-->

رواية جديدة ترنيمة حب الجزء الثاني من رواية قلوب ضائعة لفاطمة الزهراء - الفصل 35 - الأربعاء 26/11/2025

 

قراءة رواية ترنيمة حب الجزء الثاني من روابة قلوب ضائعة كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

رواية ترنيمة حب 

الجزء الثاني من رواية قلوب ضائعة

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة فاطمة الزهراء


الفصل الخامس والثلاثون 

تم النشر يوم الأربعاء 

26/11/2025



‏أوهبّتك كلِّ محبتي وحناني 

 ولم أجد وصفًا لهذه المحبة

‏الا انها مأوى لي من كل شيء 


شعر كِنان وجسار بالتوتر وهما ينظران إلى فاطيما، لأن فصيلة دمها كانت متوافقة مع فصيلة دم سمية، وكان نزار غائبًا في تلك اللحظة. على الرغم من خوفها على سمية، لم يكن لديها خيار آخر. اقترب سليم وزياد، لكن قبل أن يتمكن أي منهما من الاعتراض، كانت فاطيما قد دخلت إلى غرفة العمليات. نظر كِنان إليها باستسلام، وتبعها إلى الداخل. طلب من الممرضة أن تعقمها، ثم تبرعت فاطيما بالدم لعمتها، متجاهلة التحذيرات التي وجهها لها زياد مسبقًا.

جلس جسار على كرسي خارج غرفة العمليات، يستعيد في ذهنه الاتصال الهاتفي الذي تلقاه من زياد والذي أخبره فيه بالحضور إلى المستشفى لأمر هام يتعلق بعمته. رافقه سليم إلى المستشفى، وعندما علم بحالة سمية، شعر بالغضب من سمية وفاطيما بسبب عدم إخبارهما بالحقيقة من البداية. قرر هو وسليم تأجيل مواجهتهما لهما إلى وقت لاحق، حيث إن الوقت الحالي لا يسمح بالعتاب.

حاول زياد أن يطمئنهم، فقال بجدية: 

ـ متقلقوش، أكيد هيكون حاجة بسيطة. المهم تكونوا متماسكين لأن طنط سمية محتاجة دعمكم في الفترة دي.

أردف سليم بضيق وعتاب حقيقي: 

ـ ليه خبوا علينا الحقيقة؟ وإنت ليه سكت يا زياد؟ مش لاقي مبرر لتصرفكم معانا بالطريقة دي.

أجابه زياد بجدية وهو ينظر إليه: 

ـ لأني دكتور يا عمي، وإحنا بنقسم بعد التخرج على الحفاظ على سرية معلومات المرضى. وأنا النهارده خالفت القسم ده، واثق إن عمتي سمية رفضت تبلغكم لأنها محبتش تشوف نظرة شفقة أو عطف منكم لها، عاوزة نظرة الناس ليها تكون زي ما هي بدون تغيير. اللي عرفته إنها كانت رافضة تعرف فاطيما، لكن إصرار فاطيما على وجودها هو اللي خلاها تعرفها. المطلوب دلوقتي إننا كلنا نقف جنبها وندعمها عشان تعدي المرحلة دي بسرعة. الحالة النفسية عامل مهم في حالتها، وهتساعدها تتحسن في فترة قصيرة.

بعد فترة طويلة، خرج كِنان من غرفة العمليات ليخبرهم بنجاح العملية ونقل سمية إلى غرفة عادية. في تلك الأثناء، كانت فاطيما قادمة إليهم برفقة الممرضة التي رافقتها لتجنب أي مضاعفات. تقدم جسار منها ببطء، وضمها بحنان، ثم اتجهوا إلى غرفة سمية. بسبب الإرهاق، جلست فاطيما على الأريكة، فأحضر لها كِنان بعض العصائر لتعويض الدم المفقود. بعد قليل، بدأت سمية تشعر بالألم وفتحت عينيها ببطء لتجد سليم بجانبها، يمسك بيدها في صمت، ودارت بينهما نظرات عميقة.

دخلت الطبيبة الغرفة وقامت بفحص سمية، ثم أخبرتهم أن نتائج العينة ستظهر في نهاية الأسبوع، وأنها تستطيع مغادرة المستشفى مساءً. بعد مغادرة الطبيبة، نظرت سمية إلى سليم بتعب وقالت بصوت متعب: 

ـ أسفة إني خبيت عليك، بس ما كنتش عاوزة أشوف النظرة دي في عينيك، علشان كده سكت.

تنهد سليم بهدوء ومرر يده على شعرها، ثم هتف بجدية: 

ـ مش وقت الكلام دلوقتي، اطمن عليكي الأول. وبينا مواجهة تانية حقيقي، موجوع منكم.

أدركت سمية أن حديثه موجه لها ولـ فاطيما، فالتفتت إليها لتقترب منها، ولاحظت التعب واضحًا على وجهها. نظرت سمية إليهم بقلق، وبدأ جسار يتحدث بجدية: 

ـ خوفنِا عليكي يا عمتو، ليه رفضتي تعرفينا الحقيقة؟

تحدثت سمية بضعف وهي تنظر إليهم: 

ـ نتكلم بعدين يا جسار.

ثم نظرت إلى فاطيما التي كانت صامتة، وأردفت بقلق: 

ـ فاطيما، إيه الحكاية؟ ليه ساكتة كده؟ قولت هتدافعي عني.

أردفت فاطيما سريعًا قبل أن يخبروها بما حدث: 

ـ أنا كويسة يا عمتو، هو شوية إرهاق بسبب قلة نومي، متقلقيش، أنا معاكي.

ابتسمت سمية لها بهدوء، ثم قال سليم بغضب مصطنع، وهو يحدق فيهما: 

ـ رأيي تشوفوا حد يدافع عنكم أنتم الاتنين، لأني حقيقي مش قادر ألاقي مبرر إنكم تخبوا علينا.

قرر جسار أن يؤجل الحديث إلى وقت لاحق، فقال:

ـ خلاص يا عمي، خليهم يرتاحوا دلوقتي، ونتكلم بعدين.

ذهب سليم للقاء الطبيبة والتشاور معها، فأخبرته أنهم سيتلقون تعليمات محددة بعد ظهور النتائج، وشددت على أهمية الدعم النفسي لسمية في هذه الفترة. بعد ذلك، غادر المستشفى واتجه إلى الحديقة ليجلس ويستريح قليلاً.

❈-❈-❈

استيقظ نزار في منتصف النهار، وابتسم وهو يتذكر لحظات الليلة الماضية. بدأ يلمس وجه علياء برفق، وهي نائمة بعمق، مما أثار غضبها. بعد عدة محاولات، فتحت علياء عينيها ونظرت إليه بغضب، ولكن قبل أن تتكلم، قبلها نزار قبلة خفيفة على شفتيها، فابتسمت له بعمق وأمسكت به بقوة.

قالت بهدوء وهي تنظر إليه بعد أن ابتعدت عنه: 

ـ خلينا هنا، مش عاوزة أخرج ولا أشوف حد غيرك.

قبل باطن يدها، وهتف باسما بتنهيدة عميقة وهو غارق في لون عينيها: 

ـ أنا معاكي يا حبيبتي، وعيني مش بتشوف غيرك.

ثم وقف ليحملها ويتجه بها إلى الحمام. خرج أولاً وطلب وجبة الإفطار من خدمة الغرف، وفتح هاتفه الذي كان مغلقًا منذ وصولهم إلى الساحل الشمالي، ليطمئن على شقيقته وأولاده. وجد رسالة من فاطيما، وبعد قراءتها شعر بالقلق. حاول الاتصال بها، لكن هاتفها كان مغلقًا، مما زاد من قلقه. نظر إلى زوجته بعد خروجها من الحمام، وكانت تتجه لتمشط شعرها لتعود إليه. حاول الاتصال بجسار، الذي أخبره بإيجاز عما حدث معهم.

أغلق هاتفه بسرعة واتجه نحو الدولاب ليحضر ملابسه، ثم قال بقلق: 

ـ علياء، احنا لازم نرجع دلوقتي حالاً، عمتو تعبانة وفي المستشفى.

اقتربت منه وقالت بقلق شديد: 

ـ إنت بتقول إيه يا نزار؟ عمتي مالها؟

رأت علياء القلق باديا على وجه نزار، فبدأت تحزم حقيبتهم بسرعة للعودة. بعد تناولهم الإفطار على عجل، غادروا الفندق، وطاردت نزار أفكار مزعجة حاول تجاهلها دون جدوى. كانت علياء تراقبه وتحاول تهدئته بنظراتها. اتصل بجسار مجددًا ليعرف مكانهم ويتجه إليهم مباشرة. أخبره جسار أنهم في طريق العودة للفيلا، فقاد سيارته بسرعة ليصل إليهم.

وصل جسار إلى الفيلا برفقة سليم وعمته وزوجته، وما إن دخلوا حتى وجدوا سيارة نزار تقترب. نزل نزار من السيارة مسرعًا، واتجه نحو عمته بقلق، يحتضنها بحرارة. قال سليم بجدية: 

ـ خلينا ندخل جوه يا نزار، عمتك محتاجة ترتاح.

ابتعد نزار عن عمته، فنظرت إليه بنظرة حانية. دخل الجميع إلى الفيلا، وساعدت فاطيما عمتها على تغيير ملابسها لتستريح على السرير. قبل أن تغادر الغرفة وتسمح للآخرين بالدخول، سألت سمية بتعب: 

ـ مخبية إيه يا فاطيما، وجسار عرف إزاي هو وسليم؟

نظرت لها بهدوء وأجابتها وهي تجلس جوارها على الفراش: 

ـ أنا مش مخبية حاجة يا عمتو، اطمني. جسار وبابا عرفوا من زياد، وهو اللي بلغهم، وواخدين موقف مني، ولما نزار يعرف هو كمان هيبقى موقفي صعب قدامهم.

تنهدت سمية بتعب، وقالت بإرهاق:

ـ أنا اللي هتتحاسب يا فاطيما، اطمني. اخرجي بلغيهم إني عايزة أشوفهم دلوقتي.

قبل أن تخرج فاطيما، قال نزار بقلق بعد أن أخبره جسار بما حدث: 

ـ مفيش داعي للتأخير، لازم نسافر لندن الليلة ونعرض عمتي على أفضل الأطباء هناك، عشان نطمن أكتر على صحتها.

قال جسار بجدية، وهو يلتقط ابنته الصغيرة التي ركضت نحوه فور رؤيته: 

ـ إحنا مستنين النتيجة يا نزار، وبعدها هنتحرك. الدكتورة قالت آخر الأسبوع هتعرف مدى خطورة الحالة. وكمان بلاش نرهق عمتو لأنها أكيد تعبانة دلوقتي، بلاش نضغط عليها.

نظر نزار إلى سليم الذي بدا غارقًا في أفكاره، وسأله: 

ًـ إيه رأيك يا بابا؟ ليه ساكت؟

قاطعتهم فاطيما بظهورها المفاجئ، وهتفت بتوتر وهي ترى نظرات الغضب في أعينهم بسبب كتمانها للأمر: 

ـ عمتو عاوزة تشوفكم في أوضتها.

دخل سليم الغرفة أولًا، وتبعه نزار وجسار. في تلك اللحظة، اقتربت علياء من فاطيما وقالت لها بهدوء:

ـ أهدي هما خايفين على عمتو شوية، وكل شيء هيكون كويس. يلا ندخل علشان عمتو متقلقش من اختفائك.

دخلت فاطيما و علياء إلى الغرفة و وقفوا أمام السرير مباشرةً. جلس نزار و جسار بجانب سليم الذي كان في الجهة المقابلة. نظرت سمية إليهم و قالت بجدية:

ـ قبل أي كلام، مش هسمح لحد منكم إنه يعاتب فاطيما إنها خبت الحقيقة عنكم، لأن دي كانت رغبتي. ولولا إصرارها إنها تكون موجودة معايا يوم الكشف، كانت هتكون زيكم دلوقتي. 

قال سليم بلهجة عتاب، وهو يلقي نظرة على سمية: 

ـ الأولوية دلوقتي إننا نطمن عليكي يا سمية، وبعدين نحل كل حاجة.

همت سمية بالكلام، لكن نزار قاطعها بهدوء وهو يمسك بيديها: 

ـ متتكلميش دلوقتي يا عمتي، ارتاحي وكلنا جنبك.

غادرت فاطيما الغرفة نتيجة النظرات الموجهة إليها، فالتفتت سمية إليهم بنظرة يأس، متيقنة أن صفحهم لن يكون سهلًا. بعدها، استأذن نزار وجسار وعلياء ليتركوا سمية للراحة مع سليم في غرفتها، وذهبوا إلى غرفة المكتب.

في غرفة المكتب، وقف نزار أمام النافذة، غارقًا في ذكريات مراحل عديدة من حياته، محاولًا استيعاب الألم الذي يوشك أن يطاله مجددًا.

بينما جلس جسار على الأريكة، يغمره خوف عميق من فقدان عمته، وفي الوقت نفسه، يحمل بداخله مشاعر استياء تجاه زوجته بسبب كتمانها للحقيقة، مؤجلًا الحديث معها إلى وقت لاحق.

أردفت علياء بجدية، وهي تنظر إليهم وتدرك مسبقًا أنهم سيعارضونها: 

ـ ممكن نتكلم سوا بهدوء؟ أنا شايفة إن الكل متحامل على فاطيما مع إنها مغلطتش، وأي حد مكانها كان هيتصرف زيها. جسار، هي كانت في موقف صعب لأنها مخبية سر مش بسيط عننا، لكن كانت مجبرة تنفذ طلب عمتي. الأفضل نكون كلنا إيد واحدة علشان نساعد عمتنا، مش نتعبها زيادة. اللي متأكدة منه، لو أنا كنت عرفت عن تعب عمتنا وطلبت مني أخبي، كنت هنفذ رغبتها.

تنهدت بهدوء وقررت منحهم بعض الوقت للتفكير. صعدت إلى الطابق العلوي ووجدت جاسر مع المربية في الغرفة، وسألتها عن مكان فاطيما. أخبرتها بأنها في غرفتها، فذهبت إليها على الفور. وجدتها مستلقية على السرير، وتظهر عليها علامات الإرهاق الشديد. اقتربت منها بقلق وقالت: 

ـ فاطيما، إنتي كويسة؟ إيه الحكاية؟ من وقت وصولنا وأنا حاسة إنك تعبانة.

أومأت برأسها موافقة، وردت بصوت متعب: 

ـ أنا كويسة بس عندي دوخة وحاسة بإرهاق بسبب تبرعي بالدم لعمتي، شوية هبقى كويسة. طلبت من الخدامة تجيبلي عصير.

نظرت علياء إلى فاطيما بصدمة حقيقية، وهي تدرك أن التبرع بالدم ليس مسموحًا لها، وهتفت بقلق: 

ـ إنتي مجنونة يا فاطيما، إزاي تتبرعي وإنتي في الوضع ده؟ إنتي كمان ممنوعة من التبرع لأي سبب، إزاي جسار وافق على كده؟

ردت بتعب، وهي تنظر إلى علياء:

ـ كنت هعمل إيه يا علياء؟ قوليلي، مفيش غيري أنا ونزار اللي ممكن نتبرع لها. وكنت لوحدي، أستنى لما نخسرها يعني!! 

أغلقت علياء عينيها وخرجت من الغرفة، ثم نزلت إلى الأسفل لتحضر لفاطيما مشروبًا منعشًا ووجبة صحية. صادفت نزار وجسار على الدرج، لكنها لم تعرهم أي اهتمام. نظر كل منهما إلى الآخر باستغراب. بعد فترة وجيزة، عادت علياء حاملة صينية الطعام وبدأت تصعد إلى الأعلى. تابعها نزار وجسار، راغبين في معرفة ما يجري في الطابق العلوي.

دخلت علياء غرفة فاطيما مجددًا، ووضعت الصينية على السرير بجانبها، ثم ساعدتها في الجلوس. وبلهجة حازمة، قالت: 

ـ الأكل والعصير ده يخلصوا حالا، الاعتراض ممنوع.

استمعت علياء لبكاء جاسر في الخارج، فأخذته من المربية وعادت للداخل مجددًا. دخل نزار وجسار خلفها، وهم ينظرون لبعضهم بتعجب. تحدثت علياء بابتسامة، وهي تنظر لفاطيما: 

ـ أنا حبيته أوي بجد، تقريبًا هوافق على عرضك وهاخده معايا لندن.

تساءل نزار باهتمام، وهو يلاحظ التغير في حالة شقيقته:

ـ إيه الحكاية يا فاطيما!!

أجابته علياء بكذب، وهي تنظر له: 

ـ مفيش يا حبيبي، شوية إرهاق كمان. جاسر واضح إنه مش بينام بالليل والضغوط الأخيرة تعبته شوية. وبدل ما نحس بيها، هاجمناها كلنا من غير تفكير في حالتها.

اقترب جسار منها ونظر إليها بقلق، ثم قال بجدية: 

ـ هكلم كِنان يجي يشوفك ويطمني عليكي.

أجابته وهي تنظر له بعتاب شديد:

ـ مفيش داعي يا بشمهندس، أنا بقيت كويسة، أطمن.

شعر نزار أن هناك شيئًا ما يخفونه عنه، فقال بجدية: 

ـ طيب ارتاحي دلوقتي، ونتكلم بعدين. هناخد جاسر معانا علشان ترتاحي شوية.

وضعت علياء صينية الطعام على الطاولة، وبدأت فاطيما في إطعام جاسر. بعد ذلك، أخذته علياء منها وذهبت مع نزار إلى غرفتهم، تاركين جسار مع فاطيما التي تظاهرت بالنعاس لتجنب الحديث معه بسبب الألم الذي تشعر به تجاهه. ومع ذلك، قرر جسار التحدث معها لمنع حدوث فجوة جديدة بينهما.

استلقى بجانبها، وضمهما بقوة، ثم قال بجدية: 

ـ آسف لأني قسيت عليكي، بس صدمتي إنك مخبية عليا تعب عمتي مش بسيطة يا فاطيما.

تدفقت الدموع من عينيها، وهي تقول بحزن: 

ـ حاولت كثيرًا أقولك، لكن وعدي لعمتي منعني. لما وصلنا للمستشفى، كنت هكلمك مقدرتش. أنا كنت تايهة يا جسار، وعايشة في ضغط شديد اليومين اللي فاتوا. إنت متخيل إني أحاول أمثل قدامكم إني طبيعية، وجوايا خوف وقلق من خسارة عمتو؟ كمان نظرتك ليا وجعتني أكتر من أي شيء تاني.

مرر يده على شعرها بحنان، وقال بقلق بالغ، محاولًا طرد الأفكار السوداء من عقله: 

ـ الصدمة كانت قوية يا فاطيما، عليا سامحيني، واطمني، عمتو هتكون كويسة. هنعمل المستحيل علشانها.

أردفت بخوف، وهي تنظر له: 

ـ أنا خايفة أوي يا جسار، مش هتحمل خسارة عمتو هي كمان. مبقاش لينا حد غيرها.

قال بنبرة حازمة وهو يحاول تهدئتها: 

ـ بلاش خوف، خليكي قوية، ده مش وقت ضعف، اتفقنا!!

أشارت برأسها بالموافقة، ثم استسلمت للنوم بعد فترة قصيرة، حيث كان التعب لا يزال يسيطر عليها. فيما ظل جسار مستيقظًا، غارقًا في التفكير في الأحداث المتتالية التي تعصف بالعائلة مؤخرًا.


ذهب نزار إلى غرفته، بينما ذهبت علياء لرؤية فيروز، وبقيت معها حتى نامت. ثم حملت جاسر إلى غرفتهم، ووجدت نزار جالسًا على الأريكة، منهمكًا في أفكاره، ولم يلحظ دخولها. وضعت جاسر على السرير وذهبت لتغير ملابسها، وعادت بعد قليل لتجلس بجانبه، واضعة رأسها على كتفه، وسألته بلهفة: 

ـ إيه يا نزار؟ من وقت ما دخلت وأنت مش معايا، بتفكر في إيه؟

قال بنبرة جادة، وهو يغلق عينيه:

ـ حاسس إن مش من حقنا نعيش حياة طبيعية، كل شوية مشكلة جديدة ووضع أخطر من اللي قبله. زمان كنت صغير ومش فاهم أوي، لكن دلوقتي كبرت وبقت المسؤولية أكبر. الخوف من المستقبل أسوأ شيء ممكن الشخص مننا يعيشه أو يواجهه.

تحدثت بهدوء، وهي تمسك يديه: 

ـ ده قدر يا نزار، وطبيعي نمر باختبارات، المهم نكون قدها ومنضعفش، علشان اللي حوالينا محتاجين قوتنا ودعمنا. كل مرحلة من حياتنا بنعيش فترات مختلفة، الحياة لازم تختبرنا كل فترة ولازم نتحمل، لأن الضعف مش في صالحنا.

حاولت تبديد قلقه، فابتسمت وقالت: 

ـ ننام شوية، والكابتن جاسر نايم، وإلا هيصحى ويبقى مفيش نوم.

ابتسم نزار لمزاحها، واتجها سويا نحو السرير، حيث وضعت علياء جاسر بينهما، وقالت بضحك: 

ـ أكيد مش هتعترض على وجود جاسر معانا، لكن لو يزن كنت طردته من الأوضة.

قال بابتسامة ناعمة، وهو يحدق فيها: 

ـ تعرفي الأولاد وحشوني قوي بجد، نتيجة الفحوصات تطلع ونسافر ليهم من غير تأخير، وعمتي تكون معانا.

أردفت بغيظ وهي تنظر له:

ـ قول إن البنات وحشوك يا دكتور، أصلا بفكر أطردهم، بالذات الآنسة عاليا.

ثم تابعت بلهجة جادة، وهي تحتضن جاسر: 

ـ اطمن يا نزار، الطب اتقدم جدًا دلوقتي، تفائل يا دكتور.

تنهد براحة، وهو يراقبها وهي تستسلم للنوم، وقرر أن يطرد الأفكار السلبية من عقله، وينظر إلى المستقبل بتفاؤل.

❈-❈-❈

كانت الأيام تمر بهدوء، لكن الجميع بداخله قلق شديد بسبب خوفهم من نتائج الفحوصات. وكانوا يهتمون بسمية جيدًا، لكنها انتبهت لجفاء سليم في معاملته لفاطيما، لتتأكد أنه ما زال غاضبًا منها. لتقرر التحدث معه في وجود الجميع كي ينتهي الأمر سريعًا، خاصة ملاحظتها لمغادرة فاطيما كل يوم عقب عودة سليم من الشركة برفقة جاسر، فهو كان يذهب معه لكي لا يكون هناك ضغط شديد عليه أثناء سفره.

في ليلة، كان الجميع مجتمعًا في الصالة، لتهتف سمية بجدية وهي تنظر لهم: 

ـ عاوزة أتكلم معاكم في حاجة مهمة، والكل يكون هنا دلوقتي.

تبادلوا النظرات، وتيقنوا أن حديث سمية موجه لفاطيما، فطلبت علياء من الخادمة استدعاء فاطيما لتكون معهم.

نزلت فاطيما إلى الطابق السفلي بعد أن أبلغتها الخادمة بأن سمية تريد التحدث معها. جلست فاطيما بجانب سمية بعد أن أومأت لها، ووقف الجميع يراقبون المشهد بصمت.

قالت سمية بجدية، وهي تراقب ردود أفعالهم: 

ـ مهما كانت نتيجة الفحوصات، أنا مش هسافر لندن.

قالت فاطيما بدهشة، وهي تحدق في سمية: 

ـ بتقولي إيه يا عمتو!!


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة فاطمة الزهراء، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة