رواية جديدة بحر ثائر جـ2 لآية العربي - الفصل 29 - السبت 30/8/2025
قراءة رواية بحر ثائر الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
الجزء الثاني
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل التاسع والعشرون
تم النشر السبت
30/8/2025
سُئل أحد الحكماء هل يرث المرء الخيانة ؟
فـ قال ؛ الخيانة لا توَرث ، بل هي فيروس مقسمٌ على جرعات ، تحتاج إلى جسمٍ يستقبلها ، ويدٍ خبيثة تحقنها ، ومعملٍ خفي تجرى فيه التجربة ، تنتشر في المرء شيئًا فشيئًا حتى تتفشى فيه كليًا ويصبح بعدها مثل الزومبي ينقل عدواه لكل من يقترب منه .
لذا عليك أن تقوي مناعة الحب ، الاحتواء ، الإرشاد ، والوعي حتى يهاجم المرء الخيانة قبل أن تتملك منه . (بقلم آية العربي)
❈-❈-❈
قاما بتأدية ركعتي الزواج ..
والتفت داغر يتطلع عليها ، رفعت نظرها تبادله وتبتسم بهدوء ، زحف نحوها وتعمق فيها أكثر لبرهة فخجلت وأسبلت جفنيها لذا تنفس بقوة وحدثها بنبرة متحشرجة :
- قبل أي حاجة عايز اقولك إني اتعلقت بيكي جدًا ، وبحبك يمكن أكتر من حبك ليا بمراحل ودي حاجة مش مزعلاني ، بالعكس إنتِ تستاهلي الحب ده ، واليومين اللي فاتوا علموني اصبر بس يمكن علشان أنا ملهوف عليكي كنت مدايق شوية ، أنا بعتبر إن الدنيا كافئتني بيكي ، كان نفسي في هدية غالية ومُقابل سنين كتير تعب وكنت واثق إن ربنا هيعوضني ، وفعلًا إنتِ كنتِ أحلى عوض في حياتي ، ربنا أكرمني من وسع بس وجودك معايا ده في حتة تانية خالص ، علشان كدة مهما قفشت شوية أو اخدت على خاطري أوعي تزعلي مني ، أنا طبعي يمكن صعب شوية بس هتلقيني بلين بكلمة ، لو حتى نديتي عليا واحنا زعلانين وقلتي يا داغر هقولك أؤمريني يا بطة .
شفتيها ترتعش تأثرًا وتطالعه بعيون لامعة وابتسامة ثم تذكرت والديها وعائلتها فبكت فأسرع يجفف دموعها وأسرع يحتضنها ويستطرد قبل أن تتحشرج :
- لا لا لا لا ، الدموع دي مش وقتها أبدًا ، ولا عايزها تظهر تاني طول مانتِ معايا ، أنا بصارحك باللي جوايا علشان افرحك مش علشان ازعلك .
لفت يديها حوله تبادله وأردفت بخفوت وهي تقطن داخله :
- أنا فعلًا فرحانة أوي يا داغر ، فرحانة علشان إنت معايا وحبيبي وجوزي وأهلي ، أنا فعلًا معاك مش خايفة ، من أول يوم جيت فيه هنا وأنا مطمنة وده بالنسبالي كان حلم شبه مستحيل خصوصًا بعد موت بابا وماما ، لكن إنت قلبت كل الموازين ، أنا حقيقي بحبك وبشوفك بطلي وراحتي والحارس اللي ربنا بعتهولي .
كان هذا ردها على كلماته التي لن تنساها مطلقًا ، أما رده فلم يكن كلمات ، بل قبلة يضخ بها حبه ويغزو بها شفتيها ، ثم ابتعد قليلًا وساعدها في التخلي عن إسدالها ولم يحتاجا إلى النهوض ، ولم تتعجب كثيرًا فحبيبها مختلفٌ وغير مألوفٍ كما الجميع .
منحته الاستسلام الذي يطالب بيه ليعبر حدودها بأمان ، ليجد نفسه في وطنٍ خاص به فبدأ يطوف أركانه ويستكشفه بسعادة سافرة وهو يرى شمسًا ذهبيةً تدفأه ، وزهورًا تتفتح داخل قلبه ، ومع كل خطوة يخطوها يقترب أكثر من عاصمته حتى وصل بسلام ورفع رايته الأبية على ضفاف قلبها المتراقص مع لحن همساته ولمساته التي ارتشفتها حد الثمالة فباتت مغيبة بالعشق والهوى .
❈-❈-❈
تفاجأت به يطالعها وفي عينيه اهتمامًا لذا تساءل ويده تملس جبينها :
- كنتِ بتحلمي ولا إيه ؟ كنتِ بتنادي عليا في الحلم ؟
ارتفعت قليلًا ومالت نحو الكومود تلتقط من فوقه الكوب المغطى ، كشفته وارتشفت القليل من الماء ثم أعادته وعادت تتنهد بعمق فارتفع لمستواها وتساءل مجددًا :
- حاسة بحاجة ؟
هزت رأسها بلا والتفتت تواجهه ، تدرك أنه سيحتد ، وسيغضب ، ولكن لا يمكنها تجاهل هذا الحلم ، عليها أن تسأله عما ينوي فعله بشأن ذلك الرضيع لذا ازدردت ريقها وتساءلت بتوتر :
- أنا حلمت بالطفل يا ثائر ، حلمت إنه كان بيعيط جامد وفتحت الباب واخدته في حضني وكان باين عليه التعب والبرد ، بس إنت ظهرت واخدته مني واديته لارتوا .
صمت يطالعها فلمحت الغضب في عينيه لذا مدت يدها تمسك بكفيه وتسترسل بترجٍ :
- أنا عارفة إني ماينفعش احتفظ بيه ، وعارفة إنك مش هتتقبله أبدًا ، بس لو ليا خاطر عندك بلاش إرتوا ياخده ، صدقني إحنا كدة بنعمل عدو جديد لاولادنا ، علشان خاطري يا ثائر .
نزع يده منها ومسح على وجهه يستغفر ، عقله لا يتقبل ما تقوله ، مجرد تفكيرها بذلك الصغير يصيبه بالجنون ، أي عدو لأولادهم ؟ وهل هي تدرك مصلحة الأولاد عنه ؟ بعد كل تلك السنوات التي شهدت على العداء اللدود بينه وبين توماس يصبح في النهاية وصيًا على ابنه ؟
- ثائر ؟
نادته بقلقٍ من حالته فصاح يردف باختناق :
- مش قادر افهمك ، حقيقي المرة دي مش قادر افهمك ، يعني إيه ماينفعش تحتفظي بيه ؟ إنتِ أصلًا بتفكري فيه ليـــــــــه ؟ مالك وماله ؟ إنتِ إزاي مش مستوعبة إن أبو الطفل ده لو كان معاه رصاصة يوم الفرح ماكنتش هبقى جنبك دلوقتي .
انتفض قلبها وأغمضت عينيها تهز رأسها رفضًا ثم عادت تطالعه وتردف بهدوء يخالف حدته علها تحرز هدفًا :
- بعد الشر عليك ، ربنا يحفظك لينا ، حاول بس تفهم وجهة نظري ، ماتعتبروش ابن تومــــــ .
- اقفلي ع الموضوع ده يا ديما .
قاطعها بغلظة قبل أن تكمل اسم توماس ونهض من سريره يتجه نحو الشرفة ليدخن لفافة تبغٓ ينفث بها عن غضبه الماكث داخله وتركها تشعر بتخبطٍ وعجزٍ يراودها ويؤنب ضميرها بلا رحمة .
❈-❈-❈
يتمددان على الفراش بعد جولة عشقٍ حالمة ، يحتويها ويديه تتوغل خصلاتها ويسمعها وهي تبوح له بأمنياتها بـ حرية كأنها تتحدث مع نفسها :
- أنا فعلًا وانا صغيرة كان نفسي لما اكبر اسافر واستكشف أماكن كتير ، بس طبعًا الموضوع ده مكلف فقولت اشتغل الأول واكبر نفسي وبعد كدة ابقى احقق حلم السفر .
استمع إليها ولم يبدِ رأيه بل تساءل بنبرة حنونة :
- وشو مشان الزواج والحب يا عمري أنا ؟ ماكان إلن نصيب من أحلامك ؟
ابتسمت وشردت تتذكر نفسها منذ عامين تقريبًا ، حينما كانت تظن أنها لن تقع في الحب ، وأنها ستعمل وتعمل فقط،حينما ظنت أن الحب يضعف صاحبه كما حدث مع والدتها .
التفتت تميل على يمينها وتحدق به ثم نطقت بحبٍ وعينيها تتوغل في عينيه :
- كنت شيلاهم من حساباتي تمامًا،كونت خايفة من التجربة دي ، بس انت دخلت حياتي غيرت كل الحسابات ، لقيت نفسي برتب أولوياتي من جديد ، وكنت انت أهمهم ، ماعرفتش أقاوم حبك ليا ، أنا بحبك أوي يا صالح .
قرب وجهها منه وقبل جبينها مع اعتصارة قوية من يده على خصرها، يقربها منه أكثر ويجيبها :
- وأنا كتير بحبك ، وبدي احققلك كل أحلامك ، بس رح نبلش وحدة وحدة ان شاء الله ، بالأول رح نطلع رحلة العمرة متل ما اتفقنا .
سألته إثر سيرة العمرة مستفهمة :
- هو إنت فعلًا كنت ناوي نطلع عمرة بدل شهر العسل والترتيبات اتغيرت ولا كنت بتجس نبضي وقتها ؟
أجابها موضحًا :
- لا عن جد وقت يللي سألتك كان بدي أول رحلة إلنا تكون عمرة ، بس بعدين شوفت إعلان عن رحلة للساحل ، حبيت اعملك إياها مفاجأة ، بنخلص الأسبوع تاعنا وبنروح عمرتنا بعد هيك ان شاء الله .
أومأت بحب ثم عادت تستفسر :
- هو أنت قلت لداغر ييجي معانا ؟
أومأ يجيب :
- أكيد قلتله ، بس هو عنده خطة تانية ، قال بدو يقضي شهر عسله ببيته .
أومأت بتفهم فهي تعلم شقيقها ولكنها ابتسمت خفيةً تفكر ، هل بدأ عسله أم لم يبدأ بعد .
❈-❈-❈
صباحًا
استيقظت من نومها على إثر حركته حيث كان ينهض بحذرٍ كي لا يوقظها ، ود لو يرحل دون أن تراه ولكن يبدو أن عقلها لم يهدأ ، مثله تمامًا .
هو لم ينم جيدًا ، حتى أنه لم ينم من الأساس ، عقله يركض بلا هوادة ، ولسان حاله يردد ( بأي منطق تفكر !)
اعتدلت ترتب خصلاتها وقبل أن يتجه نحو الحمام طالعته تقول :
- صباح الخير ؟
لم يجِبها ليس عن عمد ولكن عقله في منطقةٍ أخرى ، فسمعها ولم يسمعها في آن ، دلف الحمام يغلق خلفه وزفرت بضيق وحزنٍ منه .
شردت تفكر في أمره ، تدرك أنه ليس عليه أن يكون مسؤولًا عن ذلك الطفل ولكن لقد وقعت بالفعل مسؤوليته على عاتقهما ، شاءا أم أبيا هذا ما حدث ، هما المسؤولان الآن على تسليمه لجهة آمنة ، لن تجعله يخطئ خطأً فادحًا ويلقيه في أيةِ دار ، ولن تقبل بخطأ أشد فداحة وهو تسليمه لإرتوا ، ضميرها لا يتقبل هذه الأفكار لذا فهي تبحث عن حلٍ سريع وآمن وإلا لما جمعها القدر مع ذلك الصغير ؟ لما هي تحديدًا ؟ يجب أن تأخد بالأسباب،ويجب أن يسمعها ويفهمها ويصلا إلى نقطة اتفاق ترضيهما وتريح ضميريهما .
ازدردت ريقها وقررت النهوض واستعمال الحمام الخارجي ثم التوجه نحو مالك لتوقظه وتحاول التحدث معه مجددًا ، عقلها ينشغل قليلًا وهي تدعو الله بينها وبين نفسها أن يلين قلب ذلك الخال على الصغير ويتقبله معه برغم أنها لا تشعر بالأمل حياله .
❈-❈-❈
في شقته القديمة ، والتي طلب لها شركة مختصة تتولى تنظيفها وترتيبها وبالفعل تمت المهمة وانتقلوا لها بالأمس .
جلسوا يتناولون الفطور وكلٍ منهما منشغلًا بأمره ، هو يفكر في مقابلته مع أسما اليوم ، و هي تفكر في تتبعه لتتأكد من شكوكها .
بينما ليل ينظر لوالدته ويفكر في الكلمات التي لم تزُل من رأسه بل تتردد دومًا لذا بات يتجنبها كثيرًا وتلاحظ ذلك جيدًا وتخشى أن يكون بالفعل قد سمع شيئًا يدينها لذا عليها أن تسرع بالتلاعب بابنتها قبل أن ينقلب الحال عليها وتخسر معركتها الأخيرة .
نهض من مكانه وأردف بهدوء :
- أنا هدخل المكتب .
تحرك خطوة ولكنها أوقفته تردف بخبث :
- إيه رأيك لو ننزل النهاردة أنا وانت يا احمد نشتري شوية حاجات للشقة ؟
وقع في شباكها ونطق دون أن يعيرها اهتمامًا :
- انزلي مع شمس ، أنا عندي شغل وهنزل كمان ساعتين .
تحرك بعدها نحو مكتبه ونهض ليل بملامح متجهمة واتجه نحو غرفته لذا استندت بساعديها على الطاولة وأخفت ملامحها بين كفيها كأنها تبكي .
تعجبت شمس من هيأتها واقتربت تحاول رفع رأسها متسائلة :
- مالك يا مامي ؟ إيه اللي حصل ؟
رفعت سها رأسها فظهرت بمقلتيها اللامعتين أمام ابنتها ونطقت بنبرة مختنقة يشع منها اللؤم :
- سبيني دلوقتي يا شمس .
انزعجت ابنتها ولم تتقبل هذا الرفض بل هزت رأسها تردف بتصميم أحبته سها :
- لا مش هسيبك ، أنا لازم افهم في إيه كويس ، إحنا مش صغيرين علشان تعاملونا كإننا مش واخدين بالنا ، أنا واخدة بالي جدًا من علاقتك إنتِ وبابي اللي اتقلبت 180 درجة من وقت ما جينا مصر ، وخصوصًا بابي اللي اتغير خالص ، وحاسة إن فيه موضوع كبير انتو مخبيينه ، وبسبب عمي .
لم تتوقع سها أن تمهد لها ابنتها الحديث لهذه الدرجة ولكنها خشت أن يسمعها أحمد أو ابنها لذا نهضت تتمسك بمعصمها وتسحبها معها نحو الغرفة .
أغلقت الباب ووقفت أمام ابنتها تحدق بها لثوانٍ ، الثانية تتكتف وتتأهب لتستمع إليها لذا ارتدت سها قناع المظلومية وعادت عينيها تغرق في دموعٍ كاذبة وتحركت تجلس على الفراش فتبعتها ابنتها التي جاورتها وقالت بنفاذ صبر :
- مامي لو سمحتِ فهميني كل حاجة ، اعتبريني صاحبتك زي ما بتقوليلي دايمًا .
أومأت سها ونظرت لابنتها تقبض على كفيها ثم نطقت بنبرة خبيثة ترتدي ثوب الحزن :
- هقولك يا شمس ، بس اسمعيني كويس ، واوعي حد تاني يعرف إني قلتلك ، أنا مابقتش قادرة استحمل تصرفات باباكي وظلمه ليا بسبب أخوه ال***** .
قطبت شمس جبينها بتعجب وبدأت تستمع إلى والدتها وهي تخبرها بأكاذيبها وتسرد لها القصة حسب رؤيتها هي .
❈-❈-❈
طرقت باب الغرفة فسمح لها مالك بالدخول ، دلفت فوجدته يجلس يقرأ الكتاب الثاني الذي اهداه له ثائر .
تخشى أن يكون بات انطوائيًا قليلًا ، أو ربما هذه مخاوفها ، أو ربما لأنها انشغلت عنه في الآونة الأخيرة بعد تلك الأحداث .
زفرت واتجهت تجلس بجانبه ورفعت يدها تمسح على رأسه وتتساءل :
- وصلت لفين ؟
أغلق كتابه ونظر لها بتمعن ، يحب اهتمامها به ، يشعر أنه تسبب لها بحزنٍ منذ أن علم بخبر حملها ، خاصةً بعد كلمات جدته الحنونة والمعاتبة في آن ، هو فقط يحبها ، وكثيرًا لذا أسرع يلقي بنفسه في حضنها فاستقبلته بعناقٍ مشدد ومالت تقبل رأسه وتحتويه ، كانت بحاجة ماسة إلى هذا العناق ، هذا الصغير هو مأمنها الأول .
ظلت تقبل رأسه وتشدد عليه ثم نطقت بنبرة متحشرجة على وشك البكاء :
- أنا بحبك أوي يا مالك ، بحبك وبزعل أوي لما بتزعل مني .
تأثر الصبي وقرر أن يخبرها مخاوفه المختلطة بالندم فأردف :
- وأنا كمان بحبك يا ماما ، بس إنتِ مابقتيش قريبة مني زي الأول ، معاذ حكالي عن مامته اللي ماتت ، وقال هي وأونكل ثائر لما اطلقوا مابقتش تهتم بيه أبدًا ، كانت دايما مشغولة عنه ، أونكل ثائر بس هو اللي كان بيهتم بيه وبيحبه وبيخرجه ، بس برغم كدة هو بيحبها وزعل أوي لما ماتت .
ابتعد قليلًا عنها يحدق بها ويسترسل مخاوفه :
- أنا كنت خايف أونكل ثائر يبعدك عني ، بس بدأت اطمن لما جينا هنا وقربت منه ، هو طيب وبيحبك ، بيخاف عليكي ومش زي بابا خالص ، وبيحبنا احنا كمان ، علشان كدة أنا حبيته ، بس أنا خوفت لما عرفت إنك حامل ، يعني أنا معاكي أهو ورؤية ومعاذ كمان ، حسيت إن ممكن البيبي الجديد ده هو اللي هيبعدك عني بجد ، لإنه هيبقى ابنك مش زي أونكل ثائر .
تعمقت في عينيه بسعادة وحزنٍ في آن ، سعيدة من بوحه بمَ يعتليه ، وباعترافه بحب ثائر وحنانه على الجميع ، وحزينة من المشاعر التي راودته ومخاوفه وقلقه حيالها ، كادت أن تطمئنه ولكنه تابع :
- إنتِ زعلتي مني يومها علشان أنا مشيت ، أيوة أنا كمان كنت زعلان منك ، وبعدين لقيت رؤية ومعاذ فرحانين وأنا مش فرحان فزعلت أكتر علشان كنت عايز افرح زيهم بس مش عارف ، حتى معاذ قال إنه هيلعب معاه هو ، حتى لما تيتا اتكلمت معايا بردو كنت زعلان ، بس دلوقتي الزعل راح شوية علشان أنا فكرت كويس واتكلمت مع معاذ كمان ، بس اوعي يا ماما تطلقي من أونكل ثائر تاني ، إحنا مبسوطين كدة ، وأنا ومعاذ بقينا اخوات ومش عايز ابعد عن هنا خلاص .
عانقته تبث فيه الاطمئنان ثم عادت تتأمله وتبتسم وشردت قليلًا في أمر ذلك الطفل ، ربما سيتفق مالك مع ثائر في هذه النقطة ، لذا تتمنى أن تجد حلًا ما ، ولكنها سعيدة بحب ابنها لثائر وثقته به .
تنهدت بحرارة وأردفت بتروٍ :
- ماتقلقش يا حبيبي ، هنا بيتنا الحقيقي ومش هنبعد عن بعض خالص ، واوعدك إن البيبي الجديد مش هياخد من حبك في قلبي سنتوفة حتى ، وهتفضل إنت ابني وحبيبي ونور عيني وأول فرحتي ، وزي ما أنا مقسمة قلبي علي حبك وحب رؤية وحب معاذ ، هو بردو هيكون ليه الجزء بتاعه ، ما تخافش أبدًا .
ابتسم مالك وشعر بارتياح كبير وتساءل بخبثٍ طفولي :
- طب واونكل ثائر ؟
ضحكت وعادت تشدد من عناقها له وتهمس في أذنه :
- بحبه جدًا .
❈-❈-❈
بعد ساعة
استعد أحمد ليذهب إلى مقابلته ، ارتدى حِلة أنيقة وتهيأ كما قال الكتاب وتحرك يغادر وهو يحمد ربه أنها منشغلة مع ابنتها .
ولكنها كانت تنتظر خروجه لتتبعه ، ستراقبه وترى إلى أين هو ذاهب وبمن سيلتقي وإن تأكدت من شكوكها ستقلب موازينه رأسًا على عقب ، خاصةً وأنها الآن تمتلك قوة متمثلة في ابنتها التي تشجعها على الانتقام .
خرجت من غرفتها واتجهت نحو الباب فأوقفتها شمس تتساءل :
- هتروحي فين دلوقتي يا مامي ؟
أجابتها بغلٍ وتوعد :
- لازم أعرف هو رايح فين وهيقابل مين ، خليني الحقه ولما اجي هحكيلك .
تحركت تغادر وتركت ابنتها تقف حزينة وغاضبة في آن ، لا تتقبل فكرة خيانة والدها لوالدتها واتهامها بتهمة بشعة كهذه ليفعل ما يريده ، وذلك العم الحقير الذي تسبب بهذا الشرخ الكبير بينها وبين العائلة ، والآن هو من يشجع أخيه على الخيانة .
تحركت نحو النافذة لتراها وتتمنى ألا يحدث ما لا يُحمد عقباه .
وصلت سها إلى الشارع ونظرت حولها لترى أحمد يغادر للتو بسيارته ويبتعد عن عينيها لذا أسرعت نحو سيارتها لتستقلها ولكنها وجدت سيارةً ما تتوقف أمامها فالتفتت متعجبة فلم تر من بها إلا بعدما فتحت النافذة وأردف بنبرة جليدية متوعدة :
- اركبي .
تصنمت لثوانٍ تطالعه بعدم تصديق وحينما طالعها بنظرة حادة مهيبة أسرعت تفتح باب سيارته وتستقلها وتغادر تحت أنظار ابنتها التي وثقت ما رأته بكاميرا هاتفها وهي تشعر بالغليان يتفاهم داخلها من شدة الغضب لذا أسرعت تهاتف والدتها التي أجابت عليها فأردفت شمس بتهكم :
- هو ده عمي مش كدة ؟
أدركت سها أن ابنتها رأتها لذا تنفست وأجابتها دون توضيح :
- أيوة يا شمس ، هنتكلم لما ارجع .
أغلقت الهاتف بشكلٍ تام والتفتت تنظر إلى ثائر وهو يقود بملامح بادرة جعلتها تخشى حتى أن تسأل أين وجهتهما .
ولم تكن بحاجة أن تعرف لأنه توقف بعد وقتٍ قصير والتقط نفسًا مطولًا يخمد به ثورته ثم نطق دون أن ينظر نحوها :
- هتبعدي عن ديما ، مش هتحاولي تتواصلي معاها بأي شكل من الأشكال مرة تانية ، ولو مفكرة إن ألاعيبك دي ممكن تخيل عليها تبقي غبية ، وانتِ أصلًا طول عمرك كدة ، مش بتعرفي تفرقي بين الخبث والذكاء .
صمت لبرهة فشعر بها تبتسم وتجيبه بنبرة منتصرة :
- أومال ليه جيت تهددني دلوقتي لو هي ماصدقتش كلامي ؟ أنا ماكذبتش عليها في حرف واحد ، وانت عارف كدة كويس يا ثائر .
كانت تنظر له وتتمنى لو يلتفت ويناظرها بالمثل ولكنه ظل ينظر أمامه واستطرد ببرود متجاهلًا حديثها كأنها لم تنطق :
- أنا لحد دلوقتي ماحطتكيش في دماغي ، وبعدت وسكت بس علشان أخويا كان بيحبك واختارك عني ، إنما لو حطيتك في دماغي فعلًا هتكرهي اليوم اللي اتهمتيني فيه .
نجح في إشعال فتيل غضبها فتجهمت ملامحها ونطقت بغيظ تبوح بمَ لديها :
- أنا ماتهمتكش ، إنت فعلًا كنت بتحبني وأنا بحبك لولا إن أحمد دخل بينا وطلبني ومن وقتها وانت بتتعامل معايا على إني نكرة .
لم تتحرك به شعرة وظل جليديًا فقربت نفسها منه إنشات وخلعت غضبها تتساءل بنبرة استعطافية وتستعيد الماضي أمامها :
- نسيت يا ثائر ؟ نسيت لما كنا بنضحك ونهزر ونخرج سوا ؟ نسيت إننا كنا دايما بنفكر زي بعض ؟ نسيت لما كنت تفضل نايم وأنا اللي ادخل اصحيك واعملك القهوة والفطار وكنت أخبي منك السجاير علشان خايفة عليك ، نسيت دفاعي عنك وعن معارضتك قدام العيلة كلها ؟ محيت كل ده بأستيكة بمجرد ما أحمد طلب إيدي ، أنا كنت مستنياك ترفض وتعرفهم إن إنت اللي بتحبني ، إنت اللي خذلتني يا ثائر مش أنا .
نطقت جملتها الأخيرة بجنون جعله يبتسم ثم التفت يطالعها بتشفي ويردف :
- برافو عليكي ، طول عمرك ممثلة شاطرة ، زمان اقنعتيني إنك أخت وصديقة، بس خلاص دورك في حياتنا بقى منتهي ، وهقولك تاني ، ابعدي تمامًا عن ديما وعيشي تربي عيالك وتتوبي عن اللي عملتيه ، يا إما ثائر ذو الفقار اللي قدامك ده هيكون هو كابوسك الحقيقي ، فهمتي ولا اقول تاني ؟
كادت أن تسحق أسنانها من كثرة الضغط عليها ، ينتابها غضب أعمى ولكنها تدرك أن تحريره سيكلفها الكثير لذا تقسم داخلها ألا تتوقف عن هدفها وستسعى لتوقع بينه وبين تلك الدخيلة ، خاصةً بعد رؤيته الآن وحديثه معها وقربه منها إلى هذا الحد، إن لم يكن لها فلن تجعله يعيش في راحةٍ مع غيرها.
لم يكن يتوقع منها القبول مطلقًا ولم يأتِ لتقبل بل لهدفٍ آخر لذا أدار محرك سيارته مجددًا وبدأ ينعطف ليعيدها إلى منزلها بعدما التزم كلٌ منهما الصمت .
❈-❈-❈
في مطعمٍ قريب من مكان عمل أسما .
جلست أمام أحمد الذي تملكه التوتر حينما رآها على الطبيعة ، جميلة ، نقاء روحها ينعكس على ملامحها ، ومتحفظة تعامله برسمية مطلقة .
ازدرد ريقه وأردف بعدما سألته عما يريده منها :
- أنا عندي بيزنس في الإمارات ، شركة دعاية وتسويق ، بس مؤخرًا قررت أرجع بلدي واستقر هنا وافتح الفرع الأساسي واديره من هنا وهناك هيبقى فيه وكيل عني ، وأنا بصراحة متابعك من فترة كبيرة وبحب أسلوبك جدًا واستفدت منه في حياتي الشخصية ، وبصراحة أنا شايف إنك هتكوني وجهة إعلامية ممتازة للشركة لإن شركتنا بتعتمد على المؤثرين بشكل كبير ، وطبعًا لو حابة تعرفي أي تفاصيل انا تحت أمرك ..
أمعنت النظر إليه وشعرت بأنه يخفي شيئًا ما ، فأحمد لا يجيد المراوغة أو الكذب ، هناك القليل من عدم المنطقية في كلامه وعرضه لذا تساءلت بشكلٍ مباشر :
- ممكن لو سمحت توضح لي السبب الحقيقي ورا عرضك ده ؟ أنا أسفة بس مش مقتنعة إن إعلامية زيي ليها برنامج في مجال التنمية البشرية هتقدر تفيدك في شغل الدعاية والتسويق اللي قلت عليه ، وبعدين حضرتك بعتلي رسالة قبل كدة وتواصلت معايا وانا اعتذرت لإني مش حابة اشتغل برا مصر ، فبصراحة وجودك قدامي دلوقتي مفاجأة محتاجة تفسير منطقي ليها مع اصرارك ده .
جردته من أكذوبته ، ظن أنه سيقنعها وستقبل بالعمل معه إلى أن يتقربا من بعضهما رويدًا رويدًا ولكنه لم يفلح لذا تحمحم وقرر مصارحتها فأردف مباشرةً وهو يتعدل في جلسته :
- طيب يا أستاذة أسما يمكن معاكي حق ، بس أنا نيتي خير صدقيني ، وتقدري تسألي عني وعن عيلتي وتطمني بنفسك ، وانا بصراحة حابب اتعرف عليكي ويكون فيه بينا تعامل أكبر .
وصلت إلى نواة الحكاية ، إذا توقعاتها صحيحة ، هو معجبٌ بها ويريد التقرب منها بحجة العمل ، ولكن لماذا لم يأتِ بشكلٍ مباشر ؟ سألته بنبرة متوجسة تخفي تحتها ماضٍ مؤلم :
- حضرتك متجوز يا أستاذ أحمد ؟!
لم يكن يريدها أن تسأل هذا السؤال الآن ولكن لا مفر أمامه لذا أومأ يجيبها :
- أيوة ، متجوز وعندي بنت وولد .
ابتسم بسخرية وهي توميء مرارًا بنظرة لامعة تخفي ألمًا متعاد ثم نهضت تردف بجدية صارمة :
- طلبك مرفوض بشكل نهائي، وياريت ماتحاولش تقابلني أو تتواصل معايا مرة تانية ، عن اذنك .
نزعت نفسها تغادر وتتركه يتحسر على حاله وعلى ما وصل إليه من خيبات وحزن،وعن جديتها المبالغ بها معه بعدما تأمل أن تستمع إليه وهذا بناءًا على نصائحها التي تقدمها دومًا .
❈-❈-❈
مساءًا
اعتادت أن تجلس مع والدتها يوميًا ، واليوم كانت منال تريد العودة للمنزل ولكنها ترجتها أن تظل معها هذه الفترة ووافقت منال على مضض حيث تشعر بالحرج برغم معاملة ثائر الكريمة معها .
دلفت غرفتها تبحث عنه بعينيها فلم تجده ولكنها سمعت صوته في الحمام ، فركت عينيها وتنفست بعمقٍ فشعرت أنها تشم رائحة جوز الهند .
تعجبت من نفسها والتفتت حولها تشم رائحته ثم وقفت تفكر ، هل تتوحم على جوز الهند ؟
مطت شفتيها ونفضت أفكارها تتجه نحو المرآة ، حتى وإن اشتهته كيف ستحضره الآن ؟ ومن المؤكد لن تطلبه منه فيظنها تبادر بمصالحته .
حاولت أن تشغل عقلها ولكن الرائحة قوية ، كأنها تسكن في أنفها .
فُتح الباب وخرج ثائر يرتدي مئزره ، رآها ولكنه حاول تجنبها فهو منزعجٌ منها كثيرًا ولكنها فجأة التفتت تطالعه بغرابة جعلته يحدق بها باستفهام .
تحركت بخطوات مدروسة نحوه فتصنم لا يفهم ما بها ، ترفع أنفها تشتمه فقطب جبينه يطالعها وتساءل مستنكرًا :
- مالك يا ديما في إيه ؟
كيف تجيبه وهي نفسها لا تعلم ما بها ، تشبه مدمنًا يلح لارتشاف مخدره .
وصلت إليه وأغمضت عينيها ليتسنى لها الشم بأريحية وحينما أدركت أن رائحة جوز الهند تصدر منه لم تتمالك رغبتها والتصقت به ثم وضعت كفيها على كتفيه وارتفعت قليلًا تميل نحو رقبته وتدفن شفتيها بها مستمتعة بتلك الرائحة ولم تكتفِ بل باتت تقضم عنقه كأنها تشبع رغبتها في تناول ما تشتهيه متجاهلة صدمته و ردة فعله الهائمة والمشتعلة في آن .
حاول أن يتمالك نفسه ولكنه لم يستطع خاصةً وأنها بالفعل تلتهم عنقه بطريقة تذيب حصون ثباته فحاوط خصرها بيديه يقربها منه أكثر، يغمض عينيه مستمتعًا بم تفعله وظنها تصالحه بتلك الطريقة الجديدة كليًا عليها .
حينما شعرت بيديه تطوف على منحنياتها أفلتت نفسها وأبعدت وجهها عنه تطالعه بتورد بعدما تملكها الحرج ، بينما هو ابتسم وأردف بمشاعر مشتعلة جعلته متعطشًا لتكرار قضماتها :
- خلاص يا ديما خلينا ننسى اللي حصل ومانفكرش فيه تاني ، انتِ عارفة إني مابقدرش على زعلك ، بس هو عادي يعني لو قربنا من بعض ؟ لإن الدكتورة حذرت من ده بس بعد عملتك دي بصراحة مش هقدر .
قالها وهو يرنو منها ليريها كيف تكون القضمات، ويقتنص شفتيها في قبلة هجومية إلى أن أدماهما فتركهما رحمةً وانهال على رقبتها وهي مخدرة بفعل مشاعرها التي يتلاعب بها وبفعل رائحة جوز الهند القوية لذا نادته بهمس :
- ثائر استنى .
لم يسمعها بل بات منغمسًا فيما يفعله لذا حاولت دفعه بخفة وعادت تناديه فابتعد قليلًا يطالعها برغبة مشتعلة فأردفت بتوتر :
- مش هينفع دلوقتي ، أنا بس تقريبًا بتوحم على جوز الهند وانت ريحتك كلها منه ، علشان كدة ماحستش بنفسي وعملت كدة .
حدق بها مستنكرًا لثوانٍ ثم تجهمت ملامحه بالتدريج وابتعد عنها بتمهل بعدما أحبطته كلماتها .
أومأ لها دون أن ينبس ببنت شفة وتحرك نحو غرفة الملابس ليرتدي ثيابه بعدما كسرت مآديف العشق عنده، وتركها تقف تطالع أثره بقلة حيلة .
أعلن هاتفها عن وصول رسالة فاتجهت تلتقطه من فوق الكومود وفتحته لترى محتوياتها فإذا بها تتفاجأ من مقطع فيديو تم إرساله عبر تطبيق واتساب من رقمٍ غير مسجل وتبعه تعليقًا دون فيه ( قولي لجوزك عيب أوي لما يراقب مامي ويستنى أخوه يمشي علشان يتكلم معاها ، لو مابعدش عن مامي أنا هفضحه )
وقفت تشاهد الفيديو الذي يظهر سيارة زوجها وسها التي استقلتها وغادرت معهُ ، خرج من غرفة الملابس بعدما انتهى واتجه يتمدد على الفراش وينام بضيق وتجهم بينما هي باتت تتطلع عليه وتفكر .
تثق به كثيرًا ولكن لماذا قابلها ؟ وكيف يفعل ذلك وهو يدرك خبثها ؟ ولمَ لم يخبرها بهذا اللقاء ؟ وهل تخبره بهذه الرسالة قبل أن يغفو أم تلتزم الصمت ؟
❈-❈-❈
صباحًا في المجلة
جاءت لتراه حيث استيقظت ولم تجده، ولكنه ليس هنا ، حاولت الاتصال عليه فلم يجِبها ، جلست تنتظره لتتحدث معه هنا ، لا تحب هذه الحالة التي يعيشانها لذا ستسعى لإيجاد حلًا وسطيًا .
تفاجأت من خلال شاشة المراقبة بشقيق رحمة يدلف من باب المجلة ويحمل طفلًا صغيرًا نائمًا بين يديه .
تعجبت وتصنمت مكانها وظلت تتابع وهو يسأل عنها ويطلب رؤيتها ، وباتت تدقق في المحررة التي نهضت لتخبرها بمجيئه .
طرقت الباب فسمحت لها ديما بالدخول فدلفت تخبرها بمجيء ذلك الأخ فسمحت له بمقابلتها وهي تشعر بالضيق وشيئًا ما يهجم على حلقها يخنقها لذا حملت هاتفها تهاتفه مجددًا ولكنه أيضًا لم يجب عليها .
زفرت واعتدلت في جلستها تستقبله فدلف الرجل يلقي السلام ثم وقف أمام ديما وأردف بنبرة مباشرة وآسفة :
- أنا آسف يا مدام ديما ، أنا عارف إن كان مفروض استنى لما تتصلي عليا بس أنا مش قادر اتحمل وجود الطفل ده عندي وأنا شايف إن كل يوم مراتي بتتعلق فيه أكتر وبيعمل مشاكل بيني وبينها اكتر ، أنا جبتهولك إنت تتصرفي فيه ، ودي الأوراق بتاعته ودي حاجته .
اتجه يضع الطفل على الأريكة المجاورة ثم تحرك يناولها الأوراق فلم تلتقطهم لذا وضعهما على الطاولة ونطق متحفزًا :
- عن إذنك .
غادر بعجالة قبل أن يتلقى منها كلمة ، ولم تكن لتتحدث بل جالسة تطالع الصغير بعجزٍ وحيرة .
نهضت نحوه واتكأت على ركبتيها تحدق في ملامحه البريئة وهو نائمٌ ثم مدت يدها تملس على وجنته لتتفاجأ به يفتح مقلتيه ويتماطأ مبتسمًا أمامها .
نظر حوله وحينما وجد نفسه في مكانٍ غير مألوف شعر بالخوف وبدأ يحاول النهوض و البكاء فأسرعت تحمله وتهدهده بحنانٍ وعاطفة نابعة من قلبها وهي تربت على ظهره قائلة :
- لا يا روحي ماتخافش خالص أنا معاك .
❈-❈-❈
وقف في المطبخ يعد الطعام لهما .
يرتدي مريلة المطبخ ويشرح لها كيفية طبخ المعكرونة الاسباغيتي والبانيه ، وهي تجاوره وتبتسم وتستمع إلى تعليماته كأنها لا تعلم .
بدأ يحضر الصلصة وأردف وهو يشير لها برأسه :
- اغسلي انتِ المكرونة يا بسوم علشان النشا يطلع منها .
ابتسمت وأزاحت خصلاتها للوراء وحملت مصفاة المعكرونة وتوجهت بها نحو الحوض لتغسلها بتهمل تحت أنظاره لذا أردف وهو يترك الموقد ويتجه إليها :
- مش كدة يا بسوم ، بصيلي أنا بغسلها إزاي .
انتشل المصفاة منها وادعى الاحتراف كشيف ماهر لذا نفضها عدة مرات أسفل المياة قاصدًا تقليبها بطريقة احترافية ولكنها انسكبت جميعها في الحوض فوقف مصدومًا لبرهة ثم التفت يحدق بها فوجدها تتكتف وتطالعه بتشفي وسخرية فأردف مستنكرًا :
- مبسوطة كدة ؟ دي أول مرة تتدلق مني .
رفعت حاجبيها مشككة وتساءل :
- هو أنت عملت مكرونة كان مرة قبل كدة ؟
تحمحم ونطق وهو يمد يده يغلق الصنبور :
- أحم ، دي أول مرة .
ضحكت عليه ولكنها ركضت حينما لمحت البصل يحترق فأسرعت تغلق الموقد وتطلعت عليه تؤنبه فتحرك نحوها يضع يده حول كتفها ويسحبها معه نحو الخارج مردفًا بنبرة يواري بها سوء أفعاله :
- إحنا نطلب ديلفري أحسن ، وأنا يا ستي اللي هغسل المواعين كمان ولا تزعلي نفسك ، أصلًا أنا مابحبش المكرونة أوي .
ابتسمت عليه تهز رأسها واتجها معًا يجلسان على الأريكة فمد يده يلتقط هاتفه وسألها وهو يحاول الاتصال بأحد المطاعم القريبة :
- ها يا ستي تحبي تاكلي إيه ؟
ابتسمت بتملق تجيبه :
- ممكن بيتزا ، أو نجريسكو .
ابتسم وأومأ وبالفعل أعطى طلبه للنادل ثم أغلق ونظر لها حيث تتدلل في حركاتها ، مغرية وشهية وناعمة ، تتعمد إثارته بتلك الملابس القصيرة التي ترتديها أمامه لذا قرب نفسه منها حتى التصق بها وحاوط رأسها يقرب شفتيه من أذنها ويهمس مستمرًا في إخفاء ما فعله بالمطبخ :
- هتفضلي تحلوي كدة ، ما براحة عليا يا بطة .
ابتسمت تتدلل وتميل عليه مستمتعة باعترافاته لتجيبه وهي ترفع أصابعها وتملس على شفتيه وعينيها عليهما :
- هسمع كلامك بس بشرط .
قبل أصابعها وبات مسحورًا بها يتساءل ويده تتلاعب بترقوتها والأخرى تتلاعب بخصرها الظاهر قائلًا :
- إيه هو ؟ شبيك لبيك داغر الصابر بين إديك .
ابتسمت ومالت تكافئه بقبلة وابتعدت تردف بنعومة وهمس :
- في المطبخ تسمع كلامي أنا ، وماتحاولش تطبخ مرة تانية،تساعدني اوكي،تقف وتطبخ no .
أومأ هائمًا ونهض يغطيها بنفسه ومال يقبلها باشتياق كأنه ابتعد عنها مئة عام وعاد لتوه إلى حبيبته المغرية .
❈-❈-❈
عادت إلى منزلها بعدما فشلت في الوصول إليه ، لا يجيب على اتصالاتها ولا تعلم أين هو وهذا الصغير يبدو جائعًا ويحتاج إلى رعاية لذا فقد أتت به إلى المنزل لتطعمه وتراعيه إلى أن تتحدث مع ثائر لإيجاد حل .
بالفعل أطعمته وساعدتها منال في ذلك وأبدلتا له ثيابه وحفاضه وخرجت به إلى الحديقة بعدما أخبرت منال والصغار بهويته ووضعه البائس ورأفوا جميعهم به .
حملته وباتت تهدهده لينام ، تخطو بيه بين الأزهار وعقلها منشغلٌ بثائر وأين هو ولماذا يتعامل معها هكذا ؟
زفرت بقوة وشعرت بالتعب فتوقفت عن التحرك لتتفاجأ بمجيئه ، وقفت تنتظر دخول سيارته بعدما فتح له الحارس البوابة .
برغم أن زجاج سيارته أسود لا يعكس ملامح من في الداخل إلا أنها تكاد تجزم أنها رأت عيناه تحدجها بغضبٍ سافر .
صف سيارته وترجل يندفع نحوها ويتساءل بهدوء يسبق عاصفة ثائرة :
- يعني عملتي اللي في دماغك بردو ؟ وجيباه هنا عندي ؟ مافيش أي حساب ليا ولا لمشاعري حتى ، مش كدة ؟
هزت رأسها بلا ووقفت تجيبه بثبات وضيق مماثل من طريقته ونبرته وتجاهله لاتصالاتها :
- لاء مش ده اللي حصل ، خاله جابه عندي وحطني قدام الأمر الواقع وماعرفتش اعمل إيه ، حاولت أوصلك من الصبح مش بترد ، اهدى وتعالى نقعد ونتكلم .
لن يهدأ وهذا الصغير أمامه ينظر له ويحمل نفس نظرات والده كأنه يتحداه لذا صاح بعصبية ورفض :
- لا ههدى ولا هنتكلم ، هاتي الولد ده ومالكيش دعوة بيه نهائي ، وحسابنا بعدين مش دلوقتي .
وقفت تحمل الصغير بين يديها وتناظره بثباتٍ برغم خوفها الداخلي مما هو قادم ولكنها تتفهم ما يمر به الآن لذا أردفت بتريث :
- انا مش هينفع اتخلى عنه يا ثائر ، ده طفل مالوش أي ذنب مين أبوه ولا اختار أهله ، فكر تاني لو سمحت .
لا يستوعب أن من أمامه هي ديما نفسها ، يحدجها بنظرة تفسر ما يدور في خلده ، عن أي تخلي ؟ هل تعي ما تقوله ؟
ارتدى قناعًا نادرًا ما يرتديه ونطق بصرامة حادة لا نقاش ولا حديث يتبعها :
- ولا تاني ولا تالت ، الطفل ده لو خاله رفض يستلمه هيتسلم لدار أيتام حالًا ، وده آخر كلام عندي ، هاتي الولد يا ديما .
قالها وهو يقف أمامها ويشير بيده لتناوله إياه، وقفت وهي على وشك البكاء وباتت في وضعٍ بائس بين حبيب قلبها وضميرها فأغمضت عينيها أمامه وسقطت منها دمعةً عنوة وكادت أن تجيبه ولكنهما سمعا صوتًا ينادي بالفرنسية :
- ثائر .
نظرا سويًا نحو البوابة ليتفاجآ بمجيء إرتوا أمامهما ، لم تكن مفاجأة كلية بالنسبة لهما ، خاصةً ثائر الذي علم صباحًا أنه قد وصل إلى القاهرة اليوم لذا كان عليه تأمين عائلته جيدًا بالاشتراك مع صقر و خالد وتزويد بعض الحراسة .
ولكن ديما ارتعبت حينما رأته ، وظنت أنه يخدعها وسيعطيه الطفل كما رأت في منامها لذا عانقته بقوة ونظرت إلى ثائر بخيبة وهزت رأسها ترفض ما تفكر به وتحركت مسرعة نحو الداخل تختفي من أمامهما بينما تنفس ثائر بعمق وتحرك نحو البوابة يستقبل إرتوا
يتبع...