-->

رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل الأخير - جـ 2 - الجمعة 3/10/2025

 

قراءة رواية ثنايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ثنايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا الخولي


الفصل الأخير

الحزء الثاني 

تم النشر الجمعة

3/10/2025


عندما رآها هكذا شعر وكأن سكيناً بارداً قد غُرس في قلبه. 

كل الغضب الذي جاء به كل العصبية كل الإصرار على المواجهة تبخر في لحظة، ولم يترك خلفه سوى ألم حارق وحب جارف.

أغلق الباب خلفه بهدوء واقترب من السرير وجلس على حافته برفق. 

لم تتلفت لكنه عرف أنها شعرت بوجوده من تصلب جسدها.

_ صبر...

قالها بصوت أجش يرتجف من فرط المشاعر المكبوتة.

لم ترد.

مد يده ببطء وتردد للحظة ثم وضعها على كتفها. 

شعر بارتجافتها تحت لمسته.

_ أنا آسف.

عندها لم تعد تستطع المقاومة استدارت نحوه ووجهها غارق في الدموع، وعيناها تحملان كل عتاب العالم وألمه.

_ آسف على إيه بالظبط يا أكمل؟

_ على كل حاجة، آسف إني سمحتلها تدخل بيتنا آسف إني سمعتلها

آسف على الوجع اللي شفته في عينيكي

آسف إني خليتك تشكي فيا لو للحظة.


هزت رأسها وخرج صوتها متقطعاً من البكاء.

_ أنا مش شاكة فيك أنا عارفة إنك متعملش كده أنا عارفة إنك بتحبني بس مش ده اللي قتلني.

نظرت في عينيه مباشرة، وكلماتها كانت كشظايا الزجاج.

_ اللي قتلني إنك سمحتلها تكون في مكان أنا بس اللي مسمحلي أكون فيه

اللي قتلني إنها قدرت تقرب منك بالطريقة دي. 

لما شفتها... حسيت إن قلبي بيقف حسيت إن الهوا بيتسحب مني

غصب عني يا أكمل... الصورة مبتتنسيش.


اقترب منها أكثر ومسح دموعها بيديه.

_ دي كانت ماضي يا صبر ماضي وانتهى من يوم ما دخلتي حياتي.


_ ولما بعدنا عن بعض... الماضي ده رجع، رجعتلها يا أكمل!

صاح بها بألم رافضاً اتهامها الظالم.

_كنت يائس ومجروح منك، كنت بعاند نفسي ومكنتش عارف بعمل ايه، بس لما شوفتك نسيت كل حاجة ورجعتلك

بس دلوقت هي اللي جات، وأنا كنت هطردها كنت هقولها إن حياتي فيها أنتِ وبس

أنتِ اللي حكمتي عليا من غير ما تسمعي.


_ وأنت حكمت عليا قبل كده من غير ما تسمعني! عرفت دلوقتي الإحساس بيبقى عامل إزاي؟ عرفت يعني إيه تتهم حد بتحبه وهو بريء؟


صمت أكمل لقد أصابت وتراً حساساً

لقد أعادت إليه جرحه القديم، لكنها جعلته يفهم جرحها هي.

تنهد بألم وقال بصدق كامل

_ عندك حق أنا دوقت نفس الكاس وعشان كده، أنا مش هسيبك تدوقيه أكتر من كده. 

أنا غلطت لما استقبلتها غلطت لما ترددت لحظة بس وحياة حبك في قلبي وحياة ابننا، اللحظة اللي دخلتي فيها كانت لحظة نهاية أي حاجة تانية في الدنيا. 

أنتِ وبس يا صبر أنتِ الحاضر والمستقبل.


رأت الصدق في عينيه رأت ألمه ورأت حبه الذي لا شك فيه. 

بدأت دفاعاتها تنهار.

_ أنا خايفة يا أكمل خايفة أوي.

_ خايفة من إيه وأنا معاكي؟

_ خايفة أخسرك.

ابتسم أكمل ابتسامة حزينة، وسحبها إلى حضنه بقوة، ودفن وجهه في شعرها.

_ مستحيل تخسريني، أنتِ روحي والواحد مبيقدرش يعيش من غير روحه. 

أنا كنت بموت اليومين اللي فاتوا البيت من غيرك وحش اوي والدنيا من غيرك صحرا، سامحيني.


تشبثت به وبكت على صدره، لكن هذه المرة كان بكاء ارتياح بكاء يغسل كل الألم.

رفعت رأسها وقالت بصوت هامس

_ مقدرش أعيش من غيرك.

_ ولا أنا.

نظر في عينيها ثم انحنى وقبّلها كانت قبلة تحمل كل شيء: الأسف والشوق والألم والوعد. 

كانت قبلة تصالح قبلة أعادت بناء كل الجسور التي تهدمت. 

سحبها معه أعمق، لتذوب بين ذراعيه، وتستسلم لبحور عشقه التي كانت ملاذها الوحيد، حيث يغسل الحب كل الخطايا ويُصلح كل ما كُسر ويعيد الحياة إلى القلوب المتعبة.


❈-❈-❈


كان الليل قد انتصف وعادت السكينة لتخيم على سرايا الرفاعي. 

لكنها لم تكن سكينة عادية كانت سكينة مُتعبة مُحملة بذكريات يوم طويل وحاسم.

في غرفتهما كانت ورد تجلس على حافة السرير شاردة، تنظر من النافذة نحو الظلام دون أن تراه حقاً. 

كانت تتخيل صورة أخيها صخر والأصفاد تلتف حول معصميه لا تفارق خيالها. 

شعور غريب وممزق كان يعصف بداخلها، جزء منها يشعر بالراحة لأن الكابوس قد انتهى، وجزء آخر يشعر بحزن عميق على رابطة الدم التي تحولت إلى عداء ثم إلى جريمة

مهما فعل سيظل أخاها قطعة من طفولتها وذكرى من بيت أبيها.


شعر سالم بصمتها الحزين خرج من الحمام بعد أن غير ملابسه واقترب منها بهدوء. 

لم يتكلم فقط جلس بجانبها على السرير ثم أحاطها بذراعيه من الخلف وسحبها برفق لتستند بظهرها على صدره. 

أسند ذقنه على رأسها ويده تضغط بلطف على يدها كأنه يبني حولها حصناً من الأمان.

تنهدت ورد تنهيدة طويلة وخرج صوتها متعباً ومبحوحاً

_ مش عارفة أفرح ولا أزعل جلبي واجعني عليه يا سالم

مهما كان ده أخويا، كنت بتمنى يتصلح حاله، مش ينتهي بيه في السجن.


أغمض سالم عينيه وهو يستشعر ألمها كأنه ألمه.

_ عارف يا روح سالم عارف إن جلبك أبيض ومبيعرفش يشيل وزعلك ده دليل على أصلك الطيب

بس صخر هو اللي اختار طريقه هو اللي فضل الحقد والغل على صلة الدم.


صمت للحظة ثم قال بصوت عميق، يحمل ثقل سنوات من القلق المكتوم

_ أنتِ عارفة أنا عشت السنين اللي فاتت دي كيف؟

نظرت إليه فرأت في عينيه تعباً لم تره من قبل.

أكمل بنبرة لم يسمعها منها أحد غيرها، نبرة ضعف وخوف

_ كل يوم كنت بصحى من النوم، وأول حاچة بعملها إني أبص عليكي وأتأكد إنك لسه بتتنفسي

كل مرة كنتي بتخرچي من باب السرايا، كان جلبي بيخرچ معاكي، ومبيرچعش غير لما ترچعي 

كل غريب كان بيجرب من السور، كنت بشوف فيه رسول الموت اللي بعته صخر. 

كنت عايش في كابوس يا ورد

كابوس إني ممكن في أي لحظة أرچع ملاقيكيش.


شدد من احتضانها كأنه يطمئن نفسه قبل أن يطمئنها.

_ تهديده ليكي مكنش مچرد كلام. 

أنا كنت عارف إنه جاد وإنه مستني اللحظة المناسبة، كنت بنام وأنا صاحي وبصحى وأنا خايف كنت مستعد أحارب الدنيا كلها عشان أحميكي، بس الخوف من غدره كان بياكل فيا كل يوم.

شعرت ورد بصدق كلماته وارتجف قلبها ليس من الحزن على أخيها، بل من حجم الحب والخوف الذي كان يحمله زوجها في قلبه من أجلها. 

استدارت بين ذراعيه لتواجهه ووضعت يديها على وجهه.

_ كل ده كان في جلبك وساكت؟


_ كنت هجولك إيه؟ أجولك متخرجيش؟ أسجنك بإيدي عشان أحميكي؟ مجدرش

كنت بدعي ربنا كل ليلة إنه يحفظك، وإنه يكشفه جبل ما يوصلك.


ابتسم ابتسامة باهتة لكنها كانت حقيقية.

_ النهاردة... النهاردة بس يا ورد أنا اخدت نفسي

النهاردة بس حسيت إن الكابوس خلص. 

النهاردة بس هعرف أنام وأنا مطمن إنك جنبي وإن مفيش خطر هيطولك.


انحنى وقبل جبهتها قبلة طويلة دافئة، تحمل كل معاني الأمان والراحة.

_ خلاص يا ورد الأمان رچع ومحدش هيجدر ياخدك مني تاني أبداً.


ذابت ورد بين ذراعيه وشعرت بأن كل أحزان العالم تتلاشى. 

صحيح أنها فقدت أخاً لكنها ربحت رجلاً كان هو جيشها وحصنها، وأمانها وفي حضنه لم يعد هناك مكان للخوف، فقط سلام عميق وحب لا ينتهي.


❈-❈-❈


لم ينم وهدان في تلك الليلة.

بعد أن انفض الجمع وعاد كل رجل إلى بيته وأسرته ظل هو مستيقظاً. 

لم يكن أرقه قلقاً أو خوفاً بل كان حالة من الصفاء العميق كهدوء السماء بعد أن تنجلي آخر سحابة من عاصفة مدمرة.

مع أول خيط من خيوط الفجر قام من فراشه بهدوء وتوضئ وصلى. 

ثم ارتدى جلبابه وخرج من السرايا وحيداً. 

لم يخبر أحداً بوجهته لكن قلبه كان يعرف الطريق جيداً.

سار بخطوات بطيئة وثابتة تخترق صمت القرية التي بدأت تستيقظ على غير عادتها. 

لم يكن هناك همس عن التار ولا نظرات مشحونة بالتربص كان هناك هدوء، هدوء حقيقي كأن القرية كلها قد تنهدت بارتياح.

وصل إلى مقابر العائلة وقف أمام قبر نُقش عليه اسم "عامر وهدان الرفاعي" وبجانبه "عدي سابم الرفاعي"


أغمض عينيه، ولم تكن الصورة التي رآها هي صورة حفيده في كفنه ولا صورة ابنه، بل صورتهم وهما اطفال يجريان في حقول الأرض، يضحكان وصوتهما يملأ الدنيا حياة.

رآه شاباً قوياً يحمل ملامح عائلة الرفاعي وكبرياءها. 

ثم شابا آخر بدمٍ حمٍ لم يتحمل فراق حبيبة كتبت لغيره.

تنهيدة طويلة مُحملة بألم السنين خرجت من صدر وهدان. 

جلس على الأرض بجوار القبر ومرر يده الخشنة على ترابه البارد كأنه يمسح على شعر حفيده وابنه.


"ارتاحوا يا أغلى الناس..." همس بصوت خفيض، كأنه يكلم روحاً تحوم في المكان.

"الحج رچع والدم اللي راح عشانكم، وجف خلاص."

نظر لحفيده وتابع

"صحيح أنت غالي... وغالي جوي فراقك كان نار بتاكل في جلبي كل يوم كنت ببص في وش أبوك وأشوف حسرته، وأبص في وش إخواتك وأشوف كسرتهم، وأجول لنفسي... كل ده عشان إيه؟"


"كنت عارف إن دمك حامي بس تهورك يا غالي جسم جلوبنا عليك

تاطيت كتير لجل ما أحافظ عليكم بس انت خرجت عن طوعي وجتلتني وحرجت جلوبنا عليك.

قولتلك شيطان الكبرياء والتار أعمى بس انت مطوعتش حد فينا.

التار عمانا كلنا جبلك وخلاّنا نصدق الكدبة ونعيشها ونموت فيها."


صمت للحظة، ورفع رأسه لينظر إلى السماء التي بدأت تتلون بألوان الشروق.


"بس ربنا كبير كبير جوي

صحيح هو خدك لحكمة يعلمها، بس موتك ده... كان هو المسمار الأول في نعش التار موتك هو اللي صحّى جاسر، وهو اللي خلانا كلنا نرچع نفكر يمكن كان لازم واحد غالي زيك يروح، عشان الباجي يعيش في سلام."


نظر لعامر وتابع

"التار خلص يا عامر خلص خلاص

عيلة التهامي وعيلة الرفاعي هيرجعوا جيران تاني. 

الدم هيتغسل بالخير والأرض اللي كانت سبب العداوة هترجع للدولة شاهدة على نهاية الظلم."


مد يده ومسح دمعة عنيدة تسللت من زاوية عينه. 

لم تكن دمعة حزن بل دمعة راحة

راحة الرجل الذي عاش عمراً كاملاً تحت وطأة ثأر لم يختره، وخسر فيه أغلى ما يملك لكنه عاش ليرى نهايته.


وقف على قدميه ونظر إلى القبر نظرة أخيرة، نظرة وداع ليس للحفيد والابن بل للماضي كله. 

ثم استدار وبدأ يسير عائداً إلى السرايا وظهره مستقيم وخطواته أكثر ثقة. 

كان يسير نحو فجر جديد فجر لا يحمل رائحة الدم بل يحمل وعداً بالسلام

سلام اشتراه بقطعة من قلبه.


❈-❈-❈


في غرفتها الهادئة حيث كل شيء لا يزال يحمل عبق ذكرياته أغلقت ليل الباب خلفها، لتختلي أخيراً بنفسها وبأشباح الماضي الجميل. 

لم تعد هناك حاجة للقلق أو الخوف لقد انتهت المعركة ووصلت سفينتها أخيراً إلى بر الأمان.

تقدمت نحو خزانة ملابسها القديمة وفتحت درجا صغيرا وأخرجت منه بعناية كنزا قديما، إطاراً خشبياً بسيطاً يحمل صورة باهتة لرجل في مقتبل العمر، عينيه تلمعان بذكاء وحياة، وعلى شفتيه ابتسامة واثقة. 

صورة عامر.

عادت وجلست على حافة السرير ووضعت الصورة في حجرها، ومررت أناملها برفق على زجاجها البارد كأنها تلمس وجهه.


"عامر..." 

همست باسمه وخرج الصوت محملاً بسنوات من الشوق والحنين.

"شايف يا حبيبي؟ شايف اللي حصل؟"

ابتسامة حزينة وراضية ارتسمت على شفتيها، ودمعة لمعت في عينيها لكنها لم تسقط.

"التار اللي خدك مني... خلص الكابوس اللي عشت فيه من يوم ما سبتني... انتهى حقك رجع يا عامر"


صمتت للحظة كأنها تستمع إلى صدى صوته في ذاكرتها.


"بس مش ده اللي جاية أقولك عليه.

أنا جاية أطمنك على أمانتك. 

على بناتك... على حتة منك ومني اللي سبتهم لي في الدنيا."


"بناتنا كبروا يا عامر وبجوا ستات زي القمر فاكر لما كنت بتجولي خايف عليهم من الدنيا؟ الدنيا كانت جاسية عليهم جوي يا حبيبي، بس هما طلعوا أقوى منها طلعوا شبهك، راسهم مرفوعة ومبيخافوش من الحج."


"نغم... بنتك الصغيرة اللي ورثت عنادك وقوة شخصيتك. 

جلبها اللي كان مجفول اتفتح بجت في حضن راجل بيحبها وبيصونها، مالك شايلها في عينيه النهاردة شفتها بتبص له وهي بتضحك، نفس ضحكتك اللي كانت بتخطف جلبي بجت أم يا عامر، جابت بنت زي الملاك، نورت دنيتهم."


"ونغم... بنتنا الكبيرة، اللي كانت رجيجة زي النسيم. 

شافت كتير جوي يا عامر شافت اللي محدش يستحمله. 

بس جلبها الصغير ده طلع من حديد. 

حاربت ووجفت وجاومت وفي الآخر... حبها انتصر. 

جاسر الراجل اللي كان عدونا، بجى هو أمانها وحمايتها لو تشوفه بيبصلها إزاي، لو تشوف الخوف عليها في عينيه كنت هترتاح وتطمن. 

حبهم اتولد من جلب النار عشان كده بجى أجوى من أي حاجة."


أخذت نفساً عميقاً ورفعت الصورة لتنظر في عينيه مباشرة.


"أنا النهاردة يا عامر... سعيدة، سعيدة بيهم وسعيدة عشانهم. 

كل واحدة فيهم لجت مرفأها، ولجت الراچل اللي هيكمل معاها الطريج. 

الأمان اللي كنت بحلم بيه ليهم اتحجج 

الحمل اللي كنت شايلاه على كتفي لوحدي، خلاص مبقاش تجيل."


"أنا وصلت الأمانة يا حبيبي. 

بناتك في أمان ودلوجت، أجدر أجولك... ارتاح. 

ارتاح يا نور عيني، بناتي وبناتك وصلوا لبر الأمان."


انحنت وقبلت الصورة قبلة طويلة، ثم ضمتها إلى صدرها بقوة مغمضة عينيها لم تكن تبكي على فراقه، بل كانت تشاركه فرحتها وتخبره بأن تضحيته لم تذهب سدى، وأن بذرة الحب التي زرعاها معاً، قد أزهرت أخيراً، رغم كل العواصف.


❈-❈-❈


كانت خيوط الفجر الأولى تتسلل بهدوء من بين ستائر غرفة النوم ترسم خطوطاً فضية على الجدران وتلقي بضوءٍ ناعم على وجه نغم. 

كانت مستلقية على السرير ورأسها يستريح على صدر جاسر ويدها تحتضنه بقوة وكأنها تخشى أن يختفي إذا أرخت قبضتها. 

أنفاسه المنتظمة والعميقة كانت الموسيقى الوحيدة التي تملأ الغرفة وصوت نبضات قلبه الثابتة تحت أذنها كانت أجمل لحن سمعته في حياتها.


لم تكن نائمة كيف يجرؤ النوم على سرقة لحظات كهذه؟ كانت عيناها مفتوحتين، تتأملان الفراغ بسعادة غامرة شعور بالأمان المطلق يغمرها، شعور لم تعرفه من قبل. 

كل المخاوف التي كانت تسكنها، كل القلق الذي كان ينهش روحها تبخر واختفى، لم يعد هناك "شروق"، لم يعد هناك "صخر"، لم يعد هناك خطر يتربص بهما في الظلام لم يعد هناك سوى هي... وهو.


شعر جاسر بحركتها الخفيفة وبأنفاسها التي لم تهدأ بعد فتح عينيه ببطء وابتسامة صغيرة تزينت بها شفتاه قبل أن يتكلم أحكم ذراعه حولها مقرباً إياها أكثر إلى حضنه الدافئ وهمس بصوتٍ ناعس وعميق

_لسه صاحية يا حبيبتي؟


رفعت نغم رأسها قليلاً لتنظر في عينيه اللتين كانتا تلمعان بحبٍ صافٍ ابتسمت ابتسامة واسعة أضاءت وجهها بالكامل

_مش مصدجة... مش مصدجة إن كل ده خلص حاسة كأني كنت في كابوس طويل وصحيت منه فجأة.


مررت أناملها برقة على خده وتابعت بصوتٍ يملؤه العشق

_مش مصدجة إن الخطر راح، وإننا بجينا في أمان... وإنك... إنك بجيتي ليا أنا وبس.


ضحك جاسر ضحكة خافتة وعميقة اهتز لها صدره، مما جعلها تشعر بدغدغة لطيفة نظر إليها بمكر، ورفع حاجبه في حركة مسرحية.

_اممم... أنا شايف إنك بجيتي شريرة شويتين عايزاني ليكي لوحدك؟


ضَيّقت نغم عينيها في تحدٍّ لعوب واقتربت من وجهه حتى كادت أنفاسهما تختلط. 

قالت بنبرة جادة بشكل هزلي، لكنها كانت تحمل كل الصدق في العالم

_أي واحدة تفكر بس إنها تجرب منك هتلاجيني اتحولت لذئبة وهنهش لحمها.


انفجر جاسر ضاحكاً هذه المرة، ضحكة صافية خرجت من أعماق قلبه يا الله كم يعشق هذه الغيرة الصريحة، هذا الحب المتملك الذي يعلن عن نفسه بلا خجل إنها تحبه بنفس القوة، بنفس الجنون.

_يا ساتر! للدرچة دي؟


لم تجبه بالكلمات بدلاً من ذلك رفعت نفسها قليلاً وطبعت قبلة طويلة وعميقة على خده قبلة تحمل كل الشوق الذي كتمته، وكل الحب الذي تملّكها ابتعدت قليلاً، وعيناها تلمعان بتحدٍّ وحب.

_وأكتر من اكده بكتير يا جاسر أنت ملكي أنا وبس... فاهم؟


نظر في عينيها طويلاً ورأى فيهما عالمه كله لم يعد هناك ما يقوله جذبها إليه بقوة ودفن وجهه في شعرها مستنشقاً رائحتها التي أصبحت إدمانه همس في أذنها بكلماتٍ كانت هي كل ما يحتاجه قلبها ليطمئن إلى الأبد

_وأنا ملكك إنتي وبس يا قلب جاسر.


في ذلك الحضن وتحت ضوء الفجر الجديد، لم يكونا مجرد زوجين بل كانا عالمين اندمجا معاً روحين وجدتا أخيراً وطنهما الأبدي.

يتبع مع الخاتمة

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا الخولي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة