رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 25 - جـ 2 - الثلاثاء 9/9/2025
قراءة رواية ثنايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ثنايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا الخولي
الفصل الخامس والعشرون
الحزء الثاني
تم النشر الثلاثاء
9/9/2025
لم يبتلع حسان إهانة طرده بسهولة خرج من منزل أكمل والغضب والحقد يأكلان قلبه، لا على نفسه أو على ما فعله، بل على أكمل الذي تجرأ وواجهه.
في عقله الملتوي، لم يكن هو المخطئ، بل أكمل الذي أخذ ابنته ولطخ سمعتها وسمعته.
وبدلاً من العودة إلى بيته خائباً، قادته قدماه وخبثه إلى وجهة أخرى إلى سرايا الحاج وهدان باحثاً عن مالك.
كان يعلم أن مالك هو الصديق المقرب لـ أكمل، وأن كلمته مسموعة في البلد كلها.
وجد مالك يهم بالخروج من السرايا متجهاً إلى سيارته.
ركض حسان نحوه بخطى متخاذلة، ورسم على وجهه قناع الأب المكلوم والمقهور.
_ مالك بيه... يا مالك بيه، الحجني ربنا يخليك.
توقف مالك ونظر إليه باستغراب، محاولاً تذكر من أين يعرف هذا الوجه.
_ خير؟ أنا أعرفك؟
_ أنا حسان يا بيه... أبو صبر البنت اللي شغالة عند أكمل بيه صاحبك.
تغيرت ملامح مالك على الفور إلى الاهتمام.
_ أهلاً... خير؟ فيه حاچة حصلت؟
بدأ حسان في وصلة من التمثيل المتقن، يضرب كفاً بكف ويتحدث بصوت باكي
_ يا بيه أنا أب ومحروج على بتي وديتها تشتغل عند صاحبك عشان أسترها وأكلها لجمة حلال، يجوم هو يفضحني بيها في البلد؟ الناس كلها بتاكل في وشي، وفي وش بنتي
كلام يهد جبال يا بيه.
قطب مالك حاجبيه، وبدأت نبرته تتغير إلى الحده.
_ كلام إيه ده؟ وضح كلامك
أكمل راچل محترم وميعملش حاچة غلط.
_ محترم إزاي بس يا بيه وهو سايب بنتي جاعدة لحالها في بيت واحد لوحدهم ليل نهار؟ البلد كلها بتتكلم عليهم وبيجولوا كلام عفش.
أنا روحت له النهاردة عشان آخد بنتي وأسترها، جام طردني وبهدلني وهددني كمان
عشان إيه؟ عشان بدافع عن شرفي وشرف بتي؟
انفعل مالك بشدة، لم يستطع تحمل هذا الاتهام الصريح في حق صديقه الذي يعرفه حق المعرفة.
_ إنت بتجول إيه يا راجل إنت! إنت عارف بتتكلم عن مين؟ أكمل أشرف من الشرف، وهو اللي لم بتك من الشوارع بعد ما إنت رميتها وجاي دلوجتي تتكلم على شرفها معاه هو؟
ارتعب حسان من غضب مالك لكنه أكمل دوره.
_ يا بيه أنا راجل غلبان، والناس كلامها زي السكاكين.
أنا عايز بتي، عايز ألمها في حضني جبل ما الفضيحة تكبر.
صمت مالك للحظة، ورغم غضبه الشديد من حسان ودفاعه عن صديقه، إلا أن كلامه عن "ثرثرة البلد" لم يكن جديداً على مسامعه.
بالفعل، كان قد سمع بعض الهمسات واللمز من بعيد في الأيام الماضية، لكنه لم يعرها اهتماماً، معتبراً إياها مجرد أحاديث فارغة من أناس لا عمل لهم.
لكن وصول الأمر إلى هذا الحد، ووقاحة الأب في استخدامها كسلاح، يعني أن المشكلة أصبحت حقيقية ويجب التعامل معها.
تنهد مالك محاولاً السيطرة على انفعاله، ونظر إلى حسان بصرامة.
_ اسمع، أنا لا بصدجك ولا بصدج حرف من اللي بتجوله على أكمل بس موضوع كلام الناس ده أنا هتصرف فيه
روح إنت دلوجت، والموضوع ده هيخلص.
أومأ حسان برأسه وقد شعر بانتصار جزئي، فقد نجح في زرع الشك وإيصال المشكلة لمن هو صديق لـ أكمل انصرف وهو يخبئ ابتسامة ماكرة، بينما وقف مالك في مكانه، يفكر بجدية في هذه الورطة التي وقع فيها صديقه، والتي يبدو أنها لن تُحل إلا بطريقة واحدة.
❈-❈-❈
بعد أن انصرف حسان لم يذهب مالك إلى وجهته كما كان يخطط.
استدار وركب سيارته، وقادها مباشرة نحو منزل أكمل.
كان يعلم أن هذه المواجهة ستكون صعبة، وأن صديقه عنيد وكبرياؤه مجروح، لكن لم يعد هناك مجال للتأجيل.
السمعة في بلاد الصعيد كعود الكبريت، إن اشتعلت، أحرقت كل شيء.
وجد أكمل يجلس في شرفة منزله، شارداً وبجانبه فنجان قهوة لم يمسه.
كان واضحاً أن ما حدث في الصباح قد ترك أثراً عميقاً فيه رفع أكمل عينيه حين رأى سيارة مالك تتوقف، وقف ليلقاه عند الباب.
شعر بالقلق عندما رأى تجهمه
_ مالك؟ خير فيه حاجة؟
لم يرد مالك على الفور، بل دخل وجلس في الصالة منتظراً أن يغلق أكمل الباب ويجلس أمامه.
كانت ملامح مالك الجادة تنذر بحديث ثقيل.
جلس أكمل قبالته فقال مالك دون مقدمات
_ أبوها كان عندي من شوية.
تنهد أكمل بضيق وأشاح بوجهه.
_ جه يكمل تمثيليته عندك؟ الراجل ده معندوش دم.
_ سيبك منه هو دلوجت
المشكلة مش فيه المشكلة في اللي جاله، واللي للأسف طلع حجيجي.
نظر إليه أكمل باستفهام، فعاد مالك ونظر في عينيه مباشرة بجدية.
_ يا أكمل، البلد كلها بتتكلم أنا نفسي سمعت كلام من ده كام مرة اليومين اللي فاتوا وهزيت دماغي وطنشت، جلت كلام فارغ وهيروح لحاله
بس الموضوع كبر يا أكمل كلام الناس مبجاش همس، بجى كلام عالي وواضح.
انتفض أكمل واقفاً، وتحرك في الغرفة بغضب مكتوم.
_ يتكلموا! يقولوا اللي يقولوه! أنا معملتش حاجة غلط عشان أخاف من كلام حد، أنا سترت بنت كان أبوها رماها ليا، هي دي غلطتي؟
جلس مالك ثابتاً في مكانه، يتحدث بهدوء حازم ليخترق غضب صديقه.
_ الغلطة مش في النية يا أكمل، النية يعلمها ربنا
الغلطة كانت في الأول خالص، لما وافجت إنها تجعد هنا لوحدها معاك
إحنا في بلد صعايدة، مش في القاهرة
إنت خابر أصولنا وخابر الناس بتفكر كيف.
اللي حصل ده مينفعش، والكلام اللي بيتجال ده لو فضل اكده هيچيب مصايب.
صرخ أكمل بعجز.
_ أعمل إيه يعني؟ أرميها في الشارع عشان كلام الناس يخلص؟ أرجعها لأبوها اللي كان بيضربها من شوية؟
اقترب منه مالك ووضع يده على كتفه، مجبراً إياه على التوقف والنظر إليه
كانت هذه هي اللحظة الحاسمة.
_ فيه حل واحد يا أكمل حل هيقطع لسان كل واحد بيتكلم، وهيحفظ كرامتك وكرامتها.
صمت أكمل ونظر إليه بترقب، كأنه يخشى سماع ما سيقوله مالك.
_ تتجوزها.
سقطت الكلمة بينهما كحجر ثقيل اتسعت عينا أكمل بصدمة ورفض، وابتعد عن مالك خطوة.
_ إنت بتقول إيه؟ أتجوزها؟ إنت اتجننت؟
رد مالك بنفس الحزم.
_ أنا عاجل أكتر منك دلوجت.
ده الحل الوحيد اللي هينهي المهزلة دي هتكتب عليها، وبكده تجفل أي باب للكلام.
هتبجى مراتك جدام ربنا والناس كلها، ومحدش هيجدر يفتح بقه بحرف
إنت حطيت نفسك في الموجف ده يا أكمل، ودلوجت لازم تنهيه بنفسك بالطريجة الصح.
كانت صبر في المطبخ، تعد فنجان قهوة لتهدئ أعصاب أكمل بعد العاصفة التي أحدثها والدها.
يداها كانتا ترتجفان قليلاً وهي تصب القهوة الساخنة حين سمعت صوت سيارة مالك ثم دخوله، توقفت مكانها لم تشأ أن تخرج وتقاطع حديثهما، فبقيت في مكانها لكن جدران المنزل لم تكن سميكة بما يكفي لتحجب عنها أصواتهما التي بدأت تعلو تدريجياً.
في الصالة، كان أكمل يواجه اقتراح مالك برفض قاطع، وشعور بالحنق والغضب يسيطر عليه.
_ أتجوزها؟ إنت فاهم إنت بتقول إيه يا مالك؟ ده جواز مش لعبة، أتجوز واحدة عشان أسكت الناس؟
وقف مالك أمامه ثابتاً كالصخر لا يتزحزح عن موقفه.
_ ولما هى مش لعبة كان إيه اللي خلاك تسيبها جاعدة في بيتك كل ده؟ إنت خابر إن اللي زي ده يعتبر چواز عرفي عند أهل البلد، إنت اللي حطيت نفسك وحطيتها في الخانة دي
ودلوجت لازمن تكمل للآخر يا إما سمعتها هتتمرمط في الوحل، وإنت أول واحد هتتلام.
مرر أكمل يده في شعره بعنف، علامة على حيرته ويأسه.
_ أنا عملت كده عشان إنسانة ضعيفة وملهاش حد عملت كده عشان أحميها من أب جاحد هو ده جزاتي؟ إني أتدبس في جوازة لا على البال ولا على الخاطر؟
في المطبخ، كانت كل كلمة تنزل على قلب صبر كضربة سكين.
"أتدبس في جوازة".
شعرت بالاختناق، وكأن الهواء قد سُحب من رئتيها.
استندت على الحائط حتى لا تسقط، والدموع الحارة تنزل على خديها بصمت.
لقد كانت تسمع حكم الإعدام على كرامتها. هي "ورطة"، "دبسة"، ثمن يجب أن يدفعه أكمل ليحافظ على سمعته.
عاد صوت مالك الحازم ليخترق أفكارها المؤلمة.
_ يا أكمل فوج، الموضوع مبجاش يخصك لوحدك، بجى يخصها هي كمان
سمعة البنت دي في رجبتك، لو خرچت من البيت ده دلوجت من غير صفة رسمية، هتبجى
"اللي كانت جاعدة عند وكيل النيابة واتطردت بعد ما شبع منها"
محدش هيرحمها ولا حد هيصدج برائتها.
هتفضل طول عمرها شايلة العار ده إنت عايز ده يحصل؟ عايز تبجى السبب في دمار مستجبلها بالكامل؟
ساد صمت طويل وثقيل في الغرفة.
كان أكمل يتنفس بصعوبة، يصارع كبرياءه ورفضه المنطقي للفكرة من جهة، وشعوره بالمسؤولية وصوت ضميره من جهة أخرى.
كان مالك على حق
لقد وضعها في هذا المأزق، وعليه أن يخرجها منه.
أخيراً، تحدث أكمل بصوت مهزوم، صوت رجل لم يعد يملك خيارات.
_ والمفروض أعمل إيه دلوقت؟ أروحلها أقولها تعالي نتجوز عشان الناس تبطل كلام؟
_ هتروحلها وتفهمها الموقف بهدوء
هتقولها إن ده الحل الوحيد عشان تحافظ على كرامتها وتحميها من كلام الناس ومن أبوها ده مش جواز حب وغرام يا أكمل، ده جواز سترة وحماية
وبعدين لما الدنيا تهدى لكل حادث حديث.
في المطبخ لم تعد صبر قادرة على تحمل المزيد.
غطت فمها بيدها لتكتم شهقة كادت أن تفلت منها.
لقد سمعت ما يكفي سمعت كيف يرونها، مجرد مشكلة تحتاج إلى حل، صفقة يجب أن تتم من أجل "السترة" ببطء، وبخطوات خافتة كالأشباح استدارت وتسللت عائدة إلى غرفتها الصغيرة، تحمل معها إحساساً بالمهانة أشد ألف مرة من صفعات والدها.
❈-❈-❈
عاد مالك إلى المنزل لكنه لم يقو على الدخول كان يشعر بضيق شديد يطبق على صدره، ليس فقط بسبب ورطة صديقه، بل بسبب ثقل المسؤولية التي شعر بها فجأة كيف يمكن لكلمات الناس أن تدمر حياة بأكملها بهذا الشكل؟ وقف في حديقة القصر، يستنشق هواء المساء العليل، لعله يزيح عن كاهله بعض الهم.
فجأة شعر بحركة خلفه خطوات كانت هادئة مترددة تحمل غرضًا وقصدًا استدار ليجد روح تقف على بعد خطوات قليلة، لكن نظراتها لم تكن تحمل قلقًا، بل كانت تحمل عتابًا حارقًا، عتابًا صامتًا كان أعلى من أي صراخ.
_مالك...
قالت اسمه، وكانت نبرتها تحمل من الألم والاتهام ما يكفي لهدم جبال.
اقتربت منه، وتوقفت أمامه مباشرة عيناها الجميلتان تلمعان بدموع مكبوتة.
_ليه؟
لم تكن تسأل عن سبب وقوفه هنا، بل كانت تسأل عن كل شيء عن سنوات الصمت عن المسافة، عن القلب الذي تُرك وحيدًا.
تفاجئ مالك بنبرتها، وقال بارتباك
_روح... فيه إيه؟
تتحدثت بحزن وألم واتهام وهي تتقدم منه خطوة أخرى.
_لو كنت جلت كلمة واحدة بس من اللي كان في عينيك، مكنش كل ده حصل.
رمش مالك بعينيه لا يستوعب ما تقصده
_لو مكنتش سيبتني وهربت في أكتر وجت كنت محتچالك فيه مكنش كل ده حصل.
قطب جبينه بحيرة اكتر وهو يخشى ما وصل لفهمه، تابعت بألم أشد
_أنت عارف عملت فيا إيه بصمتك ده؟
تجمعت الدموع أكثر بعينيها التي تحمل عتاب قاسي
_دمرت حبي ليك
وخلتني اهرب منك لغيرك.
أخذت نفس عميق تهدئ به من روعها
_ سبت الكل بيجولي
"مالك هو اللي مربيكي"
"مالك هو عوضك عن أبوكي"
خلتني صدجتهم... أو اضطريت أصدجهم، لأنك ولا لحظة بينت عشجك ليا، اللي كنت بشوفه في عينك
كان حب أخوي أجرب للأبوة، وده كان بيجتلني
لجأت لعدي لإن مكنش فيه غيره جدامي، جلت يمكن لما أحب حد تاني، أجدر أجتل اللي چوايا ناحيتك، أجدر أجنع نفسي إن اللي حاساه ده مجرد حب أبوي مش أكتر.
كنت بحمي نفسي من حب كنت فكراه مرفوض، حب كنت خايفة منه.
نظر إليها مالك بصدمة وألم، حاول أن يتحدث.
_روح، اسمعيني...
قاطعته بحدة، والدموع بدأت تسيل على خديها.
_أسمع إيه؟ أسمع مبرراتك اللي دمرتني؟
قطبت جبينها بقهر
_كنت فين لما كنت محتاچالك؟ كنت فين وأنا بتچوز واحد كنت فاكرة أنه معاي وهو جلبه مع غيري؟ أنت بعّدت نفسك عني، بنيت بينا سور خليتني أحس إني لوحدي في الدنيا دي كلها.
لو كنت صرحتني... لو كنت بس اديتني أمل... كانت كل حاچة هتختلف.
كنت هستناك العمر كله بس أنت اخترت تسيبني، وأنا دلوجت اللي بدفع التمن.
أنت السبب في الحياة الصعبة اللي عيشتها، وفي كل دمعة نزلت مني وأنا بعيدة عنك.
لم تعد تحتمل انهمرت دموعها بغزارة، وفي لحظة انهيار كامل، فعلت ما كان قلبها يصرخ به رمت بنفسها على صدره، ليس كحبيبة تبحث عن أمان بل كطفلة جريحة تضرب مصدر ألمها بدأت تضرب بقبضتيها الصغيرتين على صدره بوجع وقهر.
_ليه... ليه عملت فيا وفيك اكده... ليه...
لم يمنعها تركها تفرغ كل غضبها وألمها لم يستطيع احتوائها بذراعيه، ويمتص صدماتها وشهقاتها، لم يقوى على فعلها فمازالت بينهم حدود لا يتجرأ على تعديها
شعر بقلبه يتمزق لأجلها ولأجل نفسه همس في أذنها بصوت مكسور يملؤه الندم.
لم يصدق انها تعترف بحبها تعاتبه به
تعاتبه على شيء لم يراه سوى الآن
_مكنتش اعرف، كنت خايف أكون بجبرك.
هزت راسها بألم في حضنه
_كنت حربت عشاني..
_ خوفت... خوفت عليكي مني، خوفت أكون أناني، كنت بشوفك بتكبري جدامي، وكنت بجول لنفسي "مينفعش... دي أمانة واصغر منك"
كنت بحارب نفسي كل يوم عشانك
بُعدي مكنش تخلي، ده كان حماية ليكي من حبي اللي كنت فاكره غلط، كنت غلطان... أنا آسف يا روح... آسف على كل لحظة ألم عيشتيها بسببي.
تمتمت روح من بين دموعها.
_ليه حرمتني من إني أعرف؟ ليه سبتني أتعلج بوهم، وأنت حبك كان هو الحجيجة الوحيدة اللي المفروض أعيشها؟
وجد صوته يخرج أجشاً ومتحشرجاً من الألم.
_ عشان كنت فاكرك بتحبي أخويا.
نظرت إليه بصدمة وهو يهرب بعينيه منها، كأنه لا يستطيع مواجهة ألمها.
_ كنت بشوفك وإنتي بتضحكي معاه، بتهتمي بيه كنتي لسة صغيرة طفلة، وهو كان قريب من سنك، كنتي بتشوفيني الراجل الكبير، ابن عمك مكنتش شايف في عينيكي غير صورة الأخ الكبير.
ابتعد عنها خطوة كي لا يتعذب بقربها أكثر من ذلك وصوته أصبح همساً مليئاً بالأسف.
_ وبعدين... كنتي صغيرة أوي يا روح، وأنا كنت أكبر منك بـ 12 سنة.
خوفت عليكي من نفسي، خوفت لو اعترفتلك بحبي أكون بستغل طفولتك، أكون بسرق براءتك.
خوفت أكون أناني كان قراري إني أسافر هو الحل الوحيد.
قلت لنفسي أسيبك تكبري، تعيشي حياتك، ولو لسة ليكي نصيب معايا، القدر هيجمعنا.
نظرت إليه بدموعها التي أصبحت تنهمر بغزارة.
_ وهربت... وسيبتني.
أمسك وجهها بين يديه الكبيرتين برفق، ومسح دموعها بإبهاميه.
_ هربت بجسمي بس، لكن قلبي فضل هنا معاكي، مفيش يوم عدى وإنتي مش في بالي، مفيش ليلة نمتها من غير ما أدعي ربنا يحفظك
كنت بتابع أخبارك من بعيد، وبشوف صورك وحبك كان بيزيد، مبيجلش لحظة، كان بيكبر معاكي
كل سنة بتعدي كان حبي ليكي بينضج وبيكون أعمق.
كنت مستني... مستني بس إشارة واحدة منك، كنت هرمي كل حاچة وأرچع في نفس اليوم.
ظلت تبكي حتى استنفدت كل طاقتها، وهدأ جسدها المرتجف أبعدها برفق، ومسح دموعها بأنامله، ونظر في عينيها مباشرة، بعمق لم يجرؤ عليه من قبل.
_أنا عارف إن الكلام مش هيصلح اللي فات بس اللي چاي لسه في إيدينا، أنا مش هسيبك تاني... أبدًا.
أمسك يدها برفق، وشعر بارتجافة خفيفة سرت في جسدها لم يعد هناك مجال للتردد أو الخوف.
_روح...
قالها بصوت يحمل كل صدق العالم.
_تتچوزيني؟
لم يمنحها فرصة للرد، بل أكمل وهو يشد على يدها، وعيناه تتوسلان إليها.
_ تتچوزيني يا روح؟ تجبلي تبجي كل حاچة في حياتي؟.....
❈-❈-❈
بعد أن غادر مالك، بقى أكمل وحيداً في الصالة، يطوف بها ذهاباً وإياباً كوحش حبيس في قفص.
كان يشعر بالغضب والعجز، وبمرارة الظلم.
كيف تحول عمل نبيل أراد به الستر والمساعدة إلى فخ يطبق على عنقه؟ لم يكن غاضباً من مالك، فصديقه كان منطقياً وعقلانياً، بل كان غاضباً من الظروف، من الناس، ومن نفسه التي ورطته في هذا المأزق.
لن يقبل والداه بتلك الزيجة، وهو لم يكن عاقًا لهم أبدًا
وإن علموا ما حدث فلن يقبلوا بذلك.
لم يعد يحتمل هذا الصراع الداخلي وحده.
توقف في منتصف الغرفة، وبصوت عالٍ وحاد يفتقر إلى أي لمسة حنان، نادى عليها.
_ صبر!
بعد لحظات، ظهرت عند مدخل الصالة
كانت شاحبة، وعيناها تحملان نظرة منكسرة وفارغة، كأن روحها قد غادرت جسدها.
لم تقل شيئاً، فقط وقفت تنتظر.
نظر إليها أكمل بحدة، لم يكن يراها كإنسانة جريحة في تلك اللحظة، بل كتجسيد للمشكلة التي يواجهها، لم يقبل ان يفرض عليه شيء حتى لو كان يريده
_ طبعاً سمعتي كل حاجة مش كده؟
لم تجب بكلمة، فقط أومأت برأسها إيماءة بطيئة ومؤلمة هذا الإقرار الصامت زاد من انفعاله.
_ كويس يبجى وفرتي عليا الشرح
قالها بسخرية لاذعة وهو يشير بيديه
_ زي ما سمعتي، مفيش حل تاني للمصيبة دي غير اللي قاله مالك عشان كلام الناس وعشان سمعتك اللي بقت في الأرض بسببي وعشان أخلص من قرف أبوكي ده... لازم نتجوز!
كانت كل كلمة تخرج من فمه كصفعة على وجهها.
مصيبة
قرف.
شعرت بإهانة عميقة تجتاحها، إهانة جعلت دموعها حبيسة في عينيها، رافضة أن تمنحه متعة رؤية ضعفها.
أكمل هو بانفعال، غير آبه بصمتها أو بنظراتها الجريحة.
_ أنا عارف إن حاجة زي دي صعبة ومستحيلة، وصعبة عليا أنا كمان، يمكن أكتر منك بس أنا مضطر مضطر أعمل كده عشان أخرس كل لسان بيتكلم في البلد دي!
اقترب منها، ونظر إليها مباشرة وكأنه يملي عليها شروط صفقة تجارية بغيضة.
_ اسمعي كويس إحنا هنتجوز جواز على الورق وبس مجرد فترة لحد ما القصة دي تموت والناس تنسى.
ولما أقرر أرجع مصر وأرجع شغلي هناك، كل واحد فينا هيروح لحاله.
هطلقك، وساعتها تكوني حرة تعملي اللي إنتي عايزاه مفهوم؟
وقف ينتظر منها رداً أي رد.
لكن صبر ظلت صامتة، جامدة كتمثال من حجر.
في داخلها، كانت كل بقايا الأمل أو المشاعر الدافئة التي حملتها له يوماً ما، تتحطم وتتحول إلى رماد.
لقد حكم عليها ليس فقط بزواج مهين، بل حدد له تاريخ انتهاء صلاحية، مؤكداً لها أنها مجرد مرحلة مؤقتة ومزعجة في حياته سيتخلص منها في أقرب فرصة.
يتبع...
