-->

رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 37 - جـ 1 - الخميس 18/9/2025

 

قراءة رواية ثنايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ثنايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا الخولي


الفصل السابع والثلاثون

الحزء الأول 

تم النشر الخميس  

18/9/2025


ظلت نغم حبيسة غرفتها، قد حولتها إلى قلعتها الأخيرة وخط دفاعها الوحيد إذا كان قد حكم عليها بالسجن معه في هذا القفص الذهبي، فليكن حبساً انفرادياً ستذوقه من نفس الكأس الذي سقاها منه، كأس الوحدة والعزلة كانت تتجاهل وجوده تماماً، لا ترد على كلامه ولا تلتفت لخطواته، تصنع عالماً موازياً لا وجود له فيه.


جلست نغم على حافة السرير كانت عيناها تائهتين في نقطة ما في الفراغ، بينما تدور في داخلها حرب أهلية طاحنة.


لقد انتهى غضبها تبخر الخوف وكل ما تبقى هو حيرة مؤلمة.


عقلها يصرخ بها: 

"تذكري تذكري كل ما فعله الخطف، الإهانة، الكذب، رسالة شروق... هذا الرجل هو سبب كل ألمك لا تثقي به لا تستسلمي كوني قوية." 

كان عقلها هو حارس ذاكرتها، يعرض عليها شريط ذكرياتها المؤلمة مراراً وتكراراً محاولاً حمايتها من الوقوع في نفس الفخ.


لكن قلبها... آه من قلبها الخائن قلبها لم يعد يستمع كلما حاول عقلها أن يذكرها بأفعاله، كان قلبها يذكرها بنظراته. 

يذكرها برجائه يذكرها باعترافه الصادق والموجوع بحبه، يذكرها بلمسته الحانية على يدها كلما رأت تمسكه بها، كلما زاد تعلقها به. 

لقد أصبح هذا التمسك هو الحبل الذي يتشبث به قلبها الغريق.


لقد سامحه قلبها بالفعل سامحه دون إذن منها، ودون منطق وجد له الأعذار ورأى في قسوته ألماً، وفي جبروته خوفاً من الخسارة. 

لقد وقعت في حبه حباً قوياً وعميقاً لدرجة أنه أصبح يخيفها.


تنهدت بعمق ومررت يديها على وجهها في إرهاق. 

_أعمل إيه بس يا ربي... أعمل إيه؟

همست لنفسها وكانت تشعر بأنها ممزقة بين قوتين، كل قوة تسحبها في اتجاه وهي على وشك أن تتمزق في المنتصف.


قررت أن تنهض أن تتحرك أي شيء أفضل من الجلوس أسيرة لهذه الأفكار. 

فتحت باب غرفتها بهدوء، وخطت خطوة إلى الصالة الواسعة.


وتجمدت في مكانها.


كان جاسر واقفاً في نفس المكان يقف أمام الشرفة الزجاجية الضخمة، وظهره لها يتحدث في الهاتف لم يشعر بوجودها.


اقتربت غريزياً خطوة، محاولة أن تسمع كان صوته هادئاً خالياً من الحدة التي يواجه بها العالم.

_يا أمي متخافيش... 

أيوه معايا والله زينة... بس بتعاند شوية، 

إنتي خابراها.


صمت للحظة، يستمع للطرف الآخر. 

ثم أجاب بنبرة تحمل حناناً لم تسمعه منه من قبل حنان ابن يطمئن أمه.

_حاضر... حاضر والله ما هضغط عليها هخليها على راحتها المهم إنها معايا وفي حمايتي ....

محدش هيجدر يوصلها تاني... اطمني إنتي بس...


كانت هذه الكلمات البسيطة بمثابة طوفان جرف آخر ما تبقى من دفاعاتها. 

كان يتحدث كابن، كرجل يحب، كرجل يحاول أن يطمئن أمه القلقة على المرأة التي يحبها. 

لقد كشف عن جانبه الإنساني البحت دون أن يدري.


شعرت بضعف شديد يجتاحها، ضعف لذيذ ومخيف لم تعد قادرة على الوقوف تراجعت بهدوء،ط وعادت إلى غرفتها وأغلقت الباب دون صوت. 

استندت بظهرها عليه وأغمضت عينيها وأنفاسها تتلاحق.


لم تعد تضمن نفسها لم تعد تضمن قدرتها على المقاومة كل ما بنته من جدران حول قلبها كان ينهار الآن بسرعة. 

تذكرت فجأة صورته وهو ينتظرها أمام الجامعة، وكيف كانت نظرات الفتيات الأخريات تلتهمه بإعجاب ولهفة. 

شعرت بوخزة غيرة حادة ومفاجئة، غيرة لم تشعر بها من قبل لقد أصبحت تغار عليه.


في تلك اللحظة أدركت الحقيقة كاملة لقد خسرت الحرب لم تعد حرباً بين عقلها وقلبها. 

لقد انتصر قلبها بالضربة القاضية. 

والسؤال لم يعد "هل ستسامحه؟"، بل أصبح "متى ستعترف لنفسها وله بأنها أصبحت ملكه بالكامل؟".


طرق جاسر على باب غرفتها طرقة خفيفة لكنها كانت كافية لاختراق صمتها المتعمد.

_ الأكل جاهز.

تحلت سريعا بثباتها

ولم ترد أدارت رأسها نحو الحائط وأغمضت عينيها بعناد، رغم أن معدتها كانت تؤلمها من فرط الجوع لم تتناول شيئاً يذكر منذ الأمس، لكن كبرياءها الجريح كان أقوى من نداء جسدها

انتظر جاسر للحظات ثم تحدث مرة أخرى بصوت هادئ يحمل نبرة ساخرة بالكاد تكون مسموعة.

_ اطلعي كلي وبعدين احبسي نفسك تاني، الأوضة مش هتطير.

كانت كلماته البسيطة تحمل تحدياً مستفزاً كأنه يقول لها

"أنا أعرفكِ جيداً، أعرف أنكِ جائعة وأنكِ ستستسلمين في النهاية"

أغلق الباب خلفه بابتسامة ماكرة

هذا الفهم العميق لها هو ما كان يثير حنقها أكثر من أي شيء آخر.

ازداد شعورها بالجوع وبدأت تشعر بدوار خفيف. 

لعنت ضعفها ولعنته في سرها، ثم نهضت وفتحت الباب 

وقفت أمامه عيناها تطلقان شرراً، ووجهها متجهم كعاصفة على وشك الانفجار.

_ هاكل لوحدي.

قالتها كأنها تصدر أمراً لا يقبل النقاش.


تطلع إليها جاسر بنظرة تحمل مكراً هادئاً، نظرة جعلتها تشعر بأنها طفلة عنيدة وهو الأب الصبور. 

لم يجادلها فقط أشار برأسه نحو الصالة.

_ الأكل على السفرة، عايزة تاكلي اتفضلي، مش عايزة براحتك.

تركها واقفة مكانها وتوجه إلى طاولة السفرة، سحب مقعداً وجلس، ثم بدأ في تناول طعامه بهدوء تام وكأن وجودها أو غيابها لا يغير من الأمر شيئاً.


أثار بروده حنقها إلى أقصى درجة كانت تتوقع جدالاً، إصراراً، أي رد فعل يمنحها فرصة لتفريغ غضبها، لكنه سحب البساط من تحت قدميها بهدوئه القاتل. 

وقفت تراقبه لثواني ثم سارت بخطوات غاضبة نحو الطاولة وجلست على أبعد مقعد عنه، كأن بينهما قارة من الجليد.


بدأت في تناول الطعام بصمت، لكن الأجواء كانت مشحونة بالكلمات التي لم تقل. 

كانت كل حركة محسوبة هو يأكل ببطء يستمتع بطعامه ويرفع عينيه لينظر إليها بين الحين والآخر نظرة خاطفة، نظرة تحمل حباً عميقاً وصبراً لا حدود له. 

كان يراقبها وهي تأكل ويشعر براحة خفية لمجرد أنها تتغذى وتعتني بنفسها حتى لو كان ذلك تحت ضغط منه. 

حبه لها لم يكن استعراضياً، بل كان في هذه التفاصيل الصغيرة، في صبره على عنادها، في حرصه على راحتها رغم حربها المعلنة عليه.


أما هي فكانت تأكل بسرعة وكأنها في سباق، تتجنب النظر إليه بأي ثمن لكنها كانت تشعر بنظراته تحيط بها، تخترق درعها الواقي ورغم كل الكبرياء والغضب، كان هناك جزء صغير في أعماقها يشعر بدفء خفي لوجوده كانت تكره اعترافها بهذا، لكنها لم تكن تشعر بالخوف معه. 

كانت تشعر بالأمان، وهو إحساس متناقض ومربك جعلها تكرهه وتحتاجه في آن واحد. 

حبها له كان مكبلاً بسلاسل من الكراهية والثأر، لكنه كان هناك ينبض بعناد تحت سطح غضبها، يظهر في ارتباكها كلما نظر إليها، وفي الطريقة التي يخفق بها قلبها حين تسمع صوته الهادئ.


أنهت طعامها بسرعة ونهضت لتغادر، لكنها توقفت فجأة وكأنها تذكرت أمراً هاماً. 

استدارت نحوه وقد قررت أن تستخدم هذا الأمر كسلاح ضده، لتثبت له أنه لا يستطيع التحكم في كل تفاصيل حياتها.

_ عندي امتحان الأسبوع الجاي.

قالتها بنبرة تحدي، وكأنها تقول

"والآن ماذا ستفعل أيها السجان؟".

رفع جاسر رأسه عن طبقه ونظر إليها بهدوء، وكأنه كان يتوقع هذا السؤال.

_ عارف.

صُدمت من رده كيف عرف؟

أكمل هو بنفس الهدوء، مفسراً صدمتها.

_ سألت مالك قبل ما... نجعد أهنه ومعنديش أي مانع.

نهض هو الآخر واقترب منها خطوة.

_ أنا هوصلك بنفسي يوم الامتحان، وهستناكي بره لحد ما تخلصي وهرجعك أهنه تاني. 

مستقبلك يهمني يا نغم، يمكن أكتر منك.


وقفت متجمدة في مكانها، عاجزة عن الرد لقد نزع السلاح من يدها مرة أخرى، وحوله إلى دليل آخر على اهتمامه بها. 

لم يمنعها، لم يساومها، بل قدم لها الحل ببساطة وهدوء مؤكداً مرة أخرى أنه لن يسمح لها بالابتعاد، لكنه في نفس الوقت لن يقف في طريق أحلامها. 

كان هذا هو جاسر، سجّانها وحارسها في آن واحد، وهذه هي حربهما التي لا يبدو أن لها نهاية.


❈-❈-❈


كان الصالون الفاخر غارقاً في صمت كثيف لم يعتده سكانه جلس أكمل قبالة والديه اللذين كانا يترقبان بقلق سبب هذا الاجتماع المفاجئ. 

قطع أكمل الصمت بصوت بدا هادئاً رغم العاصفة التي تعصف بداخله.

_ أنا عايز أكلمكم في موضوع مهم اوي وكان لازم تعرفوه من زمان.


نظر إليه والده بحيرة بينما اكتفت والدته الطبيبة بمراقبته بعينيها الذكيتين.

_ خير يا أكمل قلقتني.

التزم الصمت قليلاً لا يعرف كيف يخبرهم

_ أنا متجوز.

سقطت الكلمة في وسط الصالون كحجر ألقي في بحيرة راكدة، اتسعت عينا نسرين بصدمة بينما ارتسمت علامات الدهشة على وجه حسين.

_ متجوز؟ متجوز إزاي ومن مين وليه منعرفش؟

_ متجوز من فترة من بنت اسمها صبر.

تصلبت ملامح حسين وهو يحاول تذكر الاسم.

_ صبر صبر مين دي كمان؟

أخذ أكمل نفساً عميقاً وكأنه يستعد لرمي قنبلته الثانية.

_ صبر بنت حسان اللي كان شغال عند جدي.

انتفض حسين من مكانه وقد احتقن وجهه بالغضب.

_ بنت حسان بنت الخدام أنت اتجننت يا أكمل إزاي تعمل عملة زي دي من ورانا؟ إزاي تجيب العار ده لعيلتنا؟


نهض أكمل ليواجه والده بنظرة حازمة لم يعهدها فيه.

_ عار إيه يا بابا اللي بتتكلم عليه؟ صبر مراتي على سنة الله ورسوله، وأم ابني واللي حصل حصل ومفيش منه فايدة دلوقت غير إننا نتقبل الوضع.


تدخلت نسرين بصوت خافت وقد بدت الصدمة عليها أشد من الغضب.

_ ابنك؟! يعني كمان خلفت واحنا نايمين على ودانا؟

نفى أكمل 

_ لأ يا ماما مخلفتش هي لسة حامل وفي الشهر التامن.

جلست نسرين على أقرب مقعد ووضعت يدها على رأسها وكأنها لا تستوعب ما تسمع.

_من أمتى الكلام ده؟

رد أكمل

_في الفترة اللي كنت فيها في البلد.

انفعل والده

_وليه ما أخدتش رأينا في حاجة زي دي؟ ولا انت كبرت علينا خلاص وبقيت بتاخد قرارات من غير ما تقول.


_الموضوع جاه كدة ومجتش فرصة اقولكم فيها، وبعدين لو اعرف انكم هتوافقوا كنت قولتلكم.

ازداد حنق والده منه

_تقوم تحطنا قدام الأمر الواقع، مش كدة.

رد أكمل بصبر على وشك النفاذ

_لأ مش كدة، انا حبيتها واتجوزتها عن اقتناع، بس حصلت مشكله بينا وبعدنا ولما شوفتها بالصدفة اكتشفت انها حامل.

وضع والده رأسه بين يديه ولم يقول شيء

فسألته نسرين

_ وليلى هتعمل معاها إيه.

_ ليلى أنا بعتلها رسالة وشرحتلها كل حاجة وهي مردتش وده معناه إنها فهمت كل حاجة بينا انتهت.

نظر إلى والدته وفي عينيه رجاء لم تره فيه من قبل.

_ أمي أنا عارف إن اللي عملته صعب عليكم،بس انا دلوقت محتجلك معايا، صبر تعبانة اوي والدكتور قالي إن حالتها صعبة ومحتاجة رعاية، يا إما هفقد الاتنين.

انا مقدرش ابعد عن شغلي وخصوصاً إني مسافر بكرة في مؤمورية هغيب فيها يومين فهكون قلقان عليها وهي لوحدها حتى لو معها ممرضة.

أنتِ دكتورة والوحيدة اللي ممكن تساعديها.

رفضت نسرين الفكرة على الفور.

_ أنا أروح لبنت الخدام دي أنت عايزني أروح أتابع حالة واحدة ضحكت على ابني ولخبطت حياته.


اقترب أكمل منها ممسكاً بيديها.

_ أمي انا اتجوزت صبر عن اقتناع هي مضحكتش عليا، عشان خاطري أنا يا أمي عشان خاطر ابنك وعشان خاطر حفيدك تيجي معايا.


نظرت نسرين إلى ابنها وكيل النيابة الصارم وهو يقف متوسلاً فبدأ قلبها يلين بينما كبرياؤها يقاوم.

_ بس الناس هتقول إيه.


_ الناس تقول اللي تقوله المهم إننا نعمل الصح، أنا غلطت وبحاول أصلح غلطتي لما خبيت عليكم، بس محتاج مساعدتكم محتاج مساعدتك أنتِ بالذات.

صمتت نسرين للحظة ثم تنهدت بعمق وكأنها تستسلم للأمر الواقع.

_ وهي متجيش هنا ليه؟

_عشان الدكتور اللي هيتابع حالتها معانا في العمارة بحيث لو في اي حاجة هيكون معانا.


رفعت عينيها إليه وفيها مزيج من الاستسلام.

_ ماشي يا أكمل هاجي معاك بس ده مش معناه إني موافقة على كل حاجة.


ابتسم أكمل ابتسامة باهتة ونهض ليقبل يدها.

_ كفاية إنك وافقتي تيجي دي كفاية.

التفت إلى والده الذي كان لا يزال صامتاً.

_ بابا.

تنهد حسين بعمق ثم أومأ برأسه ببطء.

_ قوم يا أكمل قوم نشوف آخرتها إيه.


كانت موافقة على مضض لكنها كانت الخطوة الأولى نحو تقبل واقع جديد فرض نفسه على الجميع.


❈-❈-❈


منذ أن عاد مالك من الخارج وهو يسير في السرايا كجسد بلا روح. 

كان شارداً أغلب الوقت ونظراته تائهة في الفراغ وعقله يبحر في محيط من الأفكار المقلقة. 

كانت روح تراقبه بقلق متزايد ترى الظلال تحت عينيه وتلمس التوتر في كتفيه المشدودين دائماً. 

كلما حاولت أن تفهم منه سبب حالته كان يختلق أعذاراً واهية يخبرها بأنه مل من البقاء في المنزل أو أنه مرهق لكنها كانت تعرفه جيداً وتعرف أن ما يثقل كاهله أكبر بكثير.


في تلك الليلة فاض بها الكيل لم تعد قادرة على رؤيته يتعذب في صمت بينما هي تقف عاجزة. 

كان يجلس في الشرفة ينظر إلى ظلام الحديقة دون أن يراها حقاً، في ذهنه كانت تتردد كلمات الرسالة الأخيرة التي أرسلتها سيدرا تلك المرأة التي كانت كابوساً يطارده والتي أخبرته فيها بوضوح أنها لن تستسلم

شعر مالك بأن هذا السر يخنقه وأن عليه أن يبوح به لروح.


اقتربت منه روح بهدوء وجلست بجانبه لم تتكلم في البداية فقط وضعت يدها على يده الباردة في لفتة صامتة تقول أنا هنا.

_ مالك أنت مخبي عليا حاجة وأنا لازم أعرفها، لو الحمل تقيل خليني أشيله معاك، أنا مراتك وشريكتك في الحلوة والمرة.

شعر مالك بغصة في حلقه وبصعوبة شديدة في إخراج الكلمات. 

كيف يخبرها أن ماضيه الذي ظن أنه دفنه قد عاد ليهدد حاضرهما السعيد.

لكن نظرات روح كانت كالبحر العميق مليئة بالحب والثقة.

_ أياً كان اللي مضايقك أنا هشيله معاك أنا مش عايزة منك حاجة غير إني أشوفك مرتاح، متحرمنيش من حقي في إني أقف جنبك.

تطلع إليها مالك بوجل وفي عينيه خوف حقيقي لم تره فيه من قبل.

_ خايف خايف يكون تقيل عليكي ومتقدريش تتحمليه خايف لما تعرفي تبصيلي بصة تانية.

وضعت روح يدها على خده برقة وأجبرته على النظر في عينيها مباشرة.

_ طالما أنت معايا الصعب هيكون سهل مفيش حاجة في الدنيا دي ممكن تكون تقيلة عليا وأنا في حضنك، بس بلاش نظرة القلق والخوف اللي بشوفها في عنيك دي لأنها حقيقي بتقتلني، بتخليني أحس إني عاجزة وإني مش قادرة أريحك.

كانت كلماتها كالبلسم على روحه المعذبة.

انحنى وقبل باطن يدها التي كانت لا تزال على خده قبلة طويلة وعميقة.

_ أنا مقدرش أعيش من غيرك لحظة واحدة يا روح حياتي كلها بجت في إيدك، أنتِ اللي نورتيها بعد ما كانت ضلمة، عشان كده خايف خايف الضلمة دي ترجع تاني وتاخدك مني.

أدركت روح في تلك اللحظة أن الأمر أكبر مما تخيلت.

_ مفيش ضلمة هتقدر تاخدني منك طول ما إحنا مع بعض جول يا مالك ريح جلبك وجلبي مهما كان اللي هتجوله أوعدك إن مفيش حاجة هتتغير بينا بالعكس هنكون أجوى.

أخذ مالك نفساً عميقاً واستجمع كل شجاعته لقد حان وقت المواجهة حان الوقت ليضع ثقته الكاملة في هذه المرأة التي أصبحت روحه بالفعل ويخبرها بالحقيقة كلها.


❈-❈-❈


دلفت نسرين إلى الشقة خلف ابنها أكمل، وتبعها زوجها حسين الذي كانت ملامحه لا تزال متحفظة وجامدة. كانت الشقة أنيقة ومرتبة، لكنها خالية من الروح، كأنها مجرد ديكور لمسرحية على وشك البدء. 

وضع أكمل حقيبة والدته الصغيرة جانباً، وشعر بثقل نظرات والديه اللذين يتفحصان المكان الذي من المفترض أن يعيش به مع ليلى 

لكن دخول تلك الفتاة قد قلبت حياتهم رأساً على عقب.

_ اتفضلوا ارتاحوا، هدخل أشوف الممرضة عملت إيه وأديها العلاج.

قالها أكمل وهو يحاول أن يبدو متماسكاً، ثم اتجه بخطوات سريعة نحو غرفة النوم، لكنه تفاجئ بالممرضة تخرج منها في نفس اللحظة ويبدو على وجهها قلق واضح.

عندما رأته أسرعت نحوه وقالت بصوت مهني وقلق.

_ مستر أكمل المدام شكلها تعبان أوي النهاردة، أنا قستلها الضغط دلوقتي لقيته رفع تاني فجأة، كلمت الدكتور مجدي قالي أديها حقنة الطوارئ وعلقتلها المحلول ده.

ترك أكمل الأدوية التي كان يحملها في يد الممرضة ودلف إلى الغرفة بقلب يخفق من الخوف. 

وجد صبر مستلقية على الفراش، وجهها شاحب كورقة خريف، وعيناها مغمضتان ويبدو عليها الوهن الشديد 

اقترب من السرير وجلس على حافته برفق.

_ صبر... في إيه؟ حاسة بإيه؟

فتحت عينيها ببطء وبدا وكأن هذا المجهود البسيط قد استنزف كل طاقتها.

لم تجب، فقط نظرت إليه نظرة ضائعة مليئة بالألم.

في تلك اللحظة دلفت نسرين إلى الغرفة لقد خلعت عنها عباءة الأم المصدومة وارتدت عباءة الطبيبة المتمرسة. 

تحركت بثقة نحو السرير، وألقت نظرة فاحصة على كيس المحلول المعلق، ثم على وجه صبر الشاحب.

_ اخرج أنت دلوقتي يا أكمل.

قالتها بنبرة حاسمة لا تقبل الجدال نظرت إلى الممرضة.

_ هاتيلي جهاز الضغط والسماعة

تحركت نسرين بخفة واحترافية فحصت عيني صبر وقاست نبضها، ثم ضغطها. 

كان أكمل يقف عند الباب يراقب والدته وهي تعمل، ويشعر بمزيج من الامتنان والخوف. 

كان يرى أمامه طبيبة مخ وأعصاب في أوج تركيزها تنقذ مريضة، لكن هذه المريضة كانت زوجته وأم طفله.

_ ضغطها عالي جداً، والحقنة اللي خدتها مش كفاية لازم تاخد مهدئ أقوى عشان الضغط ينزل بالتدريج وميأثرش على الجنين.

قالت نسرين للممرضة وهي تعد حقنة أخرى بيدين ثابتتين. 

أعطتها الحقنة بمهارة، ثم ظلت بجانبها تقيس الضغط كل بضع دقائق، تعدل من وضعية الوسادة تحت رأسها، وتتحدث إليها بصوت هادئ ومطمئن لم تستخدمه من قبل.

_ متخافيش... كل حاجة هتبقى كويسة ارتاحي بس.


لم تترك نسرين جانب سرير صبر في تلك الليلة ولا في الأيام التي تلتها. كانت تنام على أريكة صغيرة في نفس الغرفة وتستيقظ عدة مرات لتطمئن عليها، تبدل أكياس المحاليل بنفسها وتشرف على مواعيد الدواء مع الممرضة كانت قد جاءت مجبرة، لكن شيئاً ما بدأ يتغير بداخلها. 

كانت ترى أمامها فتاة ضعيفة وهشة، تقاتل بصمت من أجل حياتها وحياة جنينها.

منذ أن ذهب أكمل وهو يهاتفهم عدة مرات في اليوم للاطمئنان عليه

في اليوم الثالث، استيقظت صبر وشعرت بتحسن طفيف.

الصفحة التالية