رواية جديدة مرايا الروح لفاطمة الألفي - الفصل 30 - الخميس 21/8/2025
قراءة رواية مرايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية مرايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة فاطمة الألفي
الفصل الثلاثون
تم النشر يوم الخميس
21/8/2025
في تلك الليلة، كانت مريم في غرفتها، تتحدث بهدوء على الهاتف. صوتها كان مشحونًا بالمشاعر وهي تقول:
-لا طبعًا... أزاي أفكر في الزواج في السن ده؟ هديل، بنتي، على وش زواج.
تجمدت هديل مكانها من وقع الكلام، خاصة حين سمعت اسم "راكان" والد راما. الارتباك والخوف تلبساها، وتراجعت بخطوات متوترة نحو غرفتها. فتحت الباب ببطء، وكأنها تخشى أن يفضح صريره اضطراب قلبها، فدخلت وأغلقت خلفها، بينما كانت راما تستيقظ من نومها بقلق بعدما شعرت بأنفاس هديل المضطربة بجوارها.
فتحت عينيها تسألها بقلق:
-شو فيكِ يا هديل؟ وليش لهلا ما نمتي؟
جلست هديل بجانبها على السرير، بلعت ريقها بصعوبة، ونظرت لها بنظرة فيها ألف سؤال.ثم همست بتردد:
-هو انتِ... حبيتي ماجد بجد؟
ابتسمت راما بملامح وردية خجولة، وارتسم حبها كوشم على وجهها، وقالت راح احكيكي بالمصري عشان تفهميني:
-قلبي بيدق لما أشوفه أو أكلمه... بس مش دق خوف، لا، ده حب. الحب إني أحس بالسعادة بس لما أسمع صوته، وإني أبتسم في عز وجعي لمجرد إني فكرته... هو اللي بيهون، اللي بيحسسني إن الدنيا مش مهمة، طالما هو جنبي. ساعات بتمنى بس أكلمه، حتى لو ما عنديش حاجة أقولها، بس يكفيني أحس إنه سامعني... حتى بدون كلام.
ثم رمشت عيناها بنعومة، و غمزة بعينها وهي تسألها:
-وأنتِ... شو بتحسي مع نادر؟
انخفضت عينا هديل، وتسللت النظرات المتخبطة من بينها، تحاول تفكيك اللغز الذي يسكن قلبها. ثم قالت بصوت خافت:
-أنا فعلاً قلبي بيدق لما أشوفه، بس مش عارفة... هو ده حب بجد؟ ولا تعوّد على وجوده؟
عانقتها راما وهي تصيح بسعادة:
-هاي أول طريق للحب يا ديلو...
❈-❈-❈
داخل شقة نادر
جلس على كرسيه الخشبي القديم، منحنيًا على لوحته وكأن العالم كله انكمش في حدود هذا الفراغ الأبيض. أنفاسه هادئة لكن عيونه كانت تحكي قصة صراع قلبه الذي لا تهدأ.
أمسك الفرشاة بتردد، ثم بدأ يرسم بخطوط دقيقة ومليئة بالحنان، يضيف الظلال حول ملامح وجهها، ذلك الوجه الذي أصبح يسكنه أكثر من منزله، ويحتل تفكيره أكثر من أي لوحة رسمها من قبل، ويتساءل داخله:
-هل هديل تشعر بما أشعر به؟ هل تعرف كم مرة رسمتها دون أن تدري؟ هل يطاردها باحلامها كما هي تفعل داخل أحلامه ؟ حتى في يقظته لا تبتعد عن تفكيره
كانت كل ضربة لون تخبئ اعترافًا، وكل تفصيلة في ملامحها على اللوحة تعبّر عن لحظة عاشها معها بصمت. عينيها المرسومتان بنظرة تائهة، شفتيها بتلك الابتسامة الصغيرة التي تظهر فجأة وتغيب، والخدود التي ينسكب عليها دفء حنينه.
توقف للحظة، نظر إلى اللوحة، ثم إلى الفرشاة في يده، أخرج تنهيدة عميقة، وعاد يكمل الرسم، وكأن الفرشاة هي الوسيلة الوحيدة التي يقول بها كل شيء عاجز عن التعبير عنه بالكلام..
❈-❈-❈
جلس ماجد بجانب شقيقته يقترح عليها تجديد السفرية التي مروا بها قبل سابق، الفتيات بحاجة إلى تلك النزهة لكي يعدون نشاطهما، كما أنها بحاجة إلى أجازة قصيرة من مرضاها، أسبوع فقط، يكفي لتعيد شحن طاقتها وتستعيد الألفة مع صديقاتها" هديل وراما" اللاتي انتهوا للتو من امتحانات مرهقة، ومشاعرهم التي كانت ضائعة، بدأت تأخذ شكلاً جديدًا... حب، إعجاب، أمل.
لم ينتظر موافقة ضي بل أخرج هاتفه على الفور وبدأ بالاتصال بمكالمة جماعية تجمعه مع نادر ودياب اللذين استقبلوا الخبر بحماس غير متوقع..
يتتوقون للحظة اللقاء، ومعانقة الطبيعة بمشاعر دافئة، وعلاقات أصبحت أعمق.القلوب التي كانت تائهة ستتلاقى..
❈-❈-❈
في صباح دافئ، حيث تغمر أشعة الشمس الأفق بلون ذهبي ناعم كهمسٍ من السماء. كما ينساب العطر في الهواء، النسيم يحمل معه سكونًا مريحًا، وهدوءًا يعانق الأرواح، ورائحة القهوة الطازجة تختلط مع دفء الشمس، فتوقظ الحواس وتفتح بابًا لحلم يومي جميل.
لا زالت هديل شاردة وهي جالسة أمام والدتها تتناول الطعام بذهن شارد، ولكن راما تضحك بعفوية، فهي قادرة على تبديل الأجواء الصامتة بمرحها المعتاد، لكن هديل ترمق والدتها بنظرات مبهمة، هي لم تفهمها ، إلى أن قطع شرودها رنين هاتف مريم التى التقطته وأجابت بابتسامة بشوشة تحدث ضي وتوافقها الرأي على أصطحاب الفتيات إذ رغبنا في ذلك، ثم تركت الهاتف لراما التي همست بسعادة حقيقية وهي توافق ضي دون تردد، ثم أغلقت الهاتف ونظرت إلى هديل قائلة بحماس:
-راح نستمتع ها المرة ، بدون تعب أو جرح ، كل شيء بدأ يترمم ما هيك هديل؟
ابتسمت لها وهزت رأسها بالايجاب، أمسكت راما بيدها وهي تنهض وتنهضها معها قائلة بفرحة:
-بينا نجهز حالنا هلا.
❈-❈-❈
في ظهيرة اليوم كان "سادن" يجتاحه الاحساس بالندم اتجاه ما فعله ب "هديل" فكر أن يحاول أصلاح ما أفسده بسبب غضبه ، فهو من تفوه بكلمات جارحة لن تقبل الغفران، حاول الاتصال بها مرارا وتكرارا ولكن يبدو بأنها حظرته من حياتها بأكملها ، توجها إلى منزلها وهو يحمل باقة من الزهور لعلها تصفح عنه ، يود الاعتذار عن ما بدر منه، وتعود إليه كما أنه يريد الارتباط منها ولا يريد سواها.
وقف أمام باب منزل هديل، عيناه زائغة، يفتش عن لحظة صفح، عن احتمال ضئيل للغفران. الباب يُفتح تطل والدتها ،رمقته مريم بنظرة صلبة كجدار الحقيقة الذي لا يسمح بمرور التجمّل، وقالت بنبرة حادة:
-خسارة يا سادن… كنت شيفاك شاب محترم، لكنك خذلتنا وقت الجد، أول أزمة وقعت فيها رجولتك.
بصوت متهدج قال:
-أنا جاي أعتذر، أوعدك ما تخلاش عن هديل تاني، بس هي تسامحني ومستعد نعمل الخطوبة وننسى كل اللي فات، بس تديني فرصة تانيه.
اقتربت هديل من والدتها ووقفت في مقابلته بثبات من مرّ بالخيبة واستفاق بعدها، خرج صوتها بنبرة قوية لا تقبل النقاش:
-طلبك مرفوض. اعتذارك غير مقبول. أصلاً ما كانش في شيء بينا ولا هيكون… روح للي شبهك. حقيقتك ظهرت خلاص، بلاش تعيش دور غير دورك. حياتك كلها حفلات وسُكر وبنات… صورك وصلتني من سهرة امبارح.
لم يستعب ما قالته لتو، فتسأل عن الصور التي تتحدث عنها ومن الذي ارسلها، مدت يدها تشهر شاشة الهاتف أمام عينيه
ليظهر الرقم عبر تطبيق الواتس اب، رأى الصور وايضا رقم المُرسل ، همس بصوت خافت:
-معتز؟!
سقط الورد من بين يديه، وغادر مسرعا في خطواته يقود سيارته بغضب جامح، ويضرب المحرك وهو يصرخ منفعلا:
-أنا كنت غبي... معتز بيبعدني عن أي حد أحاول أكون إنسان عشانه. كل مرة أتغير، يرجعني تاني! ليه؟!
شق طريقه بسرعة جنونيه وصلا إلى منزل معتز، اجتاحه الغضب وهو يضع يده يرن جرس الباب ، ينتظر رؤية صديقه على أحر من الجمر.
فتح "معتز" الباب بكسل، ليتفاجئ بكلمة قوية من يد سادن تسبق الكلمات، ثم هتف بأنفعال:
-عملت فيك إيه عشان تكرّه هديل فيا؟ تبعتلها صور ليه؟! أنت عمرك ما كنت صاحبي!"
صرخ معتز بغضب مدفون:
"صحبي؟ انت أول ما خنت الصحوبية! فاكر اول بنت حبتها وكنت متعلق بيها؟... جيت حضرتك خطفتها، لعبت بيها بهدايا وفسح وفلوسك، وخلّيتني ولا حاجة في عينيها. من ساعتها وأنا أقسمت... هتفضل في الوحل! هديل مش تستاهلك، وأنت لازم تدوق زي ما أنا دُقت! الحب بيكسر القلب يا سادن، وأنا اتكسرت!"
تجمد الزمن بينهما، لا ضربة تُشفى، ولا كلمة تُنسي.
أدرك "سادن" أن الألم الحقيقي ليس برفض "هديل"، بل في مرآة معتز التي عرّت ماضيه… وساهمت في تحطيم فرصته الوحيدة للنجاة..
ظل سادن يحدق في معتز، لا يعرف إن كان يبغضه أم يشفق عليه. يعرف الآن أن الطريق الذي سار فيه جره لخسارة، يغمره الشعور بالتيه..
" كأن قلبه كصندوق مظلم يتنازعه صوتان، كلٌّ منهما يسحبه جهة مختلفة"
في تلك اللحظة، لم يكن يعرف ما إن كان يجب أن يكره نفسه أم يشفق عليها. الحزن لم يكن عابرًا، بل استوطن روحه، يلفها كماء راكدٍ يرفض أن يجف.
كل كلمة قالتها هديل كانت كطعنة، لكنها لم تكن مفاجِئة. ما يؤلمه ليس الرفض، بل أنه يرى نفسه بعيونها… تلك النظرة التي كشفت هشاشته، وعرّت الحقيقة التي طالما هرب منها. كان يحاول التغيير، أو هكذا ظن، ولكن الطين الذي عاش فيه طويلاً أصبح جزءًا منه، يلتصق بروحه كلما أراد أن ينهض. الأن يريد أن يبحث عن نفسه الضائعة وسط فوضى اختياراته ..
❈-❈-❈
عاد "سادن" إلى غرفته يحمل على ظهره ثقل أفعاله، الفشل، أخلاقه التي تركها خلفه وسار في طريق اللعب واللهو مع الفتيات دون رقيب.ارتدى قناعا يواري وجهه الحقيقي، ظلم نفسه ومن حوله بكثرة المال دون حساب أو حذر .
كانت الغرفة هادئة، ولكن في داخله، فوضى عارمة. جلس على حافة الفراش، يحدّق بلا تركيز، يراجع كل ما فعله. كل شيء يشعر أنه خاطئ… من اختياراته التي أقدم عليها دون ادراكه أنه مخطئ ، يفعل كل ما يحلو له ،وقتما شاء ، مُتاح له الصلاحيات دون رادع خلفه، انساق في دروب لم يعد يرى ملامحها، حتى نفسه يراها تائهة عنه، كأنه أوقع بجسده في بحر الظلمات، متخبطًا..
ولجت شقيقته للداخل تحاول التخفيف عنه قائلة بحنان:
-سادن حبيبي أيه رايك تغير جو ، أنت خلّصت امتحاناتك، واضح إنك مش مرتاح، في حاجة مدايقاك… تعال معانا القرية كم يوم، هواء نضيف، البحر، تهدي اعصابك شوية وتستمع وتبعد عن أي ضغوط.
صمت قليلا ثم وجدها ملاذا للهروب:
-ماشي… يمكن أقدر أهرب من اللي جوايا هناك.
❈-❈-❈
الشمس تجر خطواتها نحو المغيب، تودع الأفق، بينما السيارتين تنساب على الطريق السريع، ماجد يقود، بنظرة يقظة، يراقب السيارة التي أمامه.. سيارة "ضي" ومعها الفتيات"هديل و راما".
وهو جالس بجواره دياب وفي الخلف نادر الذي بدأ في التجادل بمرح:
-عيب علينا والله... إحنا ثلاثة رجالة قاعدين في عربية وسايبين البنات لوحدهم... أنا متبرع أكون السواق بتاعهم.
رد ماجد ضاحكا:
-نادر، أنا ممكن أسيبك تسوق، بس مش أسيبك مع أختي وزوجتي المستقبلية…
قال دياب مازحًا وهو يغمز لنادر:
-طب ليه ما نخلّي كل كابلز بعربية؟ نادر أول واحد هيهلل للفكرة!
اجابه نادر بحماس:
-طبعا، أنا موافق من غير نقاش، يلا نعملها!
اعترض ماجد وقال بحزم:
-قلت لأ يعني لأ… أنا سايق وراهم خطوة بخطوة، وعايزهم يحسوا براحتهم، ضي قالتلي إنهم عايزين يكونوا لوحدهم شوية من غير ما يحسوا أننا بنراقبهم.
هتف نادر بضيق:
-طيب ليه ما نطلعش كلنا في عربية واحدة؟ نبقى أمان ليهم بدل ما هما في عربية لوحدهم، والليل داخل علينا، والطريف مش دايمًا تكون آمان.
زفر أنفاسه بتوتر:
-أنتم قاصدين تقلقوني ولا إيه؟ ياربي أنا فعلاً بدأت أقلق على ضي، وراما، وهديل… كلهم يخصوني، ومش هستحمل يحصلهم حاجة.
لكن قال نادر مازحاً:
-هديل تخصني أنا لوحدي، كفاية عليك ضي وراما
قاطعهم دياب بقلق حقيقي:
-يا جماعة الموضوع مش هزار، الشمس غربت فعلا، والليل دخل علينا، والبنات في عربية لوحدهم، فكرة إننا وراهم مش كفاية… بجد خايف حد يتعرض لهم.
-إحنا مش رجالة ولا ايه؟ وبعدين وراهم، وعند أول استراحة هنتكلم معاهم ونشوف رأيهم… بس لازم نحترم حريتهم، مش نرعبهم بوجودنا كأننا مراقبين كل تحركاتهم.
بتر ماجد كلماته وهو يتابع الطريق وعيناه لم تغفل عن سيارة شقيقته...
أمامها على الطريق، تمضي سيارة ضي بهدوء، يغلفها جو خفيف من الانسجام. النافذة نصف مفتوحة، والهواء يداعب بخصلات شعر "راما" الجالسة بجانب ضي . أما "هديل" تميل على الكرسي بتأمل، تحملق في السماء التي بدأت تذوب ألوانها على امتداد الأفق.
و"ضي" تضغط زر التشغيل، وترتفع نغمات _ميادة الحناوي_، صوتها ينبعث ببطء، "أنا بعشقك أنا... أنا كلي لك أنا"
تبدأ كلٌّ منهن في الدندنة مع الأغنية.
"راما" تغني بحماسة وكأنها على المسرح، "هديل" تهمس بالكلمات بنعومة وابتسامة شبه خجولة، و"ضي" تضرب بإيقاع خفيف على المقود، متراقصة بخفة أناملها، وتتبادلن النظرات، وضحكات عفوية تخرج من قلب..
خلفهن سيارة الشباب تتحرك بخطوة ثابتة، ضغط "ماجد" على التلاكس مرتين – إشارة متفق عليها سابقًا.
"ضي" تلتقط الرسالة فورًا، تنظر في المرآة، تومئ بهدوء، وتنعطف نحو أقرب استراحة، السيارتان توقفتا، والغبار يتصاعد خلف العجلات.
الفتيات يخرجن أولاً، ضحكاتهن ما زالت تحمل كلمات الأغنية لا تزال تتردد في الهواء.
ترجل "ماجد"و على وجهه مزيج من التوتر والاهتمام.
خلفه "نادر" الذي ينظر إلى هديل بشوق كأنه غائب عنها منذ زمن، بينما "دياب" يسير بهدوء أتجاه ضي وقائلا بجدية:
-ندخل نشرب قهوة ونتكلم .
أنساق الجميع للداخل، جلست الفتيات على طاولة خشبية، فيما جلس الشباب قربهم، وملامح الجد بدأت تغلف الوجوه.
هتف ماجد وهو يوجه أنظاره نحو ضي والبنات، بنبرة جادة:
-أنا عارف إنكم مبسوطين… والموسيقى شغالة ومستمتعين بجو الطريق ، بس بصراحة إحنا مش مرتاحين إنكم تسوقوا لوحدكم باقي الطريق. الدنيا ليل، والطريق مش مضمون.
ردت ضي بنبرة هادئة، واثقة:
-ماجد، إحنا كبار وعارفين نسوق، والموضوع مش جديد علينا.
تدخل نادر في النقاش، وهو متحمّس ومندفع:
-يعني أنا شايف إنه الأفضل نبقى كلنا في عربية واحدة، نكون أمان ليكم، . مش لازم تسوقوا والدنيا ليل
همست هديل بصوت هادئ، لكنها تنظر لنادر مباشرة:
-إحنا مرتاحين مع بعض، بس لو فيه خوف حقيقي، مفيش مانع يكون في حل تاني.
نظرت إليهم ضي وقالت بثقة لن تقبل التردد:
-بصوا، إحنا مقدرين خوفكم، بس محتاجين نحس بحريتنا. اقتراح إننا نكون قدام وأنتم تتابعونا مش سيئ، بس نفضل زي ما أحنا، وعند أول بنزينة أو استراحة نوقف تاني، ولو لقينا الطريق خطر نبدل.
-تمام… بس خليكوا دايمًا قدام عنينا، ولو حصل حاجة، أول تليفون يكون لينا.
قالها دياب بقلق بالغ ولكن رغم خوفه انصاع لما أرادته ضي، فهن من حقهن كفتيات أن يفعلون ما يروق لهن دون خجل أو حصار منهما...
❈-❈-❈
مرت دقائق داخل الاستراحة ، بعدما انتهوا من أحتساء القهوة ، عادوا إلى أماكنهم داخل السيارتين وهم يودعون بعضهما بالنظرات الدافئة.
انطلقوا جميعا في القيادة ثانيا، وحل المساء والطريق خافت الأنوار، تقود ضي بهدوء، وصوت الموسيقى لا يزال ممتعًا داخل السيارة، وهن يتحدثن عن تفاصيل الرحلة، الضحكات متناثرة، وكل شيء يبدو طبيعيًا… إلى أن أقتربت سيارة خلفهم، سوداء، نوافذها مظلمة، بدأت تقترب بشكل مزعج من السيارة.تتحرك ببطء بجانبهم، ثم تتراجع، ثم تعود لتجاورهم مرة أخرى… وكأنها تحاول محاصرتهم بالطريق.
همست هديل بتوتر:
-العربية دي متابعنا، كل شوية تقرب مننا، وفيها صوت شباب بيضحك، أنا مش مرتاحة.
قالت ضي بصوت منخفض لكنه حازم:
-لو استمروا كده، هنكلم ماجد، مش هنسكت لو حسينا بخطر.
قالت راما بتوجس وهي تخرج هاتفها:
-ما راح ننتظر، راح احاكي ماجد.
بينما نظرت هديل خلفها وقالت بقلق زائد:
-هما فين أنا مش شايفة عربيتهم.
بدا الخوف يتسلل إلى قلب ضي أيضا ولكنها تحاول أن تتماسك من أجل الفتيات، هي بالفعلا لم تعد ترى سيارة شقيقها.
تعالت أصوات الشباب وهم يقتربون حد التصادم من السيارة، صدرت عنهما صراخ الفتيات والضحك يزداد من الجانب الآخر، يهللون ويصيحون بأن يوقفوا السيارة لكي يرافقونهم، واحد منهما يشهر زجاجة الخمر ويتجرع منها ويعاود النظر إلى الفتيات يجدد طلب المرافقة.
بينما راما تحاول الاتصال بماجد بيد مرتجفة، وهديل أيضا أخرجت هاتفها وبدأت في إرسال رسالة إلى نادر
بعد المضايقات انعطفت ضي بالسيارة نحو طريق فرعي لكي تبتعد عن ملاحقة تلك السيارة لهن.
خلال ثوانٍ، ظهرت سيارة ماجد من الخلف بسرعة جنونية ، بعد مكالمة راما ورسالة هديل التي تحتوي على الاستغاثة والقلق اللاتي تعرضن لهن الفتيات، لم يشغل ماجد إلا الاطمئنان على الفتيات وعندما وصلا إليهن فرت السيارة السوداء من امامهم سريعا .
ترجل ماجد ونادر ، من السيارة،ثم اقتربوا من سيارة ضي التي اوقفتها بعدما اطمئنت لوجودهم ، بينما دياب كان يتواصل مع أمن الطريق، ويعطيهم رقم السيارة .
كانت ضي تنظر أمامها بصمت، تحاول السيطرة على انفعالات جسدها لكي لا تنهار الفتيات، أما هديل فقد كانت تحبس أنفاسها، تهدئ نفسها حتى لا تنهار قواها، بينما راما تمسك بيدها، محاولة بث الطمأنينة.
وقف الجميع، والعيون مشتعلة، وكل خطوة فيها ارتباك… والصدمة مرسومة على وجوههم، اتجه ماجد مسرعًا، وجهه ممتقع، عيناه تنظر إلى شقيقته بقلق ، التي عندما رأته أسرعت تعانقه كأنها تستمد الأمان بوجوده، خرج صوته قلقًا:
-ضي، إنتوا كويسين؟ حد تطاول عليكم ؟ دايقكم؟
تحاول أن تتماسك لكن صوتها مرتجف:
-كنا في الطريق، فجاة عربية سودة فيها شباب بدأت تقرب من العربية لدرجة كان هيحصل تصادم ، كانت تصرفاتهم مش طبيعية… حاولت اسيطر على العربية وبعدت عنهم، وبعدين مش شوفتك ورايا قلقت.
ربت على ظهر شقيقته برفق وقال بهدوء:
-الحمد لله انكم بخير، أنا أسف أن بعدت عنكم ،بس العربية كانت محتاجه ماية زودتها.
تواصل دياب مع نقطة أمن الطريق، يهدئ الوضع ويطلب تدخل أقرب دورية.، وعيناه لا تفارق ضي، اقترب منهما بعدما أنهى اتصاله:
-الإبلاغ تم… العربية اتحركت بعيد، بس هيتم التحري عنها. أهم حاجة البنات بخير.
دنا نادر من هديل، مال برأسه عند اذنها هامسا بصوت منخفض:
-ما تخفيش انا جنبك، لا يمكن اسمح لحد يقرب منك .
قال ماجد بعصبية:
- من دلوقتي، مفيش حاجة اسمها كل واحد في عربية… كلنا هنكمل الطريق سوا، ومفيش نقاش.
نظر دياب لضي وقال :
-بس عربية واحدة مش هتكفي ، هنتقسم على عربيتين.
هزت الفتيات رأسهن بالايجاب بعد ما تعرضوا له من مضايقات..
تنحنح ماجد ثم نظر إلى ضي قائلا:
-ضي هتيجي معايا عربيتي أنتي وراما، وعربيتك نادر هيسوقها ومعاه هديل.
تجمدت هديل مكانها وعيناها تعلق ب راما كأنها تطلب الحماية ، ابتسمت لها تطمئنها أما نادر وقف أمامها قائلا بترقب ينتظر ردها، فهو لم يتحمل خوفها من وجوده جانبها:
-خايفة تكملي الطريق معايا؟
تنفست بعمق ثم هزت رأسها بالنفي، تهللت اساريره وهم بأن يستقل سيارة ضي لكنه استوقفه ماجد قائلا:
-خلي بالك من هديل، وخليك قدامنا... ما تبعدش عننا مفهوم ؟
قال نادر بمرح:
- خليك في حالك يا دوك، ولا تعالى معانا، وسيب دياب مع البنات.
بتر كلمته الأخيرة وهو يرسل غمزة مشاكسة له، لكن ماجد كان جادا ولم يقبل المزاح في ذلك الموقف، تركه واستقل سيارته خلف عجلة القيادة ودياب جانبه أما راما وضي فجلسنا بالمقعد الخلفي، ولم يحرك السيارة إلا عندما أنطلق نادر في طريقه أمامه...
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة فاطمة الألفي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية