-->

رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 4 - الإثنين 18/8/2025

 

قراءة رواية ثنايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ثنايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا الخولي


الفصل الرابع

تم النشر الإثنين 

18/8/2025



أوقف مالك سيارته أمام ذلك المنزل الكبير. 

أطفأ المحرك، فحل صمت ثقيل لم يقطعه سوى صوت الأصوات المترابطة بالليل أخرج هاتفه، وبأصابع ثابتة أجرى مكالمة. 

عندما أتاه الرد الناعس، قال باقتضاب وبصوت أجش

_ أنا مستنيك برة.


أغلق الهاتف دون انتظار رد، وأعاده إلى جيبه

ثم أسند رأسه للوراء على مقعد السيارة، وأغمض عينيه خرجت من صدره تنهيدة طويلة، حارة، وعميقة، أراد بها أن يخرج معها كل آلامه التي تؤرقه ليالٍ طويلة أراد أن يطرد طيفها من عقله، صورتها وهي تضحك، وهي تبكي، وهي تنظر إليه بتلك النظرة التي تراه فيها سنداً ودعماً، لا أكثر

لكن يبدو أن ما يريده صعب المنال، وكأن القدر قد حكم عليه أن يعيش بهذا العذاب الذي لن يتوقف يوماً.


أخرجه من شروده طرقات خفيفة على زجاج النافذة فتح عينيه ببطء، ثم أنزل الزجاج، فإذا بوجه أكمل يطل عليه، وعيناه نصف مغمضتين من النعاس، وشعره أشعث.

_ في واحد عاقل يزور حد في وقت زي ده؟! الساعة داخلة على اتنين.


تطلع إليه مالك وارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة، ابتسامة من يرى صديقه الوحيد وملاذه الأخير.

_ لف واركب.


تطلع أكمل في ساعته مرة أخرى، كأنه لا يصدق، وغمغم باحتدام

_ أركب إيه يا مجنون إنت؟ إنت عارف الساعة كام؟ وبعدين أنا عندي طيارة بكرة الساعة تمانية الصبح، يعني لازم أكون صاحي وجاهز من ستة.


أخفض مالك جفنيه بملل مصطنع، وغمغم بأمر لا يقبل الجدال

_ بقولك بطل زن، واركب.


استغفر أكمل في سره بغيظ، لكنه يعلم أن لا فائدة من النقاش مع مالك عندما يكون في هذه الحالة. 

التف ليصعد بجواره في مقعد الراكب، وقال بحنق وهو يغلق الباب

_ إنت...


باغته مالك بانطلاقة مفاجئة بالسيارة، كأنه يريد أن يقطع عليه سيل تذمره

لكن "أكمل" تشبث بمقعده وتحدث بغيظ:

_ إنت مش هتبطل جنونك ده أبداً!


رد مالك بدون مبالاة، وعيناه على الطريق الخالي أمامه

_ لاه.


علم أكمل من هذه الإجابة المقتضبة أن صديقه يود التحدث، وأن الأمر أكبر من مجرد نزهة ليلية. 

لذا، التزم الصمت، وترك مالك يقود في شوارع المدينة الفارغة، حتى وصلا إلى مكانهما المعتاد على النيل، مكان بعيد عن الضوضاء، حيث يجتمعان دائماً عندما تثقل الهموم على قلب أحدهما.


ترجل مالك أولاً، وتقدم من السور ليقف أمام المياه السوداء التي تعكس أضواء المدينة الخافتة

كان صوت الماء عذباً وهادئاً، يتهادى بدلال على الأحجار المتراصة على حافته ترجل أكمل بدوره، وأدنى منه ليقف بجواره، كتفاً بكتف، دون أن ينطق بكلمة فهو يعلم بحالة صديقه، ويعلم أنه يحتاج إلى هذه اللحظات من الصمت قبل أن يبدأ في إخراج ما في قلبه.


بعد فترة قصيرة، خرج مالك من صمته. نظر إلى أكمل الذي كان يتطلع إليه بوجوم وقلق.

_ بتبصلي كده ليه؟


تنهد أكمل بثقل، كأنه يحمل هم صديقه على كتفيه.

_ مستغرب.

رفع حاجبيه متسائلاً 

_ من إيه؟


_يعني حتة عيلة... تعمل فيك كل ده.

انا مستغرب مالك العاقل يحب عيلة 13 سنة.


لاحت ابتسامة مملوءة بالمرارة على شفتي مالك، وهو يعيد بصره إلى النيل.

_ بس دي بالذات... عمرها ما كانت طفلة في عيني. 

من أول يوم شيلتها فيه وهي حتة لحمة حمرا، وأنا بقول إنها ليا

ليا لوحدي. 

كبرت قدام عيني، وكل يوم كان حبي ليها بيكبر معاها. 

بس أول ما فتحت عينيها على الدنيا... مشفتش حد غير أخويا. 

وأنا بالنسبة ليها... مجرد عوض عن موت أبوها.

السند والضهر اللي بيحميها وبس.


أراد أكمل أن ينبهه لأمر غائب عنه، أو ربما يتغافل عنه.

 لذا سأله عن قصد

_ وفرق السن... ليه مفكرتش فيه؟


_ فكرت. 

 قال مالك بصوت متعب

 _ فكرت فيه، زي ما فكرت في حاجات تانية كتير وأولهم... إني سمعت أبويا وهو بيقول لجدي إنه اختارها لعدي.


ساد صمت قليل، لم يقطعه سوى صوت الماء. 

ثم تابع مالك بصوت مبحوح

_ يعني خلاص... أي أمل ليا انتهى بعد اللحظة دي وللسبب ده قررت أسافر أو بمعنى أدق... أهرب.


باغته أكمل بسؤاله المباشر

_ ولإمتى؟


عقد مالك حاجبيه بشرود، كأنه لم يفكر في هذه النقطة من قبل.

_ مش عارف بس مش ناوي أرجع هكتفي بالأجازات اللي هاخدها وخلاص.


_ وشايف إن ده حل؟


تطلع إليه مالك بحيرة، كغريق يبحث عن قشة.

_ مفيش غيره قدامي.


هز أكمل رأسه برفق.

_ أنا شايف إن الهروب مش حل لمشكلتك بالعكس، اشتياقك هيقوي حبك ليها أكتر طول الوقت هتفضل تفكر فيها، زي ما كنت بتعمل في الجامعة وأكتر. 

بس وانت في الجامعة كنت مشتاق لبنتك، انما دلوقت مشاعرك اطورت وبقت حاجة تانية.

الحل الوحيد يا مالك، إنك تواجه. تمحي حبها من جواك، وتظهر حب الأبوة اللي إنت خافيه جواك وترجمته على إنه عشق. 

يمكن لما تشوفها كل يوم، وتتعامل معاها كبنتك فعلاً، الصورة تتغير في عقلك.


قالها "مالك" بسخرية خفيفة، محاولاً تغيير دفة الحديث.


_ ويمكن لما أسافر... أكتشف إنه فعلاً حب أبوي زي ما بتقول... يا سيادة وكيل النيابة. 

ابتسم "أكمل" ابتسامة متعبة.

_ وكيل نيابة كده مرة واحدة؟ ضمنتوا قبولي يعني؟


قال "مالك" بثقة، وهذه المرة كانت ثقته حقيقية، ثقة الصديق في صديقه. 

_ وإيه اللي يمنع؟ أنا واثق إنك قدها. 

وبعدين إنت اجتزت الأصعب، والباقي مجرد رسميات.


تنهد أكمل بثقل، وعاد الهم ليرتسم على وجهه.

_ ياريت بس أنا شايف إن الشغل ده هيبعدني أكتر عن جدي والمشكلة إنه رافض تماماً يسيب البلد وييجي يعيش معانا في القاهرة. 

دايماً يقولي أنا عامل زي السمكة اللي لو خرجت من المايه تموت على طول. غصب عني بسكت ومبرداش أضغط عليه.


ربت مالك على كتفه، وهذه المرة تبادلت الأدوار، وأصبح هو من يواسي.

_ سيبه براحته بلاش تضغط عليه هو هنا وسط أهله وناسه وأصحابه دي حياته اللي يعرفها وإنت كل أجازة انزله، متقطعوش.


نظر كل منهما للآخر، صديقان جمعهما القدر، وكل منهما يحمل هماً مختلفاً، لكنهما يجدان في وجود بعضهما البعض السند والعون، في صمت أبلغ من أي كلام.


❈-❈-❈

في منزل قاسم المحلاوي


نزل أكمل الدرج بخطوات هادئة، وهو يحمل حقيبته الجلدية في يده. 

وجد جده قاسم جالساً في مكانه المفضل على الأريكة الكبيرة في بهو المنزل، يقرأ في جريدته الصباحية التي لا يبدلها مطلقاً، وكأن العالم خارج صفحاتها لا يعنيه. 

كانت هذه طقوسه اليومية التي لم تتغير منذ سنوات.


_ السلام عليكم.


رفع قاسم عينيه ببطء عن الجريدة، ونظر من فوق نظارته الطبية إلى حفيده الذي يقف أمامه بكامل أناقته، جاهزاً للسفر.

_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. على فين العزم دلوقت؟


تطلع أكمل في ساعته بابتسامة.

_ دلوقت إيه يا حج؟ الساعة عدت ستة، وأنا عندي مقابلة مهمة النهاردة في القاهرة.


تذكر قاسم فجأة، وضرب بكفه على ركبته بخفة.

_ والله نسيت يا ولدي فرحة امبارح واللمة نستني كل حاجة على العموم، ربنا يوفقك، بس متتأخرش عليا وتغيب عني كتير إكده الشهور اللي فاتت كانت طويلة جوي.


مال أكمل ليقبل يد جده الخشنة التي تحمل تجاعيد الزمن، وقبلها بكل الحب والتقدير الذي يحمله له، متمتماً بصوت حنون

_ إنت عارف يا جدي إنه غصب عني. 

الجامعة ومشاغلها بس أول ما الظروف بتسمح، بتلاقيني خدت أول قطر وجيلك على طول.


أومأ له قاسم برضى، وربت على ظهر يده الممسكة بيده.

_ خابر يا غالي، خابر. بس بلاش تعمل زي ابوك، وتشغلك الدنيا عني.


جثى أكمل على ركبتيه أمام جده، ووضع حقيبته جانباً قال بعتاب مرح، كطفل يداعب أباه

_ طب ما إنت اللي رافض تاچي معانا وتريحني وتريح نفسك، وكل مرة تتحجج بحچة الأرض يا حچ قاسم.


غامت عين قاسم بالذكريات، وسرح بنظره للحظات في الفراغ، كأنه يرى شريط حياته يمر أمامه.

_ مش بس الأرض يا ولدي أنا اتولدت اهنه، واتربيت اهنه، وربيت أبوك في الدار دي حياتي وذكرياتي كلها، الحلوة والمرة، مدفونة في تراب البلد دي. 

مخرجتش براها، وعشان إكده بجيت زي السمكة اللي لو خرجت من المايه... تموت.


رفع عينيه لحفيده، وتابع بعتاب حنون يحمل في طياته حباً عميقاً

_ عايزني أموت يا ولدي؟


شدد أكمل بقبضته على يد جده، ونفى بلهفة صادقة

_ بعد الشر عنك يا جدي! ربنا يديك طولة العمر والصحة.

قالها "قاسم" بحسم.

_ يبجى خلاص بلاش تطلب مني الطلب ده تاني وجت ما تجدر تاچي، هتلاجيني مستنيك يا غالي.


ابتسم أكمل بود وهو ينهض من أمامه، ليلتقط حقيبته.

_ إن شاء الله يا جدي أنا همشي بقى عشان...


قاطعه "قاسم" بنبرة آمرة لا تقبل النقاش، وهو يطوي جريدته ويضعها جانباً.

_ تمشي فين؟ مفيش خروج من الدار دي قبل ما تفطر يا أم حسن! الفطار!


لم يكد أكمل يعترض، حتى كانت أم حسن مدبرة المنزل تطل من باب المطبخ بابتسامتها المعهودة.

_ الفطار جاهز يا حچ.


_ يبجى حطيه على السفرة حفيدي وكيل النيابة مسافر، ولازم ياكل لقمة تتقل جلبه.


استسلم أكمل بابتسامة، ووضع حقيبته مرة أخرى لا فائدة من مقاومة أوامر جده، خاصة عندما تتعلق بالطعام. جلس إلى طاولة السفرة الكبيرة، وسرعان ما امتلأت أمامه بالأطباق الشهية، الفطير المشلتت، والجبن القديم، والعسل الأبيض، والبيض المقلي.


جلس قاسم على رأس الطاولة، وبدأ يضع الطعام في طبق حفيده بنفسه.

_ كل يا ولدي، كل أكل القاهرة ده ميسندش طول عايزك ترجعلي إكده وشك منور وصحتك ترد فيك.


ضحك أكمل وهو ينظر إلى طبقه الذي تحول إلى جبل من الطعام.

_ كفاية يا جدي، والله كفاية هنام في المقابلة.


_ كل بس ومتتكلمش. 

 قال "قاسم" وهو يقطع له قطعة من الفطير ويغمسها في العسل ويضعها أمامه. 

_ عايزهم يشوفوا وكيل النيابة بتاعنا مالي مركزه إكده.


أكل أكمل وهو يشعر بدفء لا مثيل له. 

لم يكن مجرد طعام، بل كان حباً خالصاً يقدمه له جده كانا يتحدثان بين اللقمة والأخرى، عن ذكريات الطفولة، وعن أهل البلد، وعن أحلام أكمل المستقبلية. كان قاسم يستمع إليه بفخر واهتمام، وكانت عيناه تلمعان بحب لا تخطئه عين.


_ ربنا يخليك ليا يا جدي، وميحرمنيش منك أبداً. 

 قال أكمل بصدق وهو ينهي طعامه.


رد قاسم وصوته يملؤه الحنان

_ ويخليك ليا يا غالي إنت اللي فاضلي من ريحة الغالية، كانت روحها فيك. روح يا ولدي، ربنا يفتحها في وشك، وينور طريقك بس متنساش... إن فيه قلب مستنيك اهنه .


نهض أكمل وقبل رأس جده مرة أخرى، وشعر بأن هذه اللحظات هي الوقود الحقيقي الذي يعينه على مواجهة العالم بقسوته وبرودته.

حمل حقيبته وقال

_طيب أنا يدوب الحق الطيارة ادعيلي يا جدي.

رد قاسم بصبو

_بدعيلك يا ولدي من غير ما تجول.

أومأ له أكمل بابتسامة وقبل رأسه ثم خرج من المنزل.

كانت سيارة جده بانتظاره كي تنقله للمطار لكنه توقف عندما وجد سيارة مالك تدلف من البوابة الرئيسية 

هز رأسه بيأس منه وتمتم بغيظ

_مجنون.


❈-❈-❈


توقف مالك بسيارته بجانب سيارة جد أكمل، ونزل منها بخطوات ثابتة، وعيناه تتابعان صديقه الذي ودّع جدة للتو. 

لم تكن نظراته تحمل العتاب هذه المرة، بل شيئًا من الامتنان الصامت.


اقترب أكمل منه وهو يهز رأسه بيأس مصطنع قائلاً

_انا مش لسة سايبك من ساعتين؟


ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي مالك.

_كنت هتسافر من غير ما تسلم عليا؟

دا أنا حتى مديونلك بليلة مفيهاش نوم.


ضحك أكمل وهو يضع حقيبته في سيارة جده، ثم التفت إليه بجدية أكبر.

مالك، فكر في كلامي الهروب مش حل يطفئ النار اللي في قلبك، بالعكس هيخليها تشتعل أكتر جواك في وحدتك، فكر في كلامي كويس..


تنهد مالك وأشاح بنظره نحو الأفق، حيث بدأت الشمس ترسل خيوطها الأولى معلنة عن فجر جديد.

_ربنا يسهل.


وضع أكمل يده على كتف صديقه بقوة.

_انا مش بقولك كدة عشان تفضل وتتعذب 

أنا بقوللك خليك وواجه، وأثبت لنفسك أولاً، وليها ثانيًا، أنك السند والأب اللي شيفاه فيك.

خليها تعتاد وجودك كقوة في حياتها، مش مجرد ظل لأب أو أخ

يمكن وقتها تشوف فيك اللي مشفتوش قبل كدة


صمت مالك للحظات، كلمات صديقه كانت كالحجارة التي أُلقيت في مياه روحه الراكدة، فأحدثت تموجات عنيفة. 

هل يستطيع فعل ذلك؟ هل يملك القوة ليبقى ويغير قواعد اللعبة التي حكمت عليه بالخسارة منذ البداية؟


قاطع شروده صوت سائق سيارة الجد وهو يقول

_أكمل بيه، هنتأخر على الطيارة.


أومأ أكمل برأسه، ثم نظر إلى مالك نظرة أخيرة مليئة بالأمل.

_هستنى اتصال منك متخدش قرار تندم عليه بعد كدة

أحيانًا، أقصر الطرق للنسيان هي المواجهة، مش الهرب.


عانق الصديقان بعضهما بحرارة، عناق رجال يحمل في طياته الكثير من الكلام الذي لم يُقل. 

صعد أكمل إلى السيارة التي انطلقت مبتعدة، بينما ظل مالك واقفًا في مكانه، يراقبها حتى اختفت عن الأنظار.


لم يعد إلى سيارته فورًا. 

بل استدار وعاد بخطواته نحو منزل قاسم المحلاوي. 

وجد الجد لا يزال جالسًا في مكانه أمام المنزل، لكن الجريدة كانت مطوية بجانبه، وعيناه شاردتان تتبعان أثر حفيده المسافر.

رفع رأسه إلي مالك وقال بصوته الأجش المليء بالحكمة

_الصاحب سند يا ولدي.


ابتسم مالك بحزن وقال

_أكيد


نظر إليه قاسم نظرة فاحصة، كأنه يقرأ ما يدور في روحه.

_الحب اللي بيوجع دواهُ الصبر والمواجهة. 

أما الهروب، فهو بيزيد الوجع وجع.


اتسعت عينا مالك في دهشة. 

كيف عرف الجد ما يجول في خاطره بهذه الدقة؟ كأن حكمة السنين منحته قدرة على رؤية ما وراء الصمت. 

لم يجد ما يقوله، فاكتفى بإيماءة صامتة.

يبد أنه سمع حديثه مع أكمل

ربت قاسم على المقعد الخالي بجانبه.

_اجعد يا ولدي... اشرب معاي فنجان جهوة جبل ما ترچع لطريجك الصبح له حكايات تانية.


لأول مرة منذ وقت طويل، شعر مالك برغبة في البقاء. 

جلس بجانب قاسم، مستسلمًا لفكرة أن المواجهة قد تبدأ بفنجان قهوة مع رجل حكيم، في فجر يوم جديد يحمل في طياته احتمالات لم تكن في الحسبان ربما، لم يكن الهروب هو قدره المحتوم بعد كل شيء.

الجميع يدعون فهمه لكن حقيقة الأمر أن لا أحد يفهمه

حبه لها ليس عشقاً

بل حب تملك لصغيرته التي علقته بها بتعلقها الزائد له

لم يتطرق قاسم للحديث مرة أخرى واكتفى بحديث آخر ومزيد من الحكم التي يمتاز بها ذلك الرجل.


عاد مالك إلى الفيلا مع خيوط الفجر الأولى، لكنه لم يدخل بقي في سيارته، يراقب النوافذ المظلمة كأنها عيون مغلقة تخفي خلفها مصيره.

لم يكن قرار السفر مجرد هروب من حب موجع، بل كان درعًا يرفعه ليحميها من تملكه

روح... مجرد اسمها كان كافيًا لإشعال عاصفة في صدره. 

هي لم تكن مجرد فتاة تعلق بها، بل كانت الطفلة التي رباها على يديه، والتي نما حبه لها كوحش خفي يخشى أن ينقض عليها يومًا ما.


تنهد بعمق وفتح باب السيارة. 

كان يعلم أن المواجهة القادمة لن تكون سهلة.


ما إن خطت قدماه بهو المنزل الفخم، حتى وجد والده سالم في انتظاره. 

ونظراته تحمل لوم هو لن يتحمله


سأل سالم بصوت لا يخلو من حدة. 

_كنت فين يا مالك؟ 


أجاب مالك بصوت مرهق، متجنبًا النظر في عيني والده.

_كنت مع أكمل.

أومأ له سالم ونهض مقتربا منه 

_ليه مصر على السفر يا ولدي؟

ايه اللي چابرك عليه؟


تقدمت ورد من خلف زوجها، وعلى وجهها قلق الأم الذي لا يخطئه أحد.

_ مالك يا حبيبي الله يرضى عنيك شيل الفكرة دي من دماغك، بعدك عني ممكن يجتلني.

تقدم منها مسرعًا ليقبل يدها

_بعد الشر عنك يا أمي.

_الشر مش هيبعد عني ببعدك يا غالي


نظر مالك إلى والدته بعينين تحملان ألمًا لم يستطع البوح به. 

فما بداخله لن يستطيع البوح به

_ده قراري النهائي ومش هتراچع فيه.

قالها بصلابة لم يعتدها منه والداه.

فقال بعدم اسيعاب

_يعني ايه هتكسر كلمتي.

رد مسرعًا 

_العفو يا حاچ بس دي حياتي ورايد اعيش كيف ما بدي


في تلك اللحظة، نزل صوت هادئ وحكيم من أعلى الدرج، صوت كان دائمًا الحكم الفصل في هذه العائلة.

_سيبه يا سالم.


التفت الجميع نحو مصدر الصوت. 

كان وهدان ينزل الدرج ببطء، متكئًا على عصاه الخشبية المصقولة. 

كانت عيناه تحملان حكمة ونظرة تخترق الأرواح.


قال سالم بدهشة. 

_انت ليه موافجه على سفره يا بوي؟


وقف وهدان أمام حفيده، ونظر في عينيه مباشرة

 لم تكن نظرته تحمل لومًا أو عتابًا، بل فهمًا عميقًا. 

هو الوحيد الذي رأى ما وراء نظرات مالك لروح. هو الوحيد الذي فهم أن هذا الحب، إن استمر، سيحرق الجميع.


_دي زي ما جال حياته يا سالم.

قالها وهدان بهدوء وهو لا يزال يحدق في مالك. 

وتابع

_أحيانًا، بيكون البعد أفضل بكتير

سيبه يسافر ويشكل حياته زي ما هو عايز وأكيد في يوم هيرجع مش هيفضل في الغربة كتير.

وبعدين يا ولدى هو كان تعب وزاكر وخد الهندزسه عشان يقعد جارك وهو ينظر لى مالك ولسان حاله يقول فاهمك ياولدى.

صمت الجميع. 

وكانت كلمات وهدان كاشفة، وكأنها ألقت الضوء على سر مالك المظلم دون أن تفضحه صراحة. 

شعر مالك بامتنان هائل لجده، الذي فهمه دون أن يحتاج للشرح.


حاولت ورد الاعتراض بصوت متهدج.

_بس يا عمي..

قاطعها وهدان بنظرة حانية. 

_يا بتي الشجرة اللي بتزرعيها في الظل، بتموت.

وبرضه المشاعر إكدة

بتحتاج للشمس والهوا عشان تنضج يا إما هتدبل

سيبيه يدور يمكن يلاقي شمسه.


ثم التفت إلى مالك، ووضع يده على كتفه.

_سافر يا ولدي. 

روح وشوف الدنيا، يمكن تشوف جلبك على حجيجته بس أرچع وقت ما تكون مستعد 


كانت كلمات الجد هي الإذن الذي كان يحتاجه مالك. لم تكن موافقة على هروبه، بل تكليفًا بمهمة. مهمة أن يشفي نفسه قبل أن يعود.


أومأ مالك برأسه، وعيناه تلمعان بدموع حبسها طويلاً.

_أوعدك يا جدي.


نظر إلى والديه اللذين وقفا صامتين، بين إنكار الأب ودموع الأم. لم يستطع أن يقول شيئًا آخر. استدار وصعد إلى غرفته ليبدأ في حزم حقائبه.


فتح باب غرفته، فتسلل إلى أنفه عطرها الطفولي الذي تركته خلفها بالأمس عندما أتت لتريه رسمة جديدة. نظر إلى سريره، وتخيلها تقفز عليه ضاحكة. كل زاوية في هذه الغرفة تصرخ باسمها.


أغمض عينيه بقوة.

 نعم، السفر هو الحل الوحيد. ليس ليهرب منها، بل ليحميها من الوحش الذي ينمو في قلبه. سيذهب، وسيبني جدرانًا من المسافات والزمن بينه وبينها، على أمل أن يعود يومًا وقد أصبح رجلًا آخر، رجلًا يستحق أن يكون أخيها وسندها، لا عاشقها السري.


❈-❈-❈


كان الهواء الساخن يلفح وجه أكمل وهو يطل من نافذة السيارة، مُودّعًا النخيل المتناثر على جانبي الطريق والذي كان يمثل آخر ما تبقى من صورة الصعيد في عينيه. كانت رحلة طويلة، لكنها أقصر بكثير من المسافة التي يشعر بها في قلبه بين عالَمين

عالم جده الهادئ المترسخ في الأرض والتقاليد، وعالم القاهرة الصاخب الذي ينتظره بأحلامه وطموحاته.


وصلت السيارة إلى المطار وكم وجد صعوبة في الترجل من السيارة والسير على أرض المطار الذي سيفصله عن عالم جده

لم يدم تردده فأمامه حياة وهدف آخر بانتظاره

بخطوات بطيئة سار حتى أنهى اجراءات الطائرة ثم توجه إليها 

وطوال رحلته ظل يفكر في كل شيء متعلق بالبلدة وبجده حتى وصل إلى القاهرة 

نزل أكمل حاملاً حقيبته التي لم تكن تحتوي على الكثير من الملابس، بل كانت مُثقلة بذكريات إجازة قضاها في أحضان جده. 

رائحة الأرض الطينية بعد ريِّها، صوت الجد وهو يحكي له حكايات الأجداد تحت ضوء القمر، ودفء الأحاديث البسيطة التي لا تحمل في طياتها إلا الصدق والمحبة.


استقل سيارة أجرة إلى منزل أسرته، وفي كل شارع تمر به السيارة، كان يشعر بأن القاهرة تبتلعه مرة أخرى في ضجيجها وزحامها الذي كاد أن ينساه.


فتح باب الشقة بمفتاحه، ليجد والدته في استقباله بابتسامة واسعة وحضن دافئ طال انتظاره.

_أكمل! حمدًا لله على السلامة يا حبيبي. وحشتني جدًا.


عانقها بقوة، ثم قبّل يدها وهو يقول بمحبة

_وانتي كمان يا أمي وحشتيني أوي

التفت إلى والده الذي خرج من غرفته على صوت ترحيب زوجته. نظر إليه حسين بفخر، وقال بصوتٍ هادئ يملؤه الرضا: 

_أهلاً يا سيادة وكيل النيابة. نورت بيتك.


ابتسم أكمل ابتسامة باهتة، حاول أن يجعلها تبدو أكثر فرحًا مما يشعر به حقًا. جلس معهما في غرفة المعيشة، وأخرج من حقيبته الظرف الذي يحمل نتيجة قبوله في الهيئة القضائية. وضعه على الطاولة أمام والده قائلاً: _الحمد لله يا بابا، ربنا كرمني وقبلت.


تهللت أسارير والدته وهي بفرحة عارمة، بينما التقط والده الظرف، وقرأ الخطاب الرسمي وعيناه تلمعان بالفخر. ربّت على كتف ابنه بقوة وهو يقول: كنت عارف أنك هتعملها طول عمرك رافع راسي، بس المرة دي أفضل بكتير.


كانت فرحتهما غامرة وصادقة، وهي الفرحة التي حلم أكمل دائمًا بأن يراها على وجهيهما. 

لقد عمل بجد واجتهد لسنوات طويلة من أجل هذه اللحظة، من أجل أن يرى هذا الفخر في عيون والده وهذه السعادة في قلب والدته. 

لكن، وفي وسط هذه الأجواء الاحتفالية، كان هناك جزء من قلبه لا يزال عالقًا في ذلك البيت الكبير في صعيد مصر.


استأذن منهما ودخل غرفته بحجة تغيير ملابسه أغلق الباب خلفه واستند عليه، وأغمض عينيه. 

عادت إليه صورة جده وهو يودعه عند السيارة صباحًا. لم يتحدث الجد كثيرًا، لكن نظرة عينيه كانت تحمل كل الكلمات. 

كانت نظرة فخر ممزوجة بوحدة قادمة، ووداع صامت لرجلٍ مسنٍّ سيظل في بيته الكبير وحيدًا مرة أخرى.


تذكر آخر كلماته له:

متنساش أصلك يا ولدي مهما كبر مجامك، جذورك هنا.


جلس على طرف سريره، وشعر بثقل المسؤولية يزداد على كتفيه. لم يعد الأمر مجرد نجاح مهني، بل أصبح صراعًا داخليًا بين تحقيق طموحه الذي كافح من أجله، وبين شعوره بالذنب لتركه جده وحيدًا. 

كيف يمكنه أن يبدأ حياته الجديدة المليئة بالعمل والتحديات في القاهرة، بينما الرجل الذي علّمه أولى خطوات الحياة يقضي أيامه وحيدًا في أقصى الجنوب؟


كانت فرحة النجاح موجودة، لكنها كانت فرحة منقوصة، يغلفها شعور بالحنين والقلق. .

نظر من نافذة غرفته إلى أضواء القاهرة التي لا تنام، وتساءل في صمت: هل كان قراره بالعودة هو الصواب حقًا؟


❈-❈-❈


بعد أن انقضى بعض الوقت على لهفة والديه الهادئ، الذي شعر به مالك كأنه مراسم وداع، انسحب إلى غرفته أغلق الباب خلفه، وشعر وكأنه يغلق ستارة على فصل من حياته. 

كان يحاول ترتيب أفكاره المشتتة، صدى كلمات أبيه عن ان "روح لعدي" لا يزال يرن في أذنيه كحكم قضائي نهائي. 

وبينما كان غارقاً في بحر من الحيرة والألم، سمع طرقاً خفيفاً ومتردداً على الباب.


لم يكن طرق والدته الحاسم، ولا طرق والده الوقور. 

كان طرقاً يعرفه جيداً، طرقاً يحمل براءة وخجلاً، طرق "روح".


_ ادخل.

قالها بصوتٍ هادئ، محاولاً أن يخفي بحة الألم فيه.


انفتح الباب ببطء، وظهرت منه "روح" ابنة عمه. 

كانت في الثانية عشرة من عمرها، تقف على أعتاب المراهقة، جسدها النحيل لا يزال يحمل طفولة، لكن عينيها كانتا تحملان حزناً يفوق سنها بكثير. 

كانت ترتدي فستاناً بسيطاً من القطن، وتضم بيديها الصغيرتين دمية قديمة مهترئة، تلك التي أهداها إياها في أحد أعياد ميلادها البعيدة. 

كانت وجنتاها متوردتين من أثر البكاء، وعيناها الجميلتان غارقتين في بحر من الدموع التي كانت تحاول حبسها عبثاً.


بمجرد أن رآها، شعر مالك بغصة حادة في حلقه. 

نسي للحظات حزنه الشخصي، وقلقه من المستقبل، وكل شيء آخر. 

لم يعد في العالم سوى هذه الطفلة التي تقف أمامه بقلبٍ مكسور، وكأنها تحمل حزن العالم كله في عينيها الصغيرتين.


نهض من سريره واقترب منها، ثم جثا على ركبتيه ليكون في مستوى نظرها، ليرى الألم بوضوح.

 مد يده ليمسح دمعة هاربة على خدها، وشعر بنعومة بشرتها ورقتها. سأل بصوتٍ حنون، صوت لم يكن يستخدمه إلا معها، صوت كان يخبئه للعالم كله ويظهره لها وحدها

_ روح؟ بتعيطي ليه يا قلب مالك؟


لم تجب كانت كلماته الحنونة هي المفتاح الذي فتح سدود دموعها. انفجرت في بكاءٍ صامت اهتز له جسدها الصغير

 ألقت بنفسها في حضنه، ودفنت وجهها في قميصه، بينما تشبثت به بكل قوتها، كأنها تخشى أن يختفي إذا أفلتته، كغريق يتمسك بآخر طوق نجاة.


تردد مالك في ضمها إليه رغم رغبته الشديدة في ذلك لكنه منع ذراعيه من ذلك، وشعر بقميصه يبتل بدموعها الساخنة

 تركها تبكي، تركها تفرغ كل حزنها وخوفها في حضنه. 

كان قلبه يتمزق من أجلها. 

هو يعرف سبب هذا الحزن جيداً لقد وصل إلى مسامعه الهمس الذي يدور في جلسات العائلة، عن تلك الوصية الشفهية التي قطعها أبوه على نفسه بأن "روح لعدي" أخيه، بمجرد أن تكبر. كان سفره بالنسبة لها انكساراً وهزيمة، لكنه كان يدرك الآن أنه بالنسبة لها فرحة مستقبلية لا تعلم عنها شيئاً. 

لقد أضاع فرحتها الحالية بذهابه، ولا تعرف تلك الصغيرة أنه يذهب لتكتمل سعادتها المزعومة في المستقبل.


كان عدي يكبر روح بسنوات قليلة، لكنه كان يمثل كل ما يكرهه مالك؛ الانانية وحب الذات. مجرد التفكير في أن تكون روح، ببرائتها ورقتها وقلبها النقي، من نصيبه في المستقبل، كان يشعل ناراً من الغيرة والغضب في صدر مالك


بعد أن هدأت شهقاتها قليلاً، وتحولت إلى تنهيدات متقطعة، أبعدها عن حضنه برفق، وسألها بحيرة

_ ليه العياط ده كله؟ عشان مسافر؟

سألها، مع أنه كان يعرف أن هذا هو السبب الظاهري فقط.


هزت رأسها بالإيجاب، ثم قالت بصوتٍ متقطع ومبحوح من البكاء

_ ايوة... سمعتهم بيجولوا إنك هتهمل البلد... وتسافر بعيد جوي.

ابتلعت ريقها بصعوبة، وأضافت بخوفٍ طفولي حقيقي

_ وإنك... مش هترچع تاني واصل.


ابتسم مالك لتلك الصغيرة التي تفهم وتستوعب أكثر مما يتصورون.

 لم تعد تلك الطفلة التي يمكن خداعها بقطعة حلوى أو لعبة جديدة. إنها تشعر بالخسارة الحقيقية.


تنهد "مالك" بعمق، وحاول أن يجمع شتات نفسه ليجد الكلمات المناسبة. قال بحزمٍ لطيف، ونبرة تحمل سلطة الأب وحنان الأخ

_ اسمعيني يا روح أنا مسافر عشان شغلي ومستقبلي...

لاح الحزن في عينيه وهو يضيف الكلمة الأهم

_ ومستقبلك.


نظرت إليه بعينين تملؤهما الحيرة والرجاء.

_ مستقبلي؟ كيف يعني؟


قالها وهو ينظر مباشرة في عينيها، بصدقٍ ووعدٍ لا تخطئهما عين

_ أيوة مستقبلك لأن وجودي في حياتك دلوقت... ممكن يكون عقبة فيه.


لم تفهم شيئاً، لكنها لم تجادل هي تعلم جيداً أنه لا يوعدها بما لا يستطيع فعله

 صمتت، تنتظر منه المزيد.

_ وأوعدك... أوعدك يا روح، إني طول ما أني عايش، مش هسمح لحاچة تزعلك أو تأذيكي حتى وأني غايب... هفضل أحميكي.


كان يعلم أنه يقدم وعداً لطفلة قد لا تتذكر كلماته بالتفصيل حين تكبر، لكنه كان يقدم هذا الوعد لنفسه قبل كل شيء. كان ينقش هذا العهد على قلبه. هذا هو هدفه الجديد، ووقوده الذي سيجعله يتحمل الغربة، والبعد، وكل شيء.


مسح دموعها المتبقية بأطراف أصابعه، ثم ابتسم لها ابتسامة دافئة، محاولاً زرع بعض الطمأنينة في قلبها الصغير.

_ دلوقت بجا، تمسحي دموعك دي، عشان العيون الحلوة دي مينفعش تبكي. إنتي "روح مالك"... ولا نسيتي؟


هزت رأسها مسرعة، وظهر بريق خفيف في عينيها الحزينة.

_ لا، منسيتش. أني طول عمري "روح مالك"، وبجول إكده لصحابي في المدرسة.


ابتسم مالك بحزن. 

هي لا تفهم المعنى الحقيقي لذلك اللقب الذي أطلقه عليها منذ أن كانت رضيعة.

 لا تفهم أنه ليس مجرد اسم تدليل، بل هو إعلان ملكية، حقيقة منقوشة في روحه.


شعرت روح ببعض الطمأنينة وهي تستمع لكلماته. 

لم تفهم تمامًا كيف سيحميها وهو بعيد، لكنها صدقت نبرة صوته الواثقة، وصدقت الوعد في عينيه.

 أومأت برأسها ببطء، وتمسكت بدميتها بقوة.


وقف مالك، وسحبها معه برفق ليخرجها من غرفته، ثم أغلق الباب خلفها.

 استند بظهره على الباب، وأغمض عينيه. 

في تلك اللحظة، أدرك أن نجاحه لم يعد مجرد حلم شخصي بالثروة والمركز، بل أصبح سلاحه الوحيد في معركة لم تبدأ فصولها بعد. 

معركة من أجل جده الذي وضع كل آماله عليه، ومن أجل هذه الطفلة التي سرقت قلبه دون أن يدري أحد، ودون أن تدري هي.

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا الخولي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة