رواية جديدة مقبرة الحب لوفاء الغرباوي - الفصل 6 - الخميس 9/10/2025
قراءة رواية مقبرة الحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية مقبرة الحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة وفاء الغرباوي
الفصل السادس
تم النشر الخميس
9/10/2025
"حملٌ ثقيلٌ، لكن لا عليكِ يا ليال، فأنا أتقبله طالما أنتِ ذاك الحمل، كم قضيتُ من ليالٍ طويلة، وأنا احلم وأُمني نفسي بنظرة من عينيك"
-حل الصباح وأشرقت شمسه على هذه الحارة البسيطة لتعلن عن يوم جديد لا أحد يعلم ما ينطوي عليه سوى الله، أصوات الناس وتحركهم ذهابًا وإيابًا، وتلك الجلبة التي تعطي شكلًا مميزًا لها، فكلٍ منهم يسير صوب عمله راجيًا الله أن يرزقه ويطعمه ويبارك له في قوته.
استيقظت ليال بعد ليلة نوم طويلة، فلم تفكر في أي شيءٍ وبمجرد أن وضعت رأسها على وسادتها ذهبت في نومٍ عميق، لقد كانت متعبة ولا تملك قدرة للتفكير وكل ما كان عليها أن ترتاح لكي تتمكن من مواجهة تلك الحياة القاسية، ولكن حينما أفاقت من نومها وحل نور الصباح على عينيها، جلب معه التفكير فيما حدث بينها وبين عمر في اليوم الماضي، تذكرت كل ما حدث معها منذ ذلك اليوم المشئوم الذي تركت فيه أسرتها مع ذلك الشخص الذي غدر بها وغرر بها وبأحلامها، حتى آخر كلمات ألقاها عمر عليها، قبل أن يتركها ويذهب، وظلت جملته الأخيرة يتردد صداها في أذنيها: لا تتحركي قيد أنملة دون أن تخبريني بذلك.
فهي الآن في حاجة ماسة للخروج، تريد أن تذهب للسوق لإحضار بعض المستلزمات الضرورية، وأن تحضر ما يلزم لإطعام طفلتها، وتساءلت بينها وبين نفسها: تُرى، هل عليها أن تحدثه الآن وتأخذ الإذن منه؟ فهي الآن لا تعرف كيف ستسير أمورها، وكيف سيمر اليوم! وهل سيتحدث معها؟ هل ما زال على عهده لها؟ أم من الممكن أن يتراجع ويتخلى عنها؟ الكثير من الأسئلة ظلت تطرق باب عقلها، وبعد صراعٍ طويل من التفكير العميق، اختارت أن تقوم بالاتصال به لتخبره بأمر خروجها.
استيقظ عمر منتفضًا على صوت رنين هاتفه، لقد انتزعته تلك الرنات من كابوس كان يراوده أثناء نومه، وحين فتح عينيه، أغمضهما مرة أخرى من شدة الضوء، وحين تمكن من فتحهما التفت حوله، ليجد أن الضوء قد تغلغل إلى الغرفة ولكنه لم يشعر من شده تعبه، فقد غلبه النعاس في الليلة الماضية بعد عناء كبير وطول تفكير، لقد كان مستغرقًا في طيات الأفكار وبناتها، مسح على وجهه وكأنه ينفض كل تلك الأشياء عنه، وأمسك بهاتفه فوجد أن الاتصال قد انتهى، وانتهت معه تلك الدقات المزعجة، وحين نظر فيه وجد أنها كانت ليال هي من تحاول التحدث إليه، فقام بالضغط سريعًا على زر الاتصال مرة أخرى، فجاءه ردها سريعًا:
-أنت كويس؟ صحيتك معلش وشكلك كنت نايم، مالك فيك حاجة؟
-على مضضٍ من حديثها الذى يظهر جليًا قلقها عليه: كويس الحمد لله، أنتم كويسين؟
-كانت لهجته مقتضبة وحادة بعض الشيء، مما جعلها تعود أدراجها بالحديث، واكتفت بقول: بخير الحمد لله.
ظل الصمت فترة قليلة يخيم على حديثهما، فهو كان ما زال يفكر بأضغاث أحلامه، وما رآه من فزع شديد، بعد أن عادت للوجود بجواره، وخوفه عليها مما سوف يحدث، وهل سيخبر أهلها وهل سيقتلونها حين يعلمون الحقيقة، وفي نفس الوقت أخذها التفكير في طريقته الغريبة معها والحدة التي ملأت نبرات صوته وحديثه المقتضب ذلك....
-فقاطعت هي ذلك الصمت وبادرته بالحديث: عايزة أخرج أجيب فطار لينا أنا والبنت.
-أجابها بكلمة واحدة ومقتضبة للغاية مما أثر قلقها: ماشي، وأغلق الهاتف مسرعًا ووضعه إلى جواره، فرن الهاتف مرةً أخرى، التفت إليه فوجده الحاج "منصور" فرد عليه متلهفًا: أيوة، حاضر يا حاج، ربع ساعة وهكون عندك إن شاء الله، مع السلامة.
أغلق الهاتف ووضعه إلى جواره، ولكن ما زالت الأفكار تتصارع وتتقاتل مع بعضها بعضاً داخل عقله، وكأنه تحول إلى ساحة للقتال، ما العمل الآن؟ حث نفسه على النهوض، وحدث نفسه قائلًا: أشوف الشغل النهار ده، ووقتها ربنا يحلها.
❈-❈-❈
من داخل غرفة "حور وحسام"
"حبيبي
حبيبي صباح الخير
صباحك ورد وفل ولوز
يالا اصحى غنت فيروز
الشمس طلعت يا زين، وأنت مغمض العينين
من تصحى تشرق على الدنيا مو شمس واحدة، لا شمسين
حبيبي صباح الخير"
-بتلك الكلمات المحببة لقلبها الحنون البريء، استيقظت ملكة ومعشوقة السيف، كما يخبرها هو دائمًا، وبابتسامة عريضة على وجهها: صباحك ورد، وفل، ولوز.
-يا بنتي بلاش اغراءات الصباح دي.
-قهقهت بصوتٍ عال، وكأنها طفلة تمرح بين الورد: أنا برد على صباحك.
وفجأة انقلبت وتغيرت تعابير وجهها، تعجب حسام كثيرًا لهذ التغيير المفاجئ الذي طرأ على ملامحها، وازداد تعجبه أكثر وأكثر، عندما وقفت وعقدت ذراعيها أمام صدرها، ثم حاوطت بهم خصرها بهما مرةً أخرى، وصاحت به عاليًا: حسام!
انتظرها لتكمل حديثها فقاطعت تعجبه: اديني فرصه أصحى أنا الأول، وأعملك مفاجأة! أنا كنت ضابطة المنبه، عشان أصحى وأجهز فطار وننزل سوا، وبدأت علامات الحزن تظهر على وجهها.
فاقترب منها وحاوطها بذراعيه وضمها بحنو إلى صدره: حبيبتي، أنا حبيت إنك ترتاحي، مفيش أي فرق بيننا، أنا بكون سعيد وأنا بصحى، وأشوف ملاكي نايم جنبي، أنتِ بكل جمالك ورقتك وهدوئك ده وأنتِ صاحية حاجة، ولما بتكوني نايمة بشوفك أميرة، زي الأميرة النائمة كده في أفلام الكرتون؟ عارفاها؟
ابتسمت بخجل، وحاولت ولأول مرة أن تتجرأ هي وتبادر بلمسه فاقتربت منه، وقبلته من وجنته، فأدار وجهه لها لكي تقبل الوجنة الأخرى، احمرت خجلًا كثيرًا، ولكنها وعدت نفسها بإزالة فارق الخجل بينهما، فهي تعلم جيدًا كيف أنه يخشى عليها كثيرًا من أي مكروه، ويفعل من أجلها الكثير، لذلك عليها المحاولة، وأردفت قائلة: بس أميري من حقه يصحى مرة على صوتي، ويفتح عينيه عليّ.
-ها، وإيه كمان، غلبتيني بالكلام يا أميرة، وصمت لحظات يفكر وكأنه تذكر شيئًا ما: بس قولي لي، إيه حكاية ننزل الشغل دي؟ أنتِ نازلة النهار ده؟
-بهدوء يناسب ملامحها البريئة: أنت وعدتني إني هنزل أشوف المكتب اللي هشتغل فيه، أنا عايزة أتابع أعماله بنفسي، وإنت تكون معايا.
-بنصف عينٍ وتنبيه مستتر بين حروفه: مينفعش غير معايا أصلًا.
-علقت ذراعها الأيمن بذراعه: يا سيدي عارفين، خلصنا بقا، ويلا عشان نخرج ومنتأخرش.
-فتقدمها بخطوة سريعة، وأثنى ظهره ولوح بيده في أناقة وحنان: lead's first.
-تبسمت بخجلٍ وسارت أمامه، ووثبت خطوة حتى تسير بمحاذاته وتأبطت ذراعه مرة أخرى، فأردف قائلًا بلهجة يملأها الفخر: وراء كل عظيم امرأة.
-أشرق وجهها وقالت بفرحة: وأنت أفضل وأعظم زوج في الدنيا، لازم تكون أنت الأول.
-وضعها بجوار أيسره وتحت كتفه: هنا مكانك يا حبيبتي، وخرجا سويًا
❈-❈-❈
-أغلقت ليال الهاتف، وهي تنهر نفسها بشدة، ورادوها الشعور بانه قد تضرر منها منذ اليوم الأول، لقد تركها تخرج بمفردها وكانت تظن أنه سوف يمانع ويطل بمنها أن يصطحبها، ولكنه لم يعرض عليها أي المساعدة، وسمح لها بأن تفعل ما تشاء، فهل هذه هي النهاية إذن، رفع بقلبها إلى عمد السماء ليلًا، ثم قام بسحقه بسابع أرض صباحًا، لقد أوشكت على الانهيار لولا أن قابلته، لقد تعبت من الركض بابنتها هنا وهناك، فرحت كثيرًا بالأمس، وظنت أنها ربما سترتاح مما أرهق قلبها، وأضاع زهرة شبابها، ولكن هيهات، ابتسمت بمرارة لما يلحقها من خزي، البست ابنتها ملابسها بدموع مستترة تتساقط رغمًا عنها، حملت حالها وابنتها وخرجت من شقتها، فظهر الحاج منصور أمامها، والقى الصباح عليها، ولكنها ردت عليه بتحفظ إلى حدٍ ما فسألها: مالك يا أم شهد؟
-ردت دون أن ترفع بصرها، وهي تشدد قبضتها على طفلتها: بخير يا حاج منصور.
-لاحظ منصور اختلاف نبرتها عن صباح أمس، لقد كانت دائمًا حزينة، لكن كانت هناك بسمة أمل تظهر معها، واليوم تبدو حزينة باكية، فأدرك أن هناك خطبٍ ما مع عمر، وقبل أن تتحرك أسرع قائلًا: اطلعي للحاجة فوق يا أم شهد، كانت بتسأل عليكِ عايزاكِ.
-خير يا حاج منصور، هو في حاجة حصلت؟
-تبسم في وجهها بعد أن أصابعها الفزع، فما زالت صغيرة: لا يا بنتي مفيش حاجة، اطلعي بس.
-حاضر يا حاج، بس هخرج نص ساعة وأطلع لها، خجلت من قول السبب الحقيقي.
-لكنه شجعها على الصعود فورًا وألا تبالي بأي شيء، وحين رآها صعدت إلى الأعلى، هبط هو لمقابلة عمر.
❈-❈-❈
-خرج ريان من المنزل تاركًا والديه، يساوره الشك حول سبب رفض والده لزواجه من ريم، ثم ابتدأ بربط الكلام بينه، وبين ما دار بين والديه، فباغتته فكرة هل والده كان يعرف والدتها قبل ذلك؟ لماذا كان الحديث يخص والدتها فقط ولم يذكران أي فرد آخر، ظل يسير مشيًا على قدميه حتى وقف أعلى ربوة عالية تطل على القرية كاملة، وعلى السرايا، استنشق الهواء العليل وبدأ برسم الأمل مرة أخرى، شاهدها بسيارتها تخرج من باب السرايا، يبدو أنها في طريقها إلى القاهرة، كم تمنى لو كان بإمكانه أن يرافقها بسفرها وبكل مكان تخطو إليه، أو يكون له الحق حتى بالتحدث إليها ولو هاتفيًا للاطمئنان عليها، تمنى الكثير ولم يحدث شيئًا، والآن لا يملك سوى الدعاء الخفي والتضرع إلى الله بأن يجمع بينهما عاجلًا، فسولت إليه نفسه التحدث إليها عبر الماسنجر، أو ربما يجب علي إخبار حسام أولًا!
تخبط كامل يحيط به من جميع الاتجاهات ولا يدري ما العمل.
-خرجت حياة من غرفتها وهي تود الحديث إلى حمزة الذي يجلس بردهة السرايا، لقد أصبح لا يعير وجودها أي اهتمام، ما زال يجلس قابعًا يمعن النظر في كتاب لم تتبين اسمه، فتنحنحت لإجلاء صوتها: حمزة!
ولكنه لم يرد عليها ولم يجبها فكررت النداء باسمه، ولكنه اكتفى برفع بصره نحوها دون أن يتفوه، تحدثت بقوة وكأنها تخبره، وليست تأخذ إذنه كما تعودت، وكأنها قد نسيت ما حدث بالأمس: أنا هروح لبابا الأول الأرض وأقعد معاه، وبعدين هروح لماما واتغدى معاهم النهاردة، هتيجي معايا؟
-هز رأسه بالموافقة دون أن ينطق.
-اعتراها غضبٌ شديد وصرخت فيه: حمزة مينفعش كده، رد علي اتكلم هو حصل إيه لدا كله.
-أغلق الكتاب، ووقف أمامها وخبط على أرنبة أنفها: صوتك ميعلاش يا حياة! وبالمناسبة، مفيش خروج من السرايا، وتوجه للخروج من الباب الكبير.
-هتفت بصوتٍ عالٍ: حمزة!
-توقف والتفت إليها: اتعلمي تتكلمي مع زوجك، يا زوجتي العزيزة بهدوء، دي الزوجة اللي عارفة واجباتها، وليها حق تطالب بحقوقها! وخرج وأغلق الباب من خلفه وتركها تقف والصمت يجتاح جوانبها من شدة الصدمة وكأنها قد تصلبت.
-وجدت ريهام أمامها مباشرة: :ليه يا حياة، هو ده اللي اتفقنا عليه؟ في إيه؟
-انهمرت دموعها وتزايدت تلقائيًا: مش متحملة إنه ميردش عليا، ولا يكلمني، ليه فجأة اتغير؟
-دي نتيجة الضغط، لازم تهدي شوية، اطلعي ارتاحي دلوقت وربنا هيسهل.
❈-❈-❈
❈-❈-❈
❈-❈-❈
❈-❈-❈
يتبع...
