رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 20 - جـ 2 - الخميس 4/9/2025
قراءة رواية ثنايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ثنايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا الخولي
الفصل العشرون
الحزء الثاني
تم النشر الخميس
4/9/2025
كانت ليلة هادئة في سرايا الرفاعي هدوء ظاهري يخفي تحته براكين من المشاعر المكبوتة والأسرار الدفينة.
في غرفتها كانت روح تجلس على حافة سريرها تحدق في الفراغ وعيناها تحملان حزنًا عميقًا، حزنًا يتجاوز عمرها الصغير، لم تعد تحتمل هذا الصمت، هذا الخداع الذي تعيش فيه
نهضت واتجهت بخطوات ثابتة نحو غرفة جدها وهدان
طرقت الباب بخفة ودخلت قبل أن يأتيها الرد كان وهدان مستلقيا على فراشه مستندا بظهره على الوسائد
رفع عينيه فور دخولها ابتسم لها ابتسامة حنونة لكنها لم تصل إلى عينيه
_ روح يا بنتي تعالي.
تقدمت روح نحوه وجلست على المقعد المقابل له، لم تتكلم في البداية فقط نظرت إليه نظرة تحمل عتابًا وألمًا.
لاحظ وهدان نظراتها فتلاشت ابتسامته وحل محلها قلق خفي
_ مالك يا روح في حاجة؟
أخذت روح نفسًا عميقًا كأنها تستجمع كل ما تبقى لها من قوة ثم بصوت خافت مهزوز قالت
_ كنت جاية أطمن عليك يا جدي بس... بس فيه حاجة تانية عايزة أتكلم فيها
قطب وهدان جبينه بقلق ثم أعطاها كل انتباهه
_ قولي يا بنتي أنا سامعك
قالت روح ودموعها بدأت تتجمع في عينيها
_ ليه يا جدي؟
ليه خدعتني ليه جولتلي إن عدي بيحبني وهو عمره ما حبني.
صُدم وهدان من سؤالها المباشر، لم يتوقع أن تواجهه بهذه الطريقة حاول أن يتكلم أن يبرر لكن الكلمات خانته
_ أنا... أنا مخدعتكيش يا بنتي أنا كنت...
قاطعته روح وصوتها بدأ يرتفع يحمل نبرة من الانهيار
_ لأ خدعتني، خدعتني وأهنتني لما أجبرت عدي إنه يتجوزني وهو مش بيحبني.
خليتني أعيش في وهم، في كدبة كبيرة، خليتني أحس إني رخيصة إني مفروضة عليه.
أغمض وهدان عينيه بألم ثم فتحها ليجدها عينيها تصيبه بسهامها القاتلة
_ يا روح اسمعيني أنا كنت بعمل اكده عشان سعادتك، كنت عايز أشوفك مبسوطة
هزت روح رأسها برفض وصرخت فيه لكن صرختها كانت ممزوجة بالبكاء
_ سعادتي؟!
دي مش سعادة ده دمار، دمرتني يا جدي دمرت كرامتي، دمرت جلبي.
نهضت وهي تدينه بقوة، اكتسبتها من آلامها
_لو كنت سبت عدي يصارحني بالحجيجة! لو كنت سبته يجولي إنه مش بيحبني، كنت هرضى.
كنت هزعل شوية بس مكنتش هتكسر بالشكل ده.
مكنتش هحس إني ولا حاچ
شعر وهدان بثقل السنين على كتفيه وقال بصوت متعب مهزوم
_ إنتي أمانة أبوكي يا روح، أبوكي الله يرحمه سابكم في رقبتي وكانت أمنية حياته يشوفكم مبسوطين.
هنا انفجرت روح فيه لكن بأدب بألم بمرارة
_ أمانة حافظت عليها كيف يا جدي؟
كل حاچة عملتها معانا كانت غلط.
وهمت سند بنغم ونغم بسند وهما الاتنين عاشوا بسببك في نفس الوهم اللي أنا عشته وفي الآخر سبتها بين الديابة لوحدها ومفكرتش تسأل عليها وتعرف هي عاملة إيه وسطيهم.
كل اللي همكم سمعة العيلة وخلاص.
عملت فرح وجوزت سند بوعد وانتهت الجصة
ونغم ولا حد فاكرها.
يبجى فين بجا الأمانة اللي حافظت عليها.
كانت كلمات روح كالسياط التي تلهب ظهر وهدان، كل كلمة كانت تكسر قلبه، تجعله يشعر بحجم خطئه.
بحجم الألم الذي سببه لأحفاده، لم يجد ما يقوله
لم يجد أي تبرير لأفعاله، شعر بالندم ينهش روحه بالذنب يثقل كاهله
أخيرًا بعد صمت طويل قال بصوت خافت مهزوم
_ أني متخلتش عن نغم، بس اللي جدامك ده التار خسره كتير جوي، ومكنش فيه حيل يخسر تاني.
نغم غلوتها عندي من غلاوتك، انتو الاتنين ليكم غلاوة ربنا واحده اللي يعلم بها.
اتجهرت على فراجها، بس الوجوف جدام عيلة التهامي هيديهم الفرصة أنهم يكملوا التار واني جفلت كل بباني في وشه.
حتى لما راح فيها ابني، جولت اجصر الشر واسيب الامر في يد الحكومة وهي جامت بالواجب وزيادة.
اللي حصل حصل يا روح وانتهى ومفيش منه مهرب، أنا عارف إني غلطت غلطت كتير بس أوعدك... أوعدك إني هحاول أصلح اللي غلطت فيه.
نظرت إليه روح ودموعها لا تزال تنهمر لم تقل شيئًا فقط استدارت وخرجت من الغرفة تاركة وراءها جدًا محطمًا وروحًا ممزقة وقلبًا لا يعرف كيف يداوي جراحه.
❈-❈-❈
خرجت روح من غرفة جدها، وخطواتها ثقيلة وقلبها يعتصر ألمًا.
كانت دموعها لا تزال تتدفق بصمت على خديها، تاركة أثرًا من الحزن.
لم تكن تدرك أن عيني ورد، والدة عدي وحماتها، كانت تراقبها من بعيد.
كانت ورد قد خرجت لتوها من غرفتها، وشعرت بشيء غريب في الأجواء. عندما رأت روح بهذا الحال، تأكدت شكوكها.
اقتربت ورد من روح بخطوات هادئة، ومدت يدها لتلمس كتفها بحنان.
_روح؟ مالك يا بتي في إيه؟
انتفضت روح، ومسحت دموعها بسرعة، محاولة أن تخفي أثر حزنها.
_مفيش حاجة يا مرات عمي، أنا زينة
قالتها بصوت مهزوز، خانتها نبرته
لم تصدقها ورد.
كانت تعرف روح جيدًا، وتعرف أن هذا الحزن ليس مجرد عابر، أمسكت بيد روح بحنان، وقادتها نحو غرفتها.
_تعالي معايا يا روح، نتكلم شوية.
دخلت بها الغرفة وأغلقت ورد الباب خلفهما، وقادتها على الفراش وجلست بجانب روح عليه.
نظرت إليها بعينين تحملان كل معاني الأمومة والحنان.
_يا بنتي، أنا أمك زي ما أنا حماتك، وخابرة زين إن فيه حاجة تاعباكي.
جوليلي، إيه اللي بينك وبين عدي؟ فيه مشاكل؟
نظرت روح إلى ورد، وشعرت برغبة عارمة في البوح بكل شيء، في إلقاء هذا الحمل الثقيل عن كاهلها.
لكنها تذكرت عدي، وصورته وهو يواجه غضب جدها، وكيف أنه اضطر للزواج منها.
لم تستطع أن تفضحه، أن تظهر ضعفه أمام والدته.
هزت رأسها بالنفي وقالت بصوت خافت، محاولة أن تبدو مقتنعة
_لأ يا مرات عمي، مفيش أي حاجة.
أنا مبسوطة مع عدي، وهو كويس معايا.
تنهدت ورد، وشعرت بخيبة أمل.
كانت تعلم أن روح تكذب، لكنها لم تستطع إجبارها على الاعتراف.
_طيب، إيه اللي مخليكي زعلانة اكده؟
قالت روح، محاولة أن تجد مبررًا لحزنها.
_أنا... أنا بس متأثرة بغياب نغم وحشتني جوي، والبيت من غيرها مش هو هو.
أومأت ورد برأسها، وكأنها تصدقها.
_أه، نغم وحشتنا كلنا بس الحياة لازم تستمر يا روح
ومينفعش نفضل عايشين في الحزن.
صمتت ورد للحظة، ثم تابعت بصوت هادئ يحمل في طياته نصيحة مبطنة
_يا روح الست الشاطرة هي اللي تجدر تخلي جوزها ميشوفش غيرها.
الراچل زي الطفل، عايز اهتمام وحنان.
عايز يحس إن مراته هي كل حاچة في حياته.
حاولي معاه مرة واتنين وتلاتة، ومتيأسيش بالمحاولة والصبر، أي راچل بيستسلم لمراته، ومبيشوفش غيرها.
إنتي لسه صغيرة، والحياة جدامك. متخليش أي حاجة تكسرك.
خليكي قوية، وخليكي سند لجوزك، وهو هيكون سند ليكي.
نظرت روح إلى ورد، وفهمت ما ترمي إليه.
كانت ورد تحاول أن تقول لها إن عليها أن تكسب قلب عدي، أن تجعله يحبها، حتى لو لم يكن يحبها الآن.
شعرت روح ببعض الأمل، وببعض القوة تتسلل إلى قلبها.
ربما لم يكن كل شيء قد انتهى بعد.
ربما كان هناك أمل في أن تبني حياتها مع عدي، وأن تجعله يحبها يومًا ما.
❈-❈-❈
كان عدي يقف في زاوية شارع مزدحم في القاهرة، يتحدث بصوت خافت مع رجل غليظ الملامح.
كان قد قضى اليومين الماضيين في البحث والتخطيط، ووجد أخيرًا من سيساعده في خطته المجنونة في منزل التهامي لإحداث فوضى، يتمكن خلالها من التسلل وإنقاذ نغم.
قال الرجل.
_كل حاچة جاهزة يا باشا.
بالليل، ساعة ما الناس تهدى، هنكون مستنيين إشارتك.
أومأ عدي برأسه، وأعطى الرجل دفعة من المال.
_استناني هتصل بيك.
استدار عدي ليعود إلى سيارته، وفي تلك اللحظة، لمحها كانت سيارة جاسر التهامي الفاخرة متوقفة على الجانب الآخر من الشارع، أمام مركز تجاري ضخم، لم يكن جاسر بداخلها، لكنها كانت هي نغم.
كانت تجلس في المقعد الأمامي، رأسها مسنود على زجاج النافذة، وعيناها شاردتان لم تكن تبكي بصوت، لكنه رأى بوضوح دموعًا صامتة تنحدر على خديها، ترسم خطوطًا لامعة على وجهها الشاحب.
كان منظرها يمزق القلب، منظر طائر قد كسرت أجنحته محبوس في قفص من ذهب.
شعر بدمه يغلي لم يفكر.
كل ما أراده هو أن يصل إليها، أن يفتح باب السيارة ويخرجها من هذا الجحيم.
بدأ يخطو نحو الشارع، مندفعًا بين السيارات، وعيناه مثبتتان عليها.
نغم!
صرخ باسمها، لكن صوته ضاع في الضجيج .
في تلك اللحظة، خرج جاسر من أبواب المول ، يحمل عدة أكياس قليلة،
اتجه مباشرة إلى السيارة، ووضع الأكياس في المقعد الخلفي، ثم استقل مقعد القيادة دون أن يلاحظ عدي الذي كان قد وصل إلى منتصف الطريق.
انطلقت السيارة بسلاسة، وابتعدت عن الرصيف.
ركض عدي آخر بضعة أمتار، وهو يصرخ باسمها، لكن السيارة كانت قد تسارعت واختفت بين زحام الشوارع.
وقف في منتصف الطريق، والسيارات تمر من حوله وتطلق أبواقها بغضب
لم يكن يراها، كل ما كان يراه هو صورة نغم وهي تبكي في سيارة عدوه، وصورة جاسر وهو يعود إليها كأنهما زوجان طبيعيان في رحلة تسوق.
اشتعلت الغيرة في صدره كنار جهنم، وأحرقت آخر بقايا العقل والمنطق في رأسه.
لم يعد يرى خطته كخطة إنقاذ، بل كخطة انتقام يجب أن يحرقهم
يجب أن يحرق كل شيء الليلة.
عاد عدي إلى المنزل في وقت متأخر، وعيناه تطلقان شررًا.
لم يتحدث مع أحد، وصعد مباشرة إلى جناحه. كان قد اتخذ قراره النهائي، وكان يستعد لتنفيذه.
دخل الغرفة، فوجد روح تنتظره
كانت قد قررت أن تبادر، أن تحاول للمرة الأخيرة أن تصلح ما انكسر.
كانت ترتدي فستانًا بسيطًا وجميلاً، وعلى وجهها ابتسامة متوترة.
قالت بصوتٍ ناعم
_عدي... حمد لله على السلامة.
أنا حضرت لك العشا، وعملتلك...
_مش عايز زفت!
قاطعها بصوتٍ عالٍ وقاسٍ، وهو يفتح خزانته ويبدأ في إخراج بعض الملابس الداكنة بعنف.
تراجعت روح خطوة، مصدومة من حدته.
_ مالك يا عدي؟ ليه بتكلمني كده؟ أنا عملت إيه؟
اقتربت منه، ومدت يدها لتلمس كتفه.
_لجل خاطري يا عدي، خلينا نتكلم خلينا نحاول... أنا بحبك، ومستعدة أعمل أي حاجة عشان نصلح حياتنا.
في تلك اللحظة، انفجر عدي. استدار ودفعها بكل قوته بعيدًا عنه.
_ابعدي عني!
فقدت روح توازنها وسقطت بقوة على الأرض.
لم تكن الصدمة من السقوط، بل من الدفعة، من الكراهية التي رأتها في عينيه.
وقف فوقها، كشيطان غاضب، وبدأ يطلق كل السم الذي كان يحبسه في صدره.
_تصلحي إيه؟! مفيش حاچة تتصلح! أنتي فاهمة؟!
أنا مش بحبك!
صرخ فيها، والكلمات تخرج كطلقات الرصاص.
عمري ما حبيتك أنا بحب اختك بحب نغم هي اللي كنت رايدها هي اللي بحلم بيها كل ليلة!
كانت روح تنظر إليه من على الأرض، والدموع متحجرة في عينيها، لا تستطيع أن تستوعب هول ما تسمعه.
قال بصراخ هستيري.
_أنا رحت طلبتها من جدك وهو رفض
لانك بتعشجيني، فطبعا لازم اللي انتي ريداه يحوصل
جدك هو اللي غصبني عليكي! هو اللي جبرني أتچوزك.
كانت كل كلمة سكينًا يمزقها لم تكن مجرد إهانة، بل كانت تمزيقًا لكل كيانها، لكل أحلامها، لكل ذرة حب كانت تكنها له.
قال وهو يلهث، وقد هدأت نبرته قليلاً وتحولت إلى برود قاتل.
_أنتي فاهمة دلوجت؟
أنا عمري ما هكون ليكي وجلبي ده... هيفضل ملكها هي لحد ما أموت.
أخذ ملابسه، واتجه نحو الباب
_أنا رايح أرجعها رايح أچيب اللي المفروض كانت تبجى مكانك من الأول.
خرج وأغلق الباب خلفه بقوة، تاركًا إياها ملقاة على الأرض، في بركة من الصدمة والألم والخذلان.
حاولت روح أن تنهض أن تصرخ، أن تفعل أي شيء لكن جسدها لم يستجب شعرت بألم حاد يخترق صدرها، وبخدر غريب يسري في جانبها الأيسر بدأت الرؤية تغيم أمام عينيها، وآخر ما شعرت به هو ثقل رهيب يسحقها، قبل أن يبتلعها الظلام لقد تحملت ما يفوق طاقة أي بشر، والآن، قرر جسدها أن ينسحب من هذه المعركة الخاسرة.
❈-❈-❈
خرج عدي من الغرفة كالإعصار، تاركاً الباب مفتوحاً خلفه لم يذهب إلى الشرفة هذه المرة، بل نزل الدرج بخطوات سريعة وعنيفة، متجهاً إلى مصير مجهول حتى الآن
اندهش الجميع وهم يروه خارجاً كالاعصار
سأل وهدان
ماله إكدة..
نظر إلى ليل
اطلعي نادي روح نشوف في ايه.
أومأت له ليل وصعدت إلى غرفة ابنتها
حاولت روح أن تأخذ نفساً عميقاً، لكن الهواء بدا وكأنه يرفض الدخول إلى رئتيها.
شعرت بدوار شديد، وامتداد خدر غريب بدأ من كتفها الأيسر وسرى بسرعة في ذراعها وساقها.
تشوشت رؤيتها، وألوان الغرفة بدأت بالذوبان في بعضها البعض.
مدت يدها لتستند على الحائط، لكن أصابعها لم تطعها
ثقل لسانها، وأرادت أن تصرخ، أن تنادي على أي أحد، لكن لم يخرج أي صوت.
كان آخر ما رأته هو سجادة الغرفة وهي تقترب من وجهها بسرعة، قبل أن يبتلعها ظلام دامس.
صعدت ليل الدرج بخطوات هادئة. عندما وصلت إلى الطابق العلوي، استغربت أن باب غرفة ابنتها مفتوح على مصراعيه.
نادت عليها وهي تقترب من الباب، لكن لم يأتِ رد.
أدخلت رأسها من الباب، فتجمد الدم في عروقها.
كانت ابنتها ملقاة على الأرض بجانب الحائط، في وضع غريب وغير طبيعي، وعيناها نصف مغمضتين.
صرخت ليل صرخة ممزوجة بالرعب والفزع، صرخة هزت أركان السرايا
_رووووووح! بنتييييي.
كان مالك عائد لتوه من منزل أكمل
قفز من مكانه على صوت الصرخة المذعورة، وشعر بقلبه يهوي إلى قدميه.
ركض نحو مصدر الصوت، وتبعه سالم وسند وباقي من في المنزل.
كان المشهد في الغرفة مروعاً.
ليل منهارة على ركبتيها بجانب جسد ابنتها، تهزها وتصرخ باسمها وروح... ساكنة لا حراك فيها.
شعر مالك وكأن قلبه قد توقف.
للحظة، ظن الأسوأ دفع الجميع جانباً برفق وركع بجانب ابنة عمه.
وضع إصبعين على عنقها، وشعر بنبض خفيف، ضعيف.
بصوت حاسم وقوي رغم الخوف الذي يعتصر قلبه
_ لازم نوصلها المستشفى حالاً
لم ينتظر أحداً حمل جسد روح الهامد بين ذراعيه، وشعر بخفة وزنها بشكل مقلق.
ركض بها إلى خارج المنزل، والجميع يتبعه في حالة من الهلع والبكاء.
قال وهو يضعها في المقعد الخلفي
_مرت عمي اركبي چارها.
انطلق مالك وخلفه سيارة سند ووالده كالسهم في ظلام الليل، مخلفة وراءها سحابة من الغبار وقلوباً محطمة تدعو الله.
كانت الدقائق تمر كأنها ساعات وقف مالك والجميع أمام غرفة الطوارئ، يعيشان على أعصابهما.
كانت ووجوههم شاحبة من الصدمة لم يكن أحد يعرف مكان عدي.
أخيراً، خرج الطبيب تجمعوا حوله على الفور.
سالم بصوت متقطع
_طمني يا دكتور... بتي مالها؟
رد الطبيب بملامح جادة
_اطمنوا، الحالة استقرت دلوقتي قدرنا نلحقها في الوقت المناسب المدام اتعرضت لصدمة عصبية شديدة جداً، سببت لها جلطة.
وقعت كلمة "جلطة" عليهم كالصاعقة شهقت ليل ووضعت يدها على فمها، بينما تصلب مالك في مكانه.
مالك:
جلطة؟! كيف يا دكتور؟ دي لسه صغيرة!
رد الطبيب بأسف
_للأسف السن مبقاش مقياس الضغط النفسي والعصبي الشديد ممكن يسبب ده في أي عمر الحمد لله إنها كانت جلطة بسيطة، وفي الجزء المسؤول عن الحركة التأثير الأكبر هيكون على ذراعها وساقها اليسرى.
يقطب سالم جبينه بصدمة
_يعني إيه يا دكتور؟ بنتي اتشلت؟
الطبيب طمأنه بسرعة
_لأ لأ، متقولش ٱكده يا حاج الإصابة بسيطة
زي ما قلت هيكون فيه ضعف وثقل في الحركة، لكن مع العلاج الطبيعي المكثف والمتابعة، بإذن الله هترجع طبيعية تماماً الأهم دلوقت هو الراحة التامة، والبعد عن أي ضغط أو انفعال. نفسيتها هي أهم جزء في العلاج.
تنفس الجميع الصعداء نسبياً لم تكن كارثة كاملة، لكنها كانت جرحاً عميقاً في جسد العائلة نظر مالك من الزجاج الصغير في باب الغرفة، فرأى روح مستلقية على السرير، ووجهها شاحب كالموتى شعر بغصة في حلقه، وبغضب عارم يتصاعد في صدره
أياً كان ما حدث في تلك الغرفة، فقد كان عدي هو السبب.
وأقسم في تلك اللحظة، أن حساب عدي سيكون عسيراً.
❈-❈-❈
في قلب الليل، حيث تتراقص الظلال على جدران الغرفة الباردة، كان عدي يجلس عيناه تلمعان ببريق غامض وعقله ينسج خيوط خطة محكمة.
لم تكن خطة عادية، بل كانت تتطلب دقة متناهية وصبرًا لا يلين وذكاءً حادًا
كان الهدف واضحًا في ذهنه، لكن الوسيلة...
نهض عدي بهدوء، ارتدى معطفه الداكن، وتسلل خارج المنزل كشبح.
لم يكن هناك وقت للتردد، فكل دقيقة تمر تقربه من تحقيق غايته.
كانت الشوارع هادئة، لا يكاد يسمع فيها سوى وقع خطواته الخافتة
اتجه نحو أطراف المدينة، حيث تتلاشى الأضواء وتزداد الظلمة، إلى حيث ينتظره شركاء صمته
وصل إلى ورشة قديمة مهجورة، بالكاد يظهر بابها الخشبي المتآكل في الظلام طرق الباب ثلاث طرقات خفيفة، ثم طرقًه واحدة قوية.
انفتح الباب ببطء، وظهر وجه رجل عجوز تجاعيد الزمن محفورة على قسماته، وعيناه تحملان مكر السنين.
تبادلا نظرة سريعة، ثم أومأ العجوز برأسه إذنًا بالدخول.
داخل الورشة كانت الأجواء مختلفة تمامًا.
كانت هناك أدوات غريبة مبعثرة على الطاولات، وأجهزة معقدة تصدر أصواتًا خافتة كان هناك رجل آخر، شاب في مقتبل العمر، منهمكًا في تجميع شيء ما
لم يتحدث عدي كثيرًا، بل أشار إلى قائمة كان قد أعدها مسبقًا
بدأ الرجلان في جمع الأشياء المطلوبة: أسلاك رفيعة، عبوات صغيرة تحتوي على سوائل ذات ألوان غريبة، أجهزة توقيت دقيقة، وبعض المواد التي تبدو كأنها أقمشة خاصة
كل قطعة كانت تُسلم لعدي بعناية فائقة، وكأنها كنوز ثمينة كانت هذه الأشياء، في ظاهرها مجرد أدوات عادية، لكن في يد عدي، ومع خطته، ستتحول إلى شيء آخر تمامًا
يتبع...