-->

رواية جديدة بحر ثائر جـ2 لآية العربي - الفصل 34- السبت 27/9/2025

 

قراءة رواية بحر ثائر الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية بحر ثائر

الجزء الثاني 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل الرابع والثلاثون 


تم النشر السبت 

27/9/2025



الأيام الآن تحتضن خصومها ، توقّع معهم معاهدة سلامٍ مؤقتة ، فلا هي قاتمة ولا هي وردية على الدوام ، بل تتأرجح بين النور و الظلام ، حسب ما يخبئه القدر 

وسعيد الحظ هو فقط من صنع قاربه بنفسه وأتم استعداده لمواجهة العاصفة ، وجدّف بيدٍ من حبيب ويدٍ من عائلة ، حتى انتصر على أمواجٍ ابتلعت الكثيرين غيره من ذوي النفوس البائسة ، المندفعين ، المغرورين ،الذين ظنوا أن جبل الحظوظ سيعصمهم .( بقلم آية العربي) 



❈-❈-❈


بعد عدة أيام 


جلست ديما خلف مكتبها في المجلة تنتظر حضور أسما حيث قبلت الأخيرة دعوتها على الفور ، تخشى أن تستعمل سلطتها الأعلامية في التأثير عليها ، خاصةً وعلى ما يبدو أن أسما تتوقع أن تكون هذه مقابلة عمل مشترك بينهما والحقيقة غير ذلك  . 


دلفت أسما في كامل أناقتها كالعادة ، وقفت في المجلة أمام أحد المكاتب وأردفت بطريقتها الراقية  : 


- مساء الخير ، أنا الإعلامية أسما وحيد وعندي موعد مع الأستاذة ديما  . 


ابتسمت المحررة لها فهي تعرفها عن ظهر قلب ، بل وأسرعت تشير لها نحو المقعد قائلة  : 


- أهلًا وسهلًا يا أستاذة أسما ، اتفضلي حضرتك ارتاحي هنا وأنا هبلغ أستاذة ديما حالًا . 


ابتسمت أسما بلطف وجلست بالفعل لتلتقط المحررة سماعة الهاتف وتخبر ديما التي سمحت لها بالدخول على الفور  . 


أغلقت الهاتف والتفتت تقابلها بابتسامة وقالت برتابة  : 


- اتفضلي هي في انتظارك ، المكتب ع الشمال . 


أومأت أسما ونهضت تتحرك نحو المكتب لتجد ديما تقف على عتبة الباب تستقبلها بترحاب بدا وكأنهما يعرفان بعضهما منذ أمد . 


لاق استقبال ديما استحسان أسما التي شعرت بالألفة والود والسعادة خاصة مع ابتسامة ديما المشرقة وهي تدخلها وتغلق الباب خلفها  . 


لم ترد أن تجلسا حول المكتب بل أشارت لها نحو الأريكة قائلة  : 


- تعالي نقعد هنا علشان نبقى براحتنا أكتر  . 


اتجهت أسما معها بالفعل ولكنها بدأت تستشعر بذكاء أن الموضوع ليس مجرد عملًا مشتركًا ، بل اشتمت رائحة أحمد ذو الفقار لذا توترت قليلًا بعد حماسها وجلست تتطلع على ديما التي قابلتها تستطرد بترقب  : 


- تحبي تشربي إيه ؟ 


لوحت أسما بيدها شاكرة  : 


- لا شكرًا ولا أي حاجة ، أنا بس كان نفسي أقابلك من زمان واتكلم معاكي ، وفعلًا كنت بتمنى أعمل معاكي حوار صحفي خصوصًا بعد كتابك المُبهر ( رحلة قادها الأمل) ، أنا كـ ست بفرح جدًا لما بلاقي ست زيي بتنهض من تحت ركام تجربة مؤذية أو زواج فاشل ومش بتستسلم لأقوال المجتمع ولا بتخاف من نظرات البعض ليها ، خصوصًا لو ست استنفذت طاقتها وحاولت تصلح وماعرفتش ، بجد يا ديما أنا بحييكي على تجربتك اللي زرعت الأمل في طريق ستات كتير جدًا ، واسمحيلي اقولك يا ديما بدون ألقاب بس يمكن استقبالك ليا هو السبب في ده . 


ابتسمت ديما بل سعدت بحديثها كثيرًا ونظرت لها بامتنان تردف بأريحية كأنها مقربة منها  : 


- أه طبعًا بدون ألقاب يا أسما ، كلامك فرحني جدًا وطبعًا ليا الشرف أكون ضيفة إعلامية كبيرة وراقية زيك ، بس الأول خلينا نشرب حاجة وبعدين نتكلم ، فيه كلام كتير أوي هنتناقش فيه علشان كدة لازم نشرب عصير على الأقل ، ها بقى قوليلي تشربي إيه ؟ 


اومأت أسما ونطقت بتروٍ  : 


- تمام ، يبقى ليمون بالنعناع  . 


أومأت ديما ونهضت تتجه نحو مكتبها وترفع سماعة الهاتف لتطلب العصير ثم تعود لها لتتحدثا  . 



❈-❈-❈


تستعد بسمة للذهاب لشركتها اليوم ، يقف داغر يرتدي قميصًا سماوي اللون و بنطالًا كحليًا ويستعد هو أيضًا للذهاب لعمله بنزق ، يتطلع على بسمة التي تتجلى السعادة على ملامحها لينطق بغيظ  : 


- مبسوطة أوي ياختي إنك راجعة الشركة ، كأني كنت حابسك  . 


ابتسمت عليه حيث تلاحظ غيظه منذ استيقاظهما والتفتت تقابله وتتعلق برقبته متسائلة بغنجٍ ودلال  : 


- يا ســــــلام ؟ يعني إنت ماكنتش حابسني ؟ 


تحمحم وتوترت نظرته ليجيبها بمراوغة برغم يديه التي حاوطت خصرها في انتماءٍ محبب  : 


- محصلش ، ده المفروض ماحدش فينا يتحرك برا عتبة الباب ده لمدة شهر ، هو مش إحنا عرسان جداد ولا إيه يا عالم ! 


عبست ملامحها و لعبت في ياقته تهندمها متسائلة بترقب  : 


- وبعد الشهر ده هتسيبني عادي ؟ 


تسلطت عيناه على شفتيها ونطق قلبه قبل لسانه بهيامٍ قبل أن ينحني ويقطف ثمرته ويلتهمها في تلذذ  : 


- لاء، كنت هشوف حجة تانية  . 


قبلها وابتعد يزفر بقوة وتنهيدة معذبة ثم استرسل بالقليل من التعقل الذي ارتشفه من إرادتها وجديتها والكثير من المرح الذي يعد جزءًا أساسيًا من شخصيته  : 


- بس إن جيتي للحق ، إنتِ معاكي حق ، العمل عبادة بردو ، إحنا ندي لكل حاجة حقها ، بالنهار نعمل على تنمية العلاقات العامة للشركة ، أما بالليل بقى فده علاقات خاصة ومعقدة كمان ماحدش يعرف يحلها غير العبد لله اللي قدامك ده ، ماتجيبي بوسة كمان .


ابتسمت وأعطته ما يريد ثم ابتعدت تردف بجدية مغطاة بالدلال والنعومة  :


- ماهو طول ما العلاقات العامة والشغل ماشين كويس والعبد لله مش معطلهم هتبقى العلاقات الليلية حلوة ولذيذة ، ولا إيه يا دغورتي ؟


قضم أرنبة أنفها ونطق بهيمنة ناعمة يبوح بما لديه  : 


- بتهدديني يا بسمة هانم ؟ طب لما نشوف الأيام الجاية مين هيشتاق للتاني اكتر ، على الأقل انتِ بتعرفي تتابعي شغلك من البيت ، انما انا وصالح هنطحن اليومين الجايين علشان المصنع هيشتغل ، ويمكن نبات في الشغل كمان وتنامي في حضن منال ، وابقي وريني ساعتها بقى هتعملي إيه . 


قالها ليرى ردة فعلها ، وبالفعل قد تجلى عليها التعجب والضيق وابتعدت خطوة وسألته مستنكرة حيث لم تعد تطيق النوم بعيدًا عنه : 


- تبات في الشغل ؟ أكيد بتهزر يا داغر ، لاء طبعًا ماينفعش ، إحنا ماتفقناش على كدة . 


أحب تعلقها وحبها الظاهران في اعتراضها لذا هز منكبيه يردف مدعيًا قلة حيلته  : 


- هنعمل إيه بس يا بسوم ، إنتِ عارفة اللي فيها ، ولا انا ولا صالح هنآمن حد غيرنا يجرب المعدات و إنتاجها عامل إزاي ، بس سيبيها على الله وإن شاء الله نلاقي حل ، يالا تعالي ننزل  . 


قالها وسحبها معه وعلى محياه ارتسمت ابتسامة ماكرة ومستريحة في آنٍ ، فها هي تثبت له أنها لا تستطيع الابتعاد عنه لفترة طويلة ، بينما هي انشغل عقلها بكلماته وباتت حائرة هل بالفعل سيجبر على المبيت في المصنع الأيام المقبلة أم أنه يخدعها ليرى ردة فعلها ؟ وفي الحالتين هي لن تنكر أنها مُتعلقة به كثيرًا ، عاطفيًا ، وجسديًا ، ونفسيًا .


نزلا الدرج وكاد داغر أن يطرق باب والدته ولكنه تفاجأ بصالح ودينا يصعدان الدرج حيث جاء بها ليوصلها إلى والدتها قبل ذهابه للعمل  .


 انفرجت أسارير داغر وترك يد بسمة مؤقتًا وتحرك متلهفًا لعناق شقيقته التي بادلته باشتياقٍ مماثل ليردف بانزعاج مختلطٍ بالشوق والعاطفة  :


- وحشتيني يا أوزعة ، بقى كدة مافيش حتة رنة تطمني على داغر ؟ اخص ع التربية .


ضربته بقبضتها في ظهره بخفة ونطقت بعتابٍ مماثل وهي على وضعها  :


- وانت ماتنرش ليه عليا ؟ ولا هو خدوهم بالصوت .


ابتعد عنها يصفعها على مؤخرة رأسها بغيظ أخوي قائلًا  :


- يابت اعقلي بقى وبلاش المبرد اللي في لسانك ده ، ده منظر واحدة راجعة من العمرة .


ضحك صالح وتحرك يبادر بالسلام فأسرع داغر يضحك ويعانقه قائلًا باستفزاز  :


- الله يكون في عونك يا صالح .


نظرت له بغيظ وتحركت تسلم على بسمة التي قابلتها بترحاب لتردف بنبرة مماثلة  :


- عاملة إيه يا بسوم ؟ طمنيني عليكي بعد جوازك منه ؟  


ابتسمت بسمة ونظرت لداغر بتحدٍ ليردف صالح برتابة مرحة  : 


- ياخو هاي تربيتك الحلو إلك واللي مش حلو إلك ، بس أمانة أنا ما شفت منها غير كل خير ، هي الخير بذاته ، فوتتها على حياتي نورت الدنيا ، تسلم التربية  . 


أسرعت دينا تحتضن يد زوجها وتميل عليه ممتنة له ولكلماته . 


لم يتوقع داغر أن يسمع هذه الكلمات التي بدت بسيطة ولكنها سكنت خمائل قلبه ، خاصةً وأنها من رجلٍ مثل صالح عن شقيقته دينا المدللة ، لم يخب ظنه فيها ، لم تخذله ، بل أنه الآن شعر بتقصيره معها ، ربما استطاع صالح احتواءها بشكلٍ أفضل وعلى نطاقٍ أوسع حتى أبرز أجمل ما فيها  . 


ابتسم داغر ابتسامة نبعت من قلبه ونظر لشقيقته بفخرٍ ثم التفت يتطلع على بسمة ويمسك بكفها ويحتويها بحبٍ قائلًا بتأثر  : 


- مانورتش عندك لوحدك يا أبو الصُلح ، الحمد لله ربنا عوضنا . 


مد يده يطرق باب والدته وتساءل بتعجب  : 


- الحاجة منال لسة نايمة ولا إيه ؟ 


بالفعل كانت منال لا تزال نائمة حيث لم يعد هناك من تستيقظ مبكرًا لأجله ، ربما باتت تهرب بالنوم من وحدتها لذا فتحت بعد دقيقة تطالع ابنها بنعاسٍ ولم ترَ دينا بعد ولكن الأخيرة أسرعت تظهر أمامها وتردف باشتياق  : 


- وحشتيني يا ماما  . 


تفاجأت منال بها وأسرعت تعانقها باشتياقٍ وسعادة وسط ابتسامة صالح و بسمة وداغر الذي دفعهما قليلًا ليمر للداخل هو وزوجته  . 



❈-❈-❈


لم تبدأ ديما في حديثها عن أحمد بل تحدثتا عن أمورٍ عدة خاصة بمجالهما ، أخبرتها ديما عن رحلتها إلى فرنسا ومناظراتها مع ثائر وعن تجربتها مع الصحافة الفرنسية حتى اطمئنت أسما كثيرًا لذا.... 


تحمحمت ديما ونظرت لها بترقب تسترسل  : 


- أسما هو أنا ممكن اسألك سؤال شخصي شوية ؟ 


استشفت أسما مغزاها وابتسمت بتجمل تجيبها  : 


- اتفضلي  . 


انطلقت ديما بشكلٍ مباشر وعيناها تلتقط ردة فعلها  : 


- بخصوص أحمد  . 


رفزت أسما مطولًا ونطقت متسائلة بنبرة جادة  : 


- هو ده السبب من الزيارة دي ؟ 


حاوطها إيطار الحرج لذا ازدردت ريقها وأجابتها بصدق : 


- الحقيقة أيوة ، بس ده مايمنعش إني فعلًا كنت بتمنى اشوفك واتعرف عليكي ، واني مبسوطة جدًا بكلامنا مع بعض دلوقتي ، عايزة اقولك إني قليل لما بحس تجاه حد بالألفة والراحة وده حسيته معاكي دلوقتي ، كأني اعرفك من زمان جدًا ، وبتمنى إنك تفهميني وتسمعيني وماتحكميش حكم متسرع عليا . 


تنفست أسما بعمق واعتدلت في جلستها تضع راحتيها على تنورتها في رتابةٍ قائلة بنبرة باتت رسمية  : 


- اتفضلي يا ديما سمعاكي  . 


تقبلت ديما رسميتها ونطقت توضح  : 


- أول حاجة لازم تعرفي أن أحمد انفصل عن زوجته تمامًا وبلا عودة ، لأني واثقة من اللي سمعته عنك إنك مش هتقبلي بكل الأحوال تسمعيه وهو متجوز ، بس دلوقتي ممكن تديه فرصة وتسمعيه . 


وجدتها كما هي تستمع ولا يظهر عليها أي تعابير ولكن في قرارة نفسها تفكر وتتساءل عن سبب الانفصال ؟ ومتى ؟ وماذا خلفه ؟ 


تابعت ديما بتروٍ  : 


- أنا ماقدرش أضمنلك أي حاجة للأسف بس كل اللي ممكن اقولهولك إنك مش هتخسري حاجة لو قبلتي تقعدي معاه مرة تانية وتتكلمو ، اللي عرفته من أحمد إنه معجب بيكي من فترة طويلة ، وأحمد شخصية خجولة شوية ، بيحتاج حافز علشان يقدر يكمل ، المرة اللي قابلك فيها وانتي صدتيه هو محاولش تاني واحترم ده منك ، بس المرة دي هو محتاج فرصة . 


مازالت تتمتع بالصمت والتفكير لذا مدت ديما يدها تربت على كفها وتستطرد بهدوء  : 


- حاولي يا أسما تسمعيه ، وصدقيني أنا هكون معاكي وهشجعك في أي قرار تاخديه وتأكدي إني مش هتعامل معاكي بصفتي مرات أخو أحمد ، لا خالص ، أنا هتعامل من هنا ورايح بصفتي صديقتك ، ده لو تقبلي طبعًا . 


صمتت لهنيهة ثم تطلعت عليها لبرهة وابتسمت تجيبها بعد تفكير بنبرة خافتة متروية  : 


- تمام يا ديما ، أنا هقابله وهسمعه ، وطبعًا اتشرف إننا نبقى اصحاب أنا وانتِ ، بس عندي سؤال ، أحمد عنده أولاد قد إيه ؟ 


تنهدت ديما وتنهيدتها أوحت لأسما أن هناك خبايا كثيرة وصعابًا أكثر قبل أن تجيبها  : 


- عنده اتنين ، بنت وولد ، وأكيد لو فيه نصيب هتتعرفي عليهم  . 




❈-❈-❈


في مكانٍ ما 


وقف رشدي مجاورًا لثائر أمام سيارة الأول ، ينظر للبعيد ويفكر ، وثائر يقف متعجبًا من هذا اللقاء المفاجيء . 


تعجبًا ممتزجًا بالقلق والترقب ، يخشى أن تكون هناك مهمة جديدة يجب عليه البدء فيها وهو بالطبع لن يستطيع الرفض ، يتمنى ألا يكون الأمر متعلقًا بإرتوا لذا تساءل مضطرًا بعدما كان مقررًا ألا يسأل  : 


- موضوع سها وصل لفين ؟ 


زفر رشدي وصمت قليلًا ثم أجابه بهدوء وعيناه تتطلعان للأمام حيث يقفان على مرتفع يظهر تفاصيل المدينة  : 


- ماتسألش عن سها لإنها مطولة معانا ، لازم تتعلم الأدب كويس ، أبوها وأمها النهاردة كانو طالعين من المقر مش مصدقين إن دي بنتهم ، و إوعى تفكر إنك ظلمتها بتهمة زي دي ، هي فعلًا كانت هتسافر له وهتقدم تنازلات وإرتوا مش هيتردد لحظة إنه يشغلها لحسابه وده كان هدفه أساسًا ، علشان كدة هي مطولة معانا لحد ما تعرف قيمة اللي كان في ايديها  . 


أومأ ثائر متفهمًا ولكنه إلى الآن لم يصل لسبب هذا اللقاء لذا تساءل بترقب والقلق ينهش جدران قلبه  : 


- أومال إحنا هنا ليه يا سيادة اللوا  ؟ 


التفت رشدي يحدجه بنظرة عابرة ثم عاد يتطلع إلى الأمام ويشبك كفيه خلف ظهره ناطقًا بنبرة حادة يخفي بها توتره  : 


- أنا كنت عايز أطلب منك إيد حماتك  . 


الصدمة احتلت تقاسيم وجه ثائر وانعقد لسانه لثوانٍ قبل أن يكرر مستنكرًا  : 


- حماتي ؟ اللي هو إزاي ؟ 


التفت رشدي يواجهه بملامح متجهمة ونطق مدافعًا بقوة زائفة  : 


- اللي هو إزاي يعني إيه ؟ طالب إيدها على سنة الله ورسوله ، وافقت وافقت ماوفقتش يبقى خلاص  . 


يحاول ثائر أن يستوعب طلبه ولكن عقله عاجزٌ ومتخبطٌ لذا تساءل  : 


- وانت تعرف حماتي منين ولا شوفتها فين يا سيادة اللوا ؟ 


باغته رشدي بنظرة محذرة ينطق بهجوم مبطن بالحرج  : 


- إنت بتسأل السؤال ده للوا في المخابرات ؟  جرالك إيه يا ثائر ، هي العين هتعلى عن الحاجب ولا إيه ؟ مش إنت اللي كنت مراقب وعارف كل حاجة عن ديما وعيلتها قبل حتى ما تجيلك فرنسا ؟ 


استمرت الصدمة ماكثة عند ثائر الذي نطق بتعجب  : 


- اووووف اووووف ، ده الموضوع كبيـــــــر ، طب واحدة واحدة كدة يا باشا وفهمني ، اللي حصل ده حصل امتى وازاي ؟ 


زفر رشدي بضيق فهو لا يحب أن يوضع في مثل هذه المواقف ولكنه مجبر على الشرح لذا عاد لوقفته المهيمنة ونظر للبعيد يشرح  : 


- أنا عارف قصتها من الأول ، كل حاجة عن ديما وعن عيلتها واضحة قدامي ، بس أول مرة أشوفها فيها كانت يوم فرح ولادها ، أنا رجعت على الفندق بليل علشان موضوع توماس وشوفتها والموضوع عدى بس لما قعدت مع نفسي وفكرت قولت ليه لاء . 


تحولت نبرته من الهيمنة إلى التيه والشرود وهو يوضح باستفاضة إلى ثائر  : 


- إنت عارف إني قاعد لوحدي ، ماعنديش ولاد ، وكلها كام شهر واطلع ع المعاش ، فكرت وقولت يا راجل بدل ما انت عامل ازعاج للي حواليك  . 


التفت ينظر إلى ثائر ويشير بإصبعه نحوه قائلًا  : 


- وأولهم إنت  . 


عاد لوقفته يسترسل  : 


- دور لنفسك عن حد يونسك في العمر اللي باقيلك ، واحدة بنت حلال وطيبة تتكلم معاها وتسمعها وتسمعك واهو لو مُت في البيت الاقي حد يزعل عليا بدل ما جثتي تتحلل زي ما بقينا نشوف ونسمع  . 


أنصت له ثائر وأيّده في تفكيره ولكنه لا يعلم موقف منال و أولادها من هذا الأمر لذا تحمحم يردف وهو يوافقه التفكير  :


- أنا معاك طبعًا في اللي انت بتقوله ، وبالعكس أنا شايف إنك اتأخرت أوي في اتخاذ القرار ده ، بس بصراحة ماعرفش هي هتكون ردة فعلها إيه ، وماقدرش اديك أمل يا سيادة اللوا ، الموضوع بالنسبة لها ممكن يبقى صعب  . 


عاد رشدي يلتفت له وتلك المرة طالعه بنظرة متأملة ثم مد يده يربت على كفه ويردف   : 


- اعمل اللي عليك والتيسير من عند ربنا  . 


تحرك خطوة باتجاه السيارة ولكنه عاد يلتفت وينظر لثائر نظرة حادة ويستطرد بنبرة متسلطة  : 


- بس اعمل اللي عليك بضمير زي ما كنت بتعمل لنفسك ، ويالا اركب علشان أوصلك .



❈-❈-❈


في تركيا 


لم يعد يطيق هذا الحال 

فمنذ أن جاءا إلى هنا وهي لا تعيره اهتمامًا ، كل ما يشغل عقلها هو تحقيق أهدافها ، لم تهتم حتى لأمر صغيرها وتركت رعايته له .


لقد أصبح الوضح كالتالي ، هي تخرج وتتسوق وتوثق لحظاتها بالتصوير والعرض وهو يمكث في المنزل يراعي الصغير ويطهو الطعام .


لقد كان يظن أنه برحيله من مصر ستفتح له أبواب الفرص ، وسيحظى بمعارف جدد ، وحياة أفضل ، ويحقق الكثير من الأحلام ، ولكن الواقع بدا أشد مرارة مما كان عليه في السابق .


وكلما حاول اتخاذ موقف حازم وجد نفسه محاصرًا بقيودٍ من عجز ، عاجزٌ عن اتخاذ موقف ، خاصة وأنها يومٕا بعد يومٍ تزداد سطوتها ويشتد عودها وتقوي نفسها من خلال ذلك الأسامة وعروضه التي لم ترُق له .


ليحتل عقله سؤالًا بات يتردد ، هل يعود إلى مصر ؟ وإن قرر العودة فعلى ماذا سيعود ؟ ولمن سيعود ؟ وكيف سيعود وقد باع كل ما يملكه هناك ؟ ونقوده تتبخر في سماء أحلام واهية لم يرَ منها سوى سرابًا وجميعها تصب في مصلحة زينة فقط .


كان يفكر وهو يقف في المطبخ يضع الصحون في الغسالة لتأتي زينة من خلفه تتحدث بلا مبالاة وهي تلتقط نسخة من مفتاح المنزل  : 


- أنا هنزل يا كمال ، رينو نام ابقى خد بالك منه ، ولو البيت ناقصه حاجة ابقى كلمني وانا هاجبها وانا جاية . 


التفت ينظر لها بتفحص ، ترتدي بنطال جينز مجسم وبلوزة قصيرة وخصلاتها جمعتها على هيئة جديلة ، من يراها يظنها فتاة مراهقة وليست زوجة وأم . 


أظلمت نظراته وتصاعد غضبه ونيرانه ليتساءل بترقب وهو يخطو باتجاهها والغضب يتقدم معه  : 


- إيه اللي إنتِ لبساه ده ؟ 


زفرت بملل وتكتفت تقلب عينيها وتردف  : 


- اسطوانة كل يوم بقى ، مهو لازم تعطلني . 


وقف أمامها يحدق بها ، يبحث عن الاهتمام عندها ، في السابق كانت تتلهف لمراضاته حينما يغضب أو يثور ، وتسعى ليهدأ بطرقٍ عديدة جميعها كانت تروق له ، ولكنها الآن تتجاهله بشكلٍ مضاعف ، وكأنها وجدت بديلًا عنه  . 


لم يحتمل هذه الفكرة التي قفزت على عقله لذا صاح يكرر  : 


- بقولك إيه اللبس ده ، مش هتنزلي كدة ، ومش هتنزلي من أساسه ، ومن هنا ورايح أنا اللي هنزل وهمسك شغل السوشيال ميديا وانتِ هتقعدي في البيت ، واللي اسمه أسامة ده هتقطعي معاه وملكيش دعوة بيه تاني ، فهمتي ؟ 


طالعته باستهانة ولم تعِر حديثه ولو مقدار ذرة اهتمام بل تساءلت بملل  : 


- وبعدين ؟ عرفني كدة هتمسك شغل السوشيال ميديا إزاي ؟ إزا كان كل اللي بيتابعوني داخلين يتفرجو علشاني أنا ، عاجبهم كلامي أنا ، واسلوبي أنا ، فكرك لو دخلت وصورت حد هيعبرك  ؟ 


جن جنونه وآلمته نرجسيته لذا رفع سبابته يحذرها بغضبٍ متفاقم يخشى ظهوره للعلن  : 


- ماتستفزنيش يا زينة ، أنا لحد دلوقتي سامحلك تعملي اللي إنتِ عايزاه ، بس لو زودتي معايا هيبقى عليا وعلى أعدائي وساعتها هنصفي كل ده ونرجع مصر تاني ، وانتِ عارفة إني أعملها مافيش حاجة هتمنعني . 


وقفت تحدق به لبرهة وتفكر ، هي تعلم أنه مازال يمتلك القليل من السلطة عليها بحكم زواجهما ، وإن جابهته الآن ربما ستخسر الكثير ، لذا عليها أن تخطط في صمت وتفاجئه بالتنفيذ ، لقد أصبح بطاقة محترقة بالنسبة لها ولأحلامها ويجب أن تتخلص منه في أقرب وقت لذا..... 


زفرت بقوة ثم حررت كفيها وسألته في محاولة ظاهرية منها بأنها تخشاه  : 


- كل ده ليه يعني يا كمال ؟ علشان لبسي ؟ ولا علشان بحاول وبعافر أعمل حاجة لينا ولابننا ؟ هو انت مفكر أني مبسوطة بخروجي كل يوم وانت قاعد هنا مكاني؟ مانت عارفني كويس وعارف إني بحب قعدة البيت أكتر ، بس لازم اشتغل وافحت في الصخر علشان نعمل حاجة ، وع العموم علشان ماتزعلش أنا هدخل أغير هدومي ، وانت اقعد كدة واستهدى بالله وفكر كويس وبلاش شغل الأطفال بتاعك ده احنا كبرنا ع الكلام ده ، استغفر الله العظيم . 


قالتها وهي تتحرك باتجاه غرفتها لتبدل ثيابها وعلى محياها ابتسامة نصر خبيثة حيث أنها على يقين أنها استطاعت تثبيته بكلمتين منها إلى أن تجد سبيلًا للابتعاد عنه ، واليوم قبل غدٍ ستتحدث مع أسامة بخصوص ذلك  . 


❈-❈-❈




في غرفة ثائر مساءً


تمددت ديما تنكمش داخله كقطة تقطن داخل كومة فروٍ ، تسرد له ما حدث بينها وبين أسما وهو يستمع لها بإنصات حتى انتهت لذا مال يقبل مقدمة رأسها ثم اعتدل يردف بثقة  : 


- كنت واثق إنك هتعرفي تقنعيها ، هي طبعًا حقها تخاف ورحلتها صعبة خصوصًا مع شمس وليل ، علشان كدة إحنا لازم الفترة الجاية نكون حوالين أحمد وبندعمه ، ولازم نحتوي أولاده علشان يفضلو تحت جناحنا ، هما بيمرو بفترة صعبة جدًا ، مع إني كنت شايف إن موضوع أسما ده يتأجل شوية ، بس يمكن أحمد محتاج حد جنبه الفترة دي ، لإنه للأسف مش هيعرف يتعامل مع الأوضاع دي لوحده ، واعتقد إن أسما دي هتعرف توجهه ، أنا شايف إن عندها توازن شوية  . 


أومأت مؤيدة فهذا ما رأته في شخصيتها بالفعل لتؤكد على حديثه قائلة  : 


- دي حقيقة يا ثائر، شخصيتها مثقفة وواعية وعندها حكمة في التصرف ، أتمنى إن أحمد فعلًا يقدرها وأتمنى شمس وليل يتقبلوها  . 


- إن شاء الله يا حبيبي  . 


زفرت بارتياح وكادت أن تغفو حيث تثاءبت ولكنه تحمحم ينظف حلقه واستطرد بترقب  : 


- فيه حاجة كدة لازم تعرفيها ؟ 


تساءلت وهي تشعر بحاجة مُلحة للنوم  : 


- خير يا ثائر ، قول . 


صمت لهنيهة يفكر ثم أردف بترقب  : 


- اللوا رشدي قابلني النهاردة ، وطلب مني حاجة . 


تبخر نعاسها ودب الذعر في أوصال قلبها حيث ظنت أن هناك خبرٌ سيعكر صفو حياتهما الحديث لذا نهضت تواجهه متسائلة بملامح متأهبة  : 


- خير ؟ 


أعادها لجحرها الآمن يربت عليها مهدئًا إياها يقول  : 


- ممكن تهدي ، ولا هو أي حاجة بقى فيها اسم اللوا رشدي بتوترك ؟ الراجل طالب القرب بس . 


قطبت جبينها بعدم فهم لترتفع قليلًا مستريحة على صدره تتفحص ملامحه باستفهام  : 


- يعني إيه ؟ 


ابتسم وتعلقت مقلتاه في خاصتها يترقب ردة فعلها حينما أفصح عن طلب رشدي قائلًا  : 


- طالب إيد والدتك  . 


بلاهتها جعلته يبتسم عليها ، ومع ذلك لم تزُل بل ظلت على حالتها تطالعه باستنكار لبرهة من الزمن قبل أن تستفهم  : 


- بتهزر صح ؟ طالب إيد والدتي إزاي ؟ ويعرفها منين أصلًا ؟ اللوا رشدي ؟ 


أومأ يملس على خصلاتها بنعومة ونظرات هائمة يتفهم صدمتها ويجيبها بإيماءة : 


- أنا كمان استغربت زيك كدة ، بس فعلًا هو طالب إيد والدتك مني ، يعرفها منين دي ماينفعش نسألها ، بس هو شافها في فرح أخواتك ، وانتِ عارفة إن اللوا رشدي ماعندوش أولاد ومن وقت ما اغتـ...ـاله مراته من أكتر من 18 سنة وهو عايش لوحده ولشغله وبس ، الراجل كلها كام شهر ويطلع ع المعاش وعايز انسانة طيبة تونسه في اللي باقي من عمره ، وانا شايف إن معاه حق ، وشايف كمان إن مامتك من حقها تلاقي إنسان يونسها ويعوضها عن اللي عاشته وشافته ، ولا إنتِ ليكي رأي تانى ؟ 


انتظرها لتوضح ما تفكر به حيث شردت قليلًا ثم أجابته متخبطة من أثر الطلب  : 


- لاء مش مسألة رأي تاني ، بالعكس أنا كنت بتمنى فعلًا إن ماما تفكر في الخطوة دي ، خصوصًا الفترة دي بقت لوحدها ، بس الموضوع مفاجئ، واللوا رشدي ؟ بصراحة آخر حد اتوقع إنه يطلب الطلب ده . 


شرد كلاهما لثوانٍ ثم عادت تتساءل بترقب  : 


- طيب هنفتح معاهم الموضوع إزاي ؟ وهنقولهم إنك تعرفه منين ؟ وبعدين كدة مش خطر عليك ؟ لاء أنا مش مستوعبة فعلًا  . 


تنفس بعمق وكان قد فكر من قبلها وأرشده رشدي على الحل فقال مطمئنًا لها وهو يتلمس وجنتها بحنانٍ  : 


- ولا خطر ولا أي حاجة خالص ، رشدي صاحب بابا أصلًا ، وهنقول إنه كان موجود في الفندق صدفة وشافها وسأل عليها بعدها ، بس تفتكري داغر هيقبل؟ 


هزت رأسها بلا تجيبه بمعرفة مسبقة وقد زارها بعض الإحباط : 


- ولا داغر ولا دينا ، الاتنين مش هيتقبلو الفكرة بسهولة . 


ضيق عيناه يتساءل بانزعاج  : 


- ليه ؟ ده حقها ، هما اتجوزو وكل واحد فيهم لقى شريك حياته ، وهي حقها تلاقي حد يشاركها حياتها  . 


أومأت مؤيدة عن قناعة ليتابع بنبرة ثاقبة  : 


- بصي ، أنا كدة كدة كنت ناوي أعمل عزومة كبيرة هنا ونجمع فيها كل الحبايب ، هنعزم اللوا رشدي كأنه صاحب بابا وأهو يبقى لقاء تعارف ، وهو عارف كويس هيعمل إيه ، ونجيب حد مختص ينظم العزومة دي ، ونتلم كلنا تحت في الجنينة ، ومامتك وقتها هتشوفه وأنا متأكد إنه هيحاول يتكلم معاها علشان نمهد لها الأمر ولما اكلمها بعد كدة تفكر كويس ، إيه رأيك ؟ 


مالت عليه تقبل شفتيه قبلة خاطفة ثم عادت تحدق به وتردف بالقبول  : 


- معاك طبعًا ، وهتبقى فكرة ممتازة وفعلًا مقابلتهم هنا الأول بالشكل ده هتخلي ماما تفكر بعد كدة لما نكلمها ، بس هنعمل ده إمتى ؟ 


تنهد بحرارة يجيبها بتريث  : 


- الأسبوع الجاي إن شاء الله ، أجهز بس كل حاجة ونحدد اليوم سوا ، وبالمرة تكلميهم عن مشروع المؤسسة بتاعتك  . 


تنفست السكينة ونظرت له بامتنان للحظات ثم أردفت  : 


- ماشي يا حبيبي ، إن شاء الله نجهز لكل حاجة سوا ، بس أنا بردو لسة مستغربة طلب اللوا رشدي ، ماطلعش سهل خالص  . 


قالتها وهي تعود أدراجها إلى حضنه ليبتسم ويحتويها ويغمض عينيه استعدادًا للنوم هامسًا بخفوت  : 


- سهل مين ؟ ده هو اللي مربيني  . 


❈-❈-❈


في الصباح 


لم يمر ليلها في هدوء داخلي 

بل انشغلت بالتفكير بأحمد ذو الفقار ، كلمات ديما عنه ، بل والتنقيب عنه بنفسها وعن هويته وشخصيته التي بالطبع لن تحدد ملامحها من خلال مواقع تواصله الاجتماعية ولكن يكفيها أن تحدد كيفية التعامل معه و مع أولاده . 


هي تحب خوض التجارب الشاقة ، ليست ممن تتجردن من المسؤولية بل تحب أن تتحدى نفسها وتنجح في التحديات . 


اتخذت قرارها أن تتحدث إليه وتخبره برغبتها في اللقاء به ، عليها أن تحدد وتجمع منه أكبر قدرٍ من المعلومات كي ترتبها وترى ماذا ستفعل . 


ليست متسرعة ، ولا مندفعة ، ما عاشته سابقًا وضعها على خط بداية درب التأني ، وأخذت فيه شوطًا طويلًا حتى اجتازت أولى الحواجز ، وباتت تستطيع أن تزن الأمور من حولها . 


عُرفت بالإعلامية العقلانية والعاطفية في آن ، ونجحت في الجمع بين المنطق والحب لذا التقطت هاتفها وطلبت رقمه وجلست على طرف فراشها تنتظر إجابته . 


لم تنتظر كثيرًا حيث أجاب متلهفًا بعدما احتفظ برقمها  : 


- أستاذة أسما ؟ صباح الخير . 


صوته ونبرته جعلاها تلتقط نفسًا داعمًا ثم حدثته بنبرة متزنة هادئة وجادة  : 


- صباح الخير يا أستاذ أحمد ، لو وقتك يسمح ممكن نتقابل بعد ساعة ؟ 


انفرجت أساريره وكأنه يتعرض لصاعقة حبٍ للمرةِ الأولى لذا أجابها متلهفًا بحماسٍ كبير وهو يقف في شرفة غرفته ويتأمل الخارج كأنها أمامه  : 


- أه طبعًا يسمح ، تحبي نتقابل فين ؟ 


ترقبت حماسه بابتسامة متعجبة ثم أجابته برقي  : 


- فيه كافيه في شارع **** اسمه **** ممكن نتقابل هناك  . 


أومأ كأنها تراه ونطق وهو يلتفت للداخل ليستعد  : 


- تمام ، هكون في انتظارك هناك  . 


- تمام 


أغلقت معه وأطلقت تنهيدة حارة وجلست تفكر لثوانٍ في طريقته ثم نهضت لتستعد لهذا اللقاء  . 


❈-❈-❈


بعد وقتٍ 


جلسا في المكان المتفق عليه وقد جاء لهما النادل بكأسين من عصير البرتقال . 


الجزء الأكبر من التوتر كان من نصيب أحمد الذي وكأنه ينتظرها تتحدث حيث لا يعلم من أين يبدأ ، كان قد جهز الحديث أثناء قدومه ولكنه أصيب بالصمت في حضرة عينيها وابتسامتها الهادئة . 


ولأنها من طلبت منه اللقاء وهذا ما بدا ظاهريًا تحمحمت تبادر هي بالحديث قائلة : 


- أنا عرفت من ديما إن إنت وزوجتك انفصلتو ، المرة اللي فاتت كنت صريحة جدًا معاك ، لإن مهما كانت أسبابك فأنا مش من النوع اللي يقبل يكون طرف تالت في أي علاقة ، بس دلوقتي أظن الوضع اختلف ، وفيه طرف مش موجود ، علشان كدة بقى عندي استعداد أسمعك . 


أومأ لها متقبلًا كلماتها ، بل أنها تعطيه انطباعًا جديدًا كم هي إنسانة متفهمة ، تخطو خطوة صحيحة تجاهه ، لذا عليه أن يكون صريحًا معها ، ليخبرها كل شيء ، مشاكله ، أخطاؤه ، مخاوفه ، عقاباته ، ليضع أمامها كتابه كاملًا تقرأه بتأنٍ وتقرر بعدها هل تقبل به أم لا ، وفي كلتا الحالتين سيحترم قرارها . 


ازدرد ريقه وتنفس يطالعها بعمق ويردف بهدوء مبطن بالألم الذي يتجلى بوضوح في عينيه المنكسرة : 


- أنا طبعًا متشكر جدًا ليكي إنك قررتي تديني فرصة وتسمعيني ، ويمكن كان معاكي حق المرة اللي فاتت ، أنا اتسرعت في اللقاء بيكي قبل ما آخد خطوة الانفصال ، بس صدقيني ده كان لإني شوفت فيكي أمل كنت محتاجه في حياتي ، لإن للأسف تجربتي كانت مختلفة شوية ويمكن قاسية وأنا كنت الطرف الغلط فيها ، ودلوقتي بحاول اصلح الغلط ده بأي طريقة ، علشان كدة أنا هكون صريح معاكي وهحكيلك على كل حاجة . 


طالعته بإنصات وعقلها يفكر ، هل يمكن أن تكون قصته أشد ألمًا وقسوةً من قصتها ؟ سترى . 


صمت لبرهة لا يعرف من أين يبدأ ثم بدأ يخبرها من بداية حبه الأعمى لتلك السها ، وكيف للإنسان أن يحب معذبه ويتعلق تعلقًا مرضيًّا بمن يغرز أنيابه في قلبه . 




❈-❈-❈



بعد أسبوع 


في حديقة فيلا ثائر ، حيث تم إعداد مائدة كبيرة تبدأ من بداية الحديقة وتنتهي إلى نهايتها ، ضمت قرابة الخمسين مقعدًا . 


وتم تحضير أشهى الأكلات من خلال شركة منظمة لهذا العشاء الكبير ، فالجميع الليلة مدعو ، و بدأ توافد الحضور وكان في استقبالهما ثائر وديما يرحبان بهم بسعادة . 


اصطف الجميع حول الطاولة ، صقر وزوجته ، وخالد وزوجته ، وحضر دياب ويسرا ، صالح ودينا ، داغر وبسمة ، منال وأسما ، علياء وأمجد ، أحمد وشمس وليل ، رشدي ، والأولاد جميعهم . 


تحرك النوادل حولهم يضعون الطعام بحرفية والجميع في حالة ودٍ وترحيب ، أصبح وجه ثائر مشعًا وهو يرى هذه اللحظة ويعيشها ، منذ عام كان يخشى أن يموت غريبًا في بلدٍ بارد ، وحيدًا ، وسط أعدائه ة، والآن هو يجلس بين أحبابه وعائلته وأولاده وينعم بالسلام مع امرأة السلام . 


هذه التي تجلس تطالع الجميع وتوزع ابتسامتها بحرارة ولمعان يسكن عينيها ، هكذا تأملت وتحققت آمالها ، حلمت وصبرت ووثقت وتفاءلت بالخير الذي يعم حياتها الآن مع أولادها ورجلها الاستثنائي الذي التفتت تطالعه بنظرة حبٍ وسعت المكان بأكمله ، وبامتنان يفيض من مقلتيها ليبادلها ابتسامة وكأن كلٍ منهما يسمع ما يفكر به الآخر .

يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة آية العربي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة