة الباب المفتوح، رفع نادر عينيه عن الأوراق. وللحظة، توقف الزمن... ها هي تقف أمامه. لم يتوقع أن تراوده، لكنها فعلت. ابتسم، وقلبه يتمنى أن يقول، "وحشتيني"، لكنه اكتفى من رؤيتها الأن أمامه.
همست بتردد:
-ممكن اتكلم مع حضرتك؟
أجابها بود:
-طبعًا، تعالي اقعدي يا هديل.
جلست بهدوء على الكرسي المقابل لمكتبه، كان الجو مشحونًا بالصمت، حتى قطع هو توتر اللحظة:
-تحبي تشربي حاجة؟
ردت بنبرة هامسة:
-شكرًا... مافيش داعي.
قال بلطف:
-طيب، قوليلي... أنتي جاية تقولي إيه؟
نظرت إليه بعينين تحملان اضطراب العاصفة، ثم لفظت بخفوت:
-سادن كلم ماما.
قطّب حاجبيه لحظة سمع الاسم، شيء بداخله اختنق، لكنه أخفى انزعاجه:
-يعني إيه؟ مش فاهم.
سادن اتكلم مع ماما وعاوز يرتبط بيا... وقبل كده قالي إنه بيحبني.
شحب وجه نادر، لكنه كتم غضبه خلف صمت حكيم. سألها بهدوء:
-وإنتي ردك كان إيه؟
أجابت وهي تطرق برأسها:
-ما رديتش... ضي قالتلي أدي نفسي فرصة... بس أنا عمري ما حبيت ولا أعرف يعني إيه حب.
شعر بعاطفة غريبة تجتاحه، فتاة بهذا النقاء، بتلك العفوية، لم تلمسها الحياة بعد. ثم همس بصدق:
-أنتي بريئة قوي يا هديل... نقية، ومافيش زيك. أنتي تستاهلي حد يحافظ عليكي... وسادن مش الشخص ده.
ود لو يخبرها عن قناع ذلك الشاب، الذي يتجمّل في الجامعة ويُخفي نواياه. تنهد، ثم سكن صمتًا، حتى قطعت هي تفكيره بصوت مرتجف:
-حضرتك راجل، وزي سادن... أكيد تعرف إن عندي مشكلة نفسية، ولسّه بتعالج منها... تنصحني أقوله؟
تأملها نادر. رأى براءتها، وصدقها، وإيمانها بالسؤال. رغم ضيقه، أجابها:
-أنتي مش مجنونة يا هديل، ومشكلتك النفسية مش عيب... دي رحلة تعافي. مافيش بينكم ارتباط رسمي، وانتي لسه بتتعالجي... ده يخصك أنتي، وده حقك.
لكنها لم تكتفِ... استجمعت شجاعة مؤلمة، ونظرت للأرض خجلًا:
-أنا... اتأذيت في الطفولة من شخص قريب مني.
نظر إليها بدهشة ممتزجة بحزن، وسأل بقلق:
-أذي إزاي؟ ضرب وعنف أسري؟ ولا أيه نوع الأذى ده ؟ومين هو الشخص؟
رفعت عينيها في انكسار ثم همست:
-أذي جنسي... بابا هو اللي اتحرش بيا وأنا طفلة.
خُيّل له أن الوقت توقف، ارتجف قلبه ألمًا، ود لو يحتضنها، لو ينتزع كل وجع مرّ بها. جلس أمامها مباشرة وقال بحنان:
-بصيلي يا هديل... ما تخجليش، أنتي ملكيش أي ذنب. أنتِ كنتي طفلة... وانتهى الأمر، اللي حصل ده استغلال، مش حاجة تكسفك.
نظرت له، ودموعها تلمع على أطراف الجفون:
-بس أنا مش نقية زي ما بتقول... جوايا مكسور، ولسه مش ملتئم. ولو خبيت، أبقى بخدع اللي قدامي.
ابتسم، تلك الابتسامة التي تُطمئن قلبًا هائمًا:
-أنتي لا يمكن تخدعي... وأنا عندي قناعة إن الماضي مش لازم يحدد مستقبلنا. أنتي تعرضتي لأذى، بس قوتك إنك بتتعافي. والحب الحقيقي، بيبدأ من لحظة اللقاء، مش من حسابات الماضي.
أسند ظهره وقال بثقة:
-أنك تختاري تحكي أو لا، ده حقك. لو في حب بين اتنين، لازم يكون فيه صراحة، بس كمان احترام للحدود. ومفيش أطهر منك، يا هديل... صدقيني.
سادت لحظة سكون بينهما، إلى أن قال بنبرة دافئو عميقة،كأنها حبل نجاة يلقى لقلب غارق:
-بصيلي يا هديل، ما تحطيش دماغك تاني في الارض...
رفعت عينيها، وكأنها تُقاوم خجلًا من طيف ماضي لم يخترق سكونه أحد قبل الآن. التقت نظراتهما. هذه المرة، لم تكن نظرة فتاة لرجل أكبر عمرًا... بل كانت نظرة إنسانة مهزومة من الحياة، تُقابل صدرًا يتسع لها بلا شروط.
هتف نادر بصوت أكثر حنانًا:
-أنا مش هقدر أقولك تعملي إيه... بس أقدر أوعدك، إنك مش لوحدك.
أغمضت عينيها لحظة. لأول مرة منذ سنوات، شعرت أن هناك من يراها... كلّها، بنقائها ووجعها، دون أن يشيح بوجهه.
-أنا ساعات بحس إني مش هقدر أحب... إنّي مكسورة لدرجة إن قلبي نفسه مش قادر يثق بحد.
ابتسم، وقال:
-وإيه يعني؟ الكسر بيعلم القلب النبض... بيخليه يدق بحذر، بس لما يدق بصدق، بيبقى أجمل حب. أنتي محتاجة وقت، ومينفعش تضغطي على نفسك. الحب مش اختبار... الحب أمان.
سادت لحظة صمت، ثم أردف بلطف:
-أنا موجود يا هديل. مش لازم تردي عليّ ولا تحكيلي أكتر. بس اعرفي إنك تستحقي حد يختارك من وسط الزحمة، ويصونك من ريح الدنيا، ويصدقك من غير ما يسأل.
ترقرقت دمعة في طرف عينها، وابتسمت بخجل. للمرة الأولى، أحست أن ثِقل السر الذي خبأته طويلًا، صار خفيفًا، لم يختفي مد داخلها للأبد، لكنّه صار يُحتمل.
ثم نهضت عن مقعدها ببطء،وقبل أن تخرج، التفتت إليه وهمست:
-شكرًا...علشان سمعتني... و علشان ما حكمتش عليا.
أنهت كلماتها وغادرت المكتب ليتخبط هو في أفكاره، ويبتسم لطيفها بدفء
❈-❈-❈
صوت رنين جرس المنزل تسلل إلى قلب مريم قبل أذنيها،نهضت تفتحه لتجد أمامها "أركان" ، والد راما، قادمًا من رفح. تظهر على ملامحه ابتسامة مطمئنة، وكأنه يحمل معها السلام والحكمة ، دلف يُعزّيها بكلمات دافئة ثم جلس في هدوء ، ينتظر راما التي عندما علمت بوجوده خرجت مهرولة نحوه، ضاحكة باكية، تحتضنه بشوق الطفلة التي عادت إلى دفء حضن الأب، تقول بشوق:
-اشتقتلك كتير.
ضم ابنته إلى قلبه قبل ذراعيه، وجلست واضعة رأسها على صدره الحاني، في حين تتركهم"مريم" ودخلت المطبخ بابتسامة خفيفة، لكي تمنحهم المساحة ليغمر ابنته بمشاعر الاشتياق.
بعد مرور بضع الوقت أخبر "اركان" راما أن هناك طفلًا بمواصفات يزن، سألت عنه خالته، وقد جاء للاطمئنان، وربما ليأخذه إلى أهله.، ارتعدت أوصالها و تزلزل قلبها وحزنا على فراق الصغير، لم يكن مجرد طفل في منزلهم، بل صار قطعة من روحهم. تعلقوا به وهو أحبهم، كما لو أنه ولد في أحضانهم.
في ذلك الوقت تدخل مريم بمشروب العصير، وضعت الصينية واقتربت من راما بلهفة عندما وجدتها تبكي، تطوقها بذراعيها، تحاول أن تحتوي دموعها، وتدرك من بين شهقاتها أن أركان ينوي أن يأخذ يزن، القلب يُخنق.
ويركض الصغير يقف أمام اركان بحذر، لم يعتاد سوا قرب ماجد، قرر والدها أن يمكث الليلة، وفي الصباح يعود إلى رفح، ربما سيأتي ماجد معهم ويريد أن يقضي الليلة برفقة ابنته داخل شقتهما، أن يروي شوق السنين، أن يعوضها عن زمن الغياب، ويُمسك باللحظات المتبقية.
تعود مع والدها إلى الشقة المقابلة لمريم، وهناك، يفتح والدها قلبه:
-أنا جعان، فينا نسوي أكل
يضحكان، و يدخلان المطبخ سويًا، يقطّعان الذكريات بحنين الماضي،. يعدان الطعام الذي تحبه "راما" يأكلها بيده وهو يبتسم، هاتفا بصدق:
-بسلم يزن لأهله، وباخد إجازة طويلة... بدي أعيش جنبك، وما أغيب عنك ولا لحظه.
تلمع عيناها بوميض الفرحة، هو ما بقي لها من العائلة، وتدرك أن الحياة وإن كسرتنا، تمنحنا لحظات تعويض، تختبئ بين طبق طعام دافئ، ويد أبٍ تضم وتحتوي.
❈-❈-❈
في مساء كل ليلة كما اعتاد الذهاب إلى دياب الذي أصبح صديقه المقرب في الفترة الأخيرة، جلسا سويا داخل الكافية، حيث الطاولة المخصصة لوجودها معا.
بنظرة متفحصة تسأل دياب.
-أنت كويس؟ شكلك شارِد من ساعة ما قعدنا.
رفع نادر رأسه، وبصوت ممزوج بتردد وكتمان:
-هديل جتلي المكتب انهاردة الصبح.
نظر إليه ينتظر استرسال حديثه وقال يضيق:
-ها وبعدين ؟ ما تخلص يا نادر وتقولي حصل ايه ؟
أخرج تنهدة قوية كأنها خارجه من عالم اخر ، نظر أمامه ثم قال بنبرة شجن:
-جت تحكيلي إن سادن كلم والدتها وطلب إيدها... وقالها إنه بيحبها.
صمت دياب قليلا ثم قال:
-وده طبعا مضايقك؟
هتف بصوت جاد وقوي:
-مش بس مضايقني يا دياب... ده مموتني، ثم أردف بثقة:
-أنا... أنا بحبها بجد.
ابتسم نصف ابتسامة ورد قائلا:
-ما انا عارف مشاعرك .. من أول ما بدأت تحكي عنها وتنشغل بحياتها ، كل اللي بتعمله مالوش غير تفسير واحد وهو العشق يا صديقي، بس سيادتك ساكت.
ارجع ظهره يستند على المقعد وقال:
-ساكت علشان مش عايز أظلمها. أنا راجل أكبر منها، سبقلي الزواج، وحياتي فيها وجع سنين... وهي لسه بنت بريئة، زهرة لسه بتفتح، وعنيها لسه ماشفاش كل سواد الدنيا.
اقترب منه، ربت على كتفه بشده يخبره بأنه جانبه وهتف بنبرة حادة :
-بس هي مش أي بنت. وهي اختارت تيجي تحكي لك، مش حد تاني. بتثق فيك، وبتدور على أمان عندك، وده كفاية يقول إنك مش شخص عابر في حياتها، لا أنت بتمثل لها أكتر بكتير ،بس أكيد هي ماعندهاش الشجاعة اللي تعبر عن إحساسها.
أطرق برأسه ثم همس بحزن:
-قالتلي على سر خطير... شيء كسرني وأنا بسمعه. لولا قوة قلبها، كانت انهارت... أنا ما شفتش نقاء زيها في حد قبل كده.
سكت للحظة، ثم نطق بحرقة:
-إزاي واحد زي سادن، بكل الأقنعة اللي لابسها، يكون هو اللي ممكن يدخل حياتها؟ إزاي بس ؟!
شد على كتفه ثانيا :
-يبقى دورك مش إنك تغار في صمت، دورك إنك تحميها. بس مش تحذرها، لأ... واجه سادن، أو على الأقل خلّي الحقيقة تطلع من وراه. وأنت... ما تخبيش مشاعرك لو جه وقتها، لأن يمكن هي كمان محتاجة تحس بحب حقيقي لأول مرة في حياتها.
رفع نادر عينيه، وفيهما بريق يتشكل:
-أنا مش هسمح لأي حد يكسرها تاني. ولو كان عليا، مش هخلي دمعة تنزل من عنيها طول ما أنا عايش، ولازم أسقط القناع عن وجه سادن..
❈-❈-❈
مع أنتشار أول خطوط ذهبية للشمس، كان ماجد يقود سيارته متوجها إلى رفح، وبجانبه جلس اركان، أما بالمقعد الخلفي راما تحتضن الصغير ، لا تود فراقه، تبكي بصمت، كأنها تحاول أن تحفظه بين ضلوعها قدر المستطاع قبل أن تتركه يرحل ،الجو كان ثقيل كمشاعر راما المتأرجحة بين الحنين والوداع.
لم يكن الطريق إلى رفح طويلًا، لكنه يمضي ببطء مع مرور الذكريات وتوجّس الفراق. عند الوصول، يتواصل والد راما مع خالة يزن ويتم الاتفاق على إرساله إلى حدود فلسطين.
لحظة الفراق... تشبه اقتلاع القلب من الجسد. راما تهمس له بقلب ملتاع:
-راح تضل بقلبي، مهما كنت بعيد، وپاذن الله راح نلتقي تاني، راح اشتقتلك كتير
عانقها باحضانه الصغيرة وهو يبكي بعدها، ثم ابتعد يزن محمولًا على أمل أن يجد دفءً جديدًا... بينما يتبقى الحنين مع راما، وشيء من روحها يرحل معه.
رغم حزن والدها يطمئنها:
- راح أخلص شغلي، وآخد إجازة طويلة... كفاية بعد، بدي أكون جنبك.
لم يكن مجرد وعد، بل اعتراف بقيمة ما تبقى له من الحياة.
ثم تودع والدها في طريقها للعودة إلى القاهرة برفقة ماجد.
استقلت سيارته بحزن عميق ، كفكفت دموعها وحاولت أن تكون هادئة وهو يرصد حزنها في كل نظرة وكل تنهيدة، فيُوقف السيارة عند أول استراحة ، يطلب منها تترجل تشرب شيئًا.ويجلسون يتحدثون قليلا ، جلست على مقعد خشبي متعبة من العواطف،وجلس ماجد مقابلا لها يطالع ملامحها الحزينة،تنهد بعمق و قال بصوت خافت لكنه صادق: -أول مرة شفتك... حسّيت بشي مختلف. كل يوم يزداد إعجابي بيكِ. شفتك إزاي بتحبي يزن، تتحمليه وتضحكي له رغم وجعك. إنتِ مش بس حنونة، إنتِ قوية... وقلبي اختارك من غير ما أطلب إذنه.
رفعت رأسها تنظر له، متفاجئة كلماته التي لم يُمهد لها من قبل، عينها تدمع من خليط التعب والمشاعر. ربما لم تكن تتوقع هذا الاعتراف الآن، لكنها تشعر بشيء من السكينة... بأن هناك من يراها، يُقدّرها، ويطمح بأن يكون لها سندًا.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة فاطمة الألفي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية