-->

رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 42 - جـ 2 - الثلاثاء 23/9/2025

 

قراءة رواية ثنايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ثنايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا الخولي


الفصل الثاني والأربعون

الحزء الثاني 

تم النشر الثلاثاء  

23/9/2025


كانت تلك هي المرة الأولى التي تعترف فيها صراحة بأن أفعاله القاسية كانت في نظرها دليلاً على حبه.


تغيرت نظرة جاسر لم تعد مجرد عشق بل أصبحت جوعاً... جوعاً لروحها لوجودها، لكل تفصيل فيها. 

انزلقت يده من يدها إلى خصرها وسحبها نحوه حتى التصق جسدها بجسده بالكامل، ولم يعد هناك أي هواء يفصل بينهما.

_بتعملي فيا إيه يا نغم؟


همس السؤال في أذنها وأنفاسه الساخنة ترتطم ببشرتها مرسلة رعشة لذيذة عبر جسدها.

_كل يوم بكتشف فيكي حاچة جديدة... بتخليني أحبك أكتر. 

كل يوم بتوريني إن جوتك مش في عنادك، جوتك في جلبك اللي بيسامح وبيحتوي.


لم تستطع الرد كانت غارقة في عينيه في رائحته في قربه الذي أصبح وطنها.


انحنى ببطء لكنه لم يقبلها. 

توقف وشفتيه على بعد مليمترات من شفتيها كأنه يتلذذ بلحظة الترقب هذه.

_المرة دي... مش هسرجها منك.


كان صوته تحدياً رقيقاً دعوة صريحة. 

فهمت ما يريده لم يعد يريد أن يكون هو المبادر دائماً لم يعد يريد أن يأخذ كان يريدها أن تعطيه، أن تختاره هي بكامل إرادتها.


وبكل الشجاعة التي منحها إياها حبه رفعت نفسها على أطراف أصابعها وألغت هي المسافة الأخيرة بينهما. 

كانت قبلة مختلفة عن كل القبلات السابقة. 

لم تكن قبلة مسروقة ولا قبلة تحدي ولا قبلة غفران. 

كانت قبلة اختيار، قبلة ملكية، قبلة امرأة تعلن بجرأة أنها وجدت رجلها، وأنها ملكه بقلبها وروحها وجسدها.


بادلها القبلة بعمق وشغف ورفعها بين ذراعيه بسهولة وحملها خارج الإسطبل، متجهاً نحو البيت. 

لم يقطعا القبلة بل كانا يتنفسان من بعضهما البعض.

دلف من الباب الخلفي حتى لا يصادف أحد يجعله يعود لرشده الذي ضاع في حب تلك المرأة

وعندما وصلا إلى عتبة جناحهما انزلها وابتعد عنها قليلاً، وأسند جبينه على جبينها وعيناه تلمعان بانتصار عاشق.

_من النهاردة... مفيش أسرار مفيش خوف، ومفيش هروب فيه بس أني... وأنتي.


ثم أخذها إلى الداخل وأغلق الباب خلفهما ليبدآ معاً فصلاً جديداً من حكايتهما، فصلاً لا يكتبه الثأر أو الماضي بل يكتبه عشق رجل وجد في حبيبته خلاصه، وعشق امرأة وجدت في سجانها... حارس روحها الأبدي.

❈-❈-❈


كان قصر الرفاعي أشبه بخلية نحل تضج بالحياة والفرح انتهت النساء من وضع اللمسات الأخيرة على وليمة الصباحية الفاخرة، وتم ترتيب الصواني الضخمة بعناية فائقة، كل صينية تحمل تحفة فنية من الطعام الشهي الذي أُعد بحب خصيصاً لعروس العائلة. 

رائحة الخبز الطازج واللحم المشوي وعبير التوابل الأصيلة كانت تملأ كل ركن من أركان القصر، معلنة عن يوم استثنائي.


في البهو الخارجي كان الرجال قد تجمعوا، أصواتهم ترتفع بالضحكات والأحاديث الودية. 

كان الحاج وهدان يجلس في صدر المجلس ووجهه يشع بسعادة ورضا لم يشهدهما منذ سنوات طويلة بجانبه جلس ابنه سالم يراقبان الجيل الجديد بفخر.


خرج مالك وسند معاً من القصر، يرتديان جلابيبهما الأنيقة التي تليق بهذه المناسبة السعيدة. 

كان سند يحمل ابنه "عدي" الذي استيقظ لتوه وعيناه الصغيرتان تتفحصان هذا الجمع الكبير بفضول بينما كان مالك يلقي نظرة قلقة نحو الطابق العلوي ينتظر نزول روح.


بعد لحظات بدأت النساء في الخروج تباعاً كأنهن سرب من الفراشات الملونة. 

خرجت ليل ونادية أولاً تحملان بعض الأطباق الخفيفة، ووجوههن تملؤها الفرحة. 

تبعتهن وعد التي كانت تضبط شالها الأنيق وتبادلت نظرة حب سريعة مع سند الذي ابتسم لها من بعيد.


وأخيراً ظهرت روح عند مدخل القصر تسير ببطء وحذر، كانت ترتدي فستاناً فضفاضاً جميلاً يبرز حملها المتقدم، وعلى وجهها ابتسامة هادئة. 

ما إن رآها مالك حتى تحرك نحوها فوراً، ووضع يده على ظهرها بحنان وهمس

_ كيفيك دلوجت يا روح؟


أومأت له برأسها ووضعت يدها على يده المطمئنة.

بدأ الشباب في حمل الصواني الثقيلة وتوزيعها في السيارات التي اصطفت أمام القصر كانت الأجواء احتفالية بحق كل شخص يتحرك بهمة ونشاط والهدف واحد: إيصال الفرحة والسعادة إلى قلب نغم في يومها المميز.


أعطى الحاج وهدان إشارة البدء بصوته الجهوري

_ يالا يا ولاد، اتحركوا مش عايزين نتأخر على العروسة.


صعد الجميع إلى السيارات ركب الحاج وهدان وسالم في سيارة، ومالك وروح وليل وورد في سيارة أخرى، وسند ووعد ووالدته في سيارة ثالثة، بينما امتلأت بقية السيارات بالشباب وبقية أفراد العائلة والطعام.


انطلق موكب السيارات ببطء من بوابة القصر، الواحدة تلو الأخرى كقافلة فرح مهيبة تشق طريقها نحو بيت الجبل. 

كانت الشمس مشرقة والسماء صافية والقلوب عامرة بالحب والأمل، في طريقهم للاحتفال بنهاية حقبة من الألم وبداية عهد جديد من السلام والسعادة لعائلة الرفاعي.


❈-❈-❈

كانت نغم تقف أمام خزانة الملابس المفتوحة، وتمرر نظرها بين الفساتين والعباءات المعلقة بعناية. 

كانت تشعر بمزيج من السعادة والتوتر فبعد قليل سيصل أهلها ليباركوا لها في بيتها الجديد وأرادت أن تبدو في أبهى صورة، ليس فقط لتسعدهم بل لتشعر هي نفسها بأن هذه بداية جديدة وحقيقية.


لكن كلما نظرت إلى ملابسها شعرت بأن شيئاً ما ينقصها. 

لا شيء يبدو مناسباً تماماً لهذه المناسبة الخاصة.


في تلك اللحظة انفتح باب الحمام بهدوء وخرج جاسر منه. 

رآها واقفة أمام الخزانة بملامح حائرة فابتسم.


اقترب منها بخطوات هادئة ووقف خلفها مباشرة ثم انحنى وطبع قبلة دافئة على خدها وهو يهمس بالقرب من أذنها بصوته العميق

_ملكة جلبي حيرانة ليه؟


التفتت إليه قليلاً وقالت بتنهيدة

_أهلي چايين كمان شوية ومش عارفة ألبس إيه. 

حاسة إن كل الهدوم دي مش مناسبة.


نظر جاسر إلى انعكاس وجهها الحائر في مرآة الخزانة وابتسم ابتسامة جانبية ماكرة.

_تؤ تفتكري إن حاچة زي دي ممكن تفوتني؟


وقبل أن تفهم ما يعنيه أحاطها بذراعيه من الخلف ومد يده إلى أعمق جزء في الخزانة، في مكان لم تكن قد وصلت إليه بعد. 

سحب بهدوء كيساً أنيقاً كان مخبأً بعناية.


ناولها الكيس وهو لا يزال يقف خلفها وهمس

_افتحيه.


بأصابع مترددة فتحت نغم الكيس لتسحب منه عباءة بيضاء فاخرة حبست أنفاسها من جمالها. 

كانت العباءة مصنوعة من قماش انسيابي بتطريز ذهبي هادئ وراقٍ يزين منطقة الصدر وأطراف الأكمام. 

كان تصميمها بسيطاً لكنه ملكي؛ مجسمة قليلاً عند الخصر لتبرز رشاقتها ثم تنسدل باتساع ونعومة حتى الأرض، بأكمام واسعة تضفي عليها فخامة ورونقاً خاصاً.


ظلت تنظر إلى العباءة بانبهار لم تكن تتخيل شيئاً بهذا الجمال لقد فكر في كل شيء، حتى في هذه التفصيلة الصغيرة. 

لقد أعد لها زياً يليق باستقبال أهلها كملكة في مملكتها الجديدة.


استدارت بين ذراعيه لتواجهه وعيناها تلمعان بالدموع من فرط السعادة.

_جاسر... أنا... أنا مش عارفة أجولك إيه.


وقبل أن تكمل جملتها أو تحاول شكره وضع إصبعه برفق على شفتيها مقاطعاً إياها.

_شششش...

نظر في عينيها مباشرة، وتحولت نظرته الماكرة إلى نظرة عميقة مليئة بالرغبة والشوق.

_الشكر مش عايزه كلام.


انحنى أكثر حتى لامست أنفاسه وجهها وهمس بصوتٍ أجش

_عايزه فعل... بس بعد ما أهلك يمشوا.


ثم غمز لها وابتعد عنها متجهاً نحو ملابسه تاركاً إياها واقفة في مكانها تحتضن العباءة البيضاء وقلبها يخفق بعنف من مزيج السعادة والخجل والترقب لما سيأتي. 

لقد أثبت لها مرة أخرى أنه يفكر في أدق تفاصيل سعادتها، ولكنه دائماً ما يطالب بثمنه بطريقته الخاصة.

❈-❈-❈

كان أكمل يقود سيارته عائداً إلى المنزل ورأسه مثقل بتفاصيل القضايا وملفات العمل التي لا تنتهي. 

كل ما كان يتمناه هو أن يجد بعض الهدوء والسكينة بين جدران بيته فتح باب الشقة بهدوء ودخل، لكنه توقف في مكانه عند مدخل غرفة المعيشة متجمداً أمام مشهد لم يكن ليتخيله في أكثر أحلامه جموحاً.


كانت صبر تجلس إلى طاولة الطعام الكبيرة التي تحولت إلى مكتبة مصغرة الأوراق والكتب مبعثرة حولها بطريقة منظمة وقلم في يدها تدون به الملاحظات بتركيز شديد. 

وبجوارها كان يجلس والده حسين منحنياً فوق أحد الكتب المفتوحة، يشرح لها نقطة معقدة بصبر وأناة، ويشير بإصبعه إلى فقرة معينة

 كانت صبر تستمع إليه باهتمام مطلق، وتهز رأسها بين الحين والآخر علامة على الفهم.


وقبل أن يستوعب أكمل هذا المشهد الأول، خرجت والدته نسرين من المطبخ وهي تحمل صينية عليها أكواب من عصير الليمون المثلج. 

تحركت بهدوء ووضعت الأكواب أمامهما على الطاولة، وربتت على كتف صبر بحنان وهي تقول

_ اشربي يا حبيبتي روقي دمك شوية دماغك هتنفجر من كتر المذاكرة.


كان المشهد كاملاً أمامه الآن زوجته التي كانت تخشى من ظلها، تجلس بثقة وتنهل من علم والده

ووالده الصارم دكتور الجامعة يبدو مستمتعاً بدوره. 

ووالدته تجلس بجانبهم تقدم الدعم والحنان.


شعر أكمل بغصة دافئة في حلقه لقد تحول بيته إلى شيء لم يكن يتوقعه أبداً، لقد أصبح منزلاً حقيقياً مليئاً بالدفء والحياة.


في تلك اللحظة، لمحته نسرين واقفاً عند المدخل فابتسمت ابتسامة عريضة ومشرقة.

_ حمد الله على السلامة يا حبيبي.


انتبه حسين وصبر لوجوده نهض حسين من مكانه وهو يمدد ظهره بتعب مصطنع.

_ أهلاً كويس إنك جيت بما إن جوزك وصل يبقى مهمتي خلصت خليه هو يكمل معاكي بقى.


ضحكت نسرين وهي تأخذ منه الكتاب.

_ إيه يا حسين زهقت من ساعتين مذاكرة بس؟


هز حسين رأسه بجدية مازحة وهو يتجه نحو ابنه.

_ ساعتين إيه بس؟ أنا أصلاً زهقان منه في الجامعة، مش هيبقى في البيت وفي الجامعة كمان! كفاية عليا أشوف الوش ده هناك كل يوم.


ابتسم أكمل لوالده الذي ربت على ظهره بقوة، ثم نظر إلى صبر التي كانت تنظر إليه بخجل وسعادة، وعيناها تلمعان بامتنان. 

لم يقل شيئاً لكن نظراته كانت تحمل كل الكلام كانت تقول لها "شكراً". 

شكراً لأنكِ جلبتِ هذه الحياة إلى بيتنا، وشكراً لأنكي أصبحتي جزءاً من هذه اللوحة الجميلة.


تقدم نحو الطاولة وأخذ كوب العصير الذي تركه والده وجلس في مكانه بجوار صبر. 

نظر إلى الكتاب المفتوح ثم إليها وقال بابتسامة هادئة

_ ها واقفين عند أنهي مادة؟


كانت لحظة بسيطة لكنها كانت تعني كل شيء. 

كانت إعلاناً صامتاً بأن هذا البيت بكل من فيه، قد وجد أخيراً إيقاعه الخاص من السعادة والتناغم.


❈-❈-❈

كانت الشمس تلقي بأشعتها الذهبية على حديقة البيت الفسيحة عندما توقفت سيارات عائلة الرفاعي أمام البوابة الكبيرة. 

نزل منها وهدان الجد بشموخه المعهود، يتبعه سالم وحامد وسند ومالك.


كان جاسر في انتظارهم عند مدخل المضيفة يقف بثقة وهيبة لكن عينيه كانتا تحملان ترحيباً حقيقياً. 

ما إن رأوا بعضهم حتى ساد صمت قصير صمت يحمل في طياته تاريخاً من الصراع لكنه اليوم يُطوى ليبدأ فصل جديد.


تقدم وهدان أولاً ونظر في عيني جاسر مباشرة نظرة فاحصة وقوية ثم ابتسم ابتسامة خفيفة ومد يده.

_مبروك يا ولدي.


صافحه جاسر بحزم واحترام.

_الله يبارك فيك يا چدي البيت نور بوچودكم.


تبادل التحية مع سالم وحامد، ثم جاء دور سند صافحه جاسر بحرارة وقال بنبرة صادقة

_مبروك على المولود يا سند يتربى في عزك.


رد سند بابتسامة هادئة

_الله يبارك فيك وألف مبروك 


جاء دور مالك الذي ابتسم له كإبن عمته وعديله وليس شيء آخر

_مبروك يا جاسر الف مبروك شكلك رايج ومبسوط.

رد جاسر بترحيب

_الله يبارك فيك، أكيد رايج يا مالك اتفضل.

 


كانت جملة بسيطة لكنها كانت بمثابة اعتراف بأن كل شيء قد انتهى، وأن السعادة قد وجدت طريقها للجميع.


جلسوا جميعاً وبدأت القهوة تُقدم كان الجو في البداية رسمياً بعض الشيء، لكن سرعان ما بدأ سالم في الحديث عن الأراضي والمحاصيل، وبدأ وهدان يروي حكاية قديمة وبدأ الجليد يذوب تماماً. 

كان جاسر يستمع باهتمام يشارك في الحديث ويضحك أحياناً. 

كان رجال العائلتين يجلسون معاً، لا كأعداء سابقين بل كأنساب جدد، يجمعهم الآن رابط أقوى من أي ثأر... حبهم لنغم.


في الصالون الداخلي للنساء...


في الداخل كانت الأجواء مختلفة تماماً. 

كانت صاخبة مليئة بالضحك والزغاريد الخافتة

ما إن دخلت ليل وروح ووعد والبقية حتى استقبلتهن ونس بالأحضان والقبلات الحارة.


كانت نغم تقف في وسط الصالون ترتدي العباءة البيضاء التي أهداها لها جاسر، وتبدو كأميرة حقيقية. 

عانقت والدتها عناقاً طويلاً وهمست ليل في أذنها

_وشك منور يا جلب أمك باين عليه حاطك في عينيه.


ثم جاء دور روح التي عانقتها بقوة وهمست بمرح

_العباية دي چميلة أوي يا نغم هتنطج عليكي.


ضحكت نغم، ثم احتضنت وعد التي كانت تنظر إليها بسعادة غامرة.

_ألف مبروك يا نغم، فرحتك بالدنيا كلها.


جلست النساء جميعاً وكانت ونس تتصرف كأم حقيقية للجميع، تقدم الحلوى والعصائر بنفسها، وتتحدث مع ليل كأنهما صديقتان قديمتان.

_البيت ده كان ضلمة من غيرها يا أم نغم ربنا يباركلك فيها، رجعت الروح للبيت ولابني.


كانت روح ووعد لا تتوقفان عن ممازحة نغم.

قالت روح وهي تغمز لها

_ها لسة بتصحي بدري تساعدي طنط ونس في المطبخ؟


ردت ونس بسرعة وهي تضحك

_لأ ابني اللي بيصحى دلوجت يدور عليها في المطبخ.


انفجر الجميع في الضحك واحمر وجه نغم التي لم تجد ما تقوله.


كانت السعادة تملأ المكان سعادة ليل وهي ترى ابنتها معززة مكرمة في بيتها، وسعادة ونس وهي ترى ابنها قد وجد نصفه الآخر، وسعادة الأخوات وهن يرين بعضهن مجتمعات في الفرح بعد طول عناء. 

لم يكن هناك أي أثر للماضي الأليم، بل كانت هناك فقط بهجة الحاضر، وأمل المستقبل المشرق الذي يجمع العائلتين.

كانت ورد تتذكر ذلك المنزل الذي لم يتغير كثيراً 

فشعرت بها ونس وربتت على يدها بحنو

_الباب اتفتح يا ورد مش هيكون ليكي حچة بعد إكدة.

ردت ورد الابتسامه 

_أكيد يا أم جاسر، ربنا يديم المحبة بينا.


بعد أن غادر أهلها والبيت يعج بصدى ضحكاتهم وبهجتهم، شعرت نغم بسعادة غامرة. 

توجهت إلى المطبخ حيث كانت ونس وسامية تقومان بترتيب الأطباق.

_أساعدكم في حاچة ؟


ابتسمت ونس بحنان ووضعت يدها على كتف نغم.

_مفيش حاچة تتعمل يا حبيبتي وبعدين عريسك فوج لوحده، روحي لچوزك ده زمانه بيعد الدجايج.


أصرت ونس عليها حتى استجابت نغم بخجل، وصعدت الدرج وقلبها يخفق بترقب.


فتحت باب الجناح بهدوء فوجدت جاسر يقف أمام خزانة الملابس، يغلق بابها للتو. 

كان يرتدي ملابسه المنزلية المريحة، وماسكاً في يده علبة قطيفة صغيرة داكنة اللون.


ما إن رآها حتى ارتسمت على وجهه ابتسامة ساحرة، ابتسامة كانت مخصصة لها وحدها. 

اقترب منها بخطوات واثقة وكل نظرة من عينيه كانت تهمس بكلمات الشوق.


لم يقل شيئاً فقط أحاط خصرها بذراع ومال عليها ليطبع قبلة عميقة وحنونة على شفتيها، قبلة كانت تحمل كل ما شعر به من فخر وسعادة وهو يراها بين أهلها في بيته.


عندما ابتعد عنها قليلاً أسند جبينه على جبينها، وهمس بصوتٍ أجش

_وحشتيني الشوية دول.


ذابت الكلمات في أذنيها وابتسمت بحب.

_وأنت كمان كنت مبسوطة جوي النهاردة يا جاسر. 

حسيت إن كل حاچة رچعت أحسن من لول.


مرر إبهامه برقة على خدها.

_ده مش هياچي حاچة چمب السعادة اللي هعيشّك فيها. 

كل يوم هصحى من النوم وهيكون كل همي إزاي أخليكي أسعد من اليوم اللي جبله. 

أنتي بجيتي النفس اللي بتنفسه يا نغم.


شعرت بقلبها يذوب من كلماته الصادقة ثم انتبهت للعلبة التي لا يزال يمسكها في يده الأخرى.

_إيه اللي في يدك ده؟


ابتسم جاسر ابتسامة غامضة، ورفع العلبة بينهما.

_دي حاچة تخصك... ورجعت لصاحبتها.


فتح العلبة ببطء أمام عينيها

 في الداخل، على وسادة من المخمل كانت ترقد سلسلتها الذهبية الرقيقة تلك الذكرى الوحيدة المتبقية لها منه، والتي كانت قد فقدتها في بيت الجبل قبل أن تتركه وتعود لأهلها.


اتسعت عيناها بذهول وشعرت بالدموع تتجمع فيها فجأة رفعت نظرها إليه، وعيناها تسألان ألف سؤال.

_إنت... إنت لجيتها إمتى؟


قال بهدوء وعيناه تلمعان بحب عميق

_لجيتها في نفس اليوم اللي مشيتي فيه من بيت الجبل

لجيتها على الأرض چمب السرير. عرفت إنها وجعت منك.


مسحت دمعة هاربة قبل أن تنزل.

_طب... طب ليه مجولتليش؟ ليه مدتهاليش من وجتها؟


_عشان كنت مستني الوجت المناسب. 

كنت مستني اليوم اللي أجدر أدهالك فيه وأنتي في حضني، مش وأنتي بعيدة عني وبعدين...


أخرج السلسلة من العلبة وأمسكها بين أصابعه.

_بعتها للصايغ يكبرها شوية ويصلح الجفل بتاعها عشان لما تلبسيها تاني متجعش منك أبداً.


لم تعد قادرة على التحمل لم يكن مجرد عثوره على السلسلة هو ما أثر فيها، بل تفكيره العميق احتفاظه بها كل هذا الوقت وانتظاره للحظة المثالية وإصلاحها ليتأكد أنها لن تضيع مرة أخرى. 

كل هذه التفاصيل الصغيرة كانت تصرخ بحبه الذي لا حدود له.


لم تجد أي كلمات يمكن أن تعبر عما تشعر به، كل ما فعلته هو أنها ألقت بنفسها في حضنه ودفنت وجهها في صدره وعانقته بكل قوتها.

_بحبك... بحبك جوي يا جاسر.


شدد جاسر من احتضانها وشعر بأنه يمتلك العالم كله بين ذراعيه. 

لقد أعاد إليها ذكرى من والدها لكنه في المقابل فاز بقلبها إلى الأبد.

يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا الخولي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة