-->

رواية جديدة مقبرة الحب لوفاء الغرباوي - الفصل 6 - الخميس 9/10/2025

 

قراءة رواية مقبرة الحب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية مقبرة الحب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة وفاء الغرباوي


الفصل السادس 

تم النشر الخميس 

9/10/2025



"حملٌ ثقيلٌ، لكن لا عليكِ يا ليال، فأنا أتقبله طالما أنتِ ذاك الحمل، كم قضيتُ من ليالٍ طويلة، وأنا احلم وأُمني نفسي بنظرة من عينيك"


-حل الصباح وأشرقت شمسه على هذه الحارة البسيطة لتعلن عن يوم جديد لا أحد يعلم ما ينطوي عليه سوى الله، أصوات الناس وتحركهم ذهابًا وإيابًا، وتلك الجلبة التي تعطي شكلًا مميزًا لها، فكلٍ منهم يسير صوب عمله راجيًا الله أن يرزقه ويطعمه ويبارك له في قوته.

استيقظت ليال بعد ليلة نوم طويلة، فلم تفكر في أي شيءٍ وبمجرد أن وضعت رأسها على وسادتها ذهبت في نومٍ عميق، لقد كانت متعبة ولا تملك قدرة للتفكير وكل ما كان عليها أن ترتاح لكي تتمكن من مواجهة تلك الحياة القاسية، ولكن حينما أفاقت من نومها وحل نور الصباح على عينيها، جلب معه التفكير فيما حدث بينها وبين عمر في اليوم الماضي، تذكرت كل ما حدث معها منذ ذلك اليوم المشئوم الذي تركت فيه أسرتها مع ذلك الشخص الذي غدر بها وغرر بها وبأحلامها، حتى آخر كلمات ألقاها عمر عليها، قبل أن يتركها ويذهب، وظلت جملته الأخيرة يتردد صداها في أذنيها: لا تتحركي قيد أنملة دون أن تخبريني بذلك.

فهي الآن في حاجة ماسة للخروج، تريد أن تذهب للسوق لإحضار بعض المستلزمات الضرورية، وأن تحضر ما يلزم لإطعام طفلتها، وتساءلت بينها وبين نفسها: تُرى، هل عليها أن تحدثه الآن وتأخذ الإذن منه؟ فهي الآن لا تعرف كيف ستسير أمورها، وكيف سيمر اليوم! وهل سيتحدث معها؟ هل ما زال على عهده لها؟ أم من الممكن أن يتراجع ويتخلى عنها؟ الكثير من الأسئلة ظلت تطرق باب عقلها، وبعد صراعٍ طويل من التفكير العميق، اختارت أن تقوم بالاتصال به لتخبره بأمر خروجها.

استيقظ عمر منتفضًا على صوت رنين هاتفه، لقد انتزعته تلك الرنات من كابوس كان يراوده أثناء نومه، وحين فتح عينيه، أغمضهما مرة أخرى من شدة الضوء، وحين تمكن من فتحهما التفت حوله، ليجد أن الضوء قد تغلغل إلى الغرفة ولكنه لم يشعر من شده تعبه، فقد غلبه النعاس في الليلة الماضية بعد عناء كبير وطول تفكير، لقد كان مستغرقًا في طيات الأفكار وبناتها، مسح على وجهه وكأنه ينفض كل تلك الأشياء عنه، وأمسك بهاتفه فوجد أن الاتصال قد انتهى، وانتهت معه تلك الدقات المزعجة، وحين نظر فيه وجد أنها كانت ليال هي من تحاول التحدث إليه، فقام بالضغط سريعًا على زر الاتصال مرة أخرى، فجاءه ردها سريعًا:


-أنت كويس؟ صحيتك معلش وشكلك كنت نايم، مالك فيك حاجة؟


-على مضضٍ من حديثها الذى يظهر جليًا قلقها عليه: كويس الحمد لله، أنتم كويسين؟


-كانت لهجته مقتضبة وحادة بعض الشيء، مما جعلها تعود أدراجها بالحديث، واكتفت بقول: بخير الحمد لله.


ظل الصمت فترة قليلة يخيم على حديثهما، فهو كان ما زال يفكر بأضغاث أحلامه، وما رآه من فزع شديد، بعد أن عادت للوجود بجواره، وخوفه عليها مما سوف يحدث، وهل سيخبر أهلها وهل سيقتلونها حين يعلمون الحقيقة، وفي نفس الوقت أخذها التفكير في طريقته الغريبة معها والحدة التي ملأت نبرات صوته وحديثه المقتضب ذلك....


-فقاطعت هي ذلك الصمت وبادرته بالحديث: عايزة أخرج أجيب فطار لينا أنا والبنت.

-أجابها بكلمة واحدة ومقتضبة للغاية مما أثر قلقها: ماشي، وأغلق الهاتف مسرعًا ووضعه إلى جواره، فرن الهاتف مرةً أخرى، التفت إليه فوجده الحاج "منصور" فرد عليه متلهفًا: أيوة، حاضر يا حاج، ربع ساعة وهكون عندك إن شاء الله، مع السلامة.

أغلق الهاتف ووضعه إلى جواره، ولكن ما زالت الأفكار تتصارع  وتتقاتل مع بعضها بعضاً داخل عقله، وكأنه تحول إلى ساحة للقتال، ما العمل الآن؟ حث نفسه على النهوض، وحدث نفسه قائلًا: أشوف الشغل النهار ده، ووقتها ربنا يحلها.

❈-❈-❈


من داخل غرفة "حور وحسام"


"حبيبي 

حبيبي صباح الخير 


صباحك ورد وفل ولوز 


يالا اصحى غنت فيروز


الشمس طلعت يا زين، وأنت مغمض العينين


من تصحى تشرق على الدنيا مو شمس واحدة، لا شمسين

حبيبي صباح الخير"

-بتلك الكلمات المحببة لقلبها الحنون البريء، استيقظت ملكة ومعشوقة السيف، كما يخبرها هو دائمًا، وبابتسامة عريضة على وجهها: صباحك ورد، وفل، ولوز.


-يا بنتي بلاش اغراءات الصباح دي.


-قهقهت بصوتٍ عال، وكأنها طفلة تمرح بين الورد: أنا برد على صباحك.


وفجأة انقلبت وتغيرت تعابير وجهها، تعجب حسام كثيرًا لهذ التغيير المفاجئ الذي طرأ على ملامحها، وازداد تعجبه أكثر وأكثر، عندما وقفت وعقدت ذراعيها أمام صدرها، ثم حاوطت بهم خصرها بهما مرةً أخرى، وصاحت به عاليًا: حسام!

انتظرها لتكمل حديثها فقاطعت تعجبه: اديني فرصه أصحى أنا الأول، وأعملك مفاجأة! أنا كنت ضابطة المنبه، عشان أصحى وأجهز فطار وننزل سوا، وبدأت علامات الحزن تظهر على وجهها. 

فاقترب منها وحاوطها بذراعيه وضمها بحنو إلى صدره: حبيبتي، أنا حبيت إنك ترتاحي، مفيش أي فرق بيننا، أنا بكون سعيد وأنا بصحى، وأشوف ملاكي نايم جنبي، أنتِ بكل جمالك ورقتك وهدوئك ده وأنتِ صاحية حاجة، ولما بتكوني نايمة بشوفك  أميرة، زي الأميرة النائمة كده في أفلام الكرتون؟ عارفاها؟ 

ابتسمت بخجل، وحاولت ولأول مرة أن تتجرأ هي وتبادر بلمسه فاقتربت منه، وقبلته من وجنته، فأدار وجهه لها لكي تقبل الوجنة الأخرى، احمرت خجلًا كثيرًا، ولكنها وعدت نفسها بإزالة فارق الخجل بينهما، فهي تعلم جيدًا كيف أنه يخشى عليها كثيرًا من أي مكروه، ويفعل من أجلها الكثير، لذلك عليها المحاولة، وأردفت قائلة: بس أميري من حقه يصحى مرة على صوتي، ويفتح عينيه عليّ.


-ها، وإيه كمان، غلبتيني بالكلام يا أميرة، وصمت لحظات يفكر وكأنه تذكر شيئًا ما: بس قولي لي، إيه حكاية ننزل الشغل دي؟ أنتِ نازلة النهار ده؟

-بهدوء يناسب ملامحها البريئة: أنت وعدتني إني هنزل أشوف المكتب اللي هشتغل فيه، أنا عايزة أتابع أعماله بنفسي، وإنت تكون معايا. 

-بنصف عينٍ وتنبيه مستتر بين حروفه: مينفعش غير معايا أصلًا.

-علقت ذراعها الأيمن بذراعه: يا سيدي عارفين، خلصنا بقا، ويلا عشان نخرج ومنتأخرش.

-فتقدمها بخطوة سريعة، وأثنى ظهره ولوح بيده في أناقة وحنان: lead's first.


-تبسمت بخجلٍ وسارت أمامه، ووثبت خطوة حتى تسير بمحاذاته وتأبطت ذراعه مرة أخرى، فأردف قائلًا بلهجة يملأها الفخر: وراء كل عظيم امرأة. 


-أشرق وجهها وقالت بفرحة: وأنت أفضل وأعظم زوج في الدنيا، لازم تكون أنت الأول.


-وضعها بجوار أيسره وتحت كتفه: هنا مكانك يا حبيبتي، وخرجا سويًا 


❈-❈-❈


-أغلقت ليال الهاتف، وهي تنهر نفسها بشدة، ورادوها الشعور بانه قد تضرر منها منذ اليوم الأول، لقد تركها تخرج بمفردها وكانت تظن أنه سوف يمانع ويطل بمنها أن يصطحبها، ولكنه لم يعرض عليها أي المساعدة، وسمح لها بأن تفعل ما تشاء، فهل هذه هي النهاية إذن، رفع بقلبها إلى عمد السماء ليلًا، ثم قام بسحقه بسابع أرض صباحًا، لقد أوشكت على الانهيار لولا أن قابلته، لقد تعبت من الركض بابنتها هنا وهناك، فرحت كثيرًا بالأمس، وظنت أنها ربما سترتاح مما أرهق قلبها، وأضاع زهرة شبابها، ولكن هيهات، ابتسمت بمرارة لما يلحقها من خزي، البست ابنتها ملابسها بدموع مستترة  تتساقط رغمًا عنها، حملت حالها وابنتها وخرجت من شقتها، فظهر الحاج منصور أمامها، والقى الصباح عليها، ولكنها ردت عليه بتحفظ إلى حدٍ ما فسألها: مالك يا أم شهد؟ 


-ردت دون أن ترفع بصرها، وهي تشدد قبضتها على طفلتها: بخير يا حاج منصور.

-لاحظ منصور اختلاف نبرتها عن صباح أمس، لقد كانت دائمًا حزينة، لكن كانت هناك بسمة أمل تظهر معها، واليوم تبدو حزينة باكية، فأدرك أن هناك خطبٍ ما مع عمر، وقبل أن تتحرك أسرع قائلًا: اطلعي للحاجة فوق يا أم شهد، كانت بتسأل عليكِ عايزاكِ.

-خير يا حاج منصور، هو في حاجة حصلت؟

-تبسم في وجهها بعد أن أصابعها الفزع، فما زالت صغيرة: لا يا بنتي مفيش حاجة، اطلعي بس.

-حاضر يا حاج، بس هخرج نص ساعة وأطلع لها، خجلت من قول السبب الحقيقي. 

-لكنه شجعها على الصعود فورًا وألا تبالي بأي شيء، وحين رآها صعدت إلى الأعلى، هبط هو لمقابلة عمر.

❈-❈-❈

-خرج ريان من المنزل تاركًا والديه، يساوره الشك حول سبب رفض والده لزواجه من ريم، ثم ابتدأ بربط الكلام بينه، وبين ما دار بين والديه، فباغتته فكرة هل والده كان يعرف والدتها قبل ذلك؟ لماذا كان الحديث يخص والدتها فقط ولم يذكران أي فرد آخر، ظل يسير مشيًا على قدميه حتى وقف أعلى ربوة عالية تطل على القرية كاملة، وعلى السرايا، استنشق الهواء العليل وبدأ برسم الأمل مرة أخرى، شاهدها بسيارتها تخرج من باب السرايا، يبدو أنها في طريقها إلى القاهرة، كم تمنى لو كان بإمكانه أن يرافقها بسفرها وبكل مكان تخطو إليه، أو يكون له الحق حتى بالتحدث إليها ولو هاتفيًا للاطمئنان عليها، تمنى الكثير ولم يحدث شيئًا، والآن لا يملك سوى الدعاء الخفي والتضرع إلى الله بأن يجمع بينهما عاجلًا، فسولت إليه نفسه التحدث إليها عبر الماسنجر، أو ربما يجب علي إخبار حسام أولًا!

تخبط كامل يحيط به من جميع الاتجاهات ولا يدري ما العمل.

-خرجت حياة من غرفتها وهي تود الحديث إلى حمزة الذي يجلس بردهة السرايا، لقد أصبح لا يعير وجودها أي اهتمام، ما زال يجلس قابعًا يمعن النظر في كتاب لم تتبين اسمه، فتنحنحت لإجلاء صوتها: حمزة!

ولكنه لم يرد عليها ولم يجبها فكررت النداء باسمه، ولكنه اكتفى برفع بصره نحوها دون أن يتفوه، تحدثت بقوة وكأنها تخبره، وليست تأخذ إذنه كما تعودت، وكأنها قد نسيت ما حدث بالأمس: أنا هروح لبابا الأول الأرض وأقعد معاه، وبعدين هروح لماما واتغدى معاهم النهاردة، هتيجي معايا؟


-هز رأسه بالموافقة دون أن ينطق.


-اعتراها غضبٌ شديد وصرخت فيه: حمزة مينفعش كده، رد علي اتكلم هو حصل إيه لدا كله.


-أغلق الكتاب، ووقف أمامها وخبط على أرنبة أنفها: صوتك ميعلاش يا حياة! وبالمناسبة، مفيش خروج من السرايا، وتوجه للخروج من الباب الكبير. 


-هتفت بصوتٍ عالٍ: حمزة!

-توقف والتفت إليها: اتعلمي تتكلمي مع زوجك، يا زوجتي العزيزة بهدوء، دي الزوجة اللي عارفة واجباتها، وليها حق تطالب بحقوقها! وخرج وأغلق الباب من خلفه وتركها تقف والصمت يجتاح جوانبها من شدة الصدمة وكأنها قد تصلبت.

-وجدت ريهام أمامها مباشرة: :ليه يا حياة، هو ده اللي اتفقنا عليه؟ في إيه؟

-انهمرت دموعها وتزايدت تلقائيًا: مش متحملة إنه ميردش عليا، ولا يكلمني، ليه فجأة اتغير؟


-دي نتيجة الضغط، لازم تهدي شوية، اطلعي ارتاحي دلوقت وربنا هيسهل.

❈-❈-❈


-الحب هو ذكاء المسافة،

ألّا تقترب كثيراً فتُلغى اللهفة وتصطدم بواقع مؤلم يمزق مشاعرك، ولا تبتعد طويلًا فتُنسى ويطوى دورك.

ألّا تضع حطبك دفعةً واحدةً في موقد من تُحب، أن تُبقيه مشتعلًا بتحريكك الحطب ليس أكثر

دون أن يلمح الآخر يدك المحرّكة لمشاعره ومسار قدره، الحب أن تقتسم كل شيء من فرح، وحزن، وقوة، وضعف"

-خرج عمر بصحبة الحاج منصور،  وسارا على الأقدام لفترة، تردد الحاج منصور في إخباره بمقابلة ليال على السلم.

أما عن عمر كل دقيقة تمر ينظر فيها إلى الهاتف، حتى سأله الحاج منصور: مالك يا عمر؟ أنت مستني حاجة؟

-تنهد عمر مخرجًا طاقة هائلة من صدره: مفيش يا حاج عندي موضوع كده شاغلني، معلش أستأذنك هعمل تليفون.

-ابتسم الرجل بدهاء: ليال مخرجتش من البيت أنا شفتها وبعتها عند الحاجة، لا مؤاخذة فوق  في السؤال يا ابني أنت تعرفها منين؟

-دي حكاية طويلة أوي يا حاج، وأنا توسمت فيك خير، تسمح لينا الظروف وأحكيهالك وبالمرة اخد رأيك لأن احتار دليلي فيها.

-وماله يا ابني بس نخلص مشوارنا الأول، ما هو كل شيء مهم فيه أهم منه، 

ولقمة العيش مش سهل تلاقيها.

-تردد عمر في السؤال بعض الوقت لكن فضوله كان أقوى فقال: هو احنا رايحين فين يا حاج؟

-أشار منصور إلى عمارة سكنية، فنظر عمر لها: الشغلانة الجديدة يا عمر،

وإيدى فى إيدك ومعانا أبو أحمد شريكي،  نخلصها بسرعة عشان فيه واحدة تانية واهو بالمرة نشوف شغلك.

-فرح عمر كثيراً ودعا للحج منصور بالخير، وتذكر دعوة والدته عندما ودع القرية 

"ربنا يجعل لك في كل خطوة سلام ورفيق وأخ شقيق"

-قطع حبال أفكاره صوت الحاج منصور وهو يقول: دي العمارة اللي كلمتك عنها، يلا اضبط شغلك علشان عندنا شغل كتير.

-لم يصدق عينيه لما يرى من عمل كثير، ورزق وفير، فحمد الله كثيرا وبدأ بالعمل.

❈-❈-❈


-في داخل منزل ريان

وقفت الحاجة سمية والدة ريان أمام والده، وقالت بهدوء لا يناسب المقام: أنا عارفة كل حاجة، محدش حكى لي، الموضوع كله أنه إحساس مراودني من سنين، واسمها اتذكر قدامي من حوالي ١٥ سنة، ووالدتك الله يرحمها كانت عايشة.

أنا عارفة إنه كان موضوع قديم وانتهى يا أبو ريان، وعارفة اللي جواك، بس هحملك أمانة 

وغلاوة ابنك والسنين اللى عشتها معايا، متزعلوش وخاصة البنت عايزاه، الولاد ملهمش ذنب.

-لم يتعجب كثيرًا من صراحتها، دوماً كانت منذ زواجهما تسانده وإلى جواره، في أوقات ضعفه وفقره.
أتقنت هذه السيدة تربية ابنها ومعاملة زوجها على أكمل وجه، أحبته وأجبرته على حبها بل وعشقها، تسللت إلى قلبه بحنانها وعفتها حتى صارت جزءًا من قلبه. 

-ابتسم بعشق لم يبح به أبدا ولم يخرج من طيات صدره: أمه  أغلى منه. 

-لم تفهم ما يقصد فأكمل بصدق بدا جلياً في وجهه: هوافق عشان أمه، يمكن اتجوزتها ومكنتش بحبها، بس والله وبعد العمر ده كله بموت في التراب اللي  بتمشي عليه، صانت ابني وعرضي، وحفظت عيشي وملحي، ولما حست إن كان في حاجة قديمة خبيتها عنها متكلمتش، وخلت المركب تمشي، يا أم ريان لو كنت رافض مش عشان الكلام القديم بس، لا أنا خايف على ابني يدوق من نفس الكأس، محمود أخويا كان معايا من يومين وبيتكلم عن حياة وحمزة ومش مبسوطين سوا، أنا المفروض محكيش ليكِ حاجة أنت بالذات،
والله ده خوفي على مشاعرك، وعلى ابني الوحيد، وعلى العموم يا ستي أنا موافق، ربنا يسعدهم.

-غامت عيناها بالدموع وأطلقت عدة زغاريد حضر ريان على إثرها متلهفًا وقلبه ينبض بالشوق والحب واللهفة، شعور لا يوصف، فقط رأى دموع الفرح في عيني والدته، فاحتضنها بود وقبل رأسها، وأسرع نحو والده يقبل رأسه ويديه واشتعل قلبه فرحا، لم يرد لقلبه الحزن كثيرا.

-ترك والديه ليخلو بنفسه وحيدًا، ويطلب من حسام طلبًا  من صميم قلبه، طلب يمثل له بشكل أو بآخر كل شيء، طلب أكثر من حياة أو موت.

❈-❈-❈


    "داخل السرايا"

-ينظر شريف لها بنظرات مبهمة لا تدري كنهها، اختلفت ملامحها عن ذي قبل، ربما صغرت، توردت وجنتاها،

ومن الواضح أن زال غضبها من نفسها، بهت غرورها، تحطم كبرياءها، فأصبحت أكثر إشراقاً، قرر أن يتحدث بمكر ودهاء  إلى ريهام بعد أن تستمع إلى كلامهما مع حياة ليطمئن قلبه أنها تغيرت، وأنه ما زال يعشقها، فقال بثبات: ناوية على اي يا ريهام هانم؟

-بنظرة حب وتسليم: كل خير يا حبيبي. 

كانت كلمة حبيبي بصوت شجي محبب حرك قلب شريف، وهاجت مشاعره بعد سنوات من الخمود، حاول الهرب منها لكنه لم يفلح.

أجبرته سطوة العشق على التسليم، "إذ لا يفلح المحب في إخفاء مشاعره، تفضحه عيناه مهما فعل"

اقتربت منه ريهام تضبط من وضع ربطة عنقه، وتنظر في عينيه بحب: شريف عايزة أنسى ٣٥ سنة جواز وأبدأ من النهار ده، بروح جديدة وحياة غير اللي فاتت، اديني فرصة أصلح عجرفتي وغروري، أنا خاضعة لك ولأولادنا، فأنا من دونكم لا شيء.

-تمالك نفسه قليلاً: مينفعش ننسى كل حاجة على طول، في ندوب بتتحفر جوانا مع الوقت وتراكمات زي ما خدت وقت علشان تتبني، لازم تاخد وقت علشان تتفتت وتتنسي، لكن القلوب معلهاش  سلطان، ومطّ شفتيه بهدوء: لكن هحاول أنسى وأساعدك تتغيري للأحسن، يمكن حياتنا تبقى أحسن.

-ريهام بعينين دامعتين: أوعدك دايما هبقى أحسن وأحسن يا شريف، وهطمن واطمنك على ولادنا، وأنت هتساعدني، وهتشوف النتيجة بنفسك.

-نظر شريف بأمل بدأ يملأ قلبه: ازاي؟

-نساعد حياة وحمزة الأول.

-رد عليها: دي أهم حاجة دلوقتي، على فكرة حسام كلمني إن ريان عايز يخطب ريم.

-ربما كان الأمر مفاجئًا لها بعض الشيء، ولكنها حاولت السيطرة على نفسها فابتسمت، لو كان هذا الأمر قبل معاهدة السلام التي أجرتها مع الجميع لحولت السرايا إلى جحيم، لكنها قالت: هنشوف رأيها واللي فيه الخير يقدمه ربنا.

هحاول أكون أم بمعنى الكلمة واقعد معاها شوية.

❈-❈-❈


    "في غرفة ريم"

-عادت من الخارج، ألقت نظرة على حسابه الخاص، لم تجد منه كلمات جديدة مما ينشرها على صفحته لكنها تدرك أنها لها خاصة، حزنت، تود أن ترى كلماته فلقد اعتادت منه على ذلك.

حاولت أن تطمئن قلبها ولكن ما من جديد، ما زالت تتصفح بعناية، وما زال القلق يمزق فؤادها.

-فتحت صفحتها الإلكترونية وكتبت

"وضعت ُ قصاصات صغيرة منذ زمن داخل صندوق وردي، يحوي ذلك الصندوق أحلامي وأمنياتي، وإلى اليوم لم أسحب منه أهم حلم أود أن يتحقق، 

ولكن لا أدري لمَ في الصباح سحبت منه ورقة بمحض الصدفة من بين الورقات، وجدتها مدون بها "إلى الأبد"

ألن ينتهى ذلك الأبد؟"

ثم ضغطت على كلمة نشر، وجلست والانتظار لا يرحم!.

-لم تمر دقائق إلا وقرأها ريان 

فتح صفحته وكتب هو الآخر

" لا أنا قد الفرحة دية، وحلاوة الفرحة دية، خايف لفي يوم وليلة، مالاقكش بين إيديا.

تروح وتغيب، تغيب عليّ يا حبيبي.. يا حبيبي.

قلت لي يا حبيبي ساعتها، دي دنيتي أنت اللي مليتها"

ودون أسفلها سينتهي الأبد، حتما سينتهي. 

ونشر كلماته، ورفع هاتفه وطلب من حسام محادثة ريم لأمر خاص وسؤال يجب أن يسمع إجابته بنفسه.

          ***

-وقفت حياة في غرفتها حائرة تقطعها بخطوات متثاقلة في توتر ملحوظ حتى أتاها اتصال هاتفي من والداها: عاملة اي يا حياة؟

-أجابته بصوت يكسوه الحزن وغلبه الحنين إلى حضن والديها: الحمد لله بخير يا بابا متقلقش عليّ.

-اي يا بنتي مش هتيجي تشوفينا؟

-هاجي يا بابا إن شاء الله قريب، لو أقدر هعملها وآجي حالا، والله محتاجة آجي أوي يا بابا.

-دخل حمزة واستمع لكلماتها وشعر بعمق جرحها الذي تخفيه، ود حينها لو يحتضنها مختطفا حزنها وإزالته، لكن مازال هناك الكثير. 

جلس قليلا حتى أنهت مكالمتها وجلس على الفراش صامتًا.

لم يمر وقت طويل وخرج حمزة وجد نفسه قاب قوسين أو أدنى من التخلي ونقض عهده لنفسه وترويض حياة، وأن يذهب إليها يراضيها.

"فقط ذلك الخافق اللعين هو من يفعل بنا ذلك، يجعلنا نهدم ما ننوي بناءه"

حزنت حياة عندما أغلق الباب خلفه، وزاد ندمها ونهرها لنفسها، وبدأت بجزء من سخط أسلوب حمزة وتعنفه.

كانت تود أن تطلب منه زيارة أهلها بأدب ولكن لا شيء.

           ***
  "في شقة الحاج منصور"

-ما زالت ليال بتحفظ مضرج بالقلق رغم محاولات الحاجة "ثريا" بسحب الحديث منها وبث الطمأنينة في نفسها بالحديث عن بناتها الثلاث، وزوجها منصور لكن دون جدوى، فمن اعتاد الخوف ظن كل الطرق الآمنة كمناء.

حديث لم ينتهِ ولا يتوقف عن الثرثرة عليها تخرج ما بجعبتها، لكن الأخرى  تنظر للهاتف بشغف، تنتظر مكالمة عمر، في ل لحظة تنهر نفسها لتفكيرها.

-رن هاتف الحاجة "ثريا"

وبعد دقائق من حديثها الملم للمتصل، والذي لم يشغل بال ليال مطلقا، حضرت قائلة:

الحاج منصور بيسلم عليكِ وبيقول لك خليكِ معايا أنا والبنات النهار ده، هو وعمر عندهم شغل ومش راجعين دلوقتي، هيباتوا بره.

-ساورتها الراحة قليلا واطمأن قلبها، لكن لماذا لم يهاتفها عمر ويطمن وعليها؟ هل ملَّ منها؟

ألم يعد يرغب بوجودها؟

في خضم تفكيرها الذى لم ينتهِ مطلقا منذ الصباح، رن هاتفها

-فزِعت وأجابت دون تردد.
منذ أن بدأ بالعمل ويتمنى أن يهاتفها، لا يدري ما أصابه! 

سمع الكثير ما يشعل صدره ويفتك بقلبه، ولكنه على وعده سيظل محتضنها.

وكالعادة تغلّب القلب على العقل مرغما، ضغط زر

الهاتف للاتصال، فتحت ليال دون حديث: الو ليال، ليال.

كرر النداء باسمها، ولكن أجابته دموعها الصامتة، وتنهدات بكائها. 

-طمنيني عليكم، "شهد" عاملة اي.

-أجابت بكسرة وخوف: هتسيبنا يا عمر؟

-سؤال مباغت لم يكن يتوقعه ولكنه رد بسرعة: عمري يا ليال، أنتم أمانة ولازم أطمن عليكِ وأرجعك لأهلك.

-سائلته بنبرات حزن: مش هتسيبنا عشان الأمانة بس؟!

"يود القلب قول الكثير وفعل الأكثر، ولكن في بعض الأحيان يكون القول والفعل محالان.

-تنهد بصوت مسموع: سيبي كل حاجة على الله، أنا في شغل وربك يحلها لما يخلص.

-أردفت ليال بصوت فاقد الأمل يغلب عليه الحزن والخوف: ربنا معاك.

-أجابها بثبات مصطنع: خلي بالك من نفسك ومن شهد،

بوسيلي شهد عشان وحشتني.

-ابتسمت بدموع لا نهاية لها: حاضر، وأغلقت الهاتف وازداد البكاء.

يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة وفاء الغرباوي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة