رواية جديدة مرايا الروح لفاطمة الألفي - الفصل 28 - الأحد 17/8/2025
قراءة رواية مرايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية مرايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة فاطمة الألفي
الفصل الثامن والعشرون
تم النشر يوم الأحد
17/8/2025
داخل ساحة الجامعة، وقف سادن أمام هديل مبتسمًا، بثقة رجلٍ يظن أن كلماته تكفي لطمأنة توترها بقربه.
قال وهو يسير بجانبها أتجاه سيارته:
-ما تيجي نروح مكان هادئ، بعيد شوية عن دوشة الجامعة... بس أنا وأنتِ، نرتاح شوية ونتكلم براحتنا.
ترددت هديل، نظرت للسيارة، ثم إليه. شعرت بتوتر يتسلل لأطرافها، خوف غير مبرر، غامض لكنه حقيقي. تذكرت نادر... لم تشعر بهذه الريبة معه، بل كانت مطمئنة، طبيعية، دون أن يُضغط عليها بأي شيء.
تنفست بعمق، ثم قالت بصوت منخفض:
-أنا آسفة... مش مرتاحة أخرج برا الجامعة، ممكن نقعد هنا؟
أجابها وهو يحاول أن يبدو متفهمًا، لكن في عينيه شيء من الإحباط المكبوت:
-تمام، بس كنت حابب نخرج ونقضي وقت مختلف... خصوصًا إننا قريب قوي هنكون مخطوبين، وأهلي هيتقابلوا مع والدتك زي ما وعدتها .
زادت ضربات قلبها، وجلست معه في الكافيه الجامعي، تنظر إليه بتوتر ، تشعر بأن الكلمات تتضارب في صدرها، تبحث عن نافذة لتخرج، لكنها مكبلة بالقلق، والخوف من رد فعل غير متوقع.
حسمت قرارها أن تتكلم، بعد لحظة صمت طويلة، رفعت عينيها وقالت بتردد واضح، صوتها كاد يخفت تحت وطأة الضغط:
-سادن... أنا عاوزة أتكلم معاك في موضوع مهم.
ابتسم وقد بدا عليه الارتياح، ومَد يده نحو يدها دون أن يلمسها، فقط قرّبها بلطف وقال:
-اتكلمي يا قلبي، أنا تحت أمرك... أنا ملكك.
أخبرته بما عانته في طفولتها إلى الآن ولا زال جرح الماضي لم يشفى شفاء تام وتشعر بالخوف، كما أن لجسدها رد فعل ليس بإرادتها وأنها في رحلة شفاء، لديها طبيبة نفسية مختصة إذ ود التحدث معها وفهم وضعها كاملا ، لكنه صدمها بتغير نبرة صوته من الهدوء والوداعة إلى الغلظة والتجريح ، و سرعان ما تبدلت ملامحه وتجهم وجهه ثم لوى ثغره باستهزاء مبطن، وضحك ساخرا :
-بقى انا سادن الشرقاوي.. إللى عرفت بنات بعدد شعر راسي،وعملت كل اللي نفسي فيه، ويوم ما أفكر ارتبط اختارك انتي عشان شايفك رقيقة، وبريئة، وعمرك ما صاحبتي شاب ولا خرجتي معاه ، قولت بس هي دي غير اي بنت ، وطلعتي روحي حرفيا على ما قربت منك وقاعد معاكي دلوقتي، لكن وانتي تم التحرش بيكي. ومن مين؟! ابوكي اللي اقرب الناس ليكي، الله اعلم الحكاية وصلت لفين ، لا ده انا طلعت مغفل بقى ، وكمان مريضة نفسية لا لا انا ما عنديش خلق لكل ده، مافيش عندي طاقة ادادي واحايل واطبطب واقرب وانتي مجنونه تصرخي وتخافي وتبعدي ، لا انسي أن قولتلك بحبك خالص ، أنا عايش حياتي بالطول والعرض ومش عاوز واحدة اتلمس منها شعره ، تكون لوزة وأنا اللي اقشرها بنفسي مش غيري لمسها وعقدها.
استمعت له والدموع تتلألأ في عينيها لكنها أبت الهطول، شعرت بخنجرا طعن قلبها بذاك الإتهام ، لم تخطئ يوما طول العشرون عاما، لم تتجاوز حدود دينها ولا أخلاقها مع أي شخص كان، لم تقترب من شاب ولم.تسعي الارتباط العاطفي،حست مرارة كلماته، مرارة الإهانة والطعن بعفتها وطهارتها، فهي لم تدنس ولا ذنب لها بما حدث معها بالطفولة.
تركها ورحل بعد كلماته اللاذعة لكنها نظرت لنفسها ونظرت حولها في خزي كأنها مجرده من ملابسها وجميع العيون تتطلع اليها، لم تجد إلا نفسها واقفة أمام سيارته تنتظر خروجه لعله يخمد النيران المشتعلة داخلها، واقفة كأن الأرض ابتلعتها لكنها لم تذُب فيها؛ عينان شاردتان تحدّقان في الفراغ كأنهما تبحثان عن مرفأ للروح التي فقدت ثقتها بالعالم..
غادر نادر بوابة الجامعة وسار اتجاه البراكن وجدها واقفة بقرب سيارته ، خطى خطوات واسعة للوصول إليها ، تسللت الريبة داخله وهو يراها متجمدة مكانها ، تنظر للفراغ يبدو عليها الضعف وتنظر لقدميها.
انقبض قلبه وهتف بقلق :
-في ايه يا هديل واقفة ليه كده ؟
لم تجيبة فقط رفعت عينيها ونظرت إليه لتنسل الدموع ببطء ، زفر بضيق ورفع انامله يمحي دموعها المتساقطة ، ثم فتح باب السيارة وجعلها تستقل بالمقعد.ودار إلى حيث مكانه ، قادها بأقصى سرعة يريد أن يبتعد.عن الجميع ، بعد برهة صفا سيارته أمام النيل، ثم نظر إليها، محدق في وجهها الشاحب ونظراتها الشريدة، ظل صامتا، لا يسأل، لا يستعجل، فقط يترك للمكان والهواء أن ينطقا بدلاً منه.
قال بهدوء ونبرة دافئة خارجه من أعماق قلبه:
-أنا معرفش إيه حصل، بس واضح إنك مش بخير... وده كفاية يخليني أكون جمبك، بس مش قادر أشوفك ساكته بالشكل ده.
تلتفت هديل نحوه، للمرة الأولى تشعر أن هناك من يسمع دون أن يحكم. تسأله بصوت خفيض:
-أنا قولت كل حاجه عن ماضيا لسادن.
ثم أنحنت برأسها وقالت بحزن:
-هو حضرتك شايفني ملوثة زي ماهو قال؟
رد نادر بثقة هادئة:
-أنا مش هو، ومش هكون.
لم يتحمل رؤيتها لنفسها بهذه القسوة، كأن قلبه تفتت اربا، ود لو كان ذاك الوغد أمامه لانهال عليه وهشم له رأسه التي تشبه رأس الحيوان ، كيف له أن يحكم عليها بالماضي الذي لا يمسها في شئ ؟
نظرت إليه، عيناها تحكيان ما عجز لسانها عن وصفه، أطلقت تنهيدة حبستها طويلًا، وكأنها بدأت تسترد قليلًا من ذاتها التي هدّها الانكسار.
جلسا سويا قرب النيل، صدى صوته المهين يجلدها كالسياط دون رحمة، شعرت وكأنها فقدت شيئًا من كرامتها، لا لأنّها أخطأت، بل لأنّ أحدهم تجرّأ على تجريدها من نقائها.
أغمضت عينيها بعنف كأنها تحاول طرد العبارات، لكنها كانت قد حفرت مجراها في أعماقها.
أحست بغصة، لا من سادن وحده، بل من العالم الذي يُحمّل الضحايا وِزْرَ ما اقترف الجناة. أرادت أن تصرخ، أن تقول للعالم إنها "نقية"، أن الطهارة ليست مجرد جسد لم يُمس، بل روح لم تخن، قلب ظلّ وفيًا، وضمير ما غفل يومًا.
تمتمت بصوت يكسوه الحزن:
-مش ذنبي إني بحاول أتعافى، ولا إني لسه بخاف... سادن مش راجل، هو صفحة اتقفلت... أنا مش محتاجة اللي يشك فيّ، أنا محتاجة اللي يسمعني، ويصدقني... ويحبني زي ما أنا، بكسري، وجعي وبقوتي.
استدارت نحو النيل، همست بصوت يكاد لا يُسمع لكنه تسلل إلى قلب نادر قبل أذنه:
-أنا مش ملوثة... أنا مجروحة، بس قلبي أنقى وانضف من كلامه..
نظر نادر إليها مطوّلًا، ثم قال بصوت هادئ كأنه يعيد بناءها من الداخل:
-هديل... انتي عارفة إنك ما غلطتيش، صح؟ اللي حصل مش ذنبك، ولا ليه أي علاقة بنُضافتك ولا قيمتك... متخليش حد يدوّسك بكلمة لأنه مش قادر يفهمك أو يشوفك بوضوح.
رمشت بعينيها، وكأنها تحاول حبس دمعة جديدة، لكنه أكمل بصوت أكثر دفئًا:
-اللي قاله سادن بيقول عن نفسه مش عنك... اللي يشوف جُرحك نقطة ضعف، مش يستاهل يقرب من قلبك. الجراح دي مش بتقلل منك... دي دليل إنك عديتي من نار ولسه واقفة.
ثم اقترب بخطوة، وصوته أصبح أكثر ثباتًا:
-انسيه، واقفلي الصفحة دي زي ما بتقفلي كتاب خلصتي قراءته وما كانش على مستواك. إنتِ مش مكسورة يا هديل... انتي إنسانة بتتعافى، وده أسمى بكتير من أي وهم حب مزيف.
ثم أردف بصدق وجدية:
-سادن ده شخص عكس تماما المظهر اللي واهم الناس بيه، هو شاب طايش وسكير كمان، انا شوفت ده بنفسي صدقيني، هو خلاص ظهر على حقيقته وكمان أنتِ كنتي لسه بتحاولي تفتحي قلبك للحب ،بس اللي يستهالك يا هديل.
رفعت عينيها إليه، لأول مرة دون خجل. بدا وكأن شيئًا داخليًا تحرر للتو.
ابتسمت ابتسامة صغيرة، مترددة لكن صادقة. لم تُجب، لكنها شعرت أن قلبها لأول مرة منذ زمن… بدأ يصدق أنه يستحق الأمان.
❈-❈-❈
في لحظة صافية قرر دياب الإفصاح عن مشاعره لصديقه ماجد، فهو لم يقبل أن يُحب "ضي" في الخفاء، يشعر بالذنب بسبب عدم علم شقيقها ، جلس بجانبه داخل المقهى،
كان صامتًا، يحمل في عينيه شيئًا أثقل من الكلام. تنهد طويلًا، ثم تمتم وكأنه يبوح بسر دفين:
-ماجد ، كنت محتاج افضفض معاك شويا، تستوعب اللي هقوله
نظر له بقلق وقال بتساءل:
-في أيه يا دياب ؟ خير ؟
تنهد بهدوء واردف بنبرة حانية:
-أنا بحب ضي من زمان يا ماجد... من أول مرة شفتها فيها، حسيت إن روحي ارتاحت. بس كنت ساكت... خايف أقول، خايف أظلمها، أو أظلم نفسي وأنا مش كامل.
ابتلع ريقه يستشعر ردة فعل صديقه الذي ينصت له باهتمام ، سرد له مدا عشقه وصموده، كما أخفى مشاعره لانه شعر بأنه لم يستحقها ، وبسبب الحادث المشئوم لم يصارحه إلى أن علم بوفاة زوجها وعاد الأمل يتجدد داخله مرة أخرى ، لكنه شعر بعدم الكمال والعجز بسبب قدمه، وها هو الآن يخبره بكل شيء مر به.
رفع ماجد حاجبيه بدهشة ممزوجة بحنان، ثم ابتسم ابتسامة واسعة، ضرب كتف دياب برفق وقال:
-إيه يا أخي! جبل وساكت؟ يعني كل السنين دي وانت شايل الحب لوحدك؟ كنت قولتلي... كنا شاركنا وجعك، فرحتك، وحتى كنت ساعدتك تقرب منها. دياب، انت تستاهل، وضي كمان تستاهل فرصة تانية... هي لسه صغيرة، ولو ربنا جمع بينكم أنا أكون أسعد واحد في الكون.
أكمل وهو يحاول أن يخبئ ارتباكه:
-أنا مش قادر آخد خطوة ناحية راما... مش قادر أفرح وأنا شايف ضي تعبانة، بس لو انت معاها، أنا هكون مطمن... الحب اللي انت حملته ده مش عادي، ده حب من النوع اللي ما بينتهيش.
سكت دياب، ثم أطرق رأسه وقال بنبرة مكسورة:
-بس... حكاية بتر رجلي دي... مش هتأثر؟ مش هتخلّيها تبصلي بعين الشفقة؟
اعتدل في جلسته، نظر له نظرة ثابتة وقال بحسم:
-دياب! انت ازاي بتفكر كده؟ ضي دكتورة، وعاقلة، وعمرها ما كانت سطحية... اللي حصل لك كان مصيبة، وكان ممكن تموت! لكن ربنا اختار لك تعيش، وتكمل، وشايل لك العوض اللي يناسب صبرك وقلبك. سبحان الله، الإنسانة الوحيدة اللي قلبك اختارها، تكون فاضية، قدامك، وربنا يكتبلك معاها نصيب... دي إشارات، دياب... الخير جاي، والحب ده هو اللي هيقويك ويخليك تقف من غير ما تحس إنك ناقص حاجة.
ثم ضحك بخفة وأضاف:
-بس لو فضلت مهزوز وضعيف، ابقى قابلني بقى لو ضي تمسكت بيك! ولا هتلاقي حد يرضى بيك يا بطل.
ابتسم دياب، وكان في ابتسامته دمعة فرح مختبئة، ثم قال بصوت واثق:
-أنا مش عايز حد... أنا عايز ضي، اللي معاها قلبي من زمان.
هتف ماجد بغيرة واضحة:
-لا خد بالك انا بغير على اختي، تحترم نفسك معايا
ضحك دياب وقال بثقة:
-هحترم نفسي لحد ما تكون في بيتي وساعتها هقطع علاقتي بيك.
-من دلوقتي عاوز تبيع صاحب عمرك.
حاوطه من كتفه بمرح ، هتف بجدية:
-وأنا أقدر يا ميجو، أنت مش بس صاحب عمري أنت اخويا بجد، بس ما يمنعش أحب في اختك زي ما أنا عاوز
جلجلت ضحكة صافية، تخلّلتها نسمة خفيفة، كأن القدر ابتسم هو الآخر لهذه اللحظة المليئة بسعادة الاصدقاء..
❈-❈-❈
في نهاية أسبوعين طويلين من الانشغال والضغط النفسي، حيث كانت هديل غارقة بين دفاتر المراجعة وكتب المحاضرات، انتهى الفصل أخيرًا.
اليوم كان آخر امتحان، ووجهها بدا متعبًا ولكن عينيها تحملان ومضة ارتياح، كما لو أن روحها تنفست للمرة الأولى بعد اختناق الأيام الماضية.
خرجت من لجنة الامتحان تسير بخطوات بطيئة في ممرات الجامعة، حقيبتها مرهقة على كتفها، وذهنها مشتّت بين فرحة الانتهاء وبين الحزن الذي لم يغادرها بعد ما حدث.
أمام بوابة الجامعة، كانت الشمس قد بدأت تميل غربًا، والنسمات تبعث شيئًا من الدفء في قلبها.
وفجأة، وصلتها رسالة قصيرة من نادر:
- "مبروك انتهاء الامتحانات"
توقفت قليلاً تقرأ الكلمات، تسلل إلى قلبها خفقات متزايدة، لا تعلم كيف يزداد نبضها عندما تراءه أو يأتيها رسالة اطمئنان على مرور الامتحانات بسلام ، فهو لم يتركها يوما منذ بدءها، كما يرسل لها ملخصات تفيدها ، يهتم لأجلها، يلتقي بها قبل دخولها لجنة الامتحان لا يحدثها فقط يرسل إليها نظرة أمان ، كأنه يخبرها بأن كل شيء سيمر لا تقلقي ، تستمد قوتها من نظراته الدافئة.
قبل أن تنقر على هاتفها للرد على رسالته، اتتها رسالة أخرى
-رغم مش هشوفك يوميا، بس سعيد أنك هتاخدي فترة راحة أنتِ محتاجة ليها.
بسمة رقيقة طفت على محياها، وتوردت وجنتيها كحبات التفاح ثم خطت باناملها تجيبه:
-شكرًا يا دكتور
قبل أن تدس هاتفها داخل الحقيبة ، كان يقف خلفها متحدثًا بنبرة مشاكسة:
-يا بنتي بقى مافيش عندك غير الكلمة دي
صدر عنها شهقة خفيفة ثم التفتت له بدهشة لكن خجلها لا زال واضحا على قسمات وجهها، غرق في بركتي العسل خاصتها، ود لو خطفها وذهب بها بعيدًا عن كل ما يُحزنها ، ويطفي بريق عينيها الساحر هذا ، فاق من تطلعه عندما طأطأت رأسها تنظر أرضا في استحياء.
استجمع صموده في حضرة تلك العيون وقال بجدية:
-أتفضلي معايا هوصلك.
رفعت عينها ببطء ونظرت حولها كأنها تبحث عن مخرج ولكن أكمل كلماته قائلا وهو يسبقها بخطواته:
-يلا يا هديل أنتِ لسه هتفكري؟ ، وبعدين أطمني أنا متصل مستأذن والدتك أوصلك بنفسي .
سار مبتعدا عنها ولحقت هي به رغم تفاجئها بأنه على تواصل مع والدتها، فتح لها باب السيارة واستقلت بمقعدها جواره، ثم أستقل هو الآخر مكانه خلف عجلة القيادة وأمسك المحرك يدوره وينطلق في طريقه عائدا بها إلى منزلها..
كعادتها كلما استقلت سيارته تحدق في الطريق ويتطاير شعرها الكاحل خلفها، كلما راءها هكذا يتذكر حلمه الذي اكتمل برؤيتها.
وجد نفسه يهمس بصوت عذب:
-أنا حلمت بيكِ...
...بس الحلم ده مكانش مجرد خيال، كان إحساس... إحساس بيكِ، بوجودك جنبي، بهدوءك اللي بيخلّي الدنيا تهدأ فجأة.
ساد الصمت لبرهة، لكنّه لم يكن صمتًا جامدًا، بل كان دافئًا كأن الهواء بينهما يحمل كلمات لم تُقال بعد. رمقتْه بطرف عينها، لم تُعلّق، فقط اكتفت بابتسامة هادئة تنمو على ملامحها برفق، تحمل في طياتها اندهاشًا وامتنانًا خفيًّا.
رفع أنظاره كأنه يود معانقة مقلتيها وهو يقول بصوت دافء:
-تحبي احكيلك الحلم ؟
ضمّت حقيبتها إلى صدرها أكثر، لا دفاعًا، بل كأنها تحتوي شيئًا يتكوّن داخلها. شعرت بسريان خفيف يسري من أطراف أصابعها حتى قلبها.شيء يشبه الأمان، يشبه الذهول، يشبه العودة إلى نقطة كانت تظن أنها لن تزورها مجددًا.
نظر إليها طويلا ثم ابتسم، وقال:
-أنا مش بس حلمت بيكِ... أنا ناوي أحقق الحلم ده، وأعيشه معاكي، لو وافقتِ.
ترددت الجملة في رأسها مرارًا. هي التي لم تكن تتوقع حبًا حقيقيًا بعد ما عانته.
هي التي ظنت أن الماضي شوّه صورتها أمام أي مستقبل.
الآن، قلبها يخبرها أن هذه اللحظة مختلفة، أن هذا الشخص لا يرى فيها ندوبًا... بل يرى فيها بزوغ الفجر.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة فاطمة الألفي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية