رواية جديدة عبير الليل لعلا السعدني - الفصل 12 - الأحد 7/9/2025
قراءة رواية عبير الليل كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية عبير الليل
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة علا السعدني
الفصل الثاني عشر
تم النشر الأحد
7/9/2025
(قرصان)
وصلت (لارا) مع (خالد) إلى فندق صغير يقع على مشارف جزيرة (إيجينا) كان المبنى بسيطًا ولكنه أنيق، بجدران بيضاء وصور قديمة معلقة على الجدران كانت الأجواء هادئة، والرياح البحرية تداعب نوافذ الفندق المصنوعة من الخشب الداكن ..
دخلوا عبر المدخل الذي كان مزخرفًا بألوان دافئة، وفي الداخل، كان هناك بهو صغير، كانت الأرضية مزينة بالبلاط التقليدي، وأثاث الاستقبال بسيط، يحتوي على طاولة خشبية متوسطة الحجم، وبعض المقاعد الجلدية ..
قال (خالد) بنبرة هادئة وهو يقترب من الاستقبال
- سنأخذ غرفتين، من فضلك
ابتسمت السيدة المسؤولة عن الاستقبال ابتسامة ودية، ثم قدمت لهم مفاتيح الغرف، قادتهما إحدى الموظفات إلى ممر ضيق، حيث كانت الغرف تقع في الطابق العلوي كانت (لارا) تلاحظ التفاصيل الصغيرة في كل زاوية الجدران المطليّة باللون الأبيض، والشرفات الخشبية التي تطل على البحر ..
وصلوا إلى غرفهم، كانت الغرفة التي تخص (لارا) تتسم بالبساطة والجمال الطبيعي السرير كان مزينًا بمفرش من الكتان الأبيض، والطاولات الجانبية كانت تحتوي على مصابيح صغيرة ذات نور دافئ من نافذتها، كان بإمكانها رؤية البحر الأزرق يتراقص مع الأمواج كل شيء في الغرفة كان يوحي بالهدوء والراحة، لذا اتجهت نحو الفراش لتنعم ببعض الراحة فقد شعرت بالأرهاق من خلال تلك الرحلة ..
فى حين أغلق (خالد) الباب خلفه، ثم نظر من خلال نافذته إلى البحر، وهو يفكر فيما هو آت وكيف سيسلم (لارا) إلى (آدم) ..
❈-❈-❈
فى المساء ..
دخلت (لارا) بهدوء إلى صالة الطعام، ارتدت فستانًا أنيقًا باللون الأزرق الداكن، كان تصميمه بسيطًا ولكنه يعكس ذوقًا رفيعًا يناسب الموضة السائدة في ذلك العام، انساب بلطف على جسدها، أما حذاؤها فهو من الجلد الأسود اللامع الذي يعطيها لمسة من الكلاسيكية، زينت رقبتها بعقد من اللؤلؤ ..
اقتربت من الطاولة، وسحبت المقعد برقة قبل أن تجلس، بينما عيناها تلتقيان مع (خالد) الذي كان يراقبها وهو يقول
- تبدين كحورية
ابتسمت وهي تجلس على المقعد ثم قالت بهدوء
- لم اعتاد منك على تلك الطريقة التى تتحدث بها معى اليوم، اشعر وكأن فى خطأ ما
ابتسم (خالد) ابتسامة هادئة وهو يرفع يده ليشير إلى النادل ليبدأ تقديم الطعام، لكن عينيه لم تفارق وجه (لارا)، بينما هي غافلة عن نواياه ..
ثم بدأ النادل في وضع الأطباق بعناية، لكن (خالد) كان يتحدث بهدوء قائلاً
- يجب ان تعتادى حبيبتى .. قريباً سنتزوج
رمشت بعينيها عدة مرات وهى لا تصدق ما قاله للتو، اقال (حبيبتى) حقًّا فهى لم تعتاد يوماً منه على ذلك الحديث، لكنها ابتسمت ابتسامة هادئة ف (خالد) شخص مناسب لها جيداً، يجب ان تعتاد على ذلك حقًّا فهى ستتزوجه قريباً، بدأت فى تناول الطعام وظلا يتحدثان معًا فى أمور شتى بعد ان انتهى (خالد) من تناول الطعام سألها
- هل تودين شرب معى كأس من الشامينيا؟!
نظرت له (لارا) بضيق ثم قالت
- اعلم جيداً انك تشرب تلك المشروبات، لكننى لا احبذها فهى حرام .. اتمنى لو تقلع عن شرب تلك المشروبات
ازدرد (خالد) ريقه بصعوبة فهو يعلم جيدًا شخصية (لارا)، فهى رغم انها عاشت حياتها باليونان ورغم انها من طبقة ارستقراطية إلا انها لها نزعة دينية فى بعض الأشياء، ابتسم بهدوء واجاب مختصرًا
- سأحاول حبيبتى
ابتسمت بسعادة له لأنه يستجيب للحديث معها بعدها قالت هى
- اريد عصير برتقال .. فقط لا غير
- كما تريدين حتى اننى سأطلب معكى عصير برتقال أيضاً
شعرت بسعادة تغمرها لأنه استجاب لمطلبها فربما يحبها حقًّا، بعدها طلب (خالد) من النادى كوبين من عصير البرتقال وفى خلال دقائق كان النادل قد ازال الأطباق من أمامهم وذهب وحضر لهم كوبين من العصير وقبل ان تبدء (لارا) بشرب ذلك العصير، نهض (خالد) عن مقعده وطلب منها ان ترقص معه رمشت بعينيها قليلاً ثم قالت
- حسنًا (خالد)
وما ان التفت لكى تذهب إلى الساحة، وضع هو قرص منوم على الفور فى كوب العصير بها دون ان يلاحظ احد وذهب معها إلى ساحة الرقص ثم تراقصت (لارا) بخفة مع (خالد) وسط الأضواء الخافتة، بدا كما لو أن الزمن توقف بينهما لا تعلم ابدأت تشعر معه بشعور نحوه ام ماذا؟
فمنذ ان اعترف لها بحبه وهى تشعر بإن مشاعرها اصبحت مضطربة وما ان انتهت الرقصة، طلب منها (خالد) العودة إلى الطاولة الخاصة بهم بينما هى كانت بعالم آخر حيث افكارها المتخبطة بذلك الحب الذى سيسكن قلبها من تصرفاته اللبقة معها، فابتسم هو عليها ثم قال
- الا تسمعينى يا فتاة؟!
استفاقت (لارا) من شرودها ثم نظرت فى عينان (خالد) الخضراء وازدردت ريقها بصعوبة ثم قالت
- حسنًا .. حسنًا لنذهب إلى الطاولة
سار معها هو وابتسم على هيئتها الخجلة تلك، ثم قام بسحب المقعد لها لتجلس وبعدها جلس بالمقعد المقابل لها، وهو يقول مازحًا
- يبدو وانكى تفكرين بى حتى وأنا معَكِ، إليس كذلك؟!
رمشت بعينيها عدة مرات من حديثه ذاك فهو دوماً يجعلها تخجل من حديثه ذاك، ثم قالت
- ما بك (خالد)؟! لم تكن يوماً بتلك الجراءة معى .. ماذا دهاك؟!
ابتسم ابتسامة جذابة لها ثم قال
- الذى دهانى هو انك ستصبحين فى بيتى قريباً .. كيف لى ان اعاملك كصديقة؟!
نظرت لأسفل وشعرت انه محق بعض الشئ، ثم قالت وهى تمسك كوب العصير
- اعذرني .. فمشاعرى متخبطة ولم اعتاد على ذلك الوضع أبدًا
- انا اتفهم ذلك جيداً
بدأت (لارا) بشرب كوب العصير لم تلاحظ أي شيء غير عادي في طعمه، فقد كان عصيرًا منعشًا، ولكن مع مرور الدقائق، بدأت تشعر بشيء غريب كان شعورًا بالخفة في أطرافها، وكأن جسدها أصبح أكثر استرخاءً مما يجب ثم بدأت رؤية الأشياء تتداخل بشكل غامض، تتحرك أمام عينيها ببطء، وكأن الزمن قد تباطأ فجأة ..
تنفست بصعوبة، وأحست بدوار خفيف يلف رأسها، كأن الأرض تحت قدميها بدأت تتحرك بشكل غير مستقر ..
بعد لحظات، أصبح من الصعب عليها أن تحافظ على توازنها شعرت وكأنها تغرق في عالم آخر، وكل شيء من حولها يبدو بعيدًا قبل أن تدرك ما يحدث تمامًا، أغشي عليها وسقطت رأسها على الطاولة ..
ظهرت على شفتاى (خالد) ابتسامة هادئة حاول ان يخفيها فوراً، ولكنه تصنع القلق وهو يقول
- (لارا) .. (لارا) هل أنتى بخير؟!
بالطبع لم تجيبه فقد كانت غارقة فى النوم، فنهض عن مقعده وقام بحملها بين يديه وتوجه نحو الخارج فانتبه له شخص ما وسار اتجه
- ايوجد مشكلة معك؟
- يبدو وان خطيبتى فقدت الوعى .. سأذهب بها إلى المشفى حَالًا .. اشكرك لاهتمامك
- اتريد مساعدة؟!
هز (خالد) رأسه نافياً وهو يقول
- شكراً لك .. سيارتى بالخارج يجب ان اتحرك فوراً
لم ينتظر رده وذهب بها نحو الخارج ثم استقل سيارة آجرة وذهب بها إلى عنوان (آدم) المنشود ..
❈-❈-❈
بعد مرور ساعتين ..
استفاقت (لارا) على شعور غريب، جسدها كان ثقيلًا، فتحت عينيها بصعوبة، وتسللت إلى ذهنها الأفكار المشوشة كان المكان مظلمًا وباردًا، لكنها اكتشفت أن يديها مربوطة بإحكام نظرت حولها بسرعة، ووجدت نفسها في مكان غريب الجدران مغطاة بورق جدران قديم وممزق، والضوء الخافت يسلط على الأثاث البسيط في الغرفة ..
بينما هي تحاول التركيز على محيطها، دوّت خطوات بطيئة من خلفها، قلبها تسارع في صدرها حين التفتت لترى (آدم) ..
كان يقف أمامها بهدوء، وجهه خالي من التعبير، يرتدي معطفًا داكنًا، وبدت عيونه البنية العميقة تراقبها بترقب ابتسم ابتسامة باردة، وقال بصوت هادئ
- مرحبًا، (لارا محمد زاهر)، أليس كذلك؟
تحولت ملامح وجهها إلى حالة من الغضب والارتباك، لم تستطع تصديق ما يحدث لها، وأغمضت عينيها لثوانٍ قبل أن تنطق بصوت متسائل
- من أنت؟ وأين أنا؟ وماذا تريد مني؟
قبل أن يتمكن (آدم) من الإجابة، لاحظت أن (خالد) يقف بجانب (آدم) ويشاهد الموقف بهدوء فزع قلبها بشكل أكبر، وصرخت
- (خالد)! ماذا يحدث؟!
لكن (خالد) رد عليها بصوت هادئ، كأن ما يحدث ليس غريبًا عليه
- آسف، حبيبتي، كانت هذه مهمة لقبض المال من الأفضل أن تتفقّي مع (آدم)، حتى ينتهي الموضوع
التفت (آدم) إلى (خالد) وقال بلهجة هادئة، وكأن كل شيء على ما يرام
- اتركنا، سأتعامل أنا مع (لارا) وأفهمها كل شيء
نظر (خالد) إليها للحظة، وكان هناك شيء في عينيه، لكنه ترك كل شيء خلفه وخرج من الغرفة، ليتركها مع (آدم)
بينما كان يخرج، التفت (آدم) إليه وأعطاه حقيبة مليئة بالأموال وهو يقول
- نصيبك من الكنز لن أنساه
فغادر (خالد) الغرفة على وجه السرعة، وفي تلك اللحظة، شعرت (لارا) بموجة من الخذلان، وكأن كل شيء انهار أمام عينيها هي لم تفهم كيف خذلها (خالد) ولما هى هنا بالأساس، ولماذا تركها في هذا الموقف المأساوي كانت تدرك الآن أنها جزءًا من لعبة أكبر بكثير مما توقعت، وبينما كانت تنظر إلى (آدم) الذي اقترب منها مجددًا
- مرحبا اسمى هو (آدم فاسيليو)
طالعته بنظرة غاضبة ثم قالت
- وما شأنى أنا؟! .. لما أنا هنا؟!
ثم تابعت بصوت خافت، وقد سقطت دمعة حارقة على وجنتيها وهى تقول
- ولما فعل بى (خالد) ذلك؟!
شعر (آدم) بالضيق وهو يرى دموعها تلك وعلى الرغم من انها تحدثت بصوت منخفض إلا انه فهم ما قالته فقال بنبرة هادئة
- لا تبكى (لارا) .. انا لا اريد ايذاءك .. اريد فقط الكنز فهذا حقى
ضحكت (لارا) بسخرية ثم قالت بضيق
- إذًا الكنز هو من جعله بصحة بى هكذا .. ثم كيف يكون من حقك؟! هذا كنز جدى رحمة الله عليه ولقد تركه لى .. هل اتفقت مع (خالد) ضدى بسبب الكنز؟! انا لا افهم من أنت وما علاقتك بى و ب (خالد)
جلس على مقعد خشبي قديم، مستندًا بيده على مسند الكرسي، ثم قال بهدوء
- دَعْكِ من (خالد) الآن فهو كل ما يهمه النقود فقط .. لقد طلبت منه ان يتزوجك ويسافر بكِ إلى (مصر) من آجل أن استطيع الحصول على خريطة ذلك الكنز .. ولكن ما لم استطع توقعه قد حدث لقد حصلتى انتى على الخريطة قبل ان يتزوجك (خالد) و (خالد) فعل ذلك لأنه بحاجة شديدة للمال فعائلته على وشك ان تعلن إفلاسها
رمشت (لارا) بعينيها عدة مرات متتالية وهى تستمع إلى كل تلك الصدمات ب (خالد)، فهو لم يحبها يوماً بل كانت بالنسبة له مجرد صفقة من أجل المال وهى .. وهى كانت قد بدأت بإن تشعر نحوه بمشاعر تبخرت مشاعرها تلك حتى مشاعر الصداقة قد فتتها فتاتًا لا قيمة لها الآن، فهو لا يستحق ان تبكى عليه بل عليها ان تشكر الله انه نجدها من ذلك النذل قبل ان تتزوجه بالفعل، ولكن مهلاً ما علاقة كل ذلك ب (آدم) ومن (آدم) من الأساس، ليقطع تفكيرها صوته وهو يقول
- اعلم جيداً .. ما تفكريين به الآن تريدى سؤالى من أنا ولماذا اتيت بكِ إلى هنا وما علاقتى بذلك الكنز اليس كذلك؟!
هزت رأسها إيجاباً وهى تنظر فى عينيه لعلها تفهم ما يحدث فأجابها (آدم) قائلاً
- حسنًا عليكى سماع قصتى إذًا
عندما كان فى عمر عشر سنوات، اخبره والده انه سيذهب إلى (مصر) لأول مرة شعر حينها بفرحة عارمة فقد كان والده يريد الأستقرار ب (مصر) لأنها رغبة والدة (آدم) فقد سئمت العيش باليونان تريد ان تعود إلى وطنها الغالى الذى تغيبت عنه لمدة احدى عشر عامًا منذ ان تزوجت والده حينها كان جد (آدم) يشعر بالحزن لأن ابنه وحفيده سيتركونه ويذهبون بعيداً، لكنه قرر ان يتحدث مع (آدم) ليخبره بسر حينها كان (آدم) فى غرفته يحلم بالعودة إلى وطنه الذى طالما حدثه عنه والده وجده حتى استمع إلى صوت احدهم يطرق باب الغرفة فأذن له بالدخول، ليجد جده بالباب فابتسم له وهو يشعر بسعادة
- جئت كى تودعنى يا جدى فانا مسافر بالغد
ابتسم له جده ثم قال بهدوء
- اريد أن اريك شيئًا قبل أن تسافر .. ولكن عليك ان تعدنى ان ذلك سيكون سرنا الصغير لا احد يعلمه سوا انت .. حتى اننى لم اطلع والداك عليه
شعر (آدم) وقتها بغرابة من حديث جده ولكنه قال بهدوء
- حسنًا .. اعدك جدى
ابتسم له الجد ثم قال له
- حسنًا، اتبعنى إلى المكتبة الخاصة بى
تبعه (آدم) بفضول حتى وصلا معًا إلى مكتبة جده، حينها اغلق جده الباب جيداً بالمفتاح ثم توجه نحو مكتبة الكتب وازال كتاب عنها ليظهر وجود زر صغير، نقر عليه جده لتنفتح أمامه المكتبه فيتفاجئ (آدم) مما يراه ليظهر أمامه ممر فنظر له جده وقال
- تعالى معى (آدم) لا تخف
تبعه (آدم) وهو يشعر بمزيج من الغرابة والفضول حتى وصلا إلى الداخل معًا، ووجد صندوق صغير على الأرضية قام بفتحه ليجد بها ورقة نظر له (آدم) بعدم فهم وسأله
- ما هذا جدى ؟!
- افتح تلك الورقة (آدم)
قام (آدم) بفتحها ليجدها ورقة قديمة مخطوطة باليد بها بعض الرموز وتبدو وانها خريطة ما فنظر إلى جده بعدم فهم وهو يقول
- هذه خارطة؟ اليس كذلك؟
- نعم حفيدى العزيز هذه خريطة ولكن خريطة كنز ..
صدم (آدم) مما سمعه وهو لا يصدق حقًّا كنز .. اى كنز هذا، كان جده يعلم جيداً الصدمة الذى تعتريه فقال
- اعلم جيداً ما تشعر به (آدم)، فانا عشت تلك اللحظة منذ امد بعيد فجدى هو مالك الكنز الحقيقى وعندما اخبرنى به، كان يريدنى ان امتلكه وحدى ولكنى وقتها وحينها كنت اريد بناء عالم خاص بى من صنعى .. كنت اريد بناء نفسى بنفسى دون مساعدة أحد لذا كل ثروتى تلك كانت بمجهودى وقلت فى نفسى اترك ذلك الكنز لأحفادى لربما يحتجونها فى المستقبل .. اردت ان اترك ذلك الكنز لك حفيدى .. كما ان وقتها جدى حذرنى من الطمع وان اخذ ذلك الكنز عند الحاجة فقط .. اخبرنى ان ذلك الكنز رغم ما به من ثروة إلا انه ملعون بلعنة، ولكنى لا اصدق تلك الترهات ولكن لن اكذب عليك (آدم) حينها شعرت بالخوف، قررت بناء نفسى بنفسى دون مساعدة احد ودون كنز وها انا ذا فعلتها
كان (آدم) يستمع إلى ذلك بدهشة عارمة فابتسم الجد ثم تابع قائلاً
- اريدك ان تتذكر ذلك المخبأ السرى حتى تعود فى المستقبل اشعر بأن الكنز كتب خصيصاً لك
حينها هز (آدم) رأسه إيجاباً ثم قال الجد ليذكره بوعده له
- لا تخبر احد بسرنا ذاك (آدم)
هز (آدم) رأسه موافقاً إياه وهو يقول
- حسنًا جدى .. اعدك بذلك .. اعدك ان ذلك الكنز سيكون من نصيبى وسأقوم بتلك المغامرة
ابتسم الجد وشعر براحة بعد ان اخبر حفيده بكل شئ ..
نظرت له (لارا) وهى لا تصدق اى كلمة مما يقول ثم قالت
- اتظننى غبية يا هذا ؟! .. ستقول ان جدك هو مالك القصر الخاص بى اليس كذلك حتى تأخذ الكنز بمفردك
هز (آدم) رأسه بآسى ثم قال
- لما قاطعتى ذكرياتى مازال لدى الكثير لأقوم بقصه عليكِ
- انت نصاب ومخادع .. اتريدينى ان اصدق تلك الرواية السخيفة؟
شعر (آدم) بالغيظ منها فقال وهو يصر على اسنانه
- لما لم تستخدمى عقلك هذا مع (خالد) عندما خدعك أيتها البلهاء .. انا صادق يا فتاة فى كل حرف أقوله ولكن للحكاية بقية اجعلينى اكمل يا (لارا) حديثى
ازدردت (لارا) ريقها بصعوبة ثم قالت
- حسنًا تابع ذكرياتك اللعينة تلك .. كى ارى ماذا تريد منى وما علاقتى بجدك هذا؟
اخذ (آدم) نفس عميق ثم عاد بذكرياته مرة آخرى إلى ذلك اليوم المشئوم عندما ذهبا مع والده ووالداته إلى (مصر) ..
كانت السماء ملبدة بالغيوم الداكنة، والبحر يثور تحت السفينة التي تشق طريقها بصعوبة بين الأمواج العاتية، كانت السفينة الفخمة التي حملت عائلة (آدم) ومجموعة من التجار والمسافرين، تتجه من (أثينا) إلى (مصر)، حاملة معها آمالًا وأحلامًا لم تُكتب لها النجاة ..
الفتى ذو العشر سنوات، وقف بجانب والده على سطح السفينة، مبهورًا بحجم البحر واتساعه لم يكن يتخيل أن تلك الرحلة ستتحول إلى كابوس سيطارده طوال حياته ..
مع حلول الليل، بدأ الطقس يزداد سوءًا الرياح تعصف بالسفينة، والأمواج تتلاطم بشراسة وكأنها وحوش جائعة تحاول ابتلاعها، كان الرعب يسيطر على الجميع، وصرخات المسافرين تمزق الظلام، بينما كان البحّارة يحاولون يائسين السيطرة على السفينة ..
وقف والد (آدم) ممسكًا به بقوة، يحاول حمايته من الأمواج المتطايرة، نظرت إليه والدته بعينين مليئتين بالخوف، لكنها حافظت على تماسكها من أجله، ثم حدث ما لم يكن في الحسبان، اصطدمت السفينة بصخرة ضخمة مخبأة تحت سطح الماء، فاهتزت بشدة، بدأت المياه تتسرب إلى السفينة بسرعة، وصرخ الكابتن بأوامر للركاب لارتداء سترات النجاة والصعود إلى القوارب ..
لكن الأمر كان فوضويًا للغاية، ركض الناس في كل اتجاه، البعض يحاول إنقاذ أمتعته، والبعض الآخر يبحث عن أحبائه رأى (آدم) والده ووالدته تجرفهم موجة ضخمة، تفرق بينه وبين عائلته إلى الأبد شعر وقتها بتمزق قلبه وأنه اصبح وحيد فى تلك الدنيا التى لا يعلم متى سينتهى به الحال كما انتهى بالبقية، نزلت دموعه حزناً على عائلته وعلى حاله وهو قليل الحيلة لا يعرف ان يتصرف وماذا عليه ان يفعل ايحاول ان ينقذ نفسه ام يستسلم لقدره الذى لا يعلمه ..
وجد (آدم) نفسه في الماء البارد المظلم، يكافح للبقاء على قيد الحياة، لا يظهر فيها شيء سوى الحطام وأجساد المسافرين التي طفت على السطح ..
وبينما كان يوشك على الاستسلام، وجد قطعة خشبية كبيرة تطفو فوق الماء أمسك بها بكل قوته، وترك الأمواج تقوده إلى المجهول ..
بعد ساعات طويلة من الكفاح، ألقى به البحر على شاطئ جزيرة منعزلة كانت الرمال خشنة، والجو باردًا، لكنه كان على قيد الحياة قضى (آدم) الأيام الأولى على الجزيرة يحاول البقاء، يأكل الثمار التي يجدها ويشرب من مياه الأمطار ..
وفي إحدى الليالي، بينما كان يختبئ في كهف على الجزيرة، سمع صوتًا غريبًا تقدم بحذر ليجد مجموعة من الرجال الملثمين على الشاطئ، يفرغون حمولتهم من إحدى السفن كان هؤلاء قراصنة، وعلى رأسهم رجل ضخم ذو لحية رمادية وعينين حادتين ..
لاحظ ذلك الرجل الطفل الهزيل الذي كان يراقبهم، فأمر رجاله بإحضاره عندما وقف (آدم) أمام القرصان، لم يظهر خوفًا، بل واجهه بشجاعة مذهلة لفتت انتباه الرجل
- ما اسمك، أيها الفتى؟
- (آدم)
ردّ بصوت ضعيف لكنه ثابت كان بداخله يشعر بالخوف من ذلك الرجل ولكن تلك الليالى القحلة التى قضاها على تلك الجزيرة بمفرده، جعلته لا يأبه شئ، فقد عاش من الخوف والرعب مآسٍ، فماذا عن الآتى هل سيكون اسوء مما رأه فى تلك الليالى ..
يتبع...
