-->

رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 16 - جـ 1 - الإثنين 1/9/2025

 

قراءة رواية ثنايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ثنايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا الخولي


الفصل السادس عشر 

الحزء الثاني

تم النشر الإثنين 

1/9/2025


فهمت وعد ما يلمح إليه. 

تلك العادة القاسية التي ستكون بمثابة الإعلان النهائي عن اكتمال هذا الزواج القسري في نظر الجميع. 

شعرت بالخجل والمهانة، ليس من طلبه، بل من السياق كله.


مد يده نحوها ليس ليلمسها، بل كدعوة. 

_القرار في إيدك يا وعد لو وافجتي نبدأ حياتنا دي من النهاردة... بجد أنا هكون ليكي الزوج اللي يحميكي ويصونك ولو رفضتي... هحترم قرارك، بس لازم نعرف هنتعامل مع اللي بره كيف.


نظرت وعد إلى يده الممدودة، ثم إلى وجهه. 

رأت فيه الصدق والمسؤولية، ورغبة حقيقية في بناء شيء من تحت الأنقاض. 

لم ترى فيه الحب الذي كانت تتمناه، لكنها رأت رجلاً شريفًا يحاول أن يفعل الصواب ويعطيها كل حقوقها.

أدركت أن هذه هي فرصتها الوحيدة إما أن تظل في دور الضحية المقهورة، أو أن تقبل بهذه البداية وتراهن على أن حبها الصامت قد يتمكن يومًا ما من شفاء جراحهما معًا.


ببطء، رفعت يدها المرتجفة ووضعتها في يده كانت لمسته دافئة وحازمة.


عندما شعر بموافقتها الصامتة، سحبها إليه برفق لم تكن حركة عنيفة أو شهوانية، بل كانت حركة رقيقة تحمل في طياتها الاحترام والتقدير لقرارها. رفع يده الأخرى وأزاح بلطف خصلة شعر شاردة عن وجهها، ثم انحنى وطبع قبلة هادئة على جبينها، قبلة كانت بمثابة عهد وبداية.


سمحت له بأن يقودها نحو الفراش، وفي قلبها مزيج من الخوف والأمل كانت تسلم له نفسها، ليس فقط كزوجة تؤدي واجبها، بل كامرأة تحب، تراهن بكل ما تملك على أن هذا الزواج، الذي وُلد من رحم الألم، قد يزهر فيه الحب يومًا ما.


❈-❈-❈


في غرفة روح وعدي


أُغلق باب جناحهما، وانفصلا عن عالم الفرح الزائف، ليجدا نفسيهما في صمت أكثر قسوة وإيلامًا

وقفت روح في منتصف الغرفة، قلبها يخفق بمزيج من الحب والخجل والترقب. 

كانت تحب عدي بعمق، ورغم حزنها على أختها، كانت هناك زاوية صغيرة في قلبها تتشبث بحلم هذه الليلة، حلم البداية الحقيقية معه.


لكن عدي كان شخصًا آخر ما إن دخل الغرفة حتى خلع سترته وألقاها على المقعد بعنف مكتوم. 

بدأ يسير في الغرفة ذهابًا وإيابًا كوحش محبوس في قفص، يداه تشد شعره بين الحين والآخر، وعيناه تشتعلان بنار القلق والغضب. 

لم ينظر إليها حتى، وكأنها غير موجودة.


تجمعت الدموع في عيني روح وهي تراه على هذه الحال. 

تقدمت نحوه بخطوة مترددة، ومدت يدها لتلمس ذراعه برفق.

همست بصوتٍ ناعم ومرتجف. 

_عدي....،مالك؟


انتفض عدي مبتعدًا عن لمستها وكأنها لدغة أفعى. 

استدار وواجهها، وكانت نظرته باردة وقاسية، نظرة لم ترها في عينيه من قبل.

قال بحدة

_مفيش.....، مفيش حاچة.

قالت بصوت مكسور. 

_إزاي مفيش؟

أنا مراتك يا عدي، لو مش هتتكلم معايا هتتكلم مع مين؟ أنا حاسة بيك، وحاسة بوجعك عشان نغم، بس...


قاطعها بصوتٍ عالي جعلها تتراجع خطوة

_بس إيه؟!

هتجوليلي إيه اللي المفروض أحس بيه؟ 

هتجوليلي أفرح وأحتفل وأنتي أختك بتترمي في النار؟!


_لأ، مجصدش...

صرخ فيها، وهذه المرة كان صراخه يحمل كل قهر العالم. 

_يبقي تسكتي!

مش عايز أتكلم مش مستعد لأي كلام مش عايز أسمع أي حاجة.


انهارت روح لم تكن تتوقع هذه القسوة جلست على حافة السرير، والدموع تنهمر على وجهها بصمت، تحرق خديها لقد تحطمت كل أحلامها في لحظة. 


ساد صمت طويل ومؤلم، لم يقطعه سوى شهقاتها المكتومة نظر إليها عدي، وللحظة ظهرت لمحة من الندم في عينيه لرؤيتها بهذا الشكل، لكن صورة نغم وهي وحيدة وضعيفة طغت على كل شيء.


فجأة توقف عن السير ووقف أمامها كانت نظرته قد تغيرت، أصبحت عملية باردة ومخيفة.

_جومي.

أمرها بصوتٍ خالي من أي عاطفة.

نظرت إليه من خلال دموعها، لم تفهم

_جومي بجولك.


وقفت أمامه وهي ترتجف، لا تعرف ماذا يريد. 

مد يده وأمسك بذراعها بقوة، قبضته كانت فولاذية.

_أمك... وأمي... مستنيين تحت.

قال من بين أسنانه. 

_مستنيين 'النتيجة' عشان يكملوا فرحتهم الكدابة.


لم تفهم روح ما الذي يخطط له هل سيجبر نفسه عليها؟ هل سيحول حبهما إلى مجرد واجب قاسي؟


لكنه لم يفعل ذلك. 

بدلًا من ذلك، سحبها بقوة نحو منضدة الزينة الصغيرة، وفتح درجها بعنف، وأخرج منه شفرة صغيرة.


تجمد الدم في عروق روح وهي تراه يقوم باخراجها من غلافها وهي تلمع في يده.

_عدي... أنت هتعمل إيه؟

سألت برعب حقيقي.


لم يرد أمسك ذراعها بقوة أكبر، ورفع أكمام فستانها قليلاً ليكشف عن بياض ذراعها الناعم. 

نظرت في عينيه، فرأت فيهما قرارًا لا رجعة فيه، وعذابًا لا يوصف.

_غمضي عنيكي.

أمرها بصوت أجش.

تطلعت اليه بذعر وقالت برجاء

_لأ... عدي أرجوك...

تحدث بحدة آمرا

_بجولك غمضي!


أغمضت عينيها بقوة، واستعدت للألم. وفي اللحظة التالية، شعرت بوخزة حادة وحارقة في ذراعها. 

انطلقت منها صرخة ألم مكتومة، واختلطت بدموع القهر التي كانت تنهمر بالفعل. 

لقد جرحها جرحًا بسيطًا، لكنه كان عميقًا بما يكفي لينزف، ومؤلمًا بما يكفي ليحفر ندبة في روحها قبل جسدها.


رأت الدم الأحمر النقي يتجمع على بشرتها البيضاء 

بسرعة، وقبل أن تستوعب ما حدث، اخذ عدي منديلًا أبيض، وضغطه على الجرح ليمتص الدماء، ملطخًا بياضه الناصع بلون الألم والخيانة.


ترك ذراعها فجأة، وتراجع خطوة إلى الوراء، ينظر إلى المنديل في يده وكأنه دليل على جريمته. 

ثم نظر إليها وهي تقف أمامه، مكسورة، تنظر إلى الجرح النازف على ذراعها ثم إليه، بعينين لم يعد فيهما حب أو أمل بل صدمة وخيبة لا حدود لهما.


_ده... عشانهم.

قال بصوت متحشرج، وهو يرفع المنديل الملطخ بالدماء. 

_عشان المسرحية تكمل.

القاه بأهمال على الفراش

استدار خارجاً من الغرفة، متجهًا إلى الشرفة ليواجه ليلته الطويلة بمفرده، تاركًا إياها واقفة في مكانها، تنزف من جرحين: جرح في ذراعها سيشفى مع الوقت، وجرح أعمق بكثير في قلبها، جرح قد لا يندمل أبدًا. 

لقد أثبت لها في ليلة زفافهما أنه مستعد أن يجرحها ويؤلمها، فقط ليظل وفيًا لألمه التي لا تعرف سببه.


❈-❈-❈


في غرفة نغم..


كان الصمت حيًا، مليئًا بالأشباح والذكريات. 

كانت تستلقي بجانب أم جاسر، التي غطت في نوم عميق بعد يوم طويل من القلق والمواساة. 

أما نغم، فقد هجرها النوم تمامًا

كانت عيناها مفتوحتين في الظلام، تحدقان في السقف الذي لا يرى، بينما عقلها يعج بصور وأصوات عالمها المفقود.


ببطء وحذر شديدين حتى لا توقظ المرأة النائمة بجانبها، مدت يدها المرتجفة إلى هاتفها الذي خبأته تحت الوسادة. 

فتحت الشاشة، وخفضت إضاءتها إلى أدنى درجة، وكأنها تخشى أن يفضح هذا النور الضئيل عمق الظلام الذي استقر في روحها.


فتحت معرض الصور كانت تلك هي بوابتها الوحيدة إلى حياة لم تعد تملكها.


أول صورة ظهرت كانت لوالدها كان يضحك بصوته الأجش المميز في إحدى المناسبات العائلية، يضع ذراعه حول كتفها بفخر. 

تذكرت كيف كان يناديها "أميرتي"، وكيف كان يتباهى بقوتها وعنادها الذي ورثته عنه. 

ليته ظل معها ولم يتركهم

مررت إصبعها لتظهر صورة والدتها كانت تبتسم ابتسامتها الحنونة، وعيناها تشعان بالدفء. 

تذكرت ليالي الحمى حين كانت والدتها لا تنام، تضع الكمادات الباردة على جبينها وتقص عليها الحكايات حتى تغفو. 

تذكرت نصائحها التي كانت تظنها قيودًا، لتكتشف الآن أنها كانت درعًا يحميها. 

أين هذا الدرع الآن؟ هل فكرت فيها والدتها اليوم؟ هل بكت من أجلها، أم اكتفت بالدعاء الصامت خوفًا من الناس هي أيضا 


ثم جاءت صورة روح، أختها ورفيقة دربها. 

كانتا في الصورة تضحكان حتى أدمعت عيناهما، في لحظة عفوية لا يعرف سرها سواهما. 

تذكرت أسرارهما المشتركة، ملابسهما التي تتبادلانها، أحلامهما التي كانتا تنسجانها معًا في ليالي الصيف. 

تذكرت مكالمتهما الأخيرة، صوت روح المكسور وهو يؤكد لها حقيقة الخذلان. شعرت بألم مضاعف، ألم على نفسها، وألم على أختها التي تُركت هناك لتواجه العاصفة وحدها.


صورة وعد، ابنة عمها البريئة. 

كانت في الصورة تحمل قطة صغيرة، وابتسامتها خجولة ورقيقة، تذكرت كيف كان كلاهما يلجأن إلى بعضهم عندما يواجه اي منهم مشكلة وكيف يسارع الآخر في حلها، وعد الضحية البديلة التي قُدمت على مذبح الكبرياء شعور الذنب تجاهها كان كالحجر الثقيل على صدرها.


وعد، سند، عدي، مالك، اعمامها، جدها... مرت صورهم جميعًا أمام عينيها كل وجه كان يحمل ذكرى، كل ابتسامة كانت تحكي قصة. 

كانت تتصفح حياتها الماضية، تتلمسها للمرة الأخيرة، كمن يزور قبر عزيز ليلقي نظرة الوداع كانت هذه الصور هي كل ما تبقى لها من عالمها، لكنها كانت أيضًا مصدر ألم لا يطاق، تذكير دائم بما خسرته، وبمن تخلوا عنها.


اتخذت قرارها كان قرارًا مؤلمًا، كبتر عضو مريض لإنقاذ بقية الجسد.


بإصبع يرتجف، ضغطت على صورة والدتها طويلاً، ثم بدأت في تحديد بقية الصور. 

صورة والدتها، روح، وعد، كل العائلة كل الأصدقاء، كل ذكرى

حددت كل شيء مئات الصور التي شكلت ذاكرتها وهويتها.


ظهرت أمامها الكلمة القاسية على الشاشة: 

"حذف".


ترددت للحظة، وارتجف هاتفها في يدها، كانت هذه هي اللحظة الأخيرة، نقطة اللاعودة ثم أغمضت عينيها وضغطت.


اختفى كل شيء أصبح المعرض فارغًا، أبيض، ونظيفًا بشكل مرعب لقد محت ماضيها بإرادتها، قطعت آخر خيط كان يربطها بهم. 

لم تعد ابنة أحد، أو أخت أحد، لقد أصبحت نغم فقط وحيدة.


في تلك اللحظة، انهار السد الأخير 

لم تعد قادرة على كبت الألم. 

بدأ جسدها يهتز بعنف، لكنها كتمت صوت بكائها في الوسادة، لم تخرج منها سوى شهقات صامتة ومتقطعة، اهتزازات عنيفة لروح تتمزق في صمت.


اهتزاز جسدها بجانبها أيقظ أم جاسر من نومها الخفيف. 

فتحت عينيها في الظلام، وشعرت بالارتجافات الصامتة التي تهز الفتاة بجانبها. 

لم تحتاج إلى كلمات لتفهم لقد عرفت هذا النوع من البكاء، بكاء من فقد كل شيء.


بحركة بطيئة وحانية، استدارت نحوها، ومدت ذراعيها وسحبت نغم إلى حضنها الدافئ. 

لم تقل شيئًا، بل ضمتها بقوة، كأم تحتضن طفلتها المذعورة بعد كابوس. 

وضعت يدها على شعر نغم، وبدأت تربت عليه برفق.


تشبثت نغم بها، ودفنت وجهها في صدرها، وأطلقت العنان أخيرًا لبكاء حقيقي، لكنه ظل مكتومًا، حارقًا.


_ششش... اهدي يا بنيتي.

همست أم جاسر بصوتٍ حنون. _ولا أجولك..ابكي... طلعي كل اللي في جلبك أنا معاكي أنا هنا مش هسيبك.


لم تكن كلماتها مجرد مواساة، بل كانت مرساة ألقتها نغم في محيط من اليأس. 

في حضن هذه المرأة، التي كانت يومًا جزءًا من عالم أعدائها، وجدت نغم أول ملاذ حقيقي لها. 

لم يكن حضنًا يمحو الألم، لكنه كان حضنًا يشاركها إياه، ويؤكد لها أنها رغم كل الخذلان، لم تعد وحيدة تمامًا في هذا الجحيم.


❈-❈-❈


بعد الانتهاء صعد مالك إلى غرفته بعد أن أدى المشهد بكريقة تليق به، وأخفى ألمًا لو شعر به العالم لرأف به وبحاله.


كل زغرودة كانت كالمطرقة التي تهوي على صدره. 

كل ضحكة كانت كالشفرة التي تمزق روحه. 

انتهت أحلامه، لقد انتهت في اللحظة التي رأى فيها "روح" بفستانها الأبيض، جميلة كحلم لم يكن مقدراً له أن يعيشه، وهي تسير نحو أخيه "عدي".

لكن المصيبة أن حبه لم ينتهِ.

لم يمت الحب بموت الحلم. 

بل ظل هناك، حياً ينبض في كل خلية من جسده يصرخ في صمت مع كل نفس يأخذه. 

وهذا هو ما حوّله من عاشق مكسور إلى شيء أسوأ بكثير لقد أصبح خائناً.

هذه الكلمة كانت تتردد في عقله بلا رحمة. 

كل نظرة يسرقها لروح، كل دقة قلب يشعر بها عند سماع صوتها، كل ذكرى تلمع في ذهنه، أصبحت الآن طعنة في ظهر أخيه. 

لم يعد حبه نقياً، بل تلوث بالذنب والخيانة، الأمر الأكثر قسوة هو أنه كان يعلم الحقيقة، يعلم أن روح لم تحبه يوماً كما أحبها هو. 

كان يرى الطريقة التي تضيء بها عيناها عندما تتحدث مع عدي، يرى الابتسامة التي كانت تخصه هو فقط.

 كان يعلم أن قلبها كان دائماً مع أخيه، وهذا ما جعل ألمه مضاعفاً. 

لم يخسرها لغريب، بل خسرها لأخيه الذي كان يملك قلبها منذ البداية.

أغمض مالك عينيه بقوة، وارتسم على وجهه تعبير من الألم الخالص.

 استند بجبينه على الزجاج البارد للشرفة، وشعر بدمعة حارقة واحدة تنزلق على خده، لم تكن دمعة حزن على حب ضائع، بل كانت دمعة قهر على نفسه.

 قهر على قلبه الذي يرفض أن يطيع، الذي يصر على حب زوجة أخيه.

"خائن..." 

همس الكلمة لنفسه، وشعر بطعمها المر في فمه.

في تلك اللحظة، لم يكن يتمنى الموت، بل تمنى شيئاً أقسى: تمنى لو يستطيع أن يقتلع قلبه من صدره بيديه، أن يسحق هذا الحب اللعين الذي سيجعله يعيش بقية حياته في عذاب صامت، يبتسم في وجه أخيه بينما يخونه في كل نبضة من نبضات قلبه. 

لقد حُكم عليه بأن يكون الشاهد الصامت على سعادتهما، وأن يحمل سر خيانته القلبية إلى الأبد.


❈-❈-❈


تسللت خيوط الشمس الأولى إلى الغرفة، لتستيقظ وعد من نوم متقطع 

أول ما شعرت به هو الفراغ بجانبها في السرير الواسع. 

فتحت عينيها لتجد سند واقفًا في الشرفة يرتدي جلبابه، وظهره لها، يحتسي فنجانًا من القهوة وينظر إلى الأفق البعيد.


جلست في السرير، وشعرت بموجة من الخجل والارتباك ليلة أمس لم تكن ليلة حب وشغف، بل كانت أشبه بعهد صامت، لقاء هادئ وحزين بين روحين ضائعتين. 

لقد كان لطيفًا، ومحترمًا، لكنه كان بعيدًا، وكأن جسده فقط كان معها، أما روحه فكانت تحوم في مكان آخر.


استدار سند وكأنه شعر بحركتها. 

لم تكن على وجهه ابتسامة، بل نظرة هادئة وقورة.

_صباح الخير.

قال بنبرة محايدة. 

_نومتي كويس؟


هزت رأسها بصمت، غير قادرة على النطق. 

لم تكن تعرف بماذا تجيب الآن. 

هل تتصرف كزوجة؟ هل تنتظر منه إشارة؟


تقدم نحو الغرفة ووضع فنجانه على الطاولة. 

_امي چابت الفطار لما تكوني جاهزة، نجدر نفطر هنا أو ننزل تحت.


كان حديثه عمليًا، خاليًا من أي دفء أدركت وعد أن هذا هو ما ستكون عليه حياتهما في البداية: مجموعة من الإجراءات والواجبات. 

لقد حصلت على زوج، لكنها لم تكسب قلبه بعد شعرت بوخزة من الألم، لكنها أخفتها خلف قناع من الهدوء.

قالت بصوت خافت.

_هكون جاهزة دلوجت


أومأ سند برأسه، ثم استدار ليغادر الغرفة. 

_هستناكي هناك في الصالة خدي راحتك.


خرج وأغلق الباب خلفه، تاركًا إياها وحيدة مع صدى كلماته الباردة. 

نظرت إلى الفراش الذي تشاركا فيه، وشعرت بالوحدة أكثر من أي وقت مضى. 

لقد بدأت حياتهما الزوجية، لكن الطريق لردم الحفرة الشاسعة بين قلبيهما بدا طويلاً وشاقًا.

❈-❈-❈

في شقة عدي وروح

هنا كان الصباح مختلفًا تمامًا لم يكن هناك صمت هادئ، بل كان هناك خراب صامت.


استيقظت روح على أريكة في زاوية الغرفة، حيث كانت قد انهارت وبكت حتى غلبها النوم. 

كان أول ما رأته هو ذراعها كانت قد لفت عليه منديلًا آخر نظيفًا، لكن بقعة من الدم الجاف كانت لا تزال ظاهرة حوله، تذكيرًا قاسيًا بما حدث. 


الجرح الجسدي كان يؤلمها، لكنه كان لا شيء مقارنة بالجرح الذي مزق روحها.


نظرت حولها، فوجدت عدي نائمًا على السرير نومًا عميقًا كمن هرب من كابوس ليقع في آخر. 

كان يرتدي نفس ملابس الأمس، ووجهه متعب ومعذب حتى في نومه. 

لم يعد هذا هو عدي الذي أحبته، بل أصبح غريبًا، سجانًا لأحلامها.


نهضت بهدوء، كل حركة تسبب لها ألمًا، ليس فقط في ذراعها، بل في كل جزء من كيانها المكسور. 

دخلت إلى الحمام ونظرت إلى وجهها في المرآة، رأت عينين متورمتين من البكاء، ووجهًا شاحبًا، ونظرة انكسار لم تكن تعرفها من قبل لقد دخلت هذه الغرفة كعروس عاشقة، وخرجت منها في الصباح التالي كامرأة محطمة.


عندما خرجت من الحمام، كان عدي قد استيقظ. 

كان يجلس على حافة السرير، رأسه للأسفل لم ينظر إليها.

_روح...

قال بصوت أجش ومتحشرج، دون أن يرفع رأسه. 

_أنا...


قاطعته هي بصوت بارد وجامد، صوت لم يكن يعرفه، صوت امرأة فقدت كل شيء.

_متتكلمش.


رفع رأسه ونظر إليها بصدمة.

رأى البرود في عينيها، رأى الجدار الجليدي الذي بنته حول قلبها خلال الليل.

_متعتذرش، ومتبررش.

أكملت بنفس النبرة القاتلة. 

_أنت عملت اللي أنت عايزه امبارح، ووصلت رسالتك. 

وفهمت. 

فهمت إن مكانتي عندك متساويش شيء  

وفهمت إن جوازنا ده مجرد كدبة هنعيشها عشان نرضي الناس.

لو عايز تفطور اهنه براحتك بس اني مش هسيب امي تفطور وحديها، وهنزل افطر معاهم.


❈-❈-❈


أصروا جميعاً ان يفطروا معا كإعلان رسمي عن الفرحة التي يجب أن تسود المنزل. 

نزلوا جميعًا إلى غرفة الطعام الواسعة، على وجوههم أقنعة هادئة تخفي خلفها ليالٍ من الخراب.


كانت المائدة طويلة وفاخرة، عامرة بكل ما لذ وطاب، لكن لا أحد كانت له شهية حقيقية. 

جلس سند بجانب وعد، وجلس عدي بجانب روح. 

الأجواء كانت مشحونة بالصمت المصطنع، لا يقطعه سوى صوت الأواني الفضية وعبارات التهنئة القليلة من كبار السن.


كانت روح قد ارتدت فستانًا بأكمام واسعة كي لا تضغط على جرحها، ورسمت على وجهها ابتسامة باهتة. كانت تتجنب النظر إلى عدي، الذي كان يجلس بجانبها كتمثال من حجر، يحدق في طبقه الفارغ.

بدلاً من ذلك، كانت عيناها تبحثان عن ملاذ 

فوجدتاه في مالك، الذي كان يجلس في الجهة المقابلة.


نظرت إليه نظرة طويلة، نظرة مليئة بالوجع والخذلان الصامت. 

كانت عيناها تتوسلان إليه، تشكو له بصمت ما لا تستطيع البوح به. 

"انظر إليّ يا مالك... انظر إلى ألمي. أنت الوحيد الذي يفهمني دائمًا." 

لطالما كان يفهمها من نظرة، فهل سيفهمها هذه المرة أيضًا؟


مالك، الذي كان غارقًا في حزنه الخاص، رفع عينيه والتقط نظرتها. 

شعر على الفور بأن شيئًا ما خطأ رأى الانكسار خلف ابتسامتها المصطنعة، ورأى عمقًا من الألم في عينيها لم يره من قبل لم يفهم السبب، لكن قلبه انقبض من أجلها.


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا الخولي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة