-->

رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 9 - الأحد 24/8/2025

 

قراءة رواية ثنايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ثنايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا الخولي


الفصل التاسع

تم النشر الأحد 

24/8/2025


كانت شمس الأصيل تنسج خيوطها الذهبية الأخيرة على حديقة القصر الواسعة، حيث تجمعت العائلة حول صينية الشاي النحاسية اللامعة

علت أصوات الرجال يتقدمهم الجد بوقاره، يتناقشون في تفاصيل زفافي سند وعدي

كانت الضحكات تتعالى بين الحين والآخر، والكلمات تتدفق بحماس عن التجهيزات والمدعوين، لكن عدي كان في عالم آخر.


جلس بينهم جسدًا بلا روح، كوب الشاي يبرد في يده دون أن يلمسه لم يكن يسمع حديثهم عن الأفراح، بل كان يسمع صوت قلبه وهو يتحطم ببطء. 

كل كلمة عن زفاف سند كانت كالمطرقة التي تهوي على صدره. 

كان يختلس النظر إليه، يرى الفرحة الصادقة في عينيه، ويشعر بالمرارة تخنق حلقه.

"كل واحد فيهم اختار اللي بيحبها... إلا أنا."


كان هذا هو الفكر الوحيد الذي يدور في رأسه كجملة لعينة سند سيتزوجها هي... 

سيأخذها منه إلى الأبد، سيحرمه حتى من رؤيتها عن بعد

وهو؟ هو سيُزف إلى روح، الفتاة التي لم يخترها قلبه بل فرضها عليه واجب الطاعة للجد، ورغبة الجميع في إتمام "فرحة العائلة".

لاحظ سند شروده، فأراد أن يدمجه في الحديث بمرح.

_وإنت إيه رأيك يا عريس؟ ساكت يعني راضي؟ ولا بتخطط لشهر العسل من دلوجت؟

نظر إليه عدي نظرة باردة، خالية من أي مجاملة وأجاب بفظاظة واضحة قطعت جو المرح.

_رأيي مش هيقدم ولا يأخر اللي الكبار بيشوفوه هو اللي بيمشي.


ساد صمت محرج للحظات حاول والده تلطيف الأجواء.

_مالك يا ولدي بتتكلم إكدة ليه؟ دي ليلة العمر، المفروض تكون أسعد واحد.


نهض عدي فجأة مقاطعًا والده، ووضع كوب الشاي على الطاولة بقوة أحدثت صوتًا حادًا.

_معلش، مصدع شوية ومحتاج أرتاح عن إذنكم.


لم ينتظر ردًا، بل استدار ومشى بخطوات سريعة، تاركًا خلفه علامات استفهام ودهشة على وجوه الجميع لم يكن يريد أن يرتاح، بل كان يهرب يهرب من نظراتهم، من فرحتهم التي تشعره بأنه منافق ومن وجه سند الذي يذكره بخسارته كل لحظة.


سار بلا هدى في ممرات الحديقة، والغضب والألم يتصارعان بداخله وجد نفسه 

دون وعي، يقف في الظل تحت شرفتها هي... شرفة نغم رفع رأسه وكانت هناك.

كانت تقف في الشرفة

ترتدي إسدالاً بسيطًا، وشعرها منسدل على كتفيها كانت شاردة تنظر إلى الأفق البعيد وملامحها تحمل حزنًا وقلقًا لم يرهما عليها من قبل. 

لم تلاحظ وجوده، لم تشعر بنظراته المشتعلة التي كانت تلتهم كل تفصيلة فيها.

تجمد في مكان يتأملها بشوق مؤلم، وكأنه يحاول أن يحفر صورتها في ذاكرته.

ليه؟

سأل نفسه بمرارة. 

ليه القدر منصفنيش مرة واحدة وخلاني أتجوزها؟ أنا أحق بيها من أي حد... أنا اللي حبيتها الأول... أنا اللي كنت مستعد أعمل أي حاجة عشانها.


شعر بنقمة سوداء تتصاعد في قلبه.

لكنها لم تكن موجهة لسند، فحبه لسند كان حقيقة لا يمكن إنكارها كانت نقمته موجهة نحو روح


كله بسببها.

همس لنفسه بحزن

لو مكنتش حبتني، لو مكنتش بينت حبها ده للكل، مكنش جدي ضغط عليا عشان أتجوزها وأسترها. 

كنت هفضل ساكت ومستني فرصتي، لكن هي اللي قفلت كل البيبان.


في تلك اللحظة، لم ير في روح إلا العقبة التي دمرت حياته، السبب في حرمانه من السعادة.

ظل واقفًا في الظلام، سجينًا لألمه وشوقه، ينظر إلى حبه المستحيل في الشرفة، بينما القدر يجهز له زفافًا من امرأة لا يكن لها سوى المقت.


❈-❈-❈


لم تكف ليلى عن الاتصال بأكمل الذي اضطر لكتم الصوت بعدما يأس من تراجعها نهض وتوجه إلى الشرفة ليطل منها على أضواء المدينة الساكنة في ذلك الوقت، فقد عدت الساعة الثالثة صباحاً ومازال يشعر بالضيق من فعلتها.


زفر بضيق وهو يسترجع كلمات والدته القاسية ونظرات والده المعاتبة لم يكن يتوقع أن يصل الأمر إلى هذا الحد. 

صحيح أنه تفهم خوفها وقلقها عليه، لكن تصرفها وتجاوزها له بإخبار والديه كان بمثابة طعنة لرجولته وثقته بها. كيف لها أن تضعه في هذا الموقف المحرج أمام عائلته؟


في خضم أفكاره، سمع صوت رسالة نصية تصل إلى هاتفه. 

تردد قليلاً قبل أن يفتحه، ليجدها رسالة طويلة من ليلى. 

لم تكن اعتذاراً صريحاً، بل كانت مزيجاً من اللوم والخوف والحب. 

كتبت عن ليلها الذي قضته قلقة عليه، وعن خوفها من أن يمسه سوء، وأن دافعها الوحيد كان حبها له ورغبتها في حمايته. 

واختتمت رسالتها

"مكنتش اقصد أجرحك، كان قصدي أن أحميك أرجوك حاول  تفهمني".


قرأ الرسالة مراراً وتكراراً، وشعر بقلبه لا يلين ولو قليلاً. 

لقد كانت مخطئة في طريقتها، حتى لو  دافعها كان نبيلاً. 

أغلق عينيه متنهداً، مدركاً أن هذه الليلة ستكون طويلة، وأن هناك حديثاً صعباً ينتظره مع ليلى، وحديثاً آخر لا يقل صعوبة مع والديه في الصباح. 

لكنه الآن وفي هدوء الفجر، شعر أن بإمكانه على الأقل أن يبدأ في التفكير بالغفران.


أعاد أكمل قراءة رسالة ليلى مرة أخيرة قبل أن يضع الهاتف جانبا لم يرد عليها، فالكلمات لن تسعفه الآن، والمشاعر لا تزال متضاربة بداخله. 

عاد ببصره إلى الشارع الخالي، حيث بدأت خيوط الفجر الأولى تتسلل خجولة، معلنة عن بداية يوم جديد يحمل في طياته الكثير من المواجهات التي لا مفر منها.


دخل إلى غرفته بهدوء، أغلق باب الشرفة خلفه ليحجب ضوضاء أفكاره الصاخبة. 

استلقى على فراشه دون أن يغير ملابسه، وظل يحدق في سقف الغرفة. لم يكن النعاس هو ما يؤرقه، بل ثقل المسؤولية والقرارات القادمة. كيف سيعيد بناء جسر الثقة الذي تصدع بينه وبين ليلى؟ وكيف سيوضح لوالديه موقفه دون أن يبدو عاقاً أو متهوراً؟


في تلك اللحظة، سمع صوت خطوات خفيفة تقترب من باب غرفته، ثم طرقات هادئة عرف أنها والدته.

لم تكن من عادتها أن تستيقظ في هذا الوقت، لكن من الواضح أن نومها كان مضطرباً مثل نومه تماماً.


_أكمل؟ أنت صاحي يا ابني؟

جاء صوتها خافتاً ومبحوحاً من خلف الباب.


اعتدل في جلسته وأجاب بصوت متعب

_أيوه يا أمي، صاحي.


فُتح الباب ببطء ودخلت نسرين، تحمل في ملامحها مزيجاً من القلق وأيضاً الحزم. 

جلست على حافة الفراش بجانبه، ومدت يدها لتربت على كتفه. 

لم تتكلم في البداية، كأنها تبحث عن كلمات حازمة دون أن تفرض شخصيتها عليه 

فهي تعرف جيدًا بأنه يرفض القيود.


_ممكن اعرف مبتردش على خطيبتك ليه؟

تنهد أكمل بضيق وفضل الصمت

فقالت والدته بصبر

_مردتش ليه؟

تطلع إليها بثبات وسألها

_عايزاني اقولك ايه؟

_انا شايفة إن ليلى مغلطتش، وانها حكتلنا على اللي حصل فده عشان مصلحتك انت.

اعتدل أكمل في فراشه وتحدث بلهجة يشوبها بعض الحدة

_ليه عيل صغير مش عارف مصلحته هتقول لأبوه يوجهه؟

وياترى بقا كل مشكلة تحصل بينا هتيجي تشكيني لكم؟

_لكم مين يا أكمل؟، أنا أمك وهو أبوك، يعني اكتر اتنين في الدنيا كلها بتخاف عليك وعلى مصلحتك.

ادار اكمل ظهره لها وقد بدأ شعور الاختناق بالازدياد

فتقدمت منه لتتابع بروية كي لا تخسره

_ليلى بتحبك ودي حاجة كلنا واثقين منها، بلاش تخسرها بتهورك

وبعدين انت فعلا غلط ولازم تعترف بده.

ليه معلق نفسك بالصعيد واللي فيه، انت حياتك هنا مستقبلك كله هنا حاول تبعد عنه ومتربطش نفسك به.

لم يستدير إليها وظل ملتزم الصمت حتى تابعت بصدق 

_حبيبي انا مش قصدي أزعلك، أنا بس... خايفة عليك أنت ابني الوحيد، ومقدرش أتخيل حياتي من غيرك".


تنهد أكمل والتفت إلى والدته، فرأى في عينيها الخوف الصادق الذي تحدثت عنه ليلى في رسالتها.

أدرك في تلك اللحظة أن كلتيهما، أمه وحبيبته، يتصرفا بدافع الحب، حتى وإن اختلفت الطريقة. 

أوما برأسه وأمسك بيدها قائلاً

_أنا عارف يا أمي، وعمري ما أزعل منك. 

بس اللي حصل ضايقني فعلاً.


_خلاص اللي حصل حصل وجات سليمة بس لازم تاخد بالك بعد كدة، منصبك حساس ومينفعش تخاطر به لأي سبب.


احتضنته والدته بقوة، وكأنها تحاول أن تعوضه عن قسوة كلماتها السابقة. في دفء هذا الحضن، شعر أكمل أن جزءاً كبيراً من ثقل قلبه قد أُزيح، وأدرك أن أولى خطوات المصالحة قد بدأت بالفعل في فجر ذلك اليوم الطويل.


❈-❈-❈


ظل مالك حبيس غرفته، قد حوّلها إلى قلعة يعتصم بها من العالم الخارجي.

أغلق هاتفه، ليس فقط ليتجنب مكالمات التهنئة التي لا يطيقها، بل ليهرب تحديدًا من صوتها هي... صوت روح. 

كان يخشى أن يسمع فرحتها التي ستكون كالملح الذي يُنثر على جرحه المفتوح، فينثر التعاسة في أركان قلبه.


مرت الساعات ثقيلة كالجبال، وصوت عقارب الساعة في غرفته كان أشبه بمطارق تدق على رأسه، كل دقة هي تذكير بلحظة تمر وتقرّب روح من أن تصبح زوجة أخيه رسميًا، من أن تخرج من عالمه إلى الأبد.


كان غارقًا في ضجيج أفكاره التي لا تهدأ كيف حدث هذا؟ كيف لم يشعر أحد بحبه الذي كان يظنه واضحًا كالشمس في كل نظرة وكل لفتة؟


امتدت يده إلى الدورج، وأخرج صورة قديمة تجمعه بروح في إحدى المناسبات العائلية كانت تضحك فيها بعفوية، وعيناه هو تلمعان بنظرة لم يفهمها أحد سواه، نظرة تحمل كل حبه الصامت مرر إصبعه على وجهها المبتسم في الصورة، وشعر بمرارة تخترق حلقه همس بصوت مكسور لم يسمعه غير جدران الغرفة: "كنتِ لي كل شيء يا روح... والآن أصبحتِ جرحي الذي لن يندمل".


في خضم هذا الألم، تردد صوت رنين خافت لم يكن هاتفه، بل كان هاتف المنزل الداخلي الذي لا يستخدمه أحد إلا لضرورة قصوى تجاهله في البداية، لكن الرنين استمر بإصرار تنهد بضيق، ونهض ليجيب، متوقعًا أن تكون هي

_نعم.


جاء صوته جافًا لكن الصوت الذي أتاه من الطرف الآخر لم يكن صوت والدته.

_مالك... أنا نغم.


للحظة لان صوته وملامحه نغم كانت دائمًا نقطة ضعفه الأخوية، الأخت الصغرى التي تلجأ إليه دائمًا، وكان هو دائمًا مستشارها وحلال مشاكلها.

_نغم؟ خير في حاجة؟


تردد صوتها، وكان واضحًا أنها تحاول أن تبدو طبيعية لكنه عرفها جيدًا، شعر بالاضطراب في نبرتها.

_لأ... مفيش أنا بس... كنت بطمن عليك جافل تليفونك وبجالك فترة مبتتصلش جلجت عليك.


جلس مالك على حافة الفراش، وشعر بحدسه يخبره أن الأمر أعمق من مجرد الاطمئنان.


_أنا كويس يا نغم، بس تعبان شوية وكنت محتاچ أرتاح.

صمتت لثوانٍ، ثم قالت بصوت خافت وكأنها تتحدث إلى نفسها.

_كنت محتاجة أتكلم معاك.


هنا، وضع ألمه الشخصي جانبًا، وتولى دور الأخ الأكبر الذي اعتاد عليه.

_اتكلمي يا نغم، سامعك إيه اللي شاغل بالك؟

تنهدت تنهيدة طويلة، بدت وكأنها تحمل هموم العالم.

_مش عارفة... حاسة إني متلخبطة ومخنوقة حاجات كتير بتحصل...


لم تستطع أن تكمل. 

لم تستطع أن تخبره عن جاسر، عن السلسلة عن الخوف الذي يتملكها، وعن شكوكها التي بدأت تتسلل إلى قلبها تجاه زواجها من سند كانت تحتاج إلى عقله وحكمته، لكنها لم تجرؤ على البوح بالسر.


شعر مالك بترددها، وبثقل الكلمات التي لم تقلها. 

ربط الأمر فورًا بما سمعه عن اختفائها وعثور أحدهم عليها. 

أدرك أن ما حدث لم يكن مجرد حادث عابر، وأن هناك ما هو أعمق يزعجها. 

لم يضغط عليها، بل اختار أن يمنحها الأمان الذي تبحث عنه.


تحدث بصوت دافئ وحنون، صوت الأخ الذي طالما كان سندها.

_اسمعيني يا نغم مش لازم تجولي إيه اللي شاغلك لو مش چاهزة تتكلمي بس عايزك تعرفي حاچة واحدة وتخليها حلجة في ودنك.

انتظرت في صمت، تتشبث بكلماته كالغريق.

_مهما كان اللي حوصل أو اللي بيحصل، أو اللي لسه هيحصل... أنا في ضهرك لو الدنيا كلها وجفت ضدك، هتلاجيني أنا سندك اللي عمره ما يميل، أيًا كان اللي شاغلك أنا چنبك ومش هسيبك لما تكوني مستعدة تحكي، هتلاجيني أول واحد يسمعك ولحد الوجت ده، خليكي جوية ومتخافيش من أي حاچة طول ما أنا عايش.

انهمرت دموع نغم بصمت على الطرف الآخر من الخط كانت كلماته هي بالضبط ما احتاجت أن تسمعه لم يقدم حلولاً، لكنه قدم لها ما هو أهم: اليقين بأنها ليست وحدها.

_شكرًا يا مالك... شكرًا بجد.

أجابها بهدوء رغم العاصفة التي تعصف بقلبه هو.

_مفيش شكر بين الاخوات خدي بالك من نفسك.

أغلق الخط، وعاد إلى وحدته لقد منحها القوة، بينما كان هو نفسه في أمس الحاجة إليها. 

نظر إلى صورة روح مرة أخرى، ثم أغلق الدورج عليها بقوة، كأنه يحاول أن يدفن ألمه معها.


قرر فجأة أنه لا يستطيع البقاء هكذا، سجينًا لأحزانه. 

فتح هاتفه، ليس ليتصل بها، بل ليحجز أول تذكرة طيران عائدًا إلى بلده. 

لن يهرب بعد الآن سيواجه الأمر، حتى لو كان ذلك يعني أن يرى حبه الوحيد بين ذراعي أخيه. 

كان عليه أن يكون هناك، ليس من أجلهم، بل من أجل نفسه

ليغلق هذا الفصل من حياته بيديه، حتى لو احترقتا بنار النهاية.


❈-❈-❈


كانت أشعة الشمس تتسلل خلال أوراق الأشجار الكثيفة، ترسم ظلالاً متراقصة على الأرض المغطاة بالعشب الأخضر.

في زاوية هادئة من الحديقة، جلس عدي على مقعد حجري قديم، عيناه شاردتان تحدقان في المسافة البعيدة، وكأنه يحاول الهروب من واقع لا يريده

كان الصمت يلف المكان، لا يقطعه سوى صوت خرير الماء من النافورة القريبة وتغريد العصافير المتناثرة بين الأغصان. 

لكن هذا الهدوء لم يدم طويلاً، فقد سمع وقع أقدام خفيفة تقترب منه على الممر الحصوي.

التفت عدي ببطء، ليجد روح تقف على بعد أمتار قليلة منه كانت ترتدي فستاناً أبيض بسيطاً يتناغم مع نعومة ملامحها، في عينيها بريق خاص، مزيج من الأمل والخوف، وكأنها تحمل في قلبها كلمات تريد أن تقولها منذ زمن طويل.

_عدي... 

همست باسمه، وصوتها يرتجف قليلاً.

نظر إليها بعينين باردتين، لا تحملان أي دفء أو ترحيب لم يقل شيئاً، بل اكتفى بإيماءة خفيفة من رأسه، كأنه يعترف بوجودها دون أن يدعوها للاقتراب.

ترددت روح للحظة، ثم تقدمت بخطوات حذرة حتى وقفت أمامه. 

كان قلبها يخفق بقوة، وكلمات كثيرة تتزاحم في رأسها، لكنها لم تعد تجد الطريقة المناسبة لتبدأ بها.

_ممكن اجعد معاك شوي؟

سألت بصوت خافت.

أشار عدي إلى الطرف الآخر من المقعد دون أن ينظر إليها، وكأنه يتعامل مع غريبة وليس مع الفتاة التي ستصبح زوجته قريباً.

جلست روح بحذر، تاركة مسافة واضحة بينهما. كانت تشعر بالبرد ينبعث منها رغم دفء الشمس التي تغمر المكان. 

حاولت أن تجد في عينيه أي بصيص من الدفء، أي إشارة تدل على أنه يشعر بشيء تجاهها، لكنها لم تجد سوى جدار من الجليد.

_عدي...عمي جالي أنه هياخدني عشان انجي الفرش بنفسي، بس أني بثق في ذوقك وجلت لعمي إني مش هختار وهسيب عدي هو اللي يختار

التفت إليها أخيراً، لكن نظرته كانت فاترة تخلو من اي مشاعر. 

_وبعدين؟

اندهشت من رده فخفضت عينيها بألم 

وهي تقول 

_اني جُلت بس أعرفك يمكن يكون ليك رأي تاني.

تنهد عدي بضيق من نفسه عندما لاحظ حزنها

هو لا يكرهها بل يعزها حقًا أخت له، لكن ليس اكثر من ذلك

تطلع إليها وقال باعتذار

_أني اسف لو كنت ضايجتك بس مضايج شوي.

رفعت عينها له بأمل وهي تسأله بلهفة

_خير ايه اللي مضايجك، جولي يمكن نحله مع بعض.

لحظت جنون مرت عليه كاد أن يعترف لها، فهي وحدها من تستطيع رفع ذلك الأمر عنه

لكنه تراجع خوفاً من تهديد جده.

لذا رد بصبر

_ياريت كان ينفع، بس اللي چواتي مينفعش افضفض لحد به.

التفت إليها وسألها

_كنتي چاية عشان إكدة بس.

رمشت بعينيها كأنها تبحث عن مهرب من سؤاله

فكيف تعترف وتعبر عن مشاعر تعرف أنها غير مرغوب فيها؟

"كنتى جايه عشان إكده؟" سأل بنبرة جافة، وكأنه يريد أن ينهي هذه المحادثة بأسرع وقت ممكن.أخذت روح نفساً عميقاً، وجمعت كل شجاعتها. 

_أيوة يا عدي، كنت چاية عشان إكدة وبس؟

نهض عدي فجأة وكأنه لا يريد البقاء معها في مكان واحد.

_طيب اني لازمن امشي دلوجت عشان عندي مشوار ضروري.

اتسعت عيناها بدهشة وسألته

_انت مش هتروح مع عمي تختار....

قاطعها بنفور لم يستطيع اخفاءه

_لا المشوار ده مينفعش أجله، لو مرحتيش انتي هخلي سند يختار معاه.

تركها ورحل

ونهضت لتعود للداخل بعد أن شعرت  وكأن سهماً اخترق قلبها. لم تكن تتوقع منه أن يبادلها نفس المشاعر، لكنها لم تتوقع هذه القسوة أيضاً.


كانت كلماته كالسكاكين تقطع قلبها إرباً، لكن قلبها الخائن التمس له آلاف الأعذار كما يفعل دائماً 

شعرت بحنين جارف لمالك

ذلك الحضن الذي حرمت منه وكأن الدنيا استكترته عليها كما استكترت عليها أبيها

رددت اسمه بين شفتيها 

"مالك"

لم تشعر مطلقاً بمدى قسوة ذلك النداء على قلب ذلك الذي يتتبعها بعينيه..


_روح..

توقفت اقدامها كما توقفت دموعها التي بدورها تسمرت بين أهدابها عندما سمعت ذلك الصوت.

هل خيل لها؟

ام احتياجها له جعلها تسمع صوته ينطق باسمها


_هتفضلي متسمره إكدة كتير؟

لم تخطئ السمع تلك المرة، لا لم يخيل لها 

استدارت ببطء شديد وكأنها تخشى من ان يكون وهم وينكسر خاطرها مرة أخرى

لكن عندما وقع نظرها عليه أغمضت عينيها تنفض تلك العبرات المتعلقة بها كي تستطيع رؤيته بصورة أوضح ونطقت اسمه بلوعة

_مالك.

تقدم منها مالك مرتسماً على وجهه ابتسامة مملوءة بالاشتياق 

أما هي فلم تستطع منع نفسها من البكاء.

بكاء اشتياق 

بكاء يدل على مدى حاجتها إليه 

على حنان افتقدته منذ رحيلة رغم ان الجميع يغدقها بحنانهم لكن حنانه هو يختلف.

لعنة سنها الذي منعها بأن تلقي نفسها في أحضانه تلتمس منه العزاء

_مالك.

قالتها بلوعة أشد جعلت ابتسامته تختفي ويحل محله القلق وهو يتقدم منها ويسألها بلهفة

_مالك يا روح فيكي حاچة؟

تطلعت إليه من بين دموعها

_مش مصدجة إنك رچعت.

عادت إليه ابتسامته رغم المرارة التي يخفيها خلفها

_لسة واصل دلوجت ومجولتش لحد 

جلت اعملها مفاچاة.

_أحلى مفاچأة.

قالتها روح بعفوية أصابت قلبه وجالت عينيه على ملامحها التي اشتاقها حد الجنون

رغبة ملحة تطالبه بأن يحتويها داخل أحضانه ويجفف دموعها التي تحرق روحه بغير رحمة لكنه احجم تلك الرغبة، فلا يحق له فعل ذلك.

_اتوحشتك جوي يا بنت عمي.

ردت روح بكلمات خرجت من قلبها

_وانت وحشتني جوي، والحياة من غيرك جاسية جوي.

أرهقته بحديثها الذي خرج منها بعفوية

لكن عند تلك اللحظة لم يستطيع مالك تمالك اشتياقه لها

فدون إرادته تقدم خطوة منها ورفع أنامله ليخفي تلك الخصلة التي ظهرت من حجابها

لا يحق لها ان تظهر للعلن هكذا 

عليها أن تصان من كل العيون حتى عينيه هو، لكن ملمسه الناعم جلعه يبغض فعلته بعد أن أخفيا عن عينيه

طاف بصره على عينيها فوجد فيهما عشقًا خفيًا ترفض تحرره

لكن لن يسمح لها بذلك وعليه أن يظهره للنور

تجولت عينيه ببطء على ملامحها حتى وصلت لثغرها الرخو فلم تتملك أنامله حركتها ونزلت عليه يتحسسه بوله 

اهه خافتة خرجت منه عندما شعر بملمسه أسفل أنمله، ودون إرادته وجد نفسه يتمتم بها

_روح...بحبك..

ولم يكن حالها أفضل من حاله ووجدها تنهي الخطوة الفاصلة بينهما وألقت رأسها على صدره بعد أن أحاطت خصره بذراعيها

حينها شعر بالاكتفاء عن هذا العالم ومن به

الآن فقط أوصلته للنجوم فلم يعد يريد العودة للأرض

بل صعدت لهما فراشات وردية تطوفهم من كل جانب مشكلة حولهما هالة من نور ازدادت اكثر عندما رفع وجهها إليه يتطلع بعيونها قبل أن يميل على ثغرها يأخذه في عالمه الخاص

كانت مستسلمة له بل مرحبة وهي تبادله قبلته بعشق وتملك

لم يستطيع أحد قطع تلك اللحظة وكلما ابتعد عنها لحاجتهم للتنفس يعودان، كأن شريان الحياة في تلك القبلة وكلما تعمقا بها كلما زاد اشتياقهم أكثر وأكثر.


_مالك...مالك...

خرج مالك من شروده على صوتها فحمحم باحراج

_ها بتجولي حاچة.

اندهشت روح من حالته وسألته

_انت بخير؟

ازدرد لعابه وهو يحاول نفض تلك المشاعر 

_اه..بخير.. اني بس تعبت  من السفر

تعالي بجا ندخلهم لحسن الحاچ وهدان لو عرف إني چيت من وجتها ومجرتش عليه لول ممكن يطخني عيارين.

ضحكت روح رغمًا عنها وأومأت له وقد شعرت بعودة الأمان لها.


تعالت الزغاريد بالمنزل بعودة مالك 

واكتملت فرحة ورد عند رؤيته


كانوا جالسين جميعاً في بهو المنزل 

يحتفلون بعودة مالك 

قال وهدان 

_مجولتش ليه يا ولدي كنت خليت سند استجبلك في المطار؟

حاول مالك ان يبدو طبيعيا 

_جلت اجدم أچازتي و اعملهالكم مفاجأة.

كانت روح تتطلع إليه بسعادة وكأن روحها قد عادت إليها 

انساها عودته ما بدر من عدي الذي رحل دون ان يرى أخيه.

هي تعرف مدى حبه لمالك وكم السعادة التي سيشعر بها اذا علم بعودته

امسكت هاتفها واتصلت عليه كي تخبره لكنه لم يجيبها

كررتها مرة أخرى فوجدته قد أغلق هاتفه

حاولت كتم حزنها بداخلها لكن عيون مالك كانت تراقبها.

قال سند بمزاح

_والله خير ما عملت اهو تشيل معانا الليلة بدل أخوك اللي مكبر دماغه ده وسايب كل حاچة على دماغي.

حمحم مالك وحاول أن يبدو مهتماً

_ ترتيبات إيه؟

اندهش سند 

_ترتيبات الفرح، مالك يا ولد عمي هو تعب السفر اثر عليك ولا ايه؟

نظرت روح لمالك وهو يحاول ألا ينظر إليها فأجاب مدعيا الإرهاق كي يهرب من أمامها

_يظهر إكدة أني هجوم ارتاح شوي وبعدين يبجى نجعد مع بعض ونشوف.


رد وهدان بتعاطف مع حالة حفيده ونظراته لمحبوبته التي لم يغيرها البعد

_اطلع يا ولدي اوضتك ارتاح ويبجى نكمل كلامنا على الغدا.

أومأ مالك وقبل يد جده وصعد إلى غرفته ليلقي نفسه على الفراش بتعب حقيقي.

فقد شعر أنه أخطأ بعودته، فمشاعره لم تعد مشاعر خانعة بل أصبحت أكثر تطلباً.

ظن أنه سيستطيع المواجهة لكن عن أي مواجهة يتحدث وهو أضعف من أن يقف قبالتها دون أن تقتحمه هذه المشاعر المتأججة بداخله.

أخفى وجهه بين كفيه يحاول التنفس لكنه وجد صعوبة به

ماذا يفعل الآن 

فهو يرى نفسه أصبح خائنا

فأيام قليلة وستكون زوجة أخيه 

هل ستظل تلك المشاعر تهفو إليها حتى بعد زواجها؟

اعتدل في فراشه لينظر إلى حقيبته التي لم يفرغها بعد

هل يعود الآن ويهرب؟

أم عليه البقاء كي يعتاد ويرضى بنصيبه؟

اسئلة كثيرة لا يجد لها إجابة 

حائر بين مشاعره وبين واجبه

فواحده تدعوه ليلوذ بالفرار 

وأخرى تجبره على البقاء لأجل واجبه.


أخذ يحل أزرار قميصه عندما زاد شعوره بالاختناق


خلع قميصه ودلف المرحاض ليضع رأسه أسفل المياه ربما تهدئ حيرته

لكن شعر بها تزداد اشتعالا أكثر وأكثر


❈-❈-❈


في غرفة نغم

رن هاتفها برقم أحدى أصدقائها 

فأجابتها 

_السلام عليكم 

_وعليكم السلام كيفك يا نغم، بجالك يومين مجتيش الچامعة، انتِ زينة؟

أخفت نغم ما حدث عن صديقتها الأقرب إليها 

_لا أني زينة بس چدي حدد ميعاد الفرح آخر الشهر وانتِ خابرة بجا المشاغل.

تحدثت نسمة بسعادة 

_الف الف مبروك، بس كنتي استنيتي لبعد الامتحانات، هي اصلا آخر  سنة ليكي في الچامعة.

ردت نغم باقتضاب

_سند اللي أصر.

_على خيرة الله، المهم محاضرة بكرة لازمن تحضريها لانها مهمة.

_إن شاء الله.

أغلقت الهاتف ووضعته جانباً ومازالت لا تعرف كيف تخبر سند

وهل عليها اخباره حقاً أم تصمت خوفاً عليه.

تطلعت للسلسلة التي قامت بإخفاءها في معصمها خلف أكمامها كي لا يراها.

لكن إن استطاعت اخفاءها الآن ماذا ستفعل بعد زواجهم

أخذت تمرر اناملها عليها فهي لن تستطيع مطلقاً أن تنزعها من يدها.

فهي لم تفارقها إلا ذلك اليوم وكانت تشعر بأن روحها تفارقها حتى عادت إليها.

فعاد إلى خلدها ذلك السؤال

كيف عثر عليها؟

وكيف عثر على السائق؟

ضيقت عينيها بشك

هل من الممكن أن تكون خطة منه كي يوقعها ويبتزها بعد ذلك؟

ازدردت لعابها بخوف

ماذا إن كانت فعلاً خطة منه؟

ماذا يريد منها؟

اغمضت عينيها بيأس لا تعرف ماذا تفعل 

فتحت هاتفها وأعادت قراءة رسالته لها

وكأن مفاده اقرأ ما بين السطور..

أغلقت هاتفها فور إن سمعت طرق على الباب وصوت سعدة

_الفطار چاهز يا ست نغم.

_نازلة دلوجت.

وضعت هاتفها أسفل الوسادة واستعدت للنزول 


❈-❈-❈


على المائدة المستديرة الضخمة في بهو المنزل، جلس وهدان في مقعده المعتاد على رأس الطاولة، وقد تجمعت عائلته حوله كالكواكب في فلك شمسها. 

جال بنظره عليهم واحدًا تلو الآخر، وشعر بفخر عميق يملأ صدره لقد نجح في جعلها عائلة مترابطة، يساند بعضهم بعضًا، ويدًا واحدة في وجه أي عاصفة.


لكنه، بصيرته التي اثقلتها السنين، كان يرى ما هو أبعد من الوجوه الباسمة والكلمات الهادئة. 

كان يعلم ما تخفيه قلوب أحفاده مهما جاهدوا لإخفائه خلف أقنعة من الجليد أو اللامبالاة.


واحد فقط من بينهم كان يضرم النار في قلبه ألمًا عليه: مالك 

حفيده الذي ورث منه الحكمة والصلابة، لكنه ورث أيضًا القدرة على الحب الصامت والعميق. 

رآه وهدان وهو يحاول قدر الإمكان أن يغض بصره عنها، أن يتجنب حتى النظر في اتجاهها، وكأن نظرة واحدة ستحرقه. 

أما هي، روح، فقد كانت عيناها البريئتان تلتفتان إليه بين الحين والآخر كأنها تتأكد حقًا من وجوده، تبحث عن الأخ الأكبر والمستشار

 غير مدركة للحمم التي تغلي خلف هدوئه فكر وهدان بمرارة: كان باستطاعته أن يجبرها على الزواج منه، لكن النتيجة لن تكون مرضية لكلاهما. 

هي اتخذته أبًا وسندًا، أما هو فلم يرها يومًا إلا حبيبة، كلما كبرت، كلما تعلق بها قلبه أكثر. 

هي لن تكون سعيدة معه كزوج، وبالتالي، لن تسعده هي أبدًا.


ثم انتقل بنظره إلى سند

سند العائلة كما يليق باسمه. 

يراهن دائمًا على عقله وحكمته

قد يتغابى أحيانًا، تسيطر عليه الغيرة أو العصبية، لكنه حين يدرك خطأه، لا يتوانى لحظة عن تصحيحه. 

لهذا اختار له نغم، تلك النسمة الهادئة التي تمتاز بطيبة قلبها وصفائها، فهي الوحيدة القادرة على امتصاص غضبه وتكون مرساته في بحر الحياة الهائج.

نظرة من عينيها الصافية قادرة على ان ترضخ لها الوحوش.

أما عدي... تنهد الجد داخليًا. 

عدي هو عاصفته التي لا تهدأ بتهوره وعناده، يرهقه دائمًا لكنه يعلم أن عليه الصبر فالعناد سلاح ذو حدين، إن لم يحتويه بحكمة سيدمر به كل شيء. 

حتى عندما أجبره على الزواج من روح، كان ذلك مقابل شيء آخر تغاضى عنه الجد صفقة صامتة يعرفها هو وعدي فقط.


وتبقى وعد، تلك الصغيرة التي تمتاز بعقل كبير وذكاء حاد وحكمة وتروي يفوق سنها. 

هي الوحيدة التي لا يخشى عليها، لأنها قادرة على حل مشاكلها بنفسها دون اللجوء لأحد.


لأجلهم جميعًا، لأجل هذه الوجوه ابتعد عن الثأر ودفن الماضي، وسار جانبًا دون أن يهز ذلك من قوته وهيبته شيئًا. 

ولولا أن هذه الأرض ووصية، لكان تركها منذ زمن لكنه لن يتخلى عن وصية والده: 

"الأرض كالعرض، لا يمكن التفريط فيها".


قطع وهدان صمته، موجهًا حديثه إلى مالك في محاولة لجس نبضه.

_مش ناوي ترچع وتسيبك من الغربة دي يا مالك؟

جاء رد مالك قاطعًا وثابتًا، كأنه طلقة.

_لأ.

امتعض وجه والدته ورد وقالت بضيق أمومي.

_ليه بس يا ولدي، إيه اللي معلجك بالغربة دي؟

حاول مالك رسم ابتسامة باهتة وهو يرد عليها.

_مافيش شغل ليا في الصعيد يا أمي، انتي خابرة إن شغلي على السواحل، يعني برضك هتكون غربة.

تعبت ورد من هذا الجدال الذي يتكرر في كل إجازة لكن عدي بعينيه الماكرتين قرر أن يلقي بحجر في المياه الراكدة.

يعني مفيش حاچة غير الشغل بس؟

اهتزت نظرات مالك للحظة، وشعر بانقباضه حادة في قلبه وهو يلمح طيف روح بطرف عينه، قبل أن يجبر بصره على التحول سريعًا إلى طبق أمامه تحدث بثبات مصطنع.

مافيش حاجة من الحاچات دي... شغل وبس.

تدخل سند بمزاح، محاولًا تخفيف الأجواء.

يعني مفيش بنت حلوة لفتت نظرك هناك؟

رمش مالك بعينيه، وحمحم بطريقة غريبة لفتت انتباه والده سالم.

_مكنتش مهتم بالموضوع ده.

هنا، تدخل وهدان بحكمته المعهودة ليغير الموضوع 

_اللي تشوفه يا ولدي، المهم إنك تكون مرتاح.

في خضم كل هذا، كانت نغم في عالم آخر تمامًا. 

كانت تجلس بينهم، لكنها لم تكن معهم رهبة باردة كانت تتسلل إلى أوصالها كلما فكرت في الذهاب إلى الجامعة.

حاولت أن تطمئن نفسها بأن سند سيكون معها، ولن يتركها إلا وهي داخل أسوار الجامعة الآمنة لكن هل الأسوار تحمي حقًا؟

انتبهت على صوت روح الناعم بجانبها.

_نغم، مالك؟

هزت رأسها بنفي سريع، كمن أُمسك متلبسًا.

_مفيش.

_أومال مالك سرحانة إكدة؟

نهضت فجأة، في حركة هروب واضحة.

_أنا هطلع أجيب شنطتي عشان أتاخرت على الچامعة.

نظرت والدتها ليل إلى طبقها الذي لم تمسه تقريبًا.

_طيب كملي أكلك الأول.

_لا مش چاعنة، بعد إذنكم.

صعدت إلى الأعلى بخطوات سريعة، وقام سند خلفها ليستعد لتوصيلها.


دخلت غرفتها وأغلقت الباب، وأسندت ظهرها عليه. 

الخوف كان يفعم قلبها، وشيء غامض بداخلها، صوت خافت لكنه عنيد كان يدفعها للتراجع. 

وقفت تنظر إلى حقيبة يدها الملقاة على الكرسي بتردد قاتل. 

هل تطاوع هذا الخوف وتختبئ اليوم؟ أم تقاومه، وتذهب إلى جامعتها، متحامية في سند، وتواجه العالم الذي لم يعد يبدو آمنًا كما كان؟ كان صراعًا مريرًا بين رغبتها في الحياة الطبيعية، وبين الرعب الذي زرعه "جاسر" في قلبها برسالته الصامتة.

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا الخولي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة