Never let me Go 3 (AFTER BURN) - إستهلال 1
إستهلال
ليس ثمة جرح لا يمكن التخلص منه
إنني عميق الإقتناع بذلك؛ بوسع الناس أن يحولوا ندوبهم إلى قوة
وليس ذلك بالامر السحري
ذلك يستغرق بعض الوقت، وغالبًا لا يشفون بالكامل
لا يختفي الالم بالكامل حقًا، إنه يبقى جاثمًا في أعماقنا
إلا انه يجعلنا نواصل الحياة ونواصل طريقنا.
إنني عميق الإقتناع بذلك؛ بوسع الناس أن يحولوا ندوبهم إلى قوة
وليس ذلك بالامر السحري
ذلك يستغرق بعض الوقت، وغالبًا لا يشفون بالكامل
لا يختفي الالم بالكامل حقًا، إنه يبقى جاثمًا في أعماقنا
إلا انه يجعلنا نواصل الحياة ونواصل طريقنا.
-غيوم ميسو-
•¤•¤•¤•
•¤•¤•¤•
"من أخطر العلاقات على الاطلاق هي علاقة (الحبل السري) .. وفيها يكون أحد الطرفين هو المصدر الوحيد لكل شئ بالنسبة للطرف الثاني .. مصدر الحب، الحنان، النشوة، والامان .. يعمل جاهدًا على تجريده من كل المصادر الاخرى، أحباء، أهل، أصدقاء حتى لا يبقى له سواه .. لا حياة بدونه، لأنه هو مصدر الحياة .. وفي المقابل يكون الطرف الثاني شديد الإعتمادية والسلبية في تلقى كل هذا .. ومن هنا يأتي التناغم بينهما، حيث يستمد الطرف الأول قوته وأهمية وجوده في العلاقة من ضعف وإستسلام الآخر، وكأن بينهما حبل سري خفي مزدوج الإتجاه .. أعتقد أن هذا هو الاساس الذي تقوم عليه العلاقة السادية .. وهناك نوع آخر من العلاقات لا يقل خطورة عنه وهو علاقة (العمى) .. وهنا أحد الطرفين لا يرى الطرف الثاني .. أقصد لا يراه حرفيًا .. بل يرى بدلًا منه شخصًا آخر .. يحمل بداخله مشاعر قديمة مخزنه منذ زمن تجاه شخص معين شكل مرحله مهمه بحياته .. حبيب سابق، أخ، أب، أم، أو حتى صديق .. ويبدأ يتعامل مع شريكه فالعلاقة بنفس هذه المشاعر .. وليس فقط المشاعر، بل بنفس إدراكه وفهمه وردود أفعاله وتأويله لتصرفات الشريك، وكأنه يرى صورة الشخص القديم متمثله به .. ومع الآسف، هذا يحدث دون حتى أن ينتبه أيًا من الطرفين"
أزيز إهتزاز الكرسي إرتجاعًا وإرتدادًا كان له صوت رتيب الإيقاع ولكنه مرخي للاعصاب .. عينيه الواجمه بضيق لا ترف، ولغة جسده المتنبة تخبرك بأنه يكثف جُلَّ تركيز وحواسه لإستيعاب ما يسمع .. ليس فقط إستيعابه، بل إخضاعه لعميله معقده من التحليل والإختبار، ليبدأ في خوض معركة طاحنه بعدها مع معتقداته العتيقة.
تأمل دكتور 'مايك' معالم التفكير والصراع تزحف على وجه الآخر .. ثم إستكمل بطريقه حثيثه وكأنه يسير على طبقة هشه من الجليد: " 'أدهم' .. أنت أعتمدت في علاقتك بـ 'فريدة' على كلا الشكلين .. أردت دمجها وربطها معك في علاقة (الحبل السري) تحت مسمى السادية .. أردت تجريدها من أي بديل آخر أو محتمل لما تمنحه لها من حب وإهتمام وأمان، حتى لا يبقى إمامها سوى إختيارك .. كنت تخشى الإختيار 'أدهم'، تخشى إذا أُتيحت أمامها البدائل تختار شخص آخر غيرك .. هذا لإقتناعك عميقًا بعدم إستحقاقك بها، وأنك غير كوفئ لها .. وعلى ما يبدو أنها تداركت بخبرتها العلمية ما تفعل وشعرت بخطورة مثل هذه العلاقة، وأرادت تقويم حدود للعلاقة لحمايتها وحمايتك .. ولكن هذا لم يتسبب لك سوى في تأكيد شعورك بعدم الاستحقاق، وأنها ليست بحاجة لك أو بحاجة لأيًا مما تمنحها، مما يعني أنه في إمكانها تركك وقتما شاءت .. والذي بدوره أعاد لك الذكريات وما تم تخزينه من قبل من خبرات عن الترك والاستغناء والخيانة، جميعها أسهمت في إنخراطك في علاقة (العمي) .. كل المشاعر المكثفة بالغضب، والشك غير المبرر التي كانت تملؤك بإستمرار دون سبب منطقي تؤكد هذا، خاصة وقد أخبرتني أن 'فريدة' تشبه في طباعها وإنعدام خبرتها السادية بشكل كبير 'ليتى' .. هذا كان سبب إنجذابك الجارف لها من البداية، ودليل أقوى على أنك لم تكن ترى 'فريدة' بالاساس في تلك العلاقة!!"
مع إنتهاء آخر جملة أوقف أدهم إهتزاز كرسيه، وإنفك جموده وخرج صوته دون أن ينظره بنبرة خافضه خطيرة، بينما يضم قبضته أسفل ذقنه المشذبه: أتقصد أنني لم أحب 'فريدة'؟؟
عقد مايك حاجبيه ثم أجابه مصححًا: انا لم أقل ذلك!!
ثم إعتدل بجلسته يقترب منه مسترسلًا: أنظر 'أدهم' .. علاقتك بها كانت مؤذية وغير صحية بنسبة كبيرة، مما يعني أنها كانت ولابد أن تنتهى بشكلًا ما، إذ لم تقودك إلى نهاية كارثية .. أما فيما يخص حبك لها من عدمه، فهذا تحديدًا ما نحاول فحصه معًا خلال جلساتّنا.
شق ثغره بصعوبه شبح إبتسامه وهو يهز رأسه بإستنكار: بحق الجحيم، أي نهاية يمكن ان تكون كارثية أكثر مما حدث؟!
ثم أضاف بفظاظه وهو ينهض: ثم انا أدفع لك ثروة ليست بصغيرة على مدار أكثر من سنة لكي تريحني، وليس لتشكك بما أشعر به!!
إتجه بعدها ليصَبّ لنفسه من ذلك الشراب الذي رغم تذمره من رائحته النفاذه، إلا إنه يساعد لسانه على التحدث دون عائق .. دقائق مضت إنتظر بها مايك منه أن يهدئ: حسنا، على ما أتذكر أنك مَن إخترت هذه النهاية بإرادتك، حتى دون أن ترجع لها في ذلك!!
شرد أدهم لأكثر من ثانية وبدا انه يفكر بالامر، ولكن ذلك لم ينجح، فقد جعد بعدها انفه بتقزز وهو يلقي الكوب بالقمامه قائلا بإشمئزاز: مذاقه كالبول!! .. أليس لديك أي شراب مثل العالم؟؟
خلع مايك نظارته الطبية بيأس: هذا شراب بابونجي وليس بول .. وأنت بعيادة نفسية لذلك لن تجد شراب!! .. والان رجاءً لا تتهرب من الإجابة كلما تطرقنا إلى تلك النقطة!!
يضغط عليه، كان يعلم ولكنه أرهقه طوال خمسة عشر شهرا منذ أن جاءه أول مرة يشكو من الارق الحاد وإضطرابات النوم مع أعرض إكتئاب جسيم كان سيفضى بحياته إلى الإنتحار حتما .. يعترف، شخصيته صعبة ومميزه، ليس من السهل إختراقه أو التعامل معه، ولكن مايك بشخصية الذكية إجتماعيا إستطاع كسر الحاجز بينهما وكسب ثقته حتى أصبحت العلاقة بينهما تعتبر صداقة أكثر منها علاقة علاجية.
أردف مره أخرى ليحثه: 'أدهم' .. ظنك بأنك قد أنهيت هذا الامر دون راجعة يبدو أنه ليس مقنعا ابدا لعقلك الباطن ومشاعرك، التي مازالت تحارب بضراوة للبحث عن أي منفذ لإعادة فتح الامر ثانية والتفكير به من جديد، علَّها تصل لحل مرضي أكثر مما أخترته أنت .. وهذا واضح جدا في طبيعة أحلامك المتواتره عنها وعن لقاءك بها والمحادثات التي قد تجرى بينكما .. هذا اذا كان له دلاله على شئ، فهو أنك عميق الاقتناع داخليا بإمكانية رؤيتها يوما ما وفض هذا الصراع المحتدم داخلك .. لذا كلما تحدثنا عن الامر، كلما أصبح من السهل تخطيه!!
تلاقت أعينهم لأكثر من لحظة وكأنه يخبره بأنه قد وضع يده على المشكلة الان .. تخللت أصابعه بين خصلاته وهو يلتمس طريقه إلى الكرسي مرة أخرى .. ثم إفترقت شفتيه بطريقة خالية من الحياة: لا تمر ليلة عليَّ دون التفكير في ذلك اليوم .. أفكر وأفكر وبالنهاية أصل إلى أن ما فعلته كان الانسب لها .. ذلك اليوم كنت هناك، أقضي اليوم كباقي الايام منتظر بالخارج، حين لمحت الاطباء يهرعون في الرواق جهة غرفتها، عرفت حينها بأنها إستعادت وعيها .. رغم تلهفي لرؤيتها والاطمئنان عليها إلا انني لم أجرؤ على الدخول، خشيت ان تؤذيها رؤيتي، توقفت قدماي عند حافة الباب، ولم أستطع التوغل للداخل .. همهمات الاطباء كانت تصلني بوضح إلا أنني كنت أفتقد صوتها الغائب بينهم، وعيناي لم تستطع الوصول لها وسط تجمهرهم حولها بعد أن منعوا والدتها وأخيها من الدخول .. مضت دقائق قبل أن أسمع صوت صريخ متحشرج مكتوم جعلني أقتحم الغرفة ﻷراها وهي تصارع الاطباء بهياج هستيري إستدعاهم لتخديرها بمنوم .. بداخلي توقعت حدوث هذا لكن بالخارج علمت أنه لم يكن بسبب ما فعلت بها .. بل ﻷنها عندما افاقت أكتشفوا .. أكتشفوا أنها تعاني من شلل كامل بالوجه .. لذلك هي لم تستطع التحدث!!
أرتعشت العضلة التي بفكه لشده جزه على اسنانه وتوقف عن الحديث .. إلى الان مازال يتذكر جيدا صدمته وهو يستمع لما تسبب حقنه المتعدد لها ب(الريتالين) من حدوث تورم بالعصب الوجهي المسئول عن تحريك عضلات الوجه، أدى إلى شلل بكلا جانبي الوجه .. هو مَن فعل بها هذا .. هذا صنيعة يداه .. هو مَن سلبها الحياة وتركها أقرب إلى الجثة .. فلتلاحقه اللعنة أينما ذهب!!
إبتلع بصعوبة وهو يكمل: بالكاد كانت تستطيع إخبارهم بما يؤلمها، لا تستطيع إطباق جفنيها أو الإبتسام .. لا تستطيع حتى البكاء، لجفاف حدقتيها .. وبالطبع بعد سبعة أشهر راقدة بغيبوبة لا تستطيع المشي .. لهذا اصيبت بصدمة عصبية عندما أكتشفت عجزها الكامل .. عندما خدروها إستطعت رؤيتها، ولم أكن أدرك انها اﻷخيرة .. فحين إستفاقت وبدأت بتقبل حالتها إستكمل الاطباء فحصها وهنا بدأ القلق يتزايد .. بالبداية لم تكن تتذكر أين هي أو ماذا حدث، وأرجع الاطباء ذلك لطول غيبوبتها، لكن بعد أن دخل كل من والدتها وأخيها ومريم للأطمئنان عليها إكتشفوا أنها لا تتذكر شيئا سواهم .. لا تتذكر مريم، لا تتذكر بأي بلد هي أو بأي سنة .. لا تتذكر سوى أنها بالسنة النهائية من الجامعة .. أي انها فقدت خمس سنوات من عمرها، لا تتذكر عنهم أي تفصيله!! .. لا تتذكر كاليفورنيا، بعثتها، وعملها .. لا تتذكر 'بن' .. لا تتذكرني، ولا انها قد تزوجت بيوم!! .. والأهم انها لا تتذكر ما حدث!!
إبتسم بعاطفة وحزن داكن بينما تنخرط دمعه على طول وجنته اليمنى وهو يريح ظهره بالكرسي ليبدأ بهزه مره أخرى وكأنه إنفصل عما حوله تلك اللحظة.
هنا أضاف مايك بدلا منه وهو يعيد إرتداء نظارته: فقدان ذاكرة إنتقائي .. هذا أحد الاعراض الشائعة ﻹضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وفيه يرفض المريض تذكر فترة معينة من الماضي ويقرر حذفها من الذاكرة لمده من الوقت تدريجيا حتى يكون ذو قدرة على تقبل واقعه وما حدث .. لكن ما لا افهم، لمَّ تركتها بالرغم من أنها كانت فرصة جيده لك ﻹصلاح ما حدث حتى يحين وقت تذكرها .. فربما تعبيرك عن تغيرك كان ليشفع لك وقت المواجهه.
أومئ بخفة وتعابيره كتلة قاتلة من الحزن والندم: انا أيضا كنت أظن هذا .. لكن باللحظة التي ترددت قدماي على أعتاب الغرفة مرة أخرى وبزغ بداخلي رهبة وخوف من لقاء عينها، فطنت السبب .. تساءلت حينها بداخلي، ماذا سأقول لها الان، هاي فريدة انا زوجك، ألا تتذكريني؟! .. وأي رواية سأروي الان؟؟، هل سأكذب؟!، أستمر بخداعها؟! أتستحق مني بعد كل ما حدث؟! .. ما حدث لم يكن فرصة جيدة من أجلي، بل ﻷجلها هي .. ﻷجل أن تبدأ حياتها من جديد دون أشباح الماضي، من دوني، هذا ما تستحقه .. لمَّ حقا سأفسد ما تكفلت العناية الإلهية بإصلاحه؟؟ .. تراجعت بخزي وجبن حتى من وداعها .. أترى؟؟ كنت أجبن من توديعها للمرة الأخيرة!! .. لم أكن أضمن ماذا سأفعل حينما تتلاقى الأعين .. لفرط حبي بها لم أستطع أن أكون معها .. النهاية.
أردف مايك: حسنا، عليَّ ان اقول ان عقلك الباطني وقلبك لم يتقبلوا هذه النهاية .. كما أخبرتك، ما حدث يندرج تحت المواقف غير المنتهية .. وهروبك منها لن يحلها أبدا بالعكس يزيد من حده الصراع النفسي داخلك!!
تشنجت ملامح أدهم بإنفعال: ماذا عليَّ أن أفعل واللعنة!!
تنهد مايك قبل أن يقول ما ينهي به الجلسة: بهذه المواقف ليس أمامك الكثير من البدائل لحل هذا الصراع .. يجب أن تتقبل عواقب قرارك هذا وتعمل على تحسين شعورك بالرضا تجاهه، بدلا من إتخاذه كعقاب نفسي قاسي ومؤذي بالتأكيد سيفضي بك للجنون يوما ما .. أنت حكمت على نفسك بالحرمان من حبك الوحيد وتوقف شعورك بالحياة بدونها .. فإما أن تتوقف عن التعامل معه كعقاب والمضي بحياتك، أو أن تخطي مخاوفك وتنفذ رغبة قلبك وعقلك في حل هذا الصراع بالمواجهة الحقيقية .. مواجهة فريدة!!
● ● ●
#يتبع