-->

رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 13 - الجمعة 29/8/2025

  

قراءة رواية ثنايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ثنايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا الخولي


الفصل الثالث عشر 

تم النشر الجمعة 

29/8/2025


بعد وقت، فُتح الباب فجأة ودخل جاسر. 

توقف مكانه للحظة حين وجدها تجلس هناك، وما زالت ترتدي حجابها الذي يغطي شعرها. 

عقد حاجبيه في انزعاج واضح.


_لسة جاعدة بحجابك ليه؟ مفكراني غريب عشان تتستري مني؟


رفعت نغم رأسها ونظرت إليه مباشرة، ولأول مرة لم يكن في عينيها خوف، بل كان هناك تحدي وكره صافٍ.

_أهلي ربوني على الحشمة والأصول، وأولهم إني منكشفش جدام الغريب حاچات أنت متعرفهاش.


اقترب منها ببطء، وكانت عيناه كما هي لوح من جليد حتى وقف قبالتها وتحدث بلهجة يشوبها بعض التهديد 

_لسانك لحج  يطول؟ ولا فكرتي حالك هانم السرايا وهيكون ليكي صوت؟


وقفت نغم في مواجهته، رغم فارق القوة الواضح بينهما.

_انت أخدتني غصب وحبستني إهنه لجل ما تكسرني، بس روحي عمرك ما هتطولها. 

وهفضل لابسة حجابي، عشان كل ما تشوفني تفتكر إني غريبة عنيك وعن بيتك ده. 

وتفتكر كمان إني بنت أعدائك اللي عمرك ما هتقدر تكسرهم.


كانت الكلمات تخرج منها كالرصاص 

لم يكن هناك حب قديم أو مشاعر زائفة، فقط كره متبادل وواضح

هو يراها أداة انتقامه وجائزته، وهي تراه سجّانها وعدوها. 

نظر إليها جاسر نظرة طويلة، وفي عينيه مزيج من البرود والإعجاب بجرأتها التي لم يتوقعها.

وهذا ما جعل رغبته في كسرها تزداد أكثر، لا يريدها منكسرة فيكون سهل عليه كسرها، بل يريدها قوية شامخة كما يراها الآن حتى يستمتع بكسرها.


_شكلك عايزة تتعلمي الدرس بالطريجة الصعبة.

همس بتهديد، وقد تحولت عينيه لوعيد حارق

_بس اوعدك إن الصعب في يدي هيكون أسهل بكتير من اللي هتشوفيه..

أشار إلى الأريكة الجانبية وقال بأمر


_ده هيكون مكانك، هتفضلي فيه لحد ما يچيني مزاجي وبعد ما أخلص منيكي هترچعيلها تاني.


رفعت رأسها ببطء، عيناها تلتقيان بعينيه مباشرة. 

قالت بصوت هادئ، لكنه كان كالسيف

_ مستحيل هسمحلك تجرب مني.


تجاهل جاسر نبرتها، وتقدم خطوة قربته منها. 

_يظهر إنك مش متجبلة الحجيجة.

ارتفعت يده ببطء لتمسك بذقنها بقوة آلمتها، يرفع رأسها أكثر إليه وشدد على حروف كلماته من بين أسنانه

_وهي إنك بجيتي مرتي، يعني مشوفش منيكي غير الطاعة.


سحبت ذقنها بقوة من يده وهي تنظر إليه بازدراء 

ورأت في وجهه كل كسرة ستعيشها عائلتها بسبب هذا الرجل، كل دمعة سيذرفوها، كل ألم سيعانوا منه،  يضربها كالصاعقة. 

لم تعد تراه أمامها، بل رأت كل من خذلها كل من تسبب في ألمها وألم عائلتها. 

شعرت بمرارة لاذعة تملأ فمها، وبكره أسود يتغلغل في كل خلية من جسدها. 

لم يعد تحديًا، بل أصبح حقدًا متأصلاً.

دمعة واحدة أفلتت من عينها حارقة، تحمل في طياتها كل الألم والقهر.

وسألته بضياع

_انت كيف جادر تعيش حياتك بالسهولة دي، كيف بتجدر تنام بكل الكره اللي چواتك ده.

_بكل راحة.

قالها جاسر بكل هدوء وكأنها تسأله عما تناوله في الصباح

لم تعد تستطيع التحمل أكثر من ذلك فصاحت وهي على وشك الانهيار

_بكرهك...ومكرهتش حد في حياتي جد مكرهتك.

ابتسامة ساخرة ظهرت على جانب فمه وقال بفتور 

_لسة بدري على الكلمة دي....بس اوعدك إنك هتحتاچيها جريب جوي.

باغتها بأن ازاحها بيده حتى اسقطها على الأريكة خلفها ثم انحنى عليها ويده بجانب رأسها وتابع بعينين تتوعدها بالجحيم

_معنديش چنة أوعدك بها، بس عندي چحيم يحرج الأخضر جبل اليابس، وأولهم اللي كانوا سبب في موت أبوي ظلم.

قطبت جبينها بعدم استيعاب لما يتفوه به وتحلت بالشجاعة وهي تواجهه بكره

_ظلم؟!....

مين فيهم اللي جتل التاني وحرم بناته منيه، ابوك انت ولا أبوي.

تحدث من بين أسنانه

_أبوي جتله صحيح بس كان دفاع عن النفس لإن أبوكي اللي شهر سلاحه لول، وده في القانون ميتحكمش عليه بيوم واحد، بس انتو بطرقكم الحقيرة والمحامى الحقير بتاعكم قدرتوا تحولها لى قتل عمد و اتحكم عليه بالموت.


كانت تستمع إليه بذهول مما يقوله

كيف باستطاعته تزييف الحقائق ويظهر بثوب المظلوم.

تابع بنزق

_وعشان إكدة وجب عليا اخد تار أبوي وارچع أرضنا اللي جدك عايز ياخدها غصب عنينا، ووجتها هرچعك لأهلك بس بعد ما أخد ابني منك.

ازدادت قطبت جبينها وهي تستمع إلى ما قاله بالأخير

_ابني؟!

أكد بكلمات اشبه للسوط الذي يجلدها بلا رحمة

_عوض عن أبويا، وهحرمك منه زي ما حرمتوني.

ابتعد عنها بتروي وعادت لعينيه نظرته الجليدية 

لكن عند تلك النقطة لم تقوى نغم على التحمل

_انت فاكر إني ممكن اسمحلك باكدة.

رد جاسر بثبات قاتل

_أني جادر على كل حاچة، مبخطيش خطوة إلا واكون دارس أبعادها زين.

ضيقت عينيها بانهيار

_انت مستحيل تكون بني آدم زينا.

أومأ لها بتأكيد

_صوح..

تقدم منها خطوة عندما وقفت قبالته بهشاشة واضحة مهما حاولت اخفاءها

_مش هجولك أني اتربيت على إني اكون أسد لأن الأسد رغم قوته إلا أنه متهور وكتير بيرچع خسران.

بس الفهد بيتروى جبل ما يخطي أي خطوة ناحية فريسته وبالنهاية بيرچع منتصر.

وأني عملت إكدة ولما هچمت اصطدت زين، زين جوي.

انتهى الثبات وانتهى كل شيء

هذا الرجل لن يتركها  ولن يرحمها

انتهت حياتها الهانئة التي كانت تعيشها في كنف عائلتها

انتهى كل شيء في لمح البصر وفتحت عينيها فجأة على جحيم يلتهم حياتها وامانها

عند تلك النقطة انتهى كل شيء وسمحت لنفسها الآن بأن يرى انهيارها

سقطت على ركبتيها ببكاء يهشم القلوب 


وكان هو يراقبها بصمت، لم يتوقع هذا الانهيار المفاجئ. 

كانت دموعها تزيد من رغبته في السيطرة، لكن شيئًا ما في نحيبها المكتوم جعله يشعر بوخز غريب. 

لم يكن شفقة، بل كان إحساسًا بالانتصار ممزوجًا بشيء آخر لم يستطع فهمه. 

عدى وقت طويل على تلك الحالة قبل أن ترفع رأسها فجأة، عيناها حمراوان متورمتان، لكنهما تحملان نظرة لم يرها من قبل. 

نظرة كره خالص، كره جعله يشعر بالنصر ألف مرة

وجعله يتركها ويخرج من الغرفة صافقًا الباب خلفه بعنف..


❈-❈-❈


طرقت الباب قبل أن تدلف فتجد ليل مستلقية في فراشها تبكي بصمت، وكانت روح بجوارها تعاني كما تعاني والدتها

ربتت على كتف روح وقالت بتأثر

_سيبيها وأني هبات معها.

أومأت روح ونهضت من جوار والدتها وخرجت من الغرفة 

جلست ليل بجوارها وتمتمت بأسف

_حجك عليا يا ليل أني السبب في اللي انتو فيه.

مسحت ليل دموعها وقالت 

_وانت ذنبك ايه بس يا ورد

الذنب ذنب جلوب قاسية ومليانة بالتار، مش ذنبكم 


_أنتم اللي قلوبكم صافية ومحبتكم لبعض كانت صادقة

ربنا شايف وعالم بكل حاجة، وتأكدي إن حقك وحق نغم مش هيضيع.


_أني واثجة إن بنتي هترچعلي من تاني، بس الخوف في اللي هتعانية معاهم، اللي سمعته عن ولد اخوكي يخليني أخاف عليها.

وعتابي على سالم اللي وعدني إن بنات أخوه هيفديهم بروحه والآخر سابهم بين ايديهم ورچع.


لاح الحزن والانكسار على وجه ورد وقالت بأسف

_متظلميش سالم يا ليل، نغم حتة من روحه وانتي خابرة إكدة زين، وهي أكتر واحدة جريبة من جلبه حتى عن وعد بنته، بس نغم غلطت لما خافة منيهم في وجود أهلها وطاوعتهم، كانت جادرة تتحمى فيهم وهما كانوا هيفدوا عرضهم بدمهم، بس هي غلطت بأنها صغرتهم جدام صخر وجاسر.

_بتتحدتي يا ورد كأنك متعرفيش نغم بنتي، نغم على جد طيبتها على جد ما هي مستعدة تضحي بروحها لجل ما تحمي اللي بتحبهم

واني متأكدة أنه هددها بيهم.

بس أملي في ربنا أنه يرچعهالي في أجرب وجت.

أمنت خلفها

_إن شاء الله


❈-❈-❈


أغلق سند باب غرفته خلفه ليس بهدوء، بل دفعه بقوة حتى ارتطم بالجدار وأحدث صوتاً مكتوماً، كأنه يحاول حبس صرخة عالقة في حنجرته. 

استند بظهره على الباب الخشبي ثم انزلقت قامته الممشوقة ببطء حتى جلس على الأرضية الباردة. 

لم يعد قادراً على الوقوف فقد سُحقت قدماه تحت وطأة الخيبة.


رفع رأسه وحدق في سقف الغرفة دون أن يراه حقاً. 

كانت غرفته التي شهدت أحلامه وأمانيه قد تحولت فجأة إلى شاهد على انكساره. 


لم يكن الألم من خسارتها لعدوه هو ما يمزقه

لو أنها خُطفت لو أنها صرخت، لو أنها استنجدت به، لكان قد أشعل الأرض ناراً تحت أقدام جاسر ومن معه.

كان سيحارب الدنيا بأسرها من أجلها، ليس فقط لأنها خطيبته التي أحبها منذ الصغر بل لأنها ابنة عمه عرضه، جزء من دمه ولحمه. 

حمايتها كانت واجبه قبل أن تكون رغبته.


لكن الكارثة كانت أعمق من ذلك بكثير.

الصورة لا تفارق عقله: نغم تقف خلف جاسر. 

لم تكن تقف بجانبه بل خلفه، في وضعية تعلن بوضوح أنها تحت حمايته هو وليس حمايتهم هم. 

كانت تلك الوقفة هي الطعنة الأولى.


ثم جاء صوتها، الذي كان يوماً لحناً يطربه، ليصبح سكيناً يذبح قلبه. 

"أني اخترت جاسر... أني چاية إهنه بإرادتي."


كل كلمة كانت بمثابة مطرقة تهشم كبرياءه ورجولته. 

هو يعلم في قرارة نفسه أنها كانت تحت تهديد، يرى ذلك في الارتجافة الخفيفة في صوتها، في نظرتها الزائغة التي حاولت تثبيتها. 

لكن هذا العلم لا يقلل من مرارة ما حدث.


الأصعب لم يكن فعلها بل توقيته ومكانه لقد فعلتها أمامهم أمام عمها وأولاده، وأمامه هو.

لقد فضّلت الخضوع لتهديد عدوها على الثقة في قوة أهلها. 

لقد ألغت وجودهم بكلماتها جعلتهم يبدون صغاراً، عاجزين، مجرد ديكور في مسرحية انتصار جاسر.


شعر سند وكأنها أمسكت بقلبه وسحقته أمام الجميع، ثم قدمته لجاسر كعربون ولاء.

ضرب بقبضته على الأرض بقوة

مرة، ومرتين، وهو يهمس لنفسه بصوتٍ متقطع من الغضب والألم: "ليه؟... ليه يا نغم؟... كنا كلنا هناك عشانك نظرة واحدة منك... إشارة... كنت هدمّر الدنيا عشانك."


لقد دمرته فكرة أنها لم تثق به. لم تثق بهم. 

لقد خافت منهم في وجودهم هذا هو الجرح الذي لن يندمل أبداً. 

لم يخسر حبيبته فحسب بل خسر ثقتها، وخسر جزءاً من إيمانه بنفسه كرجل وسند لعائلته.


قام عن الأرض، ومشى بخطوات ثقيلة نحو النافذة، ونظر إلى الظلام بالخارج. 

لم يعد يرى سوى صورة واحدة تتكرر بلا نهاية: ابتسامة جاسر المنتصرة، ونغم تقف خلفه، كظله المطيع. 

وفي تلك اللحظة، لم يشعر سند بالحزن بل شعر بكرهٍ نقي كرهٍ بارد ومظلم، ليس تجاه جاسر فقط بل تجاهها هي أيضاً. 

لقد تحولت من حبيبته إلى رمز هزيمته وعاره.


❈-❈-❈


لم ينم أحد في منزل الرفاعي تلك الليلة. 

ومع أول خيوط الفجر، اجتمع الرجال مرة أخرى في مجلس وهدان. 

كانت وجوههم متعبة، لكن عيونهم كانت تلمع بتصميم قاطع.

قال وهدان بصوتٍ حاسم

_اني فكرت زين ولجيت إننا لازمن نتغاضى عن اللي حوصل، أي خطوة هنخطيها هتعمل شوشرة وتمس سمعتنا، صخر لما خطط المرة دي خطط صوح وربط ايدينا ورجلينا، لإن لو اتكلمنا

معناها إننا بنجول للكل إن بتنا كانت عنده ورجعناها. 

وده في حد ذاته عار.


ساد الصمت والجميع ينظر إليه في حيرة. 

كيف يمكن أن يكون هناك حل آخر؟أكمل وهدان ونظراته تنتقل بين ابنه سالم  وحامد

_فاكر إنه كسرنا بنغم. 

فاكر إن فرحنا اتلغى، وسمعتنا بجت في الأرض. 

التفت الجد إلى سند الذي كان يقف كالصنم، وقال بنبرة لم يتوقعها أحد

_الفرح هيفضل في معاده يا سند والناس هتيجي، والفرحة هتملا البيت.


هنا اندهش الجميع وسأله مالك

_كيف ده يا جدي؟

هنا، دخلت وعد وهي تحمل صينية القهوة. 

توقفت عند الباب مترددة حين سمعت النقاش الحاد

أشار لها وهدان أن تتقدم. 

تعالي يا بتي. 

تقدمت وعد بخطوات بطيئة، والقلق بادي على وجهها، نظر وهدان مباشرة إلى سند ثم إلى وعد، وألقى بقنبلته التي هزت أركان المجلس

_أنت هتتجوز وعد يا سند. 

اتسعت أعين الجميع في ذهول واولهم سالم بينما تجمد سند في مكانه، أما وعد فكادت صينية القهوة تسقط من يديها. 

لم تفهم شيئاً، فقط شعرت بأنها أُلقيت في قلب العاصفة.

_عن اذنكم.

خرجت مسرعة بعد ان تركت القهوة على الطاولة

قال مالك بصوتٍ رافض

_مستحيل، أني برفض قرارك يا چدي، اختي برة الموضوع.


وقف وهدان ووضع يده على كتف مالك بقوة. 

_اسمعني زين ده مش تار، ده حفاظ على كرامتنا

جاسر مستني يشوفنا مكسورين، مستني يسمع عن فضيحتنا في كل مكان بس لما الناس كلها تاجي النهاردة وتلاجي كتب الكتاب جايم، هيعرف إن ضربته مردودة في صدره. 

هيعرف إننا أكبر من إنه يكسرنا 

ثم التفت إلى سند الذي كان مذهولا مما يسمعه، وقال بصوتٍ أكثر ليناً _وأنت يا سند، وعد بنت عمك ومتتخيرش عن نغم، كلهم بناتي وكلهم تربية واحدة، المهم دلوجت إننا ننقذ موجفنا دلوجت وكل حاچة بعد إكدة محلولة


وقف سند في موقف لا يحسد عليه 

إذا رفض قرار جده سيكون بذلك يكسر قلبه وإن وافج هيظلمها حقاً لان مشاعره تجاهها ليس اكثر من أخوة.

انتظر ان يعارض أحد لكن الكل رضخ لذلك الأمر رغم رفضهم.

لن يستطيع هو أيضاً الرفض

_يعني كلايتكم خلاص اتخليتوا عن نغم وبتخططوا بس انكم تلموا الفضيحة

قالها عدي بغضب شديد بدافع مشاعره ولا يهمه شيء آخر 

فتابع غضبه

_لو انتو اتخليتوا أني مش هتخلى وهعمل المستحيل عشان أرجعها وسطينا.

هم بالخروج لكن مالك وقف أمامه يمنعه بانفعال

_انت رايح فين؟

ازاح عدي يد مالك بحدة

_رايح أجيب دمنا اللي رمتوه.

منعه مالك بعقل

_ارچع وبلاش تهور، المواضيع دي مش بتتاخد بالدراع.

صاح به عدي

_اومال بتتاخد بأيه يا بش مهندس، لو كان عمي الله يرحمه عايش انت برضك هتجول إكدة.

أكد مالك بهدر

_ايوة كنت هجول إكدة، لأنها حرب ولازمن نطاطي لو رايدين نكسبها، لو بتبص حواليك كنت لاحظت الكاميرات اللي موچودة في كل زاوية في بيت التهامية يعني دلوجت لو فكرنا نعمل أي حاچة هتطربج اكتر على دماغنا

نغم معترفة انها چات برجليها له وانها ريداه، شوف لما البلد تعرف حاچة زي دي سمعتها هي جبل سمعتنا هتكون ايه مصيرها.

اهدي وفكر زين زي ما عدوك بيفكر واستنى لما ياچي الوجت اللي تسحب البساط من تحت رچليه

وجتها هيرضخ جدامنا زي احنا ما رضخنا جدامه.

نغم غلطت ولازمن هي كمان تتحمل نتيجة غلطها، لو كانت اتحامت فينا جدامه مكنش هيهمنا حاچة واصل ومكنش هيقدر يمسك علينا غلطة، بس هي سلمت حالها له حتى لو تحت تهديد.

لم يستطيع احد معارضة مالك

بل رآه الجميع محق بذلك فقد كان ذلك نفس تفكيرهم أو أقل بقليل.

في النهاية النتيجة الكل يعرفها جيدًا

تابع مالك بحكمة

_جدك عنده حج، الفرح هيتم تحت أي ظرف، والأمور هتمشي عادي لجل ما يحس جاسر إن الموضوع مش فارج معانا وانه مكسرناش زي ما تخيل.

أيد سالم قراره

_عندك حج يا ولدي والنهاردة في كتب الكتاب هنعلن ان الفرح بكرة.

كانت وعد تقف امام الباب تستمع لما يقولون

وكم شعرت بضئالتها وهم يأخذونها ككبش فدائد لانقاذ انفسهم.

انسحبت مسرعة عندما أمرهم جدها بالخروج وصعدت إلى غرفتها.

أغلقت الباب خلفها واسندت عليه بظهرها لتسمح لدموعها بالعنان


نعم كان حلمها ان تصير له

لكن ليس بتلك الطريقة وليس على حساب ابنة عمها وشقيقتها التي تعدها اقرب إليها من روحها.

الآن نغم فارقتها 

وأجبرت هي على أخذ مكانها


ابتعدت عن الباب عندما سمعت طرق عليه ومسحت دموعها بسرعة ثم فتحته.

ظهر أمامها والدها بابتسامته المعهودة والتي يخبرها دائماً انه خصها لها وحدها.

_مش هتجولي لابوكي ادخل.

حاولت الابتسام وهي تفتح الباب كي تسمح له بالولوج

_كيف ده اتفضل.

دلف سالم وأغلق الباب خلفه ثم اشار لها بالجلوس وجلس بجوارها

_شوفي يا بنتي، أني عارف إنه طلب كبير، بس أنتي بت ابوكي، ودمك من دمي النهاردة أنتِ مش بس هتكوني عروسة، أنتِ هتحمي اسم عيلتك كلها. 

هترفعي راسنا كلنا جدام اللي عايز يوطيها.

كانت وعد تنظر إلى الأرض، والدموع تتجمع في عينيها. 

لم تحلم يوماً أن يكون زواجها بهذه الطريقة. 

لم تكن مجرد عروس، بل كانت درعاً، وسلاحاً في حرب لا ذنب لها فيها 

_أني خابر إنك رافضة الچوازة دي او نجول الطريجة نفسها، بس احنا دلوجت مضطرين نطاطي للريح لحد ما تمر بسلام

وبعدين سند ابن عمك وهو الوحيد اللي هآمن عليكي معاه، لانه عمره ما هيظلمك ودي حاچة اني واثق منيها.

متخيلتش في يوم إني اجبرك على حاچة واصل بس الظروف بتحكم واني متأكد برضك انك عمرك ما هتندمي.

ربت على كتفها وتابع

_جومي چهزي حالك وافرحي وبالنسبة لنغم متخافيش عليها.

اني حطيت عين ليا هناك وأخبارها هتوصلني اول بأول.

انهمرت الدموع من عينيها وتمتمت بحزن

_خايفة عليها جوي.

_جولتلك متخافيش عليها مستني لما ياچي الوجت المناسب وهسحبها من وسطيهم.

تركها وغادر لكنه مر على غرفة ليل.

كانت روح جالسة على الاريكة وورد بجوارها عندما سمحوا له بالولوج

كانت عينيها متورمة من شدة البكاء وكذلك روح

فقالت روح فور رؤيته

_اتفضل يا عمي.

جلس سالم على المقعد بجوارهم وتحدث بثبوت

_كيفك دلوجت يا إم نغم؟

اشاحت بعينيها بعيدًا 

_الحمد لله على كل حال.

تنهد سالم وقال بألم

_اني خابر انك موچوعة على نغم، بس احنا كمان موچوعين اكتر منك وربنا شاهد، الموضوع واعر جوي ومخلينا مكبلين جدامه.

همت ليل بالدفاع عن ابنتها لكن سالم منعها

_متجوليش حاچة كلنا خابرينها زين، بس زي ما جولتلك هي دلوجت قانونا مرته ولو فكرنا نلغي العجد هنكون بنشوشر على الفاضي، لإن نغم معترفة انها عملت إكدة بإرادتها، ومنجدرش برضك نثبت انه كان تحت التهديد.


تنهد وهو يتابع

_اهدي إكدة ومتجلجيش عليها اني خابر بتي زين وواثق إنها تجدر تلين جلوبهم عليها.

نهض وهو يتابع بثقة

_نغم متجلجيش عليها هي دلوجت في بيت چوزها.

صححت ليل

_تجصد مع ابن اللي جتل ابوها يا سالم.


اخفضت ورد عينيها بخزي لاحظه سالم فرد قائلاً 

_صحيح، بس خلاص برضانا او غصبت عنا هو بجى چوزها وندعي ربنا انه يهديه ليها.


قالت بعتاب

_يعني خلاص هتتخلى عنيها، عن بنت عامر اللي وعدتني لما وافجت أفضل معاكم إنك هتحطهم في عينيك؟

اشعلت بعتابها نيرانه التي يحاول إخمادها

_لا يا أم نغم مخلفتش وعدي، أني بس مستني الوجت المناسب، نغم كسرت روحي ومش هترد فيا إلا برجعها سالمة.


❈-❈-❈


أما سند، فكان الصراع يدور بداخله. فكرة الزواج من أخرى بينما حبيبته في قبضة عدوه كانت تمزقه. 

لكنه نظر إلى وجه جده الحاسم، والذي طلب منه البقاء.

تطلع إليه وهدان وقال بهدوء

_أني خابر باللي انت فيه دلوجت وخابر أنه صعب على حد يتحمله

بس مجدمناش حل تاني، اللي حوصل حوصل ومفيش مهرب منيه.

وأدينا زي ما بيجولوا بننقذ ما يمكن انقاذه.

ووعد أدب وچمال وأخلاج، أي واحد يتمناها، وبكرة الحب بياچي بالعشرة الطيبة ومفيش اطيب من عشرتها وعلى عشرتك يا سند.


أومأ سند برأسه ببطء، موافقاً على مضض. 

_اللي تشوفه يا جدي.

ابتسم وهدان ابتسامة رضا

_زين. 

النهاردة البلد كلها هتحكي عن فرح سند الرفاعي، ومحدش هيفكر فمين العروسة.

اني طالع اريح شوية وانتو چهزوا لكتب الكتاب واستعدوا للفرح بكرة


.......


أما عن نغم، فقد حكم عليها جدها بأقسى عقاب لم يكن القتل أو الخطف، بل النسيان. 

أن تصبح مجرد ذكرى باهتة، بينما الحياة تستمر في عائلتها بدونها، وكأنها لم تكن موجودة قط. 

هذه كانت الضربة الحقيقية التي ستصلها حتى وهي في سجنها عند جاسر.

هكذا ظنت ولم تتخيل ما يعانيه أهلها بسبب عجزهم.


❈-❈-❈


لم يغمض لها جفن في تلك الليلة 


وعندما بدأ خيط الفجر يشق الظلام، كانت عيناها حمراوين متورمتين، لكنهما تحملان تصميمًا فولاذيًا لن تستسلم. 

لن تكون ضحية

مع أول شعاع شمس تسلل إلى الغرفة، انفتح الباب فجأة دون سابق إنذار. 

انتفضت من مكانها، عيناها تتسعان بصدمة، وقفت فتاة شابة على عتبة الباب ترتدي ملابس أنيقة، وشعرها الأسود ينسدل على كتفيها بحرية متناغم مع بشرتها الخمرية. 

كانت تبتسم ابتسامة واسعة، لكنها لم تصل إلى عينيها الباردتين.

_انتِ بجا ست الحسن والجمال اللى جاسر جبهالنا امبارح؟

انفعلت نغم من سخريتها في الحديث معها 

_انتِ ازاي تدخلي عليا إكدة من غير ما تخبطي.

ضحكت الفتاة ضحكة رقيقة، ثم تقدمت بضع خطوات إلى الداخل، عيونها تتفحصان الغرفة بفضول. 

وقالت بصوت رقيق لكنه يحمل نبرة استعلاء، 

_ايه يا چميلة، عايزاني أخد الإذن منك في بيتي؟

أمسكت خصلة من شعرها تتلاعب بها بكيد وهي تضيف

_وكمان في اوضة چوزي...

صححت بتلاعب

_أجصد اللي هيبجى چوزي.


تجمد الدم في عروق نغم من سماع تلك الكلمة، لكنها أرادت ان تتأكد أكثر 

_چو...چوزك؟

ابتسمت الفتاة ابتسامة عريضة، تكشف عن أسنان بيضاء منتظمة وقالت مدعية الصدمة

_معجول جاسر مجالكيش....تؤتؤ

غلطان واد عمي انه خبى عليكي..

تقدمت منها خطوة وقد بدأت تظهر وجهها الحقيقي لتقول بغيرة واضحة

_بس اديكي عرفتي عشان ميكنش عندك اي أمل فيه...جاسر ده ملكي لوحدي يعني لا انتي ولا عشرة زيك هتقدروا تاخدوه مني، يعني تسيبك من أي احلام وردية معاه.

رغم المرارة التي شعرت بها نغم والتي علقمت حلقها بشدة إلا إنها استطاعت اخفاءها فلن تسمح لتلك الفتاة أن تتشفى بها فقالت بسخرية مريرة 

_أحلام وردية؟!

أنا هنا في كابوس مش أحلام وردية، الأحلام دي خليها لك انتي، واشبعي به أني چيت أهنه تحت تهديد وبستنى اليوم الى هخرج  فيه من أهنه وملتفتيش ورايا حتى.


نظرت إليها بتحدي وتابعت

_ لو كنت خايفة عليه مني فبجولك متخافيش لأنه خارچ حساباتي.. 

ضحكت شروق باستهزاء واضح أرادت به كسر شوكتها

_أخاف منك انتِ؟ انتي إهنه مجرد وسيلة للانتجام زي ما فهمني لما زعلت منيه انه اتچوزك

سارت نحو المقعد لتجلس عليه بأريحية وتابعت

_أني واثقة من حبه ليا، بس بصراحة مش واثقة في بنت الرفاعية وخصوصاً....

نظرت إلى الفراش وتابعت بمغزى

_إنك هتباتي معاه في أوضة واحدة.

هو صحيح جالي انه خلاكي تنامي على الكنبة بس ده برضك يخليني اجلج عليه منيكي.


تجرعت مرارة كلماتها وردت بهدوء

_ولما انتي واثقة إكدة من حبه ليكي خايفة عليه ليه، ولا ثقتك بنفسك مش كفاية.

_ثقتي بنفسي أنا؟! انتي بتتحدتي عني انا؟

سألتها باستهزاء وغرور وتابعت

_فوجي يا حلوة واعرفي انتِ بتتحدتي مع مين وبنت مين، انا بنت صخر التهامي، أكبر عيلة وأغنى عيلة في البلد، يعني انا مال وجمال وأصل، وكفاية جوي إني بنت عمه 

تقدمت منها خطوة وسألتها باستنكار

_تفتكري جاسر هيسيب واحدة بكل المواصفات دي ويبص عليكي انتِ؟!

بتحلمي.

نصل حاد اخترق قلبها وأضعف قوتها لكن لن تضعف أمامها مطلقاً ولن تجعلها تشعر بالانتصار عليها 

هي قبلت بالدخول إلى الجحيم لذا عليها أن تظل قوية كي لا تدهسها أقدامهم.

_الحلم فعلا اللي نفسي اعيشه هو إني أخرچ من أهنه، يعني معنديش احلام معاه أو مع غيره، واتفضلي برة لإني معنديش حديت تاني اجوله، واظن إن اللي جولته كفاية يطمنك من ناحيتي، جاسر بتاعك ده ولا يعنيني في شيء..


هزت شروق كتفيها بسخرية 

_يمكن، بس اني حبيت اعرفك مكانتك اهنه.

ثم استدارت وغادرت الغرفة، تاركة الباب مفتوحًا خلفها. 

نظرت نغم إلى الباب المفتوح، ثم إلى الأريكة التي قضت عليها ليلة كاملة. الكره الذي كانت تكنه لجاسر تضاعف أضعافًا مضاعفة. 

لم يعد مجرد كره، بل أصبح رغبة عارمة في تدميره، في جعل حياته جحيمًا، تمامًا كما يفعل بحياتها. 

كانت الصدمة قد تحولت إلى وقود جديد، وقود للانتقام، وقود للبقاء، لم تعد تبكي، بل كانت عيناها تشتعلان بنار لم تخمد بعد.


❈-❈-❈


استيقظ جاسر وهو يشعر بتيبس في عضلاته 

فقد بات ليلته في مكتبه على ذلك المقعد الصلب

نظر في ساعته فوجدها السابعة صباحاً 

مسح بيديه على وجهه ينفض ذلك النعاس عنه، فلم ينام سوى ساعتين فقط

حل رابطة عنقه وقد تذكر بأنه لم يبدل ملابسه منذ صباح الأمس.

نهض غير مباليا بذلك الألم وخرج من المكتب.

كان السكون يعم المكان في المنزل على غير عادته

صعد الدرج متوجهاً إلى غرفته فيتفاجئ بشروق داخلها

وقف يستمع لهما بالداخل في وجوم وملامحه لا تفسر شيء حتى انتهى ذلك اللقاء وخرجت شروق من الغرفة

تسمرت مكانها عندما وجدته أمامها فاهتزت نظراتها بخوف واضح وتمتمت بكذب 

_أ..أنا..بس كنت بشوف إن كانت محتاچة حاچة...

_مطلبتش تفسير..

قالها جاسر بلهجة رغم هدوءها الا إنها نثرت الخوف بداخلها

_امشي.

هزت راسها واسرعت بالذهاب لغرفتها.


نظر إلى الباب الذي ظل مفتوحاً وهو على نفس وجومه لكن لم يلبث كثيرًا 

ودلف إلى الداخل بخطوات هادئة، وأغلق الباب خلفه.


كانت نغم تقف في منتصف الغرفة، ظهرها له، وكتفاها يهتزان بعنف مكتوم. 

لم تكن تبكي، بل كانت ترتجف من فرط الألم والقهر. 

لم تلتفت إليه، وكأنه غير موجود، لكن وجوده ملأ الغرفة بثقله الخانق.


سار جاسر ببطء حتى وقف خلفها مباشرة، صمته كان أشد وطأة من أي كلام. 

لم يلمسها، لكنها شعرت بأنفاسه الباردة تلفحها، مما زاد من رجفتها.


نقل عينيه إلى صنية الطعام التي جاءت بها والدته بالأمس ولم تمس ثم عاد بنظره إليها 


_مادام دخلت الاوضة يبجى تتلفتي ليا بطاعة. 

قالها بصوت أجش، خالٍ من أي تعبير، كأنه يقرر حقيقة كونية.

لم تعيره أدنى اهتمام بل ظلت ثابتة على وضعها كأنها بتلك الطريقة التي لا تملك غيرها تكسر كبرياءه

لكن يبدو انها اخطأت حينما ظنت ذلك إذ وجدت نفسها بلحظة تواجه ذلك الجدار الصلب

رفعت عينيها بغضب من فعلته لكنها تفاجئت بعينين تنذر بجحيم على وشك الظهور وفم حازم يتمتم 

_الحاچة الوحيدة اللي هعيدها إني مبكررش أوامري، الكلمة بجولها مرة واحدة بس، وإن متسمعتش بيكون عقابها واعر جوي.

أخفت ذعرها بداخلها ولم تظهر بعينيها سوى قوة تعتبر واهنة أمام قوته

ظنت بتلك الطريقة أنها تكسر شموخه ولم تعرف أنها بذلك تجعل انتقامه أكثر تشويق.

رفعت رأسها لتواجهه بكبرياء وقالت بصوت مشحون بالازدراء

_الكلام ده تجوله لخطيبتك ولا اللي تحت ايدك إنما أني لا...أني نغم الرفاعي كيف ما انت جاسر التهامي مجلش ابدا عنيكم، يعني لا هتجدر تكسرني ولا تذلني كيف ما انت رايد.


كانت عينيه تشتعل بلهيب لو خرج لأحرق كل ما تطاله نظراته حتى فمه أصبح يتشنج من شدة سخطه


ساد صمتٌ مُشبع بالترقب، لم يكن صمتًا هادئًا، بل كان الهدوء الذي يسبق العاصفة. 

ارتسمت على شفتي جاسر شبه ابتسامة ساخرة، ابتسامة لم تصل إلى عينيه اللتين تحولت لبرود كجليد القطب الشمالي 


_نغم الرفاعي...


نطق اسمها ببطء، يتلذذ بكل حرف، وكأنه يختبر مدى رعونتها أمامه

ثم قربها أكثر إليه، حتى لم يعد يفصلهما شيء. 

لم تتراجع، لكنها شعرت بأن الهواء حولها أصبح أثقل، وأن المساحة تضيق عليها.

_كبرك ده هو اللي عاچبني فيكي... بس كل كبر وله اللي يكسره.

قرب وجهه أكثر منها وقد عادت لعينيه وميض النار وهي مثبتتان على عينيها كصقر يراقب فريسته.


_الاوضة دي... والبيت ده... وكل نفس بتاخديه اهنه ملكي وتحت أمري. 

لما أكلمك، تسيبك من اسم أبوكي وعيلتك، وتفتكري بس إنك مرتي. 

ولما أأمرك بحاچة، تتنفذ من سكات.


مد يده وأمسك بذقنها، وأجبرها على رفع وجهها نحوه. 

كانت قبضته حازمة لكنها لم تكن مؤلمة، كانت مجرد تأكيد على سيطرته الكاملة.

_أما عن الكسر والذل... فده فن أني أتقنه زين جوي. 

وكل يوم هتجضيه اهنه، هتتعلمي درس جديد والنهاردة أول درس ليكي اهنه

تركها فجأة وتقدم من الفراش فينفض ما عليه ليتناثر في أرجاء الغرفة 

طاولة الزينة، المقاعد، كل ما تطاله يداه يقوم ببث الفوضى به حتى أصبحت الغرفة كساحة معركة ولم يسلم شيء فيها من يده تارة ومن قدمه تارة اخرى.

تجمدت نغم في مكانها، واتسعت عيناها بصدمة ورعب ليس من الفعل نفسه، بل من السهولة والقوة والبرود الذي تم به. 

كان استعراضًا صامتًا لقوته، رسالة واضحة تقول: ما ترينه الآن هو مجرد لمحة بسيطة مما أستطيع فعل 

ثم استدار نحوها ببطء، وعيناه مثبتتان على عينيها كصقر يراقب فريسته.

_الطاعة

هتلمي كل الفوضى دي بإيدك، وهتنضفي الاوضة لحد ما ترجع كيف ما كانت وأحسن. 

ومش هتذوقي لجمة واحدة جبل ما تخلصي.


اتجه نحو الباب بخطوات واثقة وهادئة، وكأن شيئًا لم يكن. 

وقبل أن يخرج، التفت إليها بنظرة أخيرة، نظرة تحمل تحذيرًا نهائيًا.


_ومتنسيش... أني مبكررش أوامري.


أغلق الباب خلفه، تاركًا نغم واقفة وسط الفوضى التي خلفها، ترتجف ليس من الخوف هذه المرة، بل من الإدراك المرير بأنها دخلت عرين أسدٍ لن يرحم تمردها، وأن معركتها معه ستكون أشرس وأقسى مما تخيلت.


❈-❈-❈


لم يستطيع أحد أن ينام تلك الليلة، كان الحزن ثقيلًا، يضغط على صدور الجميع صعدت روح إلى غرفتها، لكنها شعرت بالاختناق بين جدران غرفتها التي كانت تجهزها بسعادة، أصبحت الآن صامتة وباردة لم تعد تستطع تحمل الوحدة، فخرجت تبحث عن الشخص الوحيد الذي كان دائمًا ملاذها الآمن.


وجدته في الشرفة الخاصة بمكتب جدها واقفًا في الظلام، ينظر إلى الأفق البعيد كعادته كان يبدو كجبل صامت، يحمل هموم العالم على كتفيه.

اقتربت منه بهدوء، ووقفت بجانبه دون أن تتكلم

لم يلتفت، لكنه قال بصوت هادئ.


_الجو برد؟ ادخلي جوه يا روح.


هزت رأسها، وقالت بصوت مختنق لكنه يحمل مغزى

_البرد اللي بره أهون من البرد اللي جوه.


هنا التفت إليها، ورأى الحزن يغلف ملامحها، والدموع تلمع في عينيها في ضوء

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا الخولي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة