رواية جديدة عبير الليل لعلا السعدني - الفصل 22 - الأربعاء 1/10/2025
قراءة رواية عبير الليل كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية عبير الليل
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة علا السعدني
الفصل الثاني والعشرون
تم النشر الأربعاء
1/10/2025
(خيانة)
بعدما وصلت إلى المطعم الذي اختارته (نهى) خصيصًا من أجل الاحتفال بعيد ميلادها، توقفت مذهولة أمام المدخل كانت الزينة مُبهجة للغاية، فالبالونات مُعلقة في كل مكان بألوان متناسقة بين الذهبي والأبيض، وحروف اسمها (لارا) كُتبت على بالونات كبيرة تتوسط القاعة الزهور البيضاء تُزين الطاولات بشكل أنيق، والشموع المضيئة تعكس جوًا هادئًا ..
حينما دخلت، أُطفئت الأنوار فجأة، ثم بدئوا بغناء الأغنية الشهيرة عام سعيد كانت تتردد بصوت حماسي من أصدقائها وأحبائها شعرت بالدفء يتسلل إلى قلبها، وهي ترى الجميع يشاركون في الغناء والاحتفال ابتسمت بسعادة، ثم تقدمت نحو كعكة عيد الميلاد، حيث أُوقدت الشموع وهي تشعر بسعادة كبير ، صاح الجميع بصوت واحد
- أطفئي الشموع، يا (لارا)!
أغمضت عينيها للحظة، متمنية أمنية خاصة بها تدعو الله أن يستجيب لها، ثم اطفئت الشموع بقوة وسط تصفيق الجميع وصيحاتهم المرحة أُضيئت الأنوار مجددًا، فتقدمت (لارا) إلى (نهى) لتعانقها بحرارة ثم قالت
- شكرًا، (نهى)، شكرًا على كل شيء أنتِ حقًا أفضل صديقة لي، وأروع شخص في حياتي
ضحكت (نهى) وقالت ممازحة
- لا شيء يستحق، المهم أنكِ سعيدة
توجهت (لارا) نحو (يوسف)، الذي كان يقف بجوارها مبتسمًا قالت له وهي تشير إلى الزينة
- أخبرني، هل كنت شريكًا في هذه المؤامرة؟
رفع يديه مستسلمًا وقال بصوت مرح
- أقسم أنني كنت مجرد أداة، ولا تقولي لـ(نهى) أنكِ كنتِ تعرفين بالحفلة، ستقتلني
ضحكت (لارا) بخفة وقالت
- لا تقلق، سرك في أمان
في تلك اللحظة، كان (ياسين) يراقب حديثهما من بعيد، وعيناه تحملان مشاعر مختلطة، لم يستطع تحمل تلك الضحكات التي تجمع بينهما، فاقترب منهما، وحدثها بضيق
-(لارا)، هل يمكنني التحدث معكِ قليلاً؟
نظرت إليه بدهشة وقالت
- بالطبع
سار معها بعيدًا عن الجمع، ثم وقف أمامها وسألها بصوت منخفض ولكن بنبرة حادة
- من يكون ذلك الشاب؟ وكيف تعرفتِ عليه؟
عقدت (لارا) حاجبيها باستغراب وقالت
- إنه صديق لي، مثل أي صديق آخر لماذا تسأل بهذه الطريقة؟ فهو صديق لي مثلك
نظر إليها بحدة وقال
- لا أحد مثلي
شعرت (لارا) بالارتباك، لكنه تدارك نفسه سريعًا وقال بهدوء
- أنا فقط لا أريد أن يكون عيد ميلادك به أي ذكرى سيئة، كل عام وأنتِ بخير
أخرج علبة صغيرة من جيبه وقدمها لها بابتسامة خفيفة، فتحت (لارا) العُلبة بلهفة لتجد بداخلها سلسلة ذهبية ذات تصميم بسيط وأنيق ابتسمت بسعادة وقالت
- شكرًا لك، (ياسين)، إنها جميلة جدًا
شعر (ياسين) بدقات قلبه تتسارع، لكنه تظاهر بالتماسك وقال
- سعيد لأنكِ سعيدة
عادت (لارا) إلى الاحتفال، وهي تحمل هديته بين يديها، بينما بقي (ياسين) واقفًا، يحاول فهم تلك المشاعر الجديدة التي بدأت تتسرب إلى قلبه ..
كانت (نهى) تتجول بين الضيوف في الحفل، وفجأة لاحظت (يوسف) وهو يقف في زاوية ما، ممسكًا بهاتفه ويصور فيديو لنفسه هزت رأسها بآسى على تصرفاته الطائشة، فقد بدا لها أنه يهدر وقت الحفل في أمور سطحية، لاحظ (يوسف) نظرتها، فرفع عينيه عن هاتفه وأغلق الفيديو بسرعة، ثم اقترب منها وسأل بصوت فضولي
- ماذا بكِ؟ لماذا تنظرين إلي هكذا؟
أجابته (نهى) بنبرة جافة وقاسية
- إلى متى ستظل تُطلع متابعينك على كل كبيرة وصغيرة في حياتك؟ أنت لست صغيرًا لتستمر في تصرفاتك الطائشة هذه
رفع (يوسف) حاجبيه بغيظ شديد ثم وقال
- أنتِ تقولين إني طائش؟ إن لم أكن رجلاً يمكن الاعتماد عليه، فما الذي جعلكِ تطلبين مساعدتي في ترتيب الحفلة وتنظيم الأمور الخاصة بصديقتكِ؟
ردت (نهى) بنبرة حادة
- لقد نفعتني في أمر واحد فقط، وهو أن تكون الوسيط بيني وبين (لارا)، لولا أن (لارا) كانت ستشك بأمر الحفل لو كنت دعوتها انا ما كنت لأطلب مساعدتك
ابتسم (يوسف) ابتسامة ساخرة وقال
- يا له من كلام، وللعلم (لارا) كانت تعلم تقريبًا، لما سأدعوها للقاء في يوم مولدها وعلاقتي بها ليست جيدة، علمت دون أن أذكر لها شيئًا
تغيرت ملامح (نهى) فجأة، وصرخت بتعجب
- ماذا؟ (لارا) كانت تعلم أنني أعد لها حفلة مفاجئة ولم تتفاجأ؟
شعر بغباؤه، فرفع يده إلى فمه وكأنّه أدرك أنه وقع في فخ، ابتسمت (نهى) بمرارة وقالت
- كان يجب أن أعرف أنني لا أستطيع الاعتماد عليك
- حسنًا سأذهب الآن ..
نظرت (نهى) إليه بغيظ شديد، ثم ابتعدت عنه، في حين كان (يوسف) يقف في مكانه، غاضبًا من تصرفاتها، وقال بنبرة حادة
- مُستكبرة؟ هل تعتقدين أن العالم يدور حولك؟
ابتعدت (نهى) عن (يوسف) بسرعة، متجاهلة حديثه، وقد قررت أن تواصل يومها بعيدًا عن مشاحناته الطائشة مثله ..
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أيام ..
داخل مكتب (ياسين) في الشركة الخاصة بها، أمامهما على الطاولة التي كانت مليئة بالرسومات والتصاميم، في حين أن أجواء العمل يسودها الهدوء والتركيز، كانت منهمكة في تعديل أحد التصاميم بينما كان (ياسين) يراقبها بنظرات تحمل مزيجًا من الاهتمام والتفكير فقد اصبحت تشغل قلبه وعقله جديًا، تحدث (ياسين) بنبرة عملية وحانية
- هذا التصميم يبدو جيدًا، لكن أشعر أنه يفتقر إلى لمسة تلفت الأنظار ربما بعض التفاصيل الذهبية هنا؟
رفعت (لارا) عينيه وهى تبتسم ابتسامة خفيفة
- أحيانًا البساطة هي الجاذبية نفسها، لكن يمكنني تجربة إضافة إضافات بسيطة
بادلها البسمة (ياسين) ثم قال
- دائمًا تفوزين في النقاش، لكن لنرى النتيجة
توقف الحديث بينهم عندما استمعت (لارا) إلى صوت هاتفها لتتفاجأ برؤية اسم (جاسر الكيلاني) على الشاشة، فتتغير ملامحها إلى مزيج من التوتر والارتباك، رفع (ياسين) حاجبيه ببعض من الضيق بينما التقطت (لارا) الهاتف بسرعة ثم ابتسمت ابتسامه بسيطة بينما كان الأخر يراقبها بصمت وظهرت عليه ملامح الغيرة، فحاول كبت مشاعره قليلًا ليجدها تجيب عليه بصوت رسمي
- مرحبًا، أستاذ (جاسر) كيف يمكنني مساعدتك؟
- مرحبًا، (لارا) أحتاج منك تصميمًا جديدًا غير الذي وضعته للمشهد الأخير في الفيلم شيء يعكس قوة الشخصية، مع لمسة درامية تناسب النهاية
اجابته (لارا) بهدوء
- بالطبع، يمكنني العمل على ذلك هل لديك تفاصيل محددة في ذهنك؟
ضحك (جاسر) ثم قال بنبرة مازحة
- أنا أعتمد عليكِ دائمًا، ثقتي بكِ بلا حدود
ابتسمت (لارا) بخفة ثم قالت
- شكرًا، سأبدأ فورًا وأرسل لكِ الأفكار قريبًا
اغلقت (لارا) الهاتف وإلتفتت إلى (ياسين)، لتجده ينظر إليها نظرة تحمل مزيجًا من الغضب والغيرة فقال بنبرة حادة لم يستطع كبحها
- هل كل أصدقائك رجال؟
ضحكت (لارا) وهى لا تفهم سر تلك النبرة التى يتحدث بها
- بالطبع لا، لدي صديقات، مثل (نهى)
ابتسم بسخرية ثم قال
- (نهى)؟ فقط .. شكرًا جزيلاً، هذا تنوع عظيم
اجابته (لارا) وهى لا تفهم سر حديثه ذاك
- ما الذي تقصده بهذا الكلام؟
تنهد (ياسين) بضيق ثم رفع صوته قليلًا وقال
- أقصد أنني لا أريدك أن تتحدثي مع أي أحد، لا (جاسر) ولا غيره
ابتسمت (لارا) وهى تعتقد انه يمزح معها
- ما هذا الحديث يا (ياسين)؟ دعاباتك ليست موفقة اليوم
حدق بها وهو لا يصدق ما سمعه منها للتو
- أنا لا أمزح، (لارا) أنا جاد تمامًا
رمشت (لارا) بعينيها بعدم فهم ثم قالت
- ليست مزحة؟ ولماذا قد تشعر بهذا؟
اجابها (ياسين) بصوت هادئ
- لأنني أغار عليكِ، يا (لارا)
تجمدت (لارا) مكانها واتسعت عينيها بدهشة وهى تقول
- تغار؟!
اقترب منها (ياسين) خطوة وهو ينظر فى عينيها مباشرة
- نعم، أغار عليكِ لأنني أحبك
تراجعت (لارا) خطوة للخلف وقالت متلعثمة
- ماذا .. ماذا تقول؟
اجابها (ياسين) بهدوء وثبات
- أقول إنني أحبك، وأريدك أن تكوني بجانبي دائمًا
اتجهت (لارا) نحو الباب في محاولة منها للهروب من حديثه ذاك وهى تقول
- عن إذنك، أحتاج إلى بعض الوقت للتفكير
سبقها (ياسين) ليقف أمامها ويمنعها من الخروج
- لا، لن تغادري قبل أن تسمعيني جيدًا
حدقت به (لارا) وهى لا تفهم ما الذى يجري معه
- ما الأمر معك؟
نظر (ياسين) بداخل عينيها ثم قال بحنان
- الأمر أنني أحبك، ومشاعري تجاهك صادقة، أريد الزواج منكِ يا (لارا)
شعرت (لارا) بمزيد من الإرتباك
- هذا كثير .. فجأة هكذا؟ المشاعر ليست قرارات لحظية تحتاج إلى وقت وتفكير
اخذ (ياسين) نفس عميق ثم قال
- خذي كل الوقت الذي تحتاجينه، لكن تذكري أنني سأنتظر
غادرت (لارا) مسرعة وهى تشعر بتخبط فى مشاعرها ولا تعلم فهى لم تفكر ف (ياسين) من ذلك المنظور ابدًا بينما ظلت عيناه تراقبها حتى غادرت وهو يشعر بقلق فهو كل ما يريده منها ان توافق ان تُكمل تلك العلاقة معه ..
❈-❈-❈
فى المساء ..
اتجهت نحو المكتبة الخاصة بها فى غرفة نومها وقررت ان تنسى حديث (ياسين) مؤقتًا ربما هربًا من افكار الإرتباط فهى لا تفكر ولن تفكر سوا ب (آدم) ولا تعرف ما الذى تفعله بنفسها فهي تفكر بشخصية خيالية من وحي خيالها ولكنها تشعر بالميل نحوه ربما يتهمها البعض بالجنون ولكن تلك مشاعرها التى لا تستطيع السيطرة عليها ..
ربما عليها ان تُعطى (ياسين) فرصة فهو شاب حسن المظهر ذو بنية رياضية، مظهره يوحي بالقوة والانضباط يتميز ببشرته القمحية التي تضفي عليه ملامح دافئة وجذابة وجهه وسيم ذو ملامح متناسقة، وعينيها بلون العسل لما لا تُعطى نفسها فرصة كي تفكر فيه، وتستمع أيضًا إلى حديث الطبيب أنه عليها أن تبحث عن نفس صفات الجوهر لا الشكل، فهو شاب على خُلق، زميل قديم لها، رجل غيور، ليس ماديًا، لما لا تعطيه فرصة؟!
زفرت بضيق وقرررت الأسترخاء مع كتاب ما وان تنسى كل شئ وتفكر فيما بعد، انتقت كتاب من المكتبة وذهبت نحو فراشها وظلت تقرء منه حتى ذهبت فى سبات عميق ..
❈-❈-❈
كان الصمت يخيم على أرجاء القصر الملكي، حيث انساب ضوء القمر عبر النوافذ المزخرفة بالذهب والجواهر، ويلقي بظلال على الأعمدة المزينة برموز الملوك القديمة كان الملك مستلقٍ على فراشه الملكي المزخرف بنقوش تصور انتصارات الملوك وأسطورة خلق الأرض، يتقلب بانزعاج رغم وسائد الحرير المريحة المطرزة بأيدي أمهر الحرفيين ولكن لم يجد الراحة، بينما كانت الملكة مستلقية بجواره على الفراش حتى وهي نائمة كانت في أبهى حُلتها، ترتدي ثوبًا مزينًا بريش الطاووس ومرصعًا بحبات اللازورد ..
وسط هذا السكون، صرخ صرخة مكتومة ملئت غرفة نومه، مما جعل (لارا) تنتفض من نومها، القلق ظهر جليًا على وجهها وهي ترى زوجها يتصبب عرقًا ويقبض على صدره وكأن أحدهم يُطبق على عنقه ..
داخل احلامه، كان الملك واقفًا داخل احدى المعابد المصرية القديمة ذات الأعمدة الشاهقة تمتد نحو السماء، مزينة بنقوش دقيقة تحكي قصص مختلفة على الجدران بينما الأضواء المنبعثة من المشاعل الذهبية ظلالها مرتعشة في مركز المعبد، وقف تمثال ضخم للإله آمون رع، الذي يرمز للقوة والسيادة، وصوت الكهنة يملأ الأجواء، يُنشِدون تعاويذ بلغات قديمة ..
وفجأة، تغير المشهد، زلزلت الأرض تحت قدميه، وسمع صوت تحطم الأعمدة التماثيل بدأت تتشقق وتسقط، والرمال تكتسح المكان كأنها عاصفة لا تنتهي رأى جيشًا من اللاشئ قادمًا من بعيد، يحملون شعارات سوداء، تقدموا نحو عرشه، بينما تاجه الملكي، المرصع بالجواهر النادرة، ينزلق من رأسه بفعل يد شخص لم يراه ، رأى قصره يغرق في النيل، جدرانه تذوب في المياه المظلمة ..
استفاق (آدم) من كابوسه، كان يلهث بشدة، عرقه ينحدر من جبينه، وعيناه تدوران في أرجاء القاعة كأنه يبحث عن تفسير لما رأى بجانبه الملكة مسدت على ذراعه برفق، قائلة بصوت مزوج من الحب والخوف
- ما بك، أيها الملك؟ هل أصابك مكروه؟
بدء (آدم) يستعيد هدوءه تدريجيًا، مسح وجهه بيد مرتجفة ثم جلس على حافة الفراش نظر إليها بعينين غارقتين في القلق وقال بصوت عميق
- إنها ليست مجرد أحلام، يا (لارا) إنها رؤى .. أرى فيها عرشي ينهار، تاجي يُنتزع من رأسي، ومملكتي تُبتلع في ظلمات لا نهاية لها، أشعر أنه هناك شخص يقوم بخيانتي .. اشعر بإن لدى اعداء كثر
جلست بجانبه وهي تضع يدها على كتفه قائلة بهدوء:ط
- أيها الملك العظيم، لا تدع هذه الكوابيس تسيطر عليك إننا كلنا حولك و معك، والمملكة أقوى من أن تهددها مجرد أحلام
لكنه هز رأسه بقوة، وقال بإصرار
- لا، هذه ليست مجرد أحلام إنها رسائل، يجب أن أستدعي الكاهن الأكبر فورًا عليه أن يفسر لي ما يحدث
تسلل نور الفجر عبر النوافذ المزينة برموز الأفاعي والأجنحة، ليعكس ظلالًا على وجه (آدم) وقف الملك متوجهًا نحو الشرفة المطلة على النيل المياه الفضية الهادئة، لكن داخله لم يكن هادئًا كانت عاصفة الخوف والشعور بالخيانة تعصف بروحه، وقفت (لارا) خلفه، وشعرها المتدلي كالذهب يلمع تحت ضوء الشمس الأولى قالت بصوت هادئ
- إنني بجانبك، أيها الملك سنواجه أي خطر معًا، ولن نسمح لأي قوة أن تُسلب منا مملكتنا
اغمض (آدم) عينيه للحظة، يحاول استعادة هدوئه، لكنه يعلم في أعماقه يشعر بالخوف من تلك الكوابيس المتكررة ..
❈-❈-❈
كانت أشعة الشمس الذهبية تخترق النوافذ، لتلقي بوهجها على قاعة العرش الملكي، كان الجناح يبدو كتحفة معمارية فرعونية، أعمدته شاهقة مطعمة بأحجار اللازورد والعقيق، بينما السقف كان مرسومًا بنقوش لرحلة الشمس عبر السماء، تتوسطها صورة الإله رع وهو يحمل مركبه العظيم في منتصف القاعة، كان عرش الملك (آدم)، مصنوعًا من الذهب الخالص ومزينًا ..
دخل الملك (آدم) بخطوات بطيئة، والقلق بادٍ على ملامحه أشار بيده للخادم الذي كان يقف بجانب الباب الملكي، وقال بهدوء
- أرسل في طلب الكاهن الأكبر فورًا ليحضر إلى جناح العرش دون تأخير
انحنى الخادم سريعًا احترامًا، ثم انطلق لتنفيذ الأمر، جلس (آدم) على عرشه، يمرر أصابعه على حواف التاج الملكي الموضوع بجانبه عينيه كانتا غارقتين في التفكير، يبحث عن إجابة لتلك الكوابيس التي لا تتغير ابدًا ..
بعد دقائق، فُتحت أبواب الجناح الملكي، ودخل الكاهن الأكبر كان رجلًا طاعنًا في السن، يرتدي رداءً أبيض مطرزًا برموز فرعونية، وعلى رأسه تاج الكهنة المرصع بريشة العدالة تقدم ببطء نحو الملك، ثم انحنى وقال بصوت هادئ مليء بالوقار
- مولاي الملك العظيم، لقد جئت كما أمرتني
نهض (آدم) من عرشه، وتقدم نحوه، أشار له بيده ليقف مستقيمًا، ثم قال بصوت يملؤه التوتر
- كوابيسي لم تعد تحتمل، أيها الكاهن أرى فيها عرشي ينهار، وأعداء يحيطون بي من كل جانب، أخبرني، ما تفسير هذه الرؤى؟
ثم بدء (آدم) بقص الاحلام التى يراها بالتفصيل للكاهن رفع الكاهن رأسه ونظر إلى الملك نظرة طويلة قبل أن يقول بصوت مرتبك
- رؤياك ليست مجرد أحلام، أيها الملك إنها رسائل تحذرك مما سيأتي
أصابت كلمات الكاهن الملك بصدمة، لكنه قال بصوت متماسك
- وماذا تعني؟ ماذا فهمت من تلك الرؤى؟
أخذ الكاهن نفسًا عميقًا قبل أن يجيبه
- مولاي، تفسير رؤياك يشير إلى خطر قريب جدًا العرش الذي تحمل مسؤوليته العظيمة، سُيسلب منك، فالخطر يخرج من بيتك قبل أن يخرج من أعدائك
تجمد الملك في مكانه، وكأن الأرض سحبت قوته نظر إلى الكاهن بعينين متسعتين من الصدمة، وسأله بصوت مبحوح
- من بيتي؟ كيف؟ ومن؟
أخفض الكاهن رأسه وقال بهدوء
- لا يمكنني تحديد من هو، أيها الملك، لكن ما أعرفه هو أن هناك سبيلًا لحماية العرش
لمعت أعين الملك ليسأل بلهفة
- ما هو؟ قل لي، وسأفعله دون تردد
أجاب الكاهن بصوت هادئ
- هناك عين مقدسة، تدعى (عين رع الخفية) مدفونة في أرض مملكة بعيدة، مظلمة ولا يدخلها النور، عليك أن تجلبه بنفسك، فهو السبيل الوحيد لحماية العرش
شعر الملك بدهشة وارتباك
- عين رع الخفية؟ لم أسمع بها من قبل، كيف أصدق أن هذا هو الحل؟
ابتسم الكاهن ابتسامة غامضة وقال
- تلك الرؤى تحمل رسائل، لا تراها عبثًا، أيها الملك افعل ما تراه مناسبًا، لكن تذكر، الوقت ليس في صالحك
انحنى الكاهن بخفة ثم غادر القاعة، تاركًا الملك في صمت يفكر فيما قيل له ..
كانت الملكة تقف في زاوية الجناح، تراقب الحوار بصمت، لكن كلمات الكاهن اخترقت قلبها كالسهم شعرت بالخطر، وعينيها تمتلئان بالقلق وهي تراقب زوجها يقف بجانب العرش، يداه ترتجفان من الغضب والخوف ..
همست (لارا) بصوت لا يسمعه احد
- من بيته؟ ماذا لو علم بأمرى؟! سأُدفن حية
لكن كان غارقًا في أفكاره، نظر إليها فجأة وقال بصوت خافت لكنه حاد
- الخيانة من الداخل، يا (لارا) عرشي قد ينهار ليس بسبب أعدائي، بل بسبب من أثق بهم
شعرت (لارا) بوخز في صدرها، ثم ازدردت ريقها بصعوبة وأمسكت بثوبها محاولة إخفاء خوفها لكنها رفعت رأسها وقالت بصوت حاولت جعله قويًا رغم القلق الذى يغمرها
- سنواجه هذا معًا، أيها الملك لن نسمح للخيانة أن تدمر كل ما بنيناه
بدا وكأنه يسمعها دون أن يصدق، أدار ظهره وتوجه نحو النافذة المطلة على النيل، حيث كانت المياه تعكس أشعة الشمس وأفكاره الثائرة ..
يتبع...
