رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 6 - الخميس 21/8/2025
قراءة رواية ثنايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ثنايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا الخولي
الفصل السادس
تم النشر الخميس
21/8/2025
ظل يتطلع إلى تلك الراقدة على السرير في سكون تام، كأن دنيتها قد توقفت عند تلك اللحظة، تنتظر أن تفيق في عالمه هو
عالمٌ هو من سيصنعه لها، بقواعده هو، وبشروطه هو ها قد حالفه الحظ، وجاءته فريسته على طبق من ذهب، بطريقة لم تخطر له على بال، وبهذه السهولة المريبة.
لاح على فمه شبح ابتسامة، ابتسامة نصر باردة لم تلبث كثيرًا واختفت سريعًا، وحل محلها قناع البرود الذي يتقنه.
تطلع إلى ملامحها الهادئة، إلى رموشها الطويلة التي ترسم ظلالاً على خديها الشاحبين رأى فيها هشاشة واضحة، شخصية بدت له كتابًا مفتوحًا، وصل لأدق تفاصيلها في غضون دقائق معدودة.
عندما سقطت بين ذراعيه فاقدة الوعي، عرفها سائقه على الفور.
"دي... حفيدة وهدان الرفاعي يا بيه."
همس السائق بقلق
في تلك اللحظة، لمعت عينا جاسر ببريق شيطاني فكر لوهلة أن يتركها لمصيرها في تلك الغابة، لكنه أدرك أن ذلك المصير ليس ما أراده لتلك العائلة
لم يتوانَ عن حملها والذهاب بها إلى المشفى.
فتلك هي أولى خطواته على سلم الانتقام، سيرد الصاع صاعين، وسيجعلهم جميعًا يرضخون تحت قدميه.
وصل السائق أمام المشفى، وفتح له الباب وهو يقول بقلق
_ استنى يا بيه، هنادي حد يجيب ترولي...
قاطعه جاسر بصوت حازم كحد السيف
_ متندهش حد.
ترجل من السيارة وهو يحملها بين ذراعيه، ودلف بها إلى المشفى أمام أنظار الجميع المندهشة.
كان المشهد عجيبا جاسر التهامي، الرجل الذي يشبه الصخر في قسوته، يحمل فتاة غريبة بين ذراعيه، ضامًا إياها إلى صدره، وقد استطاع ببراعة أن يرسم على ملامحه قناع قلق المحب على محبوبته.
انقلبت المشفى رأسًا على عقب فور رؤيته.
أسرع أحدهم نحوه بسرير متحرك، لكن جاسر رفض أن يبعدها عن ذراعيه، وصار بها للداخل إلى قسم الطوارئ، حيث أشارت له إحدى الممرضات إلى غرفة فارغة.
وضعها برفق على السرير، وفي تلك اللحظة دلف الطبيب قائلاً
_ خير، إيه اللي حصلها؟
همّ الطبيب بالاقتراب منها ليفحصها، لكن صوت جاسر الحازم أوقفه كصاعقة كهربائية.
_ متقربش منيها.
اندهش الطبيب، واستدار نحوه.
_ نعم! يعني إيه مقربش منيها؟ أومال هكشف عليها إزاي؟
لم يعر جاسر رده أي اهتمام، ووجه حديثه للممرضة بنبرة لا تقبل الجدال.
_ لو مفيش دكتورة هنا، هاخدها وأمشي.
تمتمت الممرضة، التي تعرف جيدًا من يكون جاسر التهامي وما يمكنه فعله، بوجل
_ لأه... لأه... إزاي بس الدكتورة مها موجودة دلوقتي، ثواني وهندهلها.
هز الطبيب رأسه بيأس من تلك العقول التي لم تتغير، وخرج من الغرفة في صمت.
عاد جاسر من شروده على آهة خافتة خرجت من بين شفتيها استرخى في مقعده بجانب السرير، يتطلع إليها بتسلية، مستمتعًا بالبداية التي تسير تمامًا على هواه.
وضع قدمًا فوق الأخرى، وعلى محياه ذلك البرود القاتل المعروف عنه، والذي يجعل من أمامه يفكر ألف مرة قبل أن يخطو نحوه خطوة واحدة.
رفعت أناملها، ووضعتها على رأسها الذي يؤلمها ضغطت على عينيها كأنها تجد صعوبة في فتحهما، حتى استطاعت أخيرًا رفع جفنيها الثقيلين.
وقعت عيناها على سقف الغرفة الأبيض، قبل أن تجول ببصرها في باقي الغرفة لم يساعدها عقلها الذي لم يكتمل وعيه بعد على معرفة أين هي.
لكن وعيها عاد فجأة، وبقوة، عندما وقعت عيناها على ذلك الجالس بكل أريحية، يتطلع إليها بعيون هادئة كأن وجوده شيء عادي.
انتفضت مسرعة لتعتدل في الفراش، رغم الدوار الذي كاد أن يسقطها، وتمتمت بصوت يرتجف من الخوف
_ أنت مين؟ وإيه اللي جابني هنا؟
أنزل جاسر قدمه، واستند بمرفقيه على ساقيه، مقتربًا منها قليلاً، ورد سؤالها بسؤال آخر، ونبرته باردة كالثلج.
_ المفروض أنا اللي أسألك أنتِ اللي مين، وكنتِ بتعملي إيه في أرضي؟
"أرضي؟" ترددت الكلمة في ذهنها. عادت إليها ذاكرتها كالصاعقة؛ السائق الذي هاجمها، ركضها في الحديقة، سقوطها... تذكرت كل شيء.
لا إراديًا وضعت يدها على معصمها الآخر تتفقد قلادتها، لكنها وجدت يدها فارغة.
عادت بنظرها إليه، وسألته بشك
_ أنت لقيتني إزاي؟
رد بفتوره المعتاد، وكأنه يتحدث عن الطقس.
لقيتك_ مغمى عليكي أخدتك وجبتك المستشفى.
تذكرت تلك العيون الجليدية التي اصطدمت بها قبل أن تفقد الوعي هي نفس العيون التي تراها الآن
هو من أنقذها تطلعت إليه بعرفان، وشعرت بموجة من الامتنان تغمرها. لولاه، لكانت الآن بين يدي ذلك الوحش.
_ متشكرة جوي مش عارفة لولا وجودك كان ممكن يحصلي إيه.
عاد بظهره للوراء، ورد بهدوء لا يتناسب مع الموقف.
_ لا شكر على واجب المهم إنك بخير.
لاحظ يدها التي عادت مرة أخرى إلى معصمها، ولاحظ الحزن الذي ارتسم على قسماتها.
تمتمت بخفوت، وكأنها تحدث نفسها
_ الحمد لله على كل حال.
تظاهر بالاهتمام، وسألها بنبرة بدت وكأنها تحمل بعض التعاطف
_ ممكن أعرف إيه اللي وداكي مكان زي ده، وفي وقت زي ده؟
روت له نغم ما حدث معها، وهو يستمع إليها باهتمام مصطنع، وملامحه لا تتفاعل بما ترويه نغم وعندما انتهت، قالت بقلق
_ بس أنا عايزة أطمن أهلي، زمانهم قلقانين عليا.
رفع حاجبيه بتأكيد، كأنه يوافقها الرأي تمامًا.
_ أكيد.
أخرج هاتفه من جيب سترته، وسألها بسؤال غريب
_ حافظة الرقم، ولا أوصلهم بمعرفتي؟
أدهشها سؤاله، وجعلها تسأله بحيرة
_ أنت تعرف أهلي؟
التزم الصمت لثوانٍ بدت طويلة، كأنه يتلاعب بها، يستمتع بحيرتها وقلقها. ثم رد بفتور
_ لأ. مقصدي، أبعتلهم حد البيت يطمنهم هتقولي الرقم، ولا تاخدي أنتِ تكلميهم؟
مدت يدها لتأخذ منه الهاتف، وهي تحاول تجاهل ذلك القلق الغامض الذي انتابها منه.
كان هناك شيء في هدوئه، في بروده، في الطريقة التي يسيطر بها على الموقف، شيء يخيفها أكثر من الرجل الذي طاردها في الغابة.
❈-❈-❈
انقلب المنزل رأسًا على عقب في لحظة.
تأكيد سند لعمه سالم أن نغم ليست معه وأنها مفقودة كان بمثابة إلقاء حجر في بحيرة راكدة، فتحولت تموجات القلق إلى أمواج عاتية من الهلع.
خرج سالم ورجاله، ينتشرون في شوارع البلد، يسألون أصحاب المحال والباعة المتجولين، كل منهم يحمل صورة نغم في عينيه، وصلاة صامتة في قلبه.
بقي سند في الجامعة، يصارع الإجراءات، ويطلب من إدارة الأمن مراجعة كاميرات المراقبة عند البوابة الرئيسية.
كان عقله يعمل كآلة تحليل باردة، يحاول قمع الرعب الذي ينهش أحشاءه.
كان الشك الأول والأخير يرمي في اتجاه واحد: عائلة التهامي.
لكنه كان يعرف أن أي خطوة متهورة تجاههم دون دليل ستكون بمثابة إعلان حرب، حرب هم غير مستعدين لها الآن يجب أن يتأكدوا أولاً.
وقف سند أمام الشاشة في غرفة الأمن، وعيناه مثبتتان على اللقطات الباهتة قلبه كان يدق بعنف مع كل سيارة تمر، مع كل وجه يظهر ثم، فجأة، لمحها كانت هي تسير بخطوات سريعة، وتتلفت خلفها بقلق، قبل أن تستقل سيارة أجرة توقفت لها.
_ أيوة! هي دي! استنى! وقف!
صاح بلهفة على رجل الأمن، الذي أوقف الصورة انحنى سند نحو الشاشة، وعيناه تكادان تلتصقان بها، محاولاً فك طلاسم الأرقام الباهتة على لوحة السيارة.
_ حاول توضح الرقم... كبّر الصورة... اعمل أي حاجة!
حاول رجل الأمن، لكن جودة الكاميرا حالت دون ذلك
كانت الأرقام مجرد بقع ضبابية زم سند شفتيه بحنق، ولكم الطاولة بقبضة يده، وشعر بموجة من العجز تغمره.
خرج من الغرفة كالإعصار، يبحث عن أي كاميرا أخرى في محل مجاور قد تكون التقطت صورة أوضح.
في خضم هذا الجنون، لم يكف هاتفه عن الرنين برقم غير مسجل.
تجاهله في المرة الأولى، ثم الثانية، معتبرًا أنه اتصال خاطئ سيعطله
لكن عندما رن للمرة الثالثة بإصرار عنيد، شعر بوخزة من القلق
أجاب بصوت حاد وعصبي، يفيض بالتوتر.
_ ميـــــــن؟!
أجفلت نغم من حدة صوته، وشعرت بالخوف يرتجف في أوصالها.
_ أ... أنا... نغم.
في الطرف الآخر من الخط، توقف العالم.
سمعت نغم صوت صرير حاد ومفزع لمكابح سيارة، وكأن سند قد داس عليها بكل قوته ثم جاء صوته، لم يعد حادًا، بل كان مرعوبًا لاهثًا، كل كلمة فيه تحمل وزن جبل من القلق.
_ نغم! أنتِ فين؟!انتى زينه ؟! فيكى شئ إيه اللي حوصل امعاكى؟!
توجهت عيناها لا إراديًا إلى ذلك الرجل الجالس في كرسيه، المسترخي الذي يتطلع إليها ببرود، كأنه يشاهد مسلسله المفضل وقد وصل إلى ذروته. ازدردت جفاف حلقها بصعوبة، وهمت بالرد، أن تطمئنه، أن تخبره أنها بخير... لكنها صُدمت عندما وجدته ينهض من مكانه بخطوة واحدة، ويأخذ الهاتف من يدها المرتعشة، ويضعه على أذنه بدلاً منها.
_ السلام عليكم.
صوت هادئ، وواثق، وقاسٍ كالصخر.
صُدم سند من هذا الرد، من هذا الهدوء المستفز الذي لا يتناسب مع حالة الهلع التي يعيشها سأل بحدة، وقد بدأ الغضب يحل محل الخوف
_ أنت مين؟! ونغم فين؟!
سار جاسر بالهاتف حتى وصل إلى نافذة الغرفة، ووقف أمامها بشموخ، ويده الأخرى في جيب بنطاله، كأنه سيد العالم.
_ أنا جاسر التهامي والآنسة نغم... معايا دلوقتي.
لو أن صاعقة ضربت المكان، لما كان تأثيرها أشد.
ألجمت الصدمة نغم التي شعرت بالدوار يهاجمها مرة أخرى.
ألجمت الصدمة سند، الذي شعر وكأن أحدهم قد سكب ماءً جليديًا على روحه كأنه أخطأ السمع، كأنه في كابوس
عاد يستفهم بصوت متحشرج
_ بتجول مين؟!
ارتسمت ابتسامة ساخرة وقاسية على فم جاسر الحازم، لكنها لم تلبث كثيرًا وهو يعيد ما قاله، متلذذًا بكل حرف
_ جاسر... التهامي.
ضغط على اسم عائلته، كأنه يضغط على زناد مسدس مصوب نحو كرامة سند.
ضغط سند بقبضته على عجلة القيادة حتى ابيضت مفاصله، وشعر بالدم يغلي في عروقه
لم يعد هناك شك، لم يعد هناك مجال للتفكير لقد بدأت الحرب.
وهدر بانفعال، بصوتٍ تحول إلى زئير وحش جريح
_ بجا إكده؟! يبقى أنت اللي بديت يا ابن التهامي! ويدك لو اتمدت عليها... جول على نفسك يا رحمن يا رحيم!
اتسعت عينا نغم بصدمة ورعب، وهي تستمع إلى التهديد الصريح، وتدرك أنها أصبحت الآن هي ساحة المعركة.
في الطرف الآخر، لم يهتز جاسر بل رد بهدوء جليدي، هدوء أشد فتكًا من أي صراخ.
_ تؤ تؤ... ليه الغلط ده بس. هو ده برضه رد الجميل؟
قالها وهو يلتفت ناظرًا إلى نغم، التي شحب وجهها حتى أصبح بلون الموتى، وقد فهمت الآن طبيعة الوحش الذي أنقذها.
كشر سند عن أنيابه، وصاح بغضب هادر، وقد فقد كل سيطرة على أعصابه
_ الجميل ده هدفعك تمنه غالي جوي يا ابن الحرام أنت!
تشنج فك جاسر عند سماع تلك الكلمة.
لوهلة، ذاب الجليد من عينيه، وظهر وميض من الغضب الحارق، لكنه سرعان ما سيطر على نفسه وعاد وميضها البارد القاتل وتمتم بهدوء، كل كلمة فيه كانت تهديدًا بحد ذاتها
_ معنديش مانع تعالى... ونشوف مين فينا اللي هيدفع التاني تمن الجميل.
أغلق الخط دون أن ينتظر ردًا، تاركًا سند يصرخ في هاتف صامت، وتاركًا نغم ترتجف في غرفتها، وقد أدركت أنها لم تنجُ من ذئب الغابة... بل وقعت في عرين الاسد نفسه.
❈-❈-❈
عاد مالك إلى شقته في الموقع، وأغلق الباب خلفه بهدوء، كأنه يغلق الباب على العالم بأسره كان يشعر بإرهاق شديد ليس إرهاق الجسد وحده، بل إرهاق الروح التي سُحقت تحت وطأة خبر واحد
ارتمى بكامل جسده على أقرب مقعد، وأطلق تنهيدة حارة طويلة لعلها تخرج معها تلك النيران المتأججة بداخله.
لكن كيف لها أن تخرج؟ كيف وقد تلقى للتو الصدمة التي جعلت روحه تنسحب من جسده، وتتركه مجرد هيكل فارغ؟ أغمض عينيه بقوة، كأنه يحاول طرد صورة خطبة أخيه من رأسه.
ولما لا ينهار؟ وقد فقد كل أمل يربطه بها لم تعد مجرد روح، ابنة عمه التي نشأ معها بعد أشهر قليلة، ستكتسب صفة جديدة، صفة قاسية كحد السيف: "زوجة أخيه".
رمش بعينيه مستصعبًا تلك الكلمة، لقد كانت ثقيلة على لسانه حتى في التفكير لكنها الآن أصبحت واقعًا لا يمكن الهرب منه.
نهض ببطء، وجر قدميه نحو غرفته، فاستقبلته صورتها صورة ضخمة تحتل جزءًا كبيرًا من الجدار، التقطها لها في آخر زيارة له للبلد دون أن تنتبه.
كانت تضحك، رأسها مائل للخلف
كانت ضحكة نقية، ضحكة لم يكن يراها إلا مع شخصين: هو، وأختها نغم.
في كل زيارة، كان يسرق لها صورة، لقطة تعبر عن مرحلة جديدة من عمرها، حتى يعيش معها تقدمها في العمر وهو بعيد.
توجه إلى المنضدة، وأخرج منها ألبوم صور قديمًا، واستلقى على الفراش ليفتح بوابات آلامه فور أن فتح أولى صفحاته.
كان الألبوم تاريخًا مصورًا لروحهما معًا.
كل صفحة بعام من عمرها وعمره.
هنا، كانت طفلة صغيرة تتعلق برقبته كأنه مركز عالمها.
وفي صفحة أخرى، كانت ضحكتها التي كانت تخصه بها وحده، ضحكة يعرفها من بين ألف ضحكة
وهنا كانت تحتضنه بقوة عند عودته في الإجازة، كأنها تخشى أن يهرب منها مرة أخرى
وهنا، كانت دموعها وهي تودعه، تبكي عندما يتركها ويعود إلى القاهرة.
كانت ذاكرته تراجع كل ذلك بابتسامة مريرة ارتسمت على شفتيه.
أغلق الألبوم، وتطلع إلى هاتفه بشوق وحنين ماذا سيفعل؟ ماذا سيقول؟ هل يبارك لها؟ أم يعزي حاله معها؟
وكعادته دائمًا، سار خلف رغبة قلبه، قلبه الذي لا يعرف المنطق أمامها.
قام بالاتصال بها عبر الفيديو متحججا بالاطمئنان عليهم
ثوانٍ معدودة وظهرت صورتها أمامه
لكنها لم تكن روح التي يعرفها كانت عيناها متورمتين، ووجهها شاحبًا.
وصوتها الهادئ، الذي حاول أن يكون طبيعيًا، قال
_ إزيك يا مالك، كيفك؟
قطب مالك جبينه بحيرة وقلق لقد لاحظ على الفور أنها تخفي عينيها عنه وأن صوتها مهما حاولت إخفاء الحزن به، لا يخفى عليه أبدًا.
هو يعرف نبرات صوتها كما يعرف اسمه.
_ مالك يا روح؟ في حاجة حصلت؟
تهربت بعينيها ونظرت إلى أي شيء في الغرفة إلا الكاميرا
تمتمت بصوت حاولت إظهاره طبيعيًا
_ لأ حاجة إيه كلنا بخير والحمد لله.
لم يصدقها لم يصدقها للحظة واحدة.
اعتدل في جلسته، وتحولت نبرته من الحزن إلى الحزم والقلق.
_ روح هتقولي في إيه ولا هتلاقيني راكب أول طيارة ونازل البلد دلوقتي؟
كان هذا تهديده الوحيد الذي يعرف أنها لا تستطيع مقاومته لم تستطع حينها إيقاف دموعها التي كانت معلقة في أهدابها انهمرت بغزارة، واجهشت في بكاء صامت وموجع هز جسدها.
انقبض قلب مالك عليها، وشعر بأن روحه تتمزق.
نسي حزنه نسي ألمه وكل ما شعر به هو الخوف عليها.
_ روح! قلقتيني عليكي! قولي فيه إيه بالظبط، متعيطيش!
مسحت روح دموعها بكف يدها، وحاولت إخراج صوتها طبيعيًا، لكن كيف وذلك الحمل أثقل من أن تخفيه؟ أختها توأم روحها لم يجدها أحد حتى الآن.
_ روح!
قالها مالك بحزم أبوي، ذلك الحزم الذي كانت تلجأ إليه دائمًا عندما تقع في مشكلة ذلك الحزم الذي جعلها تتطلع إليه بتردد، لكنها كانت تعرف أن مالك هو وحده من باستطاعته إيجاد أختها، حتى لو كانت بينهما بلاد.
_ ما تتكلمي!
أخذت نفسًا عميقًا، وقالت بصوت مكسور
_ نغم... نغم اختفت ومحدش لاقيها.
اتسعت عيناه بصدمة، وشعر بأن الأرض تميد به.
_ كيف ده؟! يعني إيه محدش لاقيها؟! فهميني اللي حوصل بالظبط!
قصت عليه ما حدث بسرعة، وهو يستمع وعقله يعمل بأقصى سرعة، يربط الخيوط ويحلل الموقف هل فعلها أحد من عائلة التهامي؟ وإذا حدث ذلك هل سيظل هنا في الخارج، ويترك أمانة عمه شرف العائلة في يد هؤلاء الوحوش؟
أغلق الهاتف معها بعد أن وعدها بأنه سيتصرف وقام على الفور بمهاتفة أكمل بعد عدة محاولات أجابه أكمل بصوت يملؤه الامتعاض من الإزعاج في هذا الوقت المتأخر.
_ قولتلك مية مرة لما مردش عليك تفهم إنـ...
قاطعه مالك بصوت لا يعرفه أكمل صوت حاد وقاسٍ كالفولاذ، وهو يفتح خزانته ويخرج حقيبة سفره.
_ أكمل ساعة بالكتير قوي وتكون في عربيتك ورايح على البلد بنت عمي اتخطفت، وعايزك تلحق الموضوع قبل ما العيلتين يولعوا في بعض.
نهض أكمل من مقعده فزعًا، وأمسك بمفاتيح سيارته.
_ إزاي ده؟! فهمني!
_ مش وقته! لازم تنزل البلد حالاً لحد ما أوصل أنا أنت العاقل الوحيد اللي هناك دلوقتي.
خرج أكمل من مكتبه وهو يركض.
_ تمام، مسافة السكة بس أتعامل إزاي؟ أمشي الموضوع قانوني ولا...
قاطعه مالك الذي أغلق حقيبته بقوة بعد أن ألقى بها بعض الملابس بعشوائية.
_ لأ مش قانوني مش عايز أي شوشرة، ولا عايز اسم بنت عمي يبقى على كل لسان الموضوع ده هيتحل بينا وبين بعض.
_ فهمت.
أغلق مالك الخط، ونظر إلى صورته مع روح على الحائط لقد تبخر حزنه الشخصي، وحل محله غضب بارد وعقلاني غضب رجل أُخذ منه كل شيء، والآن جاءوا ليأخذوا منه آخر ما تبقى وهذا شيء... لن يسمح به أبدًا.
❈-❈-❈
أغلق جاسر هاتفه، وأعاده ببطء إلى جيب سترته الداخلي، كأنه يضع سلاحًا في غمده بعد أن أطلق منه طلقة تحذيرية.
ثم استدار وتقدم من نغم التي كانت لا تزال جالسة على السرير، تنظر إليه بوجل، وعيناها متسعتان بالرعب كغزال وقع في شرك صياد ماهر.
ارتسمت ابتسامة باردة على شفتيه، ابتسامة لا تصل إلى عينيه الجليديتين كانت ابتسامة تخفي خلفها نيرانًا من الحقد والغضب، نيران لو خرجت لأشعلت الدنيا بأكملها قال بسخرية هادئة، وصوته كان كهمس الثعابين
_ مالك؟ خفتي ليه؟
انقبض قلبها بخوف لم تشعر بمثله من قبل هذا الرجل، هذا الهدوء الذي يسبق العاصفة كان أكثر إرعابًا من أي صراخ أو تهديد.
حاولت إخفاء رعشتها، وتهربت بعينيها من نظراته الثابتة، التي كانت تخترقها كأشعة الليزر، كأنه يستشف أعمق أفكارها ومخاوفها.
_ مـ... مـخفتش هخاف ليه؟
حاولت أن تستجمع بقايا شجاعتها، أن تتحدث بنفس الكبرياء الذي ورثته عن عائلتها.
_ اللي وراها رجالة وعزوة... متخافش واصل.
رفع حاجبيه بتأييد مزيف، كأنه يصدقها تمامًا.
_ صح اللي وراها عزوة متخافش واصل.
وضع يديه في جيبي بنطاله، وأخذ يقترب من سريرها ببطء، كل خطوة كانت تزيد من توترها أردف بمغزى، وصوته انخفض إلى نبرة تحمل تهديدًا مبطنًا
_ والدليل على حديثك ده... هنشوفه قريب قوي.
ازدردت لعابها بصعوبة وقد أفحم الخوف قلبها من مغزى حديثه لقد فهمت هو لا يهددها هي، بل يهدد عزوتها يهدد رجالها فكرت بأن عليها الهرب، أن تنهض وتركض بأقصى سرعتها قبل أن يفعل بها شيئًا لكن عقلها كان يصرخ فيها بأن أي حركة متهورة ستكون خطأً فادحًا إذا أراد أن يفعل شيئًا لما أتى بها إلى المشفى، ولما أخبر سند بمكانها
هو لا يريد أذيتها الجسدية... هو يريد شيئًا أسوأ.
ترجلت من الفراش، وقدماها بالكاد تحملانها، وتمتمت بصوت حاولت أن تجعله ثابتًا
_ طيب... أنا همشي دلوقتي متشكرة مرة تانية.
قاطعها جاسر بصوت حازم وقاطع، صوت لم يكن عاليًا، لكنه كان يحمل من السلطة ما يكفي ليجمدها في مكانها.
_ خليكي مكانك.
لم يكن أمرًا بل كان حقيقة لا تقبل الجدال.
_ محدش هيتحرك من هنا، لحد ما أسلمك له... بإيدي.
تطلع إلى عينيها مباشرة، ونظرته كانت فاحصة، كأنه يريد الوصول إلى سر دفين بداخلها سألها سؤالاً بدا بريئًا، لكنه كان فخًا.
_ بس مش غريبة دي؟ إنك تتصلي عليه هو... بدل ما تكلمي عمك، ولا جدك؟
لو أن أي شخص آخر سألها هذا السؤال لصاحت به وأخبرته ألا دخل له بها لكن الوقوف أمام هذا البرود القاتل، أمام هذا الرجل الذي تعلم جيدًا ما يخفي خلفه من رغبة متأججة في الانتقام، جعلها تتريث.
لن تفعل ما يجعله يستاء منها، لن تعطيه أي سبب ليزيد من قسوته
_ لأنه خطيبي.
قالتها بهدوء، كأنها تلقي بآخر ورقة لديها في اللعبة.
لوهلة، لوهلة قصيرة جدًا لا تكاد تلاحظ ذاب الجليد في عينيه رأى وميضًا سريعًا شيئًا يشبه المفاجأة أو ربما... نصر آخر؟ لكنه عاد سريعًا وأخفى أي أثر للمشاعر خلف قناعه الجليدي لقد حالفه الحظ مرة أخرى الفريسة التي بين يديه لم تكن مجرد حفيدة غريمه بل خطيبة ابن غريمه هذا سيجعل الانتقام أحلى وأكثر إيلامًا.
قال بثبات، وكأنه لم يسمع شيئًا غير عادي
_ تمام أنا واقف بره إن احتاجتي حاجة نادي عليا.
استدار ليمشي، ثم توقف فجأة، كأنه تذكر شيئًا لم يلتفت إليها بل قال وظهره لها
_ ورجعي حجابك لحسن خطيبك الغيور ده... يتعصب عليكي لما ياجي
اتسعت عيناها بذهول لم تكن قد انتبهت أبدًا رفعت يدها بسرعة إلى رأسها لتجد شعرها منسدلاً على كتفيها أمسكت بالحجاب الذي كان ساقطًا حول عنقها، ورفعته بسرعة لتغطي شعرها ووجها يحترق من الخجل والإهانة.
لقد كان يلعب بها كل كلمة كل نظرة كل حركة، كانت محسوبة لقد أهان خطيبها وأشار إلى غيرته ثم أهانها هي بلفت نظرها إلى حجابها لقد أثبت لها في دقائق معدودة أنه يسيطر على الموقف بالكامل وأنه يرى كل نقاط ضعفها وأنه سيستخدمها ضدها بلا رحمة.
خرج من الغرفة وأغلق الباب بهدوء تاركًا إياها ترتجف ليس من الخوف فقط بل من الإدراك المرعب بأنها لم تعد نغم الرفاعي صاحبة العزوة والقوة لقد أصبحت مجرد دمية في مسرحية انتقام جاسر التهامي.
❈-❈-❈
اقتحم سند المشفى كالثور الهائج، وعيناه تبحثان في كل زاوية، وقلبه يضخ بالغضب لم يحتج أن يسأل كثيرًا فقد دلته نظرات الممرضين والزوار الخائفة إلى الرواق الذي يجلس فيه جاسر التهامي.
كان المشهد مستفزًا إلى أقصى حد جاسر يجلس على مقعد حديدي بارد بأريحية تامة واضعًا قدمًا فوق الأخرى كأنه في حديقة قصره وليس في قلب أزمة وحوله انتشر رجاله كظلال صامتة رجال أشداء وصلوا فور أن علموا بما حدث مرسلين من عمه صخر لم يكونوا للحماية بقدر ما كانوا استعراضًا للقوة.
بحنق وغضب مكبوت تقدم سند منه كل خطوة كانت تزيد من غليان الدم في عروقه
غمغم من بين أسنانه بصوتٍ كان فحيحًا من شدة الكراهية
_ يا واطي... يا حقير...
همّ بأن يهجم عليه، أن يمحو تلك الابتسامة الباردة عن وجهه بقبضته، لكن قبل أن يصل إليه تحرك رجلان من رجال جاسر بسرعة البرق وأمسكا بذراعيه بقوة مقيدينه في مكانه.
فصاح به سند وصوته يتردد في الرواق الفارغ وقد تحول غضبه إلى إهانة
_ جايب كلابك تتحامى فيهم يا واطي؟! لو كنت راجل واجهني لوحدك!
بكل هدوء أنزل جاسر قدمه عن الأخرى اعتدل في جلسته ببطء ونظر إلى سند المحتجز أمامه بفتور كأنه ينظر إلى حشرة مزعجة
_ ومين قالك إني عايز أواجهك؟
صوته كان هادئًا لكن كل كلمة كانت صفعة.
_ أنا أكبر من إني أقف قدام عيل زيك.
هذا الحديث البارد، هذه الإهانة المتعمدة جعلت سند يشتعل أكثر. صاح بغضب وهو يحاول تخليص ذراعيه من قبضتهم الفولاذية، ووجهه احتقن بالدم
_ أنا راجل غصبت عنك وعن عيلتك كليتها يا ابن التهامي!
في تلك اللحظة انفتح باب الغرفة، وخرجت نغم وقد ظهر الخوف جليًا على وجهها الشاحب.
_ سند...
كانت رؤيتها كافية لتمنح سند قوة خارقة انتفض بعنف ونزع ذراعيه من قبضتهم وتوجه إليها بقلب متلهف، ونسي وجود جاسر للحظة.
_ نغم! أنتِ زينة؟
طافت عيناه على وجهها وجسدها بقلق يبحث عن أي أثر لأذى.
_ حد أذاكي؟ حد دايقك بكلمة؟
لوهلة تحولت عينا جاسر إلى جمرتين ملتهبتين لقد رأى لمسة سند لها، رأى يده تمسك بذراعيها تلك اليد التي أقسم يومًا أن يعاقب صاحبها أشد العقاب لكنه سرعان ما أخمد هذا الغضب وعاد قناعه الجليدي إلى مكانه، فقط فكه المتشنج هو ما بقى شاهدًا على العاصفة التي تدور بداخله.
دون إرادتها، وجدت نغم بصرها يتجه إلى جاسر الذي وقف الآن بشموخ يتطلع إليهما بوجوم، كأنه قاضٍ يشاهد المتهمين أمامه
تمتمت بتلعثم وصوتها يرتجف
_ لأ... أنا... أنا زينة.
_ أومال إيه اللي حوصل؟!
ازدردت جفاف حلقها، وهي تحاول أن تستجمع القصة التي اتفقت عليها مع نفسها.
_ لما أتاخرت عليا، وقفت تاكسي... بس في نص الطريق، وقف العربية وسرق دهبي... بس هربت منه.
عادت عيناها تنظر إلى جاسر، الذي كان يستمع إليها متظاهرًا بالاهتمام وكأنها المرة الأولى التي يسمع فيها هذه القصة.
_ وهو... هو اللي أنقذني.
ضيق سند عينيه بشك لم يصدق القصة لقد رأى كيف تلتهمها عينا جاسر ورأى كيف تتهرب هي بعينيها منه
في تلك اللحظة وبدون أن يفعل شيئًا، دق جاسر أول مسمار في نعش علاقتهما.
سألها سند بشك وصوته انخفض إلى همس حاد
_ أنقذك كيف؟
اهتزت نظراتها أكثر، وشعرت بالخجل والإحراج من تفاصيل ما حدث لكن جاسر تولى المهمة عنها متقدمًا خطوة، وقد أتقن دور المنقذ النبيل.
_ وأنا راجع من المطار بالعربية سمعت صوت صريخ في المكان اللي... أقصد، في أرضي وقفت العربية بسرعة ونزلت أدور.
كان يتحدث وهو ينظر إليها، مصطنعًا التأثر وتظاهر بأنه كاد يخطئ في الكلام استمعت إليه نغم بعينين مذهولتين من قدرته على الكذب بهذه السهولة وازدادت دهشتها أكثر حينما تابع ونبرته تحمل دفئًا مزيفًا
_ وأول ما لقيتها اغمى عليها بين إيديا جبتها على المستشفى طوالي.
تشنج فم سند وشعر بالغيرة والإهانة تأكل قلبه "بين إيديا".
لقد قالها عمدًا لكنه اضطر للصمت عندما لاحظ تجمع الناس من حولهم جاؤوا ليروا هذه المواجهة النادرة بين العائلتين أحجم غضبه وتمتم بتجهم، وصوته كان وعدًا بالثأر
_ طيب يلا دلوقتي... ولينا حساب تاني.
انساقت ليده التي جذبتها بقوة للسير معه لكن قبل أن يخطوا خطوتين توقفت أرجلهما وتجمدت الدماء في عروقهما عندما سمعا صوته مرة أخرى، يناديها باسمها الأول بنبرة تحمل شوقًا مزيفًا وحميمية مقصودة.
_ نغم.
دون إرادتهما، توقفا والتفتا إليه كان يقف في مكانه شامخًا ونظرة حانية مصطنعة على وجهه.
_ يبقى طمنيني.
عن أي اطمئنان يطلب منها؟! لقد ألهبتها نظرات سند التي تحولت إلى اتهام واضح فتلك النظرات المتبادلة بينهما
- شوق متقن من جاسر، وخوف وترقب من نغم -
لم تدع مجالاً للشك في عقل سند المشتعل وما أكد شكوكه هو أنها هزت رأسها بالموافقة كأنه طلب شيئًا عاديًا وروتينيًا.
صرخة مفاجئة ومكتومة صدرت منها، عندما جذبتها يد سند بعنف لم تعهده منه من قبل وخرج بها من المشفى تاركًا جاسر يبتسم ابتسامة نصر خفيفة لقد ربح الجولة الأولى لم يلمسها، لم يؤذها، لكنه حطم ثقة خطيبها بها وزرع الشك في قلبه وهذا كان أشد إيلامًا من أي جرح جسدي.
❈-❈-❈
كانت غرفة المعيشة في قصر آل الرفاعي قد تحولت إلى خلية من القلق المشتعل.
وقفت ليل تزرع المكان ذهابًا وإيابًا، وخطواتها العصبية ترسم مسارًا على السجادة الفاخرة
كان القلق ينهش قلبها بلا رحمة، وشعور سيء كغيمة سوداء يخيم على روحها.
تقدمت منها ورد زوجة عم نغم ووضعت يدها على كتفها في محاولة لتهدئتها.
_ اهدي يا ليل اهدي يا حبيبتي الحمد لله سالم طمنا عليها، قال إنهم لقوها. مش محتاجة قلقك ده كله؟
التفتت إليها ليل، وعيناها زائغتان، لا ترى شيئًا سوى صورة ابنتها.
_ مش هطمن... مش هطمن إلا لما أشوفها بعيني قلبي مش مطاوعني يا ورد، حاسة إن فيه حاجة غلط.
تقدمت منهما روح ووجهها شاحب تحاول أن تبدو متماسكة من أجل والدتها.
_ اطمني يا أمي، أنا كلمت عدي دلوقتي، وقال إنهم في الطريق رايحين يجيبوها.
خلاص كلها دقايق وتكون في حضنك.
هزت ليل رأسها بوجل وصوتها يرتجف وهي تعبر عن مخاوفها التي عذبتها طوال الليل.
_ أنا بايته طول الليل أهلوس بيها. بحلم بكوابيس وبشوفها بتصرخ بنتي أكيد حصلها حاجة، أنا متأكدة.
في تلك اللحظة دخلت نادية والدة سند وهي تحاول أن تساهم في التهدئة مستخدمةً المعلومات التي وصلتها للتو.
_ والله يا ليل سند لسه مكلمني دلوقتي وحلف إنها زينة.
كل اللي حوصل إنها تعبت شوية وأغمى عليها في الجامعة، وزمايلها أخدوها على المستشفى وقال إنهم في الطريق دلوقتي.
لكن كلماتهن كانت كمن يصب الماء على صخرة لم تتزحزح ليل عن موقفها، وقالت بإصرار أمومي عنيد
_ أشوفها بعيني لول.
انسحبت روح بهدوء مستغلة انشغال الجميع بتهدئة والدتها توجهت إلى غرفتها، وأغلقت الباب خلفها، ثم قامت بالاتصال على مالك، الذي كان يجلس في فندق المطار بكمد ويأس، بعد أن اكتشف أنه لا توجد أي طائرة متجهة إلى مصر في ذلك اليوم قبل صباح الغد.
أجاب مسرعًا، وصوته كان مزيجًا من القلق واللهفة.
_ أيوة يا روح! بقالي ساعة برن عليكي وبتكنسلي، قلقتيني.
ردت روح بصوت خافت كي لا يسمعها أحد.
_ غصبت عني العيلة كلها كانت جنبي، مكنتش هعرف أرد عليك اطمن... احنا لقينا نغم.
تنهد مالك براحة عميقة، وشعر بأن جبلًا قد أزيح عن صدره.
تمتم بصوت مرهق
_ الحمد لله... الحمد لله بس كانت فين؟ إيه اللي حوصل؟
_ سند بيقول إنها وقعت من طولها في الجامعة، وزمايلها ودوها المستشفى ومحدش منهم عرف يوصلنا.
لم يقتنع مالك بالقصة شعر بأنها أبسط من اللازم، لكنه لم يرد أن يزيد من قلق روح
في تلك اللحظة سمعت روح صوت والدتها بالأسفل يرتفع فجأة فعلمت أن نغم قد عادت.
_ أنا هقفل دلوقتي، شكل نغم رجعت هبقى أرجع أطمنك.
أغلقت الهاتف وخرجت من غرفتها بسرعة وقلبها يدق بقوة، مزيج من الفرحة بعودة أختها والقلق من الحقيقة التي قد تكون خلف هذه القصة البسيطة.
يتبع