رواية جديدة رواية في فبضة فهد لهالة زين - الفصل 18 - الجمعة 19/9/2025
قراءة رواية في قبضة فهد كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية في قبضة فهد
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هالة زين
الفصل الثامن عشر
تم النشر الجمعة
كان يمان متحمسًا، ولو قليلاً، لحفل زفافه المرتقب. فبعد أن ارتدى جلبابه الصعيدي التقليدي، مستعدًا للانطلاق مع أخيه ورؤوف وكبار العائلة إلى المسجد لإشهار الزواج تحول الي رجل آخر عند وصول نتيجة تحليل النسب (DNA) فوصولها في هذا التوقيت غيّر مجرى الأحداث. فبعد قراءتها، تبدد حماسه وإزداد غضبه وسخطه فقرر تغيير ملابسه إلى ثياب فاخرة، مما يعكس تحوله النفسي ورغبته في إظهار موقف مختلف تماما عنه ...جلس أمام المرآه يتأمل حاله قليلا ثم نظر الي ساعته وأدرك تأخيره فقرر أن ينطلق برفقة أخيه ورؤوف وكبار العائلة إلى المسجد لإشهار الزواج.
شعر الاثنان بالراحة لظهورة أخيرا ولوصولهم إلى ساحه المسجد الشاسعه، لكن استغربا من حالة الغضب والسخط التي كانت واضحة على وجهه . تبادلا النظرات، متسائلين عن سبب هذا الغضب، خاصةً أن اليوم هو زواجه والذي كان من المفترض أن يشعر به بالسعادة والاطمئنان ، ولكن مع الأسف لا أحد يعلم النار المشتعله داخل صدرة غيره هو .
كان الجميع في انتظار آدم، لكن تأخره وعدم رده علي هاتفه أثار القلق في النفوس ولكن بعد مرور الوقت دون حضوره، قرر جدها المضي قدمًا في إجراءات الإشهار بدونه، مما يعكس التزامهم بالتقاليد ورغبتهم في إتمام الزواج رغم العقبات والجمع بين العائلتين في خير .
بعد أن قاد الشيخ خطبة عقد القران، تمت مراسم الزواج بإتمام الإيجاب والقبول بين الولي والزوج، وفقًا للصيغة الشرعية المتعارف عليها بالصعيد ، و عند إعلان الزواج، ارتفعت الزغاريد من النساء، معلنةً الفرح والسرور، وملأت الأجواء بالبهجة والسعاده .
كانت داليدا تقف بالخارج تحاول الاتصال بآدم الا إنها دخلت مسرعةً تركض من الفرحه عند انتهاء مراسم عقد القران التي كانت تعلو من مأذنه المسجد فقامت هي والنساء بإطلاق الزغاريد التي ملأت المكان بالفرح، كانت تلهث من الركض،تحاول الوصول لصديقتها لتبشرها بانتهاء المأساة وإتمام الزواج أخيرًا
داليدا : مبروووك يا أحلي عروسه في صعيد بر مصركلها
هكذا تحدثت داليدا بسعاده بالغه ، بل لم تكتفي بالحديث وأخذت تتراقص معها كالبلهاء وأمسكت بيد ورد تحثها علي الرقص هي الاخري علي إحدي الأغاني الشعبيه التراثيه بالصعيد .
داليدا : كتبوا كتابك يا نقاوة عيني .
دمعت عين ميلا عندما تذكرت والدتها وأردفت بحزن
ميلا : إيه خلاص ...يعني كتبوا الكتاب وخلاص . وبقيت مرات الكائن اللي إسمه يمان ده .
عانقتها ورد لتحاول تخفيف من حده حزنها وفرحتها المنقوصه وأردفت بحنان بالغ
ورد : له يا بتي ، اسمها خلاص بقيتي مدام ميليا الفهد يا حبيبتي وخلاص ماتخافيش من اللي حوصل ...مبروك يا قلبي .افرحي ده اليوم يومك...والليله ليلتك .
أمسكت داليدا يدها وإقتربت من الفراش وتناولت الهاتف وقامت بتشغيل إحدي الأغاني المحببه لقلبيهما وصرخت بهم .
داليدا : لا والله ماهسمحلكم تعيطوا النهارده وحياه ابوكي يا ميلا بقا تفردي وشك اللي كرمش وبقا عامل زي فرده الشراب المقلوبه ده وتقومي تهزيلك هزتين كده وافرحي إنتوا ايه مابتعرفوش تفرحوا أبدا .
إبتسمت ميلا علي حماس صديقتها وشعرت براحة كبيرة تملأ صدرها و وضعت يدها على قلبها ، مطمئنةً بعد القلق الذي كان يسيطر عليها.وعانقت ورد وداليدا بكل قوتها اللذان أخذا يدفعاها للرقص متجاهلين الدموع التي تملأ عينيها التي لا تعلم آهي من السعاده أم الخوف من القادم .
❈-❈-❈
أما عند يمان فعاد لدوار الفهد للاستعداد فاستعد كبار رجال العائلة في أبهى صورهم، ارتدوا جلابيبهم الفاخرة وكوفياتهم المذهبة، واصطفوا على جانبي موكب من السيارات الفارهة التي تعكس هيبة العائلة. كانت الأضواء تلمع على هياكل السيارات، وارتفعت أصوات الزغاريد، معلنة عن لحظة طال انتظارها منذ زمن بعيد .
قاد يمان الموكب ، جالسًا في سيارة سوداء فاخرة، وجهه صارم يحمل مزيجًا من الرهبه و الغضب أما يزن ورؤوف كانا بجواره، يتبادلان الأحاديث الجانبية بخفة لتلطيف الأجواء،بينما كان باقي الرجال يتبعوهم في موكب مهيب نحو دوار العمّارية.
رؤوف : الليله ليلتك يا عريس عالله ترفع راسنا بقا
نكزة يزن واردف بخفه
يزن : آه انا عاوز أخ ليزيد بعد تسع تشهر يا كبير مش هتنازل يكون في علمك.
ولكن علي عكس المتوقع لم يبادلهم يمان الحديث ولم ينظر لهم وظل صامتا حتي عندما اقتربوا من الدوار.
التفتا الرجلان لبعضهما بتساؤل عما يصيب هذا اليمان بينما علت أصوات الدفوف والمزامير، معلنة عن وصول رجال الفهد وموكبهم المهيب لاستلام عروسهم.
احتشد أهل النجع على الجانبين، يصفقون ويرددون الأغاني والتهاويد التقليدية التي تتغنى بالعروسين وبالعائلتين.
كان المشهد نابضًا بالحياة، مزيجًا من الأصالة والفخامة، حيث يلتقي التراث الصعيدي القديم بروح العصر من الزينه والاضائات استعدادًا لأخذ ميلا وإتمام مراسم الإشهار وباقي الاحتفال في دوار الفهد، كما تم التخطيط من قبل العائلتين .
وسط أجواء الاحتفال والأنوار المتلألئة، توقفت الأغاني والمزامير فجأة عندما تقدمت سياره أنيقه يقودها رجل طويل القامة، مهيب الطلعة،شهقت النساء عندما خرج منها بخطواته الواثقة ونظراته الحادة كالسيف. ها هو آدم الشمري قد ظهر، مرتديًا بذله سوداء أنيقة، مع ربطة عنق حريرية داكنة زادته وقارًا وهيبة. خطاه الثابتة تخترق الصمت الذي ساد المكان، والجميع يرمقه بإعجاب وترقب.
رمق يمان بنظرات غامضه ولم يلقي السلام بل تقدم نحو الداخل الي ميلا، التي كانت جالسة بين النساء، مرتدية ثوبها الأبيض البسيط ووجهها يشع توترًا ممزوجًا بالبهجة. مدّ يده نحوها وأشار لها أن تقف، ليصطحبها بنفسه إلى يمان.
رمقها بنظرات غاضبه لكن سرعان ما دمعت عينيه وتحولت الي نظرات حنونه فقبلها بجبهتها مردفا
آدم : رغم إني زعلان منك ومش قادر أبص في وشك الا إن لسه عند كلمتي ليكي ...إني ظهرك وسندك ومهما كنت غضبان فغلاوه إيف الله يرحمها تشفعلك عندي أي حاجه .
دمعه احراج نزفتها كالدماء أمامه ثم عانقته بأسف
ميلا : أنا آسفه يا خالي آسفه والله .بس إنت ماتعرفش اللي حصل ده حصل إزاي .
بادلها العناق وقال بصوت هسيس بجانب أذنها.
آدم : ومش عاوز أعرف لانه متأخر أوي يا قلب خالك .
هكذا قالها وهو ينظر بحدة نحو يمان، الذي كان يقف بجانب رجال عائلته منتظرا آدم ان يسلمه العروس . تبادل الرجلان نظرات تحدٍ لوهلة، لكن آدم ابتسم ابتسامة باردة وهو يكمل
آدم : بس ما تنسيش اللي قلت لك عليه ، واعرفي أني هكون زي ضلك في كل خطوة بعد النهارده .. علشان اللي هيمسك بالميه هرشه بالنار.
تراجعت ميلا خائفه بقلق
ميلا :تقصد إيه يا خالي ؟
مسد آدم علي يدها ولم يرد فتقدمت هي بخطوات مترددة، وضعت يدها في يد خالها الذي قادها نحو يمان، وأمام الجميع، سلمها له، قائلاً بصوت مفعم برساله تحذير ليمان .
آدم : أوعي تفكر أنها خلصت هنا يابن الفهد دي لسه بتبتدي .
كان الغضب يسيطر علي يمان وكان سيرد علي آدم ولكنه عندما رفع غطاء الرأس الأبيض عن العروس انعقد لسانه
كانت ميلا في تلك الليلة أشبه بزهرة نادرة، تنبض بالجمال والرقة. شعرها الاشقر اللامع كان مسدولاً على كتفيها كالشلال الذهبي، ينساب بنعومة ويعكس الضوء برقة تليق بملامحها الفاتنة. عيناها الزرقاوان تشعان كالألماس الازرق النادر ، تتناغمان مع احمرار خفيف على خديها يعكس حياءها ورقتها.
برغم انها إرتدت فستانً والدتها البسيط ، لكنه كان في غاية الأناقة والرقه والرقي ، كان مصنوعًا من الدانتيل الناعم والحرير الأبيض، ينسدل برقة على جسدها ليمنحها مظهر أميرة خرجت لتوها من كتاب خيالي ، كان تصميمه الكلاسيكي ذو الأكمام الطويلة والعقدة البسيطة عند الخصر جعلها تبدو كأنها تجسد الحلم ذاته، وكأن كل تفصيلة تعلن عن ذوقها الهادئ والجذاب.
ظل شاردا مأخوذا بجمالها الفتان الي أن أعاده الي وعيه همهمات الرجال ونظراتهم لها تلك النظرات لم تمر دون أن تترك أثرها عليه وهو الذي كان يقف بجانبها بوله لاحظ بحدة أعين الرجال التي لم تفارقها، يلتهمون تفاصيلها بنظرات الإعجاب المفرطة. قبض يده علي يدها بغير إرادة، يشعر بغضب مكتوم يكاد ينفجر فيها بأي لحظه وفي آدم الذي هدده بوجهه منذ لحظات قليله .
انحنى نحوها قليلاً وهمس في أذنها بصوت منخفض مليء بالغيرة
يمان : يالله علي العربيه علشان انا ممكن أصور قتيل في عيلتكم دلوقتي وبدل الطار الواحد يبقوا إثنين.
لم تفهم ميلا مقصده ولكنها اومأت له بخجل مصطنع وهي تنظر لخالها تستأذنه، ثم أخفضت عينيها الجميلتين وانطلقت خلفه ، فيما يمان كان يلتفت بين الحضور بنظرات تحذيرية، كأنه يحذر الجميع بأن هذه الأميرة أصبحت تخصه وحده، ولن يسمح لأحد حتى بالتفكير في الاقتراب منها .
كان المشهد مليئًا بالتوتر والكبرياء، فيما علت الزغاريد من جديد، وأخذ الجمع يصفق بحرارة، بينما يمان أمسك بيد ميلا بحزم، وفتح لها باب السياره وكأنه يخبر الجميع بصمت أنها الآن له و مصيرها الآن بين يديه.
❈-❈-❈
انطلقت السيارة الفاخرة التي تقل ميلا ويمان بعد انتهاء مراسم الزفاف. كانت الأجواء في الخارج مليئة بالفرح والزغاريد، لكن داخل السيارة كان الجو مشحونًا بالتوتر والهدوء الثقيل.
خرج آدم من الدوار مسرعًا، خطواته تطرق الأرض بعصبية واضحة، وعيناه تبتعدان عن وجه داليدا وكأن النظر إليها سيكسر حصونه التي بناها حول قلبه. حاولت أن تستوقفه، أن تُمسك بذراعه، لكنّه حرر نفسه سريعًا، كمن يخشى أن تفضحه رعشة أو تنهيدة تصدر عنه دون إرادة منه .
وقفت داليدا في مكانها، عيناها تتبعه بدمعة محبوسة، ثم ابتسمت بسخرية مريرة وهي تهمس لنفسها
داليدا : ماشي آدم لما أشوف آخرتها ايه معاك
وقفت خلفها ورد تؤازرها وتحثها علي الذهاب
ورد: ده أكيد لساته غضبان من ميلا… مش شايفاه ماطايقش حاله كيف ؟
أمائت لها داليدا بصمت وهي تمشي للأمام
ولكن في أعماقها كانت تعلم… أن هروبه لم يكن فقط غضبًا، بل خوفًا من أن يضعف أمامها وأنه يخفي شيئا كما اعتاد معها دائمًا.
جلست ميلا بجانب يمان، تحاول أن تبدو هادئة، لكنها لم تستطع منع يديها من اللعب بطرف فستانها الأبيض. كانت نظراتها مثبتة على النافذة، تتجنب لقاء عينيه، بينما كان يمان يراقبها بصمت، وجهه متجهم وكأنه يحاول كبح ما يعتمل في داخله.
بعد لحظات من الصمت، انحنى يمان قليلاً نحوها، صوته منخفض ولكنه مشحون بالغضب المكبوت.
يمان : ما قولتليش ليه ..ليه خبيتي كل الوقت ده انك حامل .
نظرت إليه أخيرًا، عيناها الواسعتان تعكسان مزيجًا من الحيرة والقلق. همست بصوت بالكاد يُسمع.
ميلا : إنت عارف أنا خبيت ليه إنت قلت انك مش عاوز أطفال..وأنا قلت اعفيك واعفي نفسي من الحرج .
أشار بيده بنفاد صبر، وكأن كل كلمة كانت تثقل عليه.
يمان :حرج ايه وهبل ايه علي الاقل كنت ساعدتك تتخلصي منه وماكناش وصلنا للقرف للي إحنا فيه ده .
طعنه أصابت قلبها حيث شعرت ميلا بصرخات دقات قلبها تستغيث من قسوته و من نبرة صوته وحديثه ،شعرت بأنفاسها تتلاشي ، لكنها قررت تحديه والتحدث بهدوء وكبرياء .
ميلا : وهو ربنا خلصك منه علشان مارضلوش أن يكون له أب زيك .
نظر لها بغضب وجحظت عينيه عندما شعر بالعجز من حديثها فتراجع في مقعده، ينظر أمامه بشرود للحظات، قبل أن يلتفت إليها مجددًا. صوته كان أقل حدة هذه المرة.
يمان : جهزي نفسك علشان هنسافر علطول للقاهرة بعد الفرح كفايه تمثيل وقرف لحد كده .
ارتعشت ميلا من كلماته، وبدأت تشعر أنها تختنق وأن
الكلمات تتلاشى في حلقها وقد إختفت فرحه عينيها وحل محلها الحزن العميق .
ساد الصمت مرة أخرى، لكنه كان مختلفًا هذه المرة. توترٌ وغضب امتزجا بإنتقام واضح ، وكأنهما اتخذا خطوة جديدة وتوسعت الفجوه بينهم من الابتعاد رغم هذا الزواج المزعوم.
وصل موكب الزفاف إلى دوار عائلة الفهد، حيث كانت الأضواء تضيء المكان بشكل مبهر، وزينت الساحة بالورود والديكورات الفاخرة. ترجل يمان وميلا من السيارة، يدها تتشابك مع يده، في خطوة بدت وكأنها إعلان عن اتحادهما أمام الجميع.
حين وقفت ميلا وسط عائلة يمان، بدأت نظرات الانبهار تتوجه نحوها، وخاصة من نساء العائلة اللواتي لم يستطعن كتمان إعجابهن بجمالها اللافت خاصه بعدما ازالت طرحه الوجه وظهره وجهها الابيض كالبدر ليله التمام .
_ يا حلاوه ياولاد هي دي بت الخوجايه ما شاء الله... دي كيف القمر ، شبه بتوع السيما اللي بنشوفهم في التلفزيون قالتها إحدى قريبات يمان بابتسامة واسعة..لينظر لها الجميع بإعجاب .
فنظر لها يمان بتعجب وهي تضرب زوجها بخفه الذي أثني علي حسنها هو الآخر وأردف
_ يانصيبك الحلو وحظك الزين يا يمان يا واد عمي كيف قدرت تخطف القمر دي ، اهي دي اللي ينضرب بجمالها المثل صح ، عود فرنساوي بصحيح ، آهي دي الحريم ولا بلاش ؟ حريم تطول العمر مش تقصره .
هكذا أضاف بابتسامة ماكرة، فارتفعت ضحكات خفيفة من الحاضرين.بينما ظل يمان يغلي من الخارج كالمرجل الذي علي وشك الانفجار .
ورغم كلمات الثناء التي كانت تمطر ميلا، كانت هي تشعر بخوف بداخلها من القادم .فكلما رأت نظرات الرجال وابتساماتهم المليئة بالإعجاب لها نظرت الي يمان وأنزعاجه ، وأيقنت انها لن تفلت من تحت يده وأنها سينتظرها معه أياما سيتقاتلا معا بها .أما هو فكأن كل كلمة تعبير عن جمال ميلا كانت تخدش كبرياءه فتوعد لها بالمزيد وأكتفي بالصمت.
اقترب منه أحد أعمامه وهو الحاج عزام عندما رأي نظرات الغيره بعينيه فحاول تهدئته من ناحيه هذه اليتيمه وقال له ناصحا
عزام : مبروك عليك يا ولدي البنته زينه وباين عليها انها بنت أصول وغلبانه ، دخلها حدي الحريم لأحسن الرجال إهنه ناقصين .وبيبصولها بصات تقيله إنت خابرها ، كانهم هياكلوها بعنيهم .وآني همشي الناس اللي بره وهتحجج بموت الخوجايه والدتها وهقولهم الليله خلصت لحد إكده.
أشار يمان الي عمه بالموافقه واتجه اليها ضاغطا على فكّه، وأمسك بيدها بغضب ، ما جعلها تنظر إليه بارتباك. شعرت بالتوتر في ملامحه، لكنه حاول أن يخفيه وهو يرد بابتسامة مشدودة.
يمان :ادخلي جوه عند الحريم .وأنا شويه وهحصلك .
شعرت بالغرابة من نبرة صوته التي تملأها الغيره ، لكنها ابتسمت بحياء للنساء اللواتي أتين ليصطحبنها للداخل والتي لم يخلو حديثهم من مدحها . ومع كل كلمة مدح تُقال، كان يمان يشد قبضته قليلاً وكأنه يحاول السيطرة على غيرته حتي من النساء .
حين اختلى بها للحظة بعيدة عن أعين الحاضرين، مال نحوها وهمس : الطرحه ما تتشالش من عليكي طول مانتي جوه .مفهوم؟؟
شعرت ميلا بغيرته الصريحه المفضوحه فضحكت بخفة وقالت
ميلا :ليه مش عاوزهم يشوفوني انا مش مشوهه علشان اتخنق بالطرحه طول الليل .
ردّ عليها بابتسامة مصطنعه مليئة بالغرور.
يمان : لا ...مش علشان مشوهه بس علشان دي تقاليد الصعيد هنا .واكيد انتي ماعندكيش علم بيها .
لم يكمل حديثه ونظر إلي أخيه بتساؤل عندما اقتربت سيارة زفاف أخري فاخرة، لامعة وكأنها تحفة ثمينة تشق طريقها وسط الحضور. الجميع وقفوا في دهشة يغلبهم طبعهم في التعرف علي هذا الدخيل وكانت الصدمه عندما رأوا من يخرج من السيارة.
❈-❈-❈
كان آدم بطلته الأنيقة، ينزل بخطوات واثقة ومظهر مهيب، يلفت الأنظار بقوته وحضوره الطاغي. لكن المفاجأة الكبرى كانت في مرافقيه. خرجت أميرة، ابنة عم يمان وابنه عائله الفهد ، بفستان زفاف أنيق لافت، تضع يدها على ذراع آدم وكأنها ملكة الحفل. خلفها كانت عزة المصري، متألقة بنظرة انتصار لا تخطئها العين، وكأنها جاءت لتعلن عن انتقامها المدروس لجميع عائله الفهد وأولهم يمان الذي رفض أن يتزوج من ابنتها من قبل .وقاسمها بإرثها من زوجها .
ساد الصمت فجأة، وكأن الجميع قد توقف عن التنفس. نظرات الدهشة والخوف بدأت تعلو وجوه الحاضرين، والهمسات بدأت تدور في الأرجاء.
وقف يمان بجوار ميلا، مشدود الأعصاب، عروقه بارزة والغضب يتصاعد في عينيه. قبضته اشتدت على يد ميلا، التي شعرت بحجم التوتر لكنه لم يترك لها مجالًا للسؤال.
تقدم آدم بخطواته الثابتة نحو الجميع، نظراته مليئة بالتحدي. بادر بالتحية، لكنه وجه حديثه نحو الحضور بشكل عام، متجاهلاً يمان تمامًا، مما زاد الوضع توترًا.
آدم : مساء الخير يا جماعه إحنا قلنا بدل ما يبقي فرح واحد يبقي فرحين علشا كده كتبت كتابي علي بنتكم أميره الفهد واتجوزتها النهارده .
لكن يمان لم يستطع كتمان غليانه. رفع رأسه وجري إليه بعيون متقده ولكمه في وجهه بغضب .
يمان :ده علي أساس أنها مالهاش رجاله تبلغهم بقراركم .يابن ال...... .
تدخل الكبار سريعًا لمحاولة تهدئة الوضع، لكن عزة المصري استغلت الفرصة وأضافت بنبرة ملغومة.
عزة : سيبه يا يمان مش كده ، إنتم اللي ابتديتوا ، وزي مانتم نسيتم ان لها ام وخطبتوهاله قبل كده ....فأانا نفذت قرارقكم آهو وجوزتهاله وزي ما قال آدم بيه بدل الفرحه تبقي اتنين.زعلانين ليه بقا .
كانت ميلا تمسك بيد ورد التي تساندها ، لكنها شعرت بأن أعصابها على وشك الانفجار بسبب ما يحدث
الموقف بدا وكأنه قنبلة موقوتة وانفجرت بالجميع والان الكل يترقب ما سيحدث بعد هذه اللحظة المتوترة ولكن ميلا لم تنتظر وجرت بإتجاه صديقتها التي كانت علي وشك الانهيار وهي تشاهد دراما المشهد الخرافي الذي ألفه وأخرجه آدم ببراعه .
ففي زاوية بعيدة عن الحشد ، إنزوت داليدا تقف بمفردها، تنظر بذهول نحو آدم الذي كان يسير بجانب أميرة بخطوات واثقة، وكأنه يتعمد إظهار تفاخره بزواجه منها بينما عزة المصري كانت تتبعهم بنظرات مفعمة بالغرور، وكلماتها لا تتوقف عن التباهي بما حدث وكأنها وجدت الكنز ضالتها.
شعرت داليدا بأن الأرض تهتز تحت قدميها، وأن الهواء من حولها أصبح ثقيلًا كالصخور. كلمات عزة وتباهيها بهذا الزواج كانت كسكاكين تمزق قلبها، وأميرة العروس المغرورة ، بملابسها الباهظة وحركاتها المتعجرفة، كانت تزيد من ألمها.
فقط كانت الدموع قد بدأت تتجمع في عينيها، لكن ورد وميلا كانتا تراقبان كل شيء عن قرب ، تقدمتا تجاهها بخطوات حذرة نظرا لحساسيه الموقف ،فأمسكا بيد داليدا بحنان وهمست لها ورد
ورد : تعالي معايا يا بتي يالله نرجع الدوار . الفرح اكده خلص إهنه خلاص .
ميلا :روحي معاها يا داليدا ..بلاش تخلي حد يشمت فيكي ويشوف ضعفك .حتي لو كان خالي نفسه ...إنتي أقوي من كده.
شعرت داليدا ببعض القوة وهي تنظر إلى صديقتيها اللتان تدعمانها بصدق و رغم كل الألم الذي يعتصر قلبها، وجدت في وجودهم سندًا لها .
فإرتدت وجهها الصلب ولم تدع الموقف يؤثر عليها .
فرفعت رأسها أخيرًا، وقالت بصوت هادئ لكنه مفعم بالتحدي
داليدا : واسيبك لوحدك في يوم زي ده ، دا أنا لو بموت مش همشي من هنا غير لما اطمن عليكي وأفرح بيكي يا حبيبتي .
مسدت ميلا علي ظهر صديقتها مترجيه إياها.
ميلا : ارجوكي يا داليدا بلاش مقاوحه. معظم الناس هنا كانوا عارفين بعلاقتك بخالي .
مسدت داليدا علي يدها برفق وأردفت
داليدا :إحنا مافيش حاجه ما بينا ، ما تخافيش عليا يا ميلا أنا أدها وأن كان هو داس علي قلبي.... وحياه الحب اللي حبتهوله لادوس علي كرامته وأدام الكل اللي أهني قدامهم .
بينما كانت الأجواء مشحونة بالتوتر بعد مواجهة آدم ويمان تقدم كبار رجال العائلة بخطوات واثقة نحو عزة المصري. كانوا قد شاهدوا كل ما حدث، واستفزهم غرورها وتصرفاتها المتعالية فرمقها الحاج عزام بنظرات صارمه وأردف.
يحيي: طول عمرك عودك اعوج وياما حذرت المرحوم منيكي وكنتي كتير سبب الخراب في العيله كلياتها يا بت المصري .
حاولت عزة أن تتماسك، لكنها شعرت بالارتباك تحت أنظارهم، فقالت بتوتر
عزة : الله يسامحك يا حاج يحيي دة جزاتي برده اني كنت بنفذ قرارتكم .
قاطعتها واحدة من كبيرات العائلة بلهجة مفعمة بالعتاب
_ وإحنا كنا هنطلعها من بيت أبوها مرفوعه الراس كيف بت العماريه بدل قله القيمه والمقام اللي عملتيهم ده يا بت المصراوة.حطيتي راسنا كلياتنا في الطين . بس هي عادتك ولا هتشتريها .
لم تقبل عزه الاهانه وردتها فورا
عزه : أنا نسبت آدم الشمري اللي انتم خطبتوه لبنتي مش حد من الشارع يا ست رابحه والكلام بعد كده هيبقي معاه لانه خلاص بقا جوزها رسمي .
أدركت عزة أن الموقف أصبح أكبر منها، وأن كل محاولاتها للتبرير لن تجدي نفعًا. فوقفت صامتة، تحاول كتم انزعاجها بينما كانت كلماتهم كالسياط التي تذكرها بأنها تجاوزت كل الحدود لرجال الصعيد وخاصه لرجال من عائله مرموقه كعائله الفهد .
بينما اجتمع كبار عائلة الفهد بعد الأحداث المتوترة التي شهدها الجميع وكان الغضب والسخط واضحين في الأجواء. جلس الجميع في قاعة المجلس الكبيرة، حيث حاول الحاج عزام تهدئة النفوس وإعادة الأمور إلى نصابها.
عزام : بص يا ولدي أنا ما خبرش ليه عيملت فينا إكده وأني متوكد ان ليك أسبابك .
بعد هذه الكلمات نظرا آدم الي يمان بتحدي واضح أمام الجميع مما اكد حديث الحاج عزام فأردف مكملا .
عزام : إحنا هنعتبر اللي حوصل اليوم إشهار علي خطوبتك منيها وبتنا هتنام في حضننا لحين تمام الزفاف اللي يليق بيها وبينا .
أومأ الجميع بالموافقة، وأضطر آدم الي الرضوخ لهذا الكهل العاقل ، لكن توتر الأجواء كان واضحًا. لم يكن الجميع راضيًا عن الطريقة التي تمت بها الأمور، خاصة يمان، الذي جلس في زاوية المجلس محاولًا كبح غضبه عن قتل هذا الادم الذي تخطي كل حدوده المسموح بها .
تحدثت عزه ، التي شعرت بأن الأمور بدأت تفلت من سيطرتها، قالت بلهجة ساخرة تحاول أن تلملم ما تبقي من شتات كرامتها.
عزة : طب آدام الإشهار تم هنا ، يبقي نعمل الفرح في القاهره في أكبر الفنادق هناك طالما انتم حابين تعملوا فرح يليق ببنت عيله الفهد بعيد عن النجع وقرفه وكلام الناس اللي لا بيودي ولا يجيب. .
نظر يمان إليها بحدة متوعدا بينما آدم قاطع الحديث بصوت هادئ لكنه حازم
آدم : طالما بنتكم بقت مراتي ما يهمنيش اللي يحصل بعد كده وما فيش فرح هيتعمل.
لم يكن يمان قادرًا على الصمت أكثر، فقال بحدة
يمان : أوعي تفكر انك علشان حطتنا تحت أمر واقع يبقي هنسيبك تشتري وتبيع في بنتنا ..حط ده في دماغك .دي بنت عيله الفهد .
رد عليه الحاج عزام بحزم
عزام : بكفياك يمان يا ولدي ، إحنا إهنه علشان نصلح الأمور مش عشان نعقدها وهما كانوا مخطوبين من الاساس ، فخلاص يبقي الأسبوع الجاي في مصر نتمم الليله الكبيره وسط أهل آدم بيه علي الضيق إكده وكل واحد يروح لحاله ويقعد في المطرح اللي يريحه.
كانت النظرات المتبادلة بين الجميع مليئة بالرسائل الخفية، والقرارات التي اتخذت في ذلك المجلس لم تكن سوى بداية لجولة جديدة من المواجهات والصراعات داخل عائلة الفهد.
جلسا ميلا وورد يواسيان داليدا في الحديقة الخلفية لدوار الفهد حتي إنتهاء المناوشات بهدوء مصطنع فالجميع يغلي علي نار هادئه .
كانت داليدا ترتدي ثوبًا راقيا وأنيقًا، وشعرها متدفق كالشلال علي عكس حالها المعتاد ، فهي أرادت ان تتجمل اليوم وتكون بأجمل طله لها من اجله هو فقط آدم ، توقعت ان يثني عليها ، يمازحها ، يشاكثها ولكنها لم تتوقع خيانته ، فبينما ترتدي وتتأنق له ذهب وتزوج غيرها ، وبدون حياء يتباهي بزواجه أمامها وأمام الجميع .
فبينما ملامحها توحي بثبات خارجي لكنها في الحقيقة كانت تغلي كالمرجل من الداخل. قررت أن الانتقام من آدم لن يكون بالصراخ أو المواجهة، بل بالتجاهل الذي يمزق كبرياءه.
❈-❈-❈
بعد الانتهاء من المجلس وتحديد موعد زفاف آدم وأميره دخل آدم الي مدخل الحديقة ليدخن سيجارته ويزيل كومه الغضب في داخله ، ولكن سرعان ما وقعت عيناه عليها. كان يعلم أنها غاضبة منه بعد زواجه المفاجئ من أميرة وأنه لابد ان يبرر لها ، لكنه لم يتوقع أن يكون رد فعلها بهذا البرود.ألن تثور ، الن تغضب، ألن تطالب بأحقيتها به ، تقدم بخطوات ثابتة اليها ، لكن قلبه كان ينبض بعنف من رؤية تجاهلها المتعمد.
آدم : داليدا!....
هكذا ناداها بصوت قوي، لكنه لم يتلق أي رد.
كانت تتصنع الانشغال بالحديث مع ورد ، وكأن صوته لم يصل إلى مسامعها. زاد ذلك من استفزازه.
اقترب أكثر ونظر بمقلتيها الواسعتين وما زاد من غضبه هو إبتسامتها المشرقه وسخريه حديثها .
داليدا : الف الف مبروك يا آدم بيه فرحتلك من كل قلبي والله ولولا موت طنط إيف كنت إتحزمت و رقصتلك علي واحده ونص .
حاول الإمساك بيدها لكنها سحبتها بسرعة، ونظرت إليه بحدة
داليدت : إياك تحاول تعملها تاني لانك ساعتها مش هتتوقع انا هعمل فيك ايه .وإنت مجرب غضبي وعارفه .
إستدارت تاركةً إياه في حالة من الصدمة والعجز. كان يشعر أن تجاهلها أقسى أنواع الانتقام، فقد كان معتادًا على مواجهتها وإثارتها، لكنه الآن يواجه صمتها الموجع وبرودها الذي يفتك بكيانه.
نظر آدم من حوله وجد حاله وحيدا حيث غادر الجميع فإتجه نحو إحدي الحرس يسأل عن مكان وجود ميلا ليطمئنها بوجوده ولكن كانت الفاجعه .
❈-❈-❈
لمح يمان ميلا تدخل الي الداخل لتطلب كوب ماء لصديقتها داليدا التي تدعي القوه ، عندما رآها يمان فجذبها بقوه وجرها خلفه بقسوه ثم دخل إلى جناحه في دوار الفهد، مغلقًا الباب خلفه بقوة،و بينما كانت ميلا تقف في منتصف الغرفة، ما زالت تحاول استيعاب كل ما حدث. لم تمضِ سوى لحظات على وصولهم إلى بيت الزوجية، لكنه لم يمنحها حتى فرصة لالتقاط أنفاسها. التفت إليها، عيناه تشتعلان بالغضب، وكأنها هي السبب في كل ما حدث.
يمان : عجبك اللي خالك عمله ده صح ، كنتي عارفه هو بيخطط لايه وسكتي علشان تنتقمي مني .
قال بصوت منخفض لكنه كان يحمل من الغضب ما يكفي لإشعال المكان وهو يمسك كتفها بقوه ويهزها بعنف
يمان : خالك مفكر انه هيقدر يحميكي مني . بس انا هوريه إزاي يلعب مع ولاد الفهد .
كادت ميلا أن تفتح فمها لتنطق بشيء، لكن نظراته جعلتها تتراجع. لم يكن غاضبًا فقط، بل كان يشعر بالخيانة، وكأنها كانت شريكة في هذه المؤامرة دون أن تدرك .
يمان :كنتي عارفه صح ؟ردي عليا ؟
دمعت عيناها وهي تهز رأسها، لا تصدق كيف يُحمّلها مسؤولية شيء لم يكن لها يد فيه.
ميلا :إنت بتقول ايه ..إنت واعي للي بتقوله .أكيد ما اعرفش ولو كنت اعرف اكيد كنت همنعه.
لكنه لم يكن في مزاج يسمح له بالاستماع، مرر يده في شعره بغضب قبل أن يقول بصوت بارد
يمان : مش مهم ....بس لو هو مفكر انه انتقم بطريقته الرخيصه دي فأنا هخليه يفكر ألف مرة انو بس وقف قصادي تاني .
ثم امسك رسغها ، جاررا إياها خارج الغرفة بل خارج الدوار بأكمله ، والدموع تتلألأ في عينيها، تدرك أنها دخلت إلى عالم يمان حيث لا مجال للخطأ، ولا مكان للهروب.
حاولت ميلا الفرار من بين رسغيه ولكنه كان الاقوي
ميلا :براحه وسيب إيدي أرجوك .. إنت واخدني علي فين ؟
كان الليل قد أسدل ستاره على المقابر، حيث تتراقص أضواء المصابيح الخافتة على شواهد القبور كأشباح من الماضي.
وقفت ميلا تلتقط أنفاسها، تحاول الفرار، عيناها دامعتان ويديها ترتجفان، لكن يمان لم يكن ليرحم... كان وراءها كظلٍّ لا يفارقها، أقوى منها وأسرع.
أمسك بذراعها وجذبها بقسوة، وساقها حتى وقف بها أمام قبر والدها، ثبّتها في مكانها كأنما يريد لها أن تواجه ماضيها كما تواجهه الآن.
فأردف يمان بصوت مشحون بالغضب والتهديد.
يمام : فتحي عينك وبُصي هنا كويس! ده قبر أبوكي... فاكرة هو كان عامل إزاي؟ كان فاكر نفسه أذكى من الكل... بس في الآخر سابك ليا وراح...علشان انا اللي آخد روحك من بعده .
كاتت ميلا تصرخ، وتحاول الإفلات من بيديه ولكن هيهات لهذا المتجبر قاسي القلب .
ميلا : أرجوك سيبني يا يمان! إنت بتخوفني! سيبني أروح أرجوك أنا بخاف من المقابر .
بدأ يضغط على ذراعها ويقرب وجهه من وجهها ويردف بفحيح.
يمان : أنا مش بخوّفك يابنت العماريه ، أنا بفوّقك! علشان لو ما سمعتيش كلامي ، ونفذتيه بالحرف هتلاقي نفسك هنا مدفونه .. في نفس المكان اللي مدفونين أبوكي وأمك فيه دلوقتي علشان تونسيهم .
حاولت أن تدفعه، أن تهرب... لكنها لم تكد تخطو خطوة واحدة حتى أطبق على معصمها بيديه، سحب حزامًه الجلديً من عقال بنطاله وكبّل يديها أمامها بسرعة أربكتها. ارتجفت، عيناها امتلأتا ذعرًا، لكنها لم تصرخ... لم تستطع.
فأردفت بصوت منكسر ومرعوب
سهر : إنت مجنون... انت مش طبيعي...مش طبيعي .
بعينين يملأهما الألم والغضب أردف
يمان : أنا طبيعي جداً... بس إنتي وخالك اللي بتلعبوا معايا بالنار، وبتجبروا اللي قدامكم انه يتحول و يكون شيطان!
توقفت لحظة، نظرت إلى القبر، ثم إليه... وبدأت دموعها تنهمر في صمت، شعرت أن الضعف يغمرها كما يغمر الليل الأسود من حولها أما هو ، فقد شعر بقلبه يتنازع بين الغضب والندم، لكنه لم يتراجع… ليس بعد ، حاولت الرجوع للخلف ...فسقطت علي الارض فقيد قدمها هي الاخري و تركها وأخذ يحفر قبر والدها أمامها ، وعندما أدرك إنهيارها ووشوك فقدانها لوعيها تركها أمام القبر وإبتعد .
أخرج حافظه تبغه اللعينه وهو يضيق عينيه تارة وما بين
حاجبيه تارة أخري مثله كمثل الصقر الجارح الذي انقض لتوه علي فريسته وكانت له وجبه عشاء دسمه قد أصابته بالتخمه والسعادة ...فما كان منه الا أنه أطلق شهيق الخلاص و أخرج قداحته ثم أشعل إحدي سجائرة وهو ينظر للسماء ويبتسم بخبث طير جارح منتصر مستمتع بعذاب والالام طريدته و هو يسمع صرخاتها الخائفه المرتعبه وكأنه يسمع لاحدي اغاني الحب التي تطرب مسامعه والتي هي لمطربه المفضل الذي يستمع لاغانيه وقت الانتشاء والراحه....وها هو يمشي بخيلاء العظمه ذهابا وإيابا مستمتعا بجمال اللحظه الاثمه وكأنه يحتفل احتفال الفاتحين.
اقتحم آدم المقابر وكأنه اقتحم خلوته عندما رأى هيئته من بعيد... فهرع راكضا إليه بأقصي سرعه وقبل أن يتحدث أمسكه من تلابيبه بكل قوته وأخذ يصرخ به ويوبخه .
يزن :هي فين....إنطق .... عملت فيها إيه ...الغفير قالي انك جيبتها هنا غصب عنها ....وكان شكلها معيط وهي خارجه معاك .
أبعد يمان يده ثم دفعه للخلف ولكمه لكمه قويه أدمت أنفه ليقع أرضا علي أثرها .... هندم يمان ملابسه و رمي ما تبقي من سيجارته أسفل حذائه ثم سحقها بغرور وكأن الامر غير مهم ولا يعنيه ما حدث.... فأشار إليه بإصبعه للتحقير من أمره
يمان :وإنت مالك وجاي ورانا ليه هي خلاص بقت مراتي بتاعتي يعني ، واخدها الحته اللي أنا عاوزها بمزاجها او غصب عنها ومافيش حد في الدنيا هيقدر ياخدها مني ...لا أنت ولا غيرك .
استمع آدم الي صرخات مكتومه مثتغيثه وكأنها تخرج من إحدي القبور القريبه ليجن عقله ويفقد ما تبقي من رباطه جأشه وهو يلتفت حوله ويبحث عن مصدر الصوت ....فوقف بسرعه اقترب منه وما كاد أن ينهال عليه باللكمات الا وقد أمسكه إحدي الحرس ومنعه من ذلك ليحاول الفلات منه بكل قوته
آدم :إنت عملت إيه في بنت أختي يا واطي ....عملت إيه في مراتك يا **** جايبها المدافن النهارده بفستان فرحها ليه يا **** وديني لو جرالها حاجه لدفنك هنا وماهطلعك من هنا حي .
نظر له يمان بغضب وأشار إليه بسبابته وقد اقترب منه انفاسه الغاضبه وهو يمسكه من مقدمه قميصه .
يمان :مراتي ماتت من ٥ سنين وسعد أبوها هو اللي قتلها .واللي بتقول عليها مراتي دي اللي إنت بتقول عليها بنت أختك دي إنت كنت متبري منها من كام يوم علشان انا غلطت معاها ....فما تقلقش أنا كل اللي بيني وبينها مجرد حبر علي ورق ، ومادام إنت بدأتها إنتقام شوف هتخلص مني إزاي ، أنا كنت بصحح غلطه ولكن انت اثبتلي انها واحده ما تستحقش تآخد لقب مراتي .... وأنا هعرف كويس أخليك وأخليها تدفعوا تمن موت مراتي اللي أبوها كان السبب فيه وأنت تدفع ثمن عملتك النهارده أضعاف مضاعفة.
ركل آدم يمان بقدمه ليرجع قليلا للوراء
آدم :الحثاله دي تبقي إنت يا أبن **** أقسم بالله لهدفعك تمن كلامك ده غالي يابن ***** وقد أفلت حاله من الحارس ثم طرحه أرضا صريعا بعدما لوي عنقه ثم هرول الي هذا المغرور وأخذا يكيلا لبعضهما اللكمات دون توقف .
دخل يزن علي أصوات الشجار الدائر بينهم وأخذ يحاول أن يفك التشابك بينهما حتي إنه إستدعي باقي فريق الحراسه من الخارج لتساعده في تفريق هذه الثيران الهائجه .
آدم: هي فين انطق .....والا اقسم بالله لهقتلك وأدفنك جنب مراتك النهاردة.
وقف يزن بينهم يحاول التقاط الكلمات من فم يمان
يزن :أرجوك قلنا هي فين ، هي مالهاش ذنب في اللي حصل زمان .... أبوها قتل مراتك ...واخد جزائه هو كمان واتقتل ...لازمته إيه اللي بتعمله فيها دة ... هو مش انت اللي قلت إحنا مش مالناش في الطار والكلام الفاضي ده .
ليدفعه يمان بعيدا عنه ويردف
يمان: ذنبها انه يكون أبوها ....ابوها الخاين إبن *** وعلشان كدة جبتها هنا النهاردة علشان تعرف انها رايحاله ريحاله وإن أخرتها هتكون علي إيدي .
زأر آدم وأخرج سلاحه لولا الحارس الذي ابعده من يده
فأردف يزن بغضب
يزن :تقصد إيه بكلامك دة وهي فين يابني آدم إنت...أنت اتجننت ..تجيب مراتك ليله دخلتها هنا ...ما ترد علينا .
ضحك يمان ضحكه هيستيريه بغضب أسد ولم يرد عليهم
ليأمر يزن جميع الحرس بالبحث عنها بين القبور ولكن كانت الصدمه حيث أشار اليهم أحد الحرس الي قبور عائله العماري المجاورة لعائله الفهد
الحارس : آدم بيه ...مدام ميلا هنا .
ثم أشار إلي إحدي المقابر المفتوحه وقد كان مدفن أبيها الراحل
ليهرع يزن وآدم بأقصي سرعه لهما وقد أوقفوا الحرس من التقدم وامرهم الانتظار بالخارج من هول الصدمه .
يزن : إهدا يا آدم أرجوك وانا هتصرف انا هدخل أجيبها وإنشاء الله هتكون بخير .
يفتح يزن باب المدفن ليصدموا من رؤيتها ....حيث وجد ميلا في حاله يرثي لها ....فها هي الجميله الفاتنه سيدة الحسن .. الشقراء ذات العيون الزمرديه والملامح الطفوليه بفستان زفافها الرقيق والتي جعلت الجميع يغار من روعه طلتها الهادئه وجمالها الطبيعي الاخاذ ......والتي كان الجميع يحسد هذا المغرور منذ قليل فقط لامتلاكه جوهرة نادرة مثلها تمتلك من الاصل والحسن مالم يملكه أحد .... حيث كانوا يحقدون علي هذا الارمل الارعن عن حظه بزواجه بفتاه مثلها وبعمرها ....عليها من جمال لا عين رأت ولا أذن سمعت ....فها هي الان تجلس مكممه الفاه ...ومقيدة اليد والقدم تغلق عينيها بشدة من هول منظر القبر المفتوح أمامها والذي يحتوي علي كفن جثه والدها المتحلله .
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هالة زين، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية