رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 2 - الخميس 14/8/2025
قراءة رواية ثنايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ثنايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا الخولي
الفصل الثاني
تم النشر الخميس
14/8/2025
انتفضت بخوف عندما وجدته يخطوا تجاهها بخطوات تحمل شر الدنيا بأكملها
ومع كل خطوة تقربه منها ينقبض قلبها أكثر حتى شعرت بروحها تزهق من شدة الرعب
لم تستطيع قدميها حملها
ولم يتسن لها الهرب للعودة إلى منبع آمانها
أخذت تزحف للوراء وهي تهز رأسها بلا وعي
سيقتلونها اليوم دون شفقة ولا رحمة
هكذا أخبرها يوماً وكانت تعلم جيدًا بأنه لن يتراجع
هزت راسها بضياع وأخذت ترتد زحفًا للوراء والجميع يشاهد ما يحدث في صمت ينتظر ما سيقوم به ذلك الصخر.
والذي لاقى الإسم بقلبه الذي لم يعرف اللين يومًا
وكلما تقدم منها خطوة كلما زادت ضربات قلبها هلعًا
ليس خوفًا على نفسها بل خوفًا على حبيبها الذي سيحرق الأخضر واليابس إن حدث لها شيء
كانت تنظر إليه تستجدي عفوه لأجل أولادها لكن ازدادت عينيها اتساع عندما وجدته يضع يده في جلبابه ليخرج سلاحه
فتصرخ رعبا عندما مال عليها يمسكها من تلابيبها ويشهر سلاحه في رأسها وهو يتمتم بفحيح الأفعى
_أخيرًا چاه اليوم اللي استنيته اتناشر سنة بحالهم، ودلوجت هخلص عليكي واتاوي عارك اللي وصمتينا به طول السنين دي؟
رمقته ورد بنظرة استعطاف وهي تتمتم برجاء يهز الحجر
_أرچوك يا خوي....
قاطعها بهدر وهو يقرب فوهة السلاح من رأسها
_إخرسي إني مليش أخت فاچرة زييكي، اللي زيك مينفعش تعيش على الدنيا ثانية واحدة
لازم اتاوي عارك عشان نمشي رافعين راسنا في البلد بعد ما دفنتيها في الطين.
ترك تلابيبها وأمسكها من عنقها يضغط عليه بكل ما أوتي من قوة وتابع بحقد أعمى وهو يرى روحها تزهق أمامه
_هحصر ابن الرفاعي عليكي وهجتل ولاده واحد ورا التاني لحد ما أقضي على نسلهم
اطاح بها على الأرض ونهض شاهرًا سلاحه بعد أن شد اجزاءه فيصدر صوتًا مدويًا بطلقات متتالية جعلت الجميع يلتفت لمصدرها.
❈-❈-❈
انتفض من في المنزل على صوت الرصاص القريب منهم
فينقبض قلب حسنة برعب من توالي تلك الأصوات
تطلعت إلى وهدان الذي كان واقفا يرتدى عمامته وسألته بخوف
_الصوت دي چاي منين؟
اخذ عصاه وفتح الباب قائلاً
_يظهر انه من الناحية الجبلية.
خرج من الغرفة فيجد حامد ولده يخرج بدوره والقلق ينهشه
_في ايه؟
_متجلجش يا حچ الصوت چاي من عند التهامية.
لم يرتاح قلب وهدان من تلك القبضة التي انتابته فتطلع إلى غرفة سالم وسأله بشك
_أخوك فين؟
نظر حامد للغرفة المجاورة له ورد
_أكيد في اوضته.
_خبط عليه.
أومأ حامد ودنى من الباب ليطرقه لكن ما من مجيب
مما جعل وهدان وحسنة ينقبض قلبهم أكثر
_خبط تاني يا ولدي.
أعاد حامد الطرق لكن لا فائدة فتقدمت حسنة تقتحم الغرفة بلهفة فيلتاع قلبها أكثر وهي تراها فارغة.
خرجت وهي تقول برعب
_الحج يا وهدان ولدك مش اهنه.
نظر وهدان إلى حامد وقال بأمر
_ثواني والاجي رچالة العيلة كلها جدامي.
❈-❈-❈
كانت كلمة فاچرة لا تزال ترن في أذني ورد كصفعة مدوية، عندما انشق سكون الفناء الخلفي بصوت انفجار عنيف.
_ ارفع يدك عنيها!
لم يكن صوتاً، بل كان زئيراً.
زئير أسد جريح اقتحم عرين أعدائه. كان سالم واقفاً عند البوابة الخلفية، جسده صلب كالصخر، وعيناه تقدحان شرراً، بينما فوهة سلاحه لا تزال ينبعث منها دخان خفيف، دليلاً على الطلقة التحذيرية التي أطلقها في الهواء، معلناً وصوله.
ردت الروح إلى ورد فور رؤيته.
لقد جاء.
جاء منقذها وملاذها لكن فرحتها لم تدم طويلاً في خطوتين واسعتين، كان سالم قد وصل إليها، وجذبها بقوة خلف ظهره، ليصبح هو الدرع الذي يفصلها عن هذا العالم القاسي.
تطلعت عيون صخر إلى سالم بكل الحقد الذي ورثه وتغذى عليه طوال حياته.
ابتسامة شيطانية ملتوية ارتسمت على شفتيه وهو يرفع سلاحه ببطء، مستمتعاً باللحظة.
_ ليك عين تاچي اهنه يا ابن الرفاعية؟ يبجى إنت اللي چيت لجضاك برجليك.
قبل أن يتمكن سالم من الرد، اندفعت ورد من خلفه، ووقفت أمامه، فارشة ذراعيها كأنها تحاول حماية جسده الضخم بجسدها النحيل.
صاحت بفزع ورجاء، ودموعها تغرق وجهها
_ لا يا خوي! الله يرضى عليك... اجتلني اني بداله! هو ملوش صالح!
تجمعت الرجال على صوت الطلقة والصراخ، يهرولون من كل اتجاه، وفي مقدمتهم فايد الذي تجمد في مكانه للحظة، يتطلع إلى المشهد الذي أمامه بصدمة لا توصف: ابنته التي اعتبرها ماتت، تقف لتحمي عدوه اللدود، سالم الرفاعي، الذي يقف في قلب بيته شاهراً سلاحه، وأمامهما و ابنه صخر يستعد لإراقة الدماء.
صاح فايد بصوت هادر، محاولاً استعادة السيطرة.
_ إيه اللي بيحوصل اهنه؟!
التفت صخر إلى والده، وعروق رقبته نافرة من الغضب.
_ الفاچرة دي چاية تشمت في موت أخوي يا بوي! وابن الجاتل اللي جتل عمي چاي يتحامى فيها وفي عزانا!
نحّى سالم ورد من أمامه مرة أخرى بقوة، وتقدم خطوة، ليصبح وجهاً لوجه مع صخر، فوهات أسلحتهما تكاد تتلامس.
صاح سالم بغضب أعمى
_ أنا مش بتحامى في الحريم يا ولد التهامي! ولا عمري لجأت لحماية من أي حد! أني چاي أجطع اليد اللي انمدت على مرتي... حتى لو كان أخوها!
رد صخر بضحكة ساخرة ومريرة
_ احنا ملناش حريم عنديكم! اختنا ماتت من زمن واخدنا عزاها! دي واحدة فاچرة من عندك، چاية ترمي نفسها علينا عشان تكسرنا في يوم حزننا!
في تلك اللحظة، تحولت عينا سالم إلى جمرتين من نار.
لم يعد يرى شيئاً سوى فم صخر الذي ينطق بهذه الإهانة.
_ كلمة تانية... وهجطع لسانك الوسخ ده يا... وارميه لكلابك!
_ بسسسس!
كان صوت فايد كالسوط، قاطعاً، وآمراً.
تقدم منهم، وتجاهل ابنه تماماً، وصب كل سخطه في نظراته لابنته التي انكمشت خلف سالم ثم نقل بصره إلى سالم، وسأله بنبرة تحمل شراً قديماً
_ چاي اهنه ليه؟
بادله سالم نظرات الشر ذاتها، نظرات لا تعرف الخوف.
_ چاي آخد اللي ليا لا أكتر ولا أجل.
ساد صمت ثقيل، مشحون بالترقب والتهديد. كان فايد ينظر إلى ابنته التي أخفت وجهها بالكامل في كتف سالم، الذي احتواها بذراع واحدة بتملك واضح، كأنه بذلك يرسل لهم رسالة صامتة: "هي ملكي، وأنا ملاذها الوحيد الآمن".
أخيراً، نطق فايد بقراره، وكل كلمة كانت تقطر سماً
_ خدت اللي ليك... يبجى اتفضل من اهنه. ولولا إنك في داري، كان زمانك محصّل أخوك.
نظر إليهم سالم بسخرية لاذعة، وهو يبدأ في التراجع ببطء، ساحباً ورد معه.
_ المرة اللي فاتت، سيبنا الحكومة هي اللي ترد... وللأمانة مجصّرتش معانا. بس المرة الچاية... مهيكونش فيها حكومة، ومش هنخلّي واحد منيكم عايش على وش الدنيا.
أنهى كلمته الأخيرة كأنها حكم نهائي، ثم استدار بالكامل، وهو يجذب ورد ويخرج من الباب الخلفي، ظهره لهم كان قمة التحدي والثقة.
لم يقبل صخر بذلك الرضوخ المهين. صرخ بغضب وهو يهم برفع سلاحه ليطلق النار على ظهر سالم الغادر... لولا أن جسد فايد الضخم قد ترنح فجأة، وسقط على الأرض فاقداً للوعي.
_ أبوي!!
صرخ صخر وألقى سلاحه جانباً.
انشغل الجميع بالإسراع نحو فايد، يحاولون إفاقته، ثم حمله إلى الداخل.
أما في الخارج، فقد خرج سالم بزوجته التي ما زالت تخفي وجهها في صدره، ترتجف من هول ما حدث، ولم ترَ، ولم تعلم، أن والدها قد سقط أرضاً في اللحظة التي اختارت فيها زوجها على عائلتها.
❈-❈-❈
انطلقت السيارة بعيداً عن بيت "التهامية"، تاركة خلفها غباراً من الذكريات المؤلمة والمواجهات القاسية. في الداخل، كان الصمت أثقل من الرصاص.
صمت مشحون بالغضب المكتوم، والخوف الصامت، والأسف الذي لا يُنطق.
ظل سالم طوال الطريق ملتزماً الصمت، قبضتاه مشدودتان على عجلة القيادة حتى ابيضت مفاصله، وعيناه مثبتتان على الطريق أمامه بتركيز حاد، كأنه يخشى أن يزيح بنظره ولو لمليمتر واحد في اتجاهها.
لم يكن يريد حتى النظر إليها، ليس كرهاً، بل خوفاً.
خوفاً من أن تضعفه دموعها، أن ينهار سد الغضب الذي بناه حول قلبه في اللحظة التي يرى فيها انكسارها.
لقد أخطأت. أخطأت خطأً فادحاً عندما خرجت دون علمه، عندما ألقت بنفسها في عرين الأفاعي وحيدة.
لن يمر هذا مرور الكرام هذا ما كان عقله يصرخ به يجب أن يكون هناك حساب، درس، عقاب لكن ليس الآن.
ليس وهي في تلك الحالة.
كان يسمع صوت شهقاتها المكتومة بجانبه، يرى طرف طرحتها يرتجف مع كل شهقة وكل شهقة كانت بمثابة سكين يغرس في قلبه كيف يعاقبها وهي تعاقب نفسها بالفعل؟ كيف يتفوه بكلمة لوم واحدة أمام تلك الدموع التي تكوي روحه بلا رحمة؟
كان يصارع رغبة جارفة بأن يوقف السيارة على جانب الطريق، أن يحتويها داخل أحضانه، أن يمسح دموعها بأنامله ويخبرها أن كل شيء على ما يرام. لكنه لم يفعل.
كان غضبه موجهاً للعالم كله، ولها أيضاً. غضب لأنها عرضت نفسها للخطر، وغضب لأنه كاد أن يفقدها.
ذلك المشهد... لن يمحى من ذاكرته مدى الحياة.
مشهد يد أخيها وهي تمتد نحوها بالإهانة، مشهد والدتها وهي تلفظها بكلمات سامة لقد رأى كل شيء من بعيد قبل أن يقتحم المكان وكم أراد في تلك اللحظة أن يقطع تلك اليد التي امتدت عليها، أن يمحو تلك الكلمات من وجودها.
لكن عليه التمهل قليلاً الغضب الأعمى يقود إلى الهلاك أما الغضب البارد، المدروس... فهو الذي يحقق الانتقام. ولن يمر ذلك دون عقاب.
هذا وعد قطعه على نفسه.
أما ورد، فكانت غارقة في عالمها الخاص من الألم.
كانت تجلس منكمشة على نفسها في مقعدها، تخفي وجهها بكفيها، وجسدها يرتجف لم تكن تبكي فقط بسبب قسوة أهلها، بل كانت تبكي أيضاً بسبب الخوف من صمت سالم صمته كان أشد إيلاماً من أي صراخ.
كانت تشعر بغضبه المنبعث منه كموجات حارقة تملأ السيارة.
"لقد أغضبته. لقد خذلته. خرجت دون إذنه وعرضته لهذا الموقف المهين".
كانت هذه الأفكار تدور في رأسها بلا توقف.
رفعت رأسها قليلاً، ونظرت إليه من خلال دموعها.
رأت وجهه المتجهم، فكه المشدود، وعينيه اللتين تشعان ببريق قاسٍ لم تره فيه من قبل.
شعرت بالأسف يلتهمها.
لم تكن تريد سوى أن ترى والدتها، أن تودع أخاها، لكنها جلبت العار والخطر لزوجها، الرجل الوحيد الذي وقف بجانبها.
أرادت أن تتكلم، أن تعتذر، أن تشرح. لكن الكلمات كانت تموت في حلقها. ماذا ستقول؟ "آسفة"؟ هل تكفي هذه الكلمة لمحو الإهانة التي تعرض لها في عقر دار أعدائه بسببها؟
همست بصوت مبحوح، بالكاد خرج من شفتيها:
_ سالم...
لم يلتفت. لم يتغير أي شيء في ملامحه الحجرية.
لكنه سمعها فقط شد قبضته على عجلة القيادة أكثر، كأنه يمنع نفسه من الرد.
كانت هذه هي رحلتهما رحلة صامتة، كل منهما غارق في أفكاره، هو يخطط للانتقام ويصارع رغبته في مسامحتها، وهي تتألم من الخذلان وتخشى عواقب فعلتها.
كان الحب موجوداً، يطفو في الهواء الثقيل بينهما، لكنه كان مغلفاً بطبقات من الغضب، والغيرة، والألم، في انتظار اللحظة المناسبة لينفجر.
❈-❈-❈
ما إن توقفت سيارة سالم أمام بوابة السرايا، حتى كان المشهد في انتظاره. لم يكن والده وهدان وأخيه حامد وحدهما، بل كان معهما عدد من رجال العائلة المقربين، يقفون في ضوء المصابيح الخارجية، وجوههم متجهمة وملامحهم قلقة.
لقد وصل إليهم صوت إطلاق النار البعيد، وفي عالمهم، هذا الصوت لا يعني سوى شيئين: إما فرح أو شر. والجو العام لم يكن يوحي بأي فرح.
ترجلت ورد ودلف بها سالم للداخل
ينادي ليل التي هبت مع من في المنزل عندما رأوهم
حسنة بلهفة
_كنت فين يا ولدي جلجتني عليك؟
ربت على كتف امه وقال بحنو
_متجلجيش ياما مفيش حاجة
تطلع إلى ليل وقال بوجوم
_خديها اوضتها وخليكي چارها.
اومأت ليل وأخذت ورد وصعدت بها لغرفتها
حاولت حسنة التحدث لكنه منعها
_اچلي اي كلام دلوجت لحد ما اشوف الراچالة اللي برة وأرجعلك.
تقدم وهدان نحوه، ووقاره لم يمنع القلق من الظهور في نبرته.
_ كنت فين يا سالم؟ وإيه ضرب النار اللي سمعناه ده؟
نظر سالم إلى وجوه الرجال الواقفين، رجال عائلته الذين تركوا كل شيء وجاءوا ليقفوا في انتظاره، مستعدين لأي إشارة منه.
أخذ نفساً عميقاً، وقرر أن يطفئ نار الفتنة قبل أن تشتعل.
رسم على وجهه قناعاً من الهدوء والثبات.
_ مفيش يا حچ، متقلقوش. مرتي كانت بعافية شوية وكنا عند الدكتور.
تبادل الرجال نظرات سريعة وغير مقتنعة. سالم لا يذهب إلى الطبيب في ذلك الوقت ويُسمع بعده صوت إطلاق نار.
لكنهم احترموا كلمته أمام الجميع. أومأوا برؤوسهم، وبدأوا بالانصراف واحداً تلو الآخر، تاركين الأمر لكبار العائلة.
لم يقتنع وهدان بحديثه للحظة.
انتظر حتى ابتعد آخر رجل، ولم يبقَ سواهم، هو وسالم وحامد اخيه ثم اقترب من سالم خطوة، ونظر في عينيه مباشرة.
_ إيه اللي حُوصل يا سالم... في بيت فايد التهامي؟
لم يتفاجئ سالم بسؤال والده.
كان يعلم أن قناع الهدوء لن يخدعه.
مسح على وجهه بتعب، وكأن ثقل العالم كله قد استقر على كتفيه في الساعة الماضية.
تحدث بثبات، محاولاً إخفاء عاصفة الغضب التي تدور بداخله.
_ مفيش حاچة يا حچ ورد كانت رايدة تشوف أمها وتعزيها في أخوها... بس هما مجبلوش عزاها.
كانت إجابة مختصرة، لكنها كانت تحمل في طياتها عالماً من الإهانة والألم. ضغط وهدان على عصاه الخشبية بقوة.
_ وضرب النار؟
هنا، تردد سالم للحظة لم يرد أن يعرف والده أو أخوه تفاصيل ما حدث، لا يريد أن يصف كيف امتدت يد أخيها إليها، وكيف ردت عليها والدتها.
لا يريد أن يجرح كبرياء زوجته أكثر، أو أن يجعلها تشعر بالإحراج أمام عائلتها الجديدة.
لذا، قرر أن يخفي الجزء الأكثر إيلاماً من الحقيقة.
_ مخبرش ده حوصل بعد ما مشينا. يمكن خلاف بينهم ولا حاجة.
خفض سالم عينيه وهو يقول جملته الأخيرة، وكانت هذه هي الإشارة التي التقطها وهدان على الفور.
هو يعرف ابنه جيداً. يعرف أن سالم عندما يخفي شيئاً، فإنه يخفض عينيه، كأنه لا يريد لكذبه أن يظهر فيهما.
أدرك وهدان أن ما حدث كان أعمق وأقسى بكثير، وأن ابنه يحاول احتواء الموقف وحماية زوجته لذا، قرر ألا يضغط عليه أكثر.
ربت وهدان على كتف ابنه بحنان أبوي وقوة.
_ طيب يا ولدي. روح لمرتك وهون عليها اللي زيها ملهاش غيرك دلوك.
أومأ سالم بامتنان صامت لوالده الذي فهمه دون كلمات، وانسحب دون أن يضيف شيئاً، متجهاً إلى الداخل، إلى زوجته التي تنتظره، وإلى المعركة الحقيقية التي ستبدأ الآن بين قلبه وعقله.
بقي وهدان وحامد واقفين.
التفت حامد إلى أبيه وقال بهدوء
_ هو مقالش الحقيقة يا بوي.
تنهد وهدان تنهيدة طويلة.
_ خابر يا ولدي خابر زين بس سالم راچل، وبيعرف ميتى يتكلم وميتى يسكت عشان يحمي بيته المهم دلوقت... إننا نبقى جاهزين عشان حاسس إن الليلة دي... فتحت باب جهنم من تاني.
.......
في غرفة ورد
لم تكف عن البكاء لثانية واحدة ولم تفلح ليل في التخفيف عنها بعد ما سمعته منها
فتلك القسوة التي تعاملوا بها معها لن تفلح المواساة في تهدئتها
ربتت على يدها وقالت بحنو
_اهدي يا ورد الله يرضى عليكي وبكفياكي بكى عاد.
رفعت ورد وجهها المليء بالدموع وتمتمت بألم
_كان عندي أمل إن أول ما أشوف إمي هترمي في حضنها وتواسيني واواسيها، بس هي زي ما هي متغيرتش واصل
كل ما تكبر كل ما تزيد جبروت لولا سالم كان زماني مجتولة على يد أخوي
لو شوفتيها وهي بتسحبني وبترميني جدام الحريم
أغمضت عينيها بقهر
_كأنها طعنتي في جلبي
متخيلتش انها ممكن تعمل إكده وأخدني حنيني ليها
كان نفسي اترمي في حضنها واعوض حرماني منيها طول السنين دي بس يظهر إني كنت غلطانة وإن عمرها ما راح تسامحني.
تأثرت ليل بحديثها وتمتمت بتعاطف
_بس انتي مغلطتيش يا ورد، مكنش فيه طريجة تانية العيلتين يهدوا بيها التار غير الطريجة دي، واتچوزتي سالم على سنة الله ورسوله يعني ما رحتيش معاه في الحرام
قالت ورد بألم
_بس اللي عملته كان زي إكده وأكتر بالنسبة ليهم أني حطيت راسهم في الطين زي صخر اخوي ما جال، بس اني كنت بحبه ومكنش ينفع اتچوز نعمان، كان چوازي منيه والموت واحد، وسالم وجتها كان كل دنيتي، لا كنت هعرف أعيش من غيره ولا هو يعيش من غيري
لو كنت اتچوزت نعمان بصحيح كان الموت هينكتب علينا احنا التنين
فكان لازمن اعمل إكده يا إما هنموت كلنا
طرقات خافتة على الباب انتبه لها كلاهم فقالت ليل
_ده أكيد سالم، قومي اغسلي وشك وحاولي تراضيه لأنه أكيد مضايج من اللي عملتيه، راضيه واتحملي زعله.
خرجت ليل وشعرت بالقلق عندما لاحظت عبوثه فقالت بروية
ابو مالك أرجوك لاجل خاطر ربنا خليك هادي معاها راعي حالتها وبلاش تعاتبها دلوجت هي مچروحة ومش متحملة عتاب
أومأ لها سالم وتمتم باقتضاب
ربنا يسهل
دلف الغرفة دون أن يلتفت إليها
لا يريد مواجهة معها الآن كي لا يحزنها أكثر
تركها ودلف المرحاض بعد أن أخذ ملابس له تحت انظارها
وكم آلمها تجاهله لها
نعم اخطأت وتستحق ما يبدر منه
لكن كانت بحاجة إلى رؤية والدتها ولم تتخيل يومًا أن يكون ذلك رد فعلها
الآن فقط تستطيع قولها لم تعد تملك من الدنيا سواه
لم يحزنها يومًا ولم يقوى على فراقها ولو للحظة واحدة
لذا عليها الاعتذار له حتى يرضى عنها
انتظرت حتى خرج من المرحاض ومازال متجاهلاً إياها
تقدمت منه عندما وجدته يرتدى جلبابه.
يستعد للخروج وتمتمت بعد تردد دام للحظات
_سالم.....
قاطعها سالم بحدة وهو يرتدي عمامته
_مريدش اسمع حاچة دلوجت
لم تيأس وقالت برجاء
_الله يرضى عنيك اسمعني واعرف أنا.....
قاطعها بحدة أشد وهو يتطلع إليها بعيون تقدح شررًا
_اعرف ايه؟
اعرف إنك خرچتي من غير ما تعرفيني؟
هملتيني نايم زي المغفل وخرجتي ولا كإن ليكي راچل مينفعش تخرجي من غير ما تعرفيه.
لانت حدته قليلاً وهو يردف
_اعرف إنك في لحظة كنتي هتضيعي مني ولولا إني لحجتك في آخر لحظة.
عادت حدته تشتد وهو يضغط على ذراعها بقوة آلمتها
_افرضي لو محستش بيكي كان ايه هيبجى مصيرك دلوجت.
كنت هعيش ازاي من غيرك.
جالت عينيه على محياها وهو يتابع بوعيد
_تعرفي اللي كان ممكن يحوصول ولو اذوا شعرة واحدة منيكى.
كنت....
قاطعته بأن وضعت يدها على فمه تمنعه وتمتمت بخفوت
_محدش يجدر يإذيني لإنهم خابرين إنك مش هترحم حد منيهم يمسني.
رد بانفعال
_واهو ماسك وكان ممكن يجتلك لولا إني جيت في الوجت المناسب
تطلع إليها بلوعة وتابع
_وإنتي خابرة زين إني مجدرش اعيش لحظة واحدة من غيرك.
انتهى الغضب ولم ترى بيعينه سوى خوف جلي وتمتم بتجهم
_ليه مخفتيش على نفسك ليه مخفتيش عليا لو حصلك حاچة
تطلعت إلى عينيه من بين أهدابها الرطبة وتمتمت بشجن وهي تضع يدها على خده
_حجك عليا ودي هتكون أول وآخر مرة.
وضعت يدها على صدره وتابعت باحتياج
_أرجوك يا سالم مش عاوزة منيك عتاب دلوجت، رايدة احس بحنانك اللي عمره ما خذلني لحظة واحدة.
أغمض سالم عينيه عندما بدأ قلبه يلين ويحاول بصعوبة بالغة الثبات على موقفه
فمازال قلبه ينتفض خوفًا كلما تذكر ذلك المشهد
حائرًا بين أن يطاوع قلبه ويحتويها بذراعيه كي يعوضها عن اللحظات التي غابت عن حنانه فيها
أم يظل على موقفه منها وألا يمرر ما حدث بتلك السهولة
رفعت ورد وجهها إليه عندما لم يبادلها الإحتضان فعلمت أنه مازال غاضبًا
_سالم..
ابعد ذراعيها عن عنقه وغمغم باضطراب
_أني لازمن اخرج دلوجت
هم بالابتعاد لكنه توقف عندما سمع طرق الباب
حمحم كي يخرج صوته ثابتًا
_ادخل
دخل مالك ابنهم الذي يبلغ من العمر خمسه عشر عامًا وهو يقول
_الفطار چاهز وچدي بعتني اندهلكم.
تنهد سالم
_خبره إني چاي دلوجت.
خرج مالك وتطلع هو إلى ورد وتحدث بجدية
_محدش يعرف حاچة من اللي حوصل ياريت لو أبويا سألك قوليله إنك كنتي رايحة تعزي أمك وخلاص.
أومأت له في صمت ثم تطلعت في إثره وهو يخرج من الغرفة دون أن ينتظرها.
❈-❈-❈
كان الجميع يجلس على الطاولة عندما دخل سالم يلقي عليهم السلام
رد الجميع وجلس في مقعده فتسأله حسنة
_أومال فين ورد؟
ابتسم لها سالم مجبرًا ورد باقتضاب
_نازلة دلوجت.
تحدث وهدان بحكمة
_خلي بالك طويل عليها، ده مهما كان أخوها دمهم واحد.
أومأ سالم بصمت كي لا يشك والده بشيء ثم بدأ في تناول طعامه
دلفت ورد بعد إن ابدلت ملابسها وألقت السلام بدورها
_السلام عليكم.
ردوا جميعاً السلام وقالت حسنة بود
_تعالي يا وردة مردناش نفطر إلا لما تاچي.
أومأت ورد بامتنان لتلك المرأة التي لم تقصر معها يومًا بل كانت أمًّا لها وكذلك وهدان.
جلست معهم تتناول طعامها او تتظاهر بذلك.
ربتت ليل على يدها تحسها على ان تتناوله
لكن لا تشتهي شيء
لم تجد حسنة الكلمات التي تخفف بها عن ورد
تعلم ما يدور بخلدها الآن
لكنها تعلم جيدًا بأنهم لن يأخذونها بذنب غيرها
لقد تخلت عن كل شيء لأجل ولدها ولأجل وقف ذلك الثأر وعاشت معهم كواحدة منهم
وعاملتها حسنة كإبنتها
حتى عندما قتل أخيه ولدها لم تظهر شيء بل بدت أمامها صابرة راضية بقضاء الله وقدره
ستمحى يومًا تلك الآلام لكن وحدها دون ان يحاول أحد تطيبها
فما أدراك أن بمداوتك لها تضغط عليها وتزداد الآلام
لذا ستتركها هي تداوي آلامها وحدها دون تدخل منهم حتى تعود تلك الوردة التي دخلت منزلهم وملئته بعطرها.
حاولت تخفيف ذلك الجو المشحون بالنظر إلى مالك الذي ربط حاله بتلك الصغيرة التي لم تبلغ بعد الأربع سنوات ولا تقبل ان يطعمها أحد غيره
قالت حسنة
_هاتها يا ولدي أني هوكلها
قالت ليل بحبور
_متحاوليش يا مرات عمي مبترداش تاكل غير من يده.
تطلع وهدان إليه وقال بمرح
_يعني احچزهالك من دلوجت ولا شايف إنها صغيرة عليك.
تطلع ذلك الشاب الصغير إليها وقال
_لا يا چدي هتكون صغيرة جوي.
تدخل سالم في حديثهم
_لا يا حچ هيكون كبير عليها خلينا في عدي هو انسب لها..
تطلع مالك إلى روح التي تجلس على قدمه ليطعمها ولا يعرف لما شعر بالضيق
هل لأنه تعود أن يهتم بها منذ صغرها وسيأتي اليوم الذي ستبتعد عنه رغمًا عن كلاهما؟
هل كما قال والده ستكون لأخيه وسيجبر عن غض بصره عنها؟
اسئلة كثيرة اقتحمت تفكيره بحديثهم التلقائي لكنه لفت نظره.
نهضت ليل بعد ان أنهت طعامها
_هاتها يا مالك اني خلصت وكل.
مدت ليل يدها تأخذها فيشعر مالك بأنها سحبت روحه معها
ماذا يحدث معه ولما حديثهم أثر به لتلك الدرجة؟
لما يملك شهية للطعام ونهض أيضًا بدوره فسألته ورد
_رايح فين يا ولدي انت مأكلتش.
حاول مالك الابتسام
_لا ياما شبعت الحمد لله.
نهض سالم وهو يقول
_أني رايح الأرض الجبلية يا بوي محتاچ مني حاچة؟
رد وهدان بحبو
_سلامتك يا ولدي.
خرج سالم وبعدها توجه حامد بدور إلى الأرض الأخرى وظل وهدان في المنزل
فمنذ موت ولده وهو لا يرى رؤية تلك الأراضي التي تكون سببًا في سيل ذلك الدم.
❈-❈-❈
اشتد المرض على "فايد التهامي" كوحش كاسر ينهش ما تبقى من جسده القوي.
ذلك الجبل الذي كان يرتجف له الرجال، أصبح الآن طريح الفراش، لا يقوى على التحرك، أنفاسه أصبحت مجرد حشرجة خافتة في غرفة ضخمة وصامتة.
كان الجميع يلتفون حول فراشه في سكون مهيب، كأنهم في حضرة الموت نفسه. زوجته "ود"، وأبناؤه، وزوجاتهم، وجوههم شاحبة وعيونهم زائغة.
لقد غادر الطبيب قبل قليل، وكلماته كانت نهائية كحكم قاضٍ: "إنها مسألة وقت... يعيش لحظاته الأخيرة".
كل نفس كان فايد يأخذه، كان الجميع يحبسون أنفاسهم معه وفجأة، تحركت عيناه الباهتتان ببطء، واستقرتا على ابنه الأكبر، صخر تحركت شفتاه الجافتان، وخرج صوته كهمس متعب، لكنه كان يحمل ثقل الأمر الذي لا يُرد.
_ طلّعهم... برة... واجفل الباب... وتعالى.
كل كلمة كانت مجهوداً جباراً.
نظر صخر إلى والده، ثم إلى الحاضرين.
لم تكن زوجته ود لتتقبل هذا الأمر بسهولة.
اقتربت من الفراش، وانحنت على زوجها ويداها ترتعشان
_ حتى اني يا فايد؟ حتى أنا تطلعني؟
أغمض فايد عينيه للحظة، كأنه يستجمع آخر ما تبقى من قوة، ثم فتحهما ونظر إليها.
كانت نظرته تحمل حزناً عميقاً، وإصراراً لا يلين.
أومأ لها برأسه إيماءة خفيفة، وتحدث بإجهاد واضح
_ معايزش... حد... غير صخر.
كانت الكلمات قاسية، لكنها كانت وصية.
فهمت ود أن اللحظة التي كانت تخشاها قد حانت.
اللحظة التي ستُقال فيها الأسرار التي دُفنت لعقود، الأسرار التي لا يجب أن تسمعها أذن امرأة.
نظر صخر إلى والدته، وبنبرة حاول أن يجعلها هادئة، قال
_ اطلعي يا أمّاي... وخديهم معاكي.
نهضت ود باستسلام، وجسدها كله يرتعش.
ألقت نظرة أخيرة على زوجها، نظرة تحمل نصف قرن من الذكريات والأسرار المشتركة، ثم استدارت وأشارت للنساء بالخروج.
خرجن جميعاً بصمت، كأنهن موكب جنائزي يغادر الغرفة قبل وصول الموت.
أغلق صخر الباب الخشبي الثقيل خلفهم، وأدار المفتاح في القفل صوت صرير القفل كان مدوياً في الصمت، كأنه يغلق على سر عظيم.
استدار وعاد إلى فراش والده، وجلس على المقعد بجانبه، وانحنى ليسمع.
تطلع فايد إلى ابنه، إلى نسخته الأكثر قسوة وشراسة.
رأى فيه امتداده، لكنه رأى فيه أيضاً الحقد الذي ساهم هو في غرسه.
تمتم بوهن، وصوته أصبح أكثر وضوحاً بقليل، كأن طرد الجميع منحه دفعة من الطاقة.
_ اسمعني زين يا ولدي... ومتجاطعنيش. هتنفذ اللي هجول عليه بالحرف... بس جبل ما تنفذ... لازم تعرف.
لازم تعرف الحجيجة كاملة... مني أنا.
مش من حكايات الحريم ولا من غُلب تار قديم.
صمت فايد للحظة، يلتقط أنفاسه، وعيناه تحدقان في سقف الغرفة كأنه يرى شريط حياته يمر أمامه.
_ التار اللي بينّا وبين الرفاعية... أعمق من اللي إنت خابره.
أعمق من موت عمك... وأعمق من موت أبو جاسر. فيه سر... سر لو طلع... هيجلب الدنيا كلها. وأني... أني شايله على صدري بقالي عمر... وخايف أموت بيه.
انحنى صخر أكثر، وكل حواسه متيقظة.
شعر ببرودة تسري في عموده الفقري. أي سر هذا الذي يجعل رجلاً مثل "فايد التهامي" يخشى الموت به؟ أي حقيقة هذه التي ظلت مدفونة تحت كل هذه الدماء والكراهية؟ لقد أدرك صخر في تلك اللحظة، أن الكلمات التي سيسمعها الآن، ستغير كل شيء، وستعيد كتابة تاريخ العداوة من جديد.
❈-❈-❈
في غرفة جاسر
جلست ونس بجوار ابنها الذي مازال يحمل سلاح والده والذي أخفاه صخر يوم الحادث كي لا يساعد الرفاعية في القضية
لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ويستطيع محاميهم بمهارة تقديم كل الإدلة التي جاهدوا لإخفاءها ومنهم الشهود حتى أثبت الواقعة وقضى القاضي بذلك الحكم القاسي من وجهة نظرهم.
مدت ونس يدها لتأخذه من يده لكنه رفض بغلظة
_لا محدش يمسكه غيري، عمي جالي احتفظ به لحد ما ييجي اليوم واخد به تار أبويا.
لاح الرعب بعين ونس وتمتمت بخفوت
_بلاش تمشي ورا حديت عمك ياولدي لإن آخرته دمار، واني مليش سند بعديك.
رد الصغير الذي يحاول عمه بشتى الطرق أن يجعله نسخة أخرى منه وتحدث بحدة
_يعني ريداني اعيش چبان وأضيع حج ابويا؟
_ولما تاخد حج أبوك وتتعدم زيه اني هروح فين؟
مفكرتش فيا ولا فيك؟
ايه اللي ممكن يحصلي لو ده حوصل؟
وانت خابر زين يا ولدي معاهم محامي واعر ومش هنعرف نسلم منيه.
_أني كمان هطلع محامي اوعى منيه زي ما عمي جالي وهاخد حج ابوي من غير ما يثبتوا عليا حاچة.
كانت ونس تستمع إلى ابنها بعدم استيعاب لما يقول
لقد ترك ذلك الغادر ابنه لأخيه كي يجعل منه صخر آخر ويضيعه كما فعل معه
لقد ظنت أن بموته ستستطيع الرحيل من ذلك المنزل
لكن يبدو أنها كتب عليها الشقاء قبل مماته وبعده
ابنها الذي لم يتعدى عمره 10 سنوات جعلوا منه رأس مدبرة تخطط للإجرام في ذلك السن الصغير.
وضعت وجهه بين يديها وقالت برجاء
_جاسر يا ابني، بلاش ترمي ودنك لعمك عيش سنك وسيب الحج لصاحب الحج
بلاش تدمر حالك وتعيش حياتك في حقد وكره
صدجني يا ولدي محدش هيشجى غيرك وياجي عليك وجت تلاقي نفسك لا عيشت طفولتلك ولا حتى شبابك
والندم وجتها مش هيفيد بشيء.
تطلع إليها ذلك الطفل الكبير وتحدث باستنكار
_أني مش طفل أني راچل والراچل لازمن يكون جد المسؤلية من صغره
نهض الصغير وتوجه إلى الخزانة ليضع سلاح والده بها.
أغمضت ونس عينيها باستسلام فقد ضاع ولدها منها وانتهى الأمر..
صراخ وعويل صدح في المنزل مرة أخرى لوفاة كبيرهم
فمنهم من يبكي حقًا لفراقه
ومنهم من يبكي لما سيحدث لهم بعد ان يتولى ابنه شؤون العائلة..
كلاهما دمار.
فقد رحل ما كان يسيطر على ذلك الصخر ويمنع شلال الدماء التي يسعى إليها..
يتبع