-->

رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 8 - الجمعة 22/8/2025

 

قراءة رواية ثنايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ثنايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا الخولي


الفصل الثامن

تم النشر السبت 

23/8/2025


جاهد نفسه كي لا ينفجر فيها وقال من بين أسنانه.

يطمنك؟ وهو مين عشان يطمنك؟

فقد السيطرة للحظة ورفع صوته وهو يضرب بقبضته على جذع شجرة قريبة مما جعل نغم تنتفض فزعًا.


_إنتي خابرة مين جاسر ده؟ إنتي فاهمة يعني إيه عيلة التهامي بالنسبة لينا؟ دول اللي جتلوا أبوكي! دول اللي دمروا حياتنا! وإنتِ... إنتِ كنتِ معاهم!


أغمض عينيه للحظة يأخذ نفسًا عميقًا في محاولة يائسة لاستعادة رباطة جأشه، هو يعلم أن ليس لها ذنب فيما حدث لكن نيران الغيرة تنهش قلبه ليس بصفتها خطيبته بل ابنة عمه وهذا ما جعل الغضب يقتحمه أكثر

حتى لو كانت وعد أوروح سيغضب كذاك.

 فتح عينيه ونظر إليها بحدة.


_أنا لما چيت المستشفى ولجيته جاعد جدام أوضتك اتچنيت، بس كتمتها چواتي عشان الفضايح ليه فضلتي في الأوضة بعد ما عرفتي هو مين؟ وإنتي خابرة زين إن بيننا وبينهم تار ودم!

ردت نغم بصوت مخنوق والدموع تنهمر على خديها كشلال.

_أنا ما نسيتش حاجة يا سند أنا عمري ما أنسى

بس الموقف كان صعب كنت لوحدي، ومحدش يعرف مكاني هو اللي كان موجود، وبعدين دي مستشفى يا سند يعني لوكان رايد يعمل حاچة مكنش هيووديني هناك.

اقتربت منه ببطء، ووضعت يدها المرتجفة على ذراعه ونظرت إليه برجاء يذيب الصخر.

_صدجني يا سند أنا ماليش ذنب ودلوجت أني مش محتاچة غير إنك تطمني مش تخليني أخاف أكتر.

 

نظر إلى يدها على ذراعه، ثم رفع عينيه لينظر في عينيها الدامعتين

 صمته طال مرة أخرى، لكنه كان صمتًا مختلفًا، صمتًا يملؤه الصراع رأى الخوف والصدق في عينيها، فبدأ غضبه يتراجع قليلاً ليحل محله ألم عميق.

_أنا مش بشك فيكي يا نغم بس اللي حوصل ده...

هز رأسه، وكأنه لا يزال لا يصدق ما حدث.

_أنا شفت نظراته ليكي وشفت كلامه كان بيحاول يوصلك، كان بيحاول يوقع بيني وبينك أنا بحبك يا نغم وعشان بحبك، أنا خايف عليكي خايف عليكي من أي حد يحاول يجرب منيكى خصوصًا لو كان من العيلة دي.

تابع بوعد

_أنا مش هسمح لأي حد يجرب منيكى ولا هسمح لأي حد يوقع بيني وبينك متفتكريش إني مش فاهم اللي ناوي يزرعه بيني وبينك، وعشان إكدة عجلت بالفرح وجفلت عليه كل الطرج.


نظر إليها بجدية وعيناه تعكسان مزيجًا خطيرًا من الحب والغيرة والتملك هزت رأسها بإيجاب، تشعر بالارتياح لأن غضبه هدأ، لكنها أدركت في تلك اللحظة مدى عمق غيرته التي قد تحرق كل شيء.

_ فاهمة يا سند فاهمة.

تنهدت وكأن حملاً ثقيلاً قد أزيح عن صدرها، لكنها كانت تعلم جيدًا أن هذا المشهد لم ينتهِ، وأن سند لن يسكت وأن عاصفة أكبر تلوح في الأفق

وعلى الجانب الاخر.

كانت تلك العيون التي تجمع بها آسى الدنيا تراقبهم بكمد

حزناً جعل قلبها ينبض بقوة آلمتها

لكن شعور بالذنب يكتنفها وهي تشعر بأنها خائنة لصديقتها وأختها

لكن ليس على القلب سلطان

وقلبها مال إليه دون إرادتها منذ أن كانت طفلة صغيرة 

لم تكن وعد خائنة، ولم تكن تتمنى الشر لأحد. 

كان حبها لسند شيئاً نما بداخلها رغماً عنها، شعوراً لا تملك له رداً ولا تستطيع أن تتحكم فيه كانت تعلم أن سند ونغم مخطوبين منذ صغرهم، لكن قلبها كان يرفض التصديق كانت تراقب سند يميل برأسه نحو نغم، يستمع إليها باهتمام، وتارة يتبادلان النظرات التي تحمل في طياتها الكثير من الود والتفاهم. 

كانت وعد تعلم ما الذي يتحدثان عنه لكنها لم تكن بحاجة إلى معرفة التفاصيل. 

كل ما تعرفه أن حبه وغيرته عليها من جعله يبعث لها في هذا الوقت، شعرت بقلبها ينقبض، وبدمعة حارة تشق طريقها على خدها، لتختلط بمرارة الصمت الذي يلفها. 

كانت تتمنى لو أنها مكان نغم، لو أنها تستطيع أن تشارك سند تلك اللحظات البسيطة والعميقة في آن واحد. 

لكنها كانت مجرد ظل، تراقب من بعيد وحبها ينمو في الخفاء محاطاً بسياج من الخوف واليأس، لا تملك إلا أن تستسلم لحزنها الصامت

_وعد، واجفة عندك إكدة ليه يابنيتى فى الوجت ديتى؟

التفتت إلى والدتها التي تطلعت إلى ما كانت تنظر ابنتها مما جعلها تعرف سبب حزنها ودموعها.

_لساتك برضك يا وعد.

اغمضت عينيها تنفض تلك الدموع المتعلقة باهدابها وتمتمت بخفوت 

_مش جادرة، غصبت عني والله يا امى.

ربتت على كتفها

_طيب تعالي يا نن عين امك نطلع اوضتك متجفيش إكدة لحدا يوعالك.

أومأت لها وعد وانساقت ليدها التي تجذبها وصعدت مع والدتها إلى غرفتها، وهي تمسح دموعها بظهر يدها. 

جلست على حافة السرير بينما أغلقت والدتها الباب خلفهما وجلست بجانبها

كانت تشعر بالخزي من ورد حتى إنها أخفضت عينيها لا تستطيع النظر إليها 

فقد وعدتها منذ فترة ألا تفكر به وأن تحارب ذلك العشق بكل الطرق حتى ينتصر عقلها على ذلك القلب الواهن

لكن باءت كل محاولاتها بالفشل.

جلست ورد بجانبها لتمد يدها واليد الأخرى ترفع بها وجهها لتواجهها

_ارفعي عينكي في أمك يا وعد.

رفعت عينها المليئة بالدموع مما جعل قلب ورد ينشق حزنًا عليها

_وبعدهالك عاد يا وعد، هتفضلي إكدة لحد ميتى؟

أخذت وعد نفس عميق تهدء به من روعها

_غصبت عني والله ياامى.

_خابرة يا نور عيني بس مينفعش تدمري حالك إكدة وتعلجي نفسك بحبال دايبة

كلها ايام وهيتچوزوا ومش هينوبك غير الجهر، حاولي تخرچيه من تفكيرك وعيشي حياتك بعيد عنيه

كلايتنا خابرين انه رايد نغم من زمان ونغم كمان ريداه، يبجى شيلي الموضوع من جلبك عشان ترتاحي وتريحيني معاكي.


رغم صعوبة الأمر عليها بل يعد من الامور المستحيله لكنها ارادت أن تريح قلب والدتها فقالت بروية

_حاضر يا أمي مش هفكر فيه تاني.

ابتسمت ورد لها وقالت بحكمة

_شوفي يا بنيتي اللي من نصيبك هيصيبك، وربنا مش بيدي للإنسان غير الخير بس ديما احنا اللي بنجري ورا التعب وبنمسك فيه

فكري في نفسك وبصي حواليك يمكن تلاجي اللي يصونك ويحطك في عينيه.

اومأت وعد وأمسكت بيد والدتها تقول برجاء 

_خليكي بايته معاي ياأمى، محتاجه لى حضنك بطمن وانتى معايا 

_معاكي العمر كله مش بس الليلة.


❈-❈-❈


صعدت نغم الدرج بقدمين بالكاد تحملنها، وكل خطوة كانت صدى للكلمات الحارقة التي تبادلتها مع سند كان صوته الغاضب، ونظراته الممزوجة بالغيرة والحب والتملك لا تزال تطاردها لم يكن لقاءً للمصالحة، بل كان تأكيدًا على حجم الهوة التي أحدثها ذلك اليوم الذى من الواضح انه افيد شئ بينهما.


فتحت باب غرفتها بهدوء، تتوقع أن تجد وعد وروح نائمتان، فوجودهما معها ملاذًا تهرب إليه من عاصفة مشاعرها

لكن الغرفة كانت هادئة، ولم تكن هناك سوى روح، جالسة على طرف فراشها في الضوء الخافت القادم من المصباح بجوارها، وكأنها كانت تنتظرها.


بمجرد أن وقعت عينا روح على أختها، نهضت على الفور، لم تحتاج نغم أن تتكلم فالاضطراب كان مرسومًا على كل تفصيلة في وجهها الشاحب وفي اتساع عينيها، وفي طريقة ارتعاش يديها التي كانت تضم بهما ذراعيها وكأنها تحمي نفسها من برد داخلي.


اقتربت روح منها بهدوء وأمسكت بيديها الباردتين وقادتها لتجلس بجانبها على الفراش. 

لم تسألها ماذا حدث مع سند، بل انتظرت بصبر وحكمة مانحةً إياها المساحة التي تحتاجها لتلتقط أنفاسها.


أخيرًا خرج صوت نغم متقطعًا ومبحوحًا.

_وعد... وعد فين؟

أجابت روح بصوت هادئ يبعث على الطمأنينة.

_رچعت اوضتها.

صمتت نغم وعيناها تائهتان في الفراغ لاحظت روح الشرود العميق والألم الذي يسكن نظراتها، فوضعت يدها على كتف أختها وقالت بنعومة.

_شكله الكلام مع سند كيف ما كنتي متوقعة.

هزت نغم رأسها وانهمرت دموعها بصمت فجذبتها روح إلى حضنها الدافئ، وربتت على ظهرها بحنان.

_احكيلي يا جلب أختك فضفضي ومتكتميش چواكي الحمل لما بنشيله احنا اتنتين بيكون أخف.

بين شهقاتها وبصوت متقطع، قصّت نغم ما دار بينها وبين سند حكت عن اتهاماته وعن غيرته التي كادت تحرق كل شيء وعن خوفها من نظراته التي لم تعد تعرفها.

استمعت روح لكل كلمة بانتباه شديد وملامحها الهادئة لم تتغير، لكن نظراتها ازدادت عمقًا وتفكيرًا عندما انتهت نغم من كلامها وظلت تبكي في حضنها، لم تتسرع روح في الرد انتظرت حتى هدأت شهقاتها قليلاً، ثم أبعدتها برفق ومسحت دموعها بأطراف أصابعها.

_اسمعيني زين يا نغم.

قالتها روح بنبرة حازمة لكنها مليئة بالحنان، مما جعل نغم تنظر إليها مباشرة.

_وعد كان عندها حج في كل كلمة جالتها أني كنت بدافع عنك عشان كنت خايفة عليكي من الخوف نفسه، ومكنتش عايزة أزود همك لكن اللي حكتهولي ده بيثبت إنها كانت شايفة أبعد منينا.

تنهدت روح وهي تختار كلماتها بعناية، كمن ينسج خيطًا دقيقًا.

_إحنا عايشين في دنيا كبيرة جوي يا نغم، والناس فيها مش كلهم زيك جلبك أبيض زي التلج، ومبتعرفيش الخبث ولا اللف والدوران، وبتظني في الناس الخير ودي صفة زينة جوي ربنا يحميهالك.

بس سواعى طيبة الجلب دي بتكون نقطة ضعف لو مجابلهاش حذر. 

الراچل ده اللي اسمه جاسر التهامي، مش راچل عادي ده واحد اتربى على التار، وعاش حياته كلها في صراعات، الناس اللي زيه دول مبيعملوش حاچة من غير سبب.

أمسكت بيد أختها وضغطت عليها برفق.

_كونه ساعدك ده شي منعرفش إيه وراه يمكن تكون شهامة منيه، ويمكن يكون فخ، عشان إكدة وعد خافت عليكي لأنها خابرة إن اللي زي جاسر ده، حتى لو عمل الخير بيكون وراه ألف علامة استفهام.

نظرت نغم إليها بعينين متسعتين، فقد لخصت روح تمامًا ما شعرت به ولم تستطع التعبير عنه تابعت روح بحكمتها الفطرية.

_عشان إكدة لازم تاخدي بالك من نفسك زين جوي الفترة اللي چاية. مش عايزكى تعيشي في رعب، لأ عايزكى تعيشي بحذر تكوني واعية لكل اللي حواليكي متديش الأمان لأي حد بسهولة وعد كان قصدها تحميكي لما خوفتك، وأني دلوك بجولك نفس الكلام بس بطريجة مختلفة، قوتك مش في إنك تتجاهلي الخطر، قوتك في إنك تعرفي إنه موجود وتعرفي كيف تتعاملي معاه.

أخذت نفسًا عميقًا ثم أكملت.

_أما بالنسبة لسند فده موضوع تاني، حبه ليكي بيخليه يغير عليكي من الهوا الطاير، واللي حوصل ده هيخليه زي النار الجايدة لازم تحتويه وتطمنيه، وفي نفس الوجت متسمحيش لغيرته دي إنها تخنج العلاقة بيناتكم لازمها صبر وحكمة عشان تعدي المحنة دي.

ابتسمت روح ابتسامة خفيفة، محاولة زرع بعض الدفء في قلب أختها.

_إنتِ مش لوحدك يا نغم أني معاكي، ووعد معاكي وسند بيحبك ومستحيل يتخلى عنك

إحنا كلنا سندك وضهرك. 

بس لازم إنتي كمان تكوني قوية قوية عشان نفسك، وعشان حبك متخليش الخوف يسيطر عليكي واجهيه بحذرك وبثقتك فينا.

شعرت نغم وكأن كلمات أختها كانت بلسمًا شافيًا وُضع على جرحها. 

لم تكن مجرد كلمات مواساة، بل كانت خارطة طريق دليلًا يرشدها في الظلام الذي وجدت نفسها فيه أدركت في تلك اللحظة أن روح بهدوئها وحكمتها، تمتلك قوة من نوع خاص قوة قادرة على احتواء العواصف وتهدئتها.

أومأت برأسها، وشعور بالسكينة بدأ يتسلل إلى قلبها المرتعب.

_عندك حج يا روح عندك حج في كل كلمة.


❈-❈-❈


في اليوم التالي استيقظ القصر على حركة ونشاط وهمة بين أصوات الضحكات والهمسات المتعلقة بترتيبات الزفاف كانت تملأ كل زاوية، لكنها كانت تصل إلى أذني نغم كضجيج بعيد لا معنى له. رفضت الذهاب إلى الجامعة، متذرعة بإرهاق لم يفارقها لكن الحقيقة كانت أعمق من ذلك بكثير كانت تشعر وكأن جدران القصر، التي كانت تمثل الأمان في يوم من الأيام تضيق عليها وتخنق أنفاسها.


راقبت من بعيد والدتها وزوجات اعمامها وهن يخترن الأقمشة ويتناقشن في تفاصيل الحفل

راقبت أختها روح، التي كانت تحلق في سماء السعادة عيناها تلمعان ببريق لا تخطئه عين وضحكتها ترن في الأرجاء كأجمل معزوفة. 

تساءلت بمرارة: لمَ لا أكون مثلها؟ هي تحب سند، لطالما أحبته وأرادته زوجًا لها فلماذا إذن لا تشعر بتلك الفرحة الطاغية التي من المفترض أن تغمر قلب كل عروس؟ لماذا تشعر بهذا الخوف الغامض الذي يراودها كشبح، يهمس لها بأن شيئًا ما ليس في مكانه الصحيح؟

صعدت إلى غرفتها هربًا من تلك الأجواء التي لم تعد تنتمي إليها. أغلقت الباب خلفها وأسندت ظهرها عليه تتنفس بصعوبة دون وعي تحسست يدها معصمها الفارغ، المكان الذي كانت تحتلّه سلسلة والدها لم تكن مجرد حُليّ، بل كانت آخر ذكرى ملموسة منه، قطعة من روحه بقيت معها لم تفارقها لحظة واحدة منذ أن كانت طفلة، وكيف تخلت عنها بهذه السهولة؟ لعنت في سرها ذلك السائق الذي كان شرارة البداية لكل ما مرت به.

استلقت على الفراش، تتوق إلى النوم إلى الهروب من أفكارها ولو لساعات قليلة، فلم يغمض لها جفن ليلة أمس خلعت حجابها، مطلقة العنان لخصلاتها الفحمية الطويلة التي انسابت كشلال من حرير أسود على كتفيها والوسادة البيضاء لكن بدلًا من أن يجلب لها ذلك الراحة، عادت إليها ذكريات تلك الليلة بكل تفاصيلها الحية: نظراته الباردة، صوته الهادئ الذي يحمل وزنًا، لمسته عندما سندها... أحكمت قبضتها على الملاءة، مما أحجب النوم عن عينيها أكثر.

في تلك اللحظة، انتبهت على وجود شيء غريب على المنضدة الخاصة بها.

تقدمت منها وأخذت العلبة الصغيرة من عليها 

كانت علبة أنيقة مغلفة بورق داكن فاخر ومربوطة بشريط من الساتان الأسود.

 

_مين اللي چاب دي اهنه.

 اعتدلت لتجلس على حافة الفراش والعلبة بين يديها تبدو كقطعة من ليل غامض قلبها بدأ يخفق بقوة. 

من قد يرسل لها شيئًا بهذه الطريقة السرية؟ لم تترك نفسها للأسئلة أكثر،و بأصابع مرتعشة فكت الشريط وفتحت العلبة.

تجمدت في مكانها توقف الزمن وتوقف التنفس في صدرها اتسعت عيناها بخوف صافٍ تحول إلى رعب، وهي تحدق فيما بداخل العلبة.

كل اشياءها التي سرقت منها

وعلى فراش من المخمل الأسود، كانت ترقد سلسلتها الذهبية سلسلة والدها. 

لم تكن ملقاة بعشوائية، بل كانت موضوعة بعناية فائقة، وقد تم تنظيفها وتلميعها حتى بدت وكأنها جديدة، تتلألأ تحت ضوء الغرفة الخافت وبجانبها كانت هناك ورقة صغيرة مطوية.


بيد ترتجف أكثر التقطت الورقة وفتحتها لم يكن عليها سوى ثلاث كلمات، مكتوبة بخط يد رجولي، حاد وأنيق:

"ما يخصك، يعود إليك"


لم يكن هناك توقيع لم تكن بحاجة إلى توقيع عرفت على الفور من هو صاحب الخط ومن هو صاحب الهدية. 

إنه هو جاسر التهامي.

سقطت العلبة من يدها، وتناثرت السلسلة على السجادة بصوت معدني خافت، بدا في سكون الغرفة كصرخة مدوية كيف عرف؟ كيف وجدها؟ والأهم... كيف وصل إليها بهذه السهولة، مخترقًا حصون عائلتها ليصل إلى غرفتها، إلى عالمها الخاص ويترك رسالته الصامتة والمرعبة؟ لم تكن تلك هدية، بل كانت رسالة قوة إعلانًا بأنه يستطيع الوصول إليها متى شاء، وكيفما شاء.


❈-❈-❈


في صمت الليل وحنين القلب

وبين قلم يخطو وورقة تذوب من كلمات فرط مشاعر

روح..

يا من حملت اسمك كما يحمل القلب نبضاته الأولى..

يا من صرت في قلبي كالماء في العطش كالنور في الظلمة، كالأمل في اليأس.. 

أكتب إليكِ هذه الكلمات وأنا أعلم أنها ستبقى حبيسة قلبي، مدفونة في أعماق روحي، لا تجد طريقها إلى شفتي أبداً..

منذ أن كنا صغاراً، وأنت تملئين البيت بضحكتك العذبة، بصوتك الذي يرقص في أذني كا الالحان .. 

كنت أراقبك من بعيد، أسرق النظرات إليك كما يسرق اللص جوهرة ثمينة، خائفاً أن يكتشف أحد سري، خائفاً أن تنكشف مشاعري التي تتأجج في صدري كنار لا تنطفئ..

أتذكرين تلك الأيام التي كنا نجتمع فيها في البيت الكبير؟ 

كنت أجلس في الزاوية، أتظاهر بالانشغال بكتابي، بينما عيناي تتبعك أينما ذهبت. 

كنت أحفظ كل حركة من حركاتك، كل كلمة تنطقينها، كل ابتسامة ترسمينها على شفتيك الورديتين..

كنت أجمع هذه اللحظات في قلبي كما يجمع الطفل الأصداف على شاطئ البحر، كنوز صغيرة أعود إليها في وحدتي...

يا روح المالك..


ترك مالك دفتره ووضعه جانباً وهو مستلقي على فراشه

فقد تلقى الآن ضربة قاضية أدمت قلبه.

فأيام قليلة وستكون زوجة أخيه

أخذ يتصور الموقف في خياله لكن عقله لم يتحمل وثار عليه

أغمض عينيه يريد نفض تلك الأفكار من راسه لكن لا فائدة

بل يتصور المشهد أمامه.

ازدرد لعابه بصعوبة شديدة وشعر بأن روحه تنسحب منه كما انسحبت منه روح المالك.

نهض وأنفاسه تتسارع بشكل يدعوا للريبة 

لكن هو من أخطأ منذ البداية

لم يجعلها تحبه 

لم يجبرها على النظر إليه كما تنظر إلى أخيه

بل كان دائمًا يعاملها كأخ لذا لم تراه سوى ذلك.

لكن ماذا كان بوسعه وهي طفلة تصغره بإثنى عشر عامًا

هو يكذب على نفسه حينما يقول ان محبتها له كأخ بل محبتها له كأب وبديل لوالدها الذي رحل عنها وهي طفلة صغيرة

أخطأت حينما علقت روحها بعدي اخيه

الذي لا يبالي بشيء سوى ما يريده هو

والحقيقة بأنه لا يريد سوى نغم

كان يخشى عليها من الصدمة حينما تعرف يوماً بمشاعره لأختها

اخطأ جده وأخبره بذلك

لكن جده لم يستمع له

تذكر أجازته الأخيرة وحواره مع جده


فلاش باك..


في البلدة 

مكتب وهدان، كان مالك يجلس قبالة جده، وعلى وجهه علامات الضيق من قرار جده

فقال مالك بصوت فيه رجاء

_ يا چدي، الله يرضى عليك فكر تاني في موضوع چواز روح وعدي وانت خابر زين اللي فيها.

رد وهدان بنبرة حازمة

_ فكرت يا مالك، وجراري خلاص أخدته، الجوازة دي هتم زي ما جلت.

انفعل مالك أكثر لكنه أراد أن يتحدث بهدوء كي لا يغضب جده منه 

_ بس يا جدي... عدي مش بيحب روح. 

أنت خابر زين إنه بيحب نغم، ولو روح عرفت حاچة زي دي انت إكدة هتكون بتكسرها، وتزرع غيرة بيناتها وبين أختها.

تنهد وهدان بقلة حيرة

_ وأني برضك خابر إن روح بتحبه، وجلبها متعلج بيه. 

مش عايز أكسر خاطرها يا مالك، كفاية انها اتحرمت من أبوها وحنانه، مش هبخل عليها كمان بأنها تتجوز اللي بتحبه.

مالك بعقلانية بعيدًا عن مشاعره تجاهها فقط خوفه على ابنة عمه من جرح لن يندمل ابدا

_ بس كسر الخاطر ده هيتحول لوچع أكبر بعدين. 

أنت متخيل روح لما تكتشف إن عدي مش بيحبها، لا وكمان بيحب أختها حياتها هتبجى چحيم يا چدي.

رفع وهدان صوته قليلاً

_ وهو عدي هيعمل إيه يعني؟ هيتچوزها وهيعيش معاها، ومع الوجت الحب بيچي يا مالك. 

وبعدين روح بتحبه، وده كفاية.

قام مالك من مكانه يتحرك في الغرفة بمحاولة منه للسيطرة على اعصابة التي بدأت تنهار وقال باعتراض

_ لا يا جدي، مش كفاية! الحب مش بيجي بالغصب. 

عدي مش هيقدر يديها اللي هي عايزاه، ولا هي هتقدر تعيش مع واحد قلبه مش معاها أنت كده بتظلمهم هما الاتنين، وبتظلم روح أكتر.

رد وهدان وهو ينظر إليه بحدة لعلمه بحقيقة مشاعره تجاه روح

_ أنا مش بظلم حد يا مالك أنا بعمل اللي شايفه صوح لروح، البنت دي غالية عليا، ومش عايز أشوفها زعلانة. 

هي بتحب عدي، وعدي راچل ومسؤول وهيعرف يصونها وإن كنت مصر على الچوازة دي عشان خاطرها. 

لم يعد مالك يستطيع السيطرة على اعصابه وتقدم من مكتب جده يقول بامتعاض

_بس انت خابر زين إن عدي كان رافض، وأنت اللي ضغطت عليه

ده مش جواز يا چدي، ده صفقة، وروح هي اللي هتدفع تمنها غالي جوي.

ضرب وهدان بيده على مكتبه وقال باحتدام

_ كفاية يا مالك! أنا مش رايد أسمع كلمة زيادة في الموضوع ده. 

عدي وافج وروح فرحانة، والچوازة هتتم في ميعادها

مش عايز حد يعكر صفو الفرحة دي، لو كنت بتعزها بصحيح اتمنالهم الخير.

تحدث مالك بصوت خافت ومليء باليأس

_ بس يا جدي... أنا خايف على روح خايف عليها من أخويا، خايف عليها من حياة مش هتبجى سعيدة فيها أنت خابر عدي كويس، عارف إنه مش هيقدر يخبي مشاعره دي طول العمر.

تنهد وهدان وبدأ صوته يلين قليلاً مراعيًا مشاعر حفيده الذي أغلى عليه من روحه فقال بمراوغة

_ مالك، أني مجدر خوفك على بنت عمك بس أنا شايف إن ده أحسن حل ليها. عدي هيتعود عليها، وهيعرف جيمتها. 

وبعدين مين جال إن الحب لازم يكون من الطرفين في الأول؟ أحياناً الحب بياچي بعد الجواز، بالعشرة الطيبة.


هز مالك رأسه بيأس

_ أنت إكده بتراهن على سعادة روح يا چدي بتراهن على حاچة ممكن تحوصول وممكن لأه. 

ليه ما ندورش على حل تاني؟ ليه ما نتكلمش مع روح ونفهمها إن عدي مش بيحبها؟


قاطعه وهدان بحزم

_وبعدهالك يا مالك! جولتلك مش هكسر جلب البنت هي متعلجة بيه، ومصدجة إنه بيحبها مش هجدر أجولها الحجيجة دي وأكسر فرحتها سيب الأمور تمشي زي ما هي، وربنا يستر.

نظر مالك إلى جده بحزن

_ ربنا يستر يا جدي... بس أنا جلبي مش مطمن خايف عليها من اللي جاي.

قام وهدان من مقعده ووضع يده على كتف مالك مراعيًا مشاعره

_ ادعي لها يا مالك، ادعي ربنا يهدي عدي ويحبها، ويسعدهم في حياتهم ده اللي نجدر نعمله دلوج(تابع بمغزى) اللي بيحب حد بيتمناله السعادة يا ولدي، لو كان فيه أمل كنت وجفت چارك وانت خابر زين غلاوتك في جلبي جد ايه، بس اني شايف إن مفيش أي أمل، روح ونغم لازمن كلنا نكتفي بساعدتهم عن سعادتنا دول أمانة ولدي، وزي ما أنا اتنازلت عن حاچات كتير عشانكم وعشان أمنكم، انتو كمان اتنازلوا عشان مصلحة العيلة، ياريت يا ولدي تكون فهمتني.

رفع مالك عينيه لجده وقد قرأ ما بين سطور جده بدهشة

فتابع وهدان

_اوعى تفكر لحظة واحدة إني مش خابر حجيجة مشاعرك نحيتها.

شدد وهدان قبضته على كتفيه وتابع بقوة

_زي ما بيهمني سعادتها، يهمني سعادتك واكتر كمان، أكتر من أي حد في الدنيا، ولو خابر إن روح هتجدر تسعدك مكنتش اترددت ابدا، بس روح بحبها لعدي هتتهمك إنك اللي فرجت بينها وبين حبيبها وحياتكم انتو الاتنين هتكون كيف الچحيم.

خليها يمكن حبها له يعدله، ويسعدها

وانت كمان تلاجي اللي تسعدك، فهمتني يا ولدي.


اجابة مالك الوحيدة كانت الصمت،

بينما وهدان غادر الغرفة تاركاً مالك وحيداً مع أفكاره التي لم ترحمه يومًا لذا كان عليه ان يستعد للنار التي ستلازمه مدى حياته..

باك..


في تلك اللحظة لم يستطيع مالك التحكم في اعصابه التي بدأت بالأنهيار وغضب بداخله لو خرج لدمر العالم بأكمله

لذا لم يجد سوى المكان يفرغ به غضبه فركل الطاولة الزجاجية بقدمه لتنصدم بالحائط فتسقط قطع متناثرة على أرضية الغرفة، ولم يكتفي بذلك بل ظل يدمر كل ما تقع عليه عيناه حتى انتهى منها وسقط على الأرض مستنداً بظهره على الخزانة والعرق يتصبب من جبينه..


❈-❈-❈


في طابق شاهق يطل على أفق دبي المزدحم، حيث تتنافس ناطحات السحاب لتعانق السماء، كانت الأجواء مشحونة بالترقب، وكان موضوع الاجتماع هو البئر الجديد الواعد، اكتشاف قد يغير خريطة إنتاج الشركة، والفضل كله يعود لرجل واحد: المهندس مالك. 


جلس مالك بهدوئه المعتاد، يحملق في الأرقام المتدفقة على الشاشة، لكن عقله كان في مكان آخر تمامًا. 

كان على بعد آلاف الأميال في قلب صعيد مصر، حيث صور عائلته وتفاصيل حياتهم التي شعر فجأة أنه يفتقدها بشدة، تطغى على كل شيء آخر.

قاطعه صوت مديره المباشر، المهندس فؤاد، رجل وقور في نهاية عقده الخامس، معروف بحنكته الإدارية.

_مهندس مالك، بناءً على تحليلك، إيه توقعاتك لمعدل التدفق 

ساد الصمت لثوانٍ كان ناجي، صديقه المقرب وزميله، يجلس بجانبه.

لاحظ شرود مالك، فوكزه برفق تحت الطاولة انتبه مالك، لكنه فوت السؤال نظر إلى مديره بهدوء، دون أي علامة ارتباك لاحظ أحد المهندسين، الذي طالما نافس مالك على المشاريع الكبرى الفرصة ليحرجه فقال بتهكم خفيف.

_شكل المهندس مالك مش معانا النهاردة يا بشمهندس فؤاد.

تجاهل مالك تلك الملاحظة تمامًا، ووجه حديثه مباشرة لمديره، بنبرة هادئة لكنها تحمل اعتذارًا واثقًا.

_معلش يا بشمهندس، أصلي منمتش كويس امبارح ممكن تعيد السؤال تاني؟

نظر إليه المهندس فؤاد، ورغم انزعاجه الطفيف من عدم تركيز أفضل مهندسيه، إلا أنه كان يكن له احترامًا كبيرًا

أعاد السؤال، فأجاب مالك على الفور بإجابة مفصلة ودقيقة، مستعرضًا أرقامًا وبيانات من ذاكرته وكأنها كانت أمامه، مما أثار إعجاب الحاضرين وأخرس زميله المنافس. 

لكن بعد إجابته شعر بأن وجوده في هذه القاعة لم يعد يطاق فوقف بهدوء.

_عن إذنكم، أنا محتاج أشم شوية هوا. 

هضطر أمشي من الاجتماع البيانات كلها معاكم، وهبعت تقرير مفصل في آخر اليوم.

أومأ له المهندس فؤاد بتفهم.

أكيد يا مالك اتفضل، صحتك بالدنيا.

عندما خرج مالك، لحق به ناجي بسرعة إلى الردهة الفسيحة التي تطل على منظر رائع للمدينة.

_مالك! إيه اللي عملته ده؟ ده أهم اجتماع في السنة!

استدار مالك وواجهه بنظرة حازمة لم تترك مجالاً للجدال.

_ناجي إديت الاستقالة للمهندس فؤاد؟

ارتبك ناجي وتلعثم كان مالك قد أعطاه مظروف الاستقالة قبل يومين، وطلب منه تسليمه للمدير في حال رفض طلبه الرسمي بنقله إلى فرع الشركة الجديد.

_أنا... أنا أجلت الموضوع يا مالك قلت يمكن تغير رأيك بعد ما تهدى مش معقول تسيب كل ده وتمشي! أنت على وشك تبقى رئيس قطاع!

ضاقت عينا مالك، وازدادت نبرته حدة.

_قراري مش محتاج تفكير يا ناجي سألتك سؤال واحد إديته الاستقالة؟

_لأ... بس...

قاطعه مالك بصرامة.

_تمام يبقى أنا هتصرف.

اتجه مالك بخطوات واثقة نحو باب مكتب المدير، لكن ناجي أمسك بذراعه.

_استنى بس! هتضيع مستقبلك عشان نزوة؟

انتزع مالك ذراعه بهدوء، ونظر في عيني صديقه بجدية.

_دي مش نزوة يا ناجي دي أولويات وأنا أولوياتي اتغيرت.

دخل مالك إلى مكتب المهندس فؤاد دون تردد كان المدير يجمع أوراقه رفع رأسه متفاجئًا.

_مالك؟ خير كل شيء تمام؟

_بشمهندس فؤاد، أنا طلبت نقلي لفرع مصر 

حضرتك شفت الطلب؟

جلس المدير خلف مكتبه، وأشار لمالك بالجلوس.

_ ايوه شفته والشيخ حمدان قالي ورفضته أنت قيمتك أكبر من إننا نوديك فرع لسه بيقول يا هادي مكانك هنا يا مالك.

وقف مالك، ولم يجلس وقال بهدوء قاطع.

_يبقى اعتبر ده إشعار مسبق أنا مش هجدد عقدي اللي هيخلص الشهر الجاي ودي استقالتي الرسمية، تسري من نهاية مدة العقد.

صُدم المدير وقف هو الآخر.

_إيه؟! أنت بتتكلم جد؟ أنت بتسيب فرصة عمرك!

_أنا أخدت قراري يا إما النقل للفرع الجديد، يا إما الاستقالة مفيش اختيار تالت.

نظر إليه المهندس فؤاد طويلاً، يدرس ملامحه الجادة التي لا توحي بأي تردد كان يعلم أنه لا يساوم كان يعلم أنه سيخسر مهندسًا لا يعوض تنهد باستسلام.

_ماشي يا مالك... ماشي هعيد النظر في طلب النقل بس بشرط، هتكون مسؤول عن تأسيس القسم الفني كله هناك، وهتفضل مستشار للمشاريع الكبيرة هنا.

لم تتغير ملامح مالك، لكنه أومأ برأسه.

_موافق هستنى القرار الرسمي مكتوب.

ثم استدار وغادر المكتب بنفس الهدوء الواثق، تاركًا خلفه مديره يدرك أنه للتو تعامل مع رجل لا يبيع مبادئه، وأن قوة شخصيته لا تقل أبدًا عن قوة عقله.


❈-❈-❈


وضعت نغم أناملها داخل العلبة لتخرج السلسلة الصغيرة التي أخذها منها السائق

كانت تنظر إليها بذهول

من الذي قام فعل ذلك؟

هل السائق شعر بتأنيب الضمير وقام بإعادتهم؟

وإن كان ذلك كيف علم عنوانها؟ وكيف دخل إلى غرفتها

هزت راسها برفض لتلك السذاجة التي تفكر بها

تطلعت لباقي المحتويات وكان أولهم هاتفها

ثم تلاه باقي متعلقاتها لم يغيب منهم شيء.

والأغرب من ذلك رنين هاتفها معلناً عن وصول رسالة

قامت بفتحها فتجدها من رقم غير مسجل

"وصلتك؟"

اهتزت نظراتها بخوف ولم تعرف ماذا تفعل

من هو؟

وكيف استطاع الوصول لها؟

دفعها فضولها لمعرفة كل ذلك فقامت بكتابة

"انت مين؟ وكيف جبت الحاجات دي؟"

لم يجيبها في الحال بس انتظر وقت كأنه يتلاعب باعصابها ثم كتب

"المهم إني جبتها، أنا مين؟ بكرة تعرفي"

ثم خرج من المحادثة.

ازداد الخوف أكثر بداخلها من ذلك المجهول

وشعرت بقلبها ينبض بعنف

ما الذي يحدث معها!

ولما ألقاها القدر في ذلك الصراع؟

جذبت الغطاء بسرعة على العلبة عندما فتح الباب ودخلت منه روح وهي تقول بانهاك

_مريحة حالك انتِ وسيبانا......

انتبهت روح لحركتها والارتباك الواضح عليها

تقدمت منها تسألها 

_مالك يا نغم؟

تطلعت إلى ما أخفته وسألتها

_وايه اللي مخبياه ده؟

ازداد ارتباكها أكثر وتمتمت بكذب

_ما...مفيش..

قطبت روح جبينها بحيرة 

_مفيش كيف؟ من ميتى بتخبي عليا.

تقدمت منها وجذبت الغطاء فتتفاجئ مثلها بما رأته

رفعت بصرها لنغم

_مش دي الحاچات اللي اتسرجت منيكي.

رمشت نغم بأهدابها ثم ازدردت لعبها 

لتومأ برأسها بصمت.

جلست روح وأمسكت السلسلة الصغيرة المتطابقة لخاصتها والتي تضعها ايضا على معصمها

_مين اللي بعتهم؟

هزت نغم كتفيها

_مخبراش.

ازداد اندهاشها

_مخبراش كيف، أومال مين اللي وصلهم ليكي.

اهتزت نظراتها وهي تجيبها

_معرفاش برضك، أني لجيتهم اهنه.

اشارت على المنضدة

شعرت روح بالقلق

_الموضوع إكدة ميتسكتش عليه، لازمن تخبري سند...

_لا....

قاطعتها نغم برجاء

_لا الله يرضى عليكي اني مصدجت أنه هدي ونسي الموضوع مش عايزاه يجلب تاني.

_بس مينفعش نسكت عـ اللي حوصل ديتي، ده بيخبرك أنه جادر يوصلك في جلب اوضتك، لازمن حد يعرف وسند لازمن....

صاحت نغم بضيق

_جولتلك لاه، سند ممكن يتهور ويعمل حاچة يندم عليها..

_بدل ما تندمي انتِ بعدين يا نغم.

تنهدت وهي تتابع

_محدش ممكن يعمل إكدة غير حفيد التهامي، وحركة زي دي وراها كتيير جوي، الناس دي زي ما جالت وعد مش ساهلة وأكيد بيخططوا لحاچة دلوجت، ومتنسيش إن كدة ولا كدة سند هيعرف.

هزت راسها بنفي

_لاه، سند مش هيعرف.

تطلعت للسلسلة وسألتها

_ولما يشوف السلسلة دي هتجوليله ايه؟

ردت بعناد

_مش هلبسها وهخليها معاكي.

_هتتخلي عن الذكرى الوحيدة من ابونا عشان العند.

رفعت بصرها إليها وقالت بصدق

_ده مش عند، ده خوف على واد عمي.

_لو كنتي صحيح خايفة على واد عمك واللي هيكون چوزك بعد أيام عرفيه باللي حوصل، صدجيني جاسر ده لو كان نيته خير كان بعتهم لسند، بس انه يبعتهم بالطريجة دي ليكي، دي حاچة تجلج وأكيد وراها حاچات كتير.


ربتت على يد أختها وتابعت بحكمة

_فكري زين لإنك لو خبيتي مرة هتخبي كل مرة والحياة اللي زي دي بتكون صعبة وكلها شك، هسيبك دلوج وابعتي لسند إنك رايداه في كلمتين.

ردت نغم بسرعة

_لا بلاش دلوجت، خليها الصبح.

_مش هتفرج من دلوجت للصبح بس أهم حاچة تخبريه.

أومأت لها نغم وخرجت روح من الغرفة بعد أن تركت السلسلة في يدها تاركة اياها في حيرة وهي تقلب السلسلة بين يدها.


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا الخولي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة