رواية جديدة بحر ثائر جـ2 لآية العربي - الفصل 22 - الثلاثاء 23/7/2025
قراءة رواية بحر ثائر الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
الجزء الثاني
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل الثاني والعشرون
تم النشر الثلاثاء
23/7/2025
أجمل ما في مواعيدنا
أنها تأتي بشكل مختلف
مختلفة بشكل ملفت
الفرق بين
كيف أحبك وكيف تحبني
أني في خيالي فقط أرى
أن أجمل مواعيدي معك
وأنت تأتيني واقعا
و إن كنت تغرق...
و إن كنت تنزف....
ولو كنت تُقتل...
تعجبني الجرأة في طريقة حبك
يعجبني كيف تأتيني
بشكل ملفت.. مختلف...
تعجبني حتى تلك الصدمة التي ستوقف قلبي
فجأة فرحا بلقائي بك يامغترب قلبي
(بقلم فيروزة)
❈-❈-❈
أتساءل
هل سيأتي ذلك اليوم الذي ننتظره ؟
هل سيتحقق الحلم الذي طال ؟
مالِ ذاك السلام الذي طال انتظاره ، ما بها الدنيا تضيق على قلوبنا ؟
العيْب فينا ياترى أم أنهم كبلوا أفواهنا ؟
أم أننا أخطأنا سابقًا والآن ندفع فاتورة حسابنا ؟
أليس من حقي أن أعشق ديمومتي ؟
وأتغزل بها ليلًا ونهارًا بحريتي ؟
وأحتضنها حينما تلج لغرفتي ؟
أليس من حق الثائر أن يثور في حضرة جمالها ؟
وأن يغرقها في حوضٍ من الراحة ونعيمها ؟
وأن يغفو ويستيقظ على وجودها. ؟
مال هذه الأحلام بعيدة المنال ، مالها تأبى أن أعيشها ؟
طال الانتظار يا بلدي ، طال والعمر ينقضي ، فهلا تعطني فرصتي ؟
( بقلم آية العربي)
قبل ساعتين
دلف رشدي عليه فوجده يصلي ، جلس ينتظره إلى أن انتهى ونهض يطالعه بترقب وتساءل بهدوء :
- خير ؟
- يالا علشان تروح بيتك .
نطقها رشدي بابتسامة وعيناه عليه ليطالعه ثائر لثوانٍ ثم أومأ ونطق ببعض الراحة التي زارته برغم الغيرة والغضب اللذان يسكنانه :
- ديما عملتها .
أومأ رشدي وأردف باستفاضة وفرحة :
- أيوة ، وماحدش شك فيها لحظة ، زرعت الجهاز وخرجت وبعدها علطول سمعنا كلامه مع مارتينا في نفس المكان اللي هي زرعت فيه الجهاز ، ودلوقتي احنا منتظرين مكالمته مع اللي شغال معاهم .
ابتسم بألمٍ وارتياح في آنٍ ، فعلتها ولكن بدونه ، تمنى لو كان معها ، تمنى لو استطاع أن يبعد عيون ذلك الحقير عنها ، تمنى لو ساندها ، ليستطرد رشدي حينما أدرك تفكيره :
- هتخرج علشان تكافيء تلميذتك الذكية ، وهبعتلك الفيديو وهي بتتعامل معاهم صوت وصورة علشان تتأكد إنها فعلًا نسخة منك ، عاش يا أبطال .
قالها وهو يربت على كتفه بعدما نهض وخطا نحو الباب ثم التفت له يسترسل :
- يالا مستنيك علشان أوصلك بنفسي ، هسيبك تعملها مفاجأة ، هي دلوقتي نزلت ورايحة ع المجلة .
أومأ له وشرد يفكر فيها ، ماذا ستفعل حينما تراه ؟ وهل يذهب إليها أم يطلبها لتأتي إليه ؟
بعد ساعة
دلف منزله الجديد يتنفس بعمق ، هذه أصعب أيام مرت عليه طوال حياته ، حقًا كان يشعر بضغطٍ كبير يُمارس عليه ومع ذلك كان مجبرًا على التحمل ، هو بحاجة ماسة للارتخاء والتروي قبل أن يراها ويقف أمامها ويتحدث معها لذا ترك حقيبته وتحرك نحو غرفة المكتب ثم الغرفة الأخرى ثم الحمام .
اتجه يفتح صنبور المياة ليملأ الحوض ثم تحرك ينظر لهيأته في المرآة ، ذقنه النامية ، وجهه المرهق وملامحه الحزينة ، حالته المزرية ، كيف ستراه هكذا ؟
زفر بضيق ومد يده يفتح درفة المرآة ويخرج منها أدوات الحلاقة ، التقط الماكينة وقام بتشغيلها ثم بدأ يشذب ذقنه ويحددها .
انتهى بعد قليل ووضعها والتفت ينظر للحوض الذي امتلأ لذا تخلى عن ثيابه وتحرك يغلق الصنبور ويغطس داخله ، تمدد ونزل برأسه أسفل المياة الباردة ، لثوانٍ من الصمت والنفس المنقطع ، يحاول جذب أكبر قدرٍ ممكن من الاسترخاء لأعصابه المشدودة لأيام حتى كادت أن تنقطع .
يسعى لينظف عقله من أي فكرةٍ سلبية مرت عليه لذا بدأ يفكر فيها ، ضحكتها ، ملامحها ، عيناها ، ابتسامتها التي تلازمها كورودٍ متفتحة على شفتيها .
خطرت على باله فكرة مفاجأتها لذا طفى برأسه فوق سطح الماء وفتح عينيه يتنفس بعمق ثم ابتسم على فكرته ونهض يغادر حوض الاستحمام واتجه يجفف يده ويستل هاتفه من جيب جاكيته ثم طلب رقم الحارس الذي أجابه فأردف :
- عايزك تتصل على مدام ديما وتقولها إن فيه تسريب مية طالع من الفيلا وتخليها تيجي تشوف في إيه لأن إنت مش معاك مفتاح ، وطبعًا أنا مش هنا ، فاهمني يا أحمد ؟
أومأ أحمد يردف بنبرة جدية تخفي ابتسامته :
- حاضر يا ثائر بيه ، حالا .
أغلق معه وعاد إلى حوض الاستحمام يجهزه كما خطط عقله لينفذ فكرته .
❈-❈-❈
لم تقتنع رحمة بكلمات توماس، بدأت تشعر أن هناك شيئًا ما يدار من خلف ظهرها بين زوجها وتلك المتلونة ، بدأت تدرك أنه يتم استغلالها .
ولكن كيف تتأكد من ذلك ؟ وهل يمكن أن يخدعها توماس ؟ هل يوهمها بالحب ؟ ولكنه أعلن إسلامه ؟ ماذا سيستفيد إذًا ؟
هل تبالغ ؟ أم أن تلك المارتينا تتعمد أن تزرع الشكوك داخلها ؟ أم أنها غبية ؟
أسئلة كثيرة راودتها بعدما غادر توماس المنزل وتبعته مارتينا لذا بدأت تفكر في طريقة تكتشف بها هل حقًا يخدعانها أم أنها تتوهم ؟
❈-❈-❈
عودة للوقت الحالي
حينما وصلت ديما وسمعها أسرع يتمدد مجددًا داخل الحوض الذي ملأه بسائل الاستحمام ، فتح الصنبور وأخفى نفسه بشكلٍ تام أسفل الرغاوي .
دلفت مسرعة لتوقف المياه وعقلها لا يستوعب كيف تم فتحها من الأساس ومن أين جاءت هذه الرغاوي ؟
ولكنه أمسك بمعصمها فشهقت وحينما كادت أن تصرخ أخرج رأسه يكشف لها عن هويته ، طالعته بذهول وقبل أن تنطق اسمه كان يخطفها معه ويخطف شفتيها ويخطف كلماتها دون مقدمات .
كان لصًا محترفًا تسلل إلى مشاعرها في لحظات وبمهارة عالية وخفة يدٍ نجح في فك شفرات خزنتها ليسرق كنوزه الثمينة ، ويبتسم بسعادة وارتياح حينما قامت بتعطيل أجهزة إنذارها وسمحت له بجريمة العشق هذه .
❈-❈-❈
اصطحبها داغر إلى الطبيب كي يفحص جرحها ،ليجده في حالة جيدة نظرًا لاهتمام منال بها لذا قام بنزع الحزام الحامل عنه ودون لها وصفة أخرى تتناولها لأسبوعٍ آخر .
كان سعيدًا لأنها بخير لذا قرر أن يأخذها إلى مطعمٍ صيني يتناولان فيه وجبة العشاء .
توقفا أمام أحد المطاعم الصينية في القاهرة وترجلا سويًا ليلتفت لها ويتأبطها بابتسامة عاشق ثم تحرك بها نحو الداخل .
أخذهما النادل إلى طاولة جانبية وترك لهما قائمة الطعام ليختارا كا يحلو لهما ، كانت سعيدة خاصةً وأنه يحاول تدليلها ، برغم أنها فتاة أبويها الوحيدة إلا أنها لم تكن مدللة أو مرفهة ، كان والداها يعاملانها بمسؤولية ، كانا يحبانها كثيرًا ولكن حبهما لها كان تغلبه العقلانية .
أما داغر فحبه عاطفي ، لا يخجل من تدليلها أمام أحد ، يحب إظهار حبه دون قيود ، شخصيته محبوبة وجديدة على حياتها ولكن حنيته جعلته يتربع على عرش قلبها لذا ابتسمت له وتساءلت بحب :
- هتطلب إيه؟
دقق النظر في القائمة ثم رفع عينيه لها ونطق بانزعاج :
- المنيو كله أكلات ما يعلم بيها إلا ربنا ، وياريت طعمها حلو .
ابتسمت ونطقت بتلقائية :
- مهو طبيعي يا داغر ده مطعم صيني أصلا .
زفر والتفت حوله يطالع الجلوس ثم عاد إليها يوضح :
- أنا قلت يمكن تغيري جو هنا ، أنا ببقى نفسي اعملك أي حاجة تفرحك وعارف إنك بتحبي الأكل الصيني .
مط شفتيه يسترسل :
- يعني بقول يا واد يا داغر خليك متجدد مع الجماعة بتوعك ودلعهم .
استنكرت كلمته ورددتها بملامح منزعجة :
- الجماعة بتوعك ؟ ده اللي هو أنا ؟
مال قليلًا عليها يبتسم ويؤكد :
- أيوة انت الجماعة بتوعي ، وبعد الجواز هسجلك البيت على الموبايل ، وبعد سنة هسجلك أم سعيد إن شاء الله .
ابتسمت عليه تومئ ثم نظرت حولها وعادت تطالعه وتردف بترقب :
- طيب بما إني الجماعة والبيت وأم سعيد إيه رأيك لو نقوم نمشي من هنا ونروح ناكل أكلة شعبية حرشة كدة في مكان شعبي ، أنا بقالي أسبوع عايشة ع المسلوق يا داغر ، نفسي في كبدة ، لحمة بالبصل ، كوارع ، حاجات من دي ، بحبهم أكتر من الصيني أصلًا .
اندهش ونطق مستفهمًا :
- كوارع ؟ بتتكلمي جد ؟
أومأت له ليستطرد بحبٍ وخفوت :
- عينيا الاتنين ، بس خلينا نخلع من هنا بشياكة ، أنا هعمل إن جالي تليفون مهم ونقوم .
ضحكت تومئ بحماس وتطالعه وهو يتحمحم ويدعي انشغاله بالقائمة مجددًا ثم أمسك هاتفه وعبث به يضعه على أذنه ويردف بدورٍ متقن :
- أيوة يا أسامة ـــــــــ مين؟ ـــــــــ لا حول ولا قوة إلا بالله ـــــــــ مات إزاي ؟ ــــــــ إنا لله وإنا إليه راجعون ـــــــــ لاء طبعًا جايين حالًا ، يالا يام سعيد .
نطقها وهو ينهض وأمسك بكف بسمة وسحبها للخارج تحت الأنظار المتعجبة ممن حولهما .
خرجا وانفجرت بسمة ضاحكة عليه ليشاركها الضحك لثوانٍ قبل أن تنطق :
- أنت مشكلة يا داغر .
كأنها مدحته لذا عدل ياقته بتباهٍ واتجها نحو السيارة وكادا أن يستقلانها ولكنهما تفاجآ بمن ينادي اسمه لذا التفتا فوجدا لوتشو يتقدم منهما ويبتسم .
توقف أمام داغر يردف بابتسامة ماكرة بعدما أتى متعمدًا :
- كيف الحال ، سعدت برؤيتكم .
ابتسم له داغر وكذلك بسمة ليردف الأول بتروٍ :
- أزيك، إيه الأخبار ؟
أومأ لوتشو ونظر نحو المطعم يردف مشيرًا عليه :
- أنا بخير ، أتيت للقاء خاص .
ابتسم داغر وظن أنه دخل في علاقة جديدة لذا أردف :
- كويس جدًا ، ربنا يوفقك .
ابتسم له ونظر إلى بسمة يسترسل بخبث :
- سيدة بسمة أعرف أنه ليس الوقت المناسب ولكن يجب أن تهتمي بالشركة قليلًا ، الوضع الحالي لها يقلقنا بشأن العمل المشترك .
التفت إلى داغر واستطرد بعينين ماكرتين :
- نعم تذكرت على سيرة العمل ، هناك عرض مقدم لك من شركتنا يا سيد داغر ، هو دعم منا للشركات الناشئة وأيضًا استثمار هام جدًا لنا ، أنا رشحت شركتك لأنني أعلم أنك تستحق ، إذا رغبت بذلك أخبرني.
نطقت بسمة بابتسامة هادئة :
- تمام ، اتفضل إنت علشان ماتتأخرش على معادك وهنتواصل أكيد .
ليؤكد داغر على حديثها قائلًا :
- خلاص هنفكر وربنا يسهل إن شاء الله .
ابتسم وأومأ ينطق بنبرة مبطنة بالخبث :
- حسنًا ، أخبر شريكك وفكر في العرض إن قبلت اتصل بي قبل أن نبحث عن شركة أخرى ، عن إذنكم .
تحرك نحو المطعم واستقلا هما سيارتهما وانشغل عقل داغر بحديثه ، ربما هذا العرض يعد فرصة قيمة بالنسبة لشركته الجديدة والصغيرة ، لا أحد ينكر أن شركة عائلة لوتشو من الشركات الصينية الكبرى في مصر ، ودخولهما في استثمار مع شركة ناشئة يعد فرصة لا تعوض بالنسبة لداغر وصالح وستجلب لهما مستثمرين كُثر في وقتٍ قياسي لذا التمعت في عقله الفكرة ونطق يتساءل :
- إيه رأيك في كلامه يا بسمة ؟ أنا عارف أنه شخص مش موثوق فيه أوي بس بصراحة اللي عمله معانا ومع دينا يخليني أشيل جميله على راسي ، والعرض اللي قال عليه دلوقتي ده لو فعلًا كلامه صحيح هتبقى صفقة ماتتعوضش .
أجابته بشرود تفكر بمهنية :
- معاك حق يا داغر ، خصوصًا إن الشركة الأم عالمية وليها أفرع كتير وهتبقى صفقة العمر بالنسبة لشركتكم ، بس لازم ندرس الموضوع ده كويس جدًا .
زفر وأومأ وهو ينعطف نحو وجهته :
- صح ، ولازم اشور على صالح ونشوف هنوصل لإيه ، وربنا ييسر .
مدت يدها تربت على كفه وتردف :
- ونعم بالله .
❈-❈-❈
يقفان في غرفة النوم أمام المرآة ،كلٍ منهما يرتدي مئزره ، تجفف خصلاتها وهو يعانق خصرها بتملك ،كلما حاولت التملص رفض تركها ، حتى وهي تستعمل المجفف لم يقبل بالابتعاد عنها لذا باتت تداعبه بالهواء الساخن فيداعبها بقضم رقبتها و يتبادلان الضحكات ، لا تصدق إلى الآن أنه عاد إليها وكم كانت مفاجأة لا يضاهيها شيئًا .
زفرت بانزعاج لذيذ وأغلقت المجفف والتفتت تواجهه وتنطق بعبوس :
- مش عارفة انشف شعري ، ينفع كدة ؟
سافر عبر ملامحها مبتسمًا ويداه تحيطانها ونطق وهو منجذبٌ إليها بطاقة مغناطيسية عالية :
- مش عايز ابعد عنك ، عايز افضل حاضنك واعوض كل الأيام اللي فاتت من غيرك ..
رفعت كفها تحيط وجهه وتبتسم له ثم ارتفعت قليلًا قاصدة قبلة عند فكه السفلي ، كانت تنويها خاطفة ولكنها لا إراديًا بالغت في مدتها ، وتوسعت في موقعها فانسحبت بشفتيها نحو ذقنه ورقبته تعبر له عن اشتياقها ، أغمض عيناه مستمتعًا بلذة قبلاتها لتبتعد وتطالعه بعيون هائمة ثم ملست بيدها على ذقنه ونطقت مستفسرة :
- دقنك بتشك ، أنت حلقت بالمكنة بس مش كدة ؟
أومأ لها متذمرًا لابتعادها وكاد أن يعود مقبلًا لكنها أبعدته بخفة ونطقت وهي تدفعه نحو المقعد :
- استنى بقى لما اظبطهالك صح .
زفر بعبوس ولكنه أطاعها وجلس واتجهت هي للحمام ثم عادت تحمل أدوات الحلاقة وتحركت نحوه تدفعه ليفرد ظهره على المقعد وجلست على ساقه تضع العلبة على قدميها .
التقطت كريم الحلاقة ووضعت منه على ذقنه وفكيه ووزعته بالفرشاة ثم أمسكت بالشفرة وبدأت تمررها بنعومة عليه ليغمض عينيه مسترخيًا ويترك لها نفسه لتفعل به ما تريد .
نطقت وهي منغمسة في فعلتها :
- تعرف إن قبل ما أحمد يكلمني أنا كلمت اللوا رشدي وطلبت اقابلك ، قالي مش هينفع ، اتاريه متفق معاك ، بس بجد دي أجمل مفاجأة ، أنا كنت حاسة إني مكشوفة أوي من غيرك ، كنت خايفة وقلقانة بس كنت بردد كل كلمة قلتهالي ، حطيت نصايحك كلها قدامي وقلت لازم أنجح علشان ترجعلي وعلشان نعيش بقى في هدوء أنا وانت واولادنا .
لم يكن يريدها أن تنجرف إلى هذا الحوار الآن ، ليس هذا ما يجب أن يتناقشا فيه الآن ، ليتركا هذا النقاش للغد ولتمر الليلة فقط معبأة بالمشاعر لذا فتح عيناه يطالعها وهي منشغلة بذقنه ونطق بنبرة هادئة ويداه تمر على ظهرها :
- انسي الكلام في الموضوع ده دلوقتي يا دومة ، انتِ بس هتكلمي البيت تقوللهم إني رجعت وإنك معايا علشان مايقلقوش .
قفز سريعًا على عقلها وعدها لمالك لذا انقبض قلبها ومالت تستل المنشفة وتمسح ذقنه بعد أن انتهت وزفرت تجيبه بتوتر :
- مش هينفع يا ثائر ، مش هينفع أبات هنا خالص .
تأهب واحتلته الغيرة وظن أن هذا أمرًا من رشدي لذا تساءل بنبرة خافتة تخفي الكثير :
- يعني إيه ؟
زفرت بإحباط شرخ سعادتها وأردفت توضح عله يفهم :
- أنا وعدت مالك إني مش هبات بعيدة عنهم مرة تانية ، إنت ماتعرفش هما قابلوني إزاي لما رجعت من الجونة ، مش هقدر أبدًا أزعلهم مني أو أحسسهم الإحساس اللي حسوه في غيابي تاني .
شعر بالراحة حينما أدرك أن الأمر بعيدًا عن رشدي ولكن كلماتها لم تشفع لها ليتركها لذا عاد يقترب منها مقبلًا إياها بتملك ويردف بغيرة واضحة :
- يعني هتراضي ابنك الكبير على حساب ابنك الصغير ؟
ابتسمت حينما وجدته مرنًا وأبعدته تصحح له :
- قصدك العكس بقى .
هز رأسه بلا وعاد يقتحم عنقها ويهمس في أذنها بتلذذ :
- لاء ، أنا في الحالة دي ابنك الصغير مش الكبير ، ومش متفهم ومتملك ومتسلط لأبعد حد ، أنا اتحرمت منك لأسبوع مستكترة عليا يومين ؟ مش هسيبك .
تتفهم حالته وتقدر لهفته واشتياقه ولكنها لن تخلف وعدها لصغيرها مهما حدث لذا زفرت ولم تعد تستمتع بقبلاته بعدما انشغل عقلها لذا حاولت أن توقفه فشعر بذلك وابتعد يطالعها بثقب ، وجد في عينيها نظرة ترجٍ ليفهمها ونطقت تحاول استعطافه :
- وأنا مش عايزة اسيبك أبدًا ، ولا عايزة أبعد عنك لحظة واحدة ، بس صدقني مش هقدر أخلف وعدي لمالك ، حاول تفهمني يا ثائر لو سمحت .
ربما كان ليتفهمها في أي وقتٍ آخر ولكن هذه الليلة كان يتمنى أن يقضيها معها كاملة ، ينام معانقًا إياها ، يستيقظ على وجودها ، الكثير من الخطط في رأسه على وشك الرحيل بتذكرة الذهاب دون عودة لذا احتل الضيق ملامحه ونطق مستفسرًا :
- ولا حتى الليلة ؟
تملكها الحزن والتشتت وهي تجيبه بضيق :
- أنا لسة وعداه إمبارح يا ثائر ، مش هينفع اجي الليلة واقوله انك رجعت واني مش هروح ، لو الوضع بعيد عن مالك صدقني ماكنش همني ، بس اوعدك هجيلك الصبح وهعمل الأكل اللي بتحبه ومش هحسسك إني بعدت أصلًا .
لم ترضِهِ هذه الكلمات ، بات أنانيًا بها ، خاصةً وأنه خرج وجاء ليلتقي بها أولًا تاركًا خلفه الجميع ، ابنه ووالديه ، لذا زفر وأومأ على مضض ثم أردف وهو يحاول النهوض :
- تمام ، خليني أقوم اغسل دقني .
نهضت من فوق ساقه وتركته يتحرك نحو الحمام ووقفت تطالعه وهي تدرك أنه منزعج لذا باتت في موقفٍ لا تحسد عليه تحاول إيجاد حلٍ يرضيه .
❈-❈-❈
جلست تتحدث مع والدها بغضبٍ لم يزُل ، نطقت بتوعد :
- لن أترك مصر إلا بعدما أتخلص من تلك ال**** ، لا تحلم بذلك أبي .
نطق إرتوا بغضبٍ مماثل وأشد حدة :
- توقفي أيتها الغبية ، دعك منها واخطفي معاذ كما خططنا وتعالا إلى فرنسا في الحال ، فهمتِ ؟
العناد جزءًا لا يتجزأ منها لذا نطقت باندفاع وهي تحاول ألا تعلو نبرتها حتى لا تسمعها رحمة :
- لا يهمني معاذ الآن ، لن أخسر معركتي أمام تلك المرأة بعدما تحدتني وهي تنظر في عيني ، سأقتلها أبي .
حاول ألا ينفعل لأنه يدرك أن لا جدوى معها لذا أغلق الهاتف بعدما قرر أن يتحدث مع توماس .
وبالفعل طلب رقم توماس الذي أجابه ، كلاهما باتا يتحدثان بأريحية خاصةً بعدما ثبت لهما أن ثائر ليس عميلًا لذا أردف توماس بترقب :
- من المؤكد أن ابنتك سبب اتصالك بي ، أعلم أنها تثير المشاكل باستمرار .
نطق إرتوا بضيق :
- غبية ، تريد أن تقتل تلك المرأة قبل أن تعود ، تصرف معها توماس ، أنا أريد ابنتي وحفيدي عندي هنا في أقرب وقت .
ابتسم توماس وهو يجلس في غرفة مكتبه وتساءل :
- كيف سأتصرف معها ؟ هل عندك خطة ؟ ابنتك لا يوقفها شيء .
زفر إرتوا وفكر قليلًا ثم نطق :
- أوهمها أنك ستتخلص من تلك المرأة بنفسك ، ولكن لا تدعها تفعل .
شرد توماس قليلًا يفكر ثم نطق بغموض :
- حسنًا ، سأفعل .
أغلق معه بعدما اتفقا وجلس يفكر قليلًا ثم نهض ليرى رحمة وليحاول تنويمها بفعل حبات المنوم التي يستخدمها معها أحيانًا .
❈-❈-❈
عادت علياء من غرفة معاذ بعدما اطمأنت عليه وجلست تجاور أمجد وتتطلع عليه وهو يتابع الأخبار ، قلبها بات يشعر بشيءٍ ما ، طال غياب ابنها وزوجته وبدأت تشعر أنها ليست رحلة ترفيهية لكليهما لذا تساءلت بترقب :
- بردو مافيش أخبار عن ثائر يا أمجد ؟
تنفس مطولًا والتفت يطالع ملامحها المترقبة لذا ابتسم لها ونطق يهز كتفيه بمروارغة :
- علمي علمك ، حاولت اكلمه بس موبايله كان مقفول ، وامبارح حاولت اكلم ديما بس الشبكة كانت واقعة عندها ماسمعتش كويس ، مش عارف اعمل ايه في ابنك يا علياء هانم .
تجاوبت معه في حديثه ونطقت معترضة مثله :
- أيوا غلطان ، على الأقل كان يطمن على معاذ ويكلمه ، الواد يا حبيبي زعلان أوي وانا غلبت اقوله أعذار ، بس هقول إيه ، مهو مش جايبه من برا ، طالع لأبوه ، فاكر قبل ما نخلف كنا بنلف الدنيا كلها ، يا سبحان من خلاك تحب قعدة البيت أصلًا .
أومأ أمجد يردد :
- صح ، ثائر ابني طالعلي ، وأحمد طالع لعمه .
على ذكر سيرة أحمد تنهدت بحنين ونطقت بالقليل من الحماس :
- ياريت يا أمجد ينزل يستقر هنا زي ما قال ، امبارح كلمته اسأله وقال إنه بيخلص شغله وهييجي فعلًا ، أنا مستغربة إنه قدر يقنع مراته واولاده بس بقول لعله خير .
زفر بشرود يتمنى داخله لو حقًا جرت الأمور على خير لذا نطق بترقب :
- ما تجربي كدة ترني على ثائر !
أومأت تستل هاتفها وبالفعل حاولت الاتصال به وهي تتوقع صوت الخدمة الآلية ولكنها اندهشت حينما رن هاتفه ونطقت بلهفة عالية حينما أجابها :
- ثــائــــــــــر ، حبيبي ، ينفع الغيبة دي ؟
كان صوته هادئًا يحمل انزعاجًا حاول إخفاءه ليردف :
- ماعلش يا علياء هانم ، ابنك كان بيسرق من الدنيا شوية راحة .
رق قلبها له على الفور ونطقت بعاطفة وحنين :
- حقك يا حبيبي ، ربنا يريح قلبك ، بس وحشتني ، ومعاذ زعلان منك .
أطرق رأسه بحزن وتنهد يجيبها :
- ماتقلقيش كل حاجة هتتصلح ، يومين كمان وهكون عندكو ، ومعاذ أنا هكلمه .
زفرت بارتياح أمام نظرات زوجها الذي يطالعها ويبتسم لتجيبه :
- ماشي يا حبيبي ، سلم على ديما ، وخد كلم بابا .
ناولت الهاتف لأمجد الذي التقطه يتحدث إليه تحت أنظار علياء التي ارتاح قلبها .
❈-❈-❈
ليلًا
تتمدد على الفراش بجوار صغيريها ، غادرت مجبرة وتركته منزعجًا ومتجهم الملامح .
عقلها منشغلٌ به ، قلبها يؤنبها عليه ، ضميرها يتأرجح بينه وبين صغيريها لذا عليها أن تبدأ في الاستعدادات للعيش في المنزل الجديد وهذا ما ستتحدث فيه معه غدًا .
حاولت أن تغفو وتريح عقلها ولكن هذا شيء شبه مستحيل لذا تململت تنهض بهدوء وترجلت تنوي التحدث مع داغر .
خطت تغادر غرفتها وتتجه لغرفة شقيقها ، طرقت الباب بخفة لتترقب إن كان قد غفا أم لا .
فتح الباب يطالعها مبتسمًا بعدما ظنها بسمة ، أُحبطت أفكاره المنحرفة وتحمحم يردف بترقب :
- تعالي ، فكرتك بسمة .
أفسح لها فدلفت تبتسم له ثم أردفت وهي تتحرك نحو المقعد وتجلس عليه :
- علشان كدة كشرت .
اتجه يجلس قبالها بعدما أغلق الباب وأردف يبرر :
- لا طبعًا إزاي وانا اقدر !
تنفست ونظرت له للحظات ثم استطردت بتأهب :
- ثائر خرج يا داغر .
تجلت الصدمة على وجهه وتساءل بلهفة :
- خرج امتى ؟ وازاي ؟
ازدردت ريقها تجيبه باختصار :
- لقيته بيكلمني بيقول انهم اخلوا سبيله فجأة ، وهو دلوقتي في البيت الجديد .
تساءل بترقب :
- وانتِ عايزة تروحي دلوقتي !
هزت رأسها توضح :
- لاء أنا روحت شوفته أول ما كلمني .
قطب جبينه متعجبًا وعاد يتساءل :
- و ماقعدتيش معاه ليه ؟
تنفست تختصر وتغير الحوار :
- علشان مالك ورؤية ميعرفوش ، المهم دلوقتي أنا عايزاك تجهز بقى نفسك علشان كتب الكتاب ، تشوف هنعمله فين وامتى .
تذكر أمره لذا تحمس ونطق بعجالة :
- أيوة صح ، خلاص هكلم صالح ، لو كدة بقى يبقى نجهز السطوح ونتوكل على الله بعد بكرة ، وعرفي ثائر بردو علشان يبقى وكيل بسمة .
أومأت مبتسمة بملامح سعيدة تجيبه :
- هقوله ، وانت افتح الموضوع الصبح معاهم وربنا يقدم اللي فيه الخير .
تحمس كثيرًا ونطق :
- ماشي ، بس هقول لبسمة دلوقتي .
ابتسمت عليه ونهضت تتجه نحو الخارج وتردف :
- خلاص هروح انام علشان تروح تقول لبسمة ، تصبح على خير .
❈-❈-❈
في اليوم التالي
تستعد ديما لتذهب إليه بحجة الذهاب إلى المجلة بعدما علمت الأسرة أن ثائر سيعود بعد يومين وعليهم الاستعداد لحفلة كتب كتاب داغر ودينا.
كانت في غرفتها تجهز بعض الأغراض وتضعها خلسةً في حقيبة يدها الكبيرة بعض الشيء ، حاولت الاتصال به منذ قليل ولكنه لم يجبها ، مازال منزعجًا منها ، ألم يدرك أنها مجبرة ؟
من قال أن هذا الأمر يروق لها وكأنها تفعل خطيئة ؟ ولكنها في وضعٍ صعب وبين شقي الرحى ، لذا يجب أن يتفهمها .
زفرت واتجهت ترتدي حجابها لتذهب .
في الخارج كان يستعد داغر أيضًا ليذهب إلى صالح ليستعدا للحفلة القادمة ، كذلك ليخبره بعرض لوتشو.
أتجهت دينا تقف أمامه قبل أن يغادر وأردفت بتورد :
- ابقى قول لصالح ييجي يا داغر قبل كتب الكتاب علشان اتكلم معاه شوية .
أومأ لها وانحنى يرتدي حذاءه ثم اعتدل يشاركها الأمر فقال :
- هقوله ماشي ، وعلشان يكون عندك علم ، امبارح قابلت لوتشو ومقدم لنا عرض لشركتنا الجديدة ، هكلم صالح كدة واشوف رأيه إيه .
قطبت جبينها وتساءلت وهي تتكتف :
- عرض إيه ؟
حدق بها واحتار هل يوضح لها أكثر أم أنه أخطأ بإخبارها ؟ زفر واسترسل موضحًا حينما شعر برغبته في مصارحتها :
- بيعملوا صفقات مع الشركات الناشئة ، وهو رشح شركتنا وقال لي لو وافقت أبلغه قبل ما عيلته تشوف شركة تانية ، انتِ عارفة إن عرض زي ده هيفيدنا كتير، بس بردو لازم ندرسه كويس ، علشان كدة هشور على صالح ونشوف .
تهاوى قلبها ونطقت بترجٍ :
- لاء يا داغر بلاش العرض ده ، بلاش أي حاجة تربطكو مع شركته أصلًا .
يدرك قلقها منه ولم يرد تذكيرها بما فعله لوتشو معهم كي يجدوها وبأن الفضل لله ثم له في العثور عليها وإلا حدث مالا يحمد عقباه لذا زفر وأردف ببعض الغموض :
- ماشي يا دينا ، ربنا يقدم اللي فيه الخير .
لاحظت نبرته التي تعرفها لذا تمسكت بذراعه تطالعه بنظرات تحمل خوفًا هجم عليها حينما تذكرت ونطقت قائلة :
- أنا عارفة إن هو اللي عرف مكاني وقالكو عليه ، بس أنا بخاف منه يا داغر ، إنت كان معاك حق من الأول ، ماتتصلش عليه ، وشركتنا هنعملها دعاية وتسويق صح وانا اعرف عملاء كتير من الصين ممكن نتواصل معاهم ونعقد صفقات بس بلاش لوتشو .
تعمق في عينيها لثوانٍ وأخذ يفكر ، هل هي محقة في قلقها أم أنها تبالغ بسبب ما حدث ؟ أم أن ذلك اللوتشو له غرض خبيث حقًا ؟
زفر بقوة وأومأ لها ينطق بضيق لأنه أحبط بعدما تأمل :
- خلاص يا دينا ماتقلقيش ، قلتلك ربنا يقدم اللي فيه الخير .
ازدردت ريقها وتركت يده ليلتفت و يغادر ولكن ما إن فتح الباب حتى تفاجأ بامرأة تقف أمامه وترتدي ملابس لا تناسب محيطه لذا تساءل مستفسرًا :
- مين حضرتك ؟
نظرت له نظرات متفحصة لثوانٍ ولم تخجل من التحديق به وبتفاصيله حتى تجلى الإعجاب على ملامحها وابتسمت تتساءل بخبثٍ فرنسي :
- هل ديما هنا ؟
تفاجأ من لهجتها وأدرك أنها زوجة ثائر لذا احتدت ملامحه وتأهب وشقيقته تجاوره تطالعها بتعجب ، لم يوجه لها كلامًا لأنها لن تفهمه لذا نطق وهو يتكتف ويطالعها بتهكم :
- روحي نادي ديما يا دينا .
أومأت وتحركت تنادي شقيقتها التي جاءت على الفور تجاور داغر وتطالع هذه الزائرة بصدمة استمرت لثوانٍ ثم تساءلت :
- ماذا تريدين ؟
ابتسمت مارتينا ونظرت لها بشمول ثم نظرت لداغر الذي يجاورها بحماية بعدما أمر من دينا أن تدخل غرفتها لتعود لديما وتردف بنبرة ثعبانية :
- هل يمكن أن نتحدث قليلًا بشأن ثائر ؟
أدركت ديما أنها لا تعلم بخروجه لذا نطقت بنبرة حادة :
- لا يوجد ما نتحدث به ، غادري من هنا .
ثبتت أنظارها عليها ، لم تأتِ لتتحدث عن ثائر معها بل أتت لتستدرجها إلى مكانٍ ما وتحاول الخلاص منها بأي شكلٍ وبخطط فوضوية لذا أردفت :
- أعلم أنني كنت فظة أمس معكِ ، ولكن ما يهمنا سويًا هو خروج ثائر ، لذا دعينا نذهب إلى مكانٍ ما ونتحدث .
انزعجت ديما وظهر ذلك بوضوح أمام شقيقها لذا اندفع داغر ينطق بنبرة صلدة وبلغة انجليزية :
- غادري الآن .
نظراته الحادة جعلتها تتفحصه مجددًا بنظرات إعجاب يخفيها المكر ثم عادت تنظر إلى ديما بتجهم شديد ومقلتين يتراقص فيهما الحقد ليظهر فجأة توماس وينادي من منتصف الدرج :
- مارتينا ؟
التفتت تطالعه بتعجب فصعد يجاورها تحت أنظار ديما وداغر .
وقف توماس ينظر الى ديما ونطق مبتسمًا :
- مرحبًا ديما .
استرسل وهو يلتفت إلى مارتينا بمغزى :
- لم جئتِ إلى هنا ؟ هيا لنغادر .
تجهمت وأدركت أنه يتتبعها لتردف ديما بانزعاج :
- نعم غادرا الآن من فضلكما .
أردف توماس معتذرًا :
- أعتذر منكما.
سحب مارتينا التي استسلمت وتحركت معه وغادرا من حيث أتيا ووقفت تتنفس وتفكر عن سبب اقتحامها لمنزلها وأي جرأة تملكتها لتأتي إليها ، وهل اللواء رشدي يعلم أم تهاتفه وتخبره ؟
نطق داغر بقلق :
- هما عرفوا عنوان البيت هنا منين ؟
بشرودٍ نطقت والتوتر يلازمها :
- ممكن تكون راحت المجلة وسألت ، للأسف هناك معروف إنها مرات ثائر.
نطق شقيقها بانزعاج وهو يخطو للخارج :
- مهو لازم يحط حل للوضع ده يا ديما، ماينفعش كدة .
تنهدت بعمق وأومأت بشرود ليغادر وتتجه هي عائدة إلى غرفتها تستل حقيبتها وتغادر أيضًا كي تذهب إلى ثائر وتحمد ربها أن الصغار مع بسمة في غرفتها ومنال ذهبت للتسوق .
❈-❈-❈
بعد ساعة
وصلت إلى المنزل وترجلت تخطو بحماسٍ لتراه ، نفضت عنها ما حدث بعدما أخبرت رشدي وطمأنها بأنه يتتبعهما .
دلفت تبحث عنه بعينيها وتنادي :
- ثائر ؟
كان يقف في المطبخ يعد قهوته ولم يجِبها ، يُبدي غضبه منها ، لمحته لذا تخلت عن حجابها وتركت شعرها للعنان ثم تحركت نحوه تجاوره وتردف بمشاكسة وهي تلكزه :
- وحشتني .
تهافتت رائحة خصلاتها لتتوغل أنفه لذا التفت يحدق بها فوجدها تبتسم ابتسامتها التي تجبره على مبادلتها لذا أسرع يلف وجهه ويستل كوب قهوته ويرتشف منه القليل ثم عاد يطالعها راسمًا الجدية على ملامحه ونطق بنبرة قاسية دون عمد :
- هنفضل مقضيينها كدة اليومين دول كإننا بنعمل حاجة غلط ؟
انزعجت من أسلوبه ولكنها حاولت أن تتفهمه فنطقت وهي تحضر لها كوب قهوة مثله :
- اديك قلت يومين ، وبعد كدة هنعيش هنا كلنا ، هانت خالص يا ثائر صبرت كل ده مش قادر تصبر يومين ؟
أظهر تسلطه ونطق بانزعاج وحدة :
- لاء مش قادر ، إنتِ عارفة أنا مريت بإيه طول الأسبوع اللي فات ؟ عارفة ليلة امبارح عدت عليا إزاي ؟
تنفست بعمق واحتلها الضيق والتفتت تحدق به لثوانٍ ثم أومأت مرارًا تردف بهدوء ظاهري :
- تمام ، إنت معاك حق ، بس حط نفسك مكاني وقول لي كنت هتصرف إزاي ؟
حاول أن يهدأ لذا زفر ونطق :
- ماشي ، خليكي معايا النهاردة وعرفي داغر وهو يقول لمالك إنك سافرتي في شغل .
مسحت على وجهها لتهدأ ثم هزت رأسه تجيبه بأسفٍ :
- مش هينفع ، مالك هيفهم ، أنا حاسة إنك مدي الموضوع أكبر من حجمه يا ثائر ، هما يومين اتنين بس .
هز رأسه يوضح :
- مش يومين يا ديما ، ماينفعش نتنقل هنا كلنا غير لما يتقبض على مارتينا وتوماس ، ده غير غرف الولاد لسة مش ماجهزتش ، حاولي تلاقي حل .
طالعته بتعجب ، مالِ هذا الرجل بات متسلطًا وطفوليًا ؟ أم أن السجن قد غيره ؟ ألا يستطيع الصبر قليلًا ، ما سبب إصراره على بقائها معه ليلًا إن كانت ستأتي إليه كل يوم ؟ ألا يشعر بالقليل من المسؤولية تجاه الكثير من الأمور ؟ كيف ستجد حلًا في وعدٍ وعدته لصغيرها ؟
حاولت مواجهته بعدما فاض صبرها لذا أردفت بعبوس وتجابهه بمنطق :
- أنا مش مجبرة ألاقي حل يا ثائر ، إنت اللي مجبر تتحمل الوضع اللي كلنا محطوطين فيه زي ما انا اتحملت معاك حتى من قبل ما اعرف كل حاجة ، من البداية لما حسيت إن اعلان جوازنا في ضرر عليك وأنا صبرت وقلتلك هتحمل ، ولما نزلت مصر من غيرك وأنا مش فاهمة حاجة وقعدت بعيد عن ولادي وبردو صبرت عليك ، موضوع المهمة وسجنك وبعدك عني اللي صبرت عليه واتحملته ، ماينفعش بعد ما تخرج تحطني في الوضع ده ، مش كدة بجد أنا مابقتش مستحملة .
نطقت الأخيرة بنبرة متعبة والتمعت عيناها أمامه لذا أسرعت تتحرك قبل أن تفيض دموعها ووقف يطالعها ويفكر فيما يصيبه ، هل حقًا بقاءه في الحجز لمدة أسبوع جعله يتعلق بها هكذا ؟ أم غيرته التي لم تنطفئ في قلبه من تفكير توماس بها ، أم أنه تعب من كثرة الصراعات التي استحوذت على حياته ؟
❈-❈-❈
حل المساء
اصطحب داغر صالح معه إلى المنزل ليرى دينا ، وكالعادة جلس ينتظرها ، يتوق لرؤيتها ، ربما هذه المرة خرجت إليه محجبة ؟
ربما لهذا طلبت من داغر أن تراه ؟
ابتسم على تمردها حينما وجدها تدخل الغرفة وترتدي بنطال جينز وبلوزة مرتبة وتضع على شعرها إيشارب صغير تلفه حول رأسها من خلف رقبتها ليظهر خصلاتها الأمامية والخلفية لذا نطق مستنكرًا باندهاش :
- هاد هو الحجاب يا دينا ؟
ابتسمت تجلس وتجيبه بحب :
- لاء ، لسة هنزل اشتري ، على فكرة كنت بجرب طُرح ماما بس ولا واحدة منهم نفعت معايا .
أومأ بتفهم وتساءل باهتمام ونبرة لينة :
- احكي شو بدك يا ست البنات ؟
انتعشت حبًا وأردفت تبوح بما تشعر :
- كان نفسي أشوفك .
أومأ وتوغلته سعادةً من حبها له لذا أجابها بشعورٍ متبادل :
- وهاد إحساسي علطول ، وبقول اصبر يا صالح كلها يومين ونكتب الكتاب وبعدها مش هنطول .
توغلتها سعادةً جعلت داخلها يحلق لذا تنهدت وتساءلت باستفهام :
- طب والشقة والفرح يا صالح ؟
أجابها بتريث :
- الشقة اخدت مفتاحها الصبح ووقعنا عقود الإيجار ، بعد ما نكتب الكتاب باخدك تشوفيها ، والعرس ما بعرف كان عندي اقتراح إذا بتقبلي فيه بنعمله ، وإذا لاء مش مشكلة .
قطبت مستفهمة :
- اقتراح إيه ؟
تنهد يستطرد بتروٍ :
- شو رأيك لو نعمل زفة وبدل العرس نطلع عمرة أنا واياكي ؟
لم تكن تتوقع هذا على الإطلاق لذا تجلت الدهشة على ملامحها وتساءلت باستفهام :
- اشمعنى يا صالح ؟
تنهد مطولًا بحرارة وغطت الغيوم مقلتيه وهو يوضح بألمٍ لم يرِد أن يصل إليها :
- بتعرفي الوضع اللي بتمر فيه غزة ، حاسس حالي عاجز عن حاجات كتيرة ، إيديي مكبلين ومابعرف شو ممكن أعمل ، لدرجة إنه أحيانًا بقول ياريت لو فيي ارجع واستشهد هناك بين اهلي واخوتي بس حتى هاي مش زابطة ، لهيك فكرت لو اعمل عمرة لأمي واخواتي وادعي الله يرفع هالغمة ، أنا عملت عمرة قبل هيك بس هالمرة نفسي اروح معك ، حاسس إنو فرحتي بهالظروف حرام علي .
عبر لها عما يشعر ليتفاجأ بعينيها تفيض بالدموع ومدت يدها تمسك بكفه وتومئ قائلة :
- تمام خلاص نروح ، ماعنديش أي مشكلة ، بس إنت فرحتك مش حرام يا صالح ، ربنا هو اللي أراد أنك تخرج من هناك ، وبعدين إنت خرجت علشان باباك كان في حالة خطرة مش علشان تهرب .
زفر ومد يده الأخرى ينتشل محرمة ورقية من فوق الطاولة ويمدها لها مستطردًا بابتسامة يخفي بها ألمه :
- امسحي هالدموع الغالية بالأول وإلا مش راح احكي شي تاني ، هيك بتخليني ما عاد أفتحلك قلبي .
نظرت في مقلتيه لتدرك أنه يخفي ألمه عنها لذا نطقت باندفاع نتج عن تعاطفها معه :
- ينفع أحضنك ؟
تفاجأ واستطاعت انتشاله من أفكاره الحزينة وعجزه عن مساعدة أهله لذا طالعها لبرهة ثم ابتسم ومد يده يسحب رأسها إليه ويقبلها بحب ثم ابتعد يردف بتأنٍ :
- بيكفيني انك وافقتي ، ووعد مني هالحضن واجب عليا بعد كتب الكتاب .
ابتسمت له تطالعه بشرود وهو يلتقط العصير ويتناوله ليغير دفة الحوار ، دار في عقلها عدة تساؤلات حول شخصيته وهل حقًا هذه حقيقته كاملة أم أنها ستكتشف الكثير بعد الزواج ، وهل هذا الكثير جيد أم سيء ؟
إنه هاديء ، حكيم ، متزن ، لا يعرف طريق الاستغلال ، ومراعٍ لمشاعرها ، هل سيظل هكذا معها أم أن هذا الدلال مخصص لفترة الخطبة فقط؟
قلبها يخبرها العكس وعقلها مشتت ولكن من المؤكد أنها أحبته كثيرًا .
يتبع...