رواية جديدة عبير الليل لعلا السعدني - الفصل 23 - الأحد 5/10/2025
قراءة رواية عبير الليل كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية عبير الليل
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة علا السعدني
الفصل الثالث والعشرون
تم النشر الأحد
5/10/2025
(على ضفاف النيل)
داخل قاعة التدريب المخصصة للقائد المحاطة بأسلحة وسيوف، والجدران مزينة بنقوش فرعونية، كان صوت السيف يصطدم بالهدف الخشبي في أرجاء القاعة، ويبدو أنه كان ينفث عن غضبه أكثر مما يتدرب ..
وقف وسط القاعة، يضرب الهدف الخشبي بعنف واضح، عيناه تشتعلان بالغضب، وعضلاته مشدودة بارزة تحت أشعة الشمس التي تسللت من النوافذ الضيقة، كان كل ضربة كأنها محاولة لإخماد النار التي تأكل قلبه كلما رأى الملكة بجانب الملك ..
دخل جندي صغير بخطوات هادئة، وتوقف عند مدخل القاعة، انحنى احترامًا وقال بصوت خافت
- سيدي القائد، الملك طلب رؤيتك فورًا في جناح العرش
توقف (ياسين) عن ضرباته، رفع رأسه ومسح جبينه، ثم ألقى بالسيف على الأرض وبعدها نظر للجندي بنظرة عميقة، وسأله ببرود
- الملك بنفسه؟ ما الأمر؟
أجاب الجندي بتوتر
- لا أعلم، سيدي، لكنه يبدو أمرًا هامًا للغاية
لوّح (ياسين) بيده للجندي لينصرف، ثم التقط عباءته وألقى نظرة أخيرة على السيف الملقى على الأرض قبل أن يغادر القاعة، دخل (ياسين) جناح العرش، لكن قلبه كان ممتلئ بالغيرة والغضب، وجد الملك (آدم) جالسًا على عرشه، وعلى يمينه كانت (لارا) تقف بجانبه، تنظر إليه بهدوء، لكنها لم تستطع إخفاء التوتر في عينيها ..
رفع الملك (آدم) نظره نحو (ياسين) وقال
- (ياسين) نحن على مشارف رحلة خطرة، هناك شيء يجب أن نحصل عليه بأي ثمن
أجاب (ياسين) بثبات
- كما تأمر يا مولاي لكن ما طبيعة هذه الرحلة؟
نهض عن عرشه وهو يقول بهدوء
- (عين رع الخفية) حجر مقدس سيحمي عرشي من الانهيار يجب أن نستعد للرحلة فورًا
نظر (ياسين) للحظات إلى الملك، ثم إلى (لارا) التي كانت تقف بجواره لاحظ كيف كانت قريبة جدًا منه، وكيف أن (آدم) ينظر إليها، شعر بغيرة تحرقه من الداخل، لكنه أخفى مشاعره وقال بجمود
- متى نبدأ؟
ابتسم (آدم) ابتسامة خفيفة وقال
- غدًا عند شروق الشمس تأكد أن كل شيء جاهز
- حسنًا سيدي
غادر (ياسين) الجناح بعد أن انحنى للملك، لكن الغضب كان يتصاعد بداخله كبركان على وشك الانفجار وفي طريقه إلى الخارج، قبض على مقبض سيفه بشدة، في محاولة يائسة منه لتهدئة مشاعره الغاضبة ..
❈-❈-❈
داخل جناح الملك، كان يسود المكان صمت ثقيل، كانت الملكة تقف بجانب نافذة ضخمة، تراقب النيل الذي يعكس أشعة الشمس المتوهجة، عيناها مليئتان بالتوتر والقلق، لكنها حسمت أمرها وقررت أن تتحدث، استدارت نحو الملك وقالت بصوت مليء بالإصرار
- أريد أن أكون بجانبك في هذه الرحلة، لا يمكنني أن أتركك تواجه هذا الخطر وحدك
رفع (آدم) رأسه ببطء ونظر إليها بتمعن، لكن ملامحه يكسوها الهدوء والجدية رد بصوت هادئ لكنه حازم
- لن أسمح بذلك، الرحلة مليئة بالمخاطر، ووجودك معي سيعرضك للخطر أيضًا
تقدمت (لارا) نحوه بخطوات هادئة، وعيناها تتوسلانه قالت بصوت مملوء بالمشاعر
- كيف أتركك وحدك؟ أنا شريكتك في كل شيء، ولن أغفر لنفسي إذا حدث لك مكروه أرجوك، دعني أرافقك
ظل (آدم) صامتًا للحظات، يتأمل كلماتها كانت ملامح وجهه توحي بصراع داخلي بين حرصه على حمايتها وحاجته لوجودها بجانبه وأخيرًا، تنهد وقال بصوت منخفض لكنه به نبرة خائفة عليها
- لولا أنني أخشى تركك وحدك هنا لما وافقت لكنني لا أستطيع المخاطرة ببقائك في القصر بينما أجهل ما ينتظرني، أشعر بالخوف عليكِ من وجود أشقائي بالقرب منكِ
تراجعت (لارا) خطوة إلى الوراء، وعينيها ترقرقت بها الدموع بسبب كلماته، فهو يشك بأي شخص غيرها يثق بها ثقة عمياء، وهي أصبحت لا تعرف شخصيته الحقيقية لكنها أخفت دموعها سريعًا حتى لا يفتضح أمرها، استمر وهو يقترب منها قليلاً
- أشعر أن أشقائي هم السبب وراء هذه الكوابيس
نظرت إليه بقلق وسألته
- ولماذا تظن ذلك؟
ابتسم ابتسامة خفيفة لكنها كانت مليئة بالمرارة وقال
- هل نسيتِ عندما اردت الزواج منكِ؟ لم يكن أي منهم راضيًا عن زواجي، لأنك لستِ من سلالة الملوك حاولوا بشتى الطرق منعي، لكنني رفضت ووقفت في وجه الجميع
شعرت (لارا) بوخزة في قلبها، فأخفضت رأسها وشحب وجهها وهي تهمس بحزن
- إذًا، أنا السبب في كل ما تمر به الآن؟
تقدم (آدم) نحوها وأمسك كتفيها ليجعلها تنظر بداخل عيناه وصوته كان مليئًا بالحنان، لترفع وجهها لتلتقي عيناه بعينيها وقال بصوت مليء بالإصرار
- لا تقولي هذا أبدًا، أنتِ قوتي أنا مستعد أن أحارب الجميع من أجلك، فلا تظني أنني نادم على اختياري
ابتسمت (لارا) ابتسامة خفيفة رغم الألم الذي كان يعصف بداخلها ثم تمالكت نفسها وقالت بهدوء
- أريد زيارة خالتي اليوم قبل السفر، هل تأذن لي؟
هز (آدم) رأسه بالموافقة وقال بصوت هادئ
- بالطبع، اذهبي مع الحراس وكوني حذرة
ثم أدار وجهه نحو النافذة، وعاد الصمت ليخيم على الجناح مرة أخرى، بينما ظلت هي تنظر إليه تحتار في أمره كثيرًا ولكن ماذا عليها أن تفعل لا يمكنها الثقة به ابدًا ..
❈-❈-❈
شقّت طريقها وسط أزقة المدينة القديمة، المحاطة بالمنازل الطينية البسيطة، الأبواب الخشبية متآكلة، والنوافذ صغيرة، والأواني الفخارية أمام البيوت، كان الأطفال يلهون بألعاب مصنوعة من القش، ورائحة الخبز الطازج تمتزج برائحة الطين المبلل، شعرت بحنين إلى تلك الحياة البسيطة التي كانت تحياها، وصلت إلى منزل خالتها، تأملت الباب الخشبي البسيط الذي طالما كان بوابة ذكرياتها، ثم دخلت إلى الداخل، حيث كان الأثاث متواضع لكنه نظيف، ذلك المكان الذي ترعرعت فيه بالحب والحنان، كان الحراس خلفها فأستأذنت منهم ان يظلوا بالخارج لأنها تريد الحديث مع خالتها بمفردها، فخرج الحراس للخارج بينما رمقتها خالتها بنظرة نارية ولم تلتفت لوجودها واتجهت نحو الداخل وكأنها لم تراها، فاقتربت منها (لارا) واحتضنتها من الخلف وهى تقول
- لقد افتقدتك كثيرًا (ميريت)
ابعدت (ميريت) يدها عنها وهى لا تريد النظر إليها، باتاتًا ثم قالت بجفاء دون ان تنظر لها
- ماذا تريدي؟!
اخذت (لارا) نفس عميق ثم قالت بهدوء
- جئت لأودعك قبل أن اسافر مع الملك
نظرت (ميريت) لها نظرة جانبية ثم قالت ببرود تام
- وما شأنى بك وبسفرك؟! اذهبي يا (لارا) اذهبي وعودي لقاتل والدك ووالدتك الذى يقوم بدفع المال كل شهر لي كي اصمت ولا اتحدث عن انه قاتل والدايك لم اكن اعلم السبب الذي من اجله يريد عنك اخفاء تلك الجريمة، ثم نظرت لها ببسمة ساخرة واردفت قائلًا
- ولكني علمت عندما تزوجك ورغم انه يرسل لي المال وكل ما أريده، لم اخفي عنكِ تلك الجريمة وقلت لكِ ومع ذلك تزوجتيه يا (لارا) وكأن شئ لم يكن وكأني لم اروي لك ما حدث فى الماضى
عادت بذاكرتها إلى ذلك اليوم ..
في صباح أحد الأيام المشئومة، كان الباب يطرق بقوة على منزل (ميريت)، نظرًا للهدوء الذي كان يعم المكان، بدا الصوت واصحًا وعاليًا، توقفت (ميريت) عن عمل الطعام وذهبت لفتح الباب، لتجد أحد الجيران يقف أمامها، ملامحه تحمل القلق والتوتر، ثم قال الجار بصوت متلعثم
- (ميريت) .. شقيقتك وزوجها .. (تى) و (رعمسيس) .. سيتم إعدامهم حالًا، لا أحد يعرف السبب لكن الخبر منتشر في كل مكان
أصاب الكلام (ميريت) كالصاعقة، اتسعت عينيها، كأنما الزمن توقف أمامها، قلبها بدأ تتسارع دقاته التوتر، تسرب إلى جسدها، فسارت ببطء، وهي تكاد لا تصدق ما سمعته فتحدث جارها قائلًا
- لا وقت للحديث، يجب أن تسرعي في الساحة الكبرى، الجميع هناك يجب أن تري ذلك بنفسك
وبينما هو يغادر، اندفعت (ميريت) داخل البيت بخطوات سريعة نحو (لارا) التي كانت فى سن العاشرة حيث كانت تلهو في الداخل وقفت أمامها، والدموع بدأت تتجمع في عينيها
قالت (ميريت) بصوت حاد، لكن ممتلئ بالقلق
- (لارا) أغلقي الباب، ولا تخرجي مهما حدث تذكري جيدًا، لا تتركي المنزل
أمسكت (ميريت) بذراعها، في الوقت الذي كان قلبها يكاد ينفجر من الداخل، شعرت بدموع تلمع في عينيها، لكنها حاولت جاهدة أن تظهر ل (لارا) أكثر قوة مما هي عليه
وعندما تأكدت من أن (لارا) في الداخل، أغلقت الباب بإحكام، وركضت بسرعة نحو الساحة الكبرى، وعدد دقات قلبها في تزايد مستمر ..
في الساحة، كانت الجموع تراقب في صمت حيث كان (رعمسيس) و(تي) يقفان في وسط الساحة تحت ظل الشمس الحارقة حبل المشنقة كان جاهزًا، والجنود يقفون حولهم في استنفار كان الصمت هو الشئ الوحيد الذي يملأ المكان
وصلت (ميريت)، وعينيها تبحثان في الوجوه، تتساءل هل هذا فعلاً يحدث؟
هل تم إعدامهم فعلاً؟
هل كانت حقًا هذه النهاية التي سيواجهها شقيقتها وزوجها؟
وفى تلك اللحظة قام الحارس برفع المكبح فتدلت جثتى شقيقتها وزوجها وضعت (ميريت) يدها على فمها من هول ما رأت حيث جثة (رعمسيس) و(تي) معلقتين فى الهواء بواسطة الحبل، سقطت على ركبتيها، وأغمضت عينيها، والدموع تنهمر على وجهها بغزارة ..
رجعت (ميريت) إلى المنزل وهي تسير بخطوات ثقيلة، كانت متأثرة أكثر من أي وقت مضى بفقدان شقيقتها وزوجها، والألم يعصر قلبها ..
عندما دخلت البيت، وجدت (لارا) تنتظر بقلق دون أن تنطق بكلمة، اندفعت (ميريت) نحوها، احتضنتها بشدة، وكأنها تبحث عن مأوى بين ذراعيها، تبكي بصمت، والدموع تنهمر على وجنتيها، في حين (لارا) تقف مذهولة، لا تفهم تمامًا ما يحدث، ولكنها شعرت بشدة الحزن الذي يحيط ب (ميريت)، فتمتمت بصوت خافت
- ولكن لماذا؟ لماذا تبكين؟ ماذا حدث خالتي
نظرت (ميريت) إليها بحزن عميق، وقالت بصوت خافت
- أحيانًا الحياة تحمل لنا إجابات لا نريد سماعها، لا اعلم كيف اخبرك صغيرتي ولكن من اليوم ستكونين تحت رعايتي
ثم عادت واحتضنت (لارا) من جديد، وحاولت تهدئة نفسها بقدر ما تستطيع كان الحزن يملأ قلبها، ولكنها كانت تعرف جيدًا أن عليها أن تكون قوية من أجل (لارا)، مهما كانت الآلام التي حملتها تلك اللحظة ..
مسحت (ميريت) تلك الدمعة التى خانتها فاقتربت (لارا) منها وهى تقول بصدق
- لم انسى يومًا خالتي .. وكيف انسى من قتل والداى بدم بارد، لقد تزوجته كي اكسره واقتله وانتقم منه وما فعله بوالداى، هو ووالده
لمعت عينان (ميريت) بعدم تصديق وامسكت ذراعي (لارا) وهى تسألها
- هل حقًا ما تقوليه؟! ولما لم تخبرينى بخطتك من قبل
اخذت (لارا) نفس عميق ثم قالت بهدوء
- كيف كنت سأقول وحراس الملك فى كل مكان وهو يعلم جيدًا انني اعرف ان والداي كانوا على طريق سفر ولم يعدا حتى الآن، كان على اخفاء الأمر حتى عن نفسي كي تنجح خطتى بالتقرب منه
- وما الذي تنوين فعله؟
سارت (لارا) امامًا بضع خطوات ثم قالت
- لا تقلقى لن اثير الشكوك حولي ولكن تلك الرحلة التى جئت ان اودعك بها ستكون نهايته .. فأنا السبب فى كوابيسه تلك التي يراها، لقد حصلت على نبتة تجعله يهلوس كما اني قبل ان ينام اقص له قصص لحكام تم انتزاع العرش منهم لذا يأتى فى كوابيسه ان احد سينتزع منه الحكم
- وكيف حصلتي على تلك النبتة؟
ابتسمت (لارا) بمكر وهى تعود بذاكراتها لذلك اليوم الذى اتت به بذلك العقار ..
كانت تسير بخطوات ثابتة في أروقة المعبد الخلفية، حيث الظلال الطويلة تتراقص على الجدران الحجرية بفعل ضوء المشاعل الخافت كانت ترتدي ملابس خادمة بسيطة؛ رداءً من الكتان الأبيض، متهالك الأطراف، يلتف حول جسدها النحيل، فيما كانت تخفي وجهها بشال مهترئ بلون الطين، خشية أن يتعرف عليها أحد ..
تقدمت نحو الزاوية المظلمة حيث يجلس الخادم المسؤول عن الأعشاب النادرة كان منشغلاً بتفحص أوراق نباتية غريبة، بينما تنتشر حوله روائح الأعشاب العتيقة، لم يرفع رأسه عندما وصلت، لكنه قال بصوت هادئ وكأنه قد شعر بوجودها
- من أنتِ؟ وماذا تريدين؟
انحنت (لارا) قليلا وكأنها تظهر الأحترام له
- سمعت أن هناك نبتة تسبب أحلامًا مزعجة .. هل هذا صحيح؟
تراجع (حاتى) قليلًا للخلف وهو يضيق بعينه
- أجل، صحيح .. ولكن لماذا تريدين شيئًا كهذا؟
تحدثت (لارا) بنبرة حازمة
- هذا ليس من شأنك أنا بحاجة إليها، وسأعطيك ما تريد، فقط أخبرني أين أجدها
تردد (حاتى) قليلًا قبل ان يتحدث ولكنه قال بالنهاية
- أنتِ لا تعرفين ما تطلبين هذه النبتة ليست لعبة من يستخدمها يرى كوابيس قد لا يفيق منها بسهولة
اجابته (لارا) بهدوء لكن بلهجة صارمة
- قلت لك، لست بحاجة إلى مواعظك سأدفع لك جيدًا، ولا يجب عليك التدخل فيما لا يعنيك
حدّق بها (حاتي) للحظات، يحاول قراءة دوافعها الحقيقية، ثم أخرج كيسًا صغيرًا يحتوي على أوراق داكنة اللون، تفوح منها رائحة نفاذة، ناولها الكيس ثم قال بلهجة محذرة
- خذيه، ولكن لا تقولي إننى لم أحذرك
اخذت (لارا) الكيس ووضعته فى حقيبتها ثم قالت
- هذا لا يهم شكرًا لك، وهذا نصيبك
ألقت له كيسًا صغيرًا يحتوي على بعض السبائك الذهبية، ثم غادرت المكان بسرعة دون أن تلتفت خلفها كانت خطواتها سريعة، وداخلها شعور بالرهبة، لكنها خفت وجهها حتى اختفت عن الأنظار وعادت إلى غرفة خادمتها ..
نظرت إلى خالتها وقالت بثبات
- تلك الرحلة ستكون النهاية .. النهاية لقاتل والدي
شعرت (ميريت) بسعادة حقيقية ثم قامت بإحتضان (لارا) وقالت لها بنبرة حنونة
- اعتنِ بنفسك حبيبتي
ربتت (لارا) على ظهرها وهى تقول
- لا تقلقِ خالتي ..
❈-❈-❈
مع شروق شمس الصباح ..
كانت مياه النيل تعكس أشعة ذهبية، ترحب بالسفينة الملكية النسيم كان عليلاً، كان طاقم السفينة واقفًا بانتظام، يترقب قدوم الملك والملكة وقائد الجيوش السفينة الملكية ..
وقف الملك أولًا، مرتديًا رداءً أبيض مزينًا بخيوط ذهبية، تاجه الملكي يسطع تحت الشمس كان يسير بخطوات ثابتة، لكن عقله كان يغوص في أفكار لا تهدأ كيف انقلبت حياته فجأة؟ أعداء من كل جانب، خيانات، وحتى تلك الرحلة المجهولة التي قد تحمل معه مصيره أو نهايته شعر بثقل المسؤولية على كتفيه، لكنه أخفى ذلك جيدًا خلف نظراته الحازمة ..
ثم جاء، قائد الجيوش كان يرتدي درعه الملكي، يمشي بجسد مشدود، لكن عينيه كانت تبحث عن (لارا)، لم يستطع قلبه أن يتوقف عن الخفقان كلما تأمل ملامحها ويتساءل إن كانت تشعر به، ولو للحظة واحدة، أم تزوجته فقط لأنه الملك؟! ..
جمالها كان يلفت الأنظار، ترتدي ثوبًا ملكيًا بلون الزمرد، لكنها كانت تخفي خلف ابتسامتها الهادئة نيران الانتقام التي تغلي بداخلها ..
ومن كثرة التفكير كادت ان تتعثر وهى تصعد السفينة فكانت يد (ياسين) الأسرع لها مد يده لها فأمسكت بيده لتصعد على متن السفينة شعر حينها (ياسين) بأنه ملك الدنيا وما فيه من تلك اللمسة التى لمسته بها بينما كان (آدم) يغوص فى افكاره انتبه ليد الملكة المُمسكة بيد قائد الجيوش فشعر بغضب يعتريه وحينما صعدت على متن السفينة قبض (آدم) على قبصة يدها بلطف، وابعدها عن الجميع فسألته هي
- ماذا حدث أيها الملك؟! ما بك؟!
نظر داخل عينيها وقال بغضب لكن بصوت خافت قليلًا
- انتِ ملكة كيف تضعين يدك بيد قائد الجيوش؟
رمشت بعينيها وقالت بهدوء
- كنت سأتعثر .. ماذا افعل؟ هل كنت اترك نفسي اقع لأنني ملكة لا يجب عليها لمس اي شخص
نظر (آدم) بعيدًا ثم قال
- ليس الأمر كذلك .. انا فقط لا اريدك ان تلمسي رجلًا آخر فهمتي (لارا)؟!
ابتسمت وهى ترى عيناه يشتعلان من الغيرة فرفعت حاجبيها بمكر وهى تقول
- حسنًا فهمت .. انت تغار .. ولا تريد الأعتراف
نظر لها نظرة الجمتها وقال محذرًا إياها
- (لارا)!!
ضحكت (لارا) كثيرًا ثم امسكت يده وقالت
- حسنًا مولاي .. ايمكننا الجلوس سويًا لنستمتع بتلك الرحلة
نظر لها غير مصدقًا انها لا تفهم الوضع الذي هم به وقال
- نستمتع!! إلا تفهمين خطورة الأمر الذي اتينا من اجله
هزت رأسها نافية ثم قالت بهدوء
- افهم .. افهم جيدًا .. ولكن ما المانع ان نستمتع ونحن سويًا
قبض على يدها المتأبطة بذراعه وقال
- انا اعشقك (لارا) .. فأنتي تهوني علي كل شئ ومصاعب الحياة
شعرت (لارا) بوغزة فى قلبها لا تعرف لما ولكن عليها ان تستغل حبه لها كي توقعه فى شباكها، ذهبت معه وجلست معه على متن السفينة وهى تستمتع بالطبيعة الخلابة ..
بدأت الرحلة ووقف الطاقم لتحية الملك والملكة، ثم اصطف الجنود على الجانبين، جلس (ياسين) بالقرب من الجنود، لكنه أبقى عينيه على (لارا) طوال الوقت ..
❈-❈-❈
مع حلول الليل ..
خيم الظلام على مياه النيل، التي عكست بريق النجوم المتلألئة كأنها حبات لؤلؤ مبعثرة على صفحة الماء أضاءت المشاعل الخافتة جوانب السفينة الملكية، تنير الدرب بهدوء، فيما كان الطاقم يلتزم الصمت، فالسكون قد أصبح سيد الموقف ..
وقفت (لارا) على سطح السفينة، مرتديةً عباءة فرعونية من الكتان الأبيض المطرز بخيوط فضية، تراقب السماء أنفاسها كانت بطيئة لكنها مضطربة، وعينيها تائهتان بين النجوم، تبحث عن إجابة لأفكارها المتشابكة، كانت نسائم الليل تداعب خصلات شعرها الأسود، تضيف إلى مظهرها جاذبية خاصة ..
بينما كان (آدم) مستلقيًا في جناحه الخاص بالسفينة، يغرق في نوم قلق، يتقلب بين الحين والآخر، أحلامه تطارده طيلة الوقت ..
اقترب (ياسين) بخطوات هادئة، وعيناه لم تفارق الملكة منذ البداية توقف على بعد خطوات منها، يتأمل وقفتها، ثم قال بنبرة هادئة ومغامرة
- بماذا تفكرين، مليكتي؟
التفتت إليه (لارا) ببطء، وملامح وجهها مليئة بالدهشة وعدم التصديق، ثم قالت بصوت جاف
- وما دخلك أنت؟
اقترب أكثر، حتى أصبح قريبًا جدًا منها، ثم همس بجرأة واضحة بجانب اذنها
- دخلي كثير، يا مليكتي فأنا أعلم جيدًا أن سبب الكوابيس التي تطارد الملك ليس سوى العقار الذي حصلتِ عليه من الكاهن (حاتي) ..
يتبع...
