-->

رواية جديدة من شيم الرجال لهاجر التركي - الفصل 2 - الخميس 21/8/2025

  

   قراءة رواية من شيم الرجال كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية من شيم الرجال 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة هاجر التركي 


الفصل الثاني


تم النشر يوم الخميس 

21/8/2025



ألقت لُفافة التبغ لتسقط بتثاقلٍ في المطفأة المُمتلئة، وكأنها تُلقي بجثةٍ في مقبرة مكتظة بالجثث، فالمسكينة لم تجد حتى مكانًا محترمًا بين ركام أشباهها المطحونة.

مزاجها اليوم سيء للغاية، وكان لابد أن تجد متنفسًا لتنفث فيه غضبها، عوضًا عن أن تنفثه في والدها العزيز ويتلوث سجلها الحافل بالمصائب بمصيبة أكبر، عقوق الوالدين… تبًا، سجلها ممتلئ، ولم تعد هناك مساحة حتى لعلامة استفهام.

لذا وقع الاختيار على تلك اللفافات المسكينة، التي لا تتذكر كم عددها حتى الآن، لأنها وللأسف دخنت الكثير…
فتحت شُرفة الغرفة على مصراعيها لتتنفس الغرفة وتختفي رائحة الدخان الذي ملأها فعليًا.

عبثت بأناملها المطلية باللون الأزرق الداكن بهاتفها قبل أن تضعه على أُذنيها، تنتظر إجابة الطرف الآخر.
بعد ثوانٍ استمعت لصوت أنثوي يقول:

"علياء، إزيك؟ مختفية فين؟"

لم تنتظر "سلمي" إجابة، فقد خمنت بالطبع، صرخت تكتم ضحكاتها:

"ما تقوليش؟ أنتِ متعاقبة دلوقتي ومحبوسة في أوضتك."

سمعت صوت زفيرها الغاضب قبل أن تقول بلا مبالاة ونبرة باردة:

"ما تقوليش محبوسة بس… أنا مش عيلة صغيرة علشان أتحبس، مجرد خلاف بيني وبين الوالد زي المعتاد يعني."

"طيب، مش هتخرجي معانا النهاردة… الحفلة دي جامدة موت يا علياء، عاصم عامل أجواء خطيرة مينفعش تفوتك."

ابتعدت عن الشُرفة، تسير حافية القدمين، رمت بنفسها على الأريكة بإرهاق، وقد بدأ الصداع ينتشر بكامل رأسها… بالطبع من مزرعة السجائر التي دخنتها دفعة واحدة. فركت مُقدمة رأسها بإعياء قبل أن تقول بنبرة غلفها التعب:

"لا، مش قادرة أتحرك أصلًا… ثم إني مليش مزاج."

أجابتها الأخرى بخُبث، تُلقي كلماتها في مُنتصف الجبهة:

"مالكيش مزاج برضو؟ ولا عقاب أنكل المرة دي شديد شوية. عمومًا خلاص، براحتك، بس لو سألوني عليكِ أقول لهم إيه؟ مش معقول هقول لهم إنك محبوسة ومش عارفة تخرجي من البي…"

قاطعتها صارخة بها بعصبية:

"أنا مش محبوسة، قولت لك."

"خلاص، تعالي… ليه تفوتي عليكِ يوم جامد زي ده؟ إلا لو كنتِ يعني محبوسة."

ضغطت على آخر كلماتها بخُبث. لقد جنت على نفسها بنفسها، إذًا تتحمل ما ستفعله برأسها الجميل حين تلتقي بها بعد قليل… ستفجره لها لا شك.

"نص ساعة وألاقيكِ تحت البيت، مستنياني في الجنينة اللي ورا يا سلمي."

أطلقت صافرة حماسية قبل أن تقول بابتهاج:

"يس، هو ده الكلام… قبل النص ساعة هتلاقيني عندك يا كبيرة."

أغلقت الهاتف وألقته بإهمال على الطاولة، رفعت رأسها للأعلى مُفكرة قليلاً… كيف ستخرج؟ الساعة لازالت مُبكرة ووالدها بالطبع بالأسفل لم يخلد للنوم بعد... 

❈-❈-❈

أغلقت سحاب سترتها الجلدية السوداء إلى المنتصف، لتظهر من خلفها كنزتها الزرقاء المزركشة باللون الأسود... شعرها الأحمر رفعته إلى الأعلى في ربطة محكمة مشدودة، ولم تترك سوى خصلتين طويلتين تنزلقان على وجهها بتمردٍ كسر حدّة مظهرها الجاد...

تفقدت ساعة يدها الذهبية بترقّب؛ لقد تخطّت الواحدة بعد منتصف الليل، بالتأكيد والداها قد خلدا إلى النوم الآن. جذبت حقيبتها الصغيرة سريعًا، وخرجت من غرفتها متسللة على أطراف أصابعها بحرص، كأنها راقصة باليه فاشلة، طُردت من حفل زفاف بعد أن قذفها الحضور بقوالب الكعك...

وصلت إلى ما تبقى من الدرج، المكان خالٍ تمامًا وهادئ. تنفست الصعداء براحةٍ ما، ارتخت عضلات جسدها المتيبّسة إثر تحفّزها... ابتسمت بثقة، ابتسامة لم تلبث أن تلاشت سريعًا...

"رايحة فين يا علياء؟"

تبًا! انكشف أمرها. نظرت إلى الأسفل حيث "آمال" تقف، تنظر لها بترقبٍ واستغراب. كانت قد خرجت من المطبخ للتو، وما زال بين يديها صحن تقوم بتجفيفه... خطة! أجل، خطة محكمة لكي تخرج من بين يديها... لم يكن من المفترض أن يظهر أي كائن بشري في هذا الوقت، فما بالك بـ "آمال" التي تشم رائحة المصائب من على بُعد ميل؟

نزلت بقية درجات السلم، واقتربت منها بابتسامة متسعة أظهرت أسنانها. لم تمنح "آمال" فرصة للاستيعاب، إذ ارتمت بين أحضانها تضمها إليها بقوة جعلت الأخرى تشعر بألمٍ خفيف في كتفيها...

خرجت "علياء" من العناق سريعًا، وأمطرت وجنتيها بقبلات مباغتة، وكأنها اختارت هذه اللحظة بالذات لتسدد فاتورة حب مؤجلة... 

"آمال" من فرط الصدمة بدت كأنها تعرضت لماسٍ كهربائي مفاجئ.هذه الفتاة لها تسعة وتسعون طقس، نظرت لها بوداعة وبراءة مفرطة، وقالت مستعطفة بنبرة تُغري الشياطين أنفسهم:

_"أمولة حبيبة قلبي... أي الحلاوة دي! أنتِ كل ما تكبري بتحلوي ليه كده؟ قوليلي السر بسرعة... معقولة هتخبي عليا أنا؟"

كانت متصنمة بمكانها حرفيًا، وكأن قدميها التصقتا بالأرضية تحتها. لم تستغرب "علياء" حالها، فهي معها كامل الحق طبعًا؛ ألهذه الدرجة كانت تصرفاتها معها وقحة؟! حقًا غبية... لماذا لم تفعل معها شيئًا جيدًا احتسابًا لمثل هذا الموقف؟

"آمال" ما زالت تحدق فيها بغرابة، حاولت فتح فمها والتحدث، لكن الأخرى سارعت تقاطعها بودٍّ مصطنع بينما يدها تربت على كتفيها:

_"لا، متقوليش! بتعملي ماسكات طبيعية من بتاعة زمان دي؟ حرفيًا مكنتش أتوقع إن الحاجات دي فعّالة كده... ابقي اعمليلي كام ماسك أستخدمهم."

لم تتحرك، ما زالت تحدق بها بملامح مرتبكة، وكأنها تحاول تفسير الكائن الغريب الذي هبط فجأة على كتفيها. رفعت الأخرى حاجبها بخفة، وأمالت رأسها قليلًا محاولة أن تبدو طبيعية. منحتها قبلة أخرى وابتعدت، تراقب تأثير أفعالها البهلوانية عليها... خطة عبقرية! بضعة أحضان وبعض القبلات؟!

لو وُجدت جائزة نوبل في الوقاحة، لكانت أولى المرشحات بلا منازع.

تنحنحت "آمال" أخيرًا، وبدا أنها على وشك الحديث، لكن "علياء" سارعت تقاطعها بابتسامة واسعة تكاد تبتلع وجهها كله:

_"طب بجد يا أمولة... إنتِ عارفة إنك لو مكنتيش موجودة، أنا مكنتش هعرف أعيش هنا؟... إنتِ الحنية اللي ماليه البيت... يا ريت كل الناس زيك."

ابتسمت "آمال" أخيرًا ابتسامة صغيرة مترددة، وكأنها تزن بين التصديق والريبة. "علياء" تنفست داخليًا براحة:

_"أنا عارفة إنك بتحبيني زي ما أنا بحبك كده... علشان كده هتسبيني أخرج من غير ما بابا يعرف حاجة."

_"رايحة فين؟"

_"صحابي يا ستّي عزموني على العشا، معرفتش أفلت منهم، أصرّوا."

رفعت "آمال" رأسها إلى الساعة المعلقة بالقرب منهم:

_"عشا الساعة واحدة يا علياء؟"

_"يا أمولة، حماس شباب بقى... أكيد مش هنتعشّى المغرب وننام يعني."

هزت رأسها بيأس، وصمتت. فاغتنمت الأخرى الصمت فرصة للهروب؛ لا وقت لتضييعِه الآن. عدّلت من وضعية حقيبتها فوق كتفها... لا مانع من عناق صغير أخير... قبل أن تبتعد عنها بسرعة، لم تمنحها وقتًا للاستيعاب، وقبل أن تخرج قالت:

_"حبيبتي يا أمولة... كنت عارفة إني مليش غيرك في البيت دا.. مش هتأخر... باي باي يا أمولة، استمتعي بيومك.". 

❈-❈-❈

هبّت نسمات هواء مُعتدلة تنتشر بين الشوارع المُمتلئة بالمارة في تلك الساعة من الصباح، السماء مشرقة اليوم، لكنها توارت قليلًا بفعل البنايات المُلاصقة لبعضها البعض في تلاحم حميمي دافئ. ارتفعت أصوات الأطفال الصغار وهم يهرولون بحماسة مُفرطة، أقدامهم تركض فوق الأرضية الأسمنتية المُتشققة.


أصوات ضحكاتهم تلحق بهم هنا وهناك، كما تلحق الفراشة عبق الزهور. المكان، بالرغم من الضجيج الذي يعم به، فقد كان ضجيجًا مُبهجًا، فيه تقارب ودفء... الجميع استيقظوا متكاسلين، يهرولون نحو أعمالهم اليومية، النوافذ فُتحت، والستائر تُرفرف بنعومة مع النسيم، فيما تتدلى الحبال المُمتلئة بالملابس من الشرفات.

وقف "إسلام" في مُنتصف الشارع ذي الأرضية الرطبة، يُتابع العمال وهم ينقلون الأجهزة الكهربائية من فوق السيارة، عيناه تجوبان هنا وهناك بتركيز وتفانٍ وإخلاص في عمله المُحبب إلى قلبه:

ــ "حاسب يا عم منك ليه! ده مال ناس... بالراحة، واحدة واحدة".

صاح بصوته العالي يُنبههم عندما كاد أحدهم أن ينزلق الصندوق من بين يديه. ابتسم له الشاب مرحبًا بحب أخوي:

ــ "من عنينا يا ريس إسلام... إحنا خدامين المعلم دياب".

اقترب منه "إسلام" يُربت على كتفه في حنوٍ، يُعطيه دفعة معنوية بقوله:

ــ "ابن أصول يا محمد، شد حيلك كده وشهّل أنت ورجالتك، المعلم زمانه على وصول، عايزينه ييجي يلاقي الدنيا مترستقة... ومتقلقش، حلاوة رجالتك عندي".

ــ "ربنا يكرم أصلك يا ريس".

ابتعد عنهم قليلًا يتابع الأمور بداخل المعرض تارة، وبالخارج تارة أخرى. على بُعد مسافة ليست ببعيدة، تحديدًا أمام مدخل المعرض، استمعوا جميعًا لصُراخ حاد، وعلى ما يبدو أن أحدهم يتشاجر. هرول "إسلام" سريعًا يتتبع الصوت حتى وصل:

ــ "في إيه منك ليه؟".

صمتوا وتوقفوا عن قذف الكلمات في وجوه بعضهم البعض ما إن حضر هو، وقد كان الشجار قائمًا بين أحد عمال المعرض، وشاب آخر على ما يبدو أنه زبون. اقترب "إسلام" من "خالد" يسأله:

ــ "في إيه يا خالد على الصبح؟ عامل قلق ليه؟".

سريعًا ما برر الآخر يقول باحترام:

ــ "مش أنا والله يا ريس، الراجل ده جه من كام يوم اشترى غسالة من المعرض، ودلوقتي جاي عايز يرجعها وهو مش معاه الضمان، وبيقول إنها بايظة، مع إن والله العظيم أنا مشغلها قدامه".

لم يُمهله الآخر وقتًا للرد حتى، فصاح في استهجان:

ــ "قصدك إني كداب يعني؟! غسالتكم عندكم أهي، روح شوفها".

ختم جُملته يشير إلى صندوق متهرئ قليلًا به غسالة. تمهل "إسلام" في الرد عليه، ربت على كتف صديقه يأمره:

ــ "ادخل أنت كمل شغلك يا خالد، ولما المعلم دياب ييجي بلغني".

منحه إيماءة قصيرة، وثوانٍ واختفى من أمامهم كما أمره. عاود النظر إلى الرجل أمامه، والذي كان يُطالعه ببرود مستفز، هتف يقول له بهدوء:

ــ "خُد غسالتك وامشي من هنا، الحج دياب صفوان ما يبيعش حاجة مضروبة".

ــ "والله إنتو شكلكوا نصابين! إنت والمعلم دياب بتاعك ده... مليش في، بس أنا مش ماشي من هنا غير وأنا واخد فلوسي. غسالتكم الخُردة قدامك أهي، خدها".

مسح على وجهه بغضب، لا يريد أن ينفعل عليه. للمرة الثانية اختار الحل السلمي وحدّثه بهدوء:

ــ "اتفضل باحترام، خد الخُردة اللي إنت بتقول عليها دي وامشي، أحسن لك".

ــ "إنت بتهددني ولا إيه؟!".

صمت لثوانٍ، ثم أخذ ينظر حوله ويصرخ بصوت عالٍ جدًا جذب انتباه المارة، العطشين لأي كارثة:

ــ "اشهدوا يا حارة! صبي المعلم دياب، معلمكم الكُبارة، بيهددني بعد ما ضحك عليا وأداني غسالة خربانة ومضروبة".

تطلعت الأوجه الفضولية تُتابع بحماس غريب، وكأنهم يشاهدون فيلمًا مثلًا. لقد فطن "إسلام" نية هذا الرجل، وأن غرضه غرض آخر تمامًا عن غضبه من الغسالة التالفة كما يدّعي، ولمح أيضًا لمعة الشر في عينيه. زجره من كتفه يصرخ به بعصبية:

ــ "امشي يلا، غور من هنا!".

اشتعلت عيناه الآخر غضبًا، ورفع ذراعيه يتطاول على "إسلام" يزجره هو الآخر بقوة، مما جعل الآخر كـرد فعل سريع يقبض على ياقة قميصه، ويأخذ ينهال عليه باللكمات. ارتفعت الأصوات، واحتد الشجار بينهم وتطوّر إلى أكثر من مجرد دفاع بالأيادي إلى أشياء أخرى...

على طاولة أمام محل لبيع المشغولات الذهبية، جلس هو بكل هيمنة وتعالٍ، يضع قدمًا فوق الأخرى بغرور فظ، وبين يديه نرجيلته التي تفوح منها رائحة قوية محمّلة بالدخان. رجع برأسه للخلف في استمتاع، بينما ينفث الدخان من فمه ليتطاير أمامه مشكّلًا سُحبًا دخانية لثوانٍ ثم تختفي. اتسعت ابتسامته أكثر، منذ أن التقطت أذناه أصواتًا عالية، فورًا علم مصدرها. على ما يبدو أن الصبي قد نفذ المهمة كما طلب منه. ترك النرجيلة جانبًا، ينهض بزهوٍ، يعدل من هندام قميصه الأزرق الداكن المفتوح نصفه ليكشف عن سلسلة فضية تتدلى من عنقه.

صاح بصوت جوهري بينما يتفقد مدّيته بين حزام سرواله الجلدي:

ــ "يلا يا رجالة... دقت ساعة العمل".

دقيقة فقط، وقد اصطف أمامه صف كامل من الرجال، كلٌّ منهم يحمل مدية، إمّا سلسلة حديدية كبيرة أو عصًا ضخمة. لكن لا يوجد سلاح ناري، فهذا عهد: النار لا تدخل بينهم. هرولوا ناحية الصوت العالي سريعًا، وعيونهم تقطر شرًا، وكأنهم يصرخون شكلًا للبيع. صاح فيهم مرة أخرى يأمرهم:
هبّت نسمات هواء مُعتدلةً تنتشرُ بينَ الشوارع المُمتلئة بالمارة في تلك الساعة من الصباح، السماء مُشرقة اليوم لكنها توارت قليلاً بفعلٍ البنايات المُلاصقة لبعضها البعض في تلاحم حميمي دافئ، أرتفعت أصوات الاطفال الصِغار وهُم يهرولنَ بحماسة مُفرطة، أقدامهم تركض فوقَ الأرضية الأسمنتية المُتشققة

أصوات ضحكاتهم تلحقُ بهِم هُنا وهناك، كما تلحقُ الفراشة عبق الزهور.....المكان بالرغم من الضجيج الذي يعمُ بهِ، فقد كانَ ضجيج مُبهج، فيه تقارب ودفئ... الجميّع أستيقظوا متكاسلين، يهرولون نحو أعمالهم اليومية، النوافذ فُتحت والستائرُ تُرفرف بنعومة معَ النسيم، فيما تتدلي الحبال المُمتلئة بالملابس من الشرفات...... 

وقفَ "أسلام" في مُنتصف الشارعِ ذو الأرضية الرطبة، يُتابع العُمال وهُم ينقلون الأجهزة الكهربائية من فوق السيارة، عينيه تجوب هنا وهناك بتركيز وتفانٍ وأخلاص في عملهِ المُحبب لقلبهِ: 

_"حاسب يا عم منك ليه، ده مال ناس..... بالراحة، واحدة واحدة". 

صاحَ بصوتهِ العالي يُنبههم عندما كاد أحدهم أن ينزلق الصندوق من بينَ يديهِ، أبتسمَ له الشاب مُرحبًا بحُب أخوي: 

_"من عنينا يا ريس أسلام.... أحنا خدامين المعلم دياب". 

أقتربَ منه "أسلام" يُربتُ علي كتفهِ في حنوٍ، يُعطيه دفعة معنوية بقولهِ: 

_"أبن أصول يا محمد، شد حيلك كده وشَهِل أنتَ ورجالتك، المعلم زمانه علي وصول، عايزينه ييجي يلاقي الدُنيا مترستقة... ومتقلقش حلاوة رجالتك عندي ". 

_" ربنا يكرم أصلك يا ريس". 

أبتعدَ عنهم قليلاً يتابع الأمور بداخل المعرض تارة، وبالخارج تارة أخري، علي بُعدِ مسافة ليست ببعيدةَ، تحديدًا أمام مدخل المعرض، أستمعوا جميعًا لصُراخ حاد، وعلي ما يبدو أن أحدهم يتشاجرُ، هرولَ "إسلام". سريعًا يتتبع الصوت حتى وصلَ...... 

_" في أي منك ليه؟ ". 

صمتوا وتوقفوا عن قذف الكلمات في وجوهِ بعضهم البعض ما أن حَضَر هو، وقد كانَ الشجار قائم بينَ أحدي عُمال المعرض، وشاب أخري علي ما يبدو أنه زبون، أقتربَ" إسلام "من" خالد"يسأله: 

_"في أي يا خالد علي الصُبح؟ عامل قلق ليه". 

سريعًا ما بررَ الآخر يقول بأحترام: 

_"مش أنا والله يا ريس، الراجل ده جه من كام يُوم أشتري غسالة من المعرض، ودلوقتي جاي عايزة يرجعها وهو مش معاه الضمان، وبيقول أنها بايظة، مع أن والله العظيم أنا مشغلها قُدامه". 

لم يُمهلهُ الآخر وقتًا للرد حتى، فصاحَ في أستهجان: 

_"قصدك أن أنا كداب يعني..... غسالتكم عندكم أهي روح شوفها". 

ختمَ جُملتهِ يشير الي صندوق متهرئ قليلاً بهِ غسالة، تمهلً "إسلام" في الرد عليهِ، ربتَ علي كتفِ صديقهُ يأمره: 

_"أدخل أنتَ كمل شغلك يا خالد ولما المعلم دياب ييجي بلغني". 

منحه أيماءة قصيرة، وثواني وأختفي من أمامهم كما أمرهُ، عاود النظر للراجل أمامه، والذي كانَ يُطالعه ببرود مستفز، هتفَ يقول له بهدوء:

_" خُد غسالتك وأمشي من هنا، الحج دياب صفوان مبيبعش حاجه مضروبة". 

_"والله أنتو شكلكوا نصابين أنت والمعلم دياب بتاعك ده.... مليش في بس أنا مش ماشي من هنا غير وأنا واخد فلوسي، غسالتكم الخُردة قُدامك أهي خدها". 

مسحَ علي وجههِ بغضبٍ، لا يُريد أن ينفعلُ عليه، للمرة الثانية اختار الحل السلمي وحدثهُ بهدوء: 

_"اتفضل بأحترام خُد الخُردة اللي أنتَ بتقول عليها دي وأمشي أحسنلك". 

_"أنتَ بتهددني ولا أي.... ". 

صمت لثواني، من ثم أخذ ينظرُ حولهِ ويصرخُ بصوتٍ عالي جدًا جذب أنتباه المارة، العطشين لأي كارثة: 

_" أشهدو يا حارة..... صبي المعلم دياب، معلمكم الكُبارة بيهددني،بعد ما ضحك عليا وأداني غسالة خربانة ومضروبة". 

تطلعت الأوجه الفضولية تُتابع بحماس غريب، وكأنهم يشاهدون فيلمًا مثلاً، لقد فطنَ "إسلام" نيّة هذا الرجل، وأن غرضهِ غرض آخر تمامًا عن غضبهِ من الغسالة التالفة كما يَدّعي، ولمحَ أيضًا لمعة الشر في أعينهِ، زجرهُ من كتفهِ يصرخ به بعصبيه: 

_"أمشي يلّا غور من هنا". 

أشتعلت عيناي الأخر غضبًا، ورفع ذراعيه يتطاول علي "إسلام" يزجرهُ هو الآخر بقوةٍ، مما جعلَ الآخر كـ رد فعل سريع، يقبض علي ياقة قميصهِ، واخذ ينهالُ عليه باللكمات، ارتفعت الأصوات وأحتدَ الشجار بينهم وتطوّرَ إلي أكثر من مُجرد دفاعًا بالأيادي إلي أشياء أخري... 

علي طاولة أمام محل لبيع المشغولات الذهبية، جلسَ هو بكل هيمنة وتعالٍ، يضعُ قدمًا فوقَ الأُخري بغرورٍ فظً، وبين يديه نرجيلتهُ التي تفوح منها رائحة قوية محملة بالادخنة، رجعَ برأسهِ للخلف في أستمتاع بينما ينفث الدُخان من فمهِ ليتطاير أمامه مشكلاً سُحبًا دخانية لثواني ثم تختفي، أتسعت أبتسامتهِ أكثر، من أن التقطت أُذنيهِ اصوات عالية، فورًا عَلمَ مصدرها... علي ما يبدو أن الصبي قد نفذ المُهمة كما طلبَ منهُ، ترك النرجيلة جانبًا ينهضُ بزهوٍ، يعدل من هندام قميصه الأزرق الداكن المفتوح نصفهِ ليكشف عن سلسلة فضية تتدلي من عُنقهِ..... 

صاحَ بصوتٍ جوهري بينما يتفقد مدّيتُه بينَ حزام سروالهِ الجلدي: 

_"يلّا يا رجالة..... دقت ساعة العمل". 

دقيقة فقط وقد أصطفَ أمامه صف كامل من الرجال كُلٌ منهما يحمل مديته إما سلسلة حديدية كبيرة أو عصاه ضخمة، لكن لا يوجد سلاح ناري، هذا عهد النار لا تدخل بينهم....هرولوا ناحية الصوت العالي سريعًا، وعيونهم تُقّطر شرًا، وكأنهم يصرخون شكلٌ للبيعِ، صاح فيهم مرة أخري يأمرهم: 

_"يلّا منّك ليه، علموهم الأدب، عرفوهم جزاء اللي يمس شعرة من رجالة ناصر بدران". 

في أقل من الثانية كانوا قد هرولوا سريعًا يلتحمون في الشِجار، الذي قد أحتدمَ وذاد خطورة، بينما هو ضحكَ بإستهزاء يقول: 

_"علموهم الأدب... بس متلعبوش في وشهم، اللعب في الوش مفهوش معلش". 

شاهدهم يُقتالون بعضهم البعض ووقف هو علي بعد يشاهد صُنع يداه، مادحًا ذاتهِ علي ذكاءهِ العالي، حينما فكرَ في أستغلال أن هناك بضائع بالخارج، ليستغل الأمر لصالحهِ ويجعلهم يُفسدون تلك الأجهزة الجديدة وسط المُشاحنة، يريد أن يُلِحِقُهم بأكبر قدر ممكن من الخسائر المادية.... غافلاً تمامًا عن أن الغابة لها أسود يُدافعون عنها بشراسه. 

❈-❈-❈
ــ "يلا منك ليه، علّموهم الأدب! عرّفوهم جزاء اللي يمس شعرة من رجالة ناصر بدران".

في أقل من الثانية كانوا قد هرولوا سريعًا يلتحمون في الشجار، الذي قد احتدم وازدادت خطورته، بينما هو ضحك باستهزاء يقول:

ــ "علّموهم الأدب... بس ما تلعبوش في وشهم، اللعب في الوش مفيهوش معلش".

شاهدهم يقتتلون بعضهم البعض، ووقف هو على بُعد يشاهد صُنع يديه، مادحًا ذاته على ذكائه العالي، حينما فكر في استغلال أن هناك بضائع بالخارج ليستغل الأمر لصالحه، ويجعلهم يفسدون تلك الأجهزة الجديدة وسط المشاحنة. يريد أن يُلحق بهم أكبر قدر ممكن من الخسائر المادية... غافلًا تمامًا عن أن الغابة لها أسود يُدافعون عنها بشراسة.

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هاجر التركي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة