-->

رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 24 - جـ 1 - الإثنين 8/9/2025

 

قراءة رواية ثنايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ثنايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا الخولي


الفصل الرابع والعشرون 

الحزء الأول

تم النشر الإثنين  

8/9/2025


مر شهر كامل على حادثة الحريق. 

شهر من الحزن الثقيل الذي خيم على منزل الرفاعي فصمتت فيه الضحكات، وبهتت الألوان، وأصبحت الأيام مجرد تكرار ليالي طويلة من الوجع. 

وبينما كان الجميع غارقاً في أحزانه، كان مالك هو الوحيد الذي يعمل في الظل، يجمع خيوط المعلومات بهدوء وصبر، كعادته.


وبعد ليالي من المراجعة والتدقيق، توصل إلى الحقيقة المرة التي كان يخشاها: لقد أظهرت تسجيلات الكاميرات البعيدة بوضوح أن عدي هو من بدأ كل شيء. 

هو من تسلل إلى السرايا، وهو من أشعل النار. 

كانت حقيقة موجعة لكنها كانت الحقيقة. 

لذا، كان عليه أن يلتزم الصمت أن يدفن هذا الأمر في صدره، كي لا يتخذه صخر حجة ويشعل معركة جديدة، معركة سيدخلونها هذه المرة وهم مهزومون مسبقاً.


في ليلة باردة، جلس مالك مع والده سالم وجده وهدان في بهو المنزل كان الصمت سيد الموقف لا يقطعه سوى صوت احتراق الحطب في المدفأة.


بدأ سالم الحديث بصوتٍ قلق ومبحوح

_ عدي الله يرحمه... ضيع حاله وكسرنا. 

بس أني مش مطمن لصخر، خسايرهم بالملايين، ده غير الأرواح اللي اتصابت سكوتهم ده وراه حاچة كبيرة.


تحدث مالك بهدوء حاد، كالجراح الذي يمسك بمشرطه، قاطعاً قلقهم بحقيقة موجعة

_ للأسف يا جدي.... لما راچعت الكاميرات، لجيت إن عدي هو فعلاً اللي اتعدى عليهم.

وده هيخلينا غصب عننا نسكت ومنتكلمش.

نظر مالك إلى جده مباشرة، بنظرة تحمل ثقلاً يفوق عمره.

_ بس يا جدي، أنا رايد أعرف الحجيجة حاچة من الأول. 

كيف التار ده بدأ، وإيه اللي وصلنا لهنا؟


تنهد وهدان تنهيدة طويلة، خرجت من أعماق صدره المثقل بهموم السنين. 

فتح عينيه، وكانتا تحملان حزناً عتيقاً وحكمة قاسية. 

صوته خرج ثابتاً، لكنه مبطن بوجع لا يمحوه الزمن.

_ من يوم ما وعيت على الدنيا وعرفت الحجيجة، وأني باعد حالي عن التار. 

لأني خابره زين، التار ده زي الحية مبيرحمش حد واصل، وبيلدغ اللي رباه جبل عدوه.


صمت للحظة، وعيناه تاهت في الماضي.

_ وبعدت عنيه أكتر لما عمي وأخوي ماتوا جدامي. 

وجتها أبويا الله يرحمه، مرحمش حد منيهم، وجتل عم صخر جصاد عمي 

الناس وجتها ادخلت بمجلس عرفي وجالوا إنه لازمن التار ينفض، والأرض تتجسم ما بينكم.


لم يتحدث وهدان عن حقيقة الأرض، عن كونها ملكهم بالأساس ام لا، تابع بصوتٍ يملؤه الأسى

_ اصروا على رفضهم وجالوا وجت ما ياچي الوجت المناسب، هياخدوا تارهم. 

لما أمك حبت أبوك، جولت يمكن النسب ده يجربنا من بعض، وطلبتها منيهم، بس هما رفضوا وقرروا يچوزوها لواحد منيهم، بس هي جالت الموت أهون عليها من إنها تتچوزه وجتها أبوك لحجها ووداها لخالها وطلبها منه، والراچل متأخرش وچوزها لأبوك. 

وده بدل ما يجرب العلاقة، شعلل نارها أكتر.


ثم تغيرت نبرة وهدان، وظهر فيها انكسار الأب الذي رأى ابنه يُسلب منه.

_ ولما چاه الوجت اللي جالو عليه، أخدوه من ولدي. 

طاطيت وجلت أسلم الأمر للحكومة، وفي الآخر أخد إعدام وبرضك مسلمتش من التار وبعدها اترد في نغم سلمت وجلت راضي، طالما اتچوزها على سنة الله ورسوله والموضوع هيفضل سر بيناتنا، بس ينفض العداء.


وهنا، اهتز صوته قليلاً، وظهر حزنه العميق على حفيده الذي ضل الطريق.

_ بس في الآخر... اللي عمله عدي...


أخذ نفساً عميقاً، محاولاً أن يبدو صارماً ليهدئ من نيران قلوبهم. 

_ اللي عمله عدي دمر كل شيء تهوره وغيرته عموه. 

خلاه هو اللي بادي بالغلط، هو اللي راح برجله للموت ودلوجت، إحنا اللي في موجف ضعف ومش بعيد يجددوا التار من تاني.


رد مالك بثقة، وعقله يعمل كالمحقق الذي يحلل كل الأدلة.

_ مفيش تار هيتجدد جاسر نفسه هو اللي رفض يجدم بلاغ، وهو اللي سابنا ناخد عدي من غير شوشرة.


سأل سالم بحيرة

_ يمكن عشان كبر الموضوع ومش عايز مشاكل مع البوليس.


رد مالك بنظرة فاحصة، كأنه يرى ما لا يراه الآخرون.

_ لأه، جاسر مش إكده جاسر لو عايز يكسرنا، كان حبس عدي لو عاش، وكان بهدل جثته وهو ميت عشان يثبت جريمته ويفضحنا في البلد كلها. 

كونه يلم الموضوع بالسرعة دي، فده معناه حاجة من اتنين. 

يا إما إنه مش عايز يفتح على نفسه أبواب جهنم جدام القانون والنيابة، وده احتمال ضعيف لواحد زيه. 

يا إما... إن فيه حاچة في السرايا نفسها هو بيحاول يخبيها، وحريق عدي كان هيكشفها لو التحقيقات وسعت.


صمت مالك للحظة، وعيناه تلمعان بذكاء حاد.

_ أما الاحتمال التالت، فمجدرش أحكم عليه دلوجت بس سكوت جاسر ده مش لله وراه سر كبير وأنا هعرفه.


❈-❈-❈


كانت الشمس قد بدأت بالغروب، تلقي بضوء ذهبي دافئ على قمم الجبال كانت نغم تقف في الشرفة، تراقب المشهد بصمت.

لقد أصبح هذا طقسها اليومي، لحظة هدوء تحاول فيها جمع شتات نفسها.


خرج جاسر إلى الشرفة، ووقف على بعد خطوات منها، محترمًا مساحتها الشخصية التي فرضتها. 

لم يعد يقتحمها كما كان يفعل.


تحدث جاسر بنبرته الهادئة والحازمة كأنه يبحث عن أي موضوع يشاركه معها

_الدكتور اتصل بيجول إن حالتك مستقرة، وإنك تجدري توجفي العلاج


لم تلتفت إليه. 

ظلت عيناها معلقتين بالأفق.

ثم قالت ببرود

_ولعبتك خلصت ولا لسة فيها بجية؟ 


سألها جاسر بفتوره المعتاد

_لعبة ايه عاد؟


هنا استدارت وواجهته، وفي عينيها بريق من السخرية المرة.

_مش خابر لعبة ايه؟

أبعد عينيه عنها وقال بنبرة جليدية 

_لو بتعملي إكدة عشان ترجعي لأهلك.....

قاطعته نغم بسخرية وقد تجمعت مرارة الدنيا في قلبها

_أرجع؟

أرجع فين؟

لبيت اتخلى عني؟ ولا لسمعة لطخها چوازي منيك؟ 

لاح الحزن بعينيها وهي تتابع بوجع

_معدش ليا مكان أرجع ليه 

أنت حرجت كل سفني يا جاسر بيه.

معدش ليا غير المكان ده، هو بيتي الوحيد..


تقدم نحوها خطوة، ووجهه لا يزال يحمل قناعه الجليدي، لكن صوته حمل شيئًا مختلفًا، شيئًا يشبه الأسف.


_أنا خابر أني غلوط، بس في نفس الوجت انا صاحب حج.


ضحكت نغم ضحكة خافتة لا تحمل أي بهجة.

_غلوطت؟ الكلمة دي بسيطة جوي جنب اللي عملته فيا

انت مغلوطتش انت بس دمرت حياتي

ودمرت حياة عدي وحياة أهلي.

عشان ايه؟

عشان أرض وتار وكبرياء فارغ.


انفعل جاسر من اتهامها وقال بحدة خفيفة

_انتي متعرفيش حاچة، انتم اللي بدأتوا كل حاچة.

انتو اللي بدأتو بالغدر في الأرض

وانتو اللي بدأتوا بالتار، وديما البادي اظلم، متتكلميش عن حاجة متعرفيهاش.


نظرت اليه نغم تتحدى نظرته بنظرة أشد قوة

_ايه اللي انا معرفوش؟

تجصد يعني ان أبوك اللي جتل ابويا

ولا إنك أخدتني من بيتي بالتهديد عشان تكسر أهلي اللي هما اعداءك

وزي ما بتجول كسروا عيلتك.

كل شيء واضح يا جاسر بيه 

انتو الاتنين متختلفوش عن بعض

كلايتكم غرجانين في الدم والكره والحقد

وبتسحبوا اللي حواليكم عشان يغرقوا معاكم.


صمت جاسر، وكلماتها تخترقه. 

لقد كانت على حق لم يجد ما يدافع به عن نفسه.


بعد لحظة صمت، تحدث هو وبصوت أعمق

_صحيح أنا مختلفش عنيهم. 

بس انا اتربيت اخد حجي بيدي

وأن الجوة هي اللغة الوحيدة المفهومة 

متعلمتش اعتذر ابدا.

ضيق عينيه وقد لاحظت فيها لمسة أسف وهو يتابع

_ولا اعرف أصلح اللي كسرته.


اقترب منها خطوة أخرى، حتى أصبح أمامها مباشرة. 

كانت المسافة بينهما قصيرة، لكن الهوة كانت شاسعة.

_بس انا شايف دلوجت، شايف الدمار...

وشايف جد ايه انا خسرت كتير، خسرت اكتر ما كسبت.


كانت هذه أقرب صيغة للاعتذار يمكن أن ينطق بها رجل مثله. 

لم يقل "أنا آسف"، بل اعترف بهزيمته في حربه.


بحثت نغم في عينيه عن أي أثر للضعف، لكنها لم تجد سوى نفس القوة، نفس الحزم. 

لكن خلفهما، رأت شيئًا آخر لم تره من قبل... 

حزن..

حزن عميق ورجولي.


فقالت بصوت يرتجف قليلاً رغم محاولتها تماسكه

_واعترافك ده... هيغير ايه؟ 

هيرچع عدي للحياة؟

هتعيد روحي اللي سرجتها 

هنا ظهرت نظرة مليئة بوعود وصوته لأول مرة يصبح هامسا أجش وهو يرفع أنامله ليعيد خصله متمردة إلى حجابها

_تؤ مش هيغير الماضي، بس جادر يغير المستقبل.


سحبت نغم رأسها للوراء، مبتعدة عن لمسته، وقلبها يخفق بعنف. 

هذا القرب، هذه اللحظة من الضعف غير المعلن، كانت أخطر عليها من كل قسوته السابقة. 

القسوة كانت تعرف كيف تقاومها، أما هذا المزيج من الندم والقوة والحنان الخفي... فلم تكن تعرف كيف تواجهه.


قالت بصوت حاسم، وهي تبني جدرانها مرة أخرى عندما قرأت ما بين السطور

_مفيش مستجبل عشان تغيره

انت عمرك ما هتنسى انا بنت مين

ولا أنا هنسى انت ابن مين

احنا اعداء وهنفضل اعداء.


استدارت لتعود إلى داخل البيت، لكنه قال جملة أخيرة أوقفتها في مكانها.

_فيه يا نغم، فيه.

انتفض قلبها عند سماعها لما نطق به

هو يخبرها بأن حياتهم مستمرة ولا أمل لها في الهرب.

أسرعت إلى غرفتها لتغلق الباب خلفها تحتمي به

لكن أين تحتمي وكل شيء ملكه..


❈-❈-❈


في منزل أكمل

أكمل بعقل 

_المعلومة اللي جاتلي عن صخر وجاسر خطيرة، بس ممكن تكون فخ.


رد مالك بدهاء

_ممكن بس حتى لو فخ، إحنا ممكن نستخدمه ضدهم. 

صخر معروف في البلد كلها بإيه؟ إنه كبير العيلة، كلمته سيف، والشرف عنده أهم من روحه.


سأل أكمل بحيرة

_قصدك إيه؟

_جصدي إننا مش هنواچهه بالمعلومة. إحنا هنسرّب إشاعة

إشاعة خفيفة، مچرد همس في مجالس الكبار في البلد. 

همس عن إن فيه كلام بيتجال على بيت التهامي، وإن الشرف اللي بيكسّروا بيه الناس، ممكن يكون فيه خدش چوه بيتهم هما.

فهم أكمل ما يرمي إليه 

_ بس ده لعب بالنار يا مالك


_بالظبط، بس النار دي مش هتحرجنا إحنا، هتحرجهم هما من چوه. 

صخر هيضطر يواجه جاسر عشان يدافع عن شرف بيته وبنته. 

وصخر هيتجنن لأن سمعته بجت على كل لسان. 

هنخليهم ياكلوا في بعض من غير ما نطلق رصاصة واحدة. 

هنحول سلاحهم اللي هو 'السمعة والشرف'، ضدهم هما.

صمت مالك عندما تقدمت صبر لتضع القهوة مما جعله يندهش

انتظر حتى مضت ثم سأل أكمل

_مين دي يا أكمل؟

_دي بنت حسان جايبها تشتغل.

عقد مالك حاجبيه بحيرة

_تشتغل كيف؟ وكيف يجبل ان بنته تشتغل عند واحد عازب ولوحده.

لم ينتبه أكمل حقاً لذلك الشيء وقال 

_عادي يا مالك، هي بنت حلال وكويسة مفيش قلق منها.

_بس في جلج لو حد من البلد شم خبر، سمعت البنت هتضر، وانت زيها

نظر في ساعته وقال

_انت عارف الساعة كام دلوجت الساعة 12 بالليل هتروح ازاي دلوجت.

 

حمحم أكمل باحراج

_هي مش بتروح، بتبات هنا.

_كمان.

انهى أكمل النقاش كي لا يضطر لقول حقيقة والدها

_مالك خلاص البنت امان هنا عن بيت ابوها المهم كمل

وافق مالك على غلق الحديث وسأله

_ها قلت ايه؟

سأله أكمل بنبرة تحذيرية جادة

_مالك، أنت مدرك للي بتقوله ده؟ أنت مش بس بتلعب بالنار، أنت بتلعب بشرف بنت عمك الإشاعة دي لو انتشرت، أول واحدة هتتأذي منها هي نغم نفسها. 

لأنهم مش هيسكتوا وهيردهالك

وسمعتها هتبقى على كل لسان، وكمان هتبقى فضيحة ليها قبل ما تكون فضيحة ليهم.


مالك ببرود محسوب

_ومين جال إن الإشاعة هتچيب سيرة نغم بالاسم؟

أكمل باستغراب

_أمال هتقول إيه؟


بدأ مالك يشرح خطته ببطء ودهاء

_الإشاعة هتكون همس، مش تصريح كلام من نوعية: 

يا چماعة هو إيه اللي بيحصل في بيت التهامي؟

سامعين الكلام اللي بيتجال على كبيرهم؟

إن بنته مخطوبة لابن عمها جاسر والآخر سابها وراح اتچوز غيرها

بعد ما كان خاطبها كل السنين دي اتخلى عنيها وراح لغيرها وانت عارف الكلام اللي هيتجال وخابر كيف بلدنا تلت وتعجن فى الحكاوى ديتى 

غصب عنيه هيجبر جاسر يتجوزها

وجاسر مبيحبش حد يمشي كلامه عليه حتى لو كان عمه وهنا هتدب أول مسمار في نعش ترابطهم.

اللي وصلني إن جاسر رافض جوازه منيها بطريجة غير صريحة

وصخر اداله مهلة 

وجاسر بطبعه عنيد مستحيل يرضخ لعمه

بعد الاشاعة دي هيكون مجبر للچواز منيها وفي الوقت ده انا هكون في بيت الجبل بسحب منه نغم.

_بس هنا قادر انه يجيب الشرطة وياخد مراته.

نفى مالك

_ميجدرش، لإني في نفس اليوم هرفع عليه جضية خلع، 

يعني لو عايز تشوشر وتاخدها

جابلنا في المحاكم


_ يبقى اللي بقوله صح و البلد كلها هتعرف.


_تعرف انها كانت متچوزاه عادي وبرضانا بدليل انها رفعت عليه قضية خلع واحنا واقفين معها.

هنخلي الشك ينهش فيهم زي السوس من غير ما نلوث سمعة نغم بكلمة واحدة مباشرة.


تنهد أكمل بقلة حيلة لقد كانت خطة محكمة بشكل مقلق. 

دقيقة وخبيرة في استغلال العقلية الصعيدية.

_وحتى لو... ده مش أسلوبنا يا مالك

إحنا مش زيهم. 

لو عندنا حق بناخده بالقانون، مش بالإشاعات والكلام الواطي.

أنا وكيل نيابة، مقدرش أوافق على حاجة زي دي.


رد مالك بصوت أكثر هدوءًا 

_أنا بحترمك وبحترم شغلك يا أكمل خليك أنت في طريق النور بتاعك، طريق الأوراق والتحقيقات اللي ممكن ياخد سنين. 

وسيبني أنا أمشي في طريق الضلمة اللي شبههم، الطريق الوحيد اللي بيفهموه. 

لازم نضربهم بسلاحهم. 

لازم نوجعهم في الحاجة الوحيدة اللي تهمهم بجد: كبريائهم واسمهم.


أكمل بيأس

_والنهاية إيه يا مالك؟ لو لعبتنا اتقفشت، هنبقى إحنا اللي بدأنا حرب جديدة، وهنخسر أي تعاطف أو حق ممكن يكون لينا.


رد مالك بثقة قاطعة

_مش هتتقفش لأن اللي هينشر الإشاعة دي مش إحنا أنا عندي طرقي

ناس مديونين لبيت الرفاعي بخدمات قديمة، ناس بيكرهوا التهامي في السر ومستنيين أي فرصة عشان يشوفوهم بيقعوا أنا مش هظهر في الصورة خالص.


ثم أضاف جملته الأخيرة التي حسمت النقاش

_اسمع يا أكمل، أنا مش باخد رأيك أنا بعرفك أنا هعمل إيه، عشان لو سمعت حاچة مـ تتفاجئش أنت خليك بعيد، خلي إيدك نضيفة عشان لو احتجناك في الآخر. 

بس متطلبش مني أجعد أتفرچ وأنا شايفهم بيكسروا فينا واحد ورا التاني.


نهض بعد أن تابع بمغزى

_وخد بالك من اللي حواليك


خرج مالك، تاركًا أكمل في حيرة وصراع داخلي.

لقد أدرك أن مالك الذي كان يعرفه قد مات. 

وأن الذي ولد مكانه هو شخص آخر، شخص ذكي وقاسي، تعلم أن العدالة أحيانًا لا تأتي من كتب القانون، بل يجب انتزاعها من فم الذئاب بأساليبهم الخاصة. 

وأدرك بقلق أن الحرب بين العائلتين قد دخلت للتو مرحلة جديدة وأكثر خطورة، مرحلة الحروب النفسية القذرة


❈-❈-❈


بعد ليلة اعترافه، لم تنم نغم. 

كانت تجلس في الظلام، وكلماته تتردد في أذنيها

لقد اعترف بطريقة غير مباشرة أنه وضع قدمه على أولى درجات العشق 


لم يكن هذا اعتراف حب، بل كان إعلان حرب من نوع جديد.

لقد كشف لها عن نقطة ضعفه الوحيدة، وفي تلك اللحظة، ولدت في عقلها خطة شيطانية.


لقد حاول كسرها بالقوة، ففشل. 

حاول كسرها بالانتقام، فدمر نفسه معها. 

الآن، جاء دورها. 

لن تستخدم القوة ولن تستخدم الصراخ ستستخدم السلاح الذي لا يتوقعه منها، السلاح الذي أعطاه لها هو بنفسه: حبه. 

ستحوله إلى عشق

ستجعله يغرق في هذا الحب، ستعلقه بها إلى حد الجنون، وعندما يصبح عبدًا لها، عندما يضع كل أسلحته جانبًا ويسلمها قلبه بالكامل... ستسحقه. ستتركه كما تركها، محطمًا ووحيدًا.


في صباح اليوم التالي، بدأت الخطة.


كان جاسر يجلس في غرفة المعيشة في بيت الجبل، يراجع بعض الأوراق التي أرسلت له من البلد. 

اعتادت نغم أن تتحرك في البيت وهي ترتدي حجابًا بسيطًا، كأنها تضع حاجزًا إضافيًا بينهما. 


كان الصباح في بيت الجبل هادئًا كعادته، لا يكسر سكونه سوى حفيف أوراق الشجر في الخارج وصوت تقليب جاسر للأوراق التي بين يديه. 

كان يجلس على أريكة ضخمة في بهو المنزل الكبير، غارقًا في حسابات وأرقام تخص أراضي العائلة، محاولًا إشغال عقله عن التفكير في المرأة التي تشاركه هذا البيت وهذا الصمت.


اعتاد على وجودها الهادئ والمنضبط اعتاد على رؤيتها تتحرك كظل رشيق، دائمًا بحجابها البسيط الذي يخفي شعرها، ويضع حاجزًا غير مرئي لكنه قوي بينهما. 

كان هذا الحجاب بالنسبة له رمزًا لمقاومتها الصامتة، تأكيدًا يوميًا على أنها لا تزال غريبة عنه، وأنها لن تسمح له بعبور حدودها الأخيرة.

لكن في ذلك الصباح، تغير شيء ما.

انفتح باب غرفتها ببطء، وخرجت نغم لم يرفع جاسر عينيه في البداية، فقد توقع نفس المشهد المعتاد.

لكن شيئًا ما في حركة الهواء، أو ربما هالة مختلفة أحاطت بها، جعلته يرفع بصره.


وتجمد.

لم تكن ترتدي حجابها.

لأول مرة رأى شعرها بالكامل، في ضوء النهار الساطع. 

كان شلالًا من بذور القمح، طويلاً وكثيفًا ينسدل بحرية على كتفيها وظهرها، مع خصلات متمردة تحيط بوجهها.

الصفحة التالية