رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 41 - جـ 1 - الإثنين 22/9/2025
قراءة رواية ثنايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ثنايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا الخولي
الفصل والواحد والأربعون
الحزء الأول
تم النشر الإثنين
22/9/2025
كان يوم الفرح يوماً استثنائياً بكل المقاييس لم تكن السرايا مجرد بيت بل كانت خلية نحل تضج بالحياة والفرح الصادق.
الكل كان يعمل بسعادة من أصغر خادمة إلى أكبر فرد في العائلة والهدف واحد
أن تكون ليلة نغم ليلة من ألف ليلة وليلة كانت السعادة معدية وكأن فرحة نغم قد غسلت كل أحزان الماضي التي علقت بجدران البيت.
وعندما حان وقت ارتداء فستان الزفاف ساد صمت مهيب في الغرفة، لقد كان الفستان معلقاً ينتظر ملكته، وكان بحد ذاته تحفة فنية.
لم يكن مجرد فستان بل كان حلماً منسوجاً من قماش التول الفاخر والساتان اللامع، مرصعاً بآلاف من حبات الكريستال الصغيرة التي كانت تلمع وتتلألأ مع كل حركة، كأنها النجوم كان تصميمه ملكياً، وأكمام مطرزة بدقة متناهية.
عندما ارتدته نغم بمساعدة روح ووعد وقفت أمام المرآة الطويلة وشعرت بأنها ليست هي.
لقد تحولت إلى أميرة من القصص الخيالية نظرت إلى انعكاسها مبهورة عاجزة عن الكلام لقد فاق جمال الفستان كل توقعاتها وكان دليلاً آخر على أن جاسر لم يفكر فقط في إسعادها، بل في تحقيق أبعد أحلامها.
اقتربت منها الكوافير وهي تهز رأسها بإعجاب صادق.
_ بسم الله ما شاء الله قمر حقيقي مش عارفة اقولك ايه الصراحة
ثم ابتسمت وأضافت
_هعمل زي امبارح ونحط لمسات خفيفة عشان نظهر الجمال ده أكتر لازم العروسة تكون منورة.
وبينما كانت الكوافير تضع لمساتها السحرية الأخيرة، اجتمعت حولها نساء العائلة والدتها ووالدة سند وزوجة عمها سالم كن ينظرن إليها بفخر وحب وعيونهن تلمع بدموع الفرح.
اقتربت منها والدتها وربتت على كتفها بحنان، محاولة أن تبدو متماسكة.
_ متخافيش يا جلب أمك ده يوم زي أي يوم وجاسر ابن حلال وبيحبك هيحطك في عينيه.
أضافت والدة سند بابتسامة دافئة وهي تغمز لها
_ خلي جلبك چامد اكده، إحنا كلنا مرينا باليوم ده شوية خضة في لول وبعدين كل حاچة بتبجى تمام.
كانت النساء الثلاث يتحدثن بهمس يحاولن "تطمئنها" وتهدئة خوفها المفترض من "أول ليلة"، معتقدات أنها كأي فتاة تشعر بالرهبة من المجهول.
في خضم هذه النصائح الأمومية الحنونة، التقت عينا نغم بعيني روح التي كانت تقف في الجانب الآخر لم تستطع الأختان منع نفسيهما تبادلتا نظرة سريعة، نظرة مليئة بالأسرار والمرح ثم انفجرت كل منهما في ضحكة صامتة مكتومة تحاولان إخفاءها خلف ابتسامات مصطنعة.
لقد كان موقفهما مضحكاً هما فقط من يعرفان الحقيقة، يعرفان أن "الخوف" الذي يتحدثن عنه قد تم تجاوزه منذ زمن، وأن العلاقة بين نغم وجاسر قد تخطت كل هذه المراحل.
لاحظت وعد نظراتهما المتبادلة وضحكاتهما المكتومة، فاقتربت من روح وهمست لها بفضول
_في إيه؟ بتضحكوا على إيه من تحت لتحت؟
ابتسمت روح ابتسامة عريضة ولم تجب، مكتفية بالغمز لوعد مما زاد من حيرتها فاقتربت وعد أكثر وهمست
_تجصدي يعني......؟
أومأت روح برأسها إيجاباً ورفعت حاجبيها بتأكيد مضحك هنا فهمت وعد كل شيء واتسعت عيناها بصدمة ممزوجة بالمرح.
قالت ليل وهي ترى ضحكاتهن
_بتضحكوا على إيه يا بنات؟ سيبوا أختكم في حالها دي العروسة زمانها مكسوفة.
هنا لم تتمالك وعد نفسها وبمرح خالص، قلدت صوت والدة سند وهي تقول بنبرة درامية
_"شوية خضة في الأول وبعدين كل حاچة بتبجى تمام"
ثم انفجرت في الضحك مع روح ونغم وتحول الهمس إلى ضحكات عالية وصافية ملأت الغرفة حتى أن النساء الأكبر سناً بدأن يضحكن معهن دون أن يفهمن السبب الحقيقي للضحك، معتقدات أنها مجرد سعادة بنات وبهجة فرح لا أكثر.
في خضم هذه الأجواء السعيدة طُرق الباب ودخل الجد وهدان، يتبعه عمها سالم وحامد ساد الصمت للحظة، صمت مهيب مليء بالفخر والحب.
كان وهدان أول من اقترب نظر إلى حفيدته التي أصبحت عروساً تفيض جمالاً ونوراً وابتسم ابتسامة حنونة اهتز لها شاربه الأبيض.
رفع امامها علبة خشبية قديمة وفتحها ليكشف عن عقد ذهبي ثقيل، من ذلك الذهب القديم الذي لا يقدر بثمن بدا أثرياً ومهيباً.
_ده كان بتاع ستك الله يرحمها كان نفسي أجهزك بأحسن جهاز في البلد كلها يا بتي بس ابن التهامي رفض وجال إنه عايزك بالفستان اللي عليكي وبس.
ستك الله يرحمها جالت الكردان ده أمانة عندي ولما أشوفك عروسة أدهولك، صحيح هو مش
أخذت نغم العقد بيدين مرتعشتين وشعرت بثقله وقيمته التاريخية والعاطفية انحنت وقبلت يده والدموع في عينيها.
ثم تقدم سالم الذي كانت فرحته لا تسعها الدنيا كان وجهه يفيض سعادة وهو يقدم لها عقد
_ألف مبروك يا بت الغالي، دي هدية مني ليكي، الچنينة الجبلية دي كتبتها باسمك لوحدك، طالما ابو دماغ يابسة ده مرضاش اننا نچهزك.
اتسعت عينيها بندم استيعاب
_بس الچنينة دي بالذات غالية جوب عليك.
قبل رأسها بحنو
_مفيش حاچة تغلى عليكي.
كان نفسي أبوكي يكون عايش وحاضر فرحتنا دي بس الحمد لله على كل حال.
لم يذكر اسم "عدي"، فجرحه لا يزال غائراً، ولم يرد أن يعكر صفو هذه الليلة بذكرى مؤلمة.
أخيراً تقدم حامد وعيناه تلمعان بالدموع وهو يقدم لها مصحفاً مغلفاً بعلبة ذهبية
_كنت أتمنى متبعديش عن حضني أبداً، بس المهم عندي إنك تكوني سعيدة ومبسوطة ولو سعادتك معاه، يبجى أني أسعد واحد في الدنيا.
خلي كتاب ربنا رفيقك في بيتك الچديد.
لم تعد نغم قادرة على التحمل. احتضنت أعمامها وجدها واحداً تلو الآخر وشعرت بحبهم يغمرها كحصن منيع، حب حقيقي لا يقاس بالمال بل بالذكريات والدعوات الصادقة.
بعد لحظات تقدم سالم منها ومد لها ذراعه بفخر.
_يلا يا عروسة عريسك مستني.
أمسكت بذراعه وفي تلك اللحظة انطلقت الزغاريد من ليل ونساء العائلة، زغاريد عالية وقوية هزت أركان البيت.
أخذها سالم وخرج بها من الغرفة وسط الزغاريد التي لم تتوقف معلنة للعالم كله أن فرحة بيت الرفاعي قد عادت وأقوى مما كانت.
❈-❈-❈
وصل جاسر إلى سرايا الرفاعي وقلبه يسبق خطواته لم يعد قادراً على الانتظار كل دقيقة تمر وهو بعيد عنها كانت تبدو كدهر
دخل البهو الواسع فوجد مالك وسند وقفا لاستقباله مهنئين إياه
_مبروك يا عريس نورت.
تقدم منهما جاسر وعيناه تبحثان ناحية الدرج على الطابق العلوي بلهفة.
_الله يبارك فيكم، أومال هي فين؟ خلصت ولا لسه؟
نظر إليه مالك ببرود مصطنع وهو يجلس على المقعد ويأخذ رشفة من قهوته قبل أن يجيب.
_ لسه الكوافيرة معاها بنات بجا وانت زين العارفين.
قطب جاسر حاجبيه باستغراب.
_ لسه كيف؟ أنا لسه مكلمها من شوية وجالت إنها خلصت وچاهزة.
هز مالك كتفيه بلامبالاة وهو يكبت ضحكة كادت أن تفلت منه.
_ شغل بنات بجى أنت خابر تخلص وتجولك خلصت وبعدين تفتكر حاچة، وترچع الكوافيرة تشتغل من أول وچديد.
اجعد اشربلك حاچة بدل ما انت واجف مش على بعضك إكدة، قدامك ساعة ولا اتنين.
نظر جاسر إلى سند لعله يجد عنده إجابة مختلفة لكنه وجد سند ينظر إلى فنجانه باهتمام شديد محاولاً إخفاء ابتسامته.
_اجعد اشربلك فنچان ولا اتنين لحد ما تخلص.
لم يصدقهما جاسر لكنه لم يستطع فعل شيء بدأ يسير ذهاباً وإياباً في البهو كالنمر المحبوس في قفص.
يلقي نظرة على ساعته ثم نظرة على الدرج ثم يعود ليسير مرة أخرى.
كان مالك وسند يراقبانه وهما يكادان ينفجران من الضحك.
لم يصدقا أن هذا هو جاسر التهامي جبل الثلج الذي لا يهتز.
كانا ينظران إلى بعضهما البعض ويتساءلان في صمت:
"ماذا فعلت به هذه الفتاة؟ كيف استطاعت أن تحوله إلى هذا العاشق الولهان الذي فقد كل صبره؟"
وفجأة انطلقت زغرودة قوية من الطابق العلوي تبعتها زغاريد أخرى كأنها إعلان رسمي عن انتهاء الانتظار.
توقف جاسر في مكانه والتفت إليهما يحاول الحفاظ على شموخه
_ هي كده خلصت صح؟
نهض مالك واقترب منه ووضع يده على كتفه وهو يربت عليه بمرح.
_ اهدى يا عريس مش اكده اتجل شوية الناس تجول عليك إيه؟
نظر إليه جاسر بنفاد صبر.
_ طيب شوف هطلع آخدها ولا إيه الحكاية؟ الرچالة اللي مستنية برة دي.
تقدم منه سند
_متجلجش عليهم الرفاعية بيجموا معاهم بالواجب.
وضع جاسر يده في جيبه كي يخرج هاتفه ويتصل عليها
هنا لم يعد سند قادراً على التحمل فانفجر في ضحكة صادقة من قلبه.
_ رغم كل اللي عملته فينا بس ميهونش عليا وجفتك دي اطلع يا عم، اطلع خد عروستك.
لم ينتظر جاسر كلمة أخرى انطلق نحو الدرج بخطوات سريعة وما إن وضع قدمه على أول درجة حتى توقف متجمداً في مكانه.
كانت تنزل الدرج بخطوات بطيئة كأنها تطفو في الهواء
كان عمها سالم يمسك بذراعها يسندها بفخر وحب.
الجد وهدان ينزل خلفها وابنه حامد بعصاه وهيبته يتطلعان إليها بابتسامة حنونة.
نظر جاسر إلى هذا المشهد وشعر بشيء غريب لقد رأى قوة هذه العائلة في ترابطها في الطريقة التي أحاطوا بها ابنتهم كحصن منيع من الحب والدعم لقد فهم في تلك اللحظة سر قوتها هي.
لكن كل هذه الأفكار تلاشت عندما اقتربت منه أكثر لقد سحره جمالها
كانت تبدو ككائن خرافي، كحلم تجسد على هيئة بشر
الثوب وجهها نظرتها الخجولة المليئة بالحب... كل شيء فيها كان يصرخ بالكمال.
شعر بأن قلبه قد توقف عن النبض، وأن العالم كله قد اختفى ولم يتبق سوى هي.
وقفت أمامه ورفع هو يده ببطء ليمسك بيدها كأنه يخشى أن يلمسها فتختفي.
همس بصوت أجش صوت رجل وصل إلى أقصى درجات التحمل.
_ يلا بينا.
لم يكن سؤالاً بل كان قراراً.
هو لن يستطيع أن يصبر أكثر من ذلك. لن يستطيع أن يشاركها مع أي شخص آخر، ولو لدقيقة واحدة.
يريد أن يأخذها إلى عالمه إلى مملكته ويغلق عليهما الأبواب.
نظرت إليه ورأت في عينيه كل الشوق واللهفة التي تعتمل في صدره، والتي كانت تعكس ما في صدرها هي أيضاً هزت رأسها موافقة والخجل يلون وجهها بأجمل الألوان.
أمسك بيدها بقوة واستدار بها وبدأ يسير نحو الباب وهي بجانبه.
وفي تلك اللحظة انطلقت الزغاريد من كل مكان تملأ البيت، وتزفهما إلى حياتهما الجديدة كأجمل لحن يبارك اتحاد قلبين قدرا لهما أن يلتقيا في قلب العاصفة.
كانت الرحلة إلى بيت الجبل
والأيدي المتشابكة والنظرات المختلسة والابتسامات الخجولة، لغة كافية للتعبير عن كل ما في قلبيهما.
انطلقت السيارة الفاخرة بهدوء تاركة وراءها أضواء الفرح الصاخبة وأصوات الأهل الممزوجة بالدعوات والزغاريد.في الداخل كان هناك عالم آخر، عالم خاص بهما فقط.
كانت نغم تجلس بجانبه بفستانها الأبيض الجميل تشعر وكأنها في حلم.
كانت تنظر من النافذة إلى أضواء الطريق وهي تمر بسرعة لكن عقلها كان لا يزال عالقاً في تفاصيل الليلة الساحرة.
قطع جاسر الصمت بصوته العميق الذي أصبح الآن يحمل نبرة من الدفء والعشق الخالص.
_شايفة الجمر اللي في السما دي؟
نظرت إليه فوجدته ينظر إليها هي، لا إلى السماء أومأت برأسها بصمت.
_انتي عندي إكدة منورة حياتي وجلبي زي ما هو منور الببد كلياتها، انتي الوحيدة اللي بتنور دنيتي كلها.
شعرت بالكلمات تتسلل إلى قلبها مباشرة وتلون خديها بحمرة خفيفة.
لم تجد ما تقوله فكل الكلمات تبدو تافهة أمام غزله.
أمسك بيدها التي كانت ترتاح على الفستان وشابك أصابعه بأصابعها ثم رفع يدها وقبلها برقة وعيناه لم تفارقا الطريق أمامه.
_نفسي أخطفك دلوجت ناخد العربية دي ونسافر، نهرب بعيد... بعيد جوي عن الدنيا كلها نروح مكان محدش يعرفنا فيه مكان مفيش فيه غيري وأنتي وبس.
نظرت إليه بحب وهمست
_طب وليه معملتش إكدة؟
التفت إليها للحظة وابتسم ابتسامة حنونة.
_عشان كان لازم أهلك يفرحوا بيكي، وعشان كان لازم أهلي يفرحوا بينا. كان لازم يشوفوكي وإنتي ملكة متوجة، ويشوفوني وأني أسعد راجل في الدنيا عشان كسبتك فرحتهم جزء من فرحتنا.
تنهدت بسعادة وأسندت رأسها على كتفه.
_لسة مش مصدجة إنك عملتلي فرح بالجمال ده كله ليه مجولتليش؟ ليه خليتها مفاجأة؟
قال وهو يشد على يدها برفق
_عشان كان فيه وعد لازم أوفيه.
نظرت إليه باستفهام، فتابع بنبرة جادة وصادقة
_وعدت نفسي يوم ما رجعتي ليهم إني هرجع آخدك تاني، بس المرة دي وإنتي راسك مرفوعة جدام البلد كلها.
وعدت نفسي إن عيلتي كلها هتيچي لحد بيتك، وتطلب إيدك، وتزفك ليا كأنك أميرة.
كان لازم أمسح كل ذكرى وحشة، وأكتب مكانها ذكرى حلوة تعيشي تفتكريها طول عمرك.
عند هذه الكلمات شعرت نغم بغصة في حلقها، لم تعد قادرة على الكلام لم تعد قادرة على فعل أي شيء.
كل محاولات عقلها لمقاومته كل شكوكها، كل مخاوفها تبخرت تماماً أمام هذا الاعتراف.
لقد فعل كل هذا ليس فقط ليفوز بها بل ليرد لها كرامتها واعتبارها أمام العالم كله.
لم تتكلم لكنها رفعت رأسها ونظرت إليه كانت عيناها تلمعان بدموع الامتنان والحب نظرة واحدة قالت كل شيء.
قالت له "أحبك" وقالت له "أنت عالمي" وقالت له "لقد شفيت كل جروحي".
فهم جاسر كل ما قالته عيناها.
ابتسم ابتسامة رضا عميقة وقاد السيارة نحو بيتهما نحو حياتهما الجديدة وهو يعلم أنه لم يفز بزوجة فقط، بل فاز بروح كانت تنتظره ليكتمل بها.
لم يوقف جاسر السيارة عند البوابة كالعادة بل أكمل طريقه عبر الممر الحجري المضاء بالفوانيس، حتى توقف أمام باب البيت مباشرة.
نزل من السيارة برشاقة ودار ليفتح لها الباب وانحنى قليلاً ليقدم لها يده، كفارس يستقبل أميرته في قلعته.
وما إن خطت نغم بقدمها الأولى خارج السيارة حتى وجدت نفسها في حضن دافئ وحنون.
كانت والدة جاسر في انتظارها عند الباب والفرحة الصادقة لا تسع ملامحها الهادئة.
_ حمدلله على السلامة يا نور عيني
قالتها وهي تحتضن نغم بقوة ثم ابتعدت قليلاً لتمسك بوجهها بين يديها.
_ كده يا نغم؟ شهور بحالهم ومفكرتيش حتى تكلميني تطمنيني عليكي؟ ده أنا قلبي كان هيقف من القلق.
ابتسمت نغم بحب وشعرت بالذنب.
_ غصب عني والله يا أمي الايام اللي فاتت كانت...
لم تجد الكلمات المناسبة لوصف ما حدث.
_خلاص رجعت ومش هسيبك تاني، لولا وجودك في حياتي مكنتش وصلت للسعادة دي.
ربتت ونس على خدها بحب.
_ أنتِ بنتي اللي ربنا عوضني بيها والنهاردة أسعد يوم في حياتي وأنا شايفاكي منورة بيت ابني.
ثم التفتت إلى جاسر الذي كان يراقبهما بابتسامة سعيدة.
_ خد مراتك يا حبيبي، بيتها مستنيها أنا چهزتلكم كل حاچة.
أمسك جاسر بيد نغم وقبل يد والدته ثم قاد نغم إلى الداخل.
لم تكن هذه غرفة نومهما العادية بل كانت قد تحولت إلى مشهد من قصة خيالية.
كانت الأرض مفروشة ببتلات الورود الحمراء والبيضاء عشرات الشموع المعطرة كانت تملأ المكان وتلقي بظلالها الراقصة على الجدران، مما يضفي على الغرفة جواً من السحر والدفء.
وفي منتصف الغرفة كانت طاولة صغيرة عليها عشاء خفيف لهما.
أغلق جاسر الباب خلفهما وأدار المفتاح وكأنه يغلق العالم كله في الخارج.
تقدم بمكر وهو يقول
_اهلا بيكي في سجن الجاسر.
استدارت نغم مبهورة بجمال المشهد لكنها عندما نظرت إليه وسمعت كلماته نسيت الورود والشموع وكل شيء كان يقف هناك ينظر إليها بنظرة لم ترها من قبل.
نظرة عميقة حارقة، مليئة بالحب والامتلاك والشوق الذي وصل إلى منتهاه.
تقدم منها ببطء وكل خطوة يخطوها كانت تزيد من سرعة نبضات قلبها.
توقف أمامها مباشرة ورفع يديه ليمرر أصابعه برفق على وجهها كأنه يتأكد أنها حقيقية.
_ أخيراً.
همس بصوت أجش صوت رجل انتظر هذه اللحظة طويلاً.
_ أخيراً بقيتي هنا في بيتي وفي حضني وملكي أنا لوحدي.
لم تستطع نغم النطق كانت الكلمات قد هربت منها ولم يتبق سوى لغة العيون.
_ تعرفي...
أكمل وهو يقرب وجهه منها وأنفاسه تلفح بشرتها.
_ طول اليوم وأنا بتخيل اللحظة دي بتخيل إني هجفل علينا الباب ده لأنه شهد على فترة عذاب واشتيا محدش في الدنيا يجدر يتحمله ومحدش في الدنيا دي دلوجت هيجدر ياخدك مني تاني كنت بعد الثواني عشان اللحظة دي تاچي.
انحنى أكثر وطبع قبلة رقيقة على جبينها ثم على خدها ثم على طرف أنفها، كأنه يتذوق كل جزء منها.
_ أنتِ مش متخيلة أنتِ عملتي فيا إيه حولتي الوحش اللي جوايا لطفل طفيتي نار التار اللي كانت بتاكل فيا، وزرعتي مكانها ورد.
بجيت مستعد أحرج الدنيا كلها عشان بس أشوف الابتسامة دي على وشك.
أغمضت نغم عينيها مستسلمة لسحر كلماته ولمساته.
_ بحبك يا جاسر.
همست بها أخيراً الكلمة التي كانت تكابر طويلاً لتعترف بها.
عندما سمعها شعر وكأنه امتلك العالم.
ابتسم ثم رفع ذقنها برفق وقال بنبرة تملؤها العاطفة
_ وأنا مش بس بحبك أنا بتنفسك.
لم يعد هناك مجال للكلمات انحنى وطبع قبلة على شفتيها قبلة بدأت رقيقة ثم تعمقت لتصبح انفجاراً لكل المشاعر المكبوتة لكل الشوق ولكل الحب الذي تحدى المستحيل حملها بين ذراعيه بسهولة واتجه بها نحو السرير المفروش بالورود وفي تلك الليلة في جنتهما الصغيرة المعزولة فوق الجبل أصبحا عالماً واحداً لا مكان فيه للماضي أو الخوف، فقط للحاضر بكل ما يحمله من شغف وللمستقبل الذي سيبنيانه معاً، على أنقاض الكراهية وبأساس من حب أسطوري.
